- شبهة امرأة جهم مع أبي حنيفة
- بيان الدس و التحريف في كتاب الضعفاء و المتروكين للإمام البخاري 2/1
- بيان الدس و التحريف في كتاب الضعفاء و المتروكين للإمام البخاري 2/2
- الرؤى المنامية
- قصة أبي حنيفة مع المرأة الجهمية
شبهة امرأة جهم مع أبي حنيفة
قال البخاري في التاريخ الصغير، ما نصه : “سمعت إسماعيل بن عرعرة يقول: قال أبو حنيفة: جاءت امرأة جهم إلينا فأدبت نسائنا”. انتهى
وهذا الأثر لا يمكن الاحتجاج به للطعن في أبي حنيفة لأمور منها
1- أولا: اسماعيل بن عرعرة، أبوه هو عرعرة ابن البرند.
جاء في تهذيب الكمال للحافظ المزي ما نصه: عرعرة بن البرند بن النعمان بن علجة القرشي….وهو والد محمد بن عرعرة وسليمان بن عرعرة وإسماعيل بن عرعرة، وجد إبراهيم بن محمد بن عرعرة….قال أبو بكر بن أبي عاصم : مات سنة اثنتين وتسعين ومائة”. انتهى
وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى: “توفي في جُمَادى الآخرة أو رجب سنة اثنتين وتسعين ومائة في خلافة هارون وهو ابن اثنتين وثمانين سنة”. انتهى
اي أن عرعرة بن البرند ولد سنة 110 هجري. فالجزم بأن ابنه أدرك أبا حنيفة المتوفى سنة 150 هجري، غير وارد.
فلو علمنا ان أخوه ابراهيم ولد بَعْدَ سنة 160 هجري، أَوْ قَبلَهَا، كما في السير للذهبي، فهذا يؤيد القول بان اسماعيل لم يدرك أبا حنيفة، وهذا رأي الشيخ محمد زاهد الكوثري حيث حكم بانقطاع الرواية، فقال : «وأما قول أبي عبد الله بن الجعفي «البخاري صاحب الصحيح» في «تاريخه الصغير» : سمعت إسماعيل بن عرعرة يقول: قال أبو حنيفة: جاءت امرأة جهم إلينا فأدبت نسائنا. فليس بأحسن حالاً من سابقه بالنظر إلى تأخر طبقة إسماعيل بن عرعرة، فبينة وبين أبي حنيفة انقطاع”. انتهى
وذهب غيره كالمعلمي بتجويز اللقاء بينه وبين أبي حنيفة، فقال في تنكيله: ” لعرعرة بن البرند البصري ابناً اسمه إسماعيل، وعرعرة ولد سنة 110 ومات سنة 193 فلا مانع أن يكون له ابن أدرك أبا حنيفة ثم عاش حتماً حتى أدركه البخاري، وقد مر في ترجمة أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن أن البخاري لا يروي إلا عن صدوق يتميز صحيح حديثه من سقيمه”. انتهى
وحتى على القول بان اسماعيل هذا أدرك أبا حنيفة، فكيف يمكن الجزم بأنه لم يكن صبيا دون سن التحمل؟
وهذا مما بتطرق إليه الاحتمال، وبالتالي يبطل الاستدلال به.
2- ثانيا: اسماعيل بن عرعرة مجهول الحال في الحديث، بل لم يذكر واحد من العلماء أنه تلقى الحديث من والده أصلا.
قال الكوثري: ” وإسماعيل بن عرعرة هذا مجهول الصفة لم يذكره أحد من أصحاب التواريخ التي اطلعنا عليها حتى البخاري … نعم له ذكر في كتابة «السنة» لعبد الله بن أحمد في ص 27 و154 بما يدل أنه بصري معاصر لعباس عبد العظيم العنبري، وليس في هذا أدنى غناء بعد أن أعلم أنه لم يرو أحد من أصحاب الأصول الستة عن ابن عرعرة هذا» . انتهى
وما قاله الكوثري هو العمدة في هذا الباب ولا التفات لما قاله المعلمي في تنكيله: “وقد يكون الرجل ثقة مقلا من الرواية إنما لا يروي قليلاً من الحكايات فلا يعتني به أهل التواريخ ولا يحتاج إليه في الأمهات الست”. انتهى
والا لصح توثيق كل المجاهيل بدعوى التقليل في رواية الحديث.
3-ثالثا: كتاب التاريخ الصغير للبخاري: فيه جملة من التحريفات والتغييرات، لا يمكن معها الوثوق بصحة كل النصوص الموجودة فيه. انتهى
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/dfrsg4UzQSDx6aWK/
رابط ذو علاقة:
فهرسة رد الطعون عن أبي حنيفة النعمان
https://www.facebook.com/share/p/ZmR59G5DiyoVHSYG/
بيان الدس و التحريف في كتاب الضعفاء و المتروكين للإمام البخاري 2/1
في ما يلي نسختين من كتاب “الضعفاء و المتروكين” المشهور بالضعفاء الصغير للإمام البخاري.
أ-النسخة الأولى: بتحقيق محمود ابراهيم زايد، ليس فيها ترجمة لأبي حنيفة بالمرة تحت باب النون.
ب- النسخة الثانية: تحقيق حافظ زبير علي زئي، سماه تحفة الأقوياء في تحقيق كتاب الضعفاء. وفي هذه النسخة، يوجد ترجمة لأبي حنيفة تحت حرف النون و تقريبا 4 روايات في الطعن فيه، ليست موجودة في النسخة السابقة، وهي الروايات التي يعتمدها المتعصبون للطعن في الإمام الأعظم.
وهذا وحده كاف في بيان حجم التحريف الموجود في هذا الكتاب.
يتبع في المقال القادم باذن الله المقارنة بين النسخ المخطوطة لكتاب الضعفاء للإمام البخاري
بيان الدس و التحريف في كتاب الضعفاء و المتروكين للإمام البخاري 2/2
ليعلم أولا أن علوم الدين تؤخذ بالمشافهة و بالأسانيد المتصلة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الكتب التي ألفها الفقهاء فإنه ينبغي تلقيها بسند متصل لمؤلفها حتى يتم توضيح المسائل و اصلاح التصحيف و الزلل. فاعتماد المسلمين عامة في علوم الدين كان على المذاكرة، و أما الكتب فهي للتقييد و المذاكرة.
واما هؤلاء المشبهة منقطعي السند فغاية اعتمادهم على الكتب دون الاهتمام بالسند، لذلك نجدهم كالحمر المستنفرة كلما بيّينا مواضع التحريف في بعض المخطوطات الاسلامية.
واليوم يوجد في المكاتب الإسلامية كتابان مطبوعان في الضعفاء منسوبان للإمام البخاري، أحدهما باسم “الضعفاء” و الثاني باسم “الضعفاء الصغير”.
وقد ذكر حاجي خليفة في كتابه “كشف الظنون” : كتاب الضعفاء للبخاري، ضمن ما ألف في علم الثقات والضعفاء، وسماه: “كتاب الضعفاء”.
بينما ذكر فؤاد سزكين أن اسم كتاب البخاري هو “الضعفاء الصغير” واعتمد في هذا الاسم على الطبعة الهندية. ولم يذكر له في الضعفاء غير هذا الكتاب.
ومن الملاحظ أن كتاب الضعفاء بتحقيق أبي العينين قد زاد على الكتاب الآخر بـ 24 ترجمة، موجودة في أحدهما دون الآخر.
وقد اعتمد أكثر المحققين لهذا الكتاب على مخطوطين، هما:
1 -نسخة السليمانية، المحفوظة، وهي وقف من السلطان سليم خان، وهي عبارة عن 19 ورقة. وحملت اسم “الضعفاء”، وهي نسخة تامة، نسخت سنة 731 هـجري.
2 -نسخة مكتبة الجامع الكبير الغربية – صنعاء، وهي منسوخة في إدارة المخطوطات والمكتبات الإسلامية بوزارة الأوقاف الكويتية، وهي عبارة عن 14 ورقة، وحملت اسم “الضعفاء والمتروكين”، نسخت سنة 645 هـجري وعليها
سماع سنة 509 هـجري وهي مخرومة من البداية، تبدأ بترجمة زيادة بن محمد. ويبدو أن العنوان من وضع ِ المفهرس، لانخرام صفحة الغلاف وما بعدها.
ومن خلال المقارنة بين المخطوطين يظهر لنا أوجه عدة من الاختلاف بينهما، وهذه الوجوه تنحصر فيما يأتي:
1 -الزيادة في أنساب الرواة
2 -الإجمال والإسهاب في التراجم: وذلك بزيادة تعريف بالراوي، بذكر شيوخ أو تلاميذ لم يذكرهم الكتاب
الآخر.
3 -الزيادة في ذكر ألفاظ الجرح في الراوي في أحدهما والاقتصار في الآخر: ويظهر أن كل كتاب يزيد أشياء غير موجودة في الآخر، ولكن الضعفاء يوافق التاريخ الكبير دائماً، بينما يأتي الضعفاء الصغير بزيادات غير موجودة في التاريخ الكبير، مما يرجح أنها ليست من أصل كتاب الضعفاء،
ولعلها من نسخة مخطوطة أخرى، أو من تحريف بعض النساخ أو تعليقاتهم على هامش النسخة التي اعتمدت عليها المكتبة الأثرية الهندية والتي هي الأصل الذي نقل عنه نص كتاب الضعفاء الصغير.
4 -الاختلاف في الحكم على الرواة تغييراً في الألفاظ:
ومثال ذلك :يحيى بن يعقوب بن مدرك بن سعد أبو طالب القاص الأنصاري: قال في الضعفاء: منكرالحديث. وقال في الصغير: “يتكلمون فيه”.
5 -تراجم موجودة في أحدهما دون الآخر:
زاد كتاب الضعفاء على الضعفاء الصغير أربعاً وعشرين ترجمة، حيث أثبتت في الضعفاء وسقطت من الضعفاء الصغير، وجميع هذه التراجم، ما خلا ترجمتين، منها ليست موجودة في التاريخ الكبير للبخاري.
وكمثال على هذه التراجم، ترجمة النعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي.
فيتلخص مما تقدم أن الضعفاء والضعفاء الصغير هما ٌ كتاب ٌ واحد للإمام البخاري، واسمه “الضعفاء” بدون أي ٍ قيد آخر، وهو ما ُذِكر بوضوح في المخطوطة التي نقل عنها أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين محقق الكتاب، والظاهر أنها المخطوطة المحفوظة في السليمانية. وأما الاسم الآخر فهو تصرف من الناسخ. أما المحقق فقد نقل ما وجده في نسخة المكتبة الأثرية الهندية.
وأما الزيادات التي ذكرت في الضعفاء الصغير ولم توجد في كتاب الضعفاء فهي ليست منها وهي ليست موجودة في الأصل الذي نُقل منه هذا الكتاب، وهذا يرجح أنها ربما تكون عبارة عن تعليقات أو إلحاقات على هوامش النسخة التي نقل عنها نص الكتاب أو ٱثار دسّ وهو الأقرب في رأينا.
والظاهر ان ابن عبد البر كان قد نظر في المخطوطة المحرفة لما قال في كتاب الانتقاء: “ممن طعن عليه وجرحه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، فقال في كتابه في الضعفاء والمتروكين: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، قال نعيم بن حماد: نا يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ، سمعا سفيان الثوري يقول: قيل: استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين. وقال نعيم عن الفزاري: كنت عند سفيان بن عيينة، فجاء نعي أبي حنيفة، فقال: لعنه الله، كان يهدم الإسلام عروة عروة، ما ولد في الإسلام مولود أشر منه. هذا ما ذكره البخاري”. انتهى
ولذلك أيضا انتقد الزليعي ابن عبد البر في ما نقله عن البخاري فقال في نصب الراية: “وَمَا يذكرهُ ابْن عبد الْبر عَن البُخَارِيّ كَانَ من تَمام النَّصفة، أَن ينظر فِي سَنَده”. انتهى
#منقول بتصرف
الرؤى المنامية
قال الخطيب في تاريخ بغداد ما نصه: “أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال نبأنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان قال نبأنا أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن قال سمعت محمد بن نصر الترمذي -الفقيه الشافعي المعروف- يقول كتبت الحديث تسعا وعشرين سنة وسمعت مسائل مالك وقوله ولم يكن لي حسن رأي في الشافعي فبينا أنا قاعد في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة إذ غفوت غفوة فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقلت يا رسول الله أكتب رأي أبي حنيفة قال لا، قلت أكتب رأي مالك قال ما وافق حديثي قلت له أكتب رأى الشافعي فطأطأ رأسه شبه الغضبان لقولي وقال ليس هذا بالرأي هذا رد على من خالف سنتي فخرجت على أثر هذه الرؤيا إلى مصر فكتبت كتب الشافعي”. انتهى
وروى عن احمد بن الحسن الترمذي قال: كنت في الروضة فاغفيت فاذا النبي قد اقبل، فقمت اليه فقلت: يا رسول اللّه قد كثر الاختلاف في الدين، فما تقول في راي ابي حنيفة؟ فقال: اءف، ونفض يده، قلت: فما تقول في راي مالك؟ فرفع يده وطاطا، وقال: اصاب واخطا، قلت: فما تقول في راي الشافعي؟ قال: بابي ابن عمي، احيا سنتي”. انتهى
وروى عنه أيضا أنه قال: رايت رسول اللّه في المنام فقلت: يا رسول اللّه اما ترى ما في الناس من الاختلاف؟ قال: فقال لي: في اي شيء؟ قال: قلت: ابو حنيفة ومالك والشافعي. فقال: اما ابو حنيفة فما ادري من هو، واما مالك فقد كتب العلم، واما الشافعي فمني والي”. انتهى
وقد احتجت المجسمة بهذه الٱثار للقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرض في المنام رأي أبي حنيفة.
ومذهب أبي حنيفة هو من اكثر المذاهب اتباعا عند المسلمين، فكأن هؤلاء الرعاع يريدون القول بأن عامة المسلمين من أتباع المذهب الحنفي يتعبدون الله بخلاف سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
-الوجه الأول: هذه الرؤى المنامية تعارضها رؤى أخرى ذكرها الذهبي في مناقب أبي حنيفة حيث قال: “أَبُو بِشْرٍ الدُّولابِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْبَرْتِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ، سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: ” رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ: إِلامَ صِرْتَ؟ قَالَ: غُفِرَ لِي، قُلْتُ: بِمَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَمْ نَجْعَلْ هَذَا الْعِلْمَ فِيكَ إِلا وَنَحْنُ نَغْفِرُ لَكَ، قُلْتُ: فَمَا فَعَلَ أَبُو يُوسُفَ؟ قَالَ: فَوْقَنَا بِدَرَجَةٍ، قُلْتُ: فَأَبُو حَنِيفَةَ؟ قَالَ: فِي أَعْلَى عِلِّيينَ “.
مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْمُصَيْصِيُّ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ وَاقِدٍ، ثَنَا الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ الْحَسَنِ إِمَامُنَا، قَالَ: ” رَأَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ يَا أَبَا حَنِيفَةَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، قُلْتُ لَهُ: بِالْعِلْمِ؟ قَالَ: مَا أَضَرَّ الْفَتْوَى عَلَى صَاحِبِهَا! قُلْتُ: بِمَ؟ قَالَ: بِقَوْلِ النَّاسِ فِيَّ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ مِنِّي “.
مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ أَيْضًا، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اللَّيْثِيُّ، ثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، ثَنَا عَبَّادٌ التَّمَّارُ، قَالَ: ” رَأَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: إِلامَ صِرْتَ؟ قَالَ: إِلَى سَعَةِ رَحْمَتِهِ، قُلْتُ: بِالْعِلْمِ؟ قَالَ: هَيْهَاتَ! لِلْعِلْمِ شُرُوطٌ وَآفَاتٌ قَلَّ مَنْ يَنْجُو، قُلْتُ: فَبِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: بَقَوْلِ النَّاسِ فِيَّ مَا لَمْ أَكُنْ عَلَيْهِ “. انتهى
-الوجه الثاني: من المقرر شرعا أنه لا تثبت الأحكام الشرعية او غيرها بالرؤى والمنامات، لانه من المحتمل أنه قد طرأ خلل في سمع الرائي.
-الوجه الثالث: هذه الرؤى ليست على اطلاقها، وانما تتعلق بمسائل مخصوصة سأل عنها السائل فبيّنها له النبي صلى الله عليه وسلم، و أشار للمذهب الذي أصاب فيها الحق أكثر من غيره من المذاهب
رابط ذو علاقة
قصة أبي حنيفة مع المرأة الجهمية
بسم الله الرحمن الرحيم
يسْتَدِلُّ المجسمة على أن الله تعالى في السماء بمعنى أنه في مكان اسمه السماء، وأنه في جهة فوق بقصة تُروى عن الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه ذكرها الإمام البيهقي رحمه الله تعالى في كتاب الأسماء والصفات في الصحيفة 4288 – طبعة دار إحياء التراث – حيث قال: “أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنا أبو محمد بن حيان ، أنا أحمد بن جعفر بن نصر ، ثنا يحيى بن يعلى ، قال : سمعت نعيم بن حماد ، يقول : سمعت نوح بن أبي مريم أبا عصمة ، يقول: كنا عند أبي حنيفة أول ما ظهر إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهما ، فدخلت الكوفة ، فأظنني أقل ما رأيت عليها عشرة آلاف من الناس تدعو إلى رأيها فقيل لها : إن ههنا رجلا قد نظر في المعقول يقال له : أبو حنيفة. فأتته ، فقالت : أنت الذي تعلم الناس المسائل وقد تركت دينك ؟ أين إلهك الذي تعبده ؟ فسكت عنها ، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها ، ثم خرج إليها وقد وضع كتابين : الله تبارك وتعالى في السماء دون الأرض. فقال له رجل : أرأيت قول الله عز وجل : “وهو معكم” ؟ قال : هو كما تكتب إلى الرجل : إني معك وأنت غائب عنه” انتهى
وقد علق البيهقي على هذه الحكاية بقوله: ” قلت : لقد أصاب أبو حنيفة رضي الله عنه فيما نفى عن الله عز وجل من الكون في الأرض . وفيما ذكر من تأويل الآية وتبع مطلق السمع في قوله : إن الله عز وجل في السماء ومراده من تلك والله أعلم ، إن صحت الحكاية عنه ، ما ذكرنا في معنى قوله : ” أأمنتم من في السماء” وقد روى عنه أبو عصمة أنه ذكر مذهب أهل السنة ، وذكر في جملة ذلك : وإنا لا نتكلم في الله بشيء.
وهو نظير ما روينا عن سفيان بن عيينة فيما أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، أنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم ، ثنا إسحاق بن موسى ، قال : سمعت ابن عيينة ، يقول : ما وصف الله تعالى به نفسه فتفسيره قراءته ، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تبارك وتعالى ، أو رسله صلوات الله عليهم”. انتهى
و الرد على هذه الشبهة أن يقال أن الإمام البيهقي أشار إلى ضعف هذه القصة بقوله:”إن صحت الحكاية عنه”، ثم إن سند القصة فيه:
– أبو عصمة نوح ابن أبي مريم الوضاع:
قال البخاري: “قال بن المبارك: لوكيع حدثنا شيخ يقال له أبو عصمة كان يضع كما يضع المعلى بن هلال”
وقال:” نوح بن أبي مريم أبو عصمة المروزي قاضي مَرْو منكر الحديث”
وقال في موضع آخر: “نوح بن أبي مريم ذاهِبُ الحديث جِدًا”
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: “كان أبو عصمة يروي أحاديث مناكير”.
وقال أحمد بن سعد: “سألت يحيى بن معين عن نوح بن أبي مريم فقال ليس بشيء ولا يُكتب حديثه”.
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: “أبو عصمة نوح بن أبي مريم قاضي مَرْو يسقط حديثه”.
وقال أبو زرعة:” ضعيف الحديث”.
وقال أبو حاتم ومسلم بن الحجاج وأبو بشر الدولابي والدارقطني: “متروك الحديث”..
وقال النسائي: “أبو عصمة نوح بن جعونة وقيل نوح بن يزيد بن جعونة وهو نوح بن أبي مريم قاضي مرو ليس بثقة ولا مأمون”.
– نعيم ابن حماد: متهم بالكذب على أبي حنيفة. قال ابن حجر في تهذيب التهذيب:”قال النسائي: ضعيف.
وقال غيره كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات في ثلب أبي حنيفة كلها كذب”.
ثم إن الإمام البيهقيّ قال ذلك الكلام على تقدير صحة الرواية، ومجرد قوله على فرض صحتها فيه إشارة إلى تضعيفها أو شكه فيها، ولا يخفى عليه حال هذين الوضاعين. وقد حمل رحمه الله هذه القصة وفق طريقته في اعتماد ألفاظ القرآن مع نفي ظاهر معنى اللفظ عن الله، فقال إن أبا حنيفة -على صحة ورودها عنه- جرى على مطلق القول بأن الله تعالى في السماء كما ورد ذكر ذلك في ظاهر بعض الآيات القرآنية. بدليل قوله: “وتبع مطلق السمع في قوله : إن الله عز وجل في السماء”.
ثم إن الإمام البيهقي قال: ” ومراده من تلك والله أعلم ، إن صحت الحكاية عنه ، ما ذكرنا في معنى قوله : ” أأمنتم من في السماء” . وقد قال رحمه الله في الجزء 2 من كتاب الأسماء و الصفات تحت باب قول الله عز وجل لعيسى عليه السلام: إني متوفيك و رافعك إلي ما نصه: ” أأمنتم من في السماء – الملك 16 – وقد ذكرنا أن معناه من فوق السماء على العرش كما قال ” فسيحوا في الأرض أَيْ : فَوْقَ الأَرْضِ ، فَقَدْ قَالَ : يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَقَالَ : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى – سورة طه آية 5 – , ثُمَّ قَدْ مَضَى قَوْلُ أَهْلِ النَّظَرِ فِي مَعْنَاهُ ، وَحَكَيْنَا عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا تَرْكَ الْكَلامِ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ، هَذَا مَعَ اعْتِقَادِهِمْ نَفْيَ الْحَدِّ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” انتهى
فالحاصل أن كلام الإمام أبي حنيفة في هذه القصة وافق بعض متقدمي الأشعرية الذين كانوا يقولون عن الله أنه في السماء اتباعا لظاهر النص القرآني مع تنزيه الله عن الْحَدِّ و الحيز وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وتفويض معنى ذلك لله وحده وهو قول البيهقي: “وهو نظير ما روينا عن سفيان بن عيينة فيما أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، أنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم ، ثنا إسحاق بن موسى ، قال : سمعت ابن عيينة ، يقول : ما وصف الله تعالى به نفسه فتفسيره قراءته ، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تبارك وتعالى” انتهى
فهذا هو معتقد الإمام أبي حنيفة الذي أراد البيهقي اظهاره و توضيحه من خلال هذه القصة لا على المعنى الذي تذهب إليه المجسمة من اثبات العلو الحسي و الحد و المكان.
والعجب من المجسمة كيف يحتجون بالإمام أبي حنيفة الذي يبغضونه للاستدلال على عقائدهم الفاسدة، وهذا دليل على انحطاط طريقتهم وتصدع حججهم، وتمسكهم بكل كذب ومحال.
