- نقض دعوى أن أبا حنيفة أجاز أكل الخنزير
- إِسْمَاعِيل بن سعيد الشالنجي المتوفى سنة 230 أو 246 هجري
- نقض نسبة القول بفناء الجنة والنار لأبي حنيفة وأبي مطيع البلخي
نقض دعوى أن أبا حنيفة أجاز أكل الخنزير
ليعلم أن مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه هو تحريم أكل لحم الخنزير قطعا وتحريم أكل أكل كل ذي ناب كما نقل ذلك القرطبي في تفسيره، ونص عبارته: ” وعند فقهاء الأمصار ، منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وعبد الملك أن أكل كل ذي ناب من السباع حرام “. انتهى
وقال الفخر الرازي في تفسيره ما نصه: “المسألة الثانية : اختلفوا في خنزير الماء: “قال ابن أبي ليلى ومالك والشافعي والأوزاعي: لا بأس بأكل شيء يكون في البحر، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يؤكل، حجة الشافعي قوله تعالى: “أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وَطَعَامُهُ” -المائدة: 96- وحجة أبي حنيفة أن هذا خنزير فيحرم لقوله تعالى: “حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير” -المائدة: 3- وقال الشافعي: الخنزير إذا أطلق فإنه يتبادر إلى الفهم خنزير البر لا خنزير البحر، كما أن اللحم إذا أطلق يتبادر إلى الفهم لحم غير السمك لا لحم السمك بالاتفاق ولأن خنزير الماء لا يسمى خنزيرًا على الإطلاق بل يسمى خنزير الماء”. انتهى
فإذا كان أبو حنيفة قد منع أكل لحم خنزير الماء فكيف يزعم هؤلاء الطاعنون أن أبا حنيفة كان لا يرى بأسا في أكل لحم الخنزير البري؟
و هذه الشرذمة قد احتجت ببعض المروايات التي لا تنهض كدليل على هذا الادعاء الكاذب.
1- الرواية الأولى: جاء في كتاب المجروحين لابن حبان قوله: ” أخبرنا محمد بن القاسم بن حاتم قال : حدثنا محمد بن داود السمنانى قال : حدثنا ابن المصفى قال : حدثنا سويد بن عبد العزيز قال : جاء رجل إلى أبى حنيفة “فقال : ما تقول فيمن أكل لحم الخنزير ؟ فقال : لا شئ عليه “. انتهى
ووهذه الفرية ردها الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في عقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة، وذكر أن سويد بن عبد العزيز قال عنه البخاري : عنده مناكير أنكرها احمد. وقال في الضعفاء الصغير: “في حديثه نظر لا يحتمل”. و قال النسائي : “ضعيف”.
2- الرواية الثانية:
جاء في كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن أحمد بن حنبل ما نصه: “سئل أبو حنيفة عن خنزير بري ؟ قال : لا بأس بأكله”. انتهى
وهذا الكتاب في أول سنده مجهولان، فلا يصح الاحتجاج به. بل إن مثل هذه المرويات الموضوعة في الطعن في أبي حنيفة دليل ظاهر على وقوع الدس في هذا الكتاب.
3- الرواية الثالثة: احتج بعضهم بما جاء في “القراءة خلف الإمام” للبخاري رضي الله عنه وهو قوله : ” فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِالرُّكُوعِ إِلَّا بَعْدَ قِرَاءَةٍ فَيَزْعُمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ قِيلَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ مُدَّعِي الْإِجْمَاعَ جَعَلُوا اتِّفَاقَهُمْ مَعَ مَنْ زَعَمَ أَنَ الرَّضَاعَ إِلَى حَوْلَيْنِ وَنِصْفٍ وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى “حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ” – البقرة: 233- وَيَزْعُمُ أَنَّ الْخِنْزِيرَ الْبَرِّيَّ لَا بَأْسَ بِهِ وَيَرَى السَّيْفَ عَلَى الْأُمَّةِ وَيَزْعُمُ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ مَخْلُوقٌ فَلَا يَرَى الصَّلَاةَ دِينًا فَجَعَلْتُمْ هَذَا وَأَشْبَاهَهُ اتِّفَاقًا”. انتهى
فزعم أن البخاري عرض بأبي حنيفة وأنه هو القائل أَنَّ الْخِنْزِيرَ الْبَرِّيَّ لَا بَأْسَ بِهِ وَ أنه كان يَرَى السَّيْفَ عَلَى الْأُمَّةِ وَيَزْعُمُ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ مَخْلُوقٌ.
و جوابه أن كلام البخاري لا يريد به أبا حنيفة فلم يثبت عنه شئ من ذلك لكن البخاري أراد بقوله “بَعْضَ أدعياء الْإِجْمَاعَ” هم الحنابلة كما نص على ذلك محقق الكتاب “عيد بن أحمد فؤاد” في هامش الصحيفة 149 حيث قال ما نصه: ” يعني الحنابلة، فقد نقل ابن قدامة الاجماع عن الإمام أحمد”. انتهى
فهؤلاء وافقوا كلام الذي أشار إليه البخاري.
رابط سلسلة رد الطعون في أبي حنيفة:
إِسْمَاعِيل بن سعيد الشالنجي المتوفى سنة 230 أو 246 هجري
هو أَبُو إِسْحَاق إِسْمَاعِيل بن سعيد الطَّبَرِيّ الأَصْل الْجِرْجَانِيّ يعرف بالشالنجي، تفقه على مذهب أبي حنيفة، و صحب محمد بن الحسن الشيباني وأخذ عنه المذهب ثم انتقل إلى مدرسة الحديث، واتصل بالامام أحمد وسأله عن مسائل.
ذكره عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي في الجواهر المضية في طبقات الحنفية، وذكره أيضا برهان الدين بن مفلح ضمن أصحاب أحمد، كما في المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد.
صنف رحمه الله كتاب البيان في فروع الفقه الحنفي، رد فيه على ترجيحات أبي الحسن الشيباني وباحثه فيها، وليس الأمر كما زعم بعضهم أن الكتاب ألفه في نقض مذهب أصحاب أبي حنيفة، فهو لم يصل لمرتبة الاجتهاد ليستنبط الأحكام مباشرة ويرد أقوال أبي حنيفة.
والظاهر أن الشالنجي تأثر في أول طلبه للعلم بأفكار المعتزلة المنتسبين لمدرسة الرأي، فإن الكثير من المعتزلة انتسبوا لمذهب أبي حنيفة النعمان.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/PfSffnF5uSbypTbH/
وبعد أربعين سنة هداه الله، وتاب من مخالطة المعتزلة، وصارت له عناية بعلم الحديث. وهذا معنى قول أبي سعد السمعاني في الأنساب: “وكان إسماعيل الشالنجي ينتحل مذهب الرأي، ثم هداه الله تعالى، وكتب الحديث ورأى الحق في اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رد عليهم في كتاب ” البيان “. وكان من أصحاب محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهما الله، يحكي كل مسألة عنه، ثم يرد عليه، وحكي عنه أنه قال: كنت أربعين سنة على الضلالة، فهداني الله عز وجل، فأي رجال فاتتني”. انتهى
فالشالنجي تأثر كثيرا بالمعتزلة الذين ينتحلون مذهب الرأي، ثم تاب إلى الله و اشتغل بالحديث و اتصل بالإمام أحمد. ثم ألف كتاب البيان في الفقه الحنفي، جمع فيه بين أدلة أهل الحديث و أهل الرأي، و رد فيه على المعتزلة ٱراءهم العقدية. كما ناقش في هذا الكتاب أيضا محمد بن الحسن الشيباني في بعض ترجيحاته الفقهية، كعادة الفقهاء في مثل هذه المباحث، والا فمن المعلوم ان الخلاف في الفروع لا يستوجب تضليلا او تكفيرا.
ثم ان السمعاني نفسه الذي ترجم للشالنجي قد أثنى على أبي حنيفة في كتابه الأنساب، وكان يزور قبره حتى بعد وفاته.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/RNBhQPw82Dj4eV6H/
ويقال أيضا لبعض الطاعنين في أصحاب أبي حنيفة من الذين يستدلون بكلام السمعاني، ان ما ورد في كتاب الأنساب منقول من كتاب تاريخ جرجان للشيخ حمزة بن يوسف السهمي، حيث قال: “سمعت أبا أحمد عبد الله بن عدي الحافظ يقول سمعت أحمد بن العباس العدوي يقول سمعت إسماعيل بن سعيد الكسائي يقول كنت أربعين سنة على الضلالة فهداني الله وأي رجال فاتتني”. انتهى
وهذه الرواية تفرد بها أحمد بن العباس العدوي الإستراباذي.
جاء في كتاب معجم أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي، ما نصه: “أحمد بن العباس العدوي الإستراباذي صاحب إسماعيل الكسائي، صدوق”. انتهى
فالعدوي هذا صدوق ولا نعرف أحدا وثقه، ومعلوم ان ما تفرد به الصدوق قد يعد منكرا او شاذا، فلا اعتبار له.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/xjXKNewmq8evSSHP/
ملاحظة: رجح عبد الرحمن الجميزي في تحقيقه لمسائل أحمد برواية الشالنجي أن هذه المسائل مضمنة في كتاب البيان.
نقض نسبة القول بفناء الجنة والنار لأبي حنيفة وأبي مطيع البلخي
روى البغدادي في تاريخه : أخبرنا الحسن بن علي الجوهري حدثنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا محمد بن القاسم البزاز حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أبو عبد الرحمن عبد الخالق بن منصور النيسابوري قال : سمعت أبا داود المصافحي قال : سمعت أبا مذيع يقول قال أبو حنيفة إن كانت الجنة والنار مخلوقتين فإنهما تفنيان.
أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل حدثنا علي بن إبراهيم النجاد حدثنا علي بن إبراهيم النجاد حدثنا محمد بن إسحاق السراج قال سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول : سمعت عبد الله بن عثمان بن الرماح يقول سمعت أبا مطيع البلخي يقول : سمعت أبا حنيفة يقول إن كانت الجنة والنار خلقتا فإنهما تفنيان, قال أبو مطيع وكذب والله. قال السراج كذب والله . قال النجاد وكذب والله قال الله تعالى : ( أكلها دائم ) قال ابن الفضل وكذب والله”. انتهى
قال الكوثري في التأنيب : قلت أبو داود المصحافي هو سليمان بن سليم مؤذن جامع بلخ, ذكره محمد بن جعفر الورّاق في طبقات علماء بلخ كما في أنساب السمعاني وفي سند الخبر الأول الخزاز, وفي الثاني ابن الرماح، فلا يصّحان مع وجودهما في السندين, وربما يكون السندان مركبين من المبدأ لمخالفة الخبرين لما تواتر عن أبي حنيفة وأبي مطيع في المسئلة ولما رواه أبو مطيع عن أبي حنيفة في ( الفقه الأبسط ) رواية أبي بكر محمد بن الكاساني عن علاء الدين السمرقندي عن أبي معين النسفي عن أبي عبد الله الحسين من علي عن أبي مالك نصران بن نصر الختلي ورواية أبي زكريا يحيى بن مطرف عن أبي صالح محمد بن الحسين, عن أبي سعيد سعدان بن محمد بن بكر بن عبد الله البستي الجرمقي وهي عن أبي الحين علي بن أحمد الفارسي عن نصر بن يحيى عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي عن أبي حنيفة ( كما في المجموعة 64 والمجموعة 215 بدار الكتب المصرية ) وفي الكتاب المذكور في باب الردّ على من يكفر بالذنب :
( فإن قيل إنما – الجنة والنار – تفنيان فقل له وصف الله نعيمها بقوله : ( لا مقطوعة ولا ممنوعة ) ومن قال تفنيان بعد دخول أهلهما فيهما فقد كفر بالله تعالى لأنه أنكر الخلود فيهما ) وهذا نص على أن أبا حنيفة وأبا مطيع لا يريان فناء الجنة والنار بعد دخول أهلهما فيهما.
وأما ما في ميزان الاعتدال للذهبي حيث قال في ترجمة أبي مطيع قال العُقيلي : حدثنا عبد الله بن أحمد سألت أبي عن أبي مطيع البلخي : فقال ( لا ينبغي أن يُروي عنه حكوا عنه أنه كان يقول الجنة والنار خلقتا فستفنيان وهذا كلام جهم ) وحكاية هذا القول عنه هنا بدون سند”. انتهى
وفي الفقه الأكبر رواية علي بن أحمد الفارسي عن نصر بن يحيى عن أبي مقاتل عن عصام بن يوسف عن حماد بن أبي حنيفة عن أبي ( والجنة والنار مخلوقتان اليوم لا تفنيان أبداً ) وسنده في أول النسخة الخطية المحفوظة ضمن المجموعة ( رقم 226 ) بمكتبة شيخ الإسلام بالمدينة المنورة . انتهـى
وقال الحافظ محمد بن يوسف الصالحي الشافعي صاحب السيرة الشامية في ( عقود الجمان ): اعلم ( رحمني الله وأياك ) أن ما رواه الخطيب من القدح في الإمام أبي حنيفة غالب أسانيده لا يخلو من متكلم فيه أو مجهول, ولا يجوز لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يثلم عرض أحد من المسلمين بمثل ذلك فكيف بإمام من أئمة المسلمين” . انتهى
روابط ذات علاقة:
أبو مطيع البلخي
صحة نسبة الفقه الأكبر لأبي حنيفة:
https://www.facebook.com/share/p/1CfU2FSrVz/
رد الطعون المنسوبة لأبي حنيفة
