رد الأقوال المنسوبة لأبي يوسف القاضي وحماد بن أبي حنيفة
1- رد القول المنسوب لأبي يوسف في تجهيم أبي حنيفة
أ- الرواية الأولى:
جاء في كتاب السنة المنسوب لأبي عبد الله بن أحمد بن حنبل ما نصه: “حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَزْدِيُّ الْقَاضِي، حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا الْأَصْمَعِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلْمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي يُوسُفَ أَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِقَوْلِ جَهْمٍ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» “. انتهى
و جاء في تاريخ بغداد من طريق يعقوب بن سفيان: «حدثنا أبو جزي [بن] عمرو بن سعيد بن سالم (صوابه سلم) قال: سمعت جدي قال: قلت لأبي يوسف: أكان أبو حنيفة مرجئًا؟ قال: نعم. قلت: أكان جهميًّا؟ قال: نعم. [قلت]: فأين أنت منه؟ قال: إنما كان أبو حنيفة مدرسًا فما كان من قوله حسنًا قبلناه وما كان قبيحًا تركناه» .
ذكر الكوثري أن في الطبعة الهندية والنسخة الخطية من «التاريخ» : «أبو جزي بن عمرو» ، وهو الصواب.
وجاء في شرح السنة لابن شاهين، ما نصه: “حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ•، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي يُوسُفَ: أَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ جَهْمِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ”. انتهى
•صوابه سلم.
ويكفي في نقض هذه الرواية أن في سندها سَعِيدِ بْنِ سَلْمٍ ، وهو سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي مجهول الحال في الرواية ولم يُوثق كما قال المعلمي في التنكيل.
له ترجمة في تاريخ بغداد ورد فيها: “وكان عالما بالحديث والعربية، إلا أنه كان لا يبذل نفسه للناس”. انتهى
وهذا لا يثبت صِدْقُهُ وعدالته إنما معرفته بالحديث، وكم من راوٍ في له معرفة في علم الحديث ثم يكون مجروحاً، هذا وقد تفرد بأثر آخر لم يروه غيره عن عبد الله بن عون البصري عن القاسم بن محمد قال: اللهم اغفر لأبي ذنبه في عثمان يعني ابن عفان.
وقد أخطأ بعض أهل العلم فظنه “سعيد بن مسلم بن بانك المدني” وذلك أنه لم يقف على باقي طرق هذا الأثر.
2- الرواية الثانية:
أخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في السنة ومن طريقه أخرجه ابن حبان في الثقات، من طريق أبي العباس محمد بن إسحاق الثقفي السراج ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني محمود بن غيلان، ثنا محمد بن سعيد بن سلم [وعند ابن حبان: محمد بن سعيد بن مسلم الباهلي]، عن أبيه، قال سألت أبا يوسف وهو بجرجان عن أبي حنيفة، فقال: وما تصنع به مات جهمياً”. انتهى
وهذا الأثر فيه:
– محمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي: مجهول
– أبوه: سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي: لم يوثقه أحد من أهل الجرح والتعديل
2- رد القول المنسوب لحماد بن أبي حنيفة في تجهيم أبي حنيفة
جاء في كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن الإمام أحمد ما نصه: “حدثني سفيان بن وكيع، قال: سمعت عمر بن حماد بن أبي حنيفة، قال: أخبرني أبي حماد بن أبي حنيفة، قال: أرسل ابن أبي ليلى إلى أبي فقال له: تب مما تقول في القرآن أنه مخلوق وإلا أقدمت عليك بما تكره، قال: فتابعه قلت: يا أبه كيف فعلت ذا؟ قال: «يا بني خفت أن يقدم علي فأعطيت تقية. انتهى
قال القحطاني محقق كتاب السنة، عن عمر بن حماد بن أبي حنيفة: لم أقف على ترجمته. سفيان بن وكيع: ابتلي بوراق سوء أفسد عليه حديثه.
فهرسة رد الطعون في أبي حنيفة:
https://www.facebook.com/share/p/15k4KW53WQ/
بيان تراجع الإمام أحمد وابنه عبد الله بن أحمد بن حنبل، في الطعن بأبي حنيفة النعمان.
1- بيان ان كتاب السنة لعبد الله بن أحمد تم الدس فيه
كتاب السنة بنسخته المطبوعة لا يصح نسبته للإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل، كما هو مبين في الرابط التالي:
https://www.facebook.com/…/a.38068…/1409900695755339/…
فقد ذكر صهيب السقار ان تلك النسخة المحرفة من كتاب السنة، راجعت في زمن أبي اسماعيل الهروي الذي دسها في كتب الإمام، نقلها من كتب أسلافه. والصحيح ان تلك النسخة راجت قبل زمن الهروي.
وقد حاول بعض صغار المجسمة وهو عبد الله بن فهد الخليفي، تعقب الدكتور في كلامه بتوثيق أبي إسماعيل الهروي الأنصاري مع ان هذا الأخير اشتهره بعقيدة الحلولية و الزندقة كما هو مبين في الرابط التالي
واشتهره بالكذب على بعض أئمة السنة، كما هو مبين في الرابط التالي:
https://www.facebook.com/…/a.38068…/1130479607030784/…
وقد حذر الإمام الكوثري و السبكي، وامامهم الذهبي من كتبه، كما في الرابط التالي.
ثم ان هذا الكتاب في سنده بعض المجاهيل، و لا يمكن الوثوق بنسبته للإمام عبد الله بن أحمد، بن حنبل من أصله
فزيادة على ذكر مثالب أبي حنيفة، ففيه ذكر لعقائد المجسمة ونسبة ما لا يليق بالله لله عز وجل.
هذا وقد تضاربت مقالات هؤلاء المجسمة حول ما ورد في كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن أحمد بن حنبل حول أبي حنيفة، من ذلك ما قاله صالح آل الشيخ حين سئل: ما رأيكم في ما جاء في كتاب عبد الله بن الإمام أحمد من اتهام لأبي حنيفة بالقول بخلق القرآن إلى آخره؟
فأجاب: هذا موجود في كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، وعبد الله بن الإمام أحمد في وقته كانت الفتنة في خلق القرآن كبيرة، وكانوا يستدلون فيها بأشياء تنسب لأبي حنيفة وهو منها براء كخلق القرآن، وكانت تنسب إليه أشياء ينقلها المعتزلة من تأويل الصفات إلى آخره مما هو منها براء ، وبعضها انتشر في الناس ونقل لبعض العلماء فحكموا بظاهر القول، وهذا قبل أن يكون لأبي حنيفة مدرسة ومذهب؛ لأنه كان العهد قريباً عهد أبي حنيفة ، وكانت الأقوال تنقل، قول وكيع ، قول سفيان الثوري، سفيان بن عيينة، قول فلان وفلان من أهل العلم في الإمام أبي حنيفة، وكانت الحاجة في ذلك الوقت- باجتهاد عبد الله بن الإمام أحمد- كانت الحاجة قائمة في أن ينقل أقوال العلماء فيما نقل، ولكن بعد ذلك الزمان كما ذكر الطحاوي أجمع أهل العلم على أن لا ينقلوا ذلك، وعلى أن لا يذكروا الإمام أبا حنيفة إلا بالخير والجميل، هذا فيما بعد زمن الخطيب البغدادي ، يعني في عهد الإمام أحمد ربما تكلموا، وفي عهد الخطيب البغدادي نقل مقولات في تاريخه معروفة، وحصل ردود عليه بعد، حتى وصلنا إلى استقراء منهج السلف في القرن السادس والسابع ، وكتب في ذلك ابن تيمية الرسالة المشهورة :رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وفي كتبه جميعاً يذكر الإمام أبا حنيفة بالخير وبالجميل ويترحم عليه، وينسبه إلى شيء واحد وهو القول بالإرجاء إرجاء الفقهاء ، دون سلسلة الأقوال التي نسبت إليه فإنه يوجد كتاب أبي حنيفة الفقه الأكبر، وتوجد رسائل له تدل على أنه في الجملة يتابع السلف الصالح إلا في هذه المسألة مسألة دخول الأعمال في مسمى الإيمان .
ولما أراد العلماء طباعة كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد وكان المشرف على ذلك والمراجع له الشيخ العلامة عبد الله بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى رئيس القضاة إذ ذاك في مكة، فنزع هذا الفصل بكامله من الطباعة، فلم يُطبع لأنه من جهة الحكمة الشرعية كان له وقته وانتهى، ثم هو اجتهاد ورعاية مصالح الناس أن ينزع وأن لا يبقى وليس هذا فيه خيانة للأمانة؛ بل الأمانة أن لا يجعل الناس يصدون عن ما ذكر عبد الله بن الإمام في كتابه من السنة والعقيدة الصحيحة لأجل نقول نقلت في ذلك، وطبع الكتاب بدون هذا الفصل وانتشر في الناس وفي العلماء على أن هذا كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد. حتى طبعت مؤخراً في رسالة علمية أو في بحث علمي وأُدخل هذا الفصل، وهو موجود في المخطوطات معروف، أدخل هذا الفصل من جديد يعني أرجع إليه، وقالوا: إن الأمانة تقتضي إثباته.
وهذا لاشك أنه ليس بصحيح بل صنيع العلماء علماء الدعوة فيما سبق من السياسة الشرعية ومن معرفة مقاصد العلماء في تآليفهم واختلاف الزمان والمكان والحال وما استقرت عليه العقيدة وكلام أهل العلم في ذلك”. انتهـى
راجع الرابط التالي الذي قيل فيه:
https://majles.alukah.net/t39301/
و قال القحطاني محقق كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن أحمد بن حنبل، ما نصه: “ومن هنا أقول: إن أول ما يؤخذ على عبدالله رحمه الله في كتاب السنة؛ هو إدراج الكلام في أبي حنيفة في كتاب من أهم وأول كتب العقيدة السلفية؛ إذ من المقطوع به عقلاً أن شتم أبي حنيفة أو مدحه؛ ليس من أمور العقيدة الأساسية في شيء”. انتهى
وقال: “الإرجاء: وهذا صحيح في أبي حنيفة، ولكنه إرجاء الفقهاء، وليس إرجاء الفرقة المبتدعة التي؛ تقول: لا يضر مع الإيمان معصية؛ كما لا ينفع مع الكفر طاعة”. انتهى
2- ذكر تراجع الإمام أحمد وابنه عبد الله في الطعن في أبي حنيفة
اشتمل كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن أحمد على أكثر من مئة وثمانين نصاً في الطعن في الإمام أبي حنيفة ، بل في بعضها تكفيره ، وأنه أخذ من لحيته كأنه تيس يدار به على الحلق يستتاب من الكفر أكثر من مرة ، وأنه أفتى بأكل لحم الخنزير ، وفيه نقل عن الإمام مالك أنه ذكره بسوء.
ومن تلك الطعون ما ورد في ذلك الكتاب في طبعة دار ابن القيم، الدمام. الطبعة الأولى ، 1406.- تحقيق : المدعو محمد سعيد سالم القحطاني- تحت الفصل الثالث: “ما حفظت عن أبي وغيره من المشايخ في أبي حنيفة” وهو قوله:
– حدثني الحسن بن عبد العزيز الجروي ثنا أبو حفص التنيسي عن الأوزاعي قال: ما ولد في الإسلام مولد أشر من أبي حنيفة وأبي مسلم وما أحب أنه وقع في نفسي أني خير من أحد منهما وأن لي الدنيا وما فيها.
– حدثني عبد الله بن معاذ العنبري قال سمعت أبي يقول سمعت سفيان الثوري يقول استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين.
– حدثني أبو الفضل الخراساني نا سلمة بن شبيب نا الفريابي سمعت سفيان الثوري يقول استتيب أبو حنيفة من كلام الزنادقة مرارا.
– حدثني منصور بن أبي مزاحم سمعت مالك بن أنس ذكر أبا حنيفة فذكره بكلام سوء وقال كاد الدين وقال من كاد الدين فليس من الدين.
– حدثني إبراهيم بن سعيد ثنا محمد بن مصعب سمعت الاوزاعي يقول ما ولد في الاسلام مولود أشأم عليهم من أبي حنيفة.
– حدثني ابراهيم بن سعيد ثنا أبو توبة عن سلمة بن كلثوم عن الاوزاعي أنه لما مات أبو حنيفة قال الحمد لله الذي أماته فإنه كان ينقض عرى الاسلام عروة عروة.
– حدثني محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة قال سمعت أبي يقول كنا عند حماد بن سلمة فذكروا مسألة فقيل أبو حنيفة يقول بها فقال هذا والله قول ذاك المارق.
– حدثني محمد بن أبي عتاب الاعين ثنا منصور بن سلمة الخزاعي قال سمعت حماد بن سلمة يلعن أبا حنيفة قال أبو سلمة وكان شعبة يلعن أبا حنيفة.
وهذا الكتاب ألفه عبد الله بن أحمد قبل محنة أبيه أحمد بن حنبل. وقد كان الإمام أحمد يطعن قبل محنته في أبي حنيفة بدليل ما ذكره في كتاب العلل، و هو كتاب ألفه قبل زمن المحنة:
ومن تلك الروايات الموجودة في كتاب العلل قول عبد الله بن أحمد:
أ-“سَمِعت أبي يَقُول مر رجل بِرَقَبَة فَقَالَ لَهُ رَقَبَة من أَيْن جِئْت قَالَ من عِنْد أبي حنيفَة قَالَ كَلَام مَا مضغت وَترجع إِلَى أهلك بِغَيْر ثِقَة”.
ورَقَبة هو رَقَبة بن مَصْقَلة. قال عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني:
“ومع هذا كلِّه، فليس في كلمته التي ذكرها الخطيب جرحٌ لأبي حنيفة. وقوله: “ترجع إلى أهلك بغير ثقة” يعني: بالرأي, لأنه قد يرجع أبو حنيفة”. انتهى
ب-حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا عبد الله بن إِدْرِيس قَالَ قلت لمَالِك بن أنس كَانَ عندنَا عَلْقَمَة وَالْأسود فَقَالَ قد كَانَ عنْدكُمْ من قلب الْأَمر هَكَذَا وقلب أبي كَفه على ظهرهَا يَعْنِي أَبَا حنيفَة
وكلام الإمام مالك هنا ليس طعنا في عقيدة أبي حنيفة بل غاية أمره مخالفته لاجتهاداته و أخذه بالرأي.
ج-قَالَ أبي بَلغنِي عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَنه قَالَ آخر علم الرجل أَن ينظر فِي رَأْي أبي حنيفَة يَقُول عجز عَن الْعلم.
د-حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع عَن بن عُيَيْنَة قَالَ قلت لِسُفْيَان الثَّوْريّ لَعَلَّه يحملك على أَن تُفْتِي إِنَّك ترى من لَيْسَ بِأَهْل للْفَتْوَى يُفْتى فتفتي قَالَ أَبِي يَعْنِي أَبَا حنيفَة.
هـ-حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا مُؤَمل بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ سَمِعْتُ حَمَّادَ بن سَلمَة يَقُول وَذكر أَبَا حنيفَة فَقَالَ إِن أَبَا حنيفَة اسْتقْبل الْآثَار وَالسّنَن يردهَا بِرَأْيهِ.
ومع ذلك فقد كان الإمام أحمد يروي عن أبي حنيفة، فقد جاء في العلل ما نصه: “حدثني أبي قال حدثنا عبد القدوس عن رجل قد سماه، يعني أبا حنيفة عن حماد مثله”. انتهى
اي مثل الحديث السابق الذي سبق هذا السند.
وأما بعد زمن المحنة فقد تراجع أحمد بن حنبل عن ذلك كله وتبعه ابنه، لسيما بعد وقوف الامام أحمد على مكانة أبي حنيفة كما نقل ذلك عنه الخطيب البغدادي في تاريخه، وابن حجر الهيتمي في الخيرات الحسان، ونصه: “قال أحمد بن حنبل في حقه: انه من أهل الورع و الزهد وايثار الٱخرة بمحل لايدركه أحد، و لقد ضرب بالسياط ليلي القضاء للمنصور فلم يفعل فرحمة الله عليه و رضوانه”. انتهى
وهذا ما أكده الماوردي في الحاوي فقد نقل عن إسماعيل بن سالم البغدادي أنه قال: أكره أبو حنيفة على الدخول في القضاء فلم يقبل، وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى وترحم على أبي حنيفة”. انتهى
وقال إسماعيل بن سالم البغدادي: ” ضُرِبَ أبو حنيفة على الدخول في القضاء فلم يقبل القضاء قال: وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى وترحم على أبي حنيفة، وذلك بعد أن ضرب أحمد” كما في تاريخ بغداد
فالإمام أحمد نفسه تعرض للضرب والسجن في فتنة خلق القرآن، فكان يرى في موقف أبي حنيفة سلفاً صالحاً ومثالاً للصبر والثبات، فكان إذا تذكره يبكي ترحماً عليه، لأنه وجد في قصته عزاءً لنفسه، وتقديراً لمن سبقه في طريق المحنة والثبات.
بل نقل الذهبي في مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه أن أبا بكر المروزي قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: «لم يصح عندنا أن أبا حنيفة رحمه الله قال: القرآن مخلوق»، فقلت: «الحمد لله يا أبا عبد الله، هو من العلم بمنزلة»، فقال: «سبحان الله! هو من العلم والورع والزهد وإيثار الدار الآخرة بمحل لا يدركه فيه أحد، ولقد ضُرب بالسياط على أن يلي القضاء لأبي جعفر فلم يفعل». انتهى
ففرح المروزي بثناء الإمام أحمد على أبي حنيفة فيه اشارة لتراجعه عن الطعن به.
وهذا ما أكده أيضا نجم الدين الطوفي الحنبلي في شرح مختصر الروضة، حيث قال: “وآخِرُ ما صحَّ عن الإمام أحمدَ إحسانُ القولِ في أبي حنيفةَ، والثناءُ عليه”. انتهى
وعليه فإن كل المرويات التي ذكرها أبو نعيم في الحلية والعقيلي في الضعفاء من طريق عبد الله بن أحمد في ذكر مثالب أبي حنيفة لم يعد لها كبير فائدة في الاستدلال بميل الامام أحمد وابنه عن أبي حنيفة، و تلك المرويات تلزم أصحابها فقط ممن طعن في أبي حنيفة لا غير.
وليعلم هؤلاء الذين يزعمون اتباع أحمد، أن الامام أحمد نفسه كان ممن تتلمذ على يد أبي يوسف القاضي الذي هو أشهر تلاميذ الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان وناشر مذهبه في الأكوان.
قال الذهبي في السير: “قال أحمد بن حنبل: «أول ما كتبت الحديث، اختلفتُ إلى أبي يوسف. وكان أميَلَ إلى المحدِّثين من أبي حنيفة ومحمد». وكان أحمد بن حنبل كذلك يحفظ كتب أبي يوسف ومحمد بن الحسن عن ظهر قلب.
وقال في سير أعلام النبلاء أيضا: “قال ابنه عبد الله: «كتب أبي عن أبي يوسف ومحمد الكتب، وكان يحفظها”. انتهى
وأما قوله لإبنه كما في الجرح والتعديل عن أبي يوسف: «صدوق، ولكن من أصحاب أبي حنيفة، لا ينبغي أن يُروى عنه شيء!». فهو محمول كله إلى ما قبل الفتنة، بعد تأثره بأقوال الطاعنين في أبي حنيفة.
ومن تلك المرويات التي ذكرها أبو نعيم في الحلية قوله: -حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْعُذْرِيَّ، يَقُولُ لِحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: مَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَنَسَ بَطْنَ الْأَرْضِ بِهِ
– حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، – وَذُكِرَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: كَادَ الدِّينَ وَمَنْ كَادَ الدِّينَ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ
– حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو مَعْمَرٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ لِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يُذْكَرُ أَبُو حَنِيفَةَ بِبَلِدِكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ؟ قَالَ: مَا يَنْبَغِي لِبَلَدِكُمْ أَنْ تُسْكَنَ
وأما مرويات العقيلي في الضعفاء الكبير في الطعن في أبي حنيفة نقلا عن أحمد بن حنبل:
-حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثنا منصور بن أبي مزاحم قال : حدثنا مالك بن أنس ، يقول : إن أبا حنيفة كاد الدين ، كاد الدين .
-حدثنا عبد الله بن أحمد قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا الوليد بن مسلم قال : قال لي مالك بن أنس : يذكر أبو حنيفة ببلدكم ؟ قال : قلت : نعم ، قال : ما ينبغي لبلدكم أن تسكن
تراجع الأوزاعي عن الطعن بأبي حنيفة
جاء في الخيرات الحسان أن الأوزاعي فقيه الشام الذي كان معاصرًا لأبي حنيفة، قال لعبدالله ابن المبارك؛ مَنْ هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة ويُكنى أبا حنيفة؟ فلم يجبه ابن المبارك، بل أخذ يذكر مسائل عويصة، وطرق فهمها والفتوى فيها، فقال: مَنْ صاحب هذه الفتاوى؟ فقال: شيخ لقيته بالعراق. فقال الأوزاعي: هذا نبيل من المشايخ اذهب فاستكثر منه. قال: هذا أبو حنيفة, ثم اجتمع الأوزاعي وأبو حنيفة بمكة، فتذاكرا المسائل التي ذكرها ابن المبارك فكشفها فلما افترقا قال الأوزاعي لابن المبارك: غبطتُ الرجل بكثرة علمه، ووفور عقله، واستغفر الله تعالى، لقد كنت في غلط ظاهر، الزم الرجل فإنه بخلاف ما بلغني عنه. انتهى
ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه
رابط ذو علاقة:
ثناء الإمام مالك على علم أبي حنيفة


