رد الطعون عن أبي حنيفة النعمان -4

شبهة طعن حماد بن زيد في أبي حنيفة

جاء في كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن الإمام أحمد، ما نصه: ” حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ مُزَاحِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْعُذْرِيَّ، يَقُولُ: قِيلَ لِحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَبَسَ بِهِ بَطْنَ الْأَرْضِ». انتهى

هذا الأثر يرويه مَنْصُورُ بْنُ مُزَاحِمٍ المتوفى سنة 235 هجري عن أَبي عَلِيٍّ الْعُذْرِيَّ عن حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. وأبو علي العذري مجهول الحال فلا تصح روايته عن حماد بن زيد.

لكن ورد في الحلية لأبي نعيم ما نصه: “حدثنا سليمان بن احمد ثنا عبدالله بن احمد بن حنبلحدثني منصور بن أبي مزاحم قال سمعت أبا علي العذري يقول لحماد بن زيد مات أبو حنيفة قال الحمد لله الذي كنس بطن الارض به”. انتهى

ويلاحظ هنا كيف تم حذف عبارة ” قِيلَ ” لإيهام القارئ أن الإسناد صحيح و أن منصور بن أبي مزاحم هو الذي شهد و سمع حوار أبي علي العذري مع حماد بن زيد.

وهذا يدل أن ناسخ كتاب الحلية لأبي نعيم قام بحذف عبارة ” “قيل”.

فإن قيل أن رواية أبي نعيم هي الأصح، فجوابه أن يقال أن منصور بن أبي مزاحم البغدادي لا يُعرف عنه أنه لقي أو حدث عن حماد بن زيد، ولا ذكر ذلك أحد من أصحاب كتب الرجال المعروفة، مثل ابن معين أو العجلي أو الذهبي أو ابن حجر.

بل المعروف أن منصور بن أبي مزاحم روى عن متأخري شيوخ بغداد، كـوكيع بن الجراح

و عبد الله بن المبارك وغيرهم من طبقة ما بعد طبقة حماد بن زيد.

وعلى تقدير صحة رواية أبي نعيم فإن منصور لم يصرح هنا بالتحديث بل بالسماع فقط، يعني أنه لم يكن حاضرا في مجلس حماد، و لعله كان يجلس وراء حماد، أو في مكان لا يراه حماد أو في مجلس آخر قربه، لذلك قال منصور: «سمعت»؛ و قد علم أن كلمة «حدثني» أعلى من كلمة «سمعت»،

ومنصور بن مزاحم قد انفرد بهذه الرواية عن أبي حنيفة ولم يتابع عليها.

وبعض الأئمة قالوا عنه أنه ثقة، وقال غيرهم أنه صدوق.

قال الخطيب: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّد الأشناني قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن أَحْمَد ابن محمد بن عبدوس الطرائفي يقول: سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول: وسألته- يعني يحيى بن معين- عن منصور بن أبي مزاحم فقال: صدوق إن شاء الله.

وقال أبو حاتم: «صدوق» وخطأه أحمد في حديث.

وقال أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز : سألت يحيى بن معين ، عن منصور بن أبي مزاحم ، فقال : لا بأس به .

وقال أبو أحمد بن عدي : حدثنا ابن أبي عصمة ، يعني عبد الوهاب ، قال : حدثنا أحمد بن أبي يحيى ، قال : سألت يحيى بن معين ، عن منصور بن أبي مزاحم ، فقال : التركي ليس به بأس إذا حدث عن الثقات ، فأما إذا حدث عن روح بن مسافر ، وعدي بن الفضل فليسا بشيء.

وقال أحمد بن أبي يحيى عن ابن معين: ليس به بأس إذا حدث عن الثقات.

فهذا الأثر إما أن يقال أنه انفرد به ثقة أو انفرد به صدوق فهو في حكم الشاذ.

ثم إن هذا الأثر خالف ما دار بين أيوب وحماد حول أبي حنيفة، فقد أخرج الخطيب في تاريخ بغداد، قال: أخبرنا القاضي أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد السمناني، قال: أخبرنا إسماعيل بن الحسين بن علي البخاري الزاهد، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن سعد بن نصر، قال: حدثنا علي بن موسى القمي، قال: حدثني محمد بن سعدان، قال: سمعت أبا سليمان الجوزجاني، يقول: سمعت حماد بن زيد، يقول: أردت الحج، فأتيت أيوب أودعه، فقال: بلغني أن الرجل الصالح فقيه أهل الكوفة، يعني: أبا حنيفة يحج العام فإذا لقيته فأقرئه مني السلام”. انتهى

و محمد بن سعدان هو أبو جعفر رواي التاريخ عن الحسن بن عثمان الزيادي، حدث عنه أبو القاسم علي بن محمد النخعي المعروف بابن كاس وأبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي، و روى كتاب الصوم داخل كتاب “الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني”.

وليس هو أبو جعفر الضرير المقرئ النحوي ، وليس هو أيضا محمد بن سعدان بن عبد الله بن جابر.

بيان عدم صحة الطعون المنسوبة للامام مالك في أبي حنيفة

الجزء الأول

قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي ” تَرْتِيب المدارك” ما نصه: قَالَ اللَّيْث لمَالِك: أَرَاك تعرق؟، فَقَالَ مَالك: “عرقت مَعَ أبي حنيفَة، إِنَّه لفقيه يَا مصري”، انتهـى

وهذا ثناء صريح من الامام مالك لأبي حنيفة.

و أسند أبو محمد عبد الله بن محمد الحارثي المتوفى سنة 340 هجري في كشف الآثار الشريفة في مناقب الإمام أبي حنيفة عن محمد بن القاسم البلخي قال أخبرنا محمد بن الأزهر، قال حدثني حبيب كاتب مالك، قال قدم أبو حنيفة المدينة، فناظره مالك، فلما قام سمعت مالكا يقول: ما أحلمه”. انتهى

لكن نسب الخطيب لمالك تجريحا لأبي حنيفة، وجواب ذلك من وجهين:

– الأول: إما أن الإمام مالك كان يطعن في أبي حنيفة ثم تراجع عن ذلك بعد مناظرته، كما تقدم. وهذا ما رجحه الدكتور مصطفى السباعي في كتابه السنة ومكانتها في التشريع الاسلامي.

مثل ما ذكره الخطيب في تاريخه بسنده عن مُطرِّف الأصمّ قال : سُئل مالك بن أنس عن قول عمر ـ في العراق ـ : بها الداء العضال ، فقال : « الهلكة في الدين ومنهم أبو حنيفة ». انتهى

– الثاني: أكثر تلك الروايات مردودة:

1-قال الخطيب في تاريخه: “أنبأنا علي بن محمد المعدل أخبرنا أبو علي بن الصواف أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا منصور بن أبي مزاحم قال: سمعت مالك بن أنس وذكر أبا حنيفة فقال: كاد الدين كاد الدين”.

وقال: “أخبرنا بن رزق أخبرنا أبو بكر الشافعي حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن القاضي قال: سمعت منصور بن أبي مزاحم يقول سمعت مالكا يقول إن أبا حنيفة كاد الدين ومن كاد الدين فليس له دين”. انتهى

وهذه الأحاديث تفرد بها منصور بن أبي مزاحم عن مالك بن أنس و هي أحاديث لا يعرفها أصحابه. وابن أبي مزاحم و ان وثقه بعض الأئمة، فقد قال عنه أبو زرعة الرازي:”كويتب”

وقال عنه يحي بن معين لا بأس به.

وكان ابن أبي مزاحم يروي ما لا أصل له. فقد ذكر ابن أبي حاتم في ” العلل ” ما نصه: “سألت أبي عن حديث رواه منصور بن أبي مزاحم فذكره قال: فسمعت أبي يقول: هذا حديث باطل ليس له أصل”. انتهى

ثم ان قوله «سمعت» عند أهل العلم أقل مرتبة من كلمة: «حدّثني»؛ لأن الراوي قد يسمع من الشيخ وهو ليس مقصوداً بالتحديث، فيفهم منه خلاف الذي قاله الشيخ.

وعليه فما نقله ابن أبي مزاحم عن الإمام مالك لا يحتج به للطعن في أبي حنيفة.

2-ذكر الخطيب البغدادي أحمد بن علي بسنده عن إسحاق بن إبراهيم الحنيني قال : قال مالك : « ما وُلد في الإسلام مولود أضرّ على أهل الإسلام من أبي حنيفة ». انتهى

وهذا الحديث في سنده إسحاق بن إبراهيم الحنيني.

قال أبو أحمد الحاكم : في حديثه بعض المناكير.

وقال أبو الفتح الأزدي : أخطأ في الحديث.

وقال أبو حاتم بن حبان البستي : كان يخطئ

وقال أحمد بن شعيب النسائي : ليس بثقة. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : ضعيف.

وقال الذهبي : ضعفوه.

3- ذكر الخطيب في تاريخه بسنده عن أبي الأزهر النيسابوري عن حبيب بن زريق ـ كاتب مالك بن أنس ـ عن مالك بن أنس قال : « كانت فتنة أبي حنيفة أضرّ على هذه الأمّة من فتنة إبليس ». انتهى

وهذا الأثر لا يصح نسبته لمالك. تفرد به أبو الأزهر النيسابوري، المتوفى سنة 263 هجري. قال النسائي : لا بأس به . وقال أبو حاتم: صدوق.

و قال ابن الشرقي: وبعض هذا الحديث سمعته من أبي الأزهر، وأَبُو الأزهر هذا كتب الحديث فأكثر، ومَنْ أكثر لا بد من أن يقع في حديثه الواحد والاثنين والعشرة مما ينكره”. انتهى

وأبو زهر تفرد برواية أحاديث في التجسيم أيضا، فقد نقل الخطيب في تاريخه بسنده عن أبي الأزهر أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ منيع، حدّثنا وهب بن جرير عن حازم حدّثنا أبي حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وَيْحَكَ مَا تَدْرِي مَا اللَّهُ؟! إِنَّ شَأْنَهُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ لا يُسْتَشْفَعُ به على أحد، إنه لفوق سماواته عَلَى عَرْشِهِ، وَإِنَّهُ عَلَيْهِ هَكَذَا [وَأَشَارَ بِيَدِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ] وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ» .انتهى

وأبو الأزهر لما ذكره البستي في كتاب ” الثقات ” قال: يخطئ. ثم خرج حديثه في ” صحيحه “. وهذا يعني أن حديثه يتراوح بين الضعف والقبول، فيحكم بصحته إن كانت له شواهد، أو يُرد إذا تفرد به. وإلا فأبو الأزهر النيسابوري يروي عن كاتب مالك مرة مدح أبي حنيفة ومرة ذمه.

بل إن أبا الأزهر، قال فيه ابن حجر العسقلاني: “صدوق كان يحفظ ثم كبر فصار كتابه أثبت من حفظه”. انتهى

وقال أبو أحمد الحاكم: ” وكان قد كبر فربما يلقن” .انتهى

ولا يُعلم إن كان الذين رووا عنه هذا الأثر سمعه منه في كبره أو قبل ذلك.

وقد تفرد أبو الأزهر برواية هذا الأثر عن حبيب كاتب مالك الذي تفرد بدوره بروايته عن مالك. وحبيب وان وثقه مالك وكبار تلاميذ مالك فقد طعن فيه أكثر أهل الجرح والتعديل، وهو هنا لم يُتابع، فلا تقبل روايته عن مالك هنا.

4- ذكر الخطيب في تاريخه بسنده عن الوليد بن مسلم قال : قال لي مالك بن أنس : « أيتكلّم برأي أبي حنيفة عندكم » ؟ قلت : نعم ، قال : « ما ينبغي لبلدكم أن تسكن ». انتهى

وقال ابن عدي في الكامل: “ثنا بن حماد حدثني عبد الله بن احمد حدثني أبو معمر عن الوليد بن مسلم قال: قال لي مالك أيذكر أبو حنيفة في بلدكم قلت نعم قال ما ينبغي لبلدكم ان تسكن”. انتهى

وقال أحمد بن حنبل في العلل: ” حدثنا أبو معمر عن الوليد بن مسلم قال قال لي مالك بن أنس أيذكر أبو حنيفة ببلدكم قلت نعم قال ما ينبغي لبلدكم أن يسكن وما أراه سمع من الوليد “. انتهى

وهذا الأثر عن مالك غير ثابت فقد تفرد به الوليد بن مسلم. قال أبو مسهر الغساني: “ربما دلس الوليد بن مسلم عن كذابين”. انتهى

وجاء في العلل برواية المروذي: ان الامام أحمد: قال: هو كثير الخطأ.

5- روى الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده عن ابن أبي سريح قال : سمعت الشافعي يقول : سمعت مالك بن أنس وقيل له : تعرف أبا حنيفة ؟ ـ فقال : « نعم ، ما ظنّكم برجل لو قال : هذه السارية من ذهب لقام دونها حتّى يجعلها من ذهب ، وهي من خشب أو حجارة » ؟ قال أبو محمّد : يعني أنّه كان يثبت على الخطأ ويحتجّ دونه ولا يرجع الى الصواب إذا بان له”. انتهى

قال ابن النجار البغدادي: “هذا لا يصلح أن يصدر عن مالك، لأن مالكا رضي الله عنه كان يثنى على أبي حنيفة وهو ما رواه الخطيب. قال: أنبأنا البرقاني أنبأنا أبو العباس بن حمدان لفظا حدثنا محمد بن أيوب حدثنا أحمد بن الصباح قال سمعت الشافعي محمد بن إدريس قال قيل لمالك بن أنس: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته. وأما قول أبى محمد إن مالكا عنى أنه كان يثبت على الخطأ ويحتج دونه ولا يرجع إلى الصواب إذا بان له فمن أين لأبي محمد هذا؟ وهذا القول من مالك في حق أبي حنيفة أقرب إلى المدح منه إلى الذم وأظهر”. انتهى

6- قال ابن عدي في الكامل: “ثنا بن أبى داود ثنا الربيع بن سليمان الجيزي عن الحارث بن مسكين عن بن القاسم قال قال مالك الداء العضال الهلاك في الدين وابو حنيفة من الداء العضال”. انتهى

وهذا الحديث من رواية مجسم متعصب وهو ابن أبي داود، وقد طعن فيه والده أبو داود وكل معاصريه.

راجع الرابط التالي الذي قيل فيه: https://www.facebook.com/…/a.38068…/1378101182268624/…

7- قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في الكتاب المسمى “السنة”: حدّثني أبو الفضل الخراساني، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: قال لي خالي مالك بن أنس: “أبو حنيفة من الداء العضال، وقال مالك: أبو حنيفة ينقض السنن”. انتهى

وهذا الأثر لا يثبت عن الإمام مالك، ففي سنده إسماعيل بن أبي أويس.

قال الذهبي في السير: “روى أحمد بن زهير عن ابن معين : صدوق ، ضعيف العقل ، ليس بذاك . يعني أنه لا يحسن الحديث ، ولا يعرف أن يؤديه ، أو أنه يقرأ من غير كتابه .

وقال أبو حاتم الرازي : محله الصدق ، وكان مغفلا .

وقال النسائي : ضعيف . وقال مرة فبالغ : ليس بثقة .

وقال الدارقطني : ليس أختاره في الصحيح .

وقال أبو أحمد بن عدي : روى عن خاله غرائب لا يتابعه عليها أحد ، وهو خير من أبيه .

عدم صحة الروايات المنسوبة للإمام مالك في الطعن بأبي حنيفة 2/2

الجزء الأول:

مقتطفات من كتاب تأنيب الخطيب للأصولي محمد زاهد الكوثري

روابط ذات علاقة

ذكر من ألف في الرد على الخطيب البغدادي

صنف العلماء مؤلفات كثيرة في الرد على الخطيب البغدادي منها:

-كتاب السهم المصيب في الرد علي الخطيب

الملك المعظم شرف الدين ابي العزائم عيسي بن ابي بكر بن ايوب وقيل لأخيه ابي المظفر

-الانتصار لإمام أئمة الأمصار لسبط ابن الجوزي في مجلدين كبيرين.

– مقدمة كتاب جامع مسانيد الإمام الأعظم لأبي المؤيد الخوارزمي.

– السهم المصيب في نحر الخطيب للحافظ السيوطي

– تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب للأستاذ قاهر المشبهة، محمد زاهد الكوثري.

– كتاب الرد على أبي بكر الخطيب البغدادي تأليف الحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود ابن الحسن بن هبة الله بن محاسن المعروف بابن النجار البغدادي المتوفى سنة 643 هجري.

وغير هؤلاء الكثير ممن انتقد الخطيب البغدادي.

– قال يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي في كتابه “تنوير الصحيفة بمناقب الإمام أبي حنيفة”: «لا تَغتَرّ بكلام الخطيب، فإن عنده العصبية الزائدة على جماعةٍ من العلماء كأبي حنيفة وأحمد وبعضِ أصحابه. وتحاملَ عليهم بكل وجه”. انتهى

– قال سبط ابن الجوزي في “مرآة الزمان”: وليس من العجب من الخطيب فإنه طعن في جماعة من العلماء، وإنما العجب من الجد كيف سلك أسلوبه هذا؟ وجاء بما هو أعظم؟! . انتهى

وأما ما قاله أحمد بن حجر المكي في كتابه “الخيرات الحسان: “الفصل التاسع والثلاثون في ردَّ ما نقله الخطيب البغدادي في تاريخه عن القادحين في الإمام أبي حنيفة: اعلم إنه لم يقصد بذلك إلاّ جمع ما قيل في الرجل على عادة المؤرخين، ولم يقصد بذلك انتقاصه ولا حط مرتبته، بدليل أنه قدم ذكر الكلام المادحين وأكثر منه، ومن نقل مآثره، ثم عّقبه بذكر كلام القادحين فيه”. انتهى

فلا يستقيم هنا لأن الخطيب البغدادي قد أفصح عن طريقته في كتابه، فقال: “كلما ذكرت في التاريخ رجلاً اختلفت فيه أقاويل الناس في الجرح والتعديل فالتعويل على ما أخرت منه وختمت به الترجمة”. انتهى

فالاعتذار عنه بأنه قدم كلام المادحين لا يتفق مع تصريحه بما ألتزمه.