- رد شبهة طعن بعض الحنابلة في الإمام أبي حنيفة النعمان
- شبهة طعن ابن حبان في أبي حنيفة النعمان
- شبهة طعن بعض الأشاعرة في أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه
رد شبهة طعن بعض الحنابلة في الإمام أبي حنيفة النعمان
نقل الخطيب في تاريخ بغداد عن أبي بكر المروزي أنه قال: “سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: “لم يصح عندنا أن أبا حنيفة كان يقول: القرآن – يريد صفة الكلام- مخلوق”. انتهى
و ذكره الذهبي في مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه.
وهذا الأثر يعضده ما قاله أبو حنيفة في كتابه الفقه الأكبر: “نقرُّ بأن القرآنَ كلامُ الله غيرُ مخلوق ووحيُه وتنزيلُه، لا هو ولا غيرُه، بل هو صفتُه على التحقيق”. انتهى
وكان الإمام أحمد كثيراً ما يذكر أبا حنيفة ويترحم عليه، ويبكي في زمن محنته، ويتسلى بضِرَب أبي حنيفة على القضاء، فقد نقل الخطيب في تاريخه ما نصه: قاﻝ اﻟﻨﺨﻌﻲ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻣﺨﻠﺪ اﻟﺒﻠﺨﻲ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻬﻞ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻨﺼﻮﺭ اﻟﻤﺮﻭﺯﻱ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻨﻀﺮ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﺒﻐﺪاﺩﻱ، ﻳﻘﻮﻝ: ﺿﺮﺏ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ اﻟﻘﻀﺎء ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻘﻀﺎء، ﻗﺎﻝ: ﻭﻛﺎﻥ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﺇﺫا ﺫﻛﺮ ﺫﻟﻚ ﺑﻜﻰ ﻭﺗﺮﺣﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺿﺮﺏ ﺃﺣﻤﺪ.”. انتهى
وأورده الماوردي في الحاوي عن إسماعيل بن سالم البغدادي قال: أكره أبو حنيفة على الدخول في القضاء فلم يقبل، وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى وترحم على أبي حنيفة.
فأما رواية الخطيب ففي سندها:
-النخعي هو أبو القاسم علي بن محمد بن الحسن بن محمد بن عمر بن سعد بن مالك القاضي المعروف بابن كاس قال الخطيب وكان ثقة فاضلاً عارفاً بالفقه على مذهب أبي حنيفة.
قال أَبُو الحسن بْن سُفْيَان الحافظ : “سنة أربع وعشرين وثلاث مائة فيها مات أَبُو القاسم علي بْن مُحَمَّد بْن كاس النخعي القاضي، وكان من المقدمين فِي الفقه من الكوفيين الثقات”. انتهى
فإن قيل أن الرواية منقطعة بين الخطيب و النخعي فجوابه أن الانقطاع مجبور بما هو ثابت عن أبي حنيفة في كتابه الفقه الأكبر حيث قال: “نقرُّ بأن القرآنَ كلامُ الله غيرُ مخلوق ووحيُه وتنزيلُه، لا هو ولا غيرُه، بل هو صفتُه على التحقيق”. انتهى
-ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻣﺨﻠﺪ اﻟﺒﻠﺨﻲ: ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور ، ولم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا، حدث عنه أيضاً أبو الطيب محمد بن عبد الله الشعيري كما في شعب الإيمان للبيهقي.
– محمد بن سهل بن منصور المروزي: مجهول الحال
– ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻨﻀﺮ العسكري: مجهول الحال
-ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﺒﻐﺪاﺩﻱ: قال عنه ابن حجر العسقلاني : ثقة.
وهذه الرواية وان ورد في سندها من هو مجهول الحال، فقد ساقها الخطيب كالمحتج بها في معرض كلامه عن أبي حنيفة، فهي ثابتة عنده.
و بهذا يُرد على من طعن في الإمام أبي حنيفة مستدلا بكلام أحمد بن حنبل في كتاب العلل ومعرفة الرجال، حيث ذُكرت فيه جملة من الآثار منها قول عبد الله بن أحمد:
– حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا عبد الله بن إِدْرِيس قَالَ :قلت لمَالِك بن أنس : كَانَ عندنَا عَلْقَمَة وَالْأسود .فَقَالَ : قد كَانَ عنْدكُمْ من قلب الْأَمر هَكَذَا وقلب أبي كَفه على ظهرهَا – يَعْنِي أَبَا حنيفة -“. انتهى
– وقوله: “سَمِعت أبي يَقُول :مر رجل بِرَقَبَة فَقَالَ لَهُ رَقَبَة من أَيْن جِئْت ؟قَالَ : من عِنْد أبي حنيفَة .قَالَ: كَلَام مَا مضغت وَترجع إِلَى أهلك بِغَيْر ثِقَة “. انتهى
– وقوله: “قَالَ أبي : بَلغنِي عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَنه قَالَ :آخر علم الرجل أَن ينظر فِي رَأْي أبي حنيفَة , يَقُول : عجز عَن الْعلم “. انتهى
فالإمام أحمد كان قد ألف كتاب العلل قبل زمن المحنة، والظاهر أنه كان يذهب في ذلك الوقت للطعن في أبي حنيفة، ثم تراجع عن ذلك بعد محنته ووقوفه على مكانة أبي حنيفة فمدحه بعد ذلك و أثنى عليه.
وأما تلك الروايات المذكورة في كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن أحمد بن حنبل والتي فيها طعن في أبي حنيفة فلا يصح منها شئ لأن الكتاب في سنده مجاهيل والظاهر أن بعض الحشوية دسوا فيه الكثير من الروايات:
* قال منصور بن أبي مزاحم: سمعت أبا علي العذري يقول لحماد بن زيد: مات أبو حنيفة قال: الحمد لله الذي كنس بطن الأرض به”. انتهى
وهذا أثر باطل غير صحيح و أبو علي العذري مجهول.
فإن قيل أن بعض تلك المرويات التي فيها طعن بأبي حنيفة موجودة أيضا في كتب أخرى موصولة لعبد الله بن أحمد، منها:
– “أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد مُحَمَّد بن موسى الصيرفي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس مُحَمَّد بن يَعْقُوب الأصم، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن أَحْمَد بن حنبل، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا مؤمل، قال: سمعت حماد بن سلمة، يقول: وذكر أبا حنيفة، فقال: إن أبا حنيفة استقبل الآثار والسنن فردها برأيه”. انتهى
(أثر ضعيف: مؤمل بن اسماعيل لا يحتج به)
فجوابه أن يقال: عبد الله بن أحمد لم ينص أنه قال ذلك في كتاب السنة، والصواب أن الذي دس تلك المقالات في كتاب السنة قد جمع أولا بعض الآثار المنسوبة لعبد الله بن أحمد من طريق بعض الضعفاء و الوضاعين و دسها في كتاب السنة. و الخطيب البغدادي و إن أقر بوجود تلك الآثار في كتاب السنة فهو لم يطلع على النسخة الأصلية بل تكلم على النسخة الرائجة لأنه متأخر في الزمان.
وأما ما قاله أبو بكر الخلال في كتاب العلم: ” أخبرني سعيد بن مسلم الطوسي حدثنا محمد بن الهيثم قال: سمعت أبا عثمان عمرو بن معمر قال: قال أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله: «إذا رأيت الرجل يجتنب أبا حنيفة ورأيه والنظر فيه ولا يطمئن إليه ولا إلى من يذهب مذهبه ممن يغلو ولا يتخذه إماماً فأرجو خيره» انتهى
فجواب ذلك أن يقال أن هذا الأثر لا يصح سندا لأن فيه أبا عثمان عمرو بن معمر وهو مجهول الحال، فقد ترجمه ابن أبي يعلى في طبقاته وغاية ما قاله: ” روى عن إمامنا أشياء….” فهذا الرجل النكرة قد تفرد بهذه الرواية عن أبي حنيفة، فلا يُحتج بكلامه.
رابط ذو علاقة:
شبهة طعن ابن حبان في أبي حنيفة النعمان
نُسب للحافظ ابن حبان عدة كتب موضوعة أغلبها في الطعن في أبي حنيفة مثل:
– كتابُ عِلَلِ مَنَاقِبِ أَبي حَنِيفَةَ ومَثَالِبِهِ، ذكره أبو بكر الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وقال أنه في عشرة أجزاء.
وقال الخطيب قبل ذلك: “ولم يقدر لي الوصول إلى النظر فيها؛ لأنها غير موجودة بيننا ولا معروفة عندنا”. انتهى
– كتابُ عِلَلَ مَا أسْنَدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، في عشرة أجزاء أيضًا. وهو كتاب مفقود، ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان، كما نبه لذلك محمد الغزازي محقق كتاب عقود الجواهر المنيفة للزبيدي.
– كتابُ التَّنْبِيهِ على التَّمْوِيهِ، ذُكر في الترجمة الموجودة لأبي حنيفة في كتاب المجروحين.
وكتاب المجروحين جميع نسخه غير مسندة ومنقطعة.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/1B1kSiF63p/
فهذه الترجمة المنسوبة لابن حبان في الطعن في أبي حنيفة غير ثابتة عنه، بل هي مما تم دسه عليه، لأسباب منها:
أ- هذه الترجمة ليست موجودة في أغلب النسخ القديمة.
ب – الدارقطني لم يعلق على ترجمة أبي حنيفة، رغم أنها أطول ترجمة في كتاب المجروحين، فقد تم ترجمة حوالي مئتين وواحد وثمانين رجلاً، وتُرجم لكلِّ واحدٍ منهم ترجمة، تبلغ بعضها خمسة أسطر أو دونها، وبعضها تبلغ عشرة أسطر أو تزيد عليها، والقليل منها هي التي تبلغ الصفحة أو الصفحتين، إلا ترجمة الإمام أبي حنيفة، فقد بلغت اثتني عشرة صفحة. ومع ذلك لم يعلق عليها الدارقطني، مما يدل أنها مقحمة في الكتاب، بعد عصر الدارقطني
ج – ذُكر في ترجمة أبي حنيفة ما يلي: “كان جَدِلاً ظَاهِرَ الورع” ، أي لا وجود للورع في باطنه، وهذا تدخل من ابن حبان في الباطن الذي لا يعلمه إلا الله، وحاشى ابن حبان أن يقول مثل ذلك.
د- ترجمة أبي حنيفة المنسوبة لكتاب المجروحين فيها طعن منقول عن ضعفاء تكلم فيهم ابن حبان نفسه، مثل سويد بن عبدالعزيز، فكيف يتصور عاقل أن ابن حبان يحتج بكلام شخص يقول عنه ” كان كثير الخطأ فاحش الوهم، حتى يجيء في أخباره من المقلوبات أشياء تتخايل إلى من سمعها أنها عملت عمدًا”، للطعن في أبي حنيفة؟
والنص الموجود في المجروحين؛ أخبرنا محمد بن القاسم بن حاتم قال : حدثنا محمد بن داود السمنانى قال : حدثنا ابن المصفى قال : حدثنا سويد بن عبد العزيز قال : جاء رجل إلى أبي حنيفة “فقال : ما تقول فيمن أكل لحم الخنزير ؟ فقال : لا شئ عليه”. انتهى
ومما يدل على أن الكلام مدسوس هنا على ابن حبان أن الذهبي نفسه علق على تضعيف ابن حبان لسويد ثم قوله عنه في ترجمة أبي حنيفة: ” والذي عندي في سويد تنكب ما خالف الثقات من حديثه، والاعتبار بما روي مما لم يخالف الأثبات والاحتجاج بما وافق الثقات، وهو ممن أستخير الله فيه؛ لأنه يقرب من الثقات”انتهى
فقال الذهبي: ” لا ولا كرامة، بل هو واه جدا”. انتهى
هذا وقد زعم بعض أدعياء المشيخة أن أهل الرأي حذفوا الآثار الواردة في ذم إمامهم من بعض نسخ المجروحين لابن حبان، وهؤلاء يقال لهم؛ المخطوط الذي ورد فيه ترجمة أبي حنيفة، لا تصح نسبة جميع متنه لابن حبان لانقطاع سنده، وبالتالي فالأولى البحث في صحة نسبة متن ذلك المخطوط لابن حبان
وبالتالي فما ورد من آثار ظاهرها الصحة، في الطعن في أبي حنيفة ، هي في الأصل مركبة وموضوعة، منها الكلام المنسوب لابن حبان أنه قال: “وأخبرني محمد ابن المنذر قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني قال : سمعت حماد بن زيد يقول : سمعت أبا حنيفة يقول : لم أكد ألقى شيخا إلا أدخلت عليه ما ليس من حديثه إلا هشام بن عروة”. انتهى
شبهة طعن بعض الأشاعرة في أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه
إن مكانة أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه عند عامة علماء أهل السنة و الجماعة لا تكاد تخفى، فهو عندهم إمام صاحب منهج متبع ، وأحد الأئمة المجتهدين.
وقد برزت بين أظهر المسلمين في هذا العصر فرقة نابتة من المجسمة أحيوا مذاهب الحشوية و البيانيّة- نسبة لبيان ابن سمعان- وتكلموا في أبي حنيفة النعمان بعد أن استقر عمل المسلمين على ترك الكلام فيه، حتى نقل بِشْرُ الْحَافِي عن الْخُرَيْبِيُّ أنه قال: «مَا يَقَعُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ إِلا جَاهِلٌ أَوْ حَاسِدٌ». انتهى
وقد خالفت هذه الفرقة كلام زعيمهم ابن تيمية الحراني الذي عدّ أبا حنيفة من علماء أهل الحديث، بل عدّه من الأئمة المتبعين فقال في منهاجه: “وهذا مذهب الأئمة المتبوعين مثل مالك بن أنس والثوري والليث بن سعد والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق … ” انتهى
وقال أيضا:” كما أن أبا حنيفة، وإن كان الناس خالفوه في أشياء، وأنكروها عليه؛ فلا يستريب أحد في فقهه وفهمه وعلمه، وقد نقلوا عنه أشياء يقصدون بها الشناعة عليه، وهي كذب عليه قطعاً”. انتهى
و خالفت هذه الفرقة أيضا ما قاله إمامهم الذّهبي في رسالته في المتكلمين في الرجال، وما قاله أيضا في سيره: “الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام ، وهذا أمر لا شك فيه. وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل. وسيرته تحتمل أن تفرد في مجلدين ، رضي الله عنه ، ورحمه . توفي شهيدا مسقيا في سنة خمسين ومئة .” انتهى
كما خالفوا كلام إمامهم ابن كثير الذي قال في البداية و النهاية:” الإمام أبو حنيفة… فقيه العراق، وأحد أئمة الإسلام، والسادة الأعلام، وأحد أركان العلماء، وأحد الأئمة الأربعة؛ أصحاب المذاهب المتبوعة، وهو أقدمهم وفاة”. انتهى
وقد حاولت هذه النابتة التشويش على المسلمين بشتى الوسائل والترويج للطعن في أبي حنيفة خدمة لأسيادهم من الملاحدة، وذلك بذكر بعض مقالات أهل السنة في الطعن في أبي حنيفة، كأبي الحسن الأشعري والإمام الجويني و الإمام الغزالي و غيرهم من أئمة المسلمين لذلك وجب التنبيه لهذه الشبهة والرد عليها .
1-احتجاجهم بالكلام المنسوب لأبي الحسن الأشعري
ما ورد في كتاب الإبانة المنسوب لإمام أهل السنة والجماعة أبي الحسن الأشعري في الطعن في أبي حنيفة النعمان غير ثابت عنه، لأن أكثَر النُسَخِ الرائجةِ اليوم والمطبوعة من كتاب الإبانة محرفة وفيها كلام مدسوس على الأشعري يتناقله المجسمة عن بعضهم البعض، بل هم لا يملكون نسخة واحدة ثابتة مسندة إليه.
وهذا مذهب المحققين من الأشاعرة والماتريدية وغيرهم وقد أشار الباحث عبد الرحمن بدوي في كتابه مذاهب الإسلاميين لهذه المسألة فقال: “ولكن المشكلة ليست في تصحيح النَّص الوارد إلينا بقدر ما هي في معرفة هل هذا النص كتبه الأشعري”. انتهى
وهذا ما نفاه وكيل المشيخة في الخلافة العثمانية محمد زاهد الكوثري
في تعليقه على كتاب الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة و نص عبارته: “ومن غريب التحريف ما دُسَّ في بعض نسخ الإبانة للأشعري كما دُسَّ فيها أشياء أخر”، كما أن النسخة الرائجة محشوّة بالتجسيم وفيها تكفيرٌ للإمام أبو حنيفة، مع أنّ مكانة أبي حنيفة معلومةٌ عند جميع أهل السنّة والأشعري مِنهُم”. انتهى
وأيضا الشيخ وهبي سليمان غاوجي في كتابه “نظرة علميَّة في نسبة كتاب الإبانة جميعه إلى الإمام الجليل ناصر السنة أبي الحسن الأشعري” حيث أثبت فيه صحَّة نسبة الكتاب الأصل إلى أبي الحسن، ثم ذكر تحريف الكتاب الموجود بين أيدينا.
وكذلك كتاب مقالات الاسلاميين، فان النسخة الرائجة غير ثابتة عن الإمام أبي الحسن الأشعري، ومن ذلك الدس والتحريف الطعن المنسوب لأبي حنيفة وهو قولهم:
“والفرقة التاسعة من المرجئة أبو حنيفة وأصحابه يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والإقرار بالله والمعرفة بالرسول والإقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير”. انتهى
فلم يروه عنه أحد من تلاميذه، والعبرة بما نقلوه عنه، وهم الذين نشروا مذهبه في الٱفاق، مثل الإمام أبي بكر بن فورك في مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري، و الباقلاني وغيرهم.
فالدين لا يؤخذ من المخطوطات كما هو مذهب مجسمة العصر، فانهم يتعبدون الله بزعمهم بما يجدونه في الكتب.
2-احتجاجهم بكلام أبي المعالي الجويني
قال أبو المعالي الجويني في البرهان في أصول الفقه ما نصه: “وأما أبو حنيفة فما كان من المجتهدين أصلا، لأنه لم يعرف العربية حتى قال: “لو رماه بأبا قبيس” وهذا لا يخفى على من شدا أدنى شيء من العربية ولم يعرف الأحاديث حتى رضي بقبول كل سقيم ومخالفة كل صحيح ولم يعرف الأصول حتى قدم الأقيسة على الأحاديث ولعدم فقه نفسه اضطرب مذهبه وتناقض وتهافت”. انتهى
وجواب هذه الشبهة أن يقال أنه على فرضية صحة نسبة هذا الكلام للجويني، فغاية ما فيه نفي مرتبة الاجتهاد عن الإمام أبي حنيفة، لا تكفيره كما ذهبت لذلك تلك النابتة، بل ثبت عنه في مواضع من كتابه الترحم و الترضي عليه، من ذلك قوله: “فإن قيل قد علل أبو حنيفة رحمه الله تعالى الربا في النقدين”. انتهى
وقال: ” واعتبر أبو حنيفة رضي الله عنه الرحم والمحرمية وفروع علته”.. انتهى
فالإمام الجويني كان في كتابه البرهان يتتبع مقالات أبي حنيفة الفقهية و يردها منتصرا لمذهب الشافعي، بل كان ينتقد بعض ٱراء الإمام مالك كقوله: «وأما مالك رضي الله عنه فكان تدواره على النصوص حتى كان معظم أجوبته في المسائل الخالية من النصوص لا أدرى وقد اشتهر مذهبه في استصلاحات مرسلة يراها انسلت تلك القواعد عن ضبط الشريعة وقدم مذاهب أهل المدينة على الأحاديث الصحيحة”. انتهى
وغاية ما يمكن قوله في هذه المسألة أن الإمام الجويني تكلم في أبي حنيفة بحسب ما وصله عنه من أخبار باطلة فقال ما قال وزاد : “وكان يقول لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة فقال كل فقه بعدك حرام ووقع ذلك منه موقعا عظيما وعن هذا قيل استتيب أبو حنيفة من الإرجاء مرتين فإن هذا مذهب المرجئة فكيف يظن وحاله هذا مجتهدا”. انتهى
فهنا نجد أنه ساق بعض الأخبار من غير أن يسندها و أحيانا يذكرها بصيغة التمريض.
وهذا الكلام المنسوب للجويني قد رد عليه ايضا الشيخ نوح بن مصطفى القونوي المفتي الحنفي المتوفى سنة 1070هـجري في كتاب الكلمات الشريفة في تنزيه ابي حنيفة عن الترهات السخيفة. وقد ألف الشيخ ملا علي القاري رسالة بعنوان “تشييع فقهاء الحنفية في تشنيع سفهاء الشافعية”رد فيها أيضا على الكتاب المنسوب إلى الإمام الجويني، فقال : “رأيت رسالة مصنوعةً في ذمّ مذهب السّادة الحنفيّة ـ الذين هم قادة الاُمّة الحنفيّة وأكثر أهل الملّة الاسلاميّة ـ وموضوعة، فيها أشياء من أعجب العجاب التي تشير إلى أنّ قائلها جاهل أو كذّاب، وهي منسوبة إلى أبي المعالي عبدالملك ابن عبدالله بن يوسف الجويني المشهور بإمام الحرمين، من أكابر علماء مذهب الشافعي، وحسن ظنّي به أنّ أحداً من الخوارج أو الرافضة ـ الحاسدين لاجتماع أهل السنّة والجماعة على طريقة واحدة مشتملة على المستنبط من الكتاب والسنّة وإجماع الاُمّة والقياس المعتبر عند الأئمة ـ كتب هذه الرسالة ونسبها إليه، ليكون سبباً لرواج بضاعته المزجاة لديه، ووسيلة إلى مهابة العوام والجهلة في الردّ عليه، كما يدلّ على ما قلنا ركاكة ألفاظه…». انتهى
فالظاهر و الأصوب ان أبا المعالي الجويني كان له تأليف بهذا الاسم، لكنه مفقود، الا ان بعض المبغضين لأبي حنيفة نحلها عن الامام الجويني و نسبها اليه.
3-احتجاجهم بكلام أبي حامد الغزالي
قال الغزالي في المنخول صحيفة 584 :” وأما أبو حنيفة فلم يكن مجتهدا لأنه كان لا يعرف اللغة وعليه يدل قوله: “ولو رماه بأبو قبيس” وكان لا يعرف الأحاديث ولهذا ضرب بقبول الأحاديث الضعيفة ورد الصحيح منها ولم يكن فقيه النفس بل كان يتكايس لا في محله على مناقضة مآخذ الأصول ويتبين ذلك باستثمار ثنا مذاهبه فيما سنعقد فيه بابا في آخر الكتاب الله أعلم”
والجواب على هذه الشبهة من وجهين:
– الأول أن يقال: هذا الكلام قاله الغزالي في أول أمره، وكان عمره حوالي 20 سنة، وذلك قبل توبته من حيرته و شكوكه، كما قال ذلك الملاّ علي القاري في كتابه المؤلَّف ردّاً على الكتاب المنسوب لإمام الحرمين و نص عبارته: «ثمّ رأيت الإمام الكردري صنّف تصنيفاً في الردّ على الغزالي فيما نقل عنه أنّه ذكر في كتابه المنخول طعناً في أبي حنيفة وأصحابه الفحول، ولعلّه كان في أيّام جهالته وزمان حيرته ومبدأ ضلالته، قبل أن يدخل في طريق الأولياء وتصنيفه الإحياء، على ما تدلّ عليه ترجمته للإمام الأعظم مع سائر العلماء». انتهى
– الثاني: أن يقال أنه ورد في رسائل حجة الاسلام، أن الغزالي قال: انّ أهل الحسَدِ غيّروا كلمات في كتاب المنقذ من الضلال، ومشكاةِ الأنوار، وأدخلوا فيها كلمات كُفْر، وأرسلوا إليّ حتى أكتبَ على ظهرهما خط الإجازة، ولكن الله سبحانه وتعالى قد ألهمني بفضله وكرمه حتى طالعتُ ووقفْتُ على تلبسيهم.
وكنت صنفتُ في أيام الصِّغَر مكتوبا على ظهره “المنخول من تعليق الأصول” وقد زادَ عليه جماعةٌ بحكم الحسَدِ من قبل ثلاثين سنة بكلمات تطعنُ في الإمام أبي حنيفةَ.
وقال أيضا: ” أما ما قيل من طعني في الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه فلا أتحمّله ، بالله الطالب الغالبِ المدركِ المُهْلِك الحي الذي لا إله إلا هو؛ فإنّ اعتقادي في أبي حنيفة رحمة الله عليه أنه كان أكثر أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم غوصًا في حقائق المعاني والفقه، فكلُّ من حكى شيئا غير هذا من عقيدتي أو خطي أو لفظي فهو كاذبٌ”. انتهى
ومما يؤكد صحة ذلك أن الغزالي ترجم لأبي حنيفة في الاحياء بترجمة جليلة وأثنى عليه.
ثم ان الشبهة المنسوبة للغزالي عن أبي حنيفة النعمان تبعا لشيخه الجويني، وهي عدم اتقانه للعربية، ادعاء لا معنى له، وقد أجاب ابن خلكان في “وفيَات الأعيان” عنها بقوله: “ولم يكن يعاب بشيء سوى قلة العربية، فمن ذلك ما رُوي أن أبا عمرو بن العلاء المقرىء النحوي – المقدم ذكره – سأله عن القتل بالمثل: هل يوجب القود أم لا؟ فقال: لا، كما هو قاعدة مذهبه خلافاً للإمام الشافعي رضي الله عنه، فقال له أبو عمرو: ولو قتله بحجر المنجنيق، فقال: ولو قتله بأبا قبيس، يعني الجبل المطل على مكة حرسها الله تعالى. وقد اعتذروا عن أبي حنيفة بأنه قال ذلك على لغة من يقول: إن الكلمات الست المعربة بالحروف – وهي أبوه وأخوه وحموه وهنوه وفوه وذو مال – أن إعرابها يكون في الأحوال الثلاث بالألف، وأنشدوا في ذلك:
إن أباها وأبا وأباها … قد بلغنا في المجد غايتاها
وهي لغة الكوفيين، وأبو حنيفة من أهل الكوفة، فهي لغته، والله أعلم”. انتهى
وقال إبراهيم بن أبي اليمن الحنفي في “لسان الحكام في معرفة الأحكام” صحيفة 310 ما نصه: “وهذا اللفظ مما أخذه بعض الجهال على أبي حنيفة في علم الإعراب فقال: الصواب: “بجبل أبي قبيس”، قال القدوري: لم يثبت هذا عن أبي حنيفة، ولم يوجد في كتابه، وإن ثبت ذلك عنه فهو لغة بعض العرب” . انتهى
وقال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح: ” … ضرب رجلا بصخرة فمات لا قصاص عليه قيل لأبي حنيفة أرأيت إن كانت صخرة عظيمة فقال وإن ضربه بجبل أبي قبيس وقيل لفظ أبي حنيفة بجبل أبا قبيس، لا يجب القصاص وهي مسئلة القتل بالمثقل وهذا اللفظ مما أخذه بعض الجهال على أبي حنيفة في علم الأعراب فقال الصواب بجبل أبي قبيس قال القدوري رحمه الله لم يثبت هذا عن أبي حنيفة ولم يوجد في كتابه فإن ثبت فهو لغة بعض العرب لأن بين الحارث بن كعب يقولون بها وقال سيبويه هذا هو القياس وقد جاء القرآن بذلك في قوله تعالى إن هذان لساحران طه وقال القائل إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها ولأن اللفظ إذا تعارفه العامة صح للمتكلم أن يتكلم به كذلك وإن كان فيه نوع خلل إذا كان قصده تفهيم العامة لأنه أبلغ في تحصيل المقصود وقد فعل ذلك الإمام محمد في مواضع لا يظن به أن ذلك اشتبه عليه”. انتهى
