رد الطعون عن أبي حنيفة النعمان -8

  1. الجزء 16: شهادة الأعمش لأبي حنيفة بالفقه
  2. تقديم أبي حنيفة الأحاديث النبوية على الرأي والقياس في استنباط الأحكام
  3. تكفير المشبهة للإمام الأكبر أبي حنيفة رضي الله عنه
  4. نقض دعوى استتابة أبي حنيفة من الكفر
  5. بين الثوري و أبي حنيفة النعمان
  6. بين أبي حنيفة و حفص بن غياث

الجزء 16: شهادة الأعمش لأبي حنيفة بالفقه

1-قال ابن عبد البر في حامع بيان العلم: “أخبرني خلف بن قاسم، ثنا محمد بن القاسم بن شعبان، ثنا إبراهيم بن عثمان بن سعيد، ثنا علان بن المغيرة، ثنا علي بن معبد بن شداد، ثنا عبيد الله بن عمرو، قال: كنت في مجلس الأعمش فجاءه رجل فسأله عن مسألة فلم يجبه فيها، ونظر فإذا أبو حنيفة فقال: «يا نعمان، قل فيها» قال: القول فيها كذا، قال: «من أين؟» قال: من حديث كذا، أنت حدثتناه، قال: فقال الأعمش، «نحن الصيادلة وأنتم الأطباء»”. انتهى

وهذا السند فيه:

– إبراهيم بن عثمان بن سعيد هو إبراهيم بن عثمان بن سعيد بن المثنى أبو إسحاق المصري الأزرق الخشاب قال عنه ابن يونس المصري وكان صالح الحديث وكان رحل إلى العراق وكتب غرائب. كما هو مذكور في تاريخ دمشق لابن عساكر.

2-أخرج ابن عدي في كتابه الكامل في ضعفاء الرجال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبيدة، حدثنا المزني إسماعيل بن يحيى، حدثنا علي بن معبد عن عبيد الله بن عمرو الجزري، قال: قال الأعمش يا نعمان يعني أبا حنيفة ما تقول في كذا قال كذا قال: ما تقول في كذا قال كذا قال من أين قلت قال أنت حدثتني عن فلان عنه فقال الأعمش يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة”. انتهى

وهذا السند فيه:

-أحمد بن محمد بن عبيدة هو أبو بكر النيسابوري الشعراني قال عنه الخطيب في تاريخ بغداد: “وكان ثقة”.

3-أخرج الصيمري في كتاب أخبار أبي حنيفة وأصحابه، ومن طريقه أخرجه الخطيب في كتابيه الفقيه والمتفقه ونصيحة أهل الحديث، بسندين، والسند واللفظ للخطيب وهو قوله: -السند الأول-“أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري أنا عبد الله بن محمد الشاهد نا مكرم ابن أحمد نا أحمد بن عطية (كذاب). -السند الثاني-: وأخبرنا الحسن بن علي الجوهري أنا محمد بن العباس الخزاز نا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري قال سمعت أبا إبراهيم المزني قال أنا علي بن معبد نا عبيد الله بن عمرو قال كنا عند الأعمش وهو يسأل أبا حنيفة عن مسائل ويجيبه أبو حنيفة فيقول له الأعمش من أين لك هذا فيقول أنت حدثتنا عن إبراهيم بكذا وحدثتنا عن الشعبي بكذا قال فكان الأعمش عند ذلك يقول يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة “. انتهى

و السند الثاني فيه:

– الحسن بن علي الجوهري: هو أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن عبد الله الشيرازي قال عنه الخطيب في تاريخه: “وكان ثقة أمينا كثير السماع”. انتهى

وقال الذهبي عنه في تاريخ الاسلام:” مسند الدنيا في عصره”. انتهى

– محمد بن العباس الخزاز هو أبو عمر بن حيويه ثقة حافظ معروف

4-أخرج ابن حبان في كتابه الثقات قال:” حدثني عبد الملك بن محمد بن سميع بصيداء ثنا المزني ثنا علي بن معبد عن عبيد الله بن عمرو قال الأعمش لأبى حنيفة يا نعمان ما تقول في كذا كذا قال كذا وكذا قال من أين قلت قال أنت حدثتنا عن فلان بكذا قال الأعمش أنتم يا معشر الفقهاء الأطباء ونحن الصيادلة”. انتهى

وهذا السند فيه:

– عبد الملك بن محمد بن سميع هو عبد الملك بن محمود ابن إبراهيم بن محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع أبو الوليد القرشي الفقيه روى عنه جماعة من الحفاظ الثقات كما في تاريخ دمشق لابن عساكر.

5-أخرج أبو نعيم الأصبهاني في مسند أبي حنيفة وابن جميع الصيداوي في كتابه معجم الشيوخ كلاهما من طريق علي بن عبد الرحمن، ثنا علي بن معبد، ثنا عبيد الله بن عمر قال: كنت عند الأعمش، فسئل عن مسألة، فنظر في وجه القوم، ثم قال لأبي حنيفة: اجبه يا نعمان، فأجابه قال له: من أين قلت هذا؟ قال بحديث حدثتنا به أنت فقال الأعمش: أنتم الأطباء، ونحن الصيادلة.

وإطلاق الصيادلة على بعض أهل الحديث لا يشمل جميعهم، انما يطلق على من اختص برواية الحديث دون الفقه، وهو ظاهر في قول الربيع: سمعت الشافعي قال لبعض أصحاب الحديث:” أنتم الصيادلة، ونحن الأطباء” .و إلاّ فإن الشافعي نفسه من كبار المحدثين، بل سمّاه أهل العراق “ناصر الحديث”.

رابط ذو علاقة: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=4502716969807014&id=194651207280300

تقديم أبي حنيفة الأحاديث النبوية على الرأي والقياس في استنباط الأحكام

1- أخرج البيهقي في كتابه المدخل إلى السنن الكبرى قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت محمد بن أحمد بن بالويه، يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت أبا بكر الطبري يقول: سمعت نعيم بن حماد يقول: سمعت ابن المبارك يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين وإذا جاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نختار من قولهم وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم”. انتهى

وهذا السند فيه:

– أبو بكر الطبري: محمد بن أبي خالد الصومعي حدث عنه أبو عوانة في مستخرجه، وحدث عن نعيم بن حماد.

قال عنه ابن حبان يغرب.

وقال عنه ابن حجر: صدوق يغرب.

2- أخرج ابن نصر في كتابه الفوائد، قال: “حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد القاضي قال: حدثنا القاسم بن عبيد السياري قال: حدثنا عبد الله بن علي الكرماني قال: علي بن الحسن بن شقيق يقول: سمعت أبا حمزة السكري يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم نمل إلى غيره وأخذنا به، وإذا جاء عن الصحابة تخيرنا، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم”. انتهى

وهذا السند فيه:

– صاحب الكتاب نفسه ابن نصر مقبول

– أبو الحسن علي بن أحمد القاضي هو القزويني

– القاسم بن عبيد السياري هو أبو العباس القاسم بن القاسم بن عبد الله بن مهدي السياري.

– عبد الله بن علي الكرماني، وعند الحاكم في المستدرك في أسانيد كثيرة الغزال بدلا من الكرماني، وقد صحح له الحاكم في عدة مواضع بقوله صحيح الإسناد.

– علي بن الحسين بن شقيق معروف ثقة

– أبو حمزة السكري هو محمد بن ميمون المروزي معروف ثقة.

3- أخرج ابن عبد البر في كتابه الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، بسند ضعيف قال حدثنا حكم بن منذر قال نا أبو يعقوب يوسف بن أحمد قال نا عمرو بن علي الجوهري وأبو عبد الله محمد بن حزام الفقيه قالا نا الفضل بن عبد الجبار قال نا علي بن الحسن بن شقيق قال نا أبو حمزة قال: سمعت أبا حنيفة يقول إذا جاءنا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذنا به وإذا جاءنا عن الصحابة تخيرنا وإذا جاءنا عن التابعين زاحمناهم.

4- أخرج ابن عبد البر في كتابه الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، بسند ضعيف أيضا، قال: حدثنا حكم بن منذر قال نا أبو يعقوب يوسف بن أحمد نا محمد بن موسى المروزي قال نا محمد بن عيسى البياضي قال نا محمود بن خداش قال نا علي بن الحسن بن شقيق قال سمعت أبا حمزة السكري يقول سمعت أبا حنيفة يقول إذا جاء الحديث الصحيح الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أخذنا به ولم نعده وإذا جاء عن الصحابة تخيرنا وإن جاء عن التابعين زاحمناهم ولم نخرج عن أقوالهم.

5-أخرج عباس الدوري في تاريخ يحيى بن معين والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى والصيمري في كتابه أخبار أبي حنيفة وأصحابه والخطيب في تاريخ بغداد ت بشار والهروي في كتابه ذم الكلام وأهله وابن عبد البر في كتابه الانتقاء في فضائل الفقهاء الثلاثة كلهم من طريق يحيى بن معين حدثنا عبيد بن أبي قرة قال سمعت يحيى بن ضريس يقول شهدت سفيان وأتاه رجل فقال ما تنقم على أبي حنيفة قال وماله قال سمعته يقول آخذ بكتاب الله فما لم أجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم أجد في كتاب الله ولا سنة آخذ بقول أصحابه آخذ بقول من شئت منهم وأدع قول من شئت ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم فإذا ما انتهى الأمر أو جاء الأمر إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين والحسن وعطاء وسعيد بن المسيب وعدد رجالا فقوم اجتهدوا فأجتهد كما اجتهدوا”. انتهى

هذا وقد نقل الإمام الشعراني في الميزان بسنده إلى الإمام أبي حنيفة أنه قال: “كذب والله وافترى علينا من يقول: إننا نقدم القياس على النص، وهل يحتاج بعد النص إلي قياس؟ ونقل عنه أيضاً قوله: “نحن لا نقيس إلاّ عند الضرورة الشديدة، وذلك أننا ننظر في دليل المسألة من الكتاب والسنة أو أقضية الصحابة، فإن لم نجد دليلاً قسنا حينئذٍ مسكوتاً على منطوق به”. وذكر عنه أيضاً قوله: “ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، بأبي وأمي وليس لنا مخالفته، وما جاء عن الصحابة تخَّيرنا، وما جاء عن غيرهم فهم رجال ونحن رجال”. انتهى

وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح : “ومن ثَمَّ لم يقبل جرح الجارحين في الإمام أبي حنيفة حيث جرحه بعضهم بكثرة القياس”. انتهى

تكفير المشبهة للإمام الأكبر أبي حنيفة رضي الله عنه

صرّح بعض زعماء المشبهة في هذا العصر باكفار الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه، وتابعه على ذلك حُثالة الأغبياء الرَعاع من أدعياء السلفية، وبلغت الوقاحة بأحد دعاتهم واسمه صالح العقيلي أن قال في تسجيل له منشور ومشهور ومتداول على وسائل التواصل : “كل من دافع وذبَّ عن أبي حنيفة هذا الخبيث فهو جهميٌ خبيث قاتله الله”. ثم أخذ الكتاب المسمى “السنة” المنسوب كذبا لعبد الله بن الإمام أحمد وهو غير ثابت عنه، بل فيه ما يجب أن يُحذر، كما بيّن ذلك الشيخ المحدث محمد زاهد الكوثري الحنفي، وكيل المشيخة الإسلامية في أواخر أيام السلطنة العثمانية في مقالاته، وبدأ العقيلي يقرأ فيه ليستشهد بزعمه على صحة طعنه بالإمام أبي حنيفة، وزعم أن أبا حنيفة توسَّع بالقياس والرأي وترك العمل بالحديث، وأنه ردَّ بعض الأحاديث وزعم أنها خُرافة، وأن السلف مجموعون على كفر أبي حنيفة، وأنهم سبوه ولعنوه وشهدوا عليه بالنار، وطعنوا فيه طعونًا كثيرة، وأن من شك أو تردد أو توقف في تكفير أبي حنيفة فهو ضال زائغ منحرف عن جادة السلف.

ومثله علج ٱخر من علوج المشبهة وهو المدعو “عبد الله بن فهد الخليفي” عليه من الله ما يستحق، قرأ كتابين ، وحفظ جملتين فظن أنه وصل لمرتبة الحفاظ و المحققين و الله المستعان.

1-أهمية المذهب الحنفي:

انتسب لمذهب أبي حنيفة مئات الملايين من المسلمين من عصر التابعين إلى يومنا هذا، وقد ساهم أبو يوسف القاضي بعد توليه منصب قاضي القضاة أيام الخليفة هارون الرشيد من نشر هذا المذهب، ثم تولى بعده منصبَ القضاء محمدُ بن الحسن الشيباني وهما أكبر تلاميذ الإمام أبي حنيفة حتى صار المذهب الحنفي هو المذهب الرسمي للدولة العباسية، وانتشر هذا المذهب في العراق حاضرة الخلافة وقتها وفي شتى بلاد المسلمين من عرب وعجم كمصر والشام وفارس، وما وراء النهر تركستان وأفغانستان والهند، كما كان المذهب الرسمي لعدد من دول المشرق كدولة السلاجقة والدولة الغزنوية ودولة المماليك، حتى صار العرف أنه لا يلي القضاء إلا حنفيٌ، إلى أن نصب السلطان المملوكي الظاهر بيبرس رحمه الله قضاة على المذاهب الأربعة، وقد استحسن العثمانيون المذهب الحنفي فجعلوه دستور الدولة العثمانية طيلة قرون حكمهم الميمون، فأصبح المذهب الحنفي أكبر مذهب فقهي إسلامي وما زال أكثر المسلمين إلى اليوم يتعبدون بمذهب هذا الإمام الجليل، بل ما زال فقه السادة الحنفية هو الدستور القائم في المحاكم الشرعية في مصر والشام وأغلب بلاد المسلمين.

فهل يكون تكفير أبي حنيفة وتكفير من دافع عنه وبرأه مما رمته به المشبهة إلا تكفيرًا للأمة ودُولها وخلفائها وسلاطينها وأمرائها وأعيانها وعلمائها على مدى مئات السنين الغائرة في قلب التاريخ.

والذي نراه أن المجسمة حاقدةٌ مغتاظةٌ من الإمام أبي حنيفة وأصحابه وأتباعه لأنهم بينوا عَوَر أسلافهم، فإن المطالع لكتب السادة الحنفية وعبارات الإمام المنقولة عنه يجدها مشحونة بما ينقض ما عليه المجسمة أسلاف الوهابية، حيث كان الإمام وأصحابه منزهين لله تعالى عن الحد والمكان والجهة، ولا يُكفّرون أحدًا من أهل القبلة بمجرد الذنب كما صرَّح بذلك الإمام أبو جعفر الطحاوي الحنفي في عقيدته المشهورة التي قال في مطلعها “هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وصاحبيه، أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين”.

وقد تلقت الأمة هذه العقيدة بالقبول ولم يعترض عليها أحدٌ منذ أكثر من ألف سنة حتى انبرى لشرحها بعض هؤلاء الرعاع فشحنوا شروحاتهم بما يُخالف المذهب الحنفي وعقيدة المسلمين، مثل ابن أبي العز الحنفي، وغيره.

2- الثناء على أبي حنيفة

روى الإمام أحمد في المسند وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لو كان الإيمان منوطًا بالثريا لتناوله رجال من فارس” وفي رواية عند الترمذي “لو كان الدين بالثريا لناله رجال من أبناء فارس”، وقد نبغ من أبناء الفرس أئمة في الفقه والحديث والتفسير واللغة، ولا شك أن الإمام أبا حنيفة من أبرزهم، بل قد أوَّل الحافظ السيوطي هذا الحديث بالإمام أبي حنيفة رضي الله عنه.

ثم إن معرفة حقيقة الشخص عالمًا كان أم لا تُعرف بشهادة أئمة زمانه ممن عاصروه، ومن كان قريبًا منه أو من زمانه، وقد اتفق هؤلاء على تبجيل أبي حنيفة وتقدمه في علوم الدين، وقد مدحه غيرُ واحد من أكابر الأئمة منهم علي بن المديني ويحيى بن مَعين والإمام محمد الباقر وعبد الله بن المبارك والإمام مالك صاحب المذهب المشهور.

وكان الشافعي على جلالة قدره تلميذُ تلميذِ أبي حنيفة قد أخذ العلم عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وغيره، وأخذ عن الشافعي الإمامُ أحمد الذي تنتسب إليه المجسمة زورًا وبُهتانًا، فأبو حنيفة شيخ مشايخ الإمام أحمد الذي تنتسب إليه أدعياء السلفية، وتراهم مع هذا يُكفّرون أبا حنيفة، فاعجب لذلك أشد العجب.

وهذا الثناء من الأئمة على أبي حنيفة ثابت كما في تهذيب الأسماء والصفات للنووي والخيرات الحسان لابن حجر الهيتمي وتبييض الصحيفة للسيوطي ومناقب أبي حنيفة للذهبي ومنازل الأئمة الأربعة للسلماسي وغيرها من كتب التراجم والتاريخ ليعرف من هو أبو حنيفة ومن هم أصحاب أبي حنيفة.

وقد لقي أبو حنيفة أنسَ بن مالك وواثلةَ بن الأسقع وعبدَ الله بن أنيس وعبدَ الله بن جَزْءٍ وعبدَ الله بن أوفى وغيرَهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد وفّق الله سبحانه وتعالى أبا حنيفة إلى تدوين الفقه، فكان أول من دوَّنه ورتبه أبوابًا لم يسبقه لذلك أحد، وهو أول من ردّ على الفرق المنحرفة عن الصواب بالحجج والبراهين، وناظر الملاحدة وكسرهم، وقرر أحسنَ طريقة في الرد على المخالفين كما أثبت ذلك عنه الأسفراييني في التبصير في الدين وأبو منصور البغدادي في الفَرْقِ بين الفِرَق.

3-دفاع العلماء عن أبي حنيفة:

ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده إلى أبي كرامة قال كنا عند وكيع بن الجراح -شيخ الشافعي- فقال رجل: “أخطأ أبو حنيفة، فقال وكيع وكيف يقدر أبو حنيفة أن يُخطئ ومعه مثل أبي يوسف ومحمد بن الحسن وزُفر في قياسهم واجتهادهم، ومثل يحيى بن زكريا وحفص بن غياث وحبَّان ومندل في حفظهم للحديث ومعرفتهم، ومثل القاسم بن معن في معرفته بالنحو واللغة، وداود الطائي والفضيل بن عياض في زهدهما وورعهما، وعبد الله بن المبارك في معرفته بالتفسير والأحاديث والتواريخ، فمن كان أصحابه وجلساؤه هؤلاء كيف يخطئ وهو بينهم، وكُلٌ يثني عليه، لأنه إن أخطأ ردوه إلى الصواب”. انتهى

فمن كان هؤلاء الأكابر تلامذته كيف يسكتون له على الكفر بزعم المجسمة؟ وما تكفيرهم لمثل هؤلاء الأعلام إلا نقضٌ لعُرى الإسلام عروة عروة.

رابط ذو علاقة

نقض دعوى استتابة أبي حنيفة من الكفر

وردت الكثير من المرويات في كتب المحدثين تذكر ان أبا حنيفة وقع استتابته مرتين من الكفر.

ومن تلك النصوص ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه:” أخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن أبان الهيتي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن سلمان النجاد، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن أَحْمَد بن حنبل، قال: قلت لأبي: كان أَبُو حنيفة استتيب؟ قال: نعم”. انتهى

وهو أثر ضعيف: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبَانٍ الْهِيتِيُّ: لا يحتج به.

ومسألة استتابة أبي حنيفة منسوبة لسفيان الثوري:

– جاء في كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن أحمد بن حنبل أنه قال: حدثني عبد الله بن معاذ العنبري قال سمعت أبي يقول سمعت سفيان الثوري يقول استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين”. انتهى

-وقال أيضا : “حدثني أبو الفضل الخراساني نا سلمة بن شبيب نا الفريابي سمعت سفيان الثوري يقول استتيب أبو حنيفة من كلام الزنادقة مرارا”. انتهى

-جاء في العلل برواية عبد الله بن أحمد بن حنبل: “حدثني : أبي ، قال : حدثنا : مؤمل ، قال : سمعت سفيان الثوري قال : إستتيب أبو حنيفة مرتين”. انتهى

-قال ابن حبان في المجروحين :” زكريا بن يحيى الساجي بالبصرة ، قال : حدثنا : بندار ومحمد بن علي المقدمي ، قال : حدثنا : معاذ بن معاذ العنبري ، قال : سمعت : سفيان الثوري يقول : إستتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين”. انتهى

-قال ابن عبدالبر في إلانتقاء في فضائل الأئمة الفقهاء: قال أبو يعقوب ، ونا : أبو قتيبة سلم إبن الفضل قال : ، نا : محمد بن يونس الكديمى ، قال : سمعت عبد الله بن داود الخريبي يوماً ، وقيل له : يا أبا عبد الرحمن إن معاذاً يروى عن سفيان الثوري أنه قال : إستتيب أبو حنيفة مرتين.

-قال الساجي في العلل له : ” نا : بندار ومحمد بن المقرى قالا : ، نا : معاذ بن معاذ العبدي قال : سمعت سفيان الثوري يقول : إستتيب أبو حنيفة مرتين”. انتهى

وبتتبع هذه المرويات يلاحظ ان دعوى استتابة أبي حنيفة من الكفر المنسوبة لسفيان الثوري، باطلة، فقد ورد في بعض النصوص أن الثوري سمع تلك المقالة من عباد بن كثير، كما ذكر ذلك أبو القاسم اللالكائي، حيث قال في الكتاب المسمى “شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة” ما نصه‎: ” أنا محمد بن أبي بكر ، أنا محمد بن مخلد ، قال الحسن بن الصباح ، قال : نا مؤمل ، قال : نا سفيان ، قال : سمعت عباد بن كثير ، يقول : ” استتيب أبو حنيفة مرتين ، قال مرة : لو أن رجلا قال : أشهد أن لله بيتا إلا أني لا أدري أهو هذا أو بيت بخراسان كان عندي مؤمنا ؟ ولو أن رجلا قال : أشهد أن محمدا رسول الله إلا أني لا أدري أهو الذي بالمدينة أو رجل كان بخراسان ؟ كان عندي مؤمنا ” . انتهى

و عباد بن كثير هو رجل متروك الحديث لا يعول على كلامه عند المحدثين.

ويشهد لذلك أيضا ما قاله ابن عبدالبر في إلانتقاء في فضائل الأئمة الفقهاء:” قال نعيم بن حماد ، نا : يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ سمعاً سفيان الثوري يقول : قيل إستتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين”. انتهى

فهذا الأثر يدل أيضا ان سفيان الثوري هو مجرد ناقل عمن زعم استتابة أبي حنيفة من الكفر، وانما نقل سفيان الثوري تلك المرويات عن أبي حنيفة بسبب خصومة وقعت بينهما في بعض المجالس. ثم لأجل تلك الروايات هجر أصحاب أبي حنيفة، سفيان الثوري.

قال أبو عبد الله الصيمري في أخبار ابي حنيفة واصحابه ما نصه: “أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا عبد الْوَهَّاب بن أبي حَيَّة قَالَ حَدثنِي عبد الْملك بن أَحْمد قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن شُجَاع يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن عبيد الطنافسي يَقُول سَمِعت أَبَا مُعَاوِيَة يَقُول مَا زَالَ سُفْيَان عندنَا كَبِيرا حَتَّى تنَاول أَبَا حنيفَة فهجرناه ورفضناه”. انتهى

ومن هنا يظهر ان مرويات سفيان الثوري عن أبي حنيفة ابتترها بعض المحرفين ليوهم الناس ان سفيان قالها، ولم يكن مجرد ناقل، أو ان ذلك من تدليسه في الحديث، وقد وصفه النسائي وغيره بالتدليس، اي بالمعنى الاصطلاحي عند المحدثين.

بل يوجد من بين أصحاب الحديث من لفق الأكاذيب للثوري، من ذلك ما قاله الفسوي في المعرفة و التاريخ: “حدثنا نعيم بن حماد ثنا إبراهيم بن محمد الفزاري قال: كنا عند سفيان الثوري إذ جاءه نعي أبي حنيفة فقال: الحمد لله الذي أراح المسلمين منه، لقد كان ينقض عرى الاسلام عروة عروة، ما ولد في الاسلام مولود أشأم على الاسلام منه”. انتهى

فهذا الأثر مكذوب عن الثوري، من وضع نعيم بن حماد.

قال أبو الفتح الأزدي : كان ممن يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات مزورة في ثلب النعمان كلها كذب”. انتهى

وقال الذهبي : “نعيم من كبار أوعية العلم، لكنه لا تركن النفس إلى رواياته”. انتهى

وليعلم ان سبب استتابة أبي حنيفة فيه اضطراب شديد بين المحدثين منها قولهم:

-أنه شهد بايمان من شك في مكان الكعبة، ومن شك في النبي محمد. وهو خبر باطل كما بيناه سابقا.

– تكلم بكلام لم يتم تعيينه :جاء في العلل برواية عبد الله بن أحمد بن حنبل ما نصه: “حدثني : أبي ، قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : إستتيب أبو حنيفة مرتين ، فقال له أبو زيد يعني حماد بن دليل رجل من أصحاب سفيان لسفيان : في ماذا فقال سفيان : تكلم بكلام فرأى أصحابه أن يستتيبوه فتاب”. انتهى

واعجب بعد ذلك من قوله أن أصحابه استتابوه

-أنه كان يقول بالارجاء، كما نقل ذلك الإمام الجويني في البرهان في أصول الفقه، حيث قال : “وكان يقول لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة فقال كل فقه بعدك حرام ووقع ذلك منه موقعا عظيما وعن هذا قيل استتيب أبو حنيفة من الإرجاء مرتين فإن هذا مذهب المرجئة فكيف يظن وحاله هذا مجتهدا”. انتهى

وهو أيضا خبر باطل، فقد ساقه الجويني من غير أن يسنده و ذكره بصيغة التمريض.

-أنه كان يقول بخلق القرٱن: جاء في العلل برواية عبد الله بن أحمد بن حنبل ما نصه: “قال أبي : إستتابوه أظن في هذه الآية : سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، قال : هو مخلوق”. انتهى

وذكر الساجي في كتاب العلل له في باب أبي حنيفة :” أنه إستتيب في خلق القرآن فتاب “. انتهى

والساجي هذا كان ممن ينافس أصحاب أبي حنيفة، فالظاهر أنه هو من روج عنه هذا الافتراء.

وقد بين ابن عبدالبر في إلانتقاء في فضائل الأئمة الفقهاء، السبب الحقيقي وراء استتابة أبي حنيفة، وأنه مما روج له أعداءه عنه كذبا و بهتانا فقال: “حدثنا حكم بن منذر ، قال : ، نا : أبو يعقوب يوسف بن أحمد قال : ، نا : أبو محمد عبد الرحمن بن أسد الفقيه قال : ، نا : هلال بن العلاء الرقى قال : ، نا : أبى قال : ، نا : عبيد الله بن عمرو الرقي قال : ، نا : أبي قال : ، نا : عبيد الله بن عمرو الرقي قال : ضرب أبو حنيفة على القضاء فلم يفعل ففرح بذلك أعداؤه ، وقالوا : إستتابه”. انتهى

ثم إن أهل السنة و الجماعة انقسموا فريقين حيال هذه المرويات التي تذكر استتابة أبي حنيفة من الكفر:

– الفريق الأول: أنكر الحادثة لضعف تلك المرويات، كما بيناه، ومن هؤلاء عبد الله داود الخريبي الحافظ. فقد روى ابن عبد البر من طريق محمد بن يونس الكديمي ان الخريبي كذب استتابة أبي حنيفة مطلقا.

لكن الكديمي متكلم فيه، وهو ليس بثقة وقد كذبه جماعة.

الفريق الثاني: ذكروا أن الذين استتابوه هم الخوارج، لأنه يخالفهم في مذهبهم، فاستتابتُهم له مرتين دليل على حُسن عقيدته لا على بطلانها.

فقد جاء في كتاب التذكرة الحمدونية ما نصه:” إنه لما قدم الضحاك الشاري -وهو من الخوارج- الكوفة قال لهم: “جيئوني بالفقهاء، فتفرق الناس ووجدوا أبا حنيفة فأتوه. فقال: يا شيخ تب إلى الله من الكفر” انتهى

وقال الفقيه الملا علي بن محمد القاري في كتابه مناقب الإمام الأعظم ما نصه: “قال أبو الفضل الكرماني: لما دخل الخوارج الكوفة مع الضحاك –ورأيهم تكفير كل من أذنب وتكفير كل من لم يكفَّر مرتكب الذنب– قيل لهم: هذا شيخ هؤلاء. فأخذوا الإمام أبا حنيفة وقالوا له: تب من الكفر. فقال: أنا تائب من كل كفر. فقيل لهم: إنه تائب من كفركم، فأخذوه فقال لهم: أبعلم قلتم أم بظن؟ قالوا: بظن، قال إن بعض الظن إثم، والإثم ذنب فتوبوا من الكفر. قالوا: تب أنت أيضاً من الكفر، فقال أنا تائب من كل كفر. فهذا الذي قاله أهل الضلال من إن الإمام استتيب من الكفر مرتين، ولبّسوا على العامة من الناس”. انتهى

والذي لا ريب فيه أن غلاة الخوارج أهل ضلاله وزيغ، كّفروا كرام الصحابة، وفيهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، واستحلوا قتالهم، وفيهم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن ولا يتجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتلة عاد وثمود”. انتهى

وهؤلاء النابتة من المجسمة الذين ابتلينا بهم في هذا الزمان، هم في الأصل خلف للخوارج، بل هم خوارج هذا العصر لأنهم مع ادعاءهم التمسك بالسنة، فقد استحلوا تكفير كل المسلمين المخالفين لهم في المعتقد وتكفير كل المسلمين المتبعين لأبي حنيفة النعمان في عقيدته و تكفير كل المسلمين المتوسلين بالأنبياء، وغير ذلك من الشنائع المنسوبة إليهم.

بين الثوري و أبي حنيفة النعمان

1-تعظيم سفيان الثوري لأبي حنيفة

قال الحسين بن علي بن محمد بن جعفر الصَّيْمَري الحنفي المتوفى سنة436 هـجري في كتابه “أخبار أبي حنيفة وأصحابه” ما نصه: “أخبرنَا احْمَد بن مُحَمَّد الصراف قَالَ ثَنَا احْمَد بن مُحَمَّد المنصوري قَالَ ثَنَا عَليّ بن مُحَمَّد النَّخعِيّ قَالَ ثَنَا سُلَيْمَان بن الرّبيع قَالَ ثَنَا حَامِد بن آدم قَالَ ثَنَا بشار بن قِيرَاط وَكَانَ شريك أبي حنيفَة قَالَ حججْت مَعَ أبي حنيفَة وسُفْيَان فَكَانَا إِذا نزلا منزلا أَو بَلْدَة اجْتمع عَلَيْهِمَا النَّاس وَقَالُوا فَقِيها الْعرَاق فَكَانَ سُفْيَان يقدم أَبَا حنيفَة وَيَمْشي خَلفه وَإِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة وأبوحنيفة حَاضر لم يجب حَتَّى يكون أَبُو حنيفَة هُوَ الَّذِي يُجيب فَسئلَ ابو حنيفَة عَن النَّبِيذ فَأَرَادَ ان يرخص فِيهِ فَوضع سُفْيَان يَده على فَم أبي حنيفَة ثمَّ قَالَ لَهُ إِن رخصتنا بِالْكُوفَةِ لَا تقبل بِالْمَدِينَةِ”. انتهى

2-مدح سفيان الثوري لأبي حنيفة

قال الحسين بن علي بن محمد بن جعفر الصَّيْمَري الحنفي في كتابه “أخبار أبي حنيفة وأصحابه” ما نصه:” أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد بن عَطِيَّة قَالَ ثَنَا الْحمانِي قَالَ سَمِعت ابْن الْمُبَارك يَقُول قلت لِسُفْيَان الثَّوْريّ يَا أَبَا عبد الله مَا أبعد أَبَا حنيفَة من الْغَيْبَة مَا سمعته يغتاب عدوا لَهُ قطّ فَقَالَ:” هُوَ وَالله أَعقل من ان يُسَلط على حَسَنَاته مَا يذهب بهَا”. انتهى

وقال: “أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الْحلْوانِي قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن مغلس قَالَ ثَنَا أَبُو نعيم قَالَ سَمِعت سُفْيَان يَقُول أَبُو حنيفَة فِي الْعلم مَحْسُود.

أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا ابْن مغلس قَالَ ثَنَا ثَابت الزَّاهِد قَالَ كَانَ الثَّوْريّ إِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة دقيقة يَقُول مَا كَانَ أحد يحسن ان يتَكَلَّم فِي هَذَا الْأَمر إِلَّا رجل قد حسدناه ثمَّ يسْأَل أَصْحَاب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ مَا يَقُول صَاحبكُم فيحفظ الْجَواب ثمَّ يُفْتِي بِهِ”. انتهى

وقال: “حَدثنَا عمر بن إِبْرَاهِيم قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا احْمَد بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن مقَاتل قَالَ سَمِعت ابْن الْمُبَارك قَالَ قلت لأبي عبد الله سُفْيَان الثَّوْريّ مَا تَقول فِي الدعْوَة قبل الْحَرْب قَالَ إِن الْقَوْم الْيَوْم قد علمُوا مَا يُقَاتلُون عَلَيْهِ فَقلت إِن أَبَا حنيفَة يَقُول فِيهَا مَا قد بلغك فَنَكس رَأسه ثمَّ رَفعه فأبصر يَمِينا وَشمَالًا فَلم ير أحدا قَالَ إِن كَانَ أَبُو حنيفَة يركب فِي الْعلم أحد من سِنَان الرمْح كَانَ وَالله شَدِيد الْأَخْذ للْعلم ذابا عَن الْمَحَارِم مُتبعا لأهل بَلَده لَا يسْتَحل أَن يَأْخُذ إِلَّا بِمَا يَصح عِنْده من الْآثَار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَدِيد الْمعرفَة بناسخ الحَدِيث ومنسوخه وَكَانَ يطْلب أَحَادِيث الثِّقَات وَالْآخر من فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أدْرك عَلَيْهِ عَامَّة الْعلمَاء من أهل الْكُوفَة فِي اتِّبَاع الْحق أَخذ بِهِ وَجعله دينه قد شنع عَلَيْهِ قوم فسكتنا عَنْهُم بِمَا نَسْتَغْفِر الله تَعَالَى مِنْهُ بل قد كَانَت منا اللَّفْظَة بعد اللَّفْظَة قَالَ قلت أَرْجُو ان يغْفر الله تَعَالَى لَك ذَلِك”. انتهى

3- سبب خصومة الثوري مع أبي حنيفة

قال الحسين بن علي بن محمد بن جعفر الصَّيْمَري الحنفي في كتابه “أخبار أبي حنيفة وأصحابه” ما نصه: “أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الْمعدل قَالَ ثَنَا مكرم بن أَحْمد قَالَ ثَنَا عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد الْمروزِي قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن سَعْدَان قَالَ سَمِعت أَبَا سُلَيْمَان الْجوزجَاني يَقُول سَمِعت سلم بن سَالم يَقُول كنت قَاعِدا عِنْد مسعر وسُفْيَان مَعنا إِذْ أقبل أَبُو حنيفَة فأوسع لَهُ مسعر عَن صدر الْمجْلس فَسلم عَلَيْهِم فَقَالَ لَهُ مسعر أَلا تسلم على أبي عبد الله قَالَ وَمن أَبُو عبد الله قَالَ سُفْيَان قَالَ الْمِسْكِين قد شيخ بعدِي قَالَ سُفْيَان من لَا يشق ثِيَابه من هَذَا النبطي قَالَ أَبُو سُلَيْمَان وَكَانَ الَّذِي كَانَ بَين أبي حنيفَة وسُفْيَان من الشَّرّ بِهَذَا السَّبَب”.انتهى

وقال:”أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا ابْن مغلس قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن سَمَّاعَة القَاضِي قَالَ سَمِعت أَبَا يُوسُف يَقُول كُنَّا عِنْد مسعر وسُفْيَان جَالس إِلَيْهِ يذاكره إِذْ أقبل أَبُو حنيفَة فأوسع لَهُ مسعر وَقمت أَنا من مجلسي لَهُ فَقَالَ لَهُ مسعر أَلا تسلم على أبي عبد الله فَأقبل على سُفْيَان فَقَالَ يرحم الله أَبَاك فَلَقَد كَانَ بَعيدا من حب الرِّئَاسَة منصفا لكل من رَآهُ مُتبعا للْعلم وَلَقَد أسْرع إِلَيْك الشيب فَقَالَ سُفْيَان من لَا يشق ثِيَابه من هَذَا النبطي وَقَامَ وَخرج”. انتهى

وقال: “أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد قَالَ ثَنَا ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف قَالَ كَانَ أَبُو حنيفَة إِذا بلغه عَن سُفْيَان مَا يَقُول فِيهِ مبلغ مِنْهُ يَقُول هُوَ حَدِيث السن والأحداث لَهُم حِدة فَكَانَ إِذا أقبل قَالَ هُوَ حَدِيث السن قَالَ سُفْيَان بكم هُوَ النبطي أكبر سنا مني حَتَّى يصغرني وَلَا يسْتَحل أَبُو حنيفَة أَن يَقُول فِيهِ شَيْئا غير إِنَّه حدث السن”. انتهى

3- ذكر بعض المرويات المكذوبة عن الثوري في الطعن في أبي حنيفة

– روى ابن بطة في الابانة من طريق ابراهيم بن الأشعث عن الفضيل بن عياض قال : كان سفيان الثوري إذا رأى إنسانا يجادل ويماري يقول : أبو حنيفة ورب الكعبة .

وسند الأثر فيه ابراهيم بن الأشعث.

قال أبو حاتم الرازي : كنا نظن به الخير، فجاء عن أبيه بحديث موضوع. واتهمه ابن أبي حاتم الرازي.

قال أبو حاتم بن حبان البستي : يغرب، يتفرد، يخطئ، يخالف

وقال الدارقطني : ضعيف الحديث، يحدث عن الثقات بما لا أصل له، وزعموا أنه كان من العباد.

رابط ذو علاقة

بين أبي حنيفة و حفص بن غياث

جاء في كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن أحمد بن حنبل مانصه: “حدثني إبراهيم ، سمعت عمر بن حفص بن غياث ، يحدث عن أبيه ، قال : « كنت أجلس إلى أبي حنيفة فأسمعه يفتي في المسألة الواحدة بخمسة أقاويل في اليوم الواحد ، فلما رأيت ذلك تركته وأقبلت على الحديث”. انتهى

وقال أيضاً: “حدثني هارون بن سفيان ، نا طلق بن غنام ، ثنا حفص بن غياث ، يقول : « جلست إلى أبي حنيفة فقال في مسألة بعشرة أقاويل لا ندري بأيها نأخذ”. انتهى

وقال: “حدثنا عبد الله نا الحسن نا يعقوب نا أحمد بن عثمان عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه قال : « كنت أجالس أبا حنيفة فربما سمعته يقول في اليوم الواحد في المسألة الواحدة خمسة أقوال ينتقل من قول إلى قول فقمت عنه وتركته وطلبت الحديث”. انتهى

وأورد هذا الأثر الخطيب البغدادي في تاريخه أيضا.

وهذه المرويات على تقدير صحتها فليس فيها طعن على أبي حنيفة، بل هو تصريح بقوته في استنباط الأحكام و المسائل و الاستدلالات من الأحاديث النبوية بدليل قول حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ نفسه، فقد نقل الذهبي في مناقب أبي حنيفة :” طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ النَّخَعِيُّ، سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ، يَقُولُ: «كَلامُ أَبِي حَنِيفَةَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ لا يَعِيبُهُ إِلا جَاهِلٌ»”. انتهى وذكره أيضا في سير أعلام النبلاء و في تاريخه.

فأبو حنيفة رحمه الله كانت له ملكة عجيبة في استنباط الأحكام من النصوص الشرعية و النظر في أصول الفقه و نقد أقوال المجتهدين في أبواب الفروع، وهذا أمر امتدحه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد والترمذي وابن حبان، عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نضر الله امرء سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع » ، وقد روي هذا من طرق أخرى، بألفاظ متعددة.

فحفص بن غياث رحمه الله كان له ميل لرواية الأحاديث أكثر من النظر فيها و استخراج الأقوال و المسائل، خلافا لأبي حنيفة النعمان رضي الله عنه.

وأما ما ذكره ابن أبي الدنيا في المنامات، قال: حدثنا أبو بكر حدثني علي بن أبي مريم عن عمر بن حفص بن غياث قال: سمعت أبي قال: “رأيت أبا حنيفة في المنام فقلت: ما حالكم فيما كنتم فيه؟ قال: ما وجدنا شيئا , أو قال: خيرا ولكن ذاك صاحبكم قلت: من؟ قال: سفيان بن سعيد, قلت: ذاك, قال: ذاك ذاك ” . انتهى

فهذا السند فيه: “علي بن أبي مريم” وهو مجهول. قال مجدي السيد ابراهيم، محقق كتاب المنامات – طبعة مكتبة القرٱن-، في هامش الصحيفة 167 : لم أجده.