رد الطعون عن أبي حنيفة النعمان -9

  1. بين أبي حنيفة و العباس بن أحمد المستلمي قاضي طرسوس
  2. بين ابن المبارك وأبي حنيفة. 3/1
  3. بين أبي حنيفة و ابن المبارك 3/2
  4. ندم و كيع عن مجالسة أبي حنيفة و أخذه العلم منه

بين أبي حنيفة و العباس بن أحمد المستلمي قاضي طرسوس

قال أبو بكر الخلال في كتاب أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل أحمد ما نصه: “أَخْبَرَنَا العباس بن أحمد المستلمي النجار بطرطوس……ثم قَالَ: “كل من نظر فِي رأي أبي حنيفة إلا كان دغل القلب يذهب إليه”. انتهى

وقال الخلال بعد ذلك: “وأما قول أبي حنيفة يقول: “إني خارج من كذا وداخل في كذا أنكره أبو عبد الله واحتج بالأحاديث في الانكار عليه”. انتهى

وهذا الذي قاله أحمد المستلمي قاضي طرسوس عن أبي حنيفة كان انكارا منه على مسألة بلغه أنه أفتى بها. وهو أن اليهودي او النصراني لا يصح منه اسلامه اذا نطق الشهادتين حتى يتبعها بقوله مثلا: “تبرأت من ديني ودخلت في الاسلام”.

وهذه المسألة من جملة المسائل التي فهمت خطأ عن أبي حنيفة وليست على اطلاقها، اذ لا خلاف عند أبي حنيفة وأصحابه انه يكفي للدخول في الاسلام النطق بالشهادتين.

ولكن أبا حنيفة فصّل في فرقة معينة من أهل الكتاب يقولون ان محمد رسول الله إلى العرب فقط، فهؤلاء هم الذين قال عنهم أبو حنيفة ان النطق بالشهادتين فقط، لا تكفيهم حتى يتبعوها بالتبرأ من دينهم والدخول في الاسلام.

– قال الشيخ يوسف بن عمر الكاذوري في جامع المضمرات في شرح مختصر القدوري ما نصه: “في الزاد: وفرقة من أهل الكتاب يقولون محمد رسول الله إلى العرب دون بني اسرائيل. فهذه الفرقة لا يكون أحد منهم مسلما باتيان الشهادتين حتى يتبرؤوا من الدين الذي هم عليه، ولو قال واحد منهم إني مؤمن لم يكن بذلك مسلما لأنهم يزعمون ان الايمان و الاسلام ماهم عليه”. انتهى

فهذه الفرقة تنطق الشهادتين على معنى أنها تؤمن بمحمد رسول الله للعرب فقط دون العجم، وهذا مخالف لمعنى الشهادة، لذلك اشترط أبو حنيفة في حقهم زيادة التبرأ من دينهم.

قال أبو يعقوب الجرجاني الحنفي في خزانة الأكمل: “وفي السير الكبير: أن اليهود و النصارى الذين بين أظهرنا إذا قالوا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لا يكونون مسلمين، فانهم يقولون إنه يرسل اليكم فلا بد من البراءة عن دينهم و اقرارهم بالدخول في الاسلام والقبول بما جاء من عند الله. هذا مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه”. انتهى

بين ابن المبارك وأبي حنيفة. 3/1

تتلمذ عبد الله ابن المبارك رضي الله عنه على الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه، و روى عنه الحديث و كان من أخص أصحابه.

وقد عده بعضهم من فقهاء الحنفية، كما هو مذكور في الجواهر المضية، و الفوائد البهية، و كما ذكره ابن النجار في رده على الخطيب، و الكوثري أيضا في مقدمته على كتاب نصب الراية وكتاب فقه أهل العراق.

1-ثناء ابن المبارك على أبي حنيفة

-قال ابن عبد البر في كتاب الانتقاء: “وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي فَضَائِلِ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهَا ابْن زُهَيْر فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَهَا غَيْرُهُ”. انتهى

-نقل الذهبي في مناقب أبي حنيفة عن ابن المبارك أنه قال : “ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه ، ولا أحسن سمتا وحلما من أبي حنيفة”.انتهى

وقال الذهبي في السير: “وروى حيان بن موسى المروزي ، قال : سئل ابن المبارك : مالك أفقه ، أو أبو حنيفة ؟ قال : أبو حنيفة”. انتهى

وقال أيضا:”وقال ابن المبارك : أبو حنيفة أفقه الناس” . انتهى

-جاء في تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: أن ابن المبارك قال :” أفقه الناس أبو حنيفة، ما رأيت في الفقه مثله”. انتهى

-روى الحافظ السيوطي في تبييض الصحيفة و سبط ابن الجوزي في مرٱة الزمان عن يحي الحماني قال: “سمعت ابن المبارك يقول: قلتُ لسفيان الثوري: ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة، ما سمعتُه يغتاب عدوًّا له. قال: والله هو أعقل من أن يُسلِّط على حسناته ما يذهب بها”. انتهى

– جاء في التذكرة الحمدونية لابن حمدون ما نصه: “وكان أبو حنيفة رضي الله عنه طويل الصمت دائم الفكر قليل المحادثة للناس، وذكر عند ابن المبارك فقال: أتذكرون رجلاً عرضت عليه الدنيا بحذافيرها ففر منها”. انتهى

ورواه الغزالي في الاحياء و ابن عبد البر في الانتقاء

-وقال ظفر أحمد العثماني التهانوي في اعلاء السنن: “وروى الخطيب عن محمد بن أحمد بن يقعوبُ قال حدثنا جدي قال: أملَى عليَّ بعضُ أصحابنا أبياتًا مدح بها عبد الله بن المُبارك أبا حنيفة:

رأيتُ أبا حنيفةَ كلَّ يوم يَزِيدُ نَبَالة ويزيدُ خَيْرا

ويَنطق بالصوابِ ويَصْطَفِيهِ إذا ما قال أهلُ الجَوْرِ جَوْرَا

يُقَايِسُ من يُقَايِسُه بلُبٍّ فمن ذا تجعلون له نَظِيرا

كَفَانَا فَقْدُ حَمَّادٍ وكانت مُصِيبتُنا به أمْرًا كبيرا

فرَدَّ شماتَةَ الأعدءِ عَنَّا وأبْدَى بعدَهُ عِلمًا كثيرا

رأيتُ أبا حنيفة حين يُؤتى ويُطلَبُ عِلْمُهُ بَحْرًا غزيرا

إذا ما المُشكلاتُ تَدَفَعَتْها رجالُ العلم كان بها بَصيرا. انتهى

– جاء في در المحتار أن ابن المبارك رضي الله عنه قال :

لَقَد زانَ البِلادَ وَمَن عَلَيها إِمامُ المُسلِمينَ أَبو حَنيفَه

بِأَحكامٍ وَآثارٍ وَفِقهٍ كَآياتِ الزَبورِ عَلى الصَحيفَه

فَما بِالمَشرِقَينِ لَهُ نَظيرٌ وَلا بِالمَغرِبَينِ وَلا بِكوفَه

يبيت مشمرا سهر الليالي وصام نهاره لله خيفه

فمن كأبي حنيفة في علاه إمام للخليفة والخليقه رأيت العائبين له سفاها خلاف الحق مع حجج ضعيفه وكيف يحل أن يؤذى فقيه له في الأرض آثار شريفه وقد قال ابن إدريس مقالا صحيح النقل في حكم لطيفه بأن الناس في فقه عيال على فقه الإمام أبي حنيفه فلعنة ربنا أعداد رمل على من رد قول أبي حنيفه.

ونقله ابن النديم البغدادي في الفهرست. وذكره الصيرمي في أخبار أبي حنيفة، نقلا عن ابن المبارك

-روى الخطيب البغدادي في تاريخه: أخبرنا الحسن بن أبي بكر، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف، أخبرنا محمد بن محمد المروزي ، حدثنا حامد بن آدم ، حدثنا أبو وهب محمد بن مزاحم ، سمعت عبد الله بن المبارك يقول : لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان ، كنت كسائر الناس” .انتهى

وقد قال الوهابي عبد الله الخليفي في مقال له بعنوان “نقد ترجمة أبي حنيفة في تهذيب الكمال للمزي” بتاريخ 14 ماي 2014، تعقيبا على هذه الرواية ما نصه: هذه الرواية الله أعلم بصحتها وابن المبارك أدرك الحمادين وابن عيينة وتلاميذ الزهري وجمع علماً عظيماً”. انتهى

– ذكر ابن حبان البستي في كتابه المجروحين قال: “سمعت ابن المبارك يقول: كان أبو حنيفة في الحديث يتيما”. انتهى

قال ابن النجار في رده على الخطيب: هذا بالمدح أشبه منه بالذم فإن الناس قد قالوا درة يتيمة إذا كانت معدومة المثل، وهذا اللفظ متداول للمدح لا نعلم أحدا قال بخلاف، وقيل يتيم دهره، وفريد عصره وإنما فهم الخطيب قصر عن إدراك ما لا يجهله عوام الناس”. انتهى

وأما ما قاله العقيلي في الضعفاء: ” حَدثنا مُحمد بن إبراهيم بن جَنَّاد، قال: حَدثنا أَبو بَكر الأَعيَنُ، قال: حَدثنا إِبراهيم بن شَماس، قال: سمعتُ ابن المُبارك، يقول: اضرِبُوا على حَديث أَبي حَنيفَةَ”. انتهى

فهو ليس على إطلاقه بل هو توضيح من عبد الله بن المبارك لبيان طريقة أبي حنيفة في استخراج الأحكام أثناء دروسه، فقد كانت طريقة أبي حنيفة هو تقديم القياس على الأحاديث الضعيفة. فكان يسرد أول الدرس الأحاديث الضعيفة الغير ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم و المتعلقة بأحد الأبواب الفقهية، ليبين لأصحابه أنه لا يصح الاحتجاج بها لاستنباط الأحكام، ثم يشرع بعدها في تحرير المسائل بالاعتماد على الأحاديث الثابتة و القياس.

وهذا هو تحديدا معنى كلام ابن المبارك، والا فهو حديث مقتطع من سياقه ومبتور.

2- دفاع عبد الله بن المبارك عن أبي حنيفة

-قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم: “قيل لابن المبارك : فلان يتكلم في أبي حنيفة فأنشد بيت ابن الرقيات : حسدوك أن رأوك، فضلك الله بما فضلت به النجباء”. انتهى

-قال الذهبي في مناقب أبي حنيفة: “ابْنُ أَبِي رِزْمَةَ، عنَ عَبْدَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُهُمْ يَذْكُرُونَ أَبَا حَنِيفَةَ بِسُوءٍ سَاءَنِي ذَلِكَ، وَأَخَافُ عَلَيْهِمُ الْمَقْتَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى”. انتهى

-ذكر ابن حجر في الخيرات الحسان أن الأوزاعي فقيه الشام – كان معاصراً لأبي حنيفة – قال لعبد الله ابن المبارك: “من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة و يكنی أبا حنيفة؟ فلم يجبه ابن المبارك، بل أخذ يذكر مسائل مشكلة، و طرق فهمها و الفتوی فيها، فقال الأوزاعي من صاحب هذه الفتاوی؟ قال: شيخ لقيته بالعراق، فقال هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه، قال ابن المبارك. هذا أبو حنيفة. ثم لما رأي أبا حنيفة بمكة، قال: غبطت الرجل بكثرة علمه و وفور عقله، و أستغفر الله تعالی، لقد كنت في غلط ظاهر، إلزم الرجل فانه بخلاف ما بلغني عنه”. انتهى

رابط ذو علاقة:

بين أبي حنيفة و ابن المبارك 3/2

1-ذكر الطعون المنسوبة لابن المبارك التي تفرد كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن أحمد بذكرها

ما يٌنقل في كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن أحمد بن حنبل مما فيه طعن من عبد الله بن المبارك في أبي حنيفة ، فلا يصح منه شىء، لأنه كتاب محرف و في سنده بعض المجاهيل. وهي روايات مدسوسة عن عبد الله بن المبارك.

راجع الرابط التالي:

https://www.facebook.com/…/a.38068…/1409900695755339/…

ومن تلك الروايات المنسوبة لعبد الله بن المبارك التي تفرد كتاب السنة بنقلها هو قولهم:

-عن عبدالله بن أحمد قال حدثني القاسم بن محمد الخراساني ، ثنا عبدان ، عن ابن المبارك ، قال : «ما كان على ظهر الأرض مجلس أحب إلي من مجلس سفيان الثوري كنت إذا شئت أن تراه مصليا رأيته وإذا شئت أن تراه في ذكر الله عز وجل رأيته ، وكنت إذا شئت أن تراه في الغامض من الفقه رأيته ، وأما مجلس لا أعلم أني شهدته صلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم قط فمجلس…» ثم سكت ولم يذكر فقال :« يعني مجلس أبي حنيفة»

-حدثني أبو الفضل الخراساني حدثنا إبراهيم بن شماس السمرقندي حدثنا عبد الله بن المبارك بالثغر عن أبي حنيفة قال فقال إليه رجل يكنى أبا خداش فقال يا أبا عبد الرحمن لا ترو لنا عن أبي حنيفة فانه كان مرجئا قلم ينكر ذلك عليه ابن المبارك وكان بعد إذا جاء الحديث عن أبي حنيفة ورأيه ضرب عليه ابن المبارك من كتبه وترك الرواية عنه وذلك آخر ما قرأ على الناس بالثغر ثم انصرف ومات قال وكنت في السفينة معه لما انصرف من الثغر وكان يحدثنا فمر على شيء من حديث أبي حنيفة فقال لنا اضربوا على حديث أبي حنيفة فاني قد خرجت على حديثه ورأيه قال ومات ابن المبارك في منصرفه من ذلك الثغر قال وقال رجل لابن المبارك ونحن عنده أن أبا حنيفة كان مرجئا يرى السيف فلم ينكر ذلك عليه ابن المبارك”. انتهى

-حدثني محمد بن أبي عتاب الاعين نا إبراهيم بن شماس قال صحبت ابن المبارك في السفينة فقال اضربوا على حديث أبي حنيفة قال قبل أن يموت ابن المبارك ببضعة عشر يوما.

– حدثني عبدالله بن أحمد بن شبويه قال سمعت إسحاق بن راهويه يقول سمعت معاذ بن خالد بن شقيق يقول لعبد الله بن المبارك أيهم أسرع خروجا الدجال أو الدابة فقال عبدالله استقضاء فلان الجهمي على بخارى أشد على المسلمين من خروج الدابة أو الدجال.

– حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال سمعت عبدان يقول سمعت سفيان بن عبدالملك يقول سمعت عبدالله بن المبارك يقول في مسألة لأبي حنيفة قطع الطريق احيانا احسن من هذا.

– حدثني أبو الحسن بن العطار محمد بن محمد سمعت أحمد بن شبويه يقول أنبأنا أبو صالح سليمان بن صالح قال قيل لابن المبارك تروي عن أبي حنيفة قال: ابتليت به.

فكل هذه الروايات لم يصح منها شىء، لعدم ثبوت نسبة الكتاب لعبد الله بن أحمد بن حنبل.

2- ذكر الطعون في أبي حنيفة و التي رواها عبدة بن عبد الرحيم المروزي عن عبد الله بن المبارك.

جاء في كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن الإمام أحمد قوله:

-“حدثني عبدة بن عبد الرحيم مروزي شيخ صالح أنا سلمة بن سليمان قال دخل حمزة البزار على ابن المبارك فقال: يا أبا عبد الرحمن لقد بلغني من بصر أبي حنيفة في الحديث واجتهاده في العبادة حتى لا أدري من كان يدانيه. فقال ابن المبارك: أما ما قلت بصر بالحديث فما لذلك بخليق لقد كنت آتيه سرا من سفيان وان أصحابي كانوا ليلوموني على أتيانه ويقولون أصاب كتب محمد بن جعفر فرواها وأما ما قلت من اجتهاده في العبادة فما كان بخليق لذلك لقد كان يصبح نشيطا في المسائل ويكون ذلك دأبه حتى ربما فاتته القائلة ثم يمسي وهو نشيط وصاحب العبادة والسهر يصبح وله فترة”. انتهى

-وقوله: “حدثني عبدة بن عبد الرحيم ، من أهل مرو قال دخلنا على عبد العزيز بن أبي رزمة نعوده أنا وأحمد بن شبويه وعلي بن يونس فقال لي عبد العزيز : يا أبا سعيد ، عندي سر كنت أطويه عنكم فأخبركم ، وأخرج بيده عن فراشه فقال سمعت ابن المبارك يقول : سمعت الأوزاعي يقول : « احتملنا عن أبي حنيفة كذا وعقد بأصبعه ، واحتملنا عنه كذا وعقد بأصبعه الثانية ، واحتملنا عنه كذا وعقد بأصبعه الثالثة العيوب حتى جاء السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلما جاء السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم نقدر أن نحتمله “. انتهى

– وقوله: “حدثني عبدة بن عبد الرحيم ، قال : سمعت معاذ بن خالد بن شقيق ابن عم ، علي بن الحسن بن شقيق يقول : قدمت من الحج فأدركت ابن المبارك بالعراق فسألته فقلت : يا أبا عبد الرحمن فضل معي من نفقة الحج شيء ترى إلى أن أكتب برأي أبي حنيفة ؟ فقال : « لا » ، فقلت : لم ؟ قال : « لأنه عقل رجل ليس بذاك »”. انتهى

– وقوله: “حدثني عبدة بن عبد الرحيم ، سمعت أبا الوزير محمد بن أعين رضي الله عنه وصي ابن المبارك قال : دخل رجل من أصحاب عبد الكريم على ابن المبارك والدار غاصة بأصحاب الحديث ، فقال : يا أبا عبد الرحمن مسألة كذا وكذا ، قال : فروى ابن المبارك فيه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال الرجل : يا أبا عبد الرحمن قال أبو حنيفة خلاف هذا فغضب ابن المبارك وقال : أروي لك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تأتيني برجل كان يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم”. انتهى

و الكلام المذكور في الرواية الأولى لا يصح نسبته لعالم جليل مثل عبد الله بن المبارك فصاحب العبادة ليس بلازم ان يصبح وله فترة، لان قدرات الناس تختلف.

ثم ان الروايات تفرد بها عبدة بن عبد الرحيم المروزي، وهو مختلف في توثيقه، قال أبو داود: لا أحدث عنه.

وقال عبد الله بن أحمد: شيخ صالح. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال:” له ما ينكر”. انتهى

بل ان هذه الروايات لا يصح نسبتها أصلا لعبد الله بن المبارك، لأنه مذكور في كتاب السنة، وهو كتاب محرف، مدسوس لا يصح نسبته للإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل لأن في سنده بعض المجاهيل.

ثم ان عبدة بن عبد الرحيم توفي سنة 244 هجري

وتوفي عبد الله ابن المبارك سنة 181 هجري، والظاهر أن عبدة كان صغير السن عند وفاة ابن المبارك، وفي سن احتماله للحديث نظر.

3-ذكر الطعون المنسوبة لابن المبارك في أبي حنيفة والتي ذكرها الخطيب في تاريخه

-روى الخطيب في تاريخه قال: أخبرني محمد بن علي المقرئ، أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري قال: سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانئ يقول: حدثنا مسدد بن قطن، حدثنا محمد بن عتاب الأعين، حدثنا علي بن جرير الأبيوردي قال: قدمت على ابن المبارك فقال له رجل: إن رجلين تماريا عندنا في مسألة، فقال أحدهما قال أبو حنيفة، وقال الآخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان أبو حنيفة أعلم بالقضاء. فقال ابن المبارك، أعد علي: فأعاد عليه، فقال: كفر كفر. فقلت: بك كفروا. وبك اتخذوا الكافر إماما. قال: ولم؟ قلت: بروايتك عن أبي حنيفة، قال: استغفر الله من رواياتي عن أبي حنيفة”. انتهى

وهذا السند فيه:

-محمد بن علي بن الحسن، أبو بكر المقررء، وهو مجهول الحال في الحديث، اشتهر بقراءة القرٱن.

وقد قال لطيف الرحمن البهرائجي القاسمي في الموسوعة الحديثية لمرويات الإمام أبي حنيفة ان هذا الخبر مختلق مكذوب على عبد الله بن المبارك.

والصحيح ما رواه ابن حبان في الثقات ونصه: “سمعت محمد بن محمود بن عدي ، يقول : سمعت ابن قهزاد ، يقول : سمعت علي بن جرير ، يقول : قلت لابن المبارك : رجل يزعم أن أبا حنيفة أعلم بالقضاء من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال عبد الله : هذا كفر ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن بك نفذ الكفر ، قالوا : رويت عنه ، فروى الناس عنه ، قال : ابتليت به ، ودمعت عيناه”. انتهى

وكلام ابن المبارك هنا متوجه لاكفار الرجل الذي زعم ان أبا حنيفة أعلم من الرسول بالقضاء، و فيه ان ابن المبارك أعرض عن الرواية عن ذلك الرجل، وليس فيه أنه أعرض عن الرواية عن أبي حنيفة.

قال ابن النجار في رده على الخطيب: “أول ما نقول إن هذا القول من ذلك الرجل لا يتعلق بأبي حنيفة، فيكون قدحا فيه، ثم نقول كيف يتصور أن يستغفر الله من رواياته عن أبي حنيفة رجل لم يزل على مذهب أبي حنيفة إلى أن مات”. انتهى

-قال‌ الخطيب‌ في تاريخه:” أخبرني‌ زكريّا قال‌: أخبرنا الحسين‌ بن‌ عبدالله‌ النسابوريّ قال‌: أشهد علی عبدالله‌ ـ يعني‌ ابن‌ المبارك‌ ـ شهادةً يسألني‌ الله‌ عنها أ نّه‌ قال‌ لي‌: يَا حُسَيْنُ قَدْ تَرَكْتُ كُلَّ شَي‌ءٍ رَوَيْتُهُ عَنْ أَبِي‌ حَنِيفَةَ، فَأسْتَغْفِرُ اللَهَ وَأَتُوبُ إلیهِ”. انتهى

وهذا السند اختصره الخطيب من الرواية التي سبقت هذه الرواية، وتمام السند فيها هو كالتالي: “أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي أخبرنا محمد بن عبد الله بن خلف الدقاق حدثنا عمر بن محمد الجوهري حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثني زكريا بن سهل المروزي قال سمعت الطالقاني أبا إسحاق يقول سمعت بن المبارك يقول….”. انتهى

وهذا السند فيه:

-عمر بن محمد الجوهري. قال الخطيب البغدادي : “وفي بعض حديثه نكرة”

وقال ابن النجار في رده على الخطيب:” هذا التارك لكل ما رواه عن أبي حنيفة مع أن أبا حنيفة أحد المجتهدين، على وجهين:

• ان أراد بالترك ترك الرواية فمنه إلى ربه.

• وإن أراد بالترك ترك المروي، فلا يخلو هل تركه باجتهاد أظهر له أن الصحيح في خلافه فله حكم بقية المجتهدين، وإن تركه عن غير اجتهاد فقد ترك الإسلام. والمنقول عن ابن المبارك أنه لم يزل على مذهب أبي حنيفة إلى أن قبضة الله. وهذا يدل على خلاف ما نقل عنه الخطيب”. انتهى

-قال الخطيب في تاريخه: “أخبرني الحسن بن أبي طالب، أخبرنا أحمد بن محمّد بن يوسف ، حدّثنا محمّد بن جعفر المطيري حدّثنا عيسى بن عبد الله الطّيالسيّ، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيّ قَالَ: سَمِعْتُ ابن المبارك يَقُولُ: صليت وراء أَبِي حنيفة صلاة وفي نفسي منها شيء، قَالَ: وَسَمِعْتُ ابن المبارك يَقُولُ: كتبت عن أَبِي حنيفة أربعمائة حديث إذا رجعت إلى العراق إن شاء الله محوتها”. انتهى

وهذا الأثر في سنده:

-أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ دوست. قال الخطيب: تكلم مُحَمَّد بْن أَبِي الفوارس فِي روايته وطعن عليه

-وقال الخطيب أيضا:”أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يَعْقُوب، أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أَبَا سَعِيد عَبْد الرَّحْمَن بن أَحْمَد المقرئ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن الحُسَيْن البلخي يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحَسَن بن شقيق يَقُولُ: سَمِعْتُ أبي يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن المبارك يقول: لحديث واحد من حديث الزُّهْرِيّ أحب إليَّ من جميع كلام أبي حنيفة”. انتهى

وهذا الأثر في سنده:

– مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يَعْقُوب. قال الخطيب البغدادي : سافر الكثير وكتب عن الغرباء وروى مناكير وعن مشايخ مجهولين. وقال الذهبي : الشيخ الإمام المحدث الضعيف، ومرة قال : هو متهم.

-علي بن الحسن بن شقيق. قال أحمد بن حنبل : لم يكن به بأس، إلا أنهم تكلموا فيه في الإرجاء، وقد رجع عنه.

4-ذكر الطعون المنسوبة لابن المبارك في أبي حنيفة والتي ذكرها الإمام أحمد في كتاب العلل

جاء في العلل ما نصه: “حدثنا أبو بكر الأعين عن الحسن بن الربيع قال ضرب ابن المبارك على حديث أبي حنيفة قبل أن يموت بأيام يسيرة”. انتهى

وهذا الأثر تفرد به الحسن بن الربيع، وهو مختلف في توثيقه:

-قال ابن شاهين في تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم: قال عثمان بن أبي شيبة: “صدوق وليس بحجة”

-قال يحيى بن معين : لو كان يتقي الله لم يكن يحدث بالمغازي ما كان يحسن يقرؤها.

فالحسن بن الربيع مع وثاقته فلا يحتج به خاصة في ما يتفرد به و يخالف فيه كلام الأئمة.

ندم و كيع عن مجالسة أبي حنيفة و أخذه العلم منه

قال أبو محمد الحارثي في كشف الٱثار الشريفة: “سمعت سفيان بن وكيع يقول: ندم أبي في ٱخره على ما فاته من مجالسة أبي حنيفة و كان يتمنى أكثر الاختلاف إليه و التعلم منه، وكان يخ تلف بعد موته إلى أصحابه”. انتهى

و أبو محمد الحارثي ترجم له العديد من العلماء:

-قال الذهبي في “تاريخ الإسلام”:” كان ابن منده حسن الرأي فيه”. انتهى

-وقال في سير أعلام النبلاء: “قَدْ ألَّف مُسْنَداً لأَبِي حَنِيْفَةَ الإِمَام، وَتَعِبَ عَلَيْهِ, وَلَكِنْ فِيْهِ أَوَابدُ مَا تفوَّه بِهَا الإِمَام, رَاجَتْ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ”. انتهى

-وقال عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي محيي الدين الحنفي، في الجواهر المضية في طبقات الحنفية ما نصه؛ “وَذكره أَيْضا الذَّهَبِيّ فى المؤتلف وَقَالَ شيخ الْحَنَفِيَّة. قلت: عبد الله بن مُحَمَّد أكبر وَأجل من ابْن الْجَوْزِيّ وَمن أبي سعيد الرواس”. انتهى

-وقال أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي، في الفوائد البهية في تراجم الحنفية: “وذكر القاري أنه قد روى عنه ابن مندة وأكثر عنه وأنه صنف مسند أبي حنيفة ولما أملى مناقب أبي حنيفة كان يستملى عليه أربعمائة مستملي”. انتهى

-وقال وكيل المشيخة في الخلافة العثمانية، محمد زاهد الكوثري في الفقه وأصول الفقه: “الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد الحارثى البخاري، المتوفى سنة 349، له «مناقب أبي حنيفة»، وله «مسند أبى حنيفة» أيضاً، أكثرَ فيه جداً من سوق طرق الحديث وقد أكثر ابن منده الرواية عنه وكان حسن الرأي فيه، وقد تكلم فيه أناس بتعصب، وأكبر ما يرمونه به اكثاره من الرواية عن النجيرمي، أباء بن جعفر في مسند أبي حنيفة، ولم ينتبهوا ان روايته عنه ليس في أحاديث ينفرد هو بها، بل في ما له مشارك فيه، كما فعل مثل ذلك الترمذي في محمد بن سعيد المصلوب، والكلبي، لكن قاتل الله التعصب، يعمي و يصم”. انتهى

فهرس سلسلة الانتصار لأبي حنيفة