رد الطعون عن أبي حنيفة النعمان -13

  1. أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني
  2. ذكر من جرح ابن أبي داود أو طعن فيه:
  3. أبو اسماعيل الهروي: ذكر من أثنى عليه أو ذمه

أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني

هو عبد الله بن سليمان بن الأشعث بن عمران الأزدي السجستاني الحنبلي. كان من كبار المحدثين إلا أنه مجروح ومقدوح بقوادح عظيمة، فقد كذبه أبو اسحاق ابراهيم بن أرومة و أبوه أبو داود صاحب السنن وابن صاعد و ابن العماد الحنبلي و الشيخ أحمد الغماري و وصفه ابن جرير بالخساسة و المعلمي بالتكبر و قال عنه الوزير علي بن عيسى بأنه شيخ زيف و شهد عليه محمد بن يحيى بن مندة ومحمد بن العباس الاخرم ، و أحمد بن علي بن الجارود و جعفر بن محمد بن شريك بالنصب وقال عنه أبو القاسم البغوي بأنه منسلخ عن العلم و ذكره ابن عدي في الكامل في الضعفاء و صنفه ابن الجوزي و جمال الدين الزيلعي ضمن المحدثين الذين يروجون لحديثهم برواية الموضوعات و اتهمه الشيخ محمد زاهد الكوثري بالتجسيم.
و لأجل ذلك كان تلميذه الإمام أبو بكر بن مجاهد المقرئ يدلسه لما يروي عنه الحديث فيقول: “حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله” كما في علوم الحديث لابن الصلاح رحمه الله.
وكان ابن أبي داود متكبرا يدعي العلم أكثر من غيره فقد قال الذهبي في السير:” قال أبو أحمد الحاكم : سمعت أبا بكر يقول : قلت لأبي زرعة الرازي : ألق علي حديثا غريبا من حديث مالك ، فألقى علي حديث وهب بن كيسان ، عن أسماء حديث : لا تحصي فيحصى عليك، رواه عن عبد الرحمن بن شيبة ، وهو ضعيف . فقلت له : يجب أن تكتبه عني ، عن أحمد بن صالح ، عن عبد الله بن نافع ، عن مالك . فغضب أبو زرعة ، وشكاني إلى أبي ، وقال انظر ما يقول لي أبو بكر”. انتهى

1- بيان أن ابن أبي داود كان يتفرد ببعض الأحاديث الشاذة
ليُعلم أن ابن أبي داود وثقه بعض العلماء و طعن فيه آخرون لأنه كان يُكثر من رواية الأحاديث الشاذة التي لا يرتضيها عنه أهل النقل و كان يحدث أيضا بالموضوعات التي يتفرد بإخراجها كما فعل في كتاب المصاحف، حيث روى بسنده إلى ابن شهاب الزهري أنه قال : ” حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ أُنْزِلَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ ، فَقُتِلَ عُلَمَاؤُهُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، الَّذِينَ كَانُوا قَدْ وَعَوْهُ فَلَمْ يُعْلَمْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يُكْتَبْ”. انتهى
وقد عقد ابن أبي داود في هذا الكتاب – صحيفة 1300 ، طبعة دار الكتب العلمية سنة 1405هـجري – بابا سماه: ” باب ما غير الحجَّاج بن يوسف في المصحف” وقال: “حدثنا عبَّاد بن صهيب عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً ، قال : كانت في البقرة – 259 – “لم يتسن” وانظر بغير هاء ، فغيرها ” لَم يَتَسَنه ” .وكانت في المائدة – 48 – ” شريعة ومنهاجاً ” ، فغيّرها ” شِرعَةً وَمِنهاجَاً “. وكانت في يونس – 22 – “هو الذي ينشركم” ، فغيَّرها ” يُسَيّرُكُم ” .وكانت في يوسف – 45 – ” أنا آتيكم بتأويله” ، فغيَّرها ” أنا أُنَبِئُكُم بِتَأوِيلِهِ ” ….”. انتهى
مع الإشارة إلى أن هذه العبارات وقع حذفها من طبعة دار البشائر الإسلامية – طبعة بيروت سنة 1323هـجري، طبعة 2 –
وهذا الأثر الذي أورده ضعيف وفيه ” عبَّاد بن صهيب ” وهو متروك الحديث. و ابن أبي داود لم يبين ذلك. لذلك قال عنه ابن الجوزي في الموضوعات: “وإنّما عجبت من أبي بكر ابن أبي داود كيف فرّقه على كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن وهو يعلم أنّه حديث محال، ولكنْ شره جمهور المحدّثين، فإنّ من عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل، وهذا قبيح منهم، لأنّه قد صحَّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: من حدّث عنّي حديثاً يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين”. انتهى
وكان ابن أبي داود لا يتورع أيضا عن رواية الأحاديث المنكرة التي تذكرها الناصبة من دون أن يقرنها بما يصرح ببطلانها حتى رماه بعض العلماء بالنصب، من ذلك تحديثه بأن أظفار الإمام علي حفيت من كثرة تسلقه على أم سلمة و العياذ بالله.
وهذا الأمر اشتهر به ابن داود حتى أن عبد الرحمن المعلمي رغم دفاعه الشديد عنه قال في التنكيل: ” فحفظ ابن أبي داود الحكاية – أي حكاية حفيت أظافر علي – مع علمه واعتقاده بطلانها لكن كان يعدها للاغراب عند المذاكرة “. انتهى
وقال: وعلى كل حال فقد أساء جد الإساءة بتعرضه للحكاية من دون أن يقرنها بما يصرح بطلانها ولا يكفيه من العذر أن يقال قد جرت عادتهم في المذاكرة بأن يذكر أحدهم ما يرجو أن يغرب به على الآخرين بدون التزام أن يكون حقا أو باطلا”. انتهى
وابن أبي داود رغم شدة حفظه فإنه كان يخطأ في بعض الأسانيد كما نقل عنه ذلك أبو يعلى الخليلي في الإرشاد في معرفة علماء الحديث، حيث ذكر أن أبا علي الحافظ قال:” أَخْطَأَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ عَلَى الْمُنْذِرِ بْنِ الْوَلِيدِ الْجَاوَرْدِيِّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْجُفْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَضَّرَ اللَّهُ امرَءًا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ عَنْ نَافِعٍ ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ يَتْبَعُهُ بِإِسْنَادِهِ عَلَى أَبِي نَوْفَلٍ عَنْ نَافِعٍ”. انتهى
وعليه فإن القول الفصل في ابن أبي داود أنه مختلف في توثيقه و كل ما يتفرد به من الأحاديث و الروايات لا يقبل منه.

2- بيان أن ابن أبي داود متهم بالنصب
قال الذهبي في ميزان الاعتدال: “قال ابن عدي: كان في الابتداء نسب إلى شئ من النصب، فنفاه ابن الفرات من بغداد، فرده علي بن عيسى، فحدث وأظهر فضائل علي من تخييل فصار شيخا فيهم”. انتهى
والظاهر أن سبب قذفه بالنصب يرجع لثلاث أمور رئيسية:
– الأول: تضعيفه حديث غدير خم الذي فيه ذكر فضائل الإمام علي. وقد ألف ابن جرير جزءا في تصحيح طرق هذا الحديث ردا على ابن أبي داود.
– الثاني: تضعيفه لحديث الطير وتعقيبه الفظيع عليه، فقد قال ابن عساكر في تاريخ دمشق ما نصه: “أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو القاسم بن مسعدة أنا أبو عمرو الفارسي أنا أبو أحمد بن عدي قال سمعت علي بن عبد الله الداهري يقول: سألت ابن أبي داود بالري عن حديث الطير فقال إن صح حديث الطير فنبوة النبي صلى الله عليه و سلم باطل لأنه حكى عن حاجب النبي صلى الله عليه و سلم خيانة وحاجب النبي لا يكون خائنا”. انتهى
فتعقبه الذهبي بقوله: “هذه عبارة رديئة، وكلام نحس، بل نبوة محمد حق قطعي، إن صح خبر الطير، وإن لم يصح، وما وجه الارتباط؟ هذا أنس قد خدم النبي قبل أن يحتلم، وقبل جريان القلم، فيجوز أن تكون قصة الطائر في تلك المدة”. انتهى
والعجيب كيف جعل الذهبي ذلك اجتهادا يُؤجر عليه مع وصفه لتلك المقالة بالرداءة و القبح فقال: “وقد أخطأ ابن أبي داود في عبارته وقوله، وله على خطئه أجر واحد، وليس من شرط الثقة أن لا يخطئ ولا يغلط ولا يسهو”. انتهى.
– الثالث: روايته لأحاديث من كلام النواصب مع عدم بيان بطلانها كأخلوقة التسلق التي نسبها للإمام علي وقوعه في نساء النبي.
فقد قال ابن عساكر في تاريخ دمشق: “أنا أبو أحمد قال سمعت محمد بن الضحاك بن عمرو بن أبي عاصم النبيل يقول: أشهد على محمد بن يحيى بن مندة بين يدي الله أنه قال لي أشهد على أبي بكر بن أبي داود بين يدي الله أنه قال لي روى الزهري عن عروة قال كانت فذكر”. انتهى

3- بيان طعن ابن أبي داود في أبي حنيفة
قال الخطيب في تاريخه: “حدثنا محمد بن علي بن مخلد الوراق – لفظا – قال في كتابي عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأسدي الفقيه المالكي قال : سمعت أبا بكر بن أبي داود السجستاني يوما وهو يقول لأصحابه : ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه ، والشافعي وأصحابه ، والأوزاعي وأصحابه ، والحسن بن صالح وأصحابه ، وسفيان الثوري وأصحابه ، وأحمد بن حنبل وأصحابه ؟ فقالوا له : يا أبا بكر لا تكون مسألة أصح من هذه . فقال : هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل أبي حنيفة”. انتهى

و قال ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال ما نصه: ” سمعت ابْن أبي دَاوُد ، يَقُول : الوقيعة فِي أبي حنيفة جماعة من العلماء ، لأن إمام البصرة أيوب السختياني ، وقد تكلم فيه ، وإمام الكوفة الثَّوْرِيّ وقد تكلم فيه ، وإمام الحجاز مَالِك وقد تكلم فيه ، وإمام مصر اللَّيْث بْن سعد وقد تكلم فيه ، وإمام الشام الأوزاعي وقد تكلم فيه ، وإمام خراسان عبد اللَّه بْن المبارك وقد تكلم فيه ، فالوقيعة فيه إجماع من العلماء فِي جميع الأفاق ، أو كما قَالَ”. انتهى

وابن أبي داود قال ذلك لشدة تكبره وعدم توقيره للعلماء، والا فقد كفانا أبوه الرد عليه والانتصار لأبي حنيفة
فقد قال المحدث حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي الأندلسي في كتابه المعروف ” جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روياته وحمله ” : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَحْمُونَ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ بَكْرِ بْنِ دَاسَهْ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنَ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيَّ يَقُولُ: «رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا كَانَ إِمَامًا، رَحِمَ اللَّهُ الشَّافِعِيَّ كَانَ إِمَامًا، رَحِمَ اللَّهُ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ إِمَامًا». انتهى

وقال ابن عبد البر في كتابه ” الانتقاء في فضائل الثلاثة فقهاء، مالك والشافعي وأبي حنيفة – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ – وذكر عيون من أخبارهم وأخبار أصحابهم للتعريف بجلالة أقدارهم ” : حَدثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ بْنِ يَحْيَى رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ بْنُ بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَازَّقِ التَّمَّارُ المَعْرُوفُ بِابْنِ دَاسَهْ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنَ الأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ السِّجِسْتَانِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: «رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا كَانَ إِمَامًا رَحِمَ اللَّهُ الشَّافِعِيَّ كَانَ إِمَامًا رَحِمَ اللَّهُ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ إِمَامًا». انتهى

فهذه شهادة الإمام الثبت سيد الحفاظ شَيْخُ السُنَّةِ أبي داود الأزدي السجستاني صاحب ” السنن ” رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، في حق الأئمة الثلاثة بإمامتهم، فلا يلتفت بعد ذلك لترهات ابنه المجسم وطعنه في أبي حنيفة.
هذا وقد قال عنه عبد الرحمن المعلمي في التنكيل:” وكان ابن أبي داود صلفاً تياهاً حريصاً على الغلبة “. انتهى

وهو لم يتكلم في ابي حنيفة وحسب بل رمى ابن صاعد بالكذب وابن جرير الطبري بالتجهم. و يكفي لبيان كذبه أنه روى اتفاق الشافعي وأصحابه على تضليل أبي حنيفة، و الثابت عن الشافعي مدحه لأبي حنيفة فقد قال أبو نعيم الحافظ: “حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي – أبو بكر العطار-، قال: سمعت حمزة بن علي البصري يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: “الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه”.
وقال حرملة بن يحيى: “سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: “من أراد أن يتبحر في الفقه، فهو عيال على أبي حنيفة”. قال: و سمعته – يعني الشافعي- يقول: “كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه”. انتهى
وقال الذهبي في السير:” محمد بن أيوب بن الضريس ، حدثنا أحمد بن الصباح ، سمعت الشافعي قال : قيل لمالك : هل رأيت أبا حنيفة ؟ قال : نعم . رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته”. انتهى

أما الثوري فقد نقل عنه ابن عابدين في الدر المختار أنه قال لمن أخبره بقدومه من عند أبي حنيفة : “لقد جئت من عند أعبد أهل الأرض”. انتهى

وقد تعقب الإمام الكوثري كلام ابن أبي داود فقال عنه في تأنيب الخطيب صحيفة 135: “كذبه أبوه وابن صاعد وإبراهيم ابن الأصبهاني وابن جرير وهو ناصبي مجسم خبيث”. انتهى

وكلام ابن أبي داود و غيره في أبي حنيفة لا يُعتد به عند أهل العلم كما قال التاج السبكي في طبقاته: “فلا يلتفت لكلام الثوري وغيره في أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيره في مالك وابن معين في الشافعي والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه “. انتهى

ذكر من جرح ابن أبي داود أو طعن فيه:

كل الذين عاصروا ابن أبي داود رموه بأنواع من الجرح والطعن ولم يوثقه أي واحد منهم رغم ثناءهم على حفظه و تبحره في علوم شتى

1- إبراهيم الأصبهاني المتوفى سنة 266 هجري
هو الحافظ أبو اسحاق ابراهيم بن أرومة المفيد الاصبهاني ثم البغدادي. كان معاصرا لابن أبي داود، وقد كذبه لما ظهر عليه من نصب و تفرد بآثار منكرة و أحاديث موضوعة.
قال الذهبي في ميزان الاعتدال:” قال ابن عدي: سمعت موسى بن القاسم بن الاشيب يقول: حدثني أبو بكر، سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول: أبو بكر ابن أبي داود كذاب” انتهى

2- أبو داود سليمان بن الأشعث المتوفى سنة 275 هجري
هو أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي صاحب السنن. وهو والد أبي بكر و أخبر الناس بابنه و أعلمهم به. و أبو داود هو أحد أئمة الجرح والتعديل المعول عليهم في هذا الفن, وهو ثقة ثبت حجة في الحديث وعلم الرجال.
قال ابن عدي في الكامل: “سمعت عبدان يقول: سمعت أبا داود يقول: ومن البلاء ان عبد الله يطلب القضاء “. انتهى
و قال الذهبي في ميزان الاعتدال:”حدثنا علي بن عبد الله الداهري، سمعت أحمد بن محمد بن عمرو كركرة، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد، سمعت أبا داود يقول: ابني عبد الله كذاب”. انتهى
وقد حاول الذهبي الاستدراك على كلام أبي داود و الذبّ على ابنه بحجج ضعيفة من ذلك قوله في تذكرة الحفاظ: “وأما قول أبيه فيه فالظاهر أنه إن صح عنه فقد عنى أنه كذاب في كلامه لا في الحديث النبوي و كأنه قال هذا و عبد الله شاب طرى ثم كبر و ساد”. انتهى

وهذا التشكيك مندفع بما نقله هو في ميزان الاعتدال عن ابن عدي وابن صاعد في اثبات تكذيب أبيه له. وأما زعمه أن أبوه كذبه في كلامه وليس في الحديث النبوي فهذا فهمه و لا يوافقه عليه غيره من الحفاظ فقد قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب في أخبار من ذهب ما نصه: “و قال في المغني: عبد الله بن سليمان السجستاني ثقة كذبه أبوه في غير حديث”. انتهى
و قال الشيخ أحمد بن الصِدِّيق الغُماري في الجواب المفيد ما نصه: ” أما الابن فله مؤلفات أخرى وكان ناصبياً خبيثا وكان أبوه أبو داود يقول عنه: إنه كذاب فلا ترووا عنه”. انتهى

وهو الصواب لأن أبا داود إذا قال عن شخص كذاب فمراده بذلك في الحديث فقد قال عن الحسن بن مدرك الطحان : “كذاب” و كذلك محمد بن الحسن بن زبالة و غيرهما

و أما قول الذهبي في سير النبلاء: ” لعل قول أبيه فيه – إن صح – أراد الكذب في لهجته، لا في الحديث، فإنه حجة فيما ينقله، أو كان يكذب ويوري في كلامه، ومن زعم أنه لا يكذب أبدا، فهو أرعن، نسأل الله السلامة من عثرة الشباب، ثم إنه شاخ وارعوى، ولزم الصدق والتقى”. انتهى

فهي محاولة أخرى من الذهبي لدفع الكذب الذي وصفه به أبوه، فقوله :”أراد الكذب في لهجته، لا في الحديث” فهو حجة عليه لأن ابن أبي داود إن لم يكن كاذبا في حديثه وفيما ينقله فإنّ مجرد كذبه في لهجته يكفي لاثبات فسقه وعدم جواز الاعتماد على روايته. و أما قوله: ” فإنه حجة فيما ينقله” فلا نسلم له ذلك لأن الذهبي نفسه رد عليه حديث عروة وقال: ” وابن أبي داود إن كان حكى هذا فهو خفيف الرأس، فلقد بقي بينه وبين ضرب العنق شبر، لكونه تفوه بمثل هذا البهتان” انتهى

وكذلك تعقبات ابن الجوزي و السيوطي عليه في بعض ما يذكره من الأحاديث الموضوعة لا تجعله حجة في كل ما ينقله كما ادعى الذهبي.
و أما قول الذهبي أنه ” كان يكذب ويوري في كلامه” فهو مردود لأنه لا يُعرف عن أبي داود أنه كان يطلق الوصف بالكذب على من يواري في كلامه. وأمّا قوله : ” ثمّ إنه شاخ وارعوى ولزم الصدق والتقى” فهذا اعتراف منه بكونه كان كاذبا ومرتكبا لهذه الصفة القبيحة والذنب الكبير.

3- محمد بن يحيى بن مندة المتوفى سنة 301 هجري
قال ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال عند ترجمة عبد الله بن سليمان بن الأشعث ما نصه: “سمعت محمد بن الضحاك بن عمرو بن أبي عاصم النبيل يقول:أشهد على محمد بن يحيى بن مندة بين يدي الله أنه قال لي: أشهد على أبي بكر بن أبي داود بين يدي الله أنه قال لي: روى الزهري عن عروة، قال: كانت قد حفيت أظافير علي من كثرة ما كان يتسلق على أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم”. انتهى

ونقلها عنه ابن النجار البغدادي في المستفاد من ذيل تاريخ بغداد. كما نقلها أيضا الذهبي في سير أعلام النبلاء ثم قال: “وابن أبي داود إن كان حكى هذا فهو خفيف الرأس، فلقد بقي بينه وبين ضرب العنق شبر، لكونه تفوه بمثل هذا البهتان”. انتهى

وهذا اعتراف من الذهبي أن ابن أبي داود كان يتفوه بالكذب و البهتان. والظاهر أن ابن أبي داود كان يجتمع مع بعض الحفاظ فجرى بينهم ذكر علي بن أبي طالب فقال بن أبي داود إن الناصبة يروون عليه أن أظفاره حفيت من كثرة تسلقه على أم سلمة دون تضعيف الحديث أو بيان علله، فحرضوا عليه جعفر بن محمد بن شريك. وهذا دليل على أنه كان يغرب و يحدث بآثار منكرة و لا يصرح ببطلانها.

وقد حاول الذهبي تخفيف شناعة ما يرويه ابن أبي داود فقال في تذكرة الحفاظ: “فانهم سعوا عليه انه نال من علي ولم يقع ذلك منه إنما روى شيئا أخطأ بنقله من قول النواصب لا بارك الله فيهم”. انتهى

بخلاف المعلمي الذي صرح بإساءته حيث قال في التنكيل بعد دفاعه على أبي بكر بن أبي داود : “وعلى كل حال فقد أساء جد الإساءة بتعرضه للحكاية من دون أن يقرنها بما يصرح بطلانها ولا يكفيه من العذر أن يقال قد جرت عادتهم في المذاكرة بأن يذكر أحدهم ما يرجو أن يغرب به على الآخرين بدون التزام أن يكون حقا أو باطلا”. انتهى

و قد شهد عليه ثلاثة من أجل علماء ذلك الزمان بأنه روى ذلك الأثر من غير بطلانه وهم ابن مندة ، ومحمد بن العباس الاخرم ، وأحمد بن علي بن الجارود. بالإضافة إلى قيام جعفر بن محمد بن شريك عليه.

فأما الأول فهو الحافظ ابن مندة. قال الأصبهاني :أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مندة بن الوليد العبدي توفي سنة إحدى وثلاثمائة كان أستاذ شيوخنا وإمامهم ومن يأخذوا عنه. و أما الثاني فهو الحافظ أبو جعفر محمد بن العباس بن الأخرم الأصبهاني الفقيه روى عن أبي كريب وغيره. و أما الثالث فهو الحافظ المتقن الثقة صاحب التصانيف أبو جعفر أحمد بن علي بن محمد بن الجارود الأصبهاني.وأما جعفر بن محمد بن شريك أبو الفضل فقد كان صاحب سنة. يحدث عن لوين وذكر أنه نزل عليه وخصه بحديث كثير .
وقد حاول الذهبي الدفاع عنه كعادته في الدفاع على أهل نحلته من المجسمة فقال في السير:” هذا باطل وإفك مبين ، وأين إسناده إلى الزهري ؟ ثم هو مرسل ، ثم لا يسمع قول العدو في عدوه ، وما أعتقد أن هذا صدر من عروة أصلا ، وابن أبي داود إن كان حكى هذا ، فهو خفيف الرأس ، فلقد بقي بينه وبين ضرب العنق شبر ، لكونه تفوه بمثل هذا البهتان ، فقام معه ، وشد منه رئيس أصبهان محمد بن عبد الله بن حفص الهمداني الذكواني ، وخلصه من أبي ليلى أمير أصبهان ، وكان انتدب له بعض العلوية خصما ، ونسب إلى أبي بكر المقالة ، وأقام عليه الشهادة محمد بن يحيى بن منده الحافظ ، ومحمد بن العباس الأخرم ، وأحمد بن علي بن الجارود ، واشتد الخطب ، وأمر أبو ليلى بقتله ، فوثب الذكواني ، وجرح الشهود مع جلالتهم ، فنسب ابن منده إلى العقوق ، ونسب أحمد إلى أنه يأكل الربا ، وتكلم في الآخر ، وكان الهمداني الذكواني كبير الشأن ، فقام ، وأخذ بيد أبي بكر ، وخرج به من الموت ، فكان أبو بكر يدعو له طول حياته ، ويدعو على أولئك الشهود.حكاها أبو نعيم الحافظ ، ثم قال : فاستجيب له فيهم ، منهم من احترق ، ومنهم من خلط وفقد عقله”. انتهى

و قد نسب الذكواني، محمد بن يحيى إلى العقوق وإنه كان عاقا لوالده ، ونسب أحمد بن الجارود إلى أنه مراب يأكل الربا ويؤكل الناس الربا ، ونسب الأخرم إلى أنه مقرئ غير صدوق كما في تاريخ اصفهان، وهذا ادعاء باطل لأنه لم يثبت عليهم شئ من ذلك. و ما ذُكر أنهم أصابتهم دعوة ابن أبي داود فمنهم من احترق ، ومنهم من اختلط وفقد عقله فلم يُذكره أحد في ترجمتهم، وهذا كله انتصار لابن أبي داود ومحاولة لدفع النصب عنه.

وقد زاد الذهبي في انتصاره له فقال في تذكرة الحفاظ: “هذه حكاية مكذوبة قبح الله من افتراها. فبهذا أو نحوه نسب إلى شئ من النصب ولكن يرد هذا وينفيه عنه ما رواه عنه أحمد بن يوسف الأزرق قال: سمعت أبا بكر بن أبي داود غير مرة وهو يقول: كل من بيني وبينه شئ أو يذكرني بشئ فهو في حل إلا من رماني ببغض علي بن أبي طالب، فثبتت بهذه الرواية براءته مما اتهم بالنصب” انتهى

وهذا النقل عن ابن أبي داود قد ذكره أبو الحسن أحمد بن يوسف الأزرق المتوفى سنة 378 هجري،
و كان معتزليا داعية إلى بدعته كما قال عنه السمعاني في الأنساب فلا تقبل روايته، و يندفع بذلك ما قاله الذهبي لتبرئة ابن أبي داود.

4- ابن جرير المتوفى سنة 310 هجري
لقد عانى ابن جرير الطبري رحمه الله الكثير من ابن أبي داود و تحمل الكثير من شغبه وإذايته.
فقد قال الذهبي في ميزان الاعتدال في معرض كلامه عن ابن أبي داود: “كان قوي النفس، وقع بينه وبين ابن صاعد وبين ابن جرير، نسأله الله العافية”. انتهى

و كان ابن جرير الطبري رحمه الله يرمي ابن أبي داود بالنصب فلما بلغه أنه يقرأ على الناس فضائل علي ابن أبي طالب قال متهكما:” تكبيرة حارس”. كما نقل ذلك عنه الذهبي في ميزان الاعتدال حيث قال: “قال محمد بن عبد الله القطان: كنت عند محمد بن جرير، فقال رجل: ابن أبي داود يقرأ على الناس فضائل علي رضي الله عنه، فقال ابن جرير: تكبيرة من حارس”. انتهى

و قال الذهبي في السير : “قيل لابن جرير : إن أبا بكر بن أبي داود يملي في مناقب علي . فقال : تكبيرة من حارس . وقد وقع بين ابن جرير وبين ابن أبي داود ، وكان كل منهما لا ينصف الآخر، وكانت الحنابلة حزب أبي بكر بن أبي داود ، فكثروا و شغبوا على ابن جرير ، وناله أذى ، ولزم بيته ، نعوذ بالله من الهوى “. انتهى

وابن جرير الطبري تكلم في ابن أبي داود بما فيه من نصب و لم ينسب له ذلك اتباعا للهوى كما زعم الذهبي، وكان يرد عليه شطحاته في تضعيف بعض الأحاديث، فقد ألف رحمه الله كتاب فضائل عليّ بن أبي طالب لما بلغه أن ابن أبي داود ضعف حديث غدير خم، فعمل الطبري على تصحيحه.

قال الذهبي في السير: “ولما بلغه أن أبا بكر بن أبي داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب : ” الفضائل ” فبدأ بفضل أبي بكر ، ثم عمر ، وتكلم على تصحيح حديث غدير خم ، واحتج لتصحيحه ، ولم يتم الكتاب. وكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات، من جاهل، وحاسد، وملحد ، فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه ، وزهده في الدنيا ، ورفضه لها” انتهى

و ابن أبي داود لم يقف عند حد المطارحات الكلامية بل بلغ به الأمر أن استدعى عليه نصر الحاجب و نسب الطبري إلى رأي جهم.
قال ابن الجوزي في المنتظم:َ “كَانَ قد رفع في حقه أَبُو بكر بْن أبي داود قصة إلى نصر الحاجب يذكر عنه أشياء فأنكرها، منها: أنه نسبه إلى رأى جهم”. انتهى
فرد عليه ابن جرير بقوله: “لا عصابة في الاسلام كهذه العصابة الخسيسة”. انتهى كما في المنتظم
وليس بعجيب أن ينتمي ابن أبي داود إلى مثل هذه العصابة، ويسيء إلى شيخ المفسرين و المؤرخين كما أساء إلى غيره من العلماء كابن صاعد وغيره. وليس بغريب أيضا أن يحاول الذهبي الدفاع على ابن أبي داود و عدائه لبعض العلماء بقوله: “لا ينبغي سماع قول ابن صاعد فيه كما لا نعتد بتكذيبه لابن صاعد وكذا لا يسمع قول ابن جرير فيه فإن هؤلاء بينهم عداوة بينة” انتهى كما في تذكرة الحفاظ. وهل يبلغ ابن أبي داود رتبة الطبري صاحب المذهب المستقل والامام المعتمد لدى أهل السنة قاطبة حتى يقارن به؟ وليس الأمر كما زعمه الذهبي أن كل من تكون بينهم عداوة لا يعتد بكلامهم بل ذلك مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا كَانَت بِغَيرِ بُرهَانٍ وَحُجَّةٍ, وَكَانَت مَبنِيَّةً عَلَى التَّعَصُّبِ والمُنَافَرَةِ, فَإِن لَم يَكُن هَذَا وَلا هَذَا فَهِيَ مَقبُولَةٌ بِلا شُبهَةٍ. وعليه يقبل كلام الطبري في ابن أبي داود لما اشتهر به من نصب.

5 – أبو القاسم البغوي المتوفى سنة 317 هجري
هو مسند العصر أبو القاسم البغوي الأصل ، البغدادي الدار والمولد.
قال ابن عدي الجرجاني في الكامل: “سمعت عبد الله بن محمد البغوي يقول وقد كتب إليه بن أبي داود رقعة يسأله عن لفظ حديث لجده بين له من لفظ غيره فيه، والحديث الذي سأله جده عن محمد بن قيس أبو سعد الصاغاني عن أبي جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي بن كعب جاء المشركون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا انسب لنا ربك فأنزل الله عز وجل قل هو الله أحد، فقال البغوي لما قرأ رقعته: أنت والله عندي منسلخ من العلم” انتهى
وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب و الذهبي في السير. و هذا من أشد ألفاظ الطعن و الجرح حيث أنه لم يعده من أهل العلم أصلا. و الإمام البغوي كان معاصرا لابن أبي داود فهو أعلم بحاله ممن جاء بعده.

6- ابن صاعد المتوفى سنة 318 هجري
هو الإمام الحافظ المجود أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد بن كاتب الهاشمي البغدادي، محدث العراق.
قال الذهبي في العبر في خبر من غبر: ” قال أبو علي النيسابوري: لم يكن بالعراق من أقران ابن صاعد أحد في فهمه، والفهم عندنا أجل من الحفظ، وهو فوق ابن أبي داود في الفهم والحفظ”. انتهى
وقال في تذكرة الحفاظ: “لابن صاعد كلام متين في الرجال والعلل يدل على تبحره”. انتهى
قال ابن عدي في الكامل ما نصه:” قال ابن صاعد : “كفانا ما قال أبوه فيه”. انتهى
أما ما قاله الذهبي في السير : “وَقَدْ ذَكَرنَا مُخَاصَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ ، وَحَطَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ ، وَنَحْنُ لاَ نَقْبَلُ كَلاَمَ الأَقرَانِ بَعْضِهِم فِي بَعْضِ ، وَهُمَا بِحَمْدِ اللهِ ثِقَتَانِ”. انتهى

فهذه القاعدة ليست على إطلاقها بل هي مُقَيَّدٌة بِمَا إِذَا كَانَت بِغَيرِ بُرهَانٍ وَحُجَّةٍ, وَكَانَت مَبنِيَّةً عَلَى التَّعَصُّبِ والمُنَافَرَةِ, و أما كلام ابن صاعد فهو مجرد تأييد لكلام أبيه، ومبني على ما اشتهر به من نصب و ما انفرد به من أحاديث منكرة.

7- الوزير علي بن عيسى بن داود ابن الجراح المتوفى سنة 334 هجري
هو أبو الحسن علي بن عيسى بن داود ابن الجراح وزير المقتدر والقاهر، كان ثقة نبيلاً فاضلاً عفيفاً، كثير التلاوة والصيام والصلاة. وقد ثبت عنه أنه قال مرة لابن أبي داود “أنت شيخ زيف” كما ذكر ذلك الذهبي في السير أثناء ترجمته لابن أبي داود و نص عبارته: “وكان رئيسا عزيز النفس ، مدلا بنفسه . سامحه الله . قال أبو حفص بن شاهين : أراد الوزير علي بن عيسى أن يصلح بين ابن أبي داود ، وابن صاعد ، فجمعهما ، وحضر أبو عمر القاضي ، فقال الوزير : يا أبا بكر ! أبو محمد أكبر منك ، فلو قمت إليه ، فقال : لا أفعل ، فقال الوزير : أنت شيخ زيف ، فقال : الشيخ الزيف : الكذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الوزير : من الكذاب ؟ قال : هذا”. انتهى

وهذا يدل على تكبره و عدم توقيره للعلماء و من هم أكبر منه درجة لذلك قال عنه ابن صاعد جوابا على افترائه: “كفانا ما قال أبوه فيه”.

8- ابن عدي المتوفى سنة 365 هجري
ذكره ابن عدي في الكامل في الضعفاء وقال: “وأبو بكر بن أبي داود لولا شرطنا أول الكتاب أن كل من تكلم عنه متكلم ما ذكرته في كتابي هذا، وابن أبي داود قد تكلم فيه أبوه وإبراهيم الأصبهاني ونسب في الابتداء إلى شيء من النصب، ونفاه بن فرات من بغداد الى واسط ورده علي بن عيسى وحدث وأظهر فضائل علي ثم تحنبل فصار شيخا فيهم، وهو معروف بالطلب وعامة ما كتب مع أبيه أبي داود ودخل مصر والشام والعراق وخراسان وهو مقبول عند أصحاب الحديث وأما كلام أبيه فيه فلا أدري أيش تبين له منه”. انتهى

فهذا الإمام ابن عدي رحمه الله قد ذكر ابن أبي داود ضمن الضعفاء لكنه أراد أن يبين أنه مختلف في توثيقه فذكر أن أباه و ابراهيم الأصبهاني قد تكلما فيه، ثم قال عنه أنه مقبول عند عامة أصحاب الحديث.

9- أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني المتوفى سنة 385 هجري
قال السلمي: “سألت الدارقطني عن ابن أبي داود، فقال: ثقة، كثير الخطأ في الكلام على الحديث” انتهى.
ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ وفي ميزان الاعتدال وفي سير الأعلام. وليس معنى قول الدارقطني أن ابن أبي داود كثير الخطأ في الكلام على الحديث أنه كان يخطأ في تضعيف و تصحيح الأحاديث بدليل ما قاله عنه أبو محمد بن حيان المشهور بأبي الشيخ الأصبهاني: “كان عالما بالأنساب والأخبار والعلل و المغازي، وقد عمل في كل فن من الفنون”. كما هو مذكور في طبقات المحدثين. إنما أراد الدارقطني أنه كثير الخطإ فيما يتفرد به من روايات منكرة. وهذا الأمر كان مشهورا عن ابن أبي داود، فقد قال عبد الرحمن المعلمي في التنكيل: ” فحفظ ابن أبي داود الحكاية – أي حكاية حفيت أظافر علي – مع علمه واعتقاده بطلانها لكن كان يعدها للاغراب عند المذاكرة “. انتهى
وقد قال الذهبي في الموقظة: “فإن رَوَى أحاديثَ من الأفراد المنكرة، غَمَزُوه وليَّنوا حديثَه، وتوقفوا في توثيقه. فإن رَجَع عنها، وامَتَنع مِن روايتها، وجَوَّز على نفسِه الوَهَمَ: فهُو خيرٌ له، وأرجَحُ لعدالته. وليس مِن حَدِّ الثقةِ أنَّهُ لا يَغلَطُ ولا يُخطِئ” . انتهى

10- ابن عساكر المتوفى سنة 571 هجري
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق: “وابن أبي داود قد تكلم فيه أبوه وإبراهيم الأصبهاني ونسب في الابتداء إلى شئ من النصب ونفاه ابن فرات من بغداد إلى واسط ورده علي بن عيسى وحدث وأظهر فضائل علي ثم تحنبل فصار شيخا فيهم”. انتهى

11- ابن الجوزي المتوفى سنة 597 هجري
صنفه ابن الجوزي من جملة المحدثين الذين يروجون لحديثهم ولو بالباطل وهؤلاء يصح فيهم قول النبي عليه الصلاة و السلام: “من حدّث عنّي حديثاً يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين”.
قال ابن الجوزي في الموضوعات: “وإنّما عجبت من أبي بكر ابن أبي داود كيف فرّقه على كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن وهو يعلم أنّه حديث محال، ولكنْ شره جمهور المحدّثين، فإنّ من عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل، وهذا قبيح منهم، لأنّه قد صحَّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: من حدّث عنّي حديثاً يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين”. انتهى

12- جمال الدين الزيلعي المتوفى سنة 762 هجري
قال الزيلعي في آخر كتابه تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف : “وإنما عجبت من الامام أبي بكر بن أبي داود كيف فرقه على كتابه الذي صنفه في فضائل القرآن وهو من أهل هذا الشأن ويعلم أنه حديث محال ولكن بعض المحدثين يرى تنفيق حديثه ولو بالبواطيل وهذا قبيح منهم فإنه قد صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال من حدث عني حديثا يرى انه كذب فهو أحد الكاذبين، وهذا حديث فضائل السور مصنوع بلا شك”. انتهى

13- جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هجري
قال السيوطي اللآلئ المصنوعة : “وإنّما عجبت من أبي بكر ابن أبي داود كيف أورده في كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن ، وهو يعلم أنّه حديث محال مصنوع بلا شك ، ولكن إنما حمله على ذلك الشره”. انتهى
كأنّ السيوطي استحيا من أن يذكر الحديث الذي ذكره ابن الجوزي في ذيل كلامه ، فاكتفى بهذا القدر في التشنيع على ابن أبي داود.

14- ابن العماد الحنبلي المتوفى سنة 1089هجري
قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب في أخبار من ذهب ما نصه: “و قال في المغني: عبد الله بن سليمان السجستاني ثقة كذبه أبوه في غير حديث”. انتهى

15- الإمام محمد زاهد الكوثري المتوفى سنة 1371 هجري
قال الإمام الكوثري في تأنيب الخطيب صحيفة 135 ما نصه: “كذبه أبوه وابن صاعد وإبراهيم ابن الأصبهاني وابن جرير وهو ناصبي مجسم خبيث روى أخلوقة التسلق عن الزهري كذباً وزوراً ، وقد شهد عليه بذلك شهود عدول هم الحفاظ محمد بن العباس الأخرم وأحمد بن علي بن الجارود ومحمد بن يحيى بن منده وكاد أن يراق دمه في أصبهان بيد أميرها أبي ليلى لولا سعي بعض الوجهاء ممن كان يجل أباه في استنقاذه بالطعن في أمثال هؤلاء الشهود . وهذا حاله وإن راج على من لم يعرف دخائله. وكان هو في صف أبي عبد الله الجصاص المكشوف الأمر ضد ابن جرير. انتهى
وقال في الصحيفة 365 : “فمن يوثقه إما جاهل بحاله أو منطو على ضلال”.انتهى

16- أحمد بن الصِدِّيق الغُماري المتوفى سنة 1380 هجري
قالَ حافظ العصر الشيخ أحمد بن الصِدِّيق الغُماري في جُؤنة العَطار : “وأشهدُ بالله أنَّ هذا الكَذِبَ مِن ابن أبي داود فإنه كانَ مشهوراً بالنَّصْبِ والكذب معاً، وقد كان والده أبو داود صاحب السنن يكذبه ويحذر أصحاب الحديث منه , ويقول لهم: إن ابني كذاب فلا ترووا عنه، وهو الذي زعم قبحه الله , أن علياً ـ عليه السلام ـ حفيت أظفاره من كثرة التسلق على أزواج النبي”. انتهى
وقال في الجواب المفيد: “واضطر الناصبي الكبير: عبد الله بن أبي داود صاحب السنن – أعني الأب صاحب السنن التي هي أحد الكتب الستة، أما الابن فله مؤلفات أخرى وكان ناصبياً خبيثا وكان أبوه أبو داود يقول عنه: إنه كذاب فلا ترووا عنه- اضطر هذا إلى زعمه أن معاوية هذا هو ابن التابوه وكان منافقاً حلف أن يتغوط على المنبر”. انتهى

17- عبد الرحمن المعلمي المتوفى سنة 1386 هجري
وصفه عبد الرحمن المعلمي بالتكبر رغم دفاعه عنه حيث قال في التنكيل:” وكان ابن أبي داود صلفاً تياهاً حريصاً على الغلبة “. انتهى

أبو اسماعيل الهروي: ذكر من أثنى عليه أو ذمه

هو المتصوف الحلولي أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي، أحد أعمدة التجسيم و التشبيه. وقد كان حنبليا متعصبا، كما نقل ذلك عنه التاج السبكي في طبقاته حيث قال:”كان شديد التعصب للفرق الحنبلية بحيث كان ينشد على المنبر على ما حكى عنه تلميذه محمد بن طاهر:

أنا حنبلي ما حييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا”. انتهى

1- ذكر بعض من أثنى عليه

لقد أكثر أئمة الحنابلة من الثناء على أبي اسماعيل الهروي و خاصة المجسمة منهم كابن أبي يعلى الذي قال في طبقات الحنابلة :” كَانَ يدعى شيخ الإسلام وَكَانَ إمام أهل السنة بهراة ويسمى خطيب أعجم لتبحر علمه وفصاحته ونبله”. انتهى

وأما ما قاله الذهبي في السير: “قال أبو الوقت السجزي : دخلت نيسابور ، وحضرت عند الأستاذ أبي المعالي الجويني ، فقال : من أنت ؟ قلت : خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري ، فقال : رضي الله عنه”. قلت : “اسمع إلى عقل هذا الإمام ، ودع سب الطغام إن هم إلا كالأنعام”. انتهى

و قال أيضا في تذكرة الحفاظ: “اسمع ترضي هذا الإمام عن هذا الإمام, وإياك وسماع سب هذا الإمام من الإنعام”. انتهى

وكلام الذهبي يصدق في شيخه ابن تيمية الذي كان يضع على أبي اسماعيل بسبب كتابه منازل السائرين. و أما ترضي إمام الحرمين عليه فهو محمول على عدم اطلاعه على مقالاته الشنيعة في العقيدة و في ذمه للأشاعرة، فمدحه له إنما كان بسبب ما اشتهر به من زهد و تعبد.

و أما ثناء ابن طاهر المقدسي الظاهري عليه و تسميته له بشيخ الإسلام فلا عبرة به، فابن طاهر قد ذمه غير واحد من العلماء:

قال ابن ناصر : “محمد بن طاهر لا يحتج به ، صنف في جواز النظر إلى المرد ، وكان يذهب مذهب الإباحة “. انتهى

و قال أبو سعد السمعاني : “سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن ابن طاهر ، فتوقف ، ثم أساء الثناء عليه ، وسمعت أبا القاسم بن عساكر يقول :جمع ابن طاهر أطراف ” الصحيحين ” وأبي داود ، وأبي عيسى ، والنسائي ، وابن ماجه ، فأخطأ في مواضع خطأ فاحشا “. انتهى

وقال ابن ناصر : “كان لحنة ويصحف ، قرأ مرة : وإن جبينه ليتفصد عرقا – بالقاف – فقلت : بالفاء ، فكابرني” . انتهى

وقال السلفي : “كان فاضلا يعرف ، لكنه لحنة ، قال لي المؤتمن الساجي : كان يقرأ ، ويلحن عند شيخ الإسلام بهراة ، فكان الشيخ يحرك رأسه ، ويقول : لا حول ولا قوة إلا بالله “. انتهى

2- ادعاؤه التصوف وقوله بالاتحاد و الحلول

لقد كان أبو اسماعيل الهروي يظهر التزهد ويدعي التصوف، فقد قال السلفي: “سألت المؤتمن الساجي عن أبي إسماعيل الأنصاري، فقال : “كان آية في لسان التذكير و التصوف”. انتهى

والحقيقة أن الهروي كان زنديقا من زنادقة المتصوفة القائلين بالاتحاد، وقد حاول ابن رجب الحنبلي تبرئته من ذلك فقال في ذيل طبقات الحنابلة 3/67 : “وقد اعتنى بشرح كتابه «منازل السائرين» جماعة، وهو كثير الإشارة إلى مقام الفناء في توحيد الربوبية، واضمحلال ما سوى الله تعالى في الشهود لا في الوجود. فيتوهم فيه أنه يشير إلى الاتحاد حتى انتحله قوم من الاتحادية، وعظموه لذلك. وذمه قوم من أهل السنة، وقدحوا فيه بذلك. وقد برأه الله من الاتحاد. وقد انتصر له شيخنا أبو عبد الله بن القيم في كتابه الذي شرح فيه المنازل وبين أن حمل كلامه على قواعد الاتحاد زور وباطل”. انتهى

وفي كلام ابن رجب ما يدل على أن أهل السنة المحققين ذموا الهروي لأقواله الصريحة في الاتحاد و ما زعمه ابن رجب أنه بريء من ذلك الاعتقاد فهو مردود بكلام ابن تيمية و غيره من العلماء:

قال ابن خلدون في مقدمته 3/1073-1074 – تحقيق: على عبد الواحد موافي – ما نصه: :” ثم إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس، توغلوا في ذلك، فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة كما أشرنا إليه، وملأوا الصحف منه، مثل الهروي، في كتاب المقامات له، وغيره”. انتهى

و قال ابن تيمية منهاج السنة النبوية في نقض الشيعة القدرية: “وهذا الذي ذمه الجنيد – يعني قوله: التوحيد: إفراد الحدوث عن القدم- وأمثاله من الشيوخ العارفين وقع فيه خلق كثير حتى من أهل العلم بالقرآن وتفسيره والحديث والآثار ومن المعظمين لله ورسوله باطنا وظاهرا المحبين لسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم الذابين عنها وقعوا في هذا غلطا لا تعمدا. وهم يحسبون أن هذا نهاية التوحيد كما ذكر ذلك صاحب منازل السائرين مع علمه وسنته ومعرفته ودينه. وقد ذكر في كتابه «منازل السائرين» أشياء حسنة نافعة وأشياء باطلة ولكن هو فيه ينتهي إلى الفناء في توحيد الربوبية ثم إلى التوحيد الذي هو حقيقة الإتحاد”. انتهى

وقال في مجموع الفتاوى في معرض كلامه عن الحلولية: “وقد وقع طائفة من الصوفية حتى صاحب منازل السائرين في توحيده المذكور في آخر المنازل في مثل هذا الحلول؛ ولهذا كان أئمة القوم يحذرون عن مثل هذا”. انتهى

و قال الذهبي في تاريخ الإسلام ،33/55-56- تحقيق عمر عبد السلام تدمري، طبعة دار الكتاب العربي- ما نصه: ” وله في السوق كتاب منازل السائرين وهو كتاب نفيس في التصويف، ورأيت الاتحادية تعظم هذا الكتاب وتنتحله، وتزعم أنه على تصوفهم الفلسفي. وقد كان شيخنا ابن تيمية بعد تعظيمه لشيخ الإسلام يحط عليه ويرميه بالعظائم بسبب ما في هذا الكتاب. نسأل الله العفو”. انتهى

و قال تاج الدين السبكي: “كان ابن تيمية مع ميله إليه يضع من هذا الكتاب – أي منازل السائرين-“. انتهى

ونقل السبكي عن الذهبي أنه قال : “وكان – يعني ابن تيمية- يرمي أبا إسماعيل بالعظائم بسبب هذا الكتاب ويقول: انه مشتمل على الاتحاد”. انتهى

وقد نقل ابن القيم في مدارج السالكين عن ابن تيمية أنه قال عنه: “علمه خير من عمله”. لكن ابن تيمية كان صاحب أهواء فرغم رميه لأبي اسماعيل الهروي بالاتحاد والحلول فقد كان يحتج به على مخالفيه.

وانتصار ابن القيم للهروي الذي ذكره ابن رجب واضح في كتابه مدارج السالكين، ومما يدل على ذلك ما قاله محمد بن صالح العثيمين في لقاء الباب المفتوح 132 – السؤال رقم 9 – في معرض كلامه عن كتاب ” مدارج السالكين ” لابن القيم ونص عبارته: “الكتاب كما تعرف هو شرح لـمنازل السائرين ، وأصل الكتاب المشروح فيه بعض الملاحظات ، ففيه ما يومئ إلى شيء كبير في الدِّين ، وإن كان ابن القيم رحمه الله اعتذر عنه ، وبيَّن أنه بريء مما يتبادر من كلامه”. انتهى

فكتاب منازل السائرين قد شرحه ابن القيم في مدارج السالكين. ومن اطلع على هذا الكتاب وقف على طامات عظيمة تخالف معتقد أهل السنة، حتى قال الذهبي في العلو:”كَانَ أَبُو إِسْمَاعِيل آيَة فِي التَّفْسِير رَأْسا فِي التَّذْكِير عَالما بِالْحَدِيثِ وطرقه بَصيرًا باللغة صَاحب أَحْوَال ومقامات فياليته لَا ألف كتاب الْمنَازل فَفِيهِ أَشْيَاء مُنَافِيَة للسلف وشمائلهم” .انتهى

و قد علق الألباني على قول الذهبي: “ففيه أشياء منافية للسلف” بقوله : “قلت: تجد أمثلة من ذلك في كتب ابن تيمية رحمه الله، ومنها رسالته في القضاء والقدر”. انتهى

و هذا الكتاب فيه كفر صريح كتلك الأبيات وهي قوله:

ما وحد الواحد من واحد إذ كل من وحده جاحد

توحيد من ينطق عن نعته عارية أبطلها الواحد

توحيده إياه توحيده ونعت من ينعته لاحد

وهذه الأبيات من أشنع الأمور التي ذكرها الهروي.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى بعد ذكره لهذه الأبيات: “فإن حقيقة قول هؤلاء أن الموحد هو الموحد ، وأن الناطق بالتوحيد على لسان العبد هو الحق وأنه لا يوحده إلا نفسه فلا يكون الموحد إلا الموحد ويفرقون بين قول فرعون : أنا ربكم الأعلى وبين قول الحلاج : أنا الحق وسبحاني . فإن فرعون قال ذلك : وهو يشهد نفسه فقال عن نفسه ، وأما أهل الفناء فغابوا عن نفوسهم وكان الناطق على لسانهم غيرهم. وهذا مما وقع فيه كثير من المتصوفة المتأخرين ولهذا رد الجنيد على هؤلاء لما سئل عن التوحيد فقال : هو الفرق بين القديم والمحدث فبين الجنيد – سيد الطائفة – أن التوحيد لا يتم إلا بأن يفرق بين الرب القديم والعبد المحدث ؛ لا كما يقوله هؤلاء الذين يجعلون هذا هو هذا وهؤلاء أهل الاتحاد والحلول الخاص والمقيد وأما القائلون بالحلول والاتحاد العام المطلق فأولئك هم الذين يقولون : إنه بذاته في كل مكان أو إنه وجود المخلوقات وقد بسط الكلام على هؤلاء في غير هذا الموضوع”. انتهى

و قال المجسم ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية: “ولا شك أن النوع الثاني والثالث من التوحيد الذي ادعوا أنه توحيد الخاصة وخاصة الخاصة ينتهي إلى الفناء الذي يشمر إليه غالب الصوفية وهو درب خطر يفضي إلى الاتحاد انظر إلى ما أنشد شيخ الإسلام أبو اسماعيل الأنصاري تعالى حيث يقول

ما وحد الواحد من واحد … إذ كل من وحده جاحد

توحيد من ينطق عن نعته … عارية أبطلها الواحد

توحيده إياه توحيده … ونعت من ينعته لأحد

وإن كان قائله لم يرد به الإتحاد لكن ذكر لفظا مجملا محتملا جذبه به الاتحادي إليه وأقسم بالله جهد أيمانه أنه معه ولو سلك الألفاظ الشرعية التي لا أجمال فيها كان أحق مع أن المعنى الذي حام حوله لو كان مطلوبا منا لنبه الشارع عليه ودعا الناس إليه وبينه فإن على الرسول البلاغ المبين فأين قال الرسول : هذا توحيد العامة وهذا توحيد الخاصة وهذا توحيد خاصة الخاصة ؟ أو ما يقرب من هذا المعنى ؟ أو أشار إلى هذه النقول والعقول حاضرة فهذا كلام الله المنزل على رسوله صلى الله عليه و سلم وهذه سنة الرسول وهذا كلام خير القرون بعد الرسول وسادات العارفين من الأئمة هل جاء ذكر الفناء فيها وهذا التقسيم عن أحد منهم ؟ وإنما حصل هذا من زيادة الغلو في الدين المشبه لغلو الخوارج بل لغلو النصارى في دينهم وقد ذم الله تعالى الغلو في الدين ونهى عنه”. انتهى

وأما قول التاج السبكي : “و أنا لا أعتقد فيه أنه يعتقد الاتحاد” فلا دليل للمشبهة عليه، لأنه وإن كان نفى عنه الاتحاد فهو لم ينف عنه الحلول و كلامه في منازل السائرين صريحة في ذلك .

أبو اسماعيل الهروي: ذكر من أثنى عليه أو ذمه

بيان أنه كان من زنادقة المتصوفة

https://www.facebook.com/share/p/VCPhfwdcs5i7LQGG/?mibextid=xfxF2i

اعتقاده التجسيم

https://www.facebook.com/share/p/o2V9K6TMS7qHibKJ/?mibextid=xfxF2i

اثباته صفة الخط لله

https://www.facebook.com/share/p/JvhLr23ngdz7Jcip/?mibextid=xfxF2i

نقض ذمه للأشعري

https://www.facebook.com/share/UXbdaFWXPWAqJKXt/?mibextid=xfxF2i