رد الطعون عن أبي حنيفة النعمان -15

  1. الكلام عن ترجمة أبي حنيفة في كتاب الميزان للذهبي.
  2. في بيان الدس الواقع في كتاب ميزان الاعتدال للذهبي
  3. كتاب “السنة” المنسوب لعبد الله بن أحمد بن حنبل – الجزء الأول-
  4. كتاب السنة للخلال
  5. كتاب السنة للخلال الجزء الثاني
  6. بسم الله الرحمن الرحيم
  7. 1- شروط صحة السماع

الكلام عن ترجمة أبي حنيفة في كتاب الميزان للذهبي.

ميزان الاعتدال هو ملخص كتاب الكامل لابن عدي مع استدراكات كثيرة عليه. وقد جاء في بعض طبعات هذا الكتاب ذكر ترجمة الإمام أبي حنيفة، مثل طبعة دار الكتب العلمية بتحقيق الشيخ علي محمد عوض و الشيخ عادل احمد عبد الموجود.

وهو قولهم: “النعمان بن ثابت بن زوطي، أبو حنيفة الكوفي. إمام أهل الرأي. ضعفه النسائي من جهة حفظه، وابن عدي، وآخرون. وترجم له الخطيب في فصلين من تاريخه، واستوفى كلام الفريقين معدليه ومضعفيه.

وهذه الترجمة أيضا مدسوسة في كتاب “الميزان” لأن الذهبي لم يذكر أبا حنيفة في كتابه، فقد قال الدكتور بشار عواد معروف، في طبعة “تهذيب الكمال” مؤسسة الرسالة على هامش ترجمة الإمام ابي حنيفة رحمه الله جزء 29 صحيفة 445 : “أبو حنيفة النعمان بن ثابت إمام كبير من الأئمة، فقيه عظيم من فقهاء الإسلام ، و قد تكلم فيه بعض الناس و تطاولوا عليه بسبب رأيه، و زعموا أن الإمام الذهبي ترجمه في الميزان و هي ترجمة مدسوسة ، ففي خزانة كتبي نسخة المؤلف بخطه، مصورة و ليس فيها ترجمته”. انتهى

وَقد أوسع الْعَلامَة اللَّكْنَوِي الحنفي القَوْل جدا فِي التَّدْلِيلِ عَلَى دس هَذِه التَّرْجَمَة فِي ” الْمِيزَان ” فِي كِتَابه ” غيث الْغَمَام عَلَى حَوَاشِي الْكَلَام ” صحيفة 146، وَذكر وُجُوهًا كَثِيرَة فِي تَعْزِيز نَفيهَا من الْمِيزَان.

وَمِمَّا قَالَه رَحمَه الله: إِن هَذِه الْعبارَة لَيست لَهَا أثر فِي بعض النّسخ الْمُعْتَبرَة، عَلَى مَا رَأَيْتهَا بعَيْني، وَيُؤَيِّدهُ قَول الْعِرَاقِيّ فِي ” شرح أَلْفيته “: لكنه -أَي ابْن عدي- ذكر فِي كتاب ” الْكَامِل ” كل من تكلم فِيهِ وَإِن كَانَ ثِقَة. وَتَبعهُ

عَلَى ذَلِك الذَّهَبِيّ فِي ” الْمِيزَان ” إِلَّا أَنه لم يذكر أحدا من الصَّحَابَة والأئمة الْمَتْبُوعِينَ . انتهى

وقال أيضا: “فَهَذِهِ الْعبارَات، من هَؤُلَاءِ الثِّقَات، الَّذين قد مرت أَنْظَارهمْ عَلَى نسخ الْمِيزَان الصَّحِيحَة مَرَّات، تنَادِي بِأَعْلَى الصَّوْت عَلَى أَنه لَيْسَ فِي حرف النُّون من الْمِيزَان أثر لِتَرْجَمَة أبي حنيفَة النُّعْمَان فَلَعَلَّهَا من زِيَادَات بعض النَّاسِخِينَ وَالنَّاقِلِينَ فِي بعض نسخ الْمِيزَان”. انتهى

والذي يدل كذلك على ان هذه الترجمة مدسوسة أمور منها:

– قول الذَّهَبِيّ فِي مُقَدّمَة الْمِيزَان : “وَكَذَا لَا أذكر فِي كتابي من الأئمة الْمَتْبُوعِينَ فِي الْفُرُوع أحدا لِجَلَالَتِهِمْ فِي الإسلام وَعَظَمَتهمْ فِي النُّفُوس مثل أبي حنيفَة، وَالشَّافِعِيّ، وَالْبُخَارِيّ، فَإِن ذكرت أحدا مِنْهُم، فَأَذْكُرهُ عَلَى الإنصاف، وَمَا يضرّهُ ذَلِك عِنْد الله، وَلَا عِنْد النَّاس”. انتهى

– قول السَّخَاوِي فِي ” شرح الالفية ” صحيفة 477: “مَعَ أَنه -أَي الذَّهَبِيّ- تبع ابْن عدي فِي إِيرَاد كل من تُكلم فِيهِ وَلَو كَانَ ثِقَة، لكنه الْتزم أَلا يذكر أحدا من الصَّحَابَة، وَلَا الأئمة الْمَتْبُوعِينَ” . انتهى

– ترجمة أبي حنيفة في بعض نسخ الميزان مكتوبة بغير قلم الذهبي، وإنما هي دخيلة على الكتاب، بيد بعض الحاقدين على الإمام أبي حنيفة.

– تمت مراجعة الْمُجلد الثَّالِث من ميزَان الِاعْتِدَال الْمَحْفُوظ فِي ظَاهِرِيَّة دمشق، وَهُوَ بِخَط الْحَافِظ: شرف الدَّين عبد الله بن مُحَمَّد الدَّانِي الدِّمَشْقِي، الْمُتَوفَّى سنة 749 هجري تِلْمِيذ الذَّهَبِيّ، وَقد قرئَ عَلَيْهِ ثَلَاث مَرَّات، مَعَ الْمُقَابلَة بِأَصْل الذَّهَبِيّ، فَلم تُوجد فِيهِ تَرْجَمَة للإمام أبي حنيفَة فِي حرف النُّون وَلَا فِي الْكُنَى، وَكَذَلِكَ رَجَعَ بَعضهم إِلَى نُسْخَة من الْمِيزَان مَوْجُودَة فِي الْخزانَة الْعَامَّة فِي مَدِينَة الرِّبَاط، وَلم يجد فِيهَا أَيْضا تَرْجَمَة للامام أبي حنيفَة رَحمَه الله، وَقد وصفت هَذِه النُّسْخَة بِالْجودَةِ، وَالندْرَة، لأنه قَرَأَهَا عَلَى الْمُؤلف غير وَاحِد من الأعلام.

– الحافظ ابن حجر لم يذكره في “لسان الميزان” ولا زاد عليه.

– الذهبي ألف كتابا في ذكر مناقب الإمام أبي حنيفة.

رابط ذو علاقة: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=4502716969807014&id=194651207280300

في بيان الدس الواقع في كتاب ميزان الاعتدال للذهبي

قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في تحقيقه لكتاب الرفع والتكميل في الجرح والتعديل ما نصه: “وقد أوسع المؤلف الشيخ عبد الحي اللكنوي القول جداً في التدليل على دسّ ترجمة أبي حنيفة في بعض نسخ ” ميزان الاعتدال ” في كتابه ” غيث الغمام على حوائي إمام الكلام ص: 146 “، وذكر وجوهاً كثيرة في تعزيز نفيها عن الميزان، أَقتصر على نقل الوجه الأول منها، وأحيل القارئ إلى عداه لطوله، قال رحمه الله : إن هذه العبارة ليس لها أثر في بعض النسخ المعتبرة على ما رأيتها بعيني، ويؤيده قول العراقي في شرح الألفية ج:3 ص: 260 : لكنه – أي ابن عدي – ذكر في كتابه الكامل كل من يتكلم فيه، وإن كان ثقة، وتبعه على ذلك الذهبي في الميزان إلا أنه لم يذكر أحداً من الصحابة والأئمة المتبوعين. اهـ .

وقول السخاوي في شرح الألفية ص: 477 : مع أنه – أي الذهبي – تبع ابن عدي في إيراد كل من تكلم فيه ولو كان ثقة، لكنه التزم أن لا يذكر أحداً من الصحابة ولا الأئمة المتبوعين وقول السيوطي في تدريب الراوي شرح تقريب النواوي ص: 519: إلا أنه – أي الذهبي – لم يذكر أحداً من الصحابة ولا الأئمة المتبوعين. اهـ .

فهذه العبارات من هؤلاء الثقات الذي قد مرّت أنظارهم على نسخ الميزان الصحيحة مرات : تنادي بأعلى النداء على أنه ليس في حرف النون من الميزان أثر لترجمة أبي حنيفة النعمان, فلعلها زيادات بعض الناسخين والناقلين في بعض نسخ الميزان. اهـ .

و قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة : ” بل قد صرَح الذهبي في مقدمة الميزان ج: 1 ص: 3، فقال : وكذا لا اذكر في كتابي من الأئمة المتبوعين في الفروع أحداً، لجلالتهم في الإسلام، وعظمتهم في النفوس, مثل أبي حنيفة والشافعي والبخاري, فإن ذكرت أحداً منهم فأذكره على الإنصاف، وما يضره ذلك عند الله ولا عند الناس .. انتهى.

وقال أيضا: ” وجاءت في المطبوعة من الميزان ترجمة أبي حنيفة 3 / 237 في سطرين، ليس فيها دفاع عن أبي حنيفة إطلاقاً، وإنما تحطّ على جرحه وتضعيفه، وكلام الذهبي في المقدمة ينفي وجودها على تلك الصفة، لأنها تحمل القدح لا الإنصاف، وقد رجعت إلي المجلد الثالث من ميزان الاعتدال المحفوظ في ظاهرية دمشق تحت رقم 368 حديث وهو جزء نفيس جداً، كله بخط العلامة الحافظ شرف الدين الواني الدمشقي – ت 749 – تلميذ مؤلفه الذهبي رحمهما الله تعالى، وقد قرأت عليه ثلاث مرات مع المقابلة بأصل الذهبي، كما صرح بذلك في ظهر الورقة 109 , وظهر الورقة 159 وفي غير موطن منه تصريحات كثيرة له بالقراءة والمقابلة أيضاً فلم أجد ترجمة للإمام أبي حنيفة النعمان في حرف النون ولا في الكنى, وكذلك لم أجد له ترجمة في النسخة المحفوظة في المكتبة الأحمدية بحلب تحت رقم 337 , وهي نسخة جيدة كتبت سنة 1160 بخط علي بن محمد الشهير بابن مشمشان في مجلد واحد كبير .

وقد سنحت لي في أوائل رمضان المبارك من 1382 هـ زيارة المغرب الأقصى، فرزت مدينة الرباط, ورأيت في الخزانة العامة فيها نسخة من ميزان الاعتدال، في مجلد واحد، رقمها 139 ق، ناقصة، يبتدئ القسم الموجود منها من أوائل ترجمة عثمان بن مقسم البُريّ وهو يوافق أواخر الصفحة 190 من الجزء الثاني المطبوع بمصر سنة 1325 وينتهي بآخر الكتاب. وفي حواشي هذه النسخة كتبت إلحاقات كثيرة جداً في كل صفحة، حتى في بعض الصفحات أخذت الإلحاقات الحواشي الثلاث، وتارة الحواشي الأربعة للصفحة، وهي بخط واحد، دون الحواشي الملحقة على جوانب الصفحات والأوراق المدرجة فيها، وقد كتبت على الورقة الأخيرة من أصل النسخة قراءات كثيرة وتواريخ لها ولنسخها، فكان من ذلك أن النسخة قرأت على مؤلفها أكثر من ست مرات، وهذا نص ما كتب في حواشي الورقة الأخيرة . بحسب تسلسل تواريخ لا بحسب ترتيب كتابته .

– أنهاه كتابة ومعارضة داعياً لمؤلفه عبد الله المقريزي في سنة تسع وعشرين وسبعمائة .

– أنهاه كتابة ومعارضة أبو بكر بن السَّراج داعياً لمؤلفه في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة .

– فرغه نسخاً مرة ثانية داعياً لمؤلفه أبو بكر بن السَّراج عفا الله عنه في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة .

– قرأت جميع هذا الميزان وهو سِفران على جامعه شيخ الإسلام الذهبي أبقاه الله تعالى في مجالس آخرها يوم السبت ثاني عشر شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة بالمدرسة الصَدرية بدمشق .

وكتب سعيد بن عبد الله الذَُهلي عفا الله عنه .

– قرأت جميع هذا الكتاب على جامعه شيخنا شيخ الإسلام الذهبي, في مجالس آخرها يوم الجمعة ثاني عشر رجب الفرد سنة خمس وأربعين وسبعمائة, بمنزله في الصدرية – رحم الله وقفها – بدمشق المحروسة . وكتب علي بن عبد المؤمن بن علي الشافعي البعلبكي حامداً الله ومصلياً على النبي وآله ومسلماً .

– فرغه نسخاً لنفسه داعياً لمؤلفه أحمد بن عمر بن علي القوصي (؟؟) في العشر الأواخر من ربيع الآخر سنة ستٍ وأربعين وسبعمائة .

– فرغه أبو القاسم بن الفارقي عفا الله عنه داعياً لمؤلفه .

– قرأت جميع كتاب ميزان الاعتدال في نقد الرجال وما على الهوامش من التخاريج والحواشي والملحقات, بحسب التحرير والطاقة والتؤدة على مصنفه شيخنا الإمام العلامة .. الذهبي رحمه الله، في مواعيد طويلة كثيرة، وافق آخرها يوم الأربعاء العشرين من شهر رمضان المعظّم في سنة سبع وأربعين وسبعمائة، في الصدرية بدمشق, وأجاز جميع ما يرويه، وكتب محمد ابن علي الحنفي ؟؟ بن عبد الله .. انتهى

وقال: ” قد رجعت أيضاً لهذه النسخة العظيمة النادرة المثال في عالم المخطوطات، فلم أجد فيها ترجمة للإمام أبي حنيفة النعمان, وهذا مما يقطع معه المرء بأن الترجمة المذكورة في بعض النسخ الميزان ليست من قلم الذهبي، وإنما هي دخيلة على الكتاب، بيد بعض الحانقين على الإمام أبي حنيفة، وذلك أنها جاءت في سطرين لا تليق بمقام الإمام الأعظم، ولا تحاكي تراجم الأئمة الذين ذكرها الذهبي لدفع الطعن عنهم، وهم دون أبي حنيفة إمامة ومنزلة، فقد أطال النفس في تراجمهم طويلاً، وجلَّى مكانتهم وإمامتهم أفضل تجلية .

وكتاب الميزان هذا مرتع واسع لإلحاق تراجم فيه للنيل من أصحابها، وقد امتد إليه قلم غير الذهبي في مواطن, فجيب طبعه عن أصل مقروء على المؤلف كالجزء المحفوظ بظاهرية دمشق وهو يبتدئ بحرف الميم وينتهي بآخر الكتاب, وكالقسم الموجود في خزانة الرابط .

وإنما أطلت في هذه التعليقة كثيراً، تنزيهاً لمقام الإمام أبي حنيفة، وتبرئة لساحة الحافظ الذهبي رحمه الله, وتعريفاً بالمخطوطات الموثوقة من ميزان الاعتدال ليصار إلي طبعه عنها ممن يوافقه الله تعالى. انتهى من الرفع والتكميل

ونقله أيضا وهبي سليمان غاوجي في كتاب ” أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء”

رابط ذو علاقة:

رد الطعون في أبي حنيفة

https://www.facebook.com/share/p/1Ay2w6aicE/

كتاب “السنة” المنسوب لعبد الله بن أحمد بن حنبل – الجزء الأول-

كتاب “السنة” المنسوب لعبد الله بن أحمد بن حنبل اسمه الكامل هو “كتاب السنة والرد على الجهمية”كما ذكر ذلك الذهبي في كتاب العرش.

و علماء أهل السنة الأشاعرة لهم ثلاث موقف من هذا الكتاب:

1-بعضهم أنكر نسبة هذا الكتاب لعبد الله بن الإمام أحمد.
قال الدكتور صهيب السقار في كتابه التجسيم في الفكر الإسلامي:” والذي يبدو لي أن هذا الكتاب من مؤلفات من يسمونه شيخ الإسلام أبا إسماعيل الهروي صاحب المؤلفات المعروفة في ما يسمونه العقيدة السلفية ، وهذا الهروي شديد التعصب ربما ركب له إسنادًا فرواه عن أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم القراب الهروي عن مجهول عن مجهول عن المؤلف. وأبو إسماعيل الهروي لا يستبعد منه صدور ما في هذا الكتاب منه ، أما ابن الإمام أحمد فلا نظن به أن يتعدى على الله وعلى رسوله وعلى الإمام أحمد والإمام أبي حنيفة النعمان ، وقد ذكر المحقق في توثيق الكتاب وصحة نسبته إلى المؤلف نقل الحنابلة عنه وأخذهم منه وكل من ذكر نقَلهم عنه من بعد عصر الهروي المذكور ، فلا تدفع هذه النقول الشك في نسبة الكتاب إليه ولا الشك في صحة نسبة صحته إلى المؤلف ، واشتمل هذا الكتاب على أكثر من مئة وثمانين نصاً في الطعن في الإمام أبي حنيفة ، بل في بعضها تكفيره، وأنه أخذ من لحيته كأنه تيس يدار به على الحلق يستتاب من الكفر أكثر من مرة ، وأنه أفتى بأكل لحم الخنزير ، وفيه نقل عن الإمام مالك أنه ذكره بسوء ، وقال : “كاد الدين ومن كاد الدين فليس من الدين” ، ووثق المحقق رجال سند هذه الرواية وغير ذلك من المثالب التي تقشعر منها الأبدان”. انتهى

2-و البعض الآخر صحح نسبة الكتاب له و جزم بأن المجسمة قامت بتحريف الكتاب وفق معتقدهم الباطل.
قال الشيخ صلاح الدين الادلبي: “وهذا يعني أن كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بالصورة التي وصلتنا لم تثبت نسبته إليه، حتى وإن كان أصله ثابتا عنه، فإنه يُخشى من أن تكون قد عبثت به يد أحد العابثين بالزيادة والنقص والتغيير، ولعل هذا قد وقع من كاتب النسخة الرجل المجهول”. انتهى

وقال: “لعبدِ اللهِ بن أحمد كتابٌ في السنة، وقد روى العلماء المسنِدون بعض النصوص الواردة فيه بأسانيدهم، وهذا في الجملة مما لا إشكال فيه.
ووصلنا الكتابُ في عدة نسخ مخطوطة تشتمل على نصوص كثيرة ليست فيما رواه العلماء المسنِدون، وليس لهذه النسخ التي وصلتنا أسانيد، إلا إسنادا واحدا، هو المذكور في نسخة المكتبة الظاهرية.
فهل يصح أن يُقال إن لهذا الكتاب عدة أسانيد؟!.
أصل الكتاب له عدة أسانيد عن المؤلف، ولكن الكتاب بالصورة التي وصلتنا ليس له إلا إسناد واحد. ومما يُؤسف له أن بعض الباحثين لا يفرق بين هذين الأمرين.
ففي كلام مَن يقول بأن للكتاب بصورته التي وصلتنا عدة أسانيد: مغالطة، لأن البحث الآن ليس في إثبات صحة أصل الكتاب، لكنْ في إثبات صحة الموجود في النسخ الخطية المشتملة على ما لم يُروَ في غيرها.
والسند الذي رُويت به النسخة الخطية التي وصلتنا ضعيف تالف، فلا يجوز الاعتماد على ما في هذه النسخة، كما لا يجوز نسبة ما فيها من النصوص إلى عبد الله بن أحمد ما لم تردْ بسند صحيح في مصدر آخر، ويجب تبرئته من النصوص المنكرة التي فيها، لأن الذي يحمل وزرها غيره”. انتهى

3-ومال بعض الماتوريدية إلى تصحيح نسبة الكتاب لعبد الله بن أحمد، و ألقى باللائمة عليه، كالإمام الكوثري.

والصواب أن الكتاب قد صحت نسبته لعبد الله بن حنبل لكن لا نسلم بسلامة النسخة من الدس و التحريف.

ومن جملة الأدلة على نسبة الكتاب له ما ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه حيث قال: “حُدثت عَنْ دعلج بْن أَحْمَد قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بن هارون حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن بْن الْعَطَّار- شيخ لنا ثقة- حَدَّثَنَا علي بن محمد الدَّقَّاق قَالَ: قرأنا على الْحُسَيْن بْن هارون عَن أَبِي الْعَبَّاس بْن سَعِيد قَالَ سَمِعْتُ عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ حنبل وسألته قلت: شيخ كتبت عنه بالكوفة حاجّا، ومحمد بن محمد بن العطار؟ فقال: كان ثقة أمينا. وَحَدَّثَنَا عنه عبد الله بن أحمد في كتاب “الرد على الجهمية”” . انتهى
وكتاب الرد على الجهمية هو كتاب السنة.

و ما قاله الحافظ ابن حجر في الإصابة : “وقال البغوي سكن الكوفة وقال أبو أحمد الحاكم ذكره إبراهيم بن عبد الله الخزاعي فيمن غلبت عليهم الكنى من الصحابة وأخرج بن السكن وابن أبي خيثمة والبغوي وعبد الله بن أحمد في كتاب السنة له والطبراني من طريق إسرائيل عن ثوير بن أبي فاختة سمعت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له أبو الخطاب وسئل عن الوتر فقال أحب الي أن أوتر إذ أصلي إلى نصف الليل “إن الله يهبط إلى السماء الدنيا في الساعة السابعة فيقول: هل من داع” . انتهى

و ما قاله الذهبي أيضا: “رواه عبد الله بن أحمد في كتاب “السنة” الذي أجازه لي غير واحد منهم ابن أبي الخير، عن أبي زرعة الكفتواني ، أنبأنا أبو عبد الله الخلال ، أنبأنا أبو المظفر بن شبيب ، أنبأنا أبو عمر السلمي ، أنبأنا أحمد بن محمد اللنباني عنه”. انتهى

وقال في كتاب العرش: ” أخبرنا الحافظ عبد القادر الرُّهاوي، أنبأنا محمد بن أبي نصر بأصبهان، أنبأنا الحسين بن عبد الملك الخلال، أنبأنا عبد الله بن شعيب، أنبأنا أبو عمر السلمي أنبأنا أبو الحسين اللنباني، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب “الرد على الجهمية”، حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا علي بن الحسين بن شقيق، سألت ابن المبارك: ” كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا؟. قال: على السماء السابعة، على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه ها هنا في الأرض”. انتهى

وكلام ابن المبارك هنا إن صح عنه فيفسر بسياقه لأنه كان بصدد الرد على الجهمية الذين يعتقدون بأن الله في كل مكان بذاته، فرد عليهم بما يوافق القرآن، و ليس في القرآن أو من كلام الرسول اثبات الجهة أو الحيز لله . و حرف “على” كما يستعمل في لغة العرب للمكان فإنه يُستعمل أيضا للمكانة والقهر وهذا هو المعنى الذي أراده ابن المبارك رضي الله عنه.

وكل هذه النصوص تدل على صحة نسبة أصل كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد لا أن النسخة الرائجة سالمة من الدس و التبديل.و يدل على تحريف هذا الكتاب أمران:

الأمر الأول: أن في سند الكتاب إلى المؤلف راويين مجهولين:
-الأول: أبو النصر محمد بن الحسن بن سليمان السمسار.
وقد حاول بعض المحققين توثيق أبي نصر فجعل اسمه أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ السمسار، وهذه تسوية مكشوفة لا تفيد شيئا، فالأول جده سليمان وكنيته أبو النصر، والثاني جده علي وكنيته أبو بكر.
كما قام بعضهم بتسميته “أبو النضر” مثل محمد السريع في تحقيقه على “معجم شيوخ أبي ذر الهروي”. وجعله من شيوخ أبي ذر الهروي الثقات. فالاضطراب في تحديد اسم الراوي ثابتة لا اختلاف فيها.

-الثاني أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن خالد الهروي: وهو مجهول الحال، ذكره فقط ابن حبان في الثقات.
قال ابن حبان حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ بِالرَّمْلَةِ وَ محمد بن إبراهيم بن خالد بهراة وَعَيَّاش بْنُ سَعِيدٍ بِحِمْصَ قَالُو اثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَبُو زِيَادٍ الْجُبْلانِيُّ قَالَ ثَنَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ السَّالِمِيُّ قَالَ ثَنَا بن عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس عَن بن عَبَّاسٍ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسْدِلُ نَاصِيَتَهُ سَدْلَ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ فَرَّقَ بَعْدُ فَرْقَ الْعَرَبِ”. انتهى
ومجرد ذكر ابن حبان له في الثقات غير كاف، فقد قال المحدث المعلمي اليماني في الأنوار الكاشفة: “ولا ينفعه ذكر ابن حبان في الثقات لماعرف من تساهل ابن حبان”. انتهى

وقال الألباني ما نصه: “إن توثيق ابن حبان يجب أن يتلقى بكثير من التحفظ والحذر لمخالفته العلماء في توثيقه للمجهولين”. انتهى
فابن حبان معروف بتساهله في توثيق المجاهيل، وهذا الشخص علاوة على ذلك لا يعرف هل كان ضابطا أو لا.
قال الحافظ ابن حجر في النكت: ” فإن كان يروي من حفظه فليكن عالما بما يحيل المعاني فلم يشترط على الاتصال والعدالة ما اشترطه المؤلف في الصحيح من وجود الضبط ومن عدم الشذوذ والعلة. وهذا وإن لم يتعرض ابن حبان لاشتراطه فهو إن وجده كذلك أخرجه وإلا فهو ماش على ما أصّل، لأن وجود هذه الشروط لا ينافي ما اشترطه.
وسمى ابن خزيمة كتابه “المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير قطع في السند ولا جرح في النقلة”.
وهذا الشرط مثل شرط ابن حبان سواء، لأن ابن حبان تابع لابن خزيمة مغترف من بحره ناسج على منواله”. انتهى

فلا ينبغي التساهل في اثبات العقائد من مصنف مروي بهذا السند.
وقد قطعت المجسمة بنسبة الكتاب إلى عبد الله بن أحمد وبذلت وسعها في الرد على من نزهه عن الخوض في مثل هذه الأمور، وليس لهم في ذلك مستند علمي بل مجرد كلام خطابي لا يدفع ما اعترافوا هم به من وجود مجهولين في طبقتين من طبقات إسناد هذا الكتاب إلى مؤلفه.
وما تمسكهم بهذه الروايات في كتاب صنف في الأصل لجمع العقيدة و السنة المتوارثة بزعمهم خير مثال على أن الطعن بأكابر المسلمين و علمائهم هو ركن من أركان هذه العقيدة التجسيمية التي تصدى لها العلماء، وهذا أسلوبهم في فتنة العوام المأخوذين بما يظهره هؤلاء من التزهد الحشوي المخدوعين بلافتات الدعوة إلى الكتاب و السنة و اتباع السلف زورا و بهتانا.

الأمر الثاني: أن هذا الكتاب اشتمل على نصوص صريحة في تشبيه الله بخلقه ووصفه بالجسمية و الكيفية و التحييز في جهة فوق. و فيه أيضا من الجرأة على الله ما تقشعر له الأبدان كوصفه عز وجل بالجلوس على العرش، وإثبات صدر له وذراعين ، وإثبات الثقل والصورة التي صور عليها آدم ، وأنه على كرسي من ذهب تحمله أربعة من الملائكة ، وأنه واضع رجليه على الكرسي ، وأن الكرسي قد عاد كالنعل في قدميه ، وأنه إذا أراد أن يخوف أحداً من عباده أبدى عن بعضه ، وأنه قرَّب داود عليه السلام حتى مس بعضه وأخذ بقدمه وغير ذلك من المنكرات.
ونذكر في ما يلي أمثلة للتشبيه الصريح و الكفر البواح:
أ- جاء في الجزء 1 صحيفة 106رقم 10 في كتاب السنة طبعة دار عالم الكتب بالرياض قوله: “وهل يكون الاستواء إلا بجلوس” . قال المعلق عليه : “إن هذه العبارة أقرب إلى التجسيم وتشبيه الخالق بالمخلوقات، وسلفنا الصالح رضوان الله عليهم من أشد الناس إنكارا على المشبهة والمجسمة “. انتهـى

ب- جاء في الجزء 1 صحيفة 175 – 176رقم 217 قوله:” رآه على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة : ملك في صورة رجل ، وملك في صورة أسد ، وملك في صورة ثور ، وملك في صورة نسر ، في روضة خضراء دونه فراش من ذهب” .
قال المعلق عليه: “هذا حديث ضعيف لا يحتج به خاصة في أمور العقيدة ثم هو دخول في الكيفية وهو على خلاف مذهب السلف الذي يقرر أن الكلام في كيفية الذات أو الصفات من الأمور البدعية “. انتهى

ج- جاء في الجزء 1 صحيفة 110 قوله: ” حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ يَعْنِي ابْنَ شَقِيقٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، يَقُولُ: ” الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّا لَنَحْكِي كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ ” َقالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ: “نَعْرِفُ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ عَلَى الْعَرْشِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ بِحَدٍّ وَلَا نَقُولُ كَمَا قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ هَاهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ”. انتهى
قال أبو مالك أحمد بن علي في تحقيقه للكتاب: “هذا أثرٌ صحيح دون لفظة “بحد” فهي شاذة أو منكرة”. انتهى

هذا بالإضافة إلى أن في الكتاب فقرات كثيرة في ذم الإمام أبي حنيفة بل وإخراجه من الملة والعياذ بالله.

فاستدلال المجسمة بهذا الكتاب واحتجاجهم على عقائدهم بالآثار الواردة فيه مع ما فيها من تشبيه و تجسيم غاية في الجرأة على الله والعياذ بالله

كتاب السنة للخلال

كتاب “السنة” لأبي بكر الخلال أثبته عنه غير واحد من العلماء كأبي يعلى الفراء المتوفى سنة 458هـجري في كتابه إبطال التأويلات”، و “العدَّة ، والرواية والوجهين، وابنه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة”، و الدشتي في كتابه إثبات الحدّ، وابن الجوزي في تلبيس إبليس، و أبي القاسم إسماعيل الأصبهاني في الحجة؛ و ابن المحب في الصفات و ابن تيميَّة في جملة من كتبه كنقض التأسيس، و درء التعارض، و التسعينية، و شرح الأصبهانيَّة و ابن القيم في اجتماع الجيوش ، والصواعق المرسلة والذَّهبي في العلو، وتاريخ الإسلام و ابن رجب في كتابه أهوال القبور، وجامع العلوم والحكم و ابن حجر في فتح الباري، ورفع الإصر والسبكي في طبقات الشافعية
والسيوطي في “شرح الصدور و السفاريني في لوائح الأنوار و البحور الزاخرة .
نقل الذهبي في السير ما نصه: “وجمع أبو بكر الخلال سائر ما عند هؤلاء – أي أصحاب الإمام أحمد- من أقوال أحمد، وفتاويه، وكلامه في العلل، والرجال والسنة والفروع، حتى حصل عنده من ذلك مالا يوصف كثرة, ورحل إلى النواحي في تحصيله، وكتب عن نحو من مئة نفس من أصحاب الامام ثم كتب كثيرا من ذلك عن أصحاب أصحابه، وبعضه عن رجل، عن آخر، عن آخر، عن الامام أحمد، ثم أخذ في ترتيب ذلك، وتهذيبه، وتبويبه وعمل كتاب ” العلم ” وكتاب ” العلل ” وكتاب ” السنة ” كل واحد من الثلاثة في ثلاث مجلدات”. انتهى

1/ بيان وقوع التحريف في مخطوطة السنة للخلال
السند المذكور على المخطوطة هو كالآتي: “قال الناسخ شهدت على الأصل ما صورته: سمع جميع هذه المجلدة من أولها إلى آخرها, وهي سبعة أجزاء على الشيخ :أبي الحسين علي بن أبي سعد بن ابراهيم الخباز بروايته عن أبي علي بن المهدي و أبي طالب بن يوسف و أبي الغنائم بن المهتدي وأبي سعد بن الطيوري إجازة عن أبي اسحاق البرمكي إجازة عن أبي بكر عبد العزيز الخلال إجازة عن أبي بكر الخلال بقراءة الفقيه العالم أبي عبد الله الحسن بن محمد بن الحسين الروباني الطبري. الشيخ الفقيه المقري أبو محمد عبد الصمد بن بديل بن الخليل الجيلي و عبيد الله بن علي بن محمد بن محمد الفراء و ذلك في شوال سنة ست و خمسمائة” . انتهى

وهذا السند مطعون فيه من وجوه:
أ- بعض أهل العلم لا يعتدون إجازة غلام الخلال للبرمكي وهو دون السنتين
– هذا السند يرويه أبو اسحاق البرمكي المولود سنة 361 هجري إجازة عن أبي بكر عبد
العزيز المعروف بغلام خلال المتوفى سنة 363 هجري.
قال الذهبي في السير: ” أبو إسحاق, إبراهيم بن عمر بن أحمد بن إبراهيم ، البرمكي ، ثم البغدادي الحنبلي . قيل : أصله من قرية البرمكية ، وقيل : سكن آباؤه محلة تعرف بالبرمكية. مولده في سنة إحدى وستين وثلاثمائة ” انتهى
وهذا معناه أن أبا اسحاق كان عمره عامين فقط عندما أجازه غلام الخلال، وهو سن لا يمكنه فيه تحمل الحديث و الرواية. و عليه فإن إجازة البرمكي هي إذن بالرواية وليس له فيها سماع صحيح.
وقد اختلف المحدثون في صحة الإجازة للطفل الصغير:
– فريق منهم أبطلها كشعبة وإبراهيم الحربي ، وأبي نصر الوائلي السجزي ، وأبي الشيخ الأصبهاني ، و القاضي حسين ، و أبو الحسن الماوردي ، وأبي بكر الخجندي الشافعي ، و القاضي حسين بن محمد المروروذي وأبي طاهر الدباس الحنفي و ابن الصلاح و ابن حزم و الحافظ صالح بن محمد بن عمرو الأسدي و أبي زرعة الرازي و أبي حنيفة وأبي يوسف وهي إحدى الروايتين عن الشافعي رضي الله عنه.
قال الحافظ السخاوي في فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي: ” وقال بالمنع جماعات من أهل الحديث والفقهاء كأشهب والأصوليين”. انتهى

و فريق منهم أجازها للماهر بهذه الصناعة دون غيره. فقد قال السيوطي في تدريب الراوي ما نصه: “وقيل إن كان المجيز والمجاز عالمين بالكتاب جاز وإلا فلا ، واختاره أبو بكر الرازي من الحنفية”. انتهى
فعند كل هؤلاء لا يُعتد برواية أبي اسحاق البرمكي عن غلام الخلال و بالتالي لا يثبت عندهم كتاب السنة للخلال.
وفريق منهم أجازها دون قيود وهم الجمهور من المحدثين

ب- أبو اسحاق البرمكي ليس له نسخة يوثق بها من كتاب السنة
لقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه 6/139 والذهبي في السير أن لأبي اسحاق إجازة عامة من أبي بكر عبد العزيز الخلال ولم يقل أن له مناولة منه ، فلا يصح القول بأن غلام الخلال قد دفع بكتاب السنة للبرمكي وهو صغير دون السنتين وأذن له بروايته عنه عندما يكبر.
والظاهر أن البرمكي لم تكن له نسخا منقولة من أصول غلام الخلال أو مقابلة عليها لأنه كان صغيرا مما جعل بعض المبتدعة يدفع له نسخا سقيمة محرفة و أوهمه بصحتها فرواها بعدما كبر بسلامة باطن.
لذلك منع بعض الأشياخ الإجازة، فقد قال الزركشي في النكت على ابن الصلاح: “وإنما المحكي عن شعبة وابن المبارك وأضرابهما قولهم لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة فقيل في معناه إنها لا تقوم مقام السماع والمشافهة في النقل وأن ذلك أبعد من التصحيف والتحريف”. انتهى
والدليل على أن نسخة كتاب السنة التي بحوزة البرمكي تم تحريفها كثرة الاسرائليات والآثار الضعيفة والموضوعة في هذا الكتاب و لا نظن حافظين كبيرين كغلام الخلال و أبي بكر الخلال يجيزون رواية الموضوع في كتبهم.
ج- وجود أسماء بعض المجاهيل في سند كتاب السنة للخلال
كتاب السنة للخلال لا توجد منه إلا نسخة واحدة تمثل ثلث الكتاب بينما باقي أجزائه مفقودة. فقد ذكر الوهابي عبد اللَّـه بن صالح البراك في مقال له بعنوان ” نصوص مما فقد من كتاب “السّنّة”؛ لأبي بكر الخلال ت311 ” نشر في مجلة كلية دار العلوم جامعة القاهرة عدد 36, سنة 2005م ما نصه: “وإنَّ هذا الكتاب من كُتُب العقيدة المسندة، المؤلَّفة في القرن الرابع الهجري، وقد وصلنا ثُلث الكتاب، وهو ما يُعادل المجلد الأول من أصله الخطّي، وباقي الكتاب – حسب علمي – في عداد المفقود”. انتهى
و قال عطية الزهراني محقق كتاب السنة للخلال – طبعة دار الراية- صحيفة 59 : “ليس للمخطوطة إلا نسخة واحدة” انتهى

وقد كتب على سند هذه النسخة اليتيمة أسماء بعض المجاهيل.
* عبد الهادي بن عبد الملك بن القاسم، ناسخ كتاب السنة للخلال وهو رجل مجهول: وقد ذكر ذلك عطية الزهراني محقق الكتاب في حاشية الصحيفة 59 – طبعة دار الراية -: ” لم أجد ترجمته”. انتهى

* الشيخ أبي الحسين علي بن أبي سعد بن ابراهيم الخباز.
راجع ترجمته هنا:
https://www.facebook.com/share/p/1FmVHhaFsu/
* أبو عبد الله الحسن بن محمد بن الحسين الروباني الطبري: رجل مجهول وهو الذي كان يقرأ كتاب السنة على علي بن أبي سعد الخباز.

كتاب السنة للخلال الجزء الثاني

توجد أسانيد أخرى لكتاب السنة للخلال زيادة على الذي ذكر على المخطوطة, نقلها بعض العلماء في كتبهم.

أ- السند الأول: رواية أبي إسحاق البرمكي و عبد العزيز الأزجي عن غلام الخلال إجازة عن أبي بكر الخلال. و هذا السند ذكره ابن رجب الحنبلي في “ذيل الطبقات”، حيث قال في ترجمة الآمدي: “وسمع منه بآمد أبو الحسن بن الغازي “السنَّة”؛ للخلال، عن أبي إسحاق البرمكي وعبد العزيز الأزجي”. انتهى
و ابن رجب لم يذكر أي رواية من كتاب السنة بهذا السند، وعليه فما قاله يثبت صحة نسبة الكتاب للخلال لا أن النسخة الرائجة سالمة من التحريف.
* فأما أبو اسحاق البرمكي فله إجازة من غلام الخلال وهو دون السنتين، وهذه الإجازة لا يُعتد بها عند جمع كبير من أهل العلم. وعلى قول من يعتد بها فإن البرمكي ليس له نسخة يوثق بها من كتاب السنة. و لا يصح القول بأن غلام الخلال قد دفع بكتاب السنة للبرمكي وهو صغير وأذن له بروايته عنه عندما يكبر، لأن الذهبي و الخطيب نصوا على الإجازة فقط دون المناولة.
وقد قام بعض المبتدعة من المجسمة بدفع نسخة سقيمة له و أوهموه بصحتها ، فرواها بعد ذلك بسلامة باطن.
* و أما سند عبد العزيز الأزجي من غلام الخلال فهو بالسماع و لم ينص أحد من المحدثين أن له إجازة منه. و الأزجي وُلد سنة 356 هجري كما ذكر ذلك الذهبي في السير. فيكون عمره على أقصى تقدير سبع سنين. وهذا سن لا يمكنه فيه ضبط كتاب يتألف من أكثر من ثلاث مجلدات ضخمة.

ب- السند الثاني: رواية أبي القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي سماعا وحده عن أبي بكر عبد العزيز، إجازة عن أبي بكر الخلال .
وهذه الطريق روى منها أبو يعلى أكثر من نص في كتاب “إبطال التأويلات.وليس هناك دليل صريح أن أبا يعلى قد تلقى الكتاب بسند متصل إلى الخلال بل هو مجرد ناقل من المخطوط المحرف المتداول في زمانه و يشهد لذلك قوله: ” ما نقلته من كتاب السنة” وقوله في ابطال التأويلات 2/402 عقب نصّ نقله عن السنَّة للخلال، : “هكذا فسره أبو بكر بن إبرة من أصحابنا، فيما وجدتُه معلّقًا بخطّه في حاشية “السنة”؛ لأبي بكر الخلال”. انتهى

فأبو يعلى كان ينقل من بعض النسخ المحرفة التي راجت في زمانه و لا دليل أن له سند صحيح لكـتاب السنة. وكم من الرسائل والروايات التي كان أهل العلم ينقلون منها وينصون على مذهب أحد الأئمة من خلالها، ويتبيَّن بالتحقيق أنها محرفة أو موضوعة.

ج- السند الثالث: رواية غلام الخلال في جزء له في السنة
هذا الجزء في السنة لغلام الخلال يعرف أيضا بمختصر السنة، و هو مخطوط يقع في المكتبة الظاهرية برقم 3750، ناسخه مجهول و الذي يروي عنه مجهول و السند المذكور عليه هو كالآتي:
“أخبرنا الشيخ الإمام قال أنبأنا أبو القاسم عبيد الله بن القاضي الإمام أبي الفرج علي بن محمد بن عمر بن الفراء أنبا أبو القاسم الحسين، وقال: أنبا المقلد بن ولويه من أول الجزء إلى باب النزول إجازة، ومن باب النزول إلى آخره سماعاً. أنبأ أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي أنبأنا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن داود بن معروف الفقيه “. انتهى

وأبو اسحاق البرمكي له إجازة عامة من غلام الخلال وهو دون السنتين، وهذه الإجازة لا يُعتد بها عند جمع كبير من أهل العلم. وعلى قول من يعتد بها فإن البرمكي ليس له نسخة يوثق بها من كتاب مختصر السنة لغلام الخلال. و لا يصح القول بأن غلام الخلال قد دفع بمختصره للبرمكي وهو صغير وأذن له بروايته عنه عندما يكبر، لأن الذهبي و الخطيب نصوا على الإجازة فقط دون المناولة. لذلك نجزم أن بعض المجسمة دفع له نسخ سقيمة من مرويات غلام الخلال و أوهمه بصحتها وجواز روايتها عندما يكبر.

د- السند الرابع: رواية أبي عبد الله بن بطة عن عبد العزيز بن جعفر عن أبي بكر الخلال
وهذه الطَّريق روى منها ابن بطة في كتابه الإبانة. و ابن بطة هو مجسم حنبلي له أوهام وأغلاط في الرواية. فقد قال الذهبي عنه في العبر في خبر من غبر: “وكان صاحب حديث، ولكنه ضعيف، من قبل حفظه”. انتهى
و قال عنه في المغني في الضعفاء: ” إمام لكنه لين صاحب أوهام”. انتهى
وقال في السير: “لابن بطة مع فضله أوهام وغلط”. انتهى

و قال أبو القاسم الازهري:”ابن بطة ضعيف ضعيف”. انتهى كما في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي و لسان الميزان الجزء 5 لابن حجر.
فهذا ابن بطة لا يعتمد عليه لا في الحديث و لا في نقل الروايات. بل إن ابن حجر و الخطيب البغدادي و أبو القاسم الأزهري و غيرهم أثبتوا عنه أنه وضاع، وأنه كان يحك أسماء الأئمة من كتب الحديث ويضع اسمه مكان الحاكي.

هـ- السند الخامس: رواية المجسم الحنبلي أبو محمّد محمود بن أبي القاسم بن بدران الآنميّ الدّشتيّ المتوفى سنة 661 هـجري عن الخلال: و ذلك في كتابه المسمى “إثبات الحدّ لله” و العياذ بالله. وهذا المجسم يروي عن الخلال في بعض المواضع من كتابه بسند منقطع و في مواضع أخرى من طريق ابن بطة الذي لا يُعتمد عليه في رواية الحديث و لا في نقل الروايات, بل إن كثيرا من العلماء قد أثبتوا عنه أنه وضاع، وأنه كان يحك أسماء الأئمة من كتب الحديث ويضع اسمه مكان الحاكي.

و- السند السادس: رواية إبراهيم بن محمد بن جعفر عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر عن الخلال: روى هذه الطريق ابن الجوزي في “تلبيس إبليس”. و ابن الجوزي رحمه الله لم يسق سوى بضعة أحاديث من طريق الخلال و لم يصرح بأنه نقلها من كتاب السنة.
قال ابن الجوزي: ” أخبرنا أبن ناصر نا أبو الحسين بن عبد الجبار نا عبد العزيز بن علي الأزجي نا إبراهيم بن محمد بن جعفر نا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر ثنا أبو بكر الخلال أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني ثني عبد الرحمن بن محمد بن سلام ثنا الحسين بن زياد المروزي قال سمعت سفيان بن عيينة يقول تفسير التوكل أن يرضى بما يفعل به وقال ابن عقيل يظن أقوام ان الاحتياط والاحتراز ينافي التوكل وإن التوكل هو إهمال العواقب وإطراح التحفظ”. انتهى

ز- السند السابع: رواية الخطيب البغدادي عن أحد شيوخه عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر عن الخلال:
قال أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي في غير موضع من كفايته: ” حُدِّثْتُ عن عبد العزيز بن جعفر الحنبلي قال: حَدَّثَنَا أبو بكر الخلال قال…” فهو يروي عن بعض شيوخه المجاهيل عن غلام الخلال عن أبي بكر الخلال، وهو سند منقطع لعدم معرفة شيخ الخطيب.

ر- السند الثامن: رواية ابن المبارك ، عَنْ إِبْرَاهِيم البرمكي ، عَنْ عبد العزيز الخلال عن أَبي بَكْرٍ الخلال.
ذكره أبو الحسين محمد بن الفراء الحنبلي المتوفى سنة 526 هـجري في طبقاته ولم يرو من طريقه إلا حديثا واحدا. وهذا السند فيه أبو اسحاق ابراهيم البرمكي و له إجازة من غلام الخلال وهو دون السنتين، وهذه الإجازة لا يُعتد بها عند جمع كبير من أهل العلم. وعلى قول من يعتد بها فإن البرمكي ليس له نسخة يوثق بها من كتاب السنة. و لا يصح القول بأن غلام الخلال قد دفع بكتاب السنة للبرمكي وهو صغير وأذن له بروايته عنه عندما يكبر، لأن الذهبي و الخطيب نصوا على الإجازة فقط دون المناولة. و الظاهر أن بعض المبتدعة من المجسمة بدفع نسخة سقيمة له و أوهموه بصحتها فرواها بعد ذلك بسلامة باطن

فالحاصل أن هذه الأسانيد لا تثبت سوى صحة نسبة كتاب السنة للخلال لا أنها سالمة من الدس و التحريف و التبديل. فهي إما من طريق إجازة لطفل عمره عامين رواها بعد أن كبر من نسخة سقيمة أو من سماع صبي عمره سبع سنوات أو من طريق بعض الضعفاء و الوضاعين. وما ينقله البعض من كتاب السنة للخلال فهو من باب الاعتماد على المخطوط المحرف المتداول في زمانهم و ليس لأنه بلغهم بالسند المتصل بالثقات، فلا حجة في ما ينقلونه في شيء.

بسم الله الرحمن الرحيم

1- شروط صحة السماع


لقد تنازع العلماء في السن الذي يصح فيه سماع الحديث على أربع أقوال:
القول الأول: ما ذهب إليه الجمهور أن أقله خمس سنين .
قال القاضي عِيَاضٌ في كتابه “الإلماع” أن أهل الصنعة حددوا أول زمن يصح فيه السماع للصغير بخمـس سنين”.
و قال ابن الصلاح في علوم الحديث: “التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين ، فيكتبون لابن خمس فصاعدا سمع، ولمن لم يبلغ خمسا حضر، أو أحضر . انتهى
القول الثاني: يعتبر في صحة سماعه التمييز، وإن كان سنه أقل من خمس وإن لم يكن كذلك لم يصح ، وإن زاد على السبع . و مما يدل على اعتبار التمييز في صحة سماع الصبي، ما ذكره ابن الصلاح في علوم الحديث حيث قال: “وعن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه سئل متى يجوز سماع الصبي للحديث ؟ فقال : إذا عقل وضبط ، فذكر له عن رجل أنه قال : لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة ، فأنكر قوله وقال : بئس القول”. انتهى
و نقله العيني في عمدة القاري
و قال الذهبي في الموقظة في علم مصطلح الحديث: ” واصطلح المحدثون على جعلهم سماع ابن خمس سنين سماعا و ما دونها حضورا و استأنسوا بأن محمودا – أي محمود بن الربيع الأنصاري – عقل مجة ، و لا دليل فيه. و المعتبر فيه إنما هو أهلية الفهم و التمييز”. انتهى

القول الثالث: لا يصح سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة. فقد نقل العيني في عمدة القاري: ” وقال يحي بن معين:” أقل سن التحمل خمسة عشر سنة” انتهى
ويستحب عشرين سنة كما قال أبو عبد الله الزبيري: “يستحب كتب الحديث في العشرين لأنها مجتمع العقل” انتهى كما في علوم الحديث لابن الصلاح
وقال موسى بن إسحاق : “كان أهل الكوفة لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا ، حتى يستكملوا عشرين سنة . وقال موسى بن هارون الحمال : أهل البصرة يكتبون لعشر سنين ، وأهل الكوفة لعشرين ، وأهل الشام لثلاثين”. انتهى ذكره ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث.

القول الرابع : لا يصح سماعه حتى يدرك سن البلوغ: وهو قول ابن المبارك و أبي منصور محمد بن المنذر بن محمد المراكشي الفقيه الشافعي.
قال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن السخاوي في كتابه فتح المغيث بشرح الفية الحديث مانصه: ” “منع قوم” القبول “هنا” أي : في مسألة الصبي خاصة ، فلم يقبلوا من تحمل قبل البلوغ ; لأن الصبي مظنة عدم الضبط ، وهو وجه للشافعية ، وعليه أبو منصور محمد بن المنذر بن محمد المراكشي الفقيه الشافعي . فحكى ابن النجار في ترجمته من تأريخه أنه كان يمتنع من الرواية أشد الامتناع ، ويقول : مشايخنا سمعوا وهم صغار لا يفهمون ، وكذلك مشايخهم ، وأنا لا أرى الرواية عمن هذه سبيله. وكذا كان ابن المبارك يتوقف في تحديث الصبي”. انتهى

2- الإجازة

الإجازة كما قال السيوطي في تدريب الراوي: ” قال شيخنا الإمام الشَّمني: الإجَازة في الاصطلاح إذنٌ في الرِّواية لفظًا, أو خطًّا, يُفيد الإخبار الإجمالي عُرفًا, وأركانها أربعة: المُجيز, والمُجَاز له, والمُجَاز به, ولفظ الإجَازة”. انتهى

وقد اختلف المحدثون في صحة الإجازة للطفل الصغير:
* فريق منهم أبطلها كشعبة وإبراهيم الحربي ، وأبي نصر الوائلي السجزي ، وأبي الشيخ الأصبهاني ، و القاضي حسين ، و أبو الحسن الماوردي ، وأبي بكر الخجندي الشافعي ، و القاضي حسين بن محمد المروروذي وأبي طاهر الدباس الحنفي و ابن الصلاح و ابن حزم و الحافظ صالح بن محمد بن عمرو الأسدي و أبي زرعة الرازي و أبي حنيفة وأبي يوسف وهي إحدى الروايتين عن الشافعي رضي الله عنه.
قال السيوطي في تدريب الراوي ما نصه: ” (وأبطلها – أي الإجازة – جماعات من الطوائف من المحدثين) كشعبة ، قال : لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة ، وإبراهيم الحربي ، وأبي نصر الوائلي ، وأبي الشيخ الأصبهاني ، والفقهاء : كالقاضي حسين ، والماوردي ، وأبي بكر الخجندي الشافعي ، وأبي طاهر الدباس الحنفي ، وعنهم أن من قال لغيره : أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع ، فكأنه قال : أجزت لك أن تكذب علي، لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع. (وهو إحدى الروايتين عن الشافعي) وحكاه الآمدي عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ونقله القاضي عبد الوهاب عن مالك . وقال ابن حزم : إنها بدعة غير جائزة “. انتهى
وقال: “(قال الشيخ ) ابن الصلاح ميلا إلى المنع ( ولم نسمع عن أحد يقتدى به الرواية بهذه ) قال: والإجازة في أصلها ضعف ، وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا”. انتهى
و قال ابن الصلاح في علوم الحديث بعد الكلام عن بطلان الإجازة للمعدوم و الذي لم يولد: “وهذا أيضا يوجب بطلان الاجازة للطفل الصغير الذي لا يصح سماعه”. انتهى
و قال أيضا بعد أن ذكر ادعاء الباجي للإجماع على جوازها ما نصه: ” هذا باطل ، فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة جماعات من أهل الحديث والفقهاء والأصوليين ، وذلك إحدى الروايتين عن الشافعي رضي الله عنه. روي عن صاحبه الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي لا يرى الإجازة في الحديث. قال الربيع: أنا أخالف الشافعي في هذا .وقد قال بإبطالها جماعة من الشافعيين منهم: القاضيان حسين بن محمد المروروذي وأبو الحسن الماوردي ، وبه قطع الماوردي في كتابه “الحاوي” وعزاه إلى مذهب الشافعي وقالا جميعا : لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة. وروي أيضا هذا الكلام عن شعبة وغيره. وممن أبطلها من أهل الحديث الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي ، وأبو محمد عبد الله بن محمد إلاصبهاني الملقب بأبي الشيخ والحافظ أبو نصر الوايلي السجزي. وحكى أبو نصر فسادها عن بعض من لقيه. قال أبو نصر: وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون: قول المحدث قد أجزت لك أن تروي عني تقديره أجزت لك ما لا يجوز في الشرع لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع. قلت – أي : ابن الصلاح -: ويشبه هذا ما حكاه أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي أحد من أبطل الإجازة من الشافعية عن أبي طاهر الدباس أحد أئمة الحنفية قال: من قال لغيره أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع فكأنه يقول أجزت لك أن تكذب علي” .انتهـى

وقال الحافظ السخاوي في فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي: ” وقال بالمنع جماعات من أهل الحديث والفقهاء كأشهب والأصوليين”. انتهى

وقال: “قال أحمد بن صالح المصري : إنها لا تجوز البتة بدون مناولة وقال ابن القاسم : سألت مالكا عن الإجازة ، فقال : لا أراها ، إنما يريد أحدهم أن يقيم المقام اليسير ، ويحمل العلم الكثير”. انتهى
وقال أيضا: “وعن ابن وهب : سمعت مالكا يقول لمن سأله الإجازة : ما يعجبني وإن الناس يفعلونه ، قال : وذلك أنهم طلبوا العلم لغير الله ، يريدون أن يأخذوا الشيء الكثير في المقام القليل . ومثل هذا قول عبد الملك بن الماجشون لرسول أصبغ بن الفرج في ذلك : قل له : إن كنت تريد العلم فارحل له”. انتهى
وقال أيضا: “زاد شعبة : وكل حديث ليس فيه ” سمعت قال : سمعت ” فهو خل وبقل ونحوه . وقول أبي زرعة الرازي : ما رأينا أحدا يفعلها ، وإن تساهلنا في هذا يذهب العلم ، ولم يكن للطلب معنى ، وليس هذا من مذاهب أهل العلم” انتهى

و قال: “وكذا قال صالح بن محمد الحافظ جزرة ، فيما ذكره الحاكم في ترجمته من تأريخه ، والخطيب في الكفاية : الإجازة ليست بشيء ، وحكاه الآمدي وابن الحاجب عن أبي حنيفة وأبي يوسف.كذاك للسجزي بكسر المهملة ثم جيم بعدها زاء نسبة لسجستان على غير قياس ، وهو أبو نصر عبيد الله بن سعيد الوائلي الحافظ ، أحد أصحاب الحاكم ، القول بإبطالها ، بل حكاه عن بعض من لقيه ، فقال : وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون : قول المحدث : قد أجزت لك أن تروي عني ، تقديره : أجزت لك ما لا يجوز في الشرع ; لأن الشرع لا يبيح ما لم يسمع”. انتهى

وقال: “ورواه السلفي في كتابه ( الوجيز في ذكر المجاز والمجيز ) من طريق الخليل بن أحمد السجستاني عن أبي طاهر . وكذا قال ابن حزم في كتابه ( الإحكام ) : الإجازة ، يعني المجردة التي يستعملها الناس ، باطلة ، ولا يجوز أن يجيز بالكذب ، ومن قال لآخر : ارو عني جميع روايتي ، أو يجيزه بها ديوانا ديوانا وإسنادا إسنادا ، فقد أباح له الكذب ، قال : ولم تأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه ، ولا عن أحد من التابعين وأتباعهم ، فحسبك بما هذه صفته. وكذا قال إمام الحرمين في البرهان : ذهب ذاهبون إلى أنه لا يتلقى بالإجازة حكم ، ولا يسوغ التعويل عليها عملا ورواية”. انتهى

* و فريق منهم أجازها للماهر بهذه الصناعة دون غيره.
قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم و فضله:” تلخيص هذا الباب أن الإجازة لا تجوز إلا لماهر بالصناعة حاذق بها، يعرف كيف يتناولها، ويكون في شيء معين معروف لا يشكل إسناده فهذا هو الصحيح من القول في ذلك”. انتهى

و جاء في تدريب الراوي للسيوطي ما نصه: “وقيل إن كان المجيز والمجاز عالمين بالكتاب جاز وإلا فلا ، واختاره أبو بكر الرازي من الحنفية”. انتهى

* وفريق منهم أجازها دون قيود
قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في علوم الحديث: “قال ‏‏الخطيب‏‏‏:‏ سألت ‏‏القاضي أبا الطيب الطبري‏‏ عن الإجازة للطفل الصغير، هل يعتبر في صحتها سنه أو تمييزه، كما يعتبر ذلك في صحة سماعه ‏؟‏ فقال‏:‏ لا يعتبر ذلك‏.‏ قال‏:‏ فقلت له‏:‏ أن بعض أصحابنا قال‏:‏ لا تصح الإجازة لمن لا يصح سماعه‏.‏ فقال‏:‏ قد يصح أن يجيز ذلك للغائب عنه ولا يصح السماع له‏.‏ واحتج ‏‏الخطيب‏‏ لصحتها للطفل‏:‏ بأن الإجازة إنما هي إباحة المجيز للمجاز له أن يروي عنه، والإباحة تصح للعاقل وغير العاقل‏. قال‏:‏ وعلى هذا رأينا كافة شيوخنا يجيزون للأطفال الغيب عنهم، من غير أن يسألوا عن مبلغ أسنانهم وحال تمييزهم‏.‏ ولم نرهم أجازوا لمن يكن مولودا في الحال‏”. انتهى
و قال السيوطي في تدريب الراوي ما نصه: “ومن المجوزين للعامة المطلقة (القاضي أبو الطيب) الطبري (والخطيب ) البغدادي ( وأبو عبد الله بن منده و ) أبو عبد الله ( بن عتاب والحافظ أبو العلاء ) الحسن بن أحمد العطار الهمداني ( وآخرون) كأبي الفضل بن خيرون ، وأبي الوليد بن رشد ، والسلفي ، وخلائق “. انتهى
وقال: “والصَّحيح الَّذي عليه العمل جَوَازه, وبه قطع الحُفَّاظ أبو الحسن الدَّارقُطْني و أبو العَّباس ابن عُقْدة, وأبو نُعيم الأصْبَهاني وأبو الفتح نصر المَقْدسي وفعله الحاكم, وادَّعى ابن طاهر الاتِّفاق عليه”. انتهى
و قال السخاوي:” ( لكن على جوازها ) أي : الإجازة ( استقرا عملهم ) أي : أهل الحديث قاطبة ، وصار بعد الخلف إجماعا ، وأحيا الله بها كثيرا من دواوين الحديث مبوبها ومسندها ، مطولها ومختصرها ، وألوفا من الأجزاء النثرية ، مع جملة من المشيخات والمعاجم والفوائد انقطع اتصالها بالسماع”. انتهى
وقال: “وممن اختار التعويل عليها مع تحقق الحديث إمام الحرمين ، وما أحسن قول الإمام أحمد : إنها لو بطلت لضاع العلم ، ولذا قال عيسى بن مسكين صاحب سحنون فيما رواه أبو عمرو الداني من طريقه : هي رأس مال كبير ، وهي قوية”. انتهى .
وقال: “وقال أبو الحسن ابن النعمة : لم تزل مشايخنا في قديم الزمان يستعملون هذه الإجازات ، ويرونها من أنفس الطلبات ، ويعتقدونها رأس مال الطالب ، ويرون من عدمها المغلوب لا الغالب ، فإذا ذكر حديثا أو قراءة أو معنى ما قالوا : أين إسناده ، وعلى من اعتماده ؟ فإن عدم سندا يترك سدى ، ونبذ قوله ، ولم يعلم فضله” انتهى
وقال: ( كذا ) المعتمد ( وجوب العمل ) والاحتجاج بالمروي ( بها ) ممن يسوغ له ذلك عند الجمهور ; لأنه خبر متصل الرواية ، فوجب العمل به كالسماع إلا لمانع آخر” انتهى