رد الشبهات عن إمام الحرمين
-الجزء الأول: قصة أبي المعالي الجويني مع أبي جعفر الهمذاني
قال الذهبي في السير: “الشيخ الإمام الحافظ الرحال الزاهد بقية السلف والأثبات ، أبو جعفر محمد بن أبي علي الحسن بن محمد بن عبد الله ، الهمذاني” . انتهى
وقال: “وكان من أئمة أهل الأثر ، ومن كبراء الصوفية” . انتهى
وقال: “قال السمعاني : كان خطه رديئا ، وما كان له كبير معرفة بالحديث على ما سمعت”. انتهى
توفي أبو جعفر سنة 531 هجري
2- ذكر قصة الهمذاني مع أبي المعالي الجويني
قال أبو جعفر الهمذاني: ” سمعت أبا المعالي الجويني وقد سُئل عن قوله تعالى: “الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى” -طه: 5- ، فقال: “كان الله ولا عرش”. وجعل يتخبّط في الكلام، فقلت: قد علمنا ما أشرت عليه، فهل عندك للضرورات من حيلة؟ فقال: ما تريد بهذا القول؟ وما تعني بهذه الإشارات؟ فقلت: ما قال عارف قط: يا ربّاه، إلا قبل أن يتحرك لسانه قام من باطنه قصد، لا يلتفت يَمْنَةً ولا يسرةً، يقصد الفوق، فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلةٍ؟! فنبئِّنا نتخلص من الفوق والتحت. وبكيتُ، وبكى الخلق، فضرب بكمِّه على السرير، وصاح بالحيرة، وخرق ما كان عليه، وصارت قيامة في المسجد، ونزل ولم يُجِبني إلا بـ: يا حبيبي، الحيرة الحيرة، والدهشة الدّهشة الدّهشة. فسمعت بعد ذلك أصحابَه يقولون: سمعناه يقول: حيَّرني الهمذاني”. انتهى
3- ذكر من نقل هذه القصة
القصة التي يتناقلها بعض الحشوية أن أبا المعالي الجويني قال: ” حيرني الهمذاني”، ذكرها:
– الذهبي في بعض كتبه منها: سير أعلام النبلاء، و كتاب العرش، و كتاب العلو، وتاريخ الاسلام.
– ابن تيمية في الانتصار لأهل الأثر، وزعم أنها حكاية مشهورة.
وأيضا في منهاج السنة النبوية، وفي بيان تلبيسه و الاستقامة، ومجموع الفتاوى.
– ابن القيم في اجتماع جيوشه.
– ابن أبي العز الحنفي في شرحه على الطحاوية.
4-أسانيد هذه القصة
أ- الاسناد الأول:
قال الذهبي في كتاب العرش، ما نصه: “ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس الاستاذ أبا المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين، وهو يتكلم في نفي صفة العلو ويقول: “كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان”. فقال الشيخ أبو جعفر: “يا أستاذ دعنا من ذكر العرش -يعني لأن ذلك إنما جاء في السمع- أخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يا الله، إلا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة على قلوبنا؟ قال: فلطم أبو المعالي على رأسه، وقال: حيرني الهمداني، حيرني”. انتهى
وهذه القصة في سندها انقطاع، فإن المقدسي توفي سنة 507 هـجري، والذهبي ولد سنة 673 هجري. فلا يصح الاحتجاج بها أصلا.
ثم إن محمد بن طاهر المقدسي قال عنه التاج السبكي في” الطبقات”، ما نصه: “وَابْن طَاهِر عِنْده تحامل على إِمَام الْحَرَمَيْنِ”. انتهى
وقد حاول الذهبي في “تذكرة الحفاظ” أن يدافع عن ابن طاهر
كما أثنى عليه في السير أيضا فقال: “ابن علي بن أحمد الإمام الحافظ ، الجوال الرحال ، ذو التصانيف أبو الفضل بن أبي الحسين بن القيسراني ، المقدسي الأثري ، الظاهري الصوفي” . انتهى
رغم اعترافه بأنه مطعون فيه.
قال الحافظ ابن حجر في “لسان الميزان” في ترجمة ابن طاهر المقدسي هذا متعقباً على الذهبي: “وقد ناضل عنه المؤلف في “طبقات الحفاظ” وطوَّل ترجمته..”. انتهى
و قال الذهبي في “الميزان” : “محمد بن طاهر المقدسي الحافظ: ليس بالقوي فإنه له أوهام كثيرة في تواليفه.
وقال ابن عساكر: جمع أطراف الكتب الستة فرأيته بخطه وقد أخطأ فيه في مواضع خطأ فاحشاً.
وقال ابن ناصر: كان لحنة وكان يصحف.
وقال : “محمد بن طاهر لا يحتج به صنف كتاباً في جواز النظر إلى المُرْد وكان يذهب مذهب الإباحة وكان لحنة مُصَحِّفَاً. وقال السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عنه فأساء الثناء عليه”. انتهى
و قال أبو سعد السمعاني : وسمعت أبا القاسم بن عساكر يقول : جمع ابن طاهر أطراف ” الصحيحين ” وأبي داود ، وأبي عيسى ، والنسائي ، وابن ماجه ، فأخطأ في مواضع خطأ فاحشا”.انتهى
ومما يدل أن القصة مفتراة، قولهم عن الجويني: ” يتكلم في نفي صفة العلو ويقول: “كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان”. انتهى
والجويني لم ينف الاستواء عن الله عز وجل، حتى في كتابه الارشاد، بل هو متبع فيه لعقائد السلف، حيث قال: “لا يبعد حمل الاستواء على قصد الإله إلى أمر فى العرش ، وهذا تأويل سفيان الثوري رحمه الله “. انتهى
فكيف يكون منكرا للاستواء وهو مثبت له، متبع للسلف في جواز تأويله. لكن لما كان هذا المذهب مخالفا لأهواء الحشوية، زعموا أن خصومهم بمن فيهم الجويني ينكرون أصل الاستواء، كالجهمية.
وصدق ابن السبكي لما قال في “الطبقات” إن الذهبي كان: “يسمع خرافات من طلبة الحنابلة فيعتقدها حقاً ويودعها تصانيفه”. انتهى
كما شهد بشار عواد معروف في تحقيقه على كتاب السير أن الذهبي كان يتصرف في العبارات، فقال في الحاشية ما نصه: ” تصرّف الذهبي تصرفاً كبيراً بعبارات ابن الأبَّار وهذه عادته”. انتهى
الاسناد الثاني:
▪︎قال الذهبي في تاريخ الإسلام ما نصه : “وقد أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه وغيره في كتابهم، عن الحافظ عبد القادر الرهاوي، أن الحافظ أبا العلاء الهمذاني أخبره، قال: أخبرني أبو جعفر الهمذاني الحافظ…”. انتهى
وهذه القصة في سندها:
الذهبي ولد سنة673 هجري
– يحيى بن أبي منصور الفقيه توفي سنة 678
أي أن الذهبي كان عمره خمس سنوات لما توفي يحي بن منصور، فإذا أضفنا أنه اختلط في آخر عمره فحجبه ولده عن الناس، كما نقل ذلك ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة، فمعنى ذلك أن هذا الفقيه الحنبلي قد احتجب عن الناس وللذهبي ثلاث سنوات فقط. ولعله تغير واختلط قبل ذلك.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/15y4arCi4W/
فالذهبي روى عن يحيى الصيرفي بالإجازة، كما أفاده ابن رجب الحنبلي في ذيل طبقات الحنابلة، حيث قال عنه : “ذكره الذهبي. وروى عنه بالإجازة”. انتهى
وهذا حال أسانيد الذهبي من طريق أبي زكريا يحيى بن أبي منصور الحراني الحنبلي. وقد أصاب التاج السبكي لما طعن في هذه الإجازة، حيث قال في طبقات الشافعية: «قد تكلَّف – أي الذهبي- لهذه الحكاية وأسندها بإجازة على إجازة مع ما في إسنادها ممن لا يخفى محاطه على الأشعري وعدم معرفته بعلم الكلام». انتهى
وهذه القصة انتقدها حتى بعض نسَّاخُ الكتب كمحمد المظفري؛ فقد كتب على هامش تاريخ الإسلام للذهبي بقرب هذا الخبر ما نصُّه: «من طالع كتاب الشامل لإمام الحرمين قطع بكذب هذه الحكاية. قاله محمد المظفري لطف الله به». ثم كرّرها ثانية عند ذكر القصة.
و محمد المظفري كانت له العديد من التوقيعات على أجزاء حديثية، وكان له اهتمام بسماع الحديث، وهو من أبناء القرن العاشر؛ ففي مسند بلال بن رباح رضي الله عنه لأبي عليّ الزعفراني -وهو منشور بمجلة البحوث الإسلامية، 14/ 233-: قرأ محمد المظفري جميع هذا الجزء على سيدنا الشيخ بدر الدين محمد بن المحبّ، أنا شيخ الإسلام أحمد بن حجر بسنده فيه. سمعه الشيخ العلامة جلال الدين البلبيسي، وأجاز المسمع بتاريخ ثالث وعشرين ربيع الثاني من اثني عشر وتسع مئة.
والعجب من الألباني كيف يتجرأ على تصحيح هذه القصة حيث قال في مختصر العلو: ” إسناد هذه القصة مسلسل بالحفاظ، وأبو جعفر اسمه محمد بن أبي علي الحسن بن محمد الهمذاني مات سنة (531)، وقد وصفه ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( ج4/44) بالشيخ العارف”.انتهى
و قال المدعو جيلان بن خضر العروسي في كتاب الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية: ” قد أجاز الرواية بالإجازة أغلب العلماء في الحديث النبوي مع تشددهم في تحمل الحديث النبوي، فكيف بغيره من الروايات والحكايات كهذا الذي نحن فيه؟ ثم إن السبكي نفسه ممن يقول بجواز الإجازة كما صرح به في كتابه جمع الجوامع: 3/ 174. انتهى
وجوابه أن يقال أن الرواية بالإجازة اختلف فيها المحدثون.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/1Cs5NpjgRo/
والاجازة هي الاذن بالرواية، وصورتها أن يقول الشيخ لأحد طلابه: ” أجزت لك أن تروي عني هذا الكتاب مثلا” ، وهذه ليست الحال هنا إذ يحيى بن أبي منصور قد اختلط قبل وفاته بعامين، وحجبه أبناءه، أي عندما كان عمر الذهبي ثلاث سنوات.
فهذه الإجازة من أضعف أنواع الإجازات، لأن صورتها هنا إجازة شيخ طاعن في السن، مختلط، لغير تلاميذه. والذهبي ليس من تلاميذ يحي بن منصور، فلا يدخل أصلا في نوع الإجازات التي عليها خلاف بين المحدثين.
وعموما فالرواية بالاجازة، هي تحمل هزيل لا ينبغي التساهل في قبوله. فهل مثل هذه القصة الخرافية، بغض النظر عن تفاهة محتواها، تثبت بمثل هذ الاسناد.
الاسناد الثالث:
▪︎ قال الذهبي في كتاب العلو ما نصه: “قال أبو منصور بن الوليد الحافظ في رسالة له إلى الزنجاني، أنبأنا عبد القادر الحافظ بحران، أنبأنا الحافظ أبو العلاء، أنبأنا أبو جعفر بن أبي علي الحافظ فقال: سمعت أبا المعالي الجويني وقد سئل عن قوله: ” الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى” – طه: 5- فقال: كان الله ولا عرش، وجعل يتخبط في الكلام…”. انتهى
وهذه الرواية نقلها الذهبي المولود سنة 673 هجري عن أبي منصور عبدالله بن الوليد الحريمي الحنبلي البغدادي المتوفى سنة 643 هـجري، أي أن الحريمي توفي قبل ولادة الذهبي بثلاثين سنة.
كما نقلها ابن تيمية المولود سنة 661 هجري في نقض التأسيس عن الحريمي أيضا، أي أن الحريمي توفي قبل ولادة ابن تيمية بثمانية عشرة سنة. وهذا يعني أن الذهبي وابن تيمية لم يسمعا من الحريمي هذه القصة مباشرة.
وبالتالي فالرواية منقطعة، ويكون كل من الذهبي وابن تيمية قد نقلا من رسالة وُجدت موجهة من الحريمي إلى الفقيه محمود الزنجاني ولم يسمعاها منه.
***********
الجزء الثاني: شبهة نهيه عن علم الكلام
▪︎ قال الذهبي في العلو: “قال الحافظ الحجة عبد القادر الرهاوي: سمعت عبدالرحيم ابن أبي الوفاء الحاجي يقول: سمعت محمد بن طاهر المقدسي يقول: سمعت الأديب أبا الحسن القيرواني بنيسابور يقول: وكان يختلف إلى دروس الأستاذ أبي المعالي الجويني يقرأ عليه الكلام يقول: ” سمعت الأستاذ أبا المعالي اليوم يقول: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أنّ الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به”. انتهى
وهذه القصة منقطعة السند، فالذهبي ولد سنة 673 هجري، وعبد القادر الرهاوي توفي سنة 612 هجري، أي قبل ولادة الذهبي بأكثر من ستين سنة.
ثم إن الرهاوي، رغم وثاقته، فقد قال عنه الذهبي نفسه في “تذكرة الحفاظ”: ” وله أوهام نبهت على مواضع منها في الأربعين له ومع حفظه ومعرفته فغيره أتقن”. انتهى
وقال شرف الدين الإربلي في “تاريخ إربل” كان في أخلاقه بعض الشراسة وعنده شيء من كِبْرٍ “. انتهى
ثم إن سند الرواية فيه:
أ- محمد بن طاهر المقدسي : قال عنه التاج السبكي في” الطبقات”، ما نصه: “وَابْن طَاهِر عِنْده تحامل على إِمَام الْحَرَمَيْنِ”. انتهى
وقد حاول الذهبي في “تذكرة الحفاظ” أن يدافع عن ابن طاهر،
كما أثنى عليه في السير أيضا فقال: “ابن علي بن أحمد الإمام الحافظ ، الجوال الرحال ، ذو التصانيف أبو الفضل بن أبي الحسين بن القيسراني ، المقدسي الأثري ، الظاهري الصوفي” . انتهى
وهذا كله مع اعترافه بأنه مطعون فيه، فقد قال الذهبي في “الميزان” : “محمد بن طاهر المقدسي الحافظ: ليس بالقوي فإنه له أوهام كثيرة في تواليفه. انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في “لسان الميزان” في ترجمة ابن طاهر المقدسي هذا متعقباً على الذهبي: “وقد ناضل عنه المؤلف في “طبقات الحفاظ” وطوَّل ترجمته..”. انتهى
وقال ابن عساكر: “جمع أطراف الكتب الستة فرأيته بخطه وقد أخطأ فيه في مواضع خطأ فاحشاً”. انتهى
وقال ابن ناصر: كان لحنة وكان يصحف.
وقال : “محمد بن طاهر لا يحتج به صنف كتاباً في جواز النظر إلى المُرْد وكان يذهب مذهب الإباحة وكان لحنة مُصَحِّفَاً. وقال السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عنه فأساء الثناء عليه”. انتهى
و قال أبو سعد السمعاني : وسمعت أبا القاسم بن عساكر يقول : جمع ابن طاهر أطراف ” الصحيحين ” وأبي داود ، وأبي عيسى ، والنسائي ، وابن ماجه ، فأخطأ في مواضع خطأ فاحشا”. انتهى
ب – الأديب أَبُو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنُ فَضَّالِ بنِ عَلِيِّ بنِ غَالِبٍ، المُجَاشِعِيُّ، القَيْرَوَانِيُّ، التَّمِيْمِيُّ، الفَرَزْدَقِيُّ المتوفى سنة 479 هجري صاحب النكت في القرآن الكريم.
قال الذهبي في السير: “وَقَدْ وَعَدَهُ إِمَامُ الحَرَمَيْنِ بِأَلفِ دِيْنَار عَلَى “الإِكسير”، فَأَلَّفه، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءته عَلَيْهِ، لَمْ يُعْطه شَيْئاً، فَتَوَعَّده بِأَنَّ يَهْجُوهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ: عِرْضِي فدَاؤك”. انتهى
وهذه القصة الغريبة أوردها القفطي في انباه الرواة، ويكفي في بيان وضعها ،أن الجويني قد قرأ الاكسير على المجاشعي فمدحه هذا الأخير بقوله: ما رأيت عاشقا للعلم مثل هذا الإمام، فإنه يطلب العلم للعلم”. انتهى
ثم كيف يُتصور بهذه السخافة أن يقول الجويني مثل تلك العبارة وهو القائل: ” ما تكلمت في علم الكلام كلمة حتى حفظت من كلام القاضي أبي بكر اثني عشر ألف ورقة”. انتهى
▪︎ قال الذهبي في كتابه العلو: “وقال الفقيه أبو عبدالله الرستمي الذي أجاز لكريمة: حكى لنا الإمام أبو الفتح محمد بن علي الفقيه قال: دخلنا على الإمام أبي المعالي بن الجويني نعوده في مرض موته، فأقعد فقال لنا: “اشهدوا عليَّ أني قد رجعتُ عن كل مقالة قلتها أخالف فيها ما قال السلف الصالح، وإني أموت على ما تموت عليه عجائز نيسابور”. انتهى
و هذا السند منقطع أيضا:
– الفقيه الشافعي أبو عبدالله الحسن بن العباس بن علي الرستمي: توفي سنة 561 هجري، كما ذكر ذلك الذهبي في السير. وليس هو أبو طاهر مِطْيَار بن أحمد الرُّسْتُمِي الأصبهاني المتوفى سنة 469هـجري الذي نقل عنه الدشتي تكفيره للأشعرية.
وهذا الفقيه توفي قبل الذهبي بعقود طويلة
– أبو الفتح محمد بن علي الفقيه: رجل مجهول الحال. سكت عليه الألباني، ولم يورد له البراك ترجمة.
**********
حال أسانيد الذهبي من طريق أبي زكريا يحيى بن أبي منصور الحراني الحنبلي
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء عند ترجمةِ الإمام أحمد : ” لا كرسالة الاصطخري ، ولا كالرد على الجهمية ، الموضوع على أبي عبد الله فإن الرجل كان تقياً ورعاً لا يتفوه بمثل ذلك ، ولعله قاله ” . انتهى
وكلمة “ولعله قاله” في النص تفيد أمران:
– إما أنها مدسوسة من قبل بعض المبتدعة في كلام الذهبي كما قال ابن الوزير اليماني في العواصم والقواصم.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/1PtTa5WJHc/
– وإما أن الذهبي يعتقد أن أغلب متن كتاب الرد على الجهمية منحول عليه، لا جميعه،
قال شعيب الأرنؤوط محقق كتاب السير ما نصه: “ينفي غير واحد من أهل العلم ومنهم المؤلف نسبة هذا الكتاب إلى الإمام أحمد، فقد رواه عن عبد الله بن الإمام أحمد الخضر بن المثنى، وهو مجهول، والرواية عن مجهول مقدوح فيها، ومطعون في سندها”. انتهى
– و إما أن أن الذهبي بقي متشككا في صحة نسبة الكتاب للإمام أحمد أو لابنه عبد الله بن الإمام أحمد.
بدليل أنه روى أشياء من ذلك الكتاب إجازة، فقد قال في سير أعلام النبلاء ما نصه “: أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه ، إجازة ، أخبرنا عبد القادر الحافظ ، أخبرنا محمد بن أبي نصر بأصبهان ، أخبرنا حسين بن عبد الملك ، أخبرنا عبد الله بن شبيب ، أخبرنا أبو عمر السلمي ، أخبرنا أبو الحسن اللبّانِي ، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب “الرد على الجهمية” له ، قال : حدثني أحمد بن إبراهيم الدُّورقي ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال : سألت ابن المبارك : كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا ؟ قال : على السماء السابعة على عرشه ، ولا نقول كما تقول الجهمية : إنه هاهنا ، في الأرض”. انتهى
فهنا أورد الذهبي رواية عن أحمد بن إبراهيم الدورقي والذي نقلها عنه هو عبد الله بن الامام أحمد وليس الامام أحمد
وقال: “في كتاب الرد على الجهمية له”. اي لعبد الله بن الامام أحمد.
– وإما أن للإمام أحمد كتاب بعنوان الرد على الجهمية، وكذلك ابنه
له كتاب بنفس العنوان. فكان متشككا في صحة نسبة الكتاب الأول للإمام أحمد، وكان يروي الكتاب الثاني بسنده إجازة للإمام عبد الله، أو أن هناك تحريف في السند المذكور في السير.
وظاهر ما تقدم أن الذهبي له سند لكتاب الرد على الجهمية، وأيضا بعض المرويات من طريق شيخه يحيى بن أبي منصور الفقيه. فقد قال في السير أيضا: ” أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه في كتابه أخبرنا الحافظ عبد القادر بن عبد الله ، أخبرنا مسعود بن الحسن ، أخبرنا إبراهيم بن محمد الطيان ومحمد بن أحمد السمسار ، قالا : أخبرنا إبراهيم بن عبد الله التاجر…..”. انتهى
ويتلخص مما سبق، أن أسانيد الذهبي من طريق أبي زكريا يحيى بن أبي منصور الحراني الحنبلي المعروف بابن الصيرفي، إما إجازة أو مناولة، وليست سماعا ولا تحديثا.
وإذا علمنا أن الذهبي ولد سنة 673 هجري وأن يحي بن أبي منصور الفقيه توفي سنة 678 هجري، نجد أن الذهبي أجيز بكتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل، على أقصى تقدير، وهو في سن الخامسة فقط.
فالذهبي وهو طفل عمره خمس سنوات تمت إجازته في كتاب عن كفر الجهمية ومقالاتهم، وهو لا يحسن بعد دقائق علم التوحيد وقواعد التكفير.
بل الأدهى والأمر، أن يحيى بن أبي منصور قد اختلط في آخر عمره فحجبه ولده عن الناس.
قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة، عند ترجمته : ” وكان قد عمر وتغير من الهرم قبل موته بعامين أو أكثر. فحجبه ولده”. انتهى
وهذا يعني أن هذا الفقيه الحنبلي قد احتجب عن الناس وللذهبي ثلاث سنوات فقط. ولعله تغير واختلط قبل ذلك.
وهذا حال أسانيد الذهبي من طريق أبي زكريا يحيى بن أبي منصور الحراني الحنبلي. وقد أصاب التاج السبكي لما طعن في هذه الإجازة في معرض رده على قصة أبي جعفر الهمذاني مع أبي المعالي الجويني.
