- مناقشة نقدية لقاعدة ابن تيمية في إثباته للعلو الحسي لله
- بيان أن الله لا داخل العالم ولا خارجه
- الرد على شبهة المجسمة في قولهم: هل الله خلقَ هذا الكونَ داخلَ ذاتهِ، أو خارجَه؟
- كتاب الرد على الجهمية المنسوب للإمام أحمد بن حنبل
- شبهة المجسمة حول رفع النقيضين
- معنى قول بعض السلف : “الله بائن من خلقه”
- لله تعالى صدقة جارية و عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي
مناقشة نقدية لقاعدة ابن تيمية في إثباته للعلو الحسي لله
قال ابن تيمية في تقريره لقاعدة سماها «قاعدة عظيمة في إثبات علوه تعالى» ما نصه: «إن علو الله تعالى واجب بالعقل الصريح، والفطرة الإنسانية الصحيحة. وذلك أن يقال: كان الله ولا شيء معه، ثم خلق العالم؛ فلا يخلو: إما أن يكون خلقه في نفسه وانفصل عنه، وهذا محال، تنزهاً لله عن مماسة الأقذار وغيرها؛ أو أن يكون خلقه خارجاً عنه ثم دخل فيه، وهذا محال أيضاً، تعالى أن يحل في خلقه. وهاتان لا نزاع فيهما بين أحد من المسلمين. وإما أن يكون خلقه خارجاً عن نفسه الكريمة ولم يحل فيه، فهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره، ولا يليق بالله إلا هو». انتهى.
غير أن هذا التقرير، عند التأمل الدقيق، يشتمل على تناقض داخلي، إذ إن أوله ينقض آخره. فقد قرر ابن تيمية في صدر كلامه أن «الله كان ولا شيء معه»، وهو تعبير يفيد أن الله تعالى في الأزل لم يتعلق به «داخل» ولا «خارج»، ولا «يمين» ولا «شمال»، لأن هذه كلها من لوازم الموجودات الحادثة المقيدة بالمكان، بينما وجود الله سبحانه أزلي. وهذا أمر لا نزاع فيه، عند ذوي العقول السوية.
وبناءً على هذا الأصل، فإن وجود الله تعالى وجود واجب أزلي، ووجود العالم وجود حادث ممكن. فبين الوجودين مباينة تامة فلا تلازم بينهما، ولا تماثل في وجودهما.
ومن ثمّ فإن مفهومي «الداخل» و«الخارج» لا يصحّ حملهما على الخالق سبحانه، لأنهما وصفان لا يليقان بالقديم الأزلي.
فلا يجوز القول أن الله خلق العالم خارج ذاته، لأن الخروج لا يتعلق به من أصله، ولا يقال خلقه داخل ذاته، لأن الدخول لا يتعلق بالأزلي كذلك.
فكلا التصورين – الداخل والخارج – ممتنع في حق الله تعالى.
ويُشبه هذا الإشكال السؤال المشهور الذي يورده الملاحدة في مقام السخرية: «هل يستطيع الله أن يدخل في بيضة ثم يخرج منها؟».
وهو سؤال فاسد من أصله، لأن القدرة لا تتعلق بالمستحيلات العقلية، وكذلك هنا، فإن قدرة الله تتعلق بالابراز من العدم إلى الوجود، و لا تتعلق بكون العالم داخل ذاته والعياذ بالله او خارجه بمسافة مخصوصة تفصل الأزلي عن الحادث.
ولو جاز ذلك فتكون قضية دخول العالم وخروجه عن ذات الله بالنسبة للقدرة سواء، فيقتضي ذلك القول بأنه لو جاز الأول جاز الثاني عقلا، وهذا لا يقول به موحد من أصله.
ومن ثم، فالتنزيه الحق هو أن يقال: إن الله تعالى خلق العالم لا في ذاته ولا خارجاً عنها بمسافة محددة، بل خلقه على وفق إرادته ومشيئته من غير أن يلزم عن ذلك أن يكون العالم في جهة من الله عز وجل.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/1CtYjfzhGU/

بيان أن الله لا داخل العالم ولا خارجه
1- اثبات صحة القول أن الله لا داخل العالم ولا خارجه
في الأزل لم يكن الا الله عز وجل، بدليل قوله تعالى: ” هو الأول “، أي كان الله ولا عالم ، ولا عرش ولا سماء ولا مكان، ولا جهات، ولا غيره من المخلوقات.
وهذا يدل دلالة قطعية أنه ليس من شرط الوجود التحيّز في المكان والجهة، وهذا يؤكده حديث البخاري رضي الله عنه: ” كان الله ولم يكن شيء غيره”.
وهذا معناه أيضا أن الله يقال عنه أنه موجود : ” لا داخل ولا خارج العالم”. فلو كان عز وجل في جهة من العالم أو داخله لكان له أمثال لا تحصى.
فلو كان داخل العالم مثلا لصار من جنسه، فيجب له تعالى ما وجب للعالم، أي هو صار من قبيل الأجسام ومادة العالم، لأنه إن كان داخل العالم يكون جزءاً منه، وما كان جزءاً من شيء كان مماثلاً له في الجنس. وهذا محال عليه عز وجل.
ولو كان الله خارجا عن العالم لكان منفصلا عنه، وهذا قول المشبهة، فيقال لهم: “هل على زعمكم إنفصاله عن العالم بمسافةٍ أم بدون مسافة؟
فإن قالوا بدون مسافة فقد جعلوه مماساً للعالم، ونقضوا بذلك مذهبهم، وإن قالوا: بدون مسافة أي غير مماس، فيقال لهم: إذن توجد مسافة بين الله وبين العالم، فإما أن تكون وجودية أو عدمية، فإن كانت عدمية رجعنا إلى المماسة، وإن كانت وجودية، فنقول له: هل هي من ضمن العالم أو من غير العالم؟
فإن قالوا أنها غير العالم، تبين لنا جهلهم بمعاني ما يقولون؛ لأن كل ما سوى الله فهو من العالم، وهو مخلوق، وإن قالوا: هي من العالم، فيلزمهم القول بأنَّ الله تعالى منفصل عن العالم بشيء من العالم، وهذا تناقض، ويلزمهم أيضاً أن الله مماس للعالم.
فإن قالوا: هذا الكلام صحيح قبل أن يخلق الله العالم، ولكن بعد خلقه، فإما أن يكون خارجه أو داخله.
فيقال لهم: هذا يلزمكم أن تقولوا: إن الله تعالى تغيَّر وطرأ عليه وصف، وهذا القول باطل. وإن قلتم: إنه لم يتغير قبل وبعد خلق العالم، فكيف تقولون: إنه صار في جهةٍ من العالم، والعالم في جهةٍ منه بعد أن خلقه، هذا تناقض، لاسيما وأنكم تزعمون أن الجهة وصف كمال لا نقص.
وتخبط المشبهة و الفلاسفة في هذه القضية منشؤه أنهم لا يتصورون موجودا الا في مكان و حيز وجهة، وهذا معتقد باطل، لأن الله موجود ليس كسائر الموجودات، لا يشبهها، هو كان موجودا بلا مكان، فلما خلق السماوات والعرش وبقية العالم، لم يتغير عز وجل ولا اكتسب صفة جديدة.
وهذا ما عليه الإمام أبو الحسن الأشعري كما نقله عنه البيهقي في الأسماء والصفات
– قال الغزالي في إحياء علوم الدين: ” ان الله تعالى مقدس عن المكان ومنزه عن الأقطار والجهات وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا هو متصل به ولا منفصل عنه” انتهى
– وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام في كتابه (القواعد) “أنه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه ولا منفصل عن العالم ولا متصل به”. انتهى
– و قال الإمام أبو القاسم سَلْمان الأنْصاري المتوفى سنة 512 هـجري في شرح الارشاد: “ولسنا نَعْنِي بقولنا: “إنَّ الله تعالى ليس في العالَمِ ولا خارجَ العالَمِ” نفيَ وجودِهِ سبحانَهُ، كما نَسَبَنا إلى ذلك المجسِّمةُ، وإنما نعني بذلك إثباتَ موْجُودٍ غيْرِ مَحْدُودٍ بوجهٍ، ومَنْ أثبتَ لله سبحانَهُ حدّا ونهايةً من وجهٍ فلزمُهُ إثباتُ النهايةِ من سائر الجهات”. انتهى
– وقال الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه دفع شبه التشبيه”: وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخل في العالم وليس بخارج منه لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات”. انتهى
– وقال الشيخ محمد عربي التبان في كتابه براءة الأشعريين، ما نصه: “وقد زعم المشبهة أن من يعبد إلهاً لا يكون داخل العالم ولا خارجاً عنه يعبد إلهاً معدوماً، وجمهور الأمة الإسلامية قالوا أنه تعالى لا يوصف بأنه داخل العالم ولا خارج عنه، لأن الدخول والخروج من صفات الحوادث”. انتهى
وهذا أيضا قرره أبو عبد الله سيدي محمد بن جلال، والعلامة محمد بن مسعود البناني المالكي في جوابه على بعض علماء مصر.
2- نقض الشبهات التي يحتج بها المشبهة في انكارهم مقالة: الله لا داخل العالم ولا خارجه
من الشبهات التي يحتج بها المشبهة في هذا الباب:
أ- ادعاءهم ان القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه هو رفع للنقيضين، وجواب ذلك تحت الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/12EYP4ZKUSM/
ب- قولهم لأهل السنة؛ هل الله خلق العالم داخل ذاته أو خارجه. وجواب ذلك تحت الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/16JQ4299Tc/
ج- زعمهم أن ابن كلاب أنكر أن يقال أن الله لا داخل العالم ولاخارجه، واحتجوا بما نقله السفارينيُّ في «لوامع الأنوار البهية» حيث قال: «قَالَ ابْنُ كُلَّابٍ فِي كُتُبِهِ: أُخْرِجَ مِنَ الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ. وَحَكَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ، وَإِنَّهُ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ.. هَذَا لَفْظُ حِكَايَةِ الْأَشْعَرِيِّ. وَحَكَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ فُورَكَ فِيمَا جَمَعَهُ مِنْ مَقَالَاتِهِ فِي كِتَابِ الْمُجَرَّدِ: أُخْرِجَ مِنَ النَّظَرِ وَالْخَبَرِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا هُوَ فِي الْعَالَمِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ، فَنَفَاهُ نَفْيًا مُسْتَوِيًا، لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ: صِفْهُ بِالْعَدَمِ؟ مَا قَدِرَ أَنْ يَقُولَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا» انتهى.
وهذا الكلام لا يثبت عن ابن فورك ولا هو مذكور في كتاب مجرد مقالات الأشعري، بل هو من افتراءات المجسمة عليه.
د- قولهم أن الصفاتَ توقيفيةٌ، فلا يجوز إطلاقُ وَصْفٍ على البارئ إلا بكتابٍ أو سُنَّةٍ صحيحةٍ أو إجماعٍ.
وجواب ذلك أن يقال: القول بأن الله لا داخل ولا خارج العالم موافق لقول السلف الصالح أن الله بائن من خلقه، أي مغاير لهم ومخالف لهم. فالعبارتين بنفس المعنى الا أن المجسمة جعلت المباينة بالجهة والمسافة.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/1EoxBV8Tdq/
هـ- قولهم: “إن الذي ينعتون البارئ عز وجل بـأنه لا داخل العالَم ولا خارج العالَم، هم قوم أضاعوا ربهم، وهم لا يعبدون الا العدم.
وجواب ذلك أن يقال أن الله عز وجل كلفنا بالايمان بوجوده، وانه موصوف بما وصف به نفسه بلا كيف، و من غير أن نتصوره في الأوهام والأذهان. فليس من ضرورة الوجود ولا شرطه، التحيز في المكان، او إثبات الجهة.
فنفسُ الشخص مثلا وما قام بها من الأعراض ليست منه بجهة، وهي موجودة.
وكذلك العرض القائم بجوهر لا يوصف بكونه داخلاً فيه ولا خارجًا منه.
وعليه فالقول بأن وصف البارئ بـأنه لا داخل العالَم ولا خارج العالَم، معناه أنه معدوم؛ هو قول ساقط، فانّا لا نسلم أن ذلك يفضي إلى مساواته بالمعدوم ، والا فهؤلاء أنفسهم يقرون أن الله كان موجودا قبل خلق العالم، فكيف يقولون أنه كان معدوما؟
ويقال للمجسمة: هل كان لله في الأزل خارجٌ و داخلٌ ؟
إن قالوا: لا، فقد نفوا التحيز والمكان عن الله، وقالوا بقول أهل التنزيه.
و إن قالوا: نعم، كفروا، وأقروا على أنفسهم بأن الله جسم محدودٌ وله جهاتٌ ومكانٌ معه في الأزل، أي أن تلك الجهات وذلك المكان غير مخلوق، وقائل هذا كافرٌ بلا شك.
ويقال لهم أيضا: قبل أن يخلق الله العالم، هل كان يوصف بأنه خارجه أو داخله ؟
فإن قالوا: كان داخل العالم، فيقال لهم: فالعالم غير موجود بعد، وإن قالوا: خارج العالم، فكذلك العالم غير موجود، فكيف يكون خارجه أو داخله، فقولهم هذا تهافت!
ونلزمهم أن يقولوا: الله في هذه الحالة لا خارج العالم ولا داخله، وإن أنكروا أقروا على أنفسهم بالجهل.
**************
الرد على شبهة المجسمة في قولهم: هل الله خلقَ هذا الكونَ داخلَ ذاتهِ، أو خارجَه؟
من الشبهات التي روج لها المجسمة، كلاما نسبوه للإمام أحمد، حيث زعموا أنه قال في كتاب الرد على الجهمية والزنادقة : ” وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أن الله في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، فقل: أليس الله كان ولا شيء؟
فيقول: نعم. فقل له: حين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا من نفسه؟ فإنه يصير إلى ثلاثة أقوال، لابد له من واحد منها.
إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه كفر، حين زعم أن الجن والإنس والشياطين في نفسه .
إن قال: خلقهم خارجا من نفسه ثم دخل فيهم، كان هذا كفرا أيضا، حين زعم أنه دخل في كل مكان و حش قذر رديء. وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه، ثم لم يدخل فيهم. رجع عن قوله كله أجمع، وهو قول أهل السنة”. انتهى
وجواب ذلك أن يقال أن كتاب الرد على الجهمية والزنادقة لا يصح نسبته إلى الإمام أحمد رحمه الله.
راجع الرابط التالي
https://www.facebook.com/share/p/19XxDtW2qQ/
لكن المجسمة تلقفوا كلام الإمام أحمد وأعادوا صياغته ردا على أهل التنزيه، فقالوا بزعمهم: “نلزمكم بإلزامات لا فكاك لكم عنها:
أ- «إما أن يكون البارئ خلقَ هذا الكونَ داخلَ ذاتهِ، حالًّا فيها».
ب – و«إما أن يكون خلقَهُ خارجَ ذاته بائناً عنها»
ج – و«إما أن يكون خلقَهُ لا خارجَ ذاته ولا داخلها»
فإن قُلْتُمْ بالأوَّلِ فقد وافقتم الاتحادية والحُلولية وأهل الوحدة المُطلقة، ولا كلام لنا معكم.
وإن قُلتم بالثاني فقد أبطلتُم مقالتكُم ورجعتُم إلى قولنا.
وان قلتم بالثالث فهذا اعدام للعالم وشك في اثبات مكان العالم، ومعلوم أن للعالم مكان وحيز.”
وجواب هذه الشبهة المتهافتة ان يقال أن هذه الالزامات قد قامت على الوهم والخيالات، ولا مجال للوهم في هذا الباب.
وإلا فإن مصحح الاتصاف بالدخول والخروج هو الحجمية او الجسمية، كقولنا أن مصحح الاتصاف بالعلم أو الجهل هو الاتصاف بالحياة، فلا يقال عن الحجر مثلا عالم او جاهل.
ولما قامت الأداة القطعية؛ النقلية والعقلية، على تنزيه الله عن الاتصاف بالجسمية والحجمية، انتفى عنه اتصافه بأنه داخل العالم أو خارجه.
فيقال للمشبه: من جاز عليه أن يكون خارجا جاز عليه أن يكون داخلا، و الله موجود لا داخل العالم ولا خارجه، لكن مصيبة المشبه أنه يقيس الخالق على المخلوق، ولا يتصور موجودا إلا وهو في مكان.
ثم يقال له: ” الله خلق العالم لا في ذاته، و دون تمكنه سبحانه وتعالى في جهة ومكان من العالم، ودون أن يكون بينه وبين العالم مسافة ولا اتصال ولا انفصال، لأن العقل قاض بأن الله كان موجودا قبل خلق العالم بلا مكان، وبعد خلقه ما زال الله موجودا بلا مكان ولا جهة لأن الله لا يتغير.
*********
كتاب الرد على الجهمية المنسوب للإمام أحمد بن حنبل
هذا الكتاب لم يظهر في حياة الإمام أحمد بن حنبل، بل كان مما وُجد بعد وفاته وقد تم تحريفه و الدس في مواضع كثيرة منه حتى قال الحافظ الذهبي في ” سير أعلام النبلاء ” جزء 11 صحيفة 286 عند ترجمة الامام أحمد: “لا كرسالة الاصطخري ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبد الله فإن الرجل كان تقياً ورعاً لا يتفوه بمثل ذلك ولعله قاله”.انتهى
فالكتاب غير مشهور عنه
قال ابن الوزير اليماني في العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم جزء 4 صحيفة 342 في تعقيبه على كلام الذهبي: “هذا لفظ الذهبي ونصه بحروفه من خطه المعروف ، لكن فيه شيء مصلح بغير خطه ، وأحسبه لبعض المبتدعة ، وقد حذفته وهو ما لفظه “ولعله قاله” صلحه عقيب قول الذهبي “فإن الرجل كان تقياً ورعاً لا يتفوه ذلك” ، وكان مكان هذا اللفظ المصلح لفظ “غيره” بخط الذهبي ، وبدله بما يناقض كلام الذهبي ، وما خفي ذلك ولله الحمد لوجوه : أحدها : الكشط الواضح وثانيها : الخط المخالف وثالثها المعنى المناقض لما قبله ولما بعده ، ولما تكرر من نحو ذلك في غير هذا الموضع”. انتهى
فكتاب الرد على الجهمية فيه عبارات استشنعها الذهبي تلميذ ابن تيمية وصرح أنها موضوع عنه. فمثل هذا الكتاب لا يُحتج به في العقائد. و قول الذهبي” ولعله قاله” هو من كلام بعض المبتدعة و ليس من كلام الذهبي كما ذكر ذلك ابن الوزير اليماني.
وهذا الكتاب له اكثر من طبعة أفضلها بتحقيق دغش العجمي حيث اعتمد على مخطوطات في سند جميعها انقطاع، فمكتبة الظاهرية تعود لسنة 830 هجري وٱخر رجال السند توفي سنة 599 هجري، أي فيها انقطاع 231 سنة على الأقل.
وقال شعيب الأرناؤوط أن الذهبي يرى أن كتاب الرد على الجهمية موضوع على الإمام أحمد، وقال إن المعاصرين طعنوا فيه لوجود الخضر بن المثنى المجهول في السند والرواية عن مجهول لاتصح.
و شعيب الأرناؤوط هو وهابي المشرب، وقد حقق مئات المجلدات، وقد هدم هنا خرافة أن الكتب لايلتفت لأسانيدها.
*********
شبهة المجسمة حول رفع النقيضين
من الشبهات التي روج لها بعض رؤوس المجسمة قولهم: ” إذا قلنا عن الله لا داخل العالم ولا خارجه فيلزمنا رفع النقيضين، وهذا باطل”
وهذا اعتراض ساقط، وجوابه من وجهين:
– الوجه الأول ان يقال: ان النقيضين هما ما لا يجتمعان ولا يرتفعان معا، كالوجود والعدم، والحياة والموت، أو هو الشىء ونفيه وليس الشىء وضده فالأسود ليس نقيضه الأبيض، بل نقيضه اللا أسود، اي كل الألوان الأخرى.
وعبارة داخل” نقيضها: ليس بداخل، وليس نقيضها: خارج، وإنما هو ضد له، وفرق كبير بين المقامين. وبالتالي فقولنا: الله لا داخل ولا خارج ليس تناقضا، التناقض لو قلنا: الله داخل العالم وليس بداخله، أو قلنا: الله لا داخل العالم ولا غير داخل. فهذا يكون تناقضا حينئذ.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/18aWDKuwDM/
– الوجه الثاني أن يقال: ان التناقض إنما يعتبر حين يتصف المحل بأحد النقيضين ويتواردان عليه، وأما حين لا يصح تواردهما على المحل ولا يمكن الاتصاف بأحدهما، فلا تناقض، ولا يسمى رفعا للتناقض من أصله.
الله في الأزل لا يقال عنه أنه داخل العالم أو خارجه، ولا يقال أيضا؛ أنه يجوز عليه دخوله العالم او خروجه منه لأنه لا يصح اتصافه بذلك من أصله.
كما يقال مثلاً: الحائط لا أعمى ولا بصير، فلا تناقض، لعدم قبوله لهما على البدلية.
قال الشيخ أبو حفص الفاسي في حواشي الكبرى : “لا شك أن المعتقد هو أن الله تعالى سبحانه ليس في جهة، وقد أوضح الأئمة تقريره في الكتب الكلامية بما لا مزيد عنه، فهو سبحانه ليس داخل العالم ولا خارجه، ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه، وتُوهم أن في هذا رفعاً للنقيضين وهو محال، باطلٌ؛ إذ لا تناقض بين داخل وخارج، وإنما التناقض بين داخل ولا داخل، وليس خارج مساوياً للداخل، وإنما هو أخص منه، فلا يلزم من نفيه نفيه؛ لأن نفي الأخص أعم من نفي الأعم، والأعم لا يستلزم الأخص. فإن قيل: بم ينفرد هذا الأعم الذي هو لا داخل، عن الأخص الذي هو خارج.
قلنا: ينفرد في موجود لا يقبل الدخول ولا الخروج ولا الاتصال ولا الانفصال، وهذا يحمله العقل، ولكن يقصر عنه الوهم، وقصور الوهم منشأ الشبهة، ومثار دعوى الاستحالة”. انتهى .
******************
معنى قول بعض السلف : “الله بائن من خلقه”
ان النزاع بين أهل السنة الأشاعرة وبين المجسمة لا يتعلق بثبوتية عبارة ” الله بائن من خلقه” المأثورة عن بعض السلف، بل في فهمها على ما يوافق الشرع، لأن من لم يفهم الأصول تخدعه الألفاظ.
و هذه العبارة لها معنيان:
-الأول: المباينة في الحيز والجهة، اي الانفصال عنِ العالَم. فالمجسمة يعتقدون أن الله فوق العالَم فوقيَّة حِسِّيَّة بالمكان والمسافة. وهذا معنى باطل في حق الله ؛ لأن ذلك إنما يكون في حق المتحيزات.
وهذا هو المعنى الذي أنكره الأشاعرة بقولهم: “لا يقال عن الله أنه مباين لمخلوقاته، و لا متصل بها”. انتهى
العجيب ان المجسمة يقولون ان الله مباين لمخلوقاته بمعنى أنه منفصل عنهم، ثم يثبتون الاتصال باثباتهم لصفة المسيس بزعمهم وصفة الطواف بالأرض قبل يوم القيامة كما قال ابن القيم في الصواعق المرسلة.
-الثاني: المباينة بمعنى المغايرة والمخالفة، فيقال: الله مباين في ذاته وصفاته لخلقه سبحانه. وهذا حق لقوله تعالى:”ليس كمثله شيء”. وهذا هو المعنى الذي يريده الأشاعرة و جمهور علماء المسلمين بقولهم: “
الله مباين لمخلوقاته، و لا متصل بها”. انتهى
نقل الحافظ عبد الله ابن منده في كتابه التوحيد عن الصحابي ابن عباس في تفسيره لاسم الله السلام قوله: ومعنى السلام أن ذات الله عز وجل خلصت بانفراد الوحدانية من كل شيء وبانت عن كل شيء.
و هذا الإمام الحافظ البيهقي، الشافعي مَذهبا، الأشعري معتقدا، قال في كتاب الأسماء والصفات، شارحا لقول السلف رضي الله عنهم ” بائن من خلقه”، ما نصه: “أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الزَّاهِدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّامِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: نَعْرِفُ رَبَّنَا فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا نَقُولُ كَمَا قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ بِأَنَّهُ هَهُنَا. وَأَشَارَ إِلَى الْأَرْضِ”.
قُلْتُ – أي البيهقي – : قَوْلُهُ: «بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ» يُرِيدُ بِهِ مَا فَسَّرَهُ بَعْدَهُ مِنْ نَفْيِ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ لَا إِثْبَاتِ جِهَةٍ مِنْ جَانِبٍ آخِرَ، يُرِيدُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ”. انتهى
و قال الإمام ابن فورك في مشكل الحديث وبيانه: “وأنَّه بائن مما خلق، بينونة الصفة والنَّعت ،لا بالتحيز والمكان والجهة” . انتهى
وقال الكوثري في تعليقه: “والمعنى أنه غير ممازج للخلق لا بمعنى أنه متباعد عن الخلق بالمسافة ، تعالى الله عن القُرب والبعد الحسيّين والبينونة الحسية. فليس في ذلك ما يطمع المجسّمة في كلامه ، وسيأتي من المصنف عند الكلام في آية الاستواء : لا قاعد ولا قائم ولا مماس ولا مباين عن العرش . ثمَّ قال : لأنَّ المماسة والمباينة بالمسافة التي هي ضدها ، كلاهما من صفات الأجسام “. انتهى
و قال يحيي بن أبي الخير العمراني المتوفى سنة 558هـجري : عند أصحاب الحديث و السنة أن الله سبحانه بذاته بائن عن خلقه على العرش استوى فوق السماوات غير مماس له و علمه محيط بالأشياء كلها ” . انتهى
وقال معمر بن أحمد بن زياد الأصبهانى المتوفى سنة 428 هـجري : “و أنه عز و جل مستو على عرشه بائن من خلقه و الخلق منه بائنون بلا حلول و لا ممازجة و لا اختلاط و لا ملاصقة لأنه الفرد البائن عن الخلق “. انتهى
و جاء فى كتاب “العين والأثر في عقائد أهل الأثر” لعبدالباقي بن عبدالباقي بن عبدالقادر الحنبلي: ويجب الجزم بأن الله تعالى ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض ولا تحله الحوادث ولا يحل في حادث ولا ينحصر فيه فمن اعتقد أو قال إن الله بذاته في مكان فكافر، بل يجب الجزم بأنه سبحانه وتعالى بائن من خلقه فكان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان ولا يعرف بالحواس ولا يقاس بالناس فهو الغني عن كل شيء ولا يستغني عنه شيء ولا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء وعلى كل حال مهما خطر بالبال أو توهمه الخيال فهو بخلاف ذي الإكرام والجلال”. انتهى
وقال ابن خلدون في المقدمة في بيان معاني “بائن من خلقه، ما نصه: “إن المباينة تقال لمعنيين:
أحدهما المباينة في الحيز و الجهة، و يقابله الاتصال، و تشعر هذه المقابلة على هذه التقيد بالمكان إما صريحا و هو تجسيم، أو لزوما و هو تشبيه من قبيل القول بالجهة.
و ما نقل مثله عن بعض علماء السلف من التصريح بهذه المباينة، فيحتمل غير هذا المعنى. و من أجل ذلك أنكر المتكلمون هذه المباينة وقالوا: لا يقال في البارئ أنة مباين مخلوقاته، و لا متصل بها، لأن ذلك إنما يكون للمتحيزات. و ما يقال من أن المحل لا يخلو عن الاتصاف بالمعنى و ضده. فهو مشروط بصحة الاتصاف أولا، و أما مع امتناعه فلا، بل يجوز الخلو عن المعنى و ضده. كما يقال في الجماد، لا عالم و لا جاهل، و لا قادر و لا عاجز ولا كاتب و لا أمي. و صحة الاتصاف بهذه المباينة مشروط بالحصول في الجهة على ما تقرر من مدلولها. و البارئ سبحانه منزه عن ذلك. ذكره ابن التلمساني في شرح اللمع لإمام الحرمين …..
وأما المعنى الآخر للمباينة، فهو المغايرة و المخالفة فيقال: البارئ مباين لمخلوقاته في ذاته و هويته و وجوده و صفاته. و يقابله الاتحاد و الامتزاج والاختلاط. و هذه المباينة هي مذهب أهل الحق كلهم من جمهور السلف و علماء الشرائع و المتكلمين و المتصوفة الأقدمين أهل الرسالة و من نحا منحاهم”. انتهى
و قال عثمان ابن قائد النجدي الحنبلي المتوفى سنة 1097 هجري في كتابه نجاة الخلف في اعتقاد السلف : “ويجب الجزم بأنه تعالى واحد أحد فرد صمد عالم بعلم قادر بقدرة مريد بإرادة … وبأنه سبحانه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض لا تحكمه الحوادث لا يحل في حادث ولا ينحصر فيه فمن اعتقد أو قال أن الله تعالى بذاته في كل مكان أو في مكان فكافر، بل يجب الجزم بأنه تعالى بائن من خلقه، فالله تعالى كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو على ما عليه كان”. انتهى
