حكم الامام أحمد على رؤوس الجهمية بحسب رأي ابن تيمية
الجهمية أو المُعَطِّلَة هي فرقةٌ كلاميَّة تنتسب إلى الإسلام، ظهرت في الربع الأول من القرن الثاني الهجري على يد الجهم بن صفوان الترمذي.
ولد الجهم في الكوفة ونشأ فيها، وهناك صحب الجعد بن درهم وتأثر بتعاليمه. وبعد قتل الجعد، واصل الجهم نشر أفكاره وصار له أتباع يعرفون بالجهمية، إلى أن تم نفيه إلى ترمذ في خراسان.
وافق الجهمية عقائد المعتزلة في نفي أصل الصفات والقول بخلق القرٱن الذي هو صفة من صفات الله عز وجل، لذلك كفرهم أئمة السلف
كما نفى الجهمية رؤية الله في الآخرة، وزعموا ان الإنسان لا يوصف بالاستطاعة على الفعل، بل هو مجبور بما يخلقه الله من الأفعال، وأن الإيمان عقدٌ بالقلب وإن تلفظ الشخص بالكفر، وأن الإيمان لا يضر معه شيء.
وقالوا أيضا أن الله موجود في كل مكان والعياذ بالله ، فقد أخرج ابن خزيمة في التوحيد بسنده أن الجهم بن صفوان كان يوماً على جسر ترمذ فقيل له: صف لنا ربك، فدخل البيت لا يخرج، ثم خرج بعد أيام فقال: هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء.
ومن جملة عقائدهم الفاسدة أيضا القول بفناء الجنة والنار.
ومع هذا كله نجد شيخ المجسمة ابن تيمية ينقل في مجموع الفتاوى عن الإمام أحمد أنه كان يصلي وراء رؤوس الجهمية، و لم يكفر الدعاة منهم لبدعتهم، ونصه: “مَعَ أَنَّ أَحْمَد لَمْ يُكَفِّرْ أَعْيَانَ الْجَهْمِيَّة وَلَا كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ جهمي كَفَّرَهُ وَلَا كُلَّ مَنْ وَافَقَ الْجَهْمِيَّة فِي بَعْضِ بِدَعِهِمْ؛ بَلْ صَلَّى خَلْفَ الْجَهْمِيَّة الَّذِينَ دَعَوْا إلَى قَوْلِهِمْ وَامْتَحَنُوا النَّاسَ وَعَاقَبُوا مَنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ بِالْعُقُوبَاتِ الْغَلِيظَةِ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ أَحْمَد وَأَمْثَالُهُ؛ بَلْ كَانَ يَعْتَقِدُ إيمَانَهُمْ وَإِمَامَتَهُمْ؛ وَيَدْعُو لَهُمْ؛ وَيَرَى الِائْتِمَامَ بِهِمْ فِي الصَّلَوَاتِ خَلْفَهُمْ وَالْحَجَّ وَالْغَزْوَ مَعَهُمْ وَالْمَنْعَ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ مَا يَرَاهُ لِأَمْثَالِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ”. انتهى
هكذا جعل ابن تيمية الامام أحمد متناقضا في عقائده وحكمه على الجهمية، فهو عنده، تارة يحكم بكفرهم، وتارة لا يكفر أعيانهم، ويصلي وراء دعاتهم ويرى امامتهم، اي أن الامام أحمد بزعم ابن تيمية كان يصلي وراء رؤوس الجهمية مع أنه كان يراهم من الكفرة والعياذ بالله.
بل ان ابن تيمية تمادى في تناقضاته وزعم ان الامام أحمد لا يحكم بكفر القدرية اذا أقروا بالعلم و أنكروا خلق الأفعال والعياذ بالله تعالى.
وماهذا الا من جملة الأدلة على ان هذا الحراني لم يحرر عقائد الفرق الضالة وما يؤول إليه كلامهم، بخلاف ما يروج له أتباعه. فان الذي يقر بالعلم و يقول ان العبد يخلق أفعاله، فهذا لا شك أنه كافر عند السلف ومحققي الخلف.
ملاحظات:
1-جاء في تهذيب الكمال للمزي ما نصه: “قال الآجري في موضع آخر : سئل أبو داود ، عن جهم ، فقال : روى منصور (بن المعتمر ) عن جهم ، وروى عنه أشعث بن سوار ، فقلت : هو من أصحاب إبراهيم ؟ فقال : لا أدري ، منصور لا يروي إلا عن كل ثقة “. انتهى
ومن المحتمل أن هذا الكلام عنه كان قبل تلبسه ببدعته، والا فقد ورد في مسائل أحمد رواية أبي داود، أنه تاب، حيث قال أبو داود : ” ثنا أحمد بن حفص بن عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: قال إبراهيم بن طهمان ثنا من لا يتهم غير واحد «أن جهما رجع عن قوله، ونزع عنه وتاب إلى الله منه، فما ذكرته ولا ذكر عندي إلا دعوت الله عليه، ما أعظم ما أورث أهل القبلة من منطقه هذا العظيم» . انتهى
2- في مواضع أخرى من كتبه زعم ابن تيمية أن الامام أحمد يطلق تسمية “جهمي” على من وافق الجهمية في بعض عقائدهم ، لتضعيف قوله.
3- قبل هذا النص بيسير، قال ابن تيمية: “والمحفوظ عن أحمد وأمثاله من الأئمة إنما هو تكفير الجهمية المشبهة، وأمثال هؤلاء”. انتهى
قال الدكتور علي بن بخيت الزهراني محقق كتاب «الإيمان الأوسط» لابن تيمية، ما نصه: “لم يتبين لي مراد المؤلف بالجهمية المشبهة، اللهم إلا إذا كان من باب أن كل معطل مشبه، والجهمية أشد الناس تعطيلاً، فشبهوا الله حينئذ بالمعدوم تعالى الله عن قول الظالمين والجاهلين علواً كبيراً.
يقول المصنف في رسالته التدمرية، بعد أن ذكر مذهب الجهمية وغيرهم في الصفات: “فقولهم يستلزم غاية التعطيل، وغاية التمثيل، فإنهم يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات. . . فإنهم شبهوه بالممتنعات”. أو قد تكون العبارة كالتالي: الجهمية والمشبهة، فتكون الواو ساقطة، لأن السلف كفروا المشبهة أيضاً، والله أعلم”. انتهى
