ذكر مقالات الإمام أحمد في نفي الحد عن الله

ذكر مقالات الإمام أحمد في نفي الحد عن الله

أ/ ذكر ما رواه المروذي المتوفى سنة 275 هجري عن الإمام أحمد في نفي الحد عن الله

– قال المجسم ابن تيمية في كتابه المسمى نقض التأسيس ما نصه: “قال المروذي: سمعت أبا عبد الله قيل له: أي شيء أُنكر على بشر بن السري ، وأي شيء كانت قصته بمكة ؟ قال : تكلم بشيء من كلام الجهمية. فقال: إن قوما يحدون ، قيل له التشبيه ؟ فأومأ برأسه: نعم. قال : فقام به مؤمل حتى جلس فتكلم ابن عيينة في أمره حتى أُخرج ، وأراه كان صاحب كلام”. انتهى

ب/ ذكر ما رواه حنبل عن الإمام أحمد في نفي الحد عن الله

– جاء في كتاب السنة لأبي بكر الخلال المتوفى سنة 311 هجري من رواية حنبل ما نصه:”قلت له- أي أحمد بن حنبل-: والمشبهة ما يقولون ؟ قال : من قال بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فقد شبه الله بخلقه وهذا يحده وهذا كلام سوء”. انتهى

وذكره المجسم ابن تيمية في تلبيس الجهمية ونص عبارته: “وقال أبو عبد الله: قال لي إسحاق بن إبراهيم – أي مصعب الخزاعي – لما قرأ الكتاب بالمحنة: “تقول ليس كمثله شئ” فقلت له:” ليس كمثله شئ وهو السميع البصير”. قال: “ما أردت بها؟” قلت: “القرآن وصفه من صفات الله وصف بها نفسه لا ننكر ذلك ولا نرده”. قلت له – وعند ابن كثير: قال له اسحاق – : “المشبهة ما يقولون؟” قال: “من قال بصر كبصري ويد كيدي”. وقال حنبل في موضع آخر وقد تقدم: “فقد شبه الله تعالى بخلقه وهذا يحده وهذا كلام سوء وهذا محدود, الكلام في هذا لا أحبه”. انتهى

فهذا الكلام من الإمام أبى عبد الله أحمد رحمه الله فيه الدليل على أن الحد لا يجوز على الله

– وذكر الخلال من طريق حنبل عن أحمد أنه قال:” سميع بصير، لم يزل متكلماً، عالماً غفوراً، عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد، وهو على العرش بلا حد، كما قال “ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْش” كيف شاء، المشيئة إليه عز وجل، والاستطاعة له “لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيء”.وهو خالق كل شئ وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير قول إبراهيم لأبيه: لِمَ تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا فثبت أن الله سميع بصير صفاته منه لا نتعدى القرآن والحديث”. انتهى

نقله ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل 2/30-32 و ابن القيم في اجتماع جيوشه و أيضا في مختصر الصواعق 2/213 وقال: “أراد أحمد بنفي الصفة نفي الكيفية والتشبيه، وبنفي الحد حدّاً يدركه العباد ويحدونه”. انتهى

وقوله: ” ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْش” كيف شاء” معناه أن الإمام أحمد كان يذهب إلى أن الاستواء صفة فعل لا أنه صفة ذات.

– و قال الخلال في “كتاب السنة” ما نصه: ” أخبرني عبد الله بن حنبل حدثني حنبل بن إسحاق، قال: قال عمي: “نحن نؤمن بالله عز وجل على عرشه كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد، فصفات الله عز وجل منه وله، وهو كما وصف نفسه، لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، ولا يدركه وصف واصف، وهو كما وصف نفسه، وليس من الله شيء محدود، ولا يبلغ علمه وقدرته أحد، غلب الأشياء كلها بعلمه وقدرته وسلطانه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وكان الله قبل أن يكون شيء، والله الأول، وهو الآخر، ولا يبلغ أحد حد صفاته، فالتسليم لأمر الله والرضا بقضائه، نسأل الله التوفيق والسداد، إنه على كل شيء قدير”.انتهى وذكره ابن تيمية في درء التعارض.

فأخبر الإمام أحمد أن الله عز وجل على العرش فوقيه قهر وهو منزه عن الحد، وأتبع ذلك بقوله: “لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ” بحد ولا غاية. وقوله: ” نؤمن بالله عز وجل على عرشه كيف شاء وكما شاء” دليل على أن الإمام أحمد كان يرى أن الاستواء صفة فعل و ليست صفة ذات لله سبحانه و تعالى.

– وروى الخلال في السنة من طريق عبيد الله بن حنبل عن أبيه حنبل أنه قال:” قال أبو عبد الله: لم يزل الله عالما متكلما نعبد الله بصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف بها نفسه . سميع عليم غفور رحيم عالم الغيب والشهادة علام الغيوب فهذه صفات الله تبارك وتعالى وصف بها نفسه ولا تدفع ولا ترد وهو على العرش بلا حد كما قال. استوى على العرش كيف شاء”. انتهى

– وقال أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي المتوفى سنة 620 هجري في تحريم النظر ما نصه: “وقال حنبل : سألت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه عن هذه الأحاديث التي تروي أن الله تبارك وتعالى يُرى وأنه ينزل إلى سماء الدنيا وأنه يضع قدمه وما أشبه ذلك.فقال أبو عبد الله رضي الله عنه: نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد منها شيئا إذا كانت بأسانيد صحاح، ولا نرد على الرسول قوله ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ولا يوصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء وهو السميع البصير”- سورة الشورى آية11-.انتهى

وهذا الأثر نقله ابن القيم في اجتماع جيوشه من طريق الخلال وفيه أنه قال: “وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلاً حدثهم قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروي أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث؟ فقال أبو عبد اللّه: نؤمن بها ونصدق بها، ولا نَرُدُّ منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ” لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ وَهُوَ السّمِيع البَصيرُ “.- سورة الشورى آية11 -.انتهى

وقد ذكر عبد الله بن صالح البراك في كتابه نصوص مما فقد من كتاب السنة للخلال تحت باب مجمل الاعتقاد أن هذا الأثر نقله عن الخلال أيضا ابن تيمية في النقض و الدرء و التسعينية و ابن أبي يعلى في الطبقات 1/144 و غيرهم.

– و نقل اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/402، برقم675 مانصه: “قال حنبل: “قلت لأبي عبد الله: ما معنى قوله “وَهُوَ مَعَكُم”، و”مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ”؟. قال: علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد و لا صفة”. انتهى

وأورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو في الصحيفة 116، برقم95 و الذهبي في العلو في الصحيفة 130، وفي الأربعين في صفات رب العالمين في الصحيفة 65، برقم 50, وأورده أيضا ابن تيمية في مجموع الفتاوى 5/496, و ابن القيم في اجتماع جيوشه وعزاه لللالكائي.

وقوله بلا صفة معناه بلا كيف و لا تشبيه كما قال ابن القيم في مختصر الصواعق 2/213 ونص عبارته: “أراد أحمد بنفي الصفة نفي الكيفية والتشبيه “. انتهى

تنبيه

إن قيل أن هذه الروايات كلها من طريق حنبل بن إسحاق وقد تفرد بها عن الإمام أحمد بن حنبل وهو ممن يهم في بعض رواياته. فقد قال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة:”وذكره أَبُو بَكْرٍ الخلال ، فقال : قد جاء حنبل ، عَنْ أَحْمَد بمسائل أجاد فيها الرواية ، وأغرب بغير شيء ، وإذا نظرت فِي مسائله شبهتها فِي حسنها ، وإشباعها ، وجودتها بمسائل الأثرم ” انتهـى

وقال الذهبي في السير:”له مسائل كثيرة عن أحمد ، ويتفرد ، ويغرب”. انتهى

وغلّطه ابن شاقلا في إحدى رواياته.وذكر ابن القيم في الزاد رواية له عن أحمد في مسألة المتلاعنين, فقال:”وعن أحمد رواية أخرى : أنه إن أكذب نفسه حلت له وعاد فراشه بحاله ، وهي رواية شاذة شذ بها حنبل عنه . قال أبو بكر لا نعلم أحدا رواها غيره ” انتهـى

و ذكر له ابن رجب روايته عن أحمد في مسألة فقهية في صلاة الرجل بالثوب اللطيف الذي لا يمكنه عقده ثم قال ابن رجب:”وهذه رواية مشكلة جدا ،ولم يروها عن أحمد غير حنبل ، وهو ثقة إلا أنه يهم أحيانا ، وقد اختلف متقدمو الأصحاب فيما تفرد به حنبل عن أحمد : هل تثبت به رواية عنه أم لا ؟ ” انتهـى

فجواب ذلك من وجهين:

– الأول أن يقال: لقد احتج بهذه الروايات زعماء المجسمة في كتبهم كابن تيمية و ابن القيم و الذهبي و ابن قدامة و غيرهم ونقلوها عن الخلال في أكثر من موطن فهي صحيحة الاسناد عندهم.

هذا وقد جاء في المبدع في شرح المقنع لأبي إسحاق برهان الدين بن محمد بن عبد الله الحنبلي ما نصه: “قال الدارقطني : كان صدوقا . وذكره الخلال فقال : قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية ، وإذا نظرت في مسائله ، شبهتها في حسنها وجودتها وإشباعها بمسائل الأثرم”. انتهى

– الثاني أن يقال أن ابن رجب قال عن روايات حنبل:”وكان أبو بكر الخلال وصاحبه لا يُثبتان بما تفرد به حنبل، عن أحمد رواية ” انتهى

وبما أن الخلال رواها في سنته من طريق حنبل فهي ثابتة عنده فلا وجه لإنكارها.

فالروايات التي سبق ذكرها ترويها المجسمة في معرض كلامهم عن عقيدة الإمام أحمد و لم يعترضوا عليها لكون حنبل يهم. وعليه فإن نفي الحد و الكيف عن الله هو الموافق لعقيدة أهل السنة و الجماعة, وهو الموافق لما نقله حنبل عن الإمام أحمد.

ج/ ذكر ما رواه أبو الفضل التميمي عن الإمام أحمد في نفي الحد عن الله

– جاء في “اعتقاد الإمام المبجل أحمد بن حنبل” لأبي الفضل عبد الواحد التميمي المتوفى سنة 410 هجري ما نصه: “وسُئل رحمه الله قبل موته بيوم عن أحاديث الصفات فقال: “تمر كما جاءت ويؤمن بها ولا يرد منها شيء إذا كانت بأسانيد صحاح ولا يوصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ومن تكلم في معناهما ابتدع ” انتهى

ومعنى قوله : “ومن تكلم في معناها ابتدع” أي عند حمل معناها على ظاهرها اللغوي الحقيقي إذا قطعت عن سياقها, أما التكلم في معناها بما تقتضيه لغة العرب فليس هو المقصود لأنه ثبت عن الإمام أحمد نفسه تأويل بعض النصوص.

– و نقل أبو الفضل التميمي في نفس الكتاب أن الإمام أحمد قال: “ولا يجوز أن يقال استوى بمماسة ولا بملاقاة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والله تعالى لم يلحقه تغير ولا تبدل ولا يلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش و كان ينكر– الإمام أحمد – على من يقول إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة”. انتهى

د/ ذكر ما رواه ابن أبي يعلى عن الإمام أحمد في نفي الحد عن الله

جاء في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى المتوفى سنة 526 هجري أن الإمام أحمد كان يقول: “والله تعالى لم يلحقه تغير ولا تبدل ولا يلحقه الحدود قبل العرش ولا بعد خلق العرش”. انتهى

و جاء أيضا في طبقات الحنابلة 2-391 ما نصه: “كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول، الله تعالى له يدان و هما صفة له، ليستا بجارحتين وليستا مركبتين ولاجسم و لامن جنس الاجسام ولا من جنس المحدود والتركيب والابعاض والجوارح ولايقاس على ذلك ولا له مرفق ولا عضلة ولا فيما يقتضي ذلك من إطلاق قولهم يد إلا مانطق به القرآن الكريم”. انتهى

هـ/ ذكر ما نقله السفاريني عن الإمام أحمد في نفي الحد و الكيف عن الله

قال شمس الدين أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني السفاريني الحنبلي المتوفى سنة 1188 هجري في منظومته في العقيدة:

… ومن هنا نظمت لي عـقيدة أرجـوزة وجـيزة مـفيدة

وسمتها بالـدرة المــضية في عقد أهل الفـرقة المرضية

على اعتقاد ذي السداد الحنبلي إمام أهل الحق ذي القدر الـعلي

حبر المـلا فـرد العلى الرباني رب الحجى ماحي الدجى الشيباني

فـإنـه إمـام أهــل الأثر فمن نحى منـحـاه فـهو الأثري

وقوله: “رب الحجى” : “رب” بمعنى صاحب، و “الحجى” : بمعنى العقل: يعني صاحب العقل

فهنا يبين السفاريني أن هذه العقيدة تمثل عقيدة أهل الأثر وهم أتباع الإمام أحمد بن حنبل ومن سار على نهج السلف في العقيدة , ثم يقول بعد عدة أبيات:

وليس ربنا بجوهر ولا عرض ولا جسم تعالى ذو العلا

سبحانه قد استوى كما ورد من غير كيف قد تعالى أن يحد

فلا يحيط علمنا بذاته كذاك لا ينفك عن صفاته

فكل ما قد جاء في الدليل فثابت من غير ما تمثيل

فإن قال قائل: ان هذه المرويات منقولة بالمعنى, فيقال له لا دليل على ما تزعمه و حتى ولو كان الأمر كما تقول فذلك ما فهمه أصحاب أحمد عنه و أنه كان ينفي الحد عن الله وهو منقول عن غير واحد من أئمة الحنابلة.