عقيدة الامام وكيع بن الجراح

عقيدة الامام وكيع بن الجراح

الجزء الثاني: ما ينسب له أن أثبت الجلوس لله عز وجل

نقل الذهبي في كتابه العلو عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال: “حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي، فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها”. انتهى

وهو اختصار للأثر الذي رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة، قال: “حدثنا ابي، حدثنا وكيع بحديث اسرائيل عن ابي اسحاق عن عبد الله ابن خليفة عن عمر قال اذا جلس الرب على الكرسي، فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع، فغضب وكيع، وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها”. انتهى

وهذا مما تفرد كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد بنسبته لوكيع بهذا اللفظ، لكن زعم ابن المحب الصامت في كتاب صفات رب العالمين ، تحقيق صقر الغامدي ان أبي الفضل صالح رواه عن أبيه أحمد بن حنبل، ونصه: “قال صالح بن أحمد بن حنبل: قال أبي: وحدَّثَ وكيع بحديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد اللَّه بن خليفة: “إذا ‌جلس ‌الرب سبحانه على العرش”. فاقشعر زكريا بن عدي فقال له وكيع -وغضب-: “أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون هذه الأحاديث لا ينكرونها”. انتهى

و هذا الأثر بهذا السند غير موجود حتى في مسائل الامام أحمد برواية ابنه صالح، و لا يصح الاحتجاج به أيضا في العقائد لسببين:

-الأول: هو أثر مضطرب، مذكور بألفاظ مختلفة:

• ذُكر في النسخة الرائجة لكتاب السنة بلفظ: “حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي، فاقشعر رجل عند وكيع….” فذكر هنا الجلوس فقط، وذكر ان الرجل اقشعر

• ذكره الموفق بن قدامة في الرد على ابن عقيل الحنبلي، بعد ان ذكر حديث النزول وحديث “وأنه يضع قدمه” فقال ما نصه: “وقال أبو عبد الله: ثنا وكيع يوما بحديث من هذه الأحاديث فاقشعر زكريا بن عدي…..”. انتهى

فلم يذكر هنا الجلوس من أصله، وانما ذكر حديث النزول وحديث “وأنه يضع قدمه”، وذكر ان الرجل الذي اقشعر هو زكريا بن عدي، ويكنى أبا يحيى، وهو كوفي ثقة.

• قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول شهدت زكريا بن عدي: سأل وكيع بن الجراح فقال يا أبا سفيان هذه الأحاديث يعني مثل الكرسي موضع القدمين ونحو هذا فقال أدركت إسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون شيئا”. انتهى ذكره ابن عبد البر في التمهيد

فلم يذكر هنا الجلوس ولا حديث النزول، انما ذكر أثر الكرسي موضع القدمين، ولم يذكر أن الرجل اقشعر.

فتغير متن الأثر بالزيادة والنقصان، تثبت تلاعب بعض النساخ بألفاظه، واقحام عبارة الجلوس على الكرسي عوض الكلام ان الكرسي موضع القدمين، الذي كان وكيع يرويه ولا يفسره اقتداءا بمشائخه.

-الثاني: النسخة الرائجة لكتاب السنة لا تثبت نسبتها للإمام عبد الله بن أحمد، ففي أول اسنادها بعض المجاهيل.

وبعض الباحثين يذكرون أن كتاب السنة ليس من تأليف عبد الله بن أحمد بل هو عبارة عن جمع رواة لأجوبة عبد الله بن الإمام احمد عن اسئلة وُجهت اليه في الاعتقاد واحتجوا لذلك بأن جملة كتاب السنة يبدأ بعبارة “سُئل” من بدايته وفي ثناياه. فراوي كتاب السنة هذا هو الذي اخبر بذلك ويحكي ذلك هكذ “سئل…. سئل”

و هذا بشكل عام هو اسلوب الكتاب. وعليه فإما أن الراوي عن عبدالله كان يكتب في حال سماعه للمسائل، أو أنه قام بجمع تلك المسائل لاحقا، وفي جميع الأحوال فالإمام عبدالله بن الإمام احمد لم يكتب الكتاب بنفسه وإنما جمعه الرواة عنه. وهذا لا يمنع خطأ او تصرف الرواة، وهذا أمر وارد جدا خصوصا فيما أنفردوا به من رواية.

كما لاحظ باحثون ٱخرون أن كلام عبدالله جاء في صيغة جواب عن سؤال وُجه إليه عن احاديث الرؤية التي تنكرها الجهمية، وعن سؤال اخر بخصوص جلوس الرب على الكرسي. وكانت اجابة عبدالله في الموضعين واحدة ومفادها أن والده صحح احاديث الرؤية، بصريح العبارة في الموضعين.

ولم يقل أنه صحح احاديث القعود والجلوس للرب على الكرسي، لكن راوي الكتاب جعل جواب عبد الله عن احاديث الرؤية هو نفس جواب السؤال عن الجلوس، وهو خطأ وقع فيه الرواي .

ففي كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن الإمام أحمد جاء ما نصه : سئل عما روي في الكرسي وجلوس الرب عز وجل عليه؟

فقال: “رأيت أبي رحمه الله يصحح هذه الأحاديث، أحاديث الرؤية، ويذهب إليها، وجمعها في كتاب وحدثنا بها”. انتهى

وجاء في الرواية الثانية: “سئل عما جحدت الجهمية الضلال من رؤية الرب تعالى يوم القيامة فقال:” رأيت أبي رحمه الله يصحح الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤية، ويذهب إليها وجمعها أبي رحمه الله في كتاب وحدثنا بها ” انتهى

فهذه إجابة متوافقة مع السؤال هنا، وهي صحيحة، وبهذا يتضح أنه وقع قلب عند راوي الكتاب أو تصرف منه، حيث أنه جعل إجابة عبدالله عن سؤال “أحاديث الرؤية” في مكان الإجابة عن عن سؤال الجلوس. وهذا خطأ ظاهر، وقلب واضح لمن تأمل.

روابط ذات علاقة:

عقيدة وكيع بن الجراح الجزء الأول:

مخطوط كتاب وكيع بن الجراح في الصلاة والصيام