ﺍﻹ‌ﻣﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻷ‌ﺷﻌﺮﻱ المتوفى سنة 342 هجري كان يرى أن اجتهاد معاوية و جماعته على ثلاث مراتب:

سم الله الرحمن الرحيم

ﺍﻹ‌ﻣﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻷ‌ﺷﻌﺮﻱ المتوفى سنة 342 هجري كان يرى أن اجتهاد معاوية و جماعته على ثلاث مراتب:

– المرتبة الأولى: حالة الاجتهاد الغير مقترن بالخروج على الخليفة وهذا يثاب عليه ولا يؤاخذ به. بمعنى أن اجتهاد معاوية للمطالبة بدم سيدنا عثمان قبل خروجه على الامام علي مأجور عليه. وعلى هذا يُحمل كلام ابن عساكر في تبيين كذب المفتري حيث قال: “وقال – أي الأشعري – كل مجتهد مصيب وكلهم على الحق وإنهم لم يختلفوا في الأصول وإنما اختلفوا في الفروع فأدى اجتهاد كل واحد منهم إلى شيء فهو مصيب وله الأجر والثواب على ذلك”. انتهى

– المرتبة الثانية: حالة اقتران الاجتهاد بالعزم على الخروج على الخليفة, ولا نزاع في المؤاخذة به.

– المرتبة الثالثة: اقتران الاجتهاد بالخروج على الخليفة ,و قد عده الأشعري اثما وبغيا لكنه لا يصل بصاحبه إلى حد الفسق بخلاف بعض أهل السنة ممن عده فسقا عملا بقول سيدنا عمّار: “لا تقولوا كفر أهل الشام ولكن قولوا فسقوا وظلموا”. ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق والحافظ البيهقي في سننه جزء 8/ 174 وابن أبي شيبة في مصنفه جزء 15/ /290

وقد ذكر الامام ﺍﺑﻦ ﻓﻮﺭﻙ ﻓﻲ كتابه ﻣﻘﺎﻻ‌ﺕ ﺍﻷ‌ﺷﻌﺮي:”ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ – ﻳﻌﻨﻲ ﺃﺑﺎ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻷ‌ﺷﻌﺮﻱ – ﻓﻲ ﺣﺮﺏ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ : ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﺑﺎﺟﺘﻬﺎﺩ ﻣﻨﻪ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺧﻄﺄ ﻭﺑﺎﻃﻼ‌ ﻭﻣﻨﻜﺮﺍ ﻭﺑﻐﻴﺎ، ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﺧﺮﻭﺝ ﻋﻠﻰ ﺇﻣﺎﻡ ﻋﺎﺩﻝ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻻ‌ﺟﺘﻬﺎﺩ ﻣﻤﻦ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﺘﻬﺪ فيما له الاجتهاد ﻓﻴﻪ ﻭﻟﻢ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻔﺴﻖ ﺃﻭ ﺍﻟﻜﻔﺮ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺠﺮﻱ ﺫﻟﻚ ﻣﺠﺮﻯ ﺍﺧﺘﻼ‌ﻑ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤَﻴﻦ ﺇﺫﺍ ﺍﺟﺘﻬﺪا فأخطأ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻭﺃﺻﺎﺏ ﺍﻵ‌ﺧﺮ. ﻓﺄﻣّﺎ ﺧﻄﺄ ﻃﻠﺤﺔ ﻭﺍﻟﺰﺑﻴﺮ ﻓﻜﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﺇﻧﻪ ﻭﻗﻊ ﻣﻐﻔﻮﺭًﺍ ﻟﻠﺨﺒﺮ ﺍﻟﺜﺎﺑﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲّ ﺃﻧﻪ ﺣﻜﻢ ﻟﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺭﻭﻱ ﻓﻲ ﺧﺒﺮ ﺑﺸﺎﺭﺓ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﺠﻨّﺔ ﻓﺬﻛﺮ ﻓﻴﻬﻢ ﻃﻠﺤﺔ ﻭﺍﻟﺰﺑﻴﺮ, ﻭﺃﻣﺎ ﺧﻄﺄ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺒﺸﺮه ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ﻓﻲ ﺃﻣﺮه ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺠﻮّﺯ ﻏﻔﺮﺍﻧﻪ ﻭﺍﻟﻌﻔﻮ ﻋﻨﻪ”. انتهى

و هذا نص صريح من شيخ أهل السنّة أبي الحسن الأشعري بأن كل مقاتلي علي عصوا، و أن طلحة و الزبير تابا من ذلك جزما، و أما الآخرون فهم تحت المشيئة يجوز أن يغفر الله لمن شاء منهم .

قال المقريزي في المواعظ في معرض كلامه عن معتقد ابي الحسن الاشعري: قال _ اي الاشعري _ولا أقول في عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم إلاّ أنهم رجعوا عن الخطأ وأقول أن طلحة والزبيرمن العشرة المبشرين بالجنة وأقول في معاوية وعمرو بن العاص أنهما بغيا على الإمام الحق عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم فقاتلهم مقاتلة أهل البغي وأقول أن أهل النهروان الشراة هم المارقون عن الدين وأن عليًا رضي اللّه عنه كان على الحق في جميع أحواله والحق معه حيث دار‏.‏ انتهى

فكيف يقال بعد ذلك ان معاوية و جيشه غيرُ ءاثمين مع الاعتراف بأنهم بغاة ، و أما من قال إنهم مأجورون فلم يفهم كلام الأشعري جملة و تفصيلا لأن ﻓﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺍﻹ‌ﻣﺎﻡ ﺍﻷ‌ﺷﻌﺮﻱ ﻋﻦ ﺣﺮﺏ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﺑﺎﻃﻞ ﻭﻣﻨﻜﺮ ﻭﺑﻐﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺑﺄﻥ ﺫﻟﻚ معصية. وليس في قول ابن فورك “ﻭﻛﺎﻥ – أي الأشعري – ﻳُﺠﺮﻱ ﺫﻟﻚ ﻣﺠﺮﻯ ﺍﺧﺘﻼ‌ﻑ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤَﻴﻦ ﺇﺫﺍ ﺍﺟﺘﻬﺪا فأخطأ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻭﺃﺻﺎﺏ ﺍﻵ‌ﺧﺮ”. حجة لمن قال أن من خرج على علي مأجور, بل معنى ذلك أن أصل المسألة كان يجريها الأشعري وفق ﺣﺪﻳﺚ: “ﺇﺫﺍ ﺍﺟﺘﻬﺪ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﺄﺻﺎﺏ ﻓﻠﻪ ﺃﺟﺮﺍﻥ, ﻭﺇﺫﺍ ﺍﺟﺘﻬﺪ ﻓﺄﺧﻄﺄ ﻓﻠﻪ ﺃﺟﺮ” وهذا الأصل معتبر قبيل خروج معاوية على الإمام علي فإن اجتهاده قبل ذلك مأجور عليه بخلاف اقترانه بمحاربة الخليفة فإنه حينئذ اثم و بغي.

ولو كان الإمام الأشعري أراد بقوله إن معاوية اجتهد ذلك الاجتهاد الذي رفعت المؤاخذة عن المخطىء فيه، لم يقل إن ما حصل منهم مجوّز الغفران, وهذا ظاهر لمن يفهم العبارات. فليس كل اجتهاد معتبر شرعا ومثاب عليه.

فبعد هذا كيف يصح أن يقال إن معاوية لما خرج على الإمام علي كان باجتهاد أخطأ فيه فنثبت له أجر الإجتهاد, وكيف يكون مجتهدًا مأجورًا وفي حديث البخاري “ويدعونه إلى النار”. كيف يجتمع الظلم في مرتبة واحدة مع الأجر والثواب ويكون الظالم مأجورًا مثابًا, وما هذا عند النظر إلى الحقيقة إلا تعاميًا عن الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب.

و لا عبرة أيضا بما يوجد في كتابه ﺍﻹ‌ﺑﺎﻧﺔ من كلام منسوب للأشعري كقوله: “ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﺟﺮﻯ ﺑﻴﻦ ﻋﻠﻲ ﻭﺍﻟﺰﺑﻴﺮ ﻭﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻭﻳﻞ ﻭﺍﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻭﻋﻠﻲ ﺍﻹ‌ﻣﺎﻡ ﻭﻛﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻻ‌ﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻭﻗﺪ ﺷﻬﺪ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ﻭﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ، ﻓﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﻢ ﻛﻠﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ﻓﻲ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻫﻢ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻣﺎ ﺟﺮﻯ ﺑﻴﻦ ﻋﻠﻲ ﻭﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻭﻳﻞ ﻭﺍﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻭﻛﻞ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺃﺋﻤﺔ ﻣﺆﻣﻨﻮﻥ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻬﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻗﺪ ﺃﺛﻨﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ﻭﺗﻌﺒﺪﻧﺎ ﺑﺘﻮﻗﻴﺮﻫﻢ ﻭﺗﻌﻈﻴﻤﻬﻢ ﻭﻣﻮﺍﻻ‌ﺗﻬﻢ، ﻭﺍﻟﺘﺒﺮﺅ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻨﻘﺺ ﺃﺣﺪﺍً ﻣﻨﻬﻢ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ”. انتهى

فهذا الكتاب وقع الدس و التحريف فيه بدليل ما قاله الشيخ محمد عربي التبان في براءة الأشعريين 1/64: “ودس المبتدعة في كتب الأشعري وغيره من علماء الإسلام شيئاً كثيراً”. انتهى

وقال الكوثري أيضا في تعليقه على كتاب الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة ما نصه: ” ومن غريب التحريف ما دُسَّ في بعض نسخ الإبانة للأشعري كما دُسَّ فيها أشياء أخر”. انتهى

و ليعلم أن الإمام ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺒﺎﻗﻼ‌ﻧﻲ المتوفى سنة 403 ﻫـجري كان يقسم أيضا ما حصل بين الصحابة من تنازع و تقاتل إلى ثلاث أطوار: الطور الأول : هو طور الاجتهاد الغير مقترن بالخروج على الخليفة. فقد قال الامام ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻤﻌﻴﻦ ميمون بن محمد ﺍﻟﻨﺴﻔﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺗﺒﺼﺮﺓ ﺍﻷ‌ﺩﻟﺔ 2/888 حيث قال: ” وروى أبو بكر الباقلاني أحد متكلمي أهل الحديث عن بعض الأﺟﻠﺔ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ أﻥ ﺍﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻋﺰﻳﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺮﺏ” انتهى

وهذا الاجتهاد في هذه الحالة يثاب عليه ولا يؤاخذ به. بمعنى أن اجتهاد معاوية للمطالبة بدم سيدنا عثمان قبل خروجه على الامام علي مأجور عليه. و عن هذا الطور يقول الباقلاني ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻹ‌ﻧﺼﺎﻑ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺠﺐ ﺍﻋﺘﻘﺎﺩﻩ ﻭﻻ‌ ﻳﺠﻮﺯ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﺑﻪ صحيفة 63: “ونعتقد أن عليا عليه السلام أصاب فيما فعل وله أجران، وأن الصحابة رضي الله عنهم إنما صدر منهم ما كان باجتهاد فلهم اﻷجر ولا يبدعون ولا يفسقون والدليل عليه قوله تعالى رضي الله عنهم ورضوا عنه وقوله صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر فإذا كان الحاكم في وقتنا له أجران على اجتهاده فما ظنك باجتهاد من رضي الله عنهم ورضوا عنه” انتهى

– الطور الثاني: هو اقتران الاجتهاد بالعزم على الخروج على الخليفة, ولا نزاع في المؤاخذة به.

– الطور الثالث: اقتران الاجتهاد بالخروج على الخليفة ,و لا شك أن صاحبه آثم, تجب عليه التوبة فورا. لكن ذنبه لا يصل به إلى حد الفسق للتأويل الذي ظهر له . فقد قال ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻤﻌﻴﻦ ميمون بن محمد ﺍﻟﻨﺴﻔﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺗﺒﺼﺮﺓ ﺍﻷ‌ﺩﻟﺔ 2/888: “قال – أي الباقلاني – ﺣﻴﻦ ﺫﻛﺮ ﺃﻥ ﻋﻠﻴﺎ ﻫﻮ ﺍﻷ‌ﺣﻖ ﺑﺎﻟﺨﻼ‌فة ﺑﻼ‌ ﺗﺮﺩﺩ: “ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻷ‌ﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺧﻄﺄ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻇﺎﻫﺮﺍ، ﺇﻻ‌ ﺃﻧﻪ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻦ ﺗﺄﻭﻳﻞ، ﻓﻠﻢ ﻳﺼﺮ ﺑﻪ ﻓﺎﺳﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺮﺭﻧﺎ ثم لا شك أن من حارب عليا رضي الله عنه من الصحابة ومن غيرهم على التأويل لم يصر به كافرا ولا فاسقا” انتهى

و قال الإمام أبو بكر الباقلاني في تمهيد الأوائل صحيفة 552: “و منهم من يقول إنهم تابوا من ذلك و يستدل برجوع الزبير و ندم عائشة إذ ذكروا لها يوم الجمل و بكائها حتى تبل خمارها ” انتهى

فندم بعض الصحابة على ما حصل منهم كان بسبب علمهم أن ذلك ذنبا يجب التوبة منه فورا

كتبه أبو عمر الأشعري نزيل قسنطينة