قال الله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [سورة المائدة]

قال الله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ *} [سورة المائدة]

اعلم أنه قد خبط بعض الناس خبط عشواء في تفسيرها، والمعنى أن النصارى الذين كانوا مسلمين مؤمنين تابعين لشريعة المسيح مَن استقام منهم ولزم طاعة الله على التمام هم من أهل الجنة. ولا يعني أن النصارى بعد أن غيَّروا دين المسيح مَن أحسن منهم المعاملة مع الناس بالصدقة والمواساة ونحو ذلك يكون من أهل الجنة لأن الله تعالى قال {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ *} [سورة البينة] ، وقال تعالى: [سورة آل عمران] .

وءايات القرءان يجب التوفيق بينها لأنها تتعاضد ولا تتناقض.

قال أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري المتوفى سنة 450هـ، في تفسيره «النكت والعيون»[(171)]: «({…وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} ليس هذا على العموم، وإنما هو خاص»، ثم قال: «عنى بذلك النجاشي وأصحابه لما أسلموا، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير» اهـ.

قال المفسر فخر الدين الرازي في «التفسير الكبير»[(172)]: «قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسدي: المراد به النجاشي، وقومه الذين قدموا من الحبشة على الرسول صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، ولم يُرد جميع النصارى مع ظهور عداوتهم للمسلمين» اهـ.

ـ[171]       النكت والعيون (طبع دار الكتب العلمية، المجلد الثاني ص58).

ـ[172]       التفسير الكبير (طبع دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411هـ المجلد السادس، الجزء12 ص56).

قال الله تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ… )  [سورة المائدة]

معنى قوله تعالى حكاية عن أصحاب عيسى عليه السلام {…هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} ، أي هل يستجيب ربك لك إن طلبت منه هذا الطلب، بدليل هذه القراءة الواردة لهذه الآية وهي {…هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} قال الفراء معناه: هل تقدر أن تسأل ربك، فلا يجوز أن يُتوهم أن الحواريين شكّوا في قدرة الله تعالى على إنزال هذه المائدة من السماء، فالله تعالى قادر على كل شىء لا يعجزه شيء، وإنما كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي وهو يعلم أنه مستطيع.

قال القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرءان»[(173)]: «وقيل إن القوم أي الحواريين، لم يَشُكُّوا في استطاعة البارئ سبحانه لأنهم كانوا مؤمنين عارفين عالمين، وإنما هو كقولك للرجل: هل يستطيع فلان أن يأتيَ وقد علمتَ أنه يستطيع، فالمعنى: هل يفعل ذلك؟ وهل يجيبني إلى ذلك أم لا؟» اهـ.

نقل الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه «فتح الباري شرح صحيح البخاري»[(174)]، عن الإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي أنه قال: «جحد صفة القدرة كفر اتفاقًا» اهـ. ويدخل في هذا أيضًا من شك في قدرة الله تعالى على كل شئ.

وقد مر معنا مزيد تفصيل عن مسألة القدرة في شرح الآية {…وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} ، فمن شاء فليراجعه هناك.

ـ[173]       الجامع لأحكام القرءان (المجلد السادس ص364).

ـ[174]       فتح الباري شرح صحيح البخاري (طبعة دار الريان سنة 1407ر الطبعة الأولى الجزء السادس ص604).