《رَدُّ شُبْهَةِ المُشَبِّهَةِ المُجَسِّمَةِ فِي تَفْسِيرِهِمْ “المَقَامَ المَحْمُودَ”》
هٰذِهِ الآيَةُ يَتَمَسَّكُ المُشَبِّهَةُ المُجَسِّمَةُ فِي زَمَانِنَا بِرِوَايَةٍ جَاءَتْ عَن مُجَاهِد، وَهٰذَا مُجَاهِدٌ لَا هُوَ صَحَابِيٌّ، وَلَا يُعْتَمَدُ حَدِيثُهُ هٰذَا لِإِثْبَاتِ صِفَةٍ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فَتَجِدُ المُشَبِّهَةَ المُجَسِّمَةَ يَتَمَسَّكُونَ بِمَا رُوِيَ عَن مُجَاهِدٍ هذا، فيَقُولُونَ: إِنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: المَقَامُ المَحْمُودُ – بِزَعْمِهِمْ – هُوَ إِجْلَاسُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا مَعَهُ عَلَى العَرْشِ.
أوَّلًا أَحبَابَنا: رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ القُعُودِ، وَمُنَزَّهٌ عَنِ الجُلُوسِ، فَاسْتِوَاؤُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ جُلُوسًا، لَيْسَ اتِّصَالًا بِالعَرْشِ، وَلَا مُمَاسَّةً لَهُ، وَلَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ العَرْشِ مَسَافَة. الِاسْتِوَاءُ المُضَافُ إِلَى اللهِ يُقَالُ فِيهِ قَهْرُهُ لِلْعَرْشِ، أَوِ اسْتِيلَاؤُهُ للعَرْشِ، وَهٰذَا هُوَ المَنْقُولُ عَنْ أَئِمَّةِ عُلَمَاءِ العَقِيدَةِ كَالبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِ. إِذًا، تَجِدُهُم يَتَمَسَّكُونَ بِهذهِ الرِوَايَةِ الضَعِيفَةِ المَنْقُولَةِ عَنْ تَابِعِيٍّ لا عَنْ صَحَابِيًّ بِحَيثُ تَثْبُتُ، ولا عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، يَزعُمُونَ فيها أنَّ المَقامَ المَحمُود هو إجلاسُ اللهِ عزَّ وجَلَّ نَبيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ مَعَهُ على العَرشِ، وسَنُبيِّنُ فسَادَ هذا التَّمَسُّكِ الذي تَمَسَّكوا بهِ.
أوَّلًا: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي فَسَّرَ المَقَامَ المَحْمُودَ بِـالشَّفَاعَةِ، كَمَا رَوَيْتُ لَكُم حَدِيثَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ قَضِيَّةُ أُخرى مُهِمٌّ أنْ نَفهَمَها، مُجَاهِدٌ رُوِيَ عَنْهُ فِي هٰذَا قَوْلَانِ، رِوايَتانِ: رِوَايَةٌ وَافَقَ فِيهَا الجَمَاعَةَ مِنَ العُلَمَاءِ المُسلمين، وَهِيَ أَنَّ المَقْصُودَ بِالمَقَامِ المَحْمُودِ الشَّفَاعَةُ. وهذهِ الرِّوَايَةُ الَّتي تَمَسَّكَت بِهَا المُشَبِّهَةُ المُجَسِّمَةُ الَّتي فِيهَا نِسْبَةُ إِجْلَاسِ النَّبِيِّ مَعَ اللهِ على العَرْشِ.
هَذِهِ الرِوَايَةُ الثانِيَةُ الَّتي فيها ما يَستَحيلُ في حَقِّ اللهِ هيَ مِنْ رِوايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْم. وأَمَّا رِوَايَتُهُ الَّتي فيها تَفسيرُ المَقَامِ المَحْمُودِ بِالشَّفَاعَةِ وهيَ المُوافِقَةُ لِمَا عَلَيْهِ عُلَماءُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ فَقَدْ رَوَاهَا عَنْهُ ابْنُ أَبِي نُجَيْحٍ. لِماذا ذَكرتُ اسمَ هذينِ الرَّاويين؟ لتَتَنَبَّهُوا إلى ما قالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ العَسْقَلَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتابِهِ “فَتْحِ البَارِي شَرْحِ صَحِيحِ البُخَارِيّ” يَقولُ عِنْدَ ذِكْرِهِ لِهاتين الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُجَاهِدٍ: الرِّوَايَةُ الأُولى الَّتِي هِيَ مِن طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ (وفِيهَا تَفسيرُ المَقامِ المَحمودِ بالشَّفَاعَةُ) أَضْبَطُ مِنْ رِوايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْم الَّتي فيها نِسبَةُ الإجْلاس. ثُمَّ يَقولُ: لأنَّ رِوايَةَ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْم ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ حِفْظَهُ نَاقِصٌ. وهذا فيهِ طَعنٌ في رِوايَتِهِ، وفيهِ جَرحٌ لهُ لسُوءِ الحِفِظِ وضَعفِهِ، فَإِذَا كَانَتِ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا رَاوٍ مُتَكَلَّمٌ فيهِ أو مَطعُونٌ فيهِ وهيَ مَرْفُوعَةٌ إِلَى رسولِ اللهِ ﷺ، لَا يُحْتَجُّ بِهَا فِي العَقَائِدِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ رِوايَةٌ عَنْ تَابِعِيٍّ لَمْ يَرْفَعْهَا إلى رَسولِ اللهِ ﷺ وَفِيهَا رَاوٍ ضَعيفٌ سَيِّئُ الحِفْظِ، أو في حِفظِهِ نَقصٌ، (مِنْ بابِ أولى أنَّهُ لا يُحتَجُّ بها).
فلِهذا اعْتِمَادًا عَلَى تَضْعِيفِ هذا السَّنَدِ الَّذِي فِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ لَمْ يَنْظُرْ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ إِلَى خِلَافِ مُجَاهِدٍ فِي هٰذِهِ القَضِيَّةِ، بَلْ نَقَلُوا الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ المَقْصُودَ بِـ “المَقَامِ المَحْمُودِ” فِي الآيَةِ الكَرِيمَةِ هِيَ “الشَّفَاعَةُ في يَومِ القِيامَةِ”. نَقَلُوا الإجماعَ على ذلك، وَمِمَّنْ نَقَلَ الإِجْمَاعَ على ذلك: الوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. ونَقَلَ الإِجْمَاعَ على ذلكَ أيضًا وَلمْ يَلتَفِت إلى رِوايَةِ مُجاهدٍ الَّتي فيها “الإجلاس” ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي كِتَابِهِ التَّمْهِيد.
الشَّيخ طارق داهود حَفِظَهُ اللهُ تعالى وغَفرَ اللهُ لهُ وللمُؤمِنِينَ والمُؤمِنات.
انتهى كلام الالباني وهو رد صاعق على كل وهابي مجسم ** إقعاده صلى الله عليه وسلم على العرش ليس فيه إلا هذا الحديث الباطل
الألباني مع كونه وهابياً فضح كل الوهابية الذين يعتقدون أن الله موصوف بصفات البشر كالجلوس والقعود, فتارة يقولون أنه جالس على العرش وتارة على الكرسي وتراهم يدافعون عن كل كلام مدسوس أو أثر ضعيف وموضوع في إثبات الجلوس…
وأهل السنة يقولون: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله ﷺ.
قال الألباني في فضح الوهابية: هذا حديث منكر لا يفرح به، وسلمة هذا متروك الحديث، وأشعث لم يلحق ابن مسعود “. قلت: قد وجدت له طريقا أخرى موصولا عن ابن مسعود مرفوعا نحوه، ولا يصح أيضا
ثم ذكره الذهبي نحوه عن عبد الله بن سلام موقوفا عليه وقال: ” هذا موقوف ولا يثبت إسناده، وإنما هذا شيء قاله مجاهد كما سيأتي « .
قلت: ومما يدل على ذلك أنه ثبت في ” الصحاح ” أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم. ومن العجائب التي يقف العقل تجاهها حائرا أن يفتي بعض العلماء من المتقدمين بأثر مجاهد
فاعلم أن إقعاده صلى الله عليه وسلم على العرش ليس فيه إلا هذا الحديث الباطل، وأما قعوده تعالى على العرش فليس فيه حديث يصح،
الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل، فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عز وجل. ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت “.
هذا حال الحديث وهو الأول من حديثي القعود على العرش، وأما الآخر فهو:
٨٦٧ – ” يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده: إني لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم، على ما كان فيكم، ولا أبالي “.
موضوع بهذا التمام.
*************
- 1- ذكر أسانيد هذه الرواية
- 2- بيان من أثبت هذه الفضيلة أو ذكرها
- 3- نقض ما ورد في كتاب السنة للخلال من تبديع وتجهيم منكر تفسير المقام المحمود
***************
قوله بالجلوس في حق الله تعالى ابن تيمية **
أما قوله بالجلوس في حق الله تعالى فهو ثابت عنه وإن نفاه بعض أتباعه لما استبشعوا ذلك، ذكر ذلك في كتابه منهاج السنة النبوية فقال ما نصه “ثم إن جمهور أهل السنّة يقولون إنّه ينزل ولا يخلو منه العرش كما نقل مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وحماد بن زيد وغيرهما ونقلوه عن أحمد بن حنبل في رسالته” اهـ. وهذه فرية على أهل السنّة ولا يستطيع أن يأتي بعبارة لأحد منهم، فهذا محض تقوّل على الأئمّة كما تقوّل في مسألة زيارة قبور الأنبياء والأولياء للدعاء عندها رجاء الإجابة، وتعامى عما أطبق عليه السلف والخلف من قصد القبور رجاء الإجابة من الله..


حكم من نسب الجلوس لله عند القاضي حسين بن محمد بن أحمد المروروذي المتوفى سنة 462 هجري
القاضي حسين بن محمد بن أحمد المروروذي الشافعي، هو من كبار أصحاب القفال المروزي، وكان يلقب بحبر الأئمة، وهو شيخ إمام الحرمين الجويني.
له: التعليقة في الفقه.
أخذ عنه الفقه جماعة من الأعيان، منهم أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي صاحب كتاب ” التهذيب ” وكتاب ” شرح السنة ” وغيرهما.
قال رحمه الله في التعليقة: “فيكفر بهذه المخالفة، وكذا من قال بخلق القرآن – أي من قال أن كلام الله الذي هو صفة ذاته مخلوق – أو لم يؤمن بالقدر أو اعتقد أن الله تعالى جالس على العرش فإنه يحكم بكفره و لا تصح الصلاة خلف هؤلاء”. انتهى


