إنّ مما يجبُ التّحذِيرُ مِنهُ مَا شَاعَ في بعضِ البلادِ مِنْ تَسمِيَةِ أبنَائِهم بنَحْوِ هَذا اللّفظِ عثمانُ العَبدُ الله وسَعيدُ العَبدُ الله

3- إنّ مما يجبُ التّحذِيرُ مِنهُ مَا شَاعَ في بعضِ البلادِ مِنْ تَسمِيَةِ أبنَائِهم بنَحْوِ هَذا اللّفظِ عثمانُ العَبدُ الله وسَعيدُ العَبدُ الله،فإنَّ هذا اللّفظَ فيهِ نِسبَةُ العُبُوديّةِ للهِ واللهُ لا يُوصَفُ بالعُبوديّةِ بل يوصَفُ بالألُوهيّةِ.
فَإنْ قالَ هؤلاء الذينَ يُسَمُّونَ بهذه الألفاظِ: نحنُ لا نَفهَمُ منه أنّ فيهِ وَصفَ اللهِ بالعُبُوديّةِ أي العَبديّة إنما نَفهمُ منهُ إضَافةَ هذا العَبدِ إلى الله مِلْكًا وخَلْقًا،قيلَ لهم: لكنّ اللّفظَ يُعطِي وَصْفَ اللهِ بالعَبْديّةِ بدُخولِ أل في كلِمةِ العَبد ولفظُ الجَلالةِ فيهِ لَفظُ أل فيَكُونُ المعنى العَبدُ الذي هوَ الله،وهذا لم يَكن مَعرُوفًا في العَربِ القُدَماءِ لا بَينَ المسلمِينَ ولا بينَ الجاهِليّة،الجاهليّةُ كانوا يُسَمُّونَ عبدَ يَغُوث وعبدَ العزّى،ويَغُوثُ اسمُ صَنَم مِن أصنَامِهم والعُزّى اسمُ صنَم أيضًا وهي مؤنّثَةٌ لأنّها جِنّيّةٌ كانت تَأوي إلى شجَرةٍ فيَأتي الجاهلِيّونَ ويُقَدّسُونها فقطَع خالدُ بنُ الوليدِ الشجرةَ وقتَلَ الجنّيّةَ التي كانت تَأوي إليها لأنّهم كانوا عُبّادَ الأوثانِ فكانُوا يُضِيفُونَ العَبدَ إلى صَنم ولا يُعرَف منهم اسمٌ يُسمّونَ به العَبدَ مُضَافًا إلى كلِمَةِ العَبدِ مَقرُونًا بأل مُتْبَعًا بلَفظِ الجَلالة.
وليسَ هذا مثلَ كلمة فلانٌ العابدُ للهِ لأنّ أل هنا اسم مَوصُول صِلتُها صِفةٌ صريحة وهو لفظُ العَابِد ثم أُتبِع لفظَ الجلالة فيكونُ معناهُ فلانٌ الذي يَعبُدُ الله،فلَو سمّى هؤلاء أولادَهم سعيدٌ العابدُ للهِ لم يكن به بأسٌ لأن معناه هذا المولودُ الذي اسمه سعيدٌ العابدُ لله يَعبدُ الله.
أمّا كلمةُ العبد فليسَت في حُكم العابِد فلا تكونُ صِلةً لأل لأنّ صِلةَ أل شرطُها أن تكونَ صِفةً صَريحة.(العابد اسم فاعل وهو واسمُ المفعولِ والصّفة المشَبَّهة هؤلاء صِفة صريحةٌ،أمّا عبد ليسَ مِنَ الصِّفاتِ الصّريحة).
قال ابنُ مالِك في الألفيّة:
وصِفةٌ صَريحةٌ صِلَةُ أل
                     وكونُها بمُعرَب الأفعالِ قَلْ
فلو سمَّوا سعيدُ عبد الله لكانَ من بابِ الإضافةِ فلا محظُورَ في ذلكَ لأنّهُ ليسَ فيهِ وَصفُ اللهِ بالعُبوديّة إنّما فيه أنّ سعيدًا مضَافٌ إلى عبدِ الله.
لا يجُوزُ أن يُقالَ فلانٌ العَبدُ اللهِ هذا وَصفٌ للهِ بالعُبودِيّةِ وهوَ ضَلالٌ،ولا يجُوزُ أن يُسمَّى شَخصٌ عِزّةُ اللهِ،عِزّةُ اللهِ صِفتُه،ولا يُوصَفُ بها المخلوقُ {واللهُ عَزيزٌ ذُو انتِقَام}سورة ءال عمران ءاية 4.أي لهُ العِزّةُ،أي مَوصُوفٌ بالعِزّةِ،ومَن سَمّى بهِ غَيرَ اللهِ إنْ فَهمَ المعنى يَكفُر.وكذلكَ لا يجوزُ تَسميةُ الشّخصِ بِ وَحِيدُ اللهِ وكذلكَ لا يجوزُ تَسميةُ الشّخصِ بِ بِسمِ اللهِ ومَن سمّاهُ بذلكَ يكفُر وأمّا مَن لم يَفهم فَسادَ المعنى إلا التّبركَ باسمِ اللهِ فلا يَكفُر ،وكذلكَ لا يجُوزُ تَسميَةُ الشّخصِ بِ كَليمُ اللهِ ومَن سمّى نفسَه بذلكَ كأنّهُ يَدّعِي النُّبوةَ،ومَن سمّى نفسَه سيّدَ البَشر إنْ فَهِمَ مَعناهُ يَكفُر،أمّا إنْ سمّى نفسَه أميرَ البشَر أَهون، ،وكذلكَ لا يجوزُ تَسميَةُ الشخصِ بِ قَريبُ الله ومَن فهِمَه على ظَاهرِه يكفُر،أمّا جارُ اللهِ فمعناهُ جارُ مَكّةَ،جارُ بيتِ اللهِ أي الكَعبةِ،الزّمَخشريُّ الملعونُ مَعروفٌ باسمِ جَارِ اللهِ لأنّه جاوَرَ مكّةَ زمانًا،أمّا تَسميةُ الجارُ اللهِ فهوَ كُفرٌ لأنّ معناهُ اللهُ جَارٌ كالذي يقُولُ العَبدُ اللهُ،أمّا تَسميَةُ العبدُ اللّطيفُ قد يُفهَم منهُ العَبدُ المتواضِعُ،رَحيمُ القَلبِ،فلا يَكونُ كُفرًا،أمّا إذا أرادُوا باللطيفِ اللهَ وقالوا العبدُ اللّطيفُ فهوَ كفرٌ،أمّا رامَ اللهَ فمعناهُ قَصَدَ اللهَ هذا ما فيه كفرٌ،أمّا مَن قالَ عن العَبدِ العَبدُ الرّحيمُ ومُرادُه رحِيمُ القَلبِ فيَجوزُ،وأمّا رَحمةُ اللهِ فيجوزُ التّسميةُ به،وكذلكَ رِزقُ اللهِ.