ابنِ تَيميَّة قال وَنَدِمْتُ عَلَى تَضْيِيعِ أَكْثَرَ أَوْقَاتِي فِي غَيْرِ مَعَانِي الْقُرْآنِ

نقل الحافظُ ابنُ رَجبٍ الحنبليُّ عنِ الحافظ الذَّهبي وصفَه حالَ شيخه ابنِ تَيميَّة في سِجن القَلعة بدمشق في أواخر حياته؛ فقال: ((وَبَقِيَ مُدَّةً فِي الْقَلْعَةِ يَكْتُبُ الْعِلْمَ وَيُصَنِّفُهُ، وَيُرْسِلُ إِلَى أَصْحَابِهِ الرَّسَائِلَ، وَيَذْكُرُ مَا فَتَحَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ مِنَ الْعُلُومِ الْعَظِيمَةِ وَالْأَحْوَالِ الْجَسِيمَةِ.
وَقَالَ [=ابْنُ تَيْمِيَّةَ]: “قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ فِي هَذَا الْحِصْنِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ مِنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ، وَمِنْ أُصُولِ الْعِلْمِ بِأَشْيَاءَ، كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَتَمَنَّوْنَهَا، وَنَدِمْتُ عَلَى تَضْيِيعِ أَكْثَرَ أَوْقَاتِي فِي غَيْرِ مَعَانِي الْقُرْآنِ!!!”)) [الذَّيلُ على طَبقاتِ الحنَابِلة (4/519)، مكتبة العبيكان: الرِّياض].
وهُنا وقفة تأمُّل عند قول ابنِ تَيميَّة: ((وَنَدِمْتُ عَلَى تَضْيِيعِ أَكْثَرَ أَوْقَاتِي فِي غَيْرِ مَعَانِي الْقُرْآنِ!!!”)) فهذا اعترافٌ صريح بأنَّ مُعظم أوقاته العلميَّة قد صرفها في غير الاشتِغال المباشر بمعاني القرآن الكريم. ولا شكَّ أنَّ القِسطَ الأكبر من تلك الأوقات كان قد أُنفِق في الانتصار لمقولاته العَقديَّة المشهورة، الَّتي طالما زعم أنَّها عَين ما دلَّ عليه القرآن الكريم.
ولكن إذا كان هذا هو حاله، فكيف يُفهَم إنفاق تِلك الأوقات في تقرير عقائد التَّجسيم، والتَّلفيق بَين شُبه الفِرق الضَّالَّة وآراء الفلاسفة؟! ومِن أبرز ذلك: قوله بقِدَم العالَم بالنَّوع، وتسلسل الحوادث إلى لا بِداية، وزعمه أنَّ الله لَم يَزَل بِمَعِيَّة مخلوقاته؟! أليس هذا كلّه ممَّا يَدخل في دائرة تلك الأوقات الَّتي أقرَّ هو نفسه أنَّها قد ضُيِّعت في غَير معاني القرآن؟!.
وإنَّما نُورد هذا النصَّ؛ لإظهار تَهافت مسلك هذا المُشَيَّخ على الإسلام وأتباعه التيميَّة، في دعواهم العريضة أنَّ طائفةً مِن مُتكلِّمي أهلِ السُّنَّة قد نَدِموا وتابوا على إنفاق أعمارهم في نُصرة عقيدة الإسلام بعِلم الكلام، وما صنيعهم مع وَصيَّة الإمام الفخر الرَّازي عنَّا ببعيد.
فلو سلكنا معهم طريقهم هذا في الفهم؛ لوَجب عليهم أن يعترفوا بأنَّ شيخَهم الأكبر قد نَدم في آخر عُمره على تَضييع جُلّ أوقاته في نُصرة مذهبه العَقَديِّ القائمِ على التَّلفيق بَين التَّجسيم والتَّفلسف.