حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِيْ فِي الصَّلَاةِ

علم الدين حياة الاسلام:
شَرْحُ حَدِيث “حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ” وَالحَذَرُ مِن زِيادةٍ مُنْكَرة لَيْسَت مِنَ الحَدِيث

الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِيْ فِي الصَّلَاةِ ” رَوَاهُ الحَاكِمُ وَالبَيْهَقِيُّ.

قال الإمام الهرري : مَعْنَاهُ مِزَاجِي يَمِيلُ لِلنِّسَاءِ وَالطِّيبِ، لَكِنْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ، مَعْنَاهُ يَرْتَاحُ قَلْبُهُ بِالصَّلَاةِ أَكْثَرَ اهـ

يَعْنِي كَانَ فِيهِ المَيْلُ الطَّبِيعِيُّ لِنِسَائِهِ وَالطِّيبِ مِنْ غَيْرِ تَتَبُّعٍ لِذَلِكَ.

وَيَنْبَغِي الحَذَرُ مِمَّا يَرْوِيهِ البَعْضُ عَنِ النَّبِيِّ حَدِيثًا: “حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُم ثَلَاثٌ” بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّهَا رِوَايَةٌ لَا تَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ الرَّسُولَ لَا يُدْخِلُ الصَّلَاةَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا. فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا زِيَادَةُ لَفْظِ “ثَلَاثٌ” أَنْكَرَهَا الحُذَّاقُ مِنَ العُلَمَاءِ، فَقَدْ قَالَ المُنَاوِيُّ: “زَادَ الزَّمَخْشَرِيُّ لَفْظَ ثَلَاثٍ وَهُوَ وَهَمٌ” اهـ، وَقَالَ العِرَاقِيُّ فِي أَمَالِيِّهِ: “لَفْظُ ثَلَاثٍ لَيْسَتْ فِي شَىْءٍ مِنْ كُتُبِ الحَدِيثِ، وَهِيَ تُفْسِدُ المَعْنَى” اهـ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: “لَمْ يَرِدْ فِيهِ لَفْظُ ثَلَاثٍ، وَزِيَادَتُهَا مُخِلَّةٌ لِلْمَعْنَى” اهـ، وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: “لَمْ تَقَعْ فِي شَىْءٍ مِنْ طُرُقِهِ، وَهِيَ تُفْسِدُ المَعْنَى إِذْ لَم يُذْكَرْ بَعْدَهَا إِلَّا الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ، ثُمَّ لَمْ يُضِفْهُ إِلَى نَفْسِهِ” اهـ.

علم الدين حياة الاسلام:
الحمد للهِ ربّ العالمين والصلاة والسّلامُ على سَيّد المرسَلِين خَاتَم النّبِيّين وقائدِ الغُرّ المحَجَّلِين يومَ القِيَامة وعلى جميع إخوانِه مِنَ النّبِيّين وعلى آلِه الطّاهِرينَ

أمّا بَعدُ فإنّ أَعْظَمَ نِعَم الله تعالى على عِبادِه الإسلام على مَذهَبِ أهلِ السُّنّةِ والجَماعَة لأنّ مَذهَبَ أهلِ السُّنّة والجمَاعةِ هوَ مَا كانَ علَيهِ الرّسولُ والصّحَابَةُ، ثم تنَاقَلَه المسلِمُونَ خَلَفًا عن سَلَف، أي مِن عَصره صَلّى الله عليه وسلم إلى وَقتِنا هذا،

ولا يَزالُ مَذهَبُ أهلِ السُّنّةِ هوَ عَقيدَةُ جمهُور الأمّةِ إلى يوم القِيامَةِ،

أمّا مَا سِوَى مَذهَبِ أَهلِ السُّنّةِ والجمَاعَةِ فإنّها تَنقَرِضُ، حَدَث فيمَا مَضَى نَحوُ اثنتَين وسَبعِينَ فِرقةً كُلٌّ يَدّعُونَ الإسلامَ شَذُّوا عمّا كانَ علَيهِ الصّحَابةُ ومَن تَبِعَهُم مِن جُمهُور الأمّة،

ثم نبَغَت طائِفَتانِ بل أكثَر، طائفةٌ مُنذُ نَحوِ ثَلاثِمائةِ سَنَةٍ تَقريبًا تَدَّعِي الإسلامَ وهُم مُنحَرفُونَ عن الإسلام لأنّهم خَالَفُوا مَا كانَ علَيهِ الصّحَابَةُ ومَن تَبِعَهُم إلى عَصرنا هذا، مِن هؤلاء الوهّابيّةُ أتباعُ رَجُلٍ ظَهَر في نَجْدِ الحِجَاز منذُ مائتَين وخمسِينَ سَنةً تَقريبًا ببِدعَةٍ ادّعَاهَا دِينًا وهيَ لَيسَت مِنَ الدّين يُقَالُ لهُ محمّدُ بنُ عبد الوهّاب،

وفِرقَةٌ أُخرَى أتبَاعُ سيّد قُطُب المصري وهَذه الفِرقَةُ مَضَى علَيها نَحوُ سَبعِينَ سَنةً وفِرقَةٌ أُخرَى يُقَالُ لها التّحريريّة كذلكَ مَضَى علَيها نَحوُ سَبعِينَ سَنةً، كُلُّ هؤلاء مُخَالِفُونَ للقُرآنِ والحَديثِ،

علم الدين حياة الاسلام:
لماذا الهجرة النبوية

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِ الأوّلين والآخِرين قائدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ إمامِ الأتْقياءِ العارِفينَ المُجاهِدين، سيّدِنا وقائِدِنا وحبيبِنا ونورِ أبْصارِنا وقُرّةِ أعْيُنِنا محمّد النبيِّ العربيِّ الأميِّ الأمين العالِي القدرِ العظيمِ الجاهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَنْ والاه.

أمّا بعدُ لمْ تكُنْ هِجرةُ النبيِّ طلبًا للرّاحةِ ولا هَربًا منَ المُشرِكينَ ولا تَخَلِّيًا عنِ الدّعوةِ إلى اللهِ، ولكنْ تَنْفِيذًا لِأمرِ اللهِ تعالى. 

فهوَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ القائل (( ما لي وللدّنيا ومالِ الدّنيا ولي إنّما أنا كرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وتَرَكَها ))

وهو القائلُ لِعَمِّهِ أبي طالبٍ (( واللهِ يا عَمّ لوْ وضَعوا الشّمسَ في يَميني والقمرَ في يَساري على أنْ أتْرُكَ هذا الأمرَ ما تَرَكْتُهُ حتّى يُظْهِرَهُ اللهُ سبْحانَهُ أوْ أهْلِكَ دونَهُ )).

لمْ تكُنْ هِجْرَتُهُ صلّى اللهُ عليه وسلّم جُبْنًا أوْ فِرارًا بلْ كانت انْتِقالًا مِنْ دارٍ صَعُبَ فيها نشْرُ الدّعوةِ إلى دارٍ وُضِعَ فيها أساسُ الدّولةِ الإسلاميّةِ العظيمةِ، فتألّفَتْ قلوبُ الأوْسِ والخَزْرَجِ وتآخَى المُهاجرونَ معَ الأنصارِ فصارتِ الهجرةُ فُرقانًا بينَ الحقِّ والباطلِ وكثُرَ المؤمنونَ بعدَ قِلّةٍ واجْتَمعوا بعدَ شَتات.

إنَّ علينا يا أحبابَنا أنْ نَعْتَبِرَ بِمعانِي الهِجرة ونَأخُذَ منها الدروسَ والعِظات. 

ففي الهجرةِ مُفارَقةٌ للوطنِ والأهلِ والدّيارِ والأموالِ وفي هذا ثباتُ المؤمنِ على عقيدةِ الحقِّ وصبرٌ وعزْمٌ وتَضْحيةٌ جعلَ اللهُ فيها الثّوابَ الجَزيلَ.

والرّسولُ صلّى اللهُ عليه وسلّم يقول (( إنّما الأعمالُ بالنّياتِ وإنّما لِكُلِّ امرئٍ ما نَوى فَمنْ كانتْ هِجرَتُهُ إلى اللهِ ورسولِهِ فهِجرَتُهُ إلى اللهِ ورسولِه ومَنْ كانتْ هِجرَتُهُ لِدُنيا يُصيبُها أو امرأةٍ يَتزَوَّجُها فَهِجرَتُهُ إلى ما هاجرَ إليه )).

هجرَتُكَ يا سيِّدي يا رسولَ اللهِ درسٌ يُسَطِّرُهُ التاريخُ شمسًا مُنِيرةً تُرْشِدُ وتَهدِي وعِبَرًا وحِكَمًا تَدُلُّ وتُسَدِّدُ. هجرةٌ بِأمرِ اللهِ لِنَشرِ الخيرِ الذي أعْطاكَهُ اللهُ، فسِرْتَ يا سيِّدي يا رسولَ اللهِ في رَكْبِ العَزيمةِ وحَمَلْتَ لِواءَ الدّينِ وتآخَى النّاسُ تحتَ رايةِ الحبِّ في اللهِ، مُهاجرينَ وأنْصارًا ولمْ تُفَرِّقْهُمُ الدّنيا بلْ جَمَعَتْهُمُ الآخرة وكلُّهمْ رجاءَ أنْ يَلْقَوْكَ يا حبيبي فيها ويُحْشَروا تحتَ لِوائِكَ ويَشرَبوا مِنْ حوْضِكَ وتكونَ أنْتَ إمامَهُمْ فيها كما كُنْتَ إمامَهُمْ في حياةٍ خرجوا منها مؤمنينَ مُوَحِّدين.

ما أحْوَجَنا في ذكْرى الهجرةِ النّبويّةِ الكريمةِ أنْ نَقْتَدِيَ برسولِنا صلّى اللهُ عليه وسلّم ونُوَحِّدَ صفوفَنا ونُضاعِفَ جُهودَنا ونَجْمَعَ كَلِمَتَنا لِمُواجهةِ المَخاطرِ والتّحَدّياتِ.

ما أحْوَجَنا أنْ نَسْعى نحوَ الخيرِ وأنْ نكونَ مُتَعاوِنينَ في وجهِ مَنْ يُريدُ الشرَّ والفِتْنةَ.

وأخيرًا، نسألُ اللهَ أنْ يُسَدِّدَنا وأنْ يُوَفِّقَنا وأنْ يُوَحِّدَ كلِمَتَنا تحتَ رايةِ الحقِّ والعَدْلِ.

وآخِرُ دَعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين.

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي