سنُرِيْهِم آياتِنا في الآفَاقِ وفي أنفُسِهم حتى يتَبيّنَ لهُم أنّهُ الحَقّ

من دروس الإمام الهرري رضي الله عنه

قال شيخُنا الإمامُ الحَافظُ الفَقِيهُ المفَسّرُ النَّحْويُّ الأُصُوليُّ اللُّغَويُّ الشَّيخُ عبدُ اللهِ الهَرري: (سنُرِيْهِم آياتِنا في الآفَاقِ وفي أنفُسِهم حتى يتَبيّنَ لهُم أنّهُ الحَقّ)) أي سَنُرِيهِم دَلائلَ وجُودِنا وقُدرَتِنا وعِلمِنا، وهَذا في الدُّنيا.

وسَنُرِيهِم فَتْحَ البِلادِ شَرقًا وغَربًا وفَتحَ مَكّةَ، وهَذه الطّائراتُ مِن جُملَةِ الآيات.
{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} أي القُرآنُ أو الإسلام.

ورَوَى أبو القَاسِم الأنصَاريّ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا فِكْرَةَ في الرّبّ”رواه السُّيُوطيّ في الدر المنثور والقُرطبيّ والفَخْر الرّازيّ وأبو حيان في تفاسيرهم. معناهُ لا يَجُوز التّفَكُّر في ذاتِ الله لأنّهُ لا شَبِيهَ لهُ، أمّا التّفَكُّر في المخلُوقاتِ واجِبٌ هَذا يُقَالُ لهُ استِدلالٌ عَقلِيّ على وجُودِ اللهِ وقُدرَتِه لأنّ الاستِدلالَ عَقلِيّ أو نَقلِيّ، ثم المسلمُ قَد يُجَادِلُ مَن لا يؤمِنُ بالكُتُب السّمَاويّةِ أو يَدّعِي أنّهُ يؤمِنُ بالتّورَاةِ والإنجِيل ولا يؤمِنُ بالقُرءانِ فهَذا كيفَ تُجادِلُه إذا كُنتَ لا تَعرِف الدّليلَ العَقلِيّ.

“لا فِكرَة في الرّبّ” معناهُ اللهُ لا يُدركُه الوَهْم لأنّ الوَهمَ يُدركُ الأشياءَ التي لها وجُودٌ في الأرض كالإنسانِ والغَمام والمطَر والشَّجَر وما أشبَه ذلك ولو لم يَره، ما كانَ جِسما كالعرش يتَصوّرُه، وكذلكَ إذا ذُكِرَتْ لنا الجنّةُ، يُمكنُنا أن نتَصَوّرَها في أوهَامِنا فنُصَادِفَ في بعضِ الصّفاتِ ونخطِئ في بعضِ الصّفات. لذلكَ التّفكُّر في مخلوقاتِ الله يَنفَعُ لأنّه يصِلُ بهذا الفِكر إلى قُوّة اليَقِين ويَزدادُ عِلمًا بقُدرَة اللهِ وكمَالِه.

يقولُ اللهُ تَعالى{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)} الإبلُ فيها آياتٌ على قُدرَةِ اللهِ وحِكمَتِه، لها مَزايا لا تُوجَدُ في غَيرِها، تَصبِرُ عن الماءِ سَبعةَ أيّام وهيَ في السَّير في الطَّرِيق، ثم تَحمِلُ مَا لا يَحمِلُه غَيرُها مِنَ الأنعَام، العَرَبُ الرُّحَّلُ الذينَ يَسكُنُونَ بُيُوتَ الشَّعَر كانوا يضَعُونَ هَذه البيُوتَ على ظَهْرِها ويَتَنَقَّلُونَ إلى حَيثُ يُرِيدُونَ. وفيها غَيرُ هَذا منَ المزايا، معنَاه هؤلاءِ الكُفّار الذينَ يَعبُدونَ الأوثانَ ألا يتَفَكَّرُونَ في صِفاتِ خِلْقَةِ الإبل التي هيَ عَجِيبَةٌ. وإلى السّماءِ التي فيها عجَائب مما يَدُلُّ على قُدرَةِ الله وحِكمَتِه وعِلمِه، ثم أيضًا ألا يُفَكّرُونَ في الجِبَالِ كيفَ رَكَزَها اللهُ تَعالى على وَجْه الأرض وجَعَلَها مُثَبّتَاتٍ للأرضِ وجَعَلَ فيها مَنافِع ومَزَايا كَثِيرةً، ثم ألا يُفَكّرُون في الأرض كيفَ سُطِحَت أي جعَلَها اللهُ مُمتَدَّةً واسِعَةً بحُيثُ يتَمَكَّنُ البَشَرُ مِنْ أنْ يَعِيشُوا علَيها، مَا يتَفَكَّرُونَ في كُلّ هذا، مَعناه كانَ حَقًّا علَيهِم أنْ يتَفَكَّرُوا فيُؤمِنُوا باللهِ ويَتركُوا عِبادَةَ الأوثان. سُطِحَت مَعناه وُسِّعَت، الأرضُ اللهُ وَسَّعَها ما جعَلَها شَيئًا حَادًّا لا يُمكِنُ السُّكنَى علَيها والعَيشَ فيها، جَعَل فيها أمَاكِنَ مُرتَفِعَةً وأمَاكِنَ مُنخَفِضَةً لأنّ الأماكِنَ المرتَفِعَةَ لها مَزِيّةٌ على غَيرِها والأراضي المنخَفِضَةَ لها مَزِيّةٌ على غَيرِها، كُلٌ خَلقَهُ اللهُ لحِكمَةٍ، كُلٌ يَدُلُّ على حِكمَةِ اللهِ وقُدرَتِه، وُجُودُ هَذه العَوالم ووُجُودُ هَذه الأرضِ والسّماء ووُجودُ الإنسان يَدُلُّ على ذلك، الإنسانُ نَفسُه يَعرِف أنّ لهُ خَالقًا أَوْجَدَه وأَوجَد هذه الأرضَ والسّمَوات لو تَفكّرَ وأنّ هذه العَوالمَ مَا أَوجَدَتْ نَفسَها، أمّا آدمُ علَيه السَّلام اللهُ أَلهمَه الإيمانَ أوَّلَ مَا خُلِقَ، النّبَاتَاتُ مَا أَوْجَدَت نَفسَها وهَكذا النّجُومُ وهَكذا الزَّرْع، هَذا دَليلٌ عَقلِيٌ على وجُودِ الله.)

بصوت فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرزاق الشريف رحمه الله رحمة واسعة وغفر له ولوالديه

أخلصوا النية لله بسماعه ونشره

لا فلاح الا بتعلم أمور الدين
قناةُ عِلْمُ الدِّيِن حَيَاةُ الإِسْلام دُرُوس مُحَررَة