قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:
قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ كُلَّمَا ازْدَادُوا إِيمَانًا فِي قُلُوبِهِمْ أَظْهَرُوا مَا يُطَابِقُهُ فَقَالُوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: {حَسْبُنَا اللَّهُ} أَيْ كَافِينَا اللهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: وَحَسْبُكَ مِنْ غِنًى شِبَعٌ وَرِيٌّ ؛ أَيْ يَكْفِيكَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ.
وَأَمَّا “الْوَكِيلُ” فَفِيهِ أَقْوَالٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْكَفِيلُ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْوَكِيلُ: الْكَافِي، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ “نِعْمَ” سَبِيلُهَا أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَعْدَهَا مُوَافِقًا لِلَّذِي قَبْلَهَا، تَقُولُ: رَازِقُنَا اللهُ وَنِعْمَ الرَّازِقُ، فَكَذَا هَهُنَا تَقْدِيرُ الْآيَةِ: يَكْفِينَا اللهُ وَنِعْمَ الْكَافِي.
وَقِيْلَ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهُوَ الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ، وَالْكَافِي وَالْكَفِيلُ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى وَكِيلًا؛ لِأَنَّ الْكَافِيَ يَكُونُ الْأَمْرُ مَوْكُولًا إِلَيْهِ، وَكَذَا الْكَفِيلُ يَكُونُ الْأَمْرُ مَوْكُولًا إِلَيْهِ. اهـ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيْرِهِ الْجَامِعِ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} أَيْ كَافِينَا اللهُ. “وَحَسْبُ” مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِحْسَابِ، وَهُوَ الْكِفَايَةُ. قَالَ الشَّاعِرُ: فَتَمْلَأُ بَيْتَنَا إِقْطًا وَسَمْنًا وَحَسْبُكَ مِنْ غِنًى شِبَعٌ وَرِيٌ
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ، وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ السُّنِّيِّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: حَسْبِيَ اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، كَفَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ”.
أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَيُقَالُ: اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ، وَلَقَبُهُ: عُوَيْمِرٌ، الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَاضِي دِمَشْقَ وَسَيِّدُ الْقُرَّاءِ فِيهَا.
