- بيان أن الاختلاف في بعض المسائل الفرعية المتعلقة بالصفات لا يلزم منه التكفير – الجزء الأول –
- رد دعوى أن الفخر الرازي وافق المعتزلة في قولهم بأن علم الله متغير.
- التحسين والتقبيح بين العقل والشرع
- ذكر بعض علماء السلف ممن وافق الأشاعرة في مسألة الكلام النفسي واللفظ المنزل
بيان أن الاختلاف في بعض المسائل الفرعية المتعلقة بالصفات لا يلزم منه التكفير – الجزء الأول –
مسألة الحكم على المخالف في بعض الفروع المتعلّقة بصفات الله تعالى تُعدّ من القضايا التي تناولها الإمام فخر الدين الرازي بالبحث والتحليل في مؤلفه «نهاية العقول»، حيث أفاض في بيان ضوابطها وتفصيل أحكامها، فقال: “المسألة الثانية في حقيقة الكفر حدَّه القاضي رحمه الله بأنه الجحد بالله تعالى، وربما فسر الجحد بالجهل، وربما قال: الجحد متضمن للجهل، وقالت المعتزلة: الكفر: فعل قبيح أو إخلال بواجب يستحق به أعظم العقاب.
فهذا ملخص تعريفات الناس للكفر، وهي – بأسرها – ضعيفة.
أما الأول، فإن كان المراد بالجهل بالله تعالى الجهل بوجوده، فهو خطأ؛ لأنه يلزم أن كل ما لا يكون جهلاً بالله أن لا يكون كفراً؛ لأن الحد واجب الانعكاس، فكان يلزم أن لا يكون الجهل بقدَمِهِ، وكونه قادراً عالماً حياً، والجهل بنبوة محمد كفراً. وإن أراد به الجهل به تعالى سواء كان جهلاً بذاته، أو بصفة من صفاته، فهو أيضاً خطأ طرداً وعكساً”. انتهى
فقد تحدث الفخر الرازي في هذه المسألة عن حقيقة الكفر وماهيته، أي عن الحدّ الذي يمكن أن يُعرَّف به الكفر تعريفًا جامعًا مانعًا. وقد نقل في هذا السياق عدة تعريفات صدرت عن المتكلمين، ثم قام بتحليلها ونقدها، فنقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني أن الكفر هو الجحد بالله تعالى. وذكر أن الجحد فُسر أحيانًا بأنه الجهل بالله، وأحيانًا أخرى قيل إن الجحد يتضمن معنى الجهل، أي أنه يشمله ويزيد عليه بمعنى الإنكار والمكابرة.
أما المعتزلة فقد ذهبوا إلى أن الكفر هو فعل قبيح أو إخلال بواجب يستحق به صاحبه أعظم العقاب، أي جعلوه نوعًا من الذنوب العظيمة التي توجب أشد أنواع العقوبات.
ثم قرر الفخر الرازي أنها جميعًا ضعيفة وغير دقيقة في بيان ماهية الكفر الحقيقية، بمعنى أن هذا التعريف ليس شاملا لحد الكفر، بل هو تعريف ناقص.
ثم شرع الفخر الرازي في بيان أوجه الضعف في تلك التعريفات، فبدأ بنقد تعريف الباقلاني. فقال: إن كان المقصود بالجحد بالله تعالى هو الجهل بوجود الله فقط، فإن هذا التعريف غير صحيح؛ لأن لازم هذا القول أن كل من لم يجهل وجود الله لا يكون كافرًا، مع أنه يوجد من يؤمن بوجود الله، لكنه ينكر صفاته أو ينكر نبوة محمد ﷺ، ومع ذلك يُعد كافرًا.
وهذا يعني أن تعريف الكفر بالجهل بوجود الله، هو تعريف قاصر، لأنه لا يشمل جميع صور الكفر الأخرى.
ومن جهة أخرى، أشار الفخر الرازي إلى أن “الحدّ” أو “التعريف” ينبغي أن يكون منعكسًا، أي أن كل من تحققت فيه صفات المعرَّف يُعد داخلًا في الحدّ، وكل من انتفى عنه المعرَّف يجب أن ينتفي عنه الحدّ كذلك. أما هذا التعريف فلا يحقق هذا الشرط، إذ يخرج منه بعض صور الكفر، كالكفر بالصفات أو بالرسل.
ثم انتقل الرازي إلى احتمال آخر في معنى الجهل بالله، فقال: ” وإن كان المقصود بالكفر الجهل بذات الله أو بصفة من صفاته، فإن هذا أيضًا خطأ من جهتين” :
من جهة الطرد: أي من جهة إدخال ما ليس من الكفر في حدّ الكفر؛ لاستلزامه نتائج غير مقبولة.
لأن الجهل ببعض القضايا الفرعية المتعلقة بالصفات لا يُعد كفرًا، كعدم القدرة على سبك العبارات وفق اصطلاحات المتكلمين مع اعتقاد الحق، وكالاختلاف في تقسيم الصفات إلى صفات نفسية وسلبية وصفات معاني وصفات معنوية، فكل ذلك لا يعد كفرا.
ومن جهة العكس: أي من جهة إخراج ما هو كفر من الحدّ؛ لأن هناك من يعرف الله وصفاته معرفةً تامة، ولكنه يجحدها عنادًا واستكبارًا، كما فعل إبليس وكبعض مشائخ الضلال، فهؤلاء كفار مع علمهم، لا بجهلهم.
إذن فمجرد تعريف الكفر بالجهل، تعريف ناقص من الناحيتين النظرية والواقعية؛ لأن الكفر لا يلازم الجهل، فقد يكون الكافر عالمًا معاندًا. كما أن الجهل قد يوجد في غير الكافر، فلا يصح اتخاذه معيارًا لتعريف الكفر بحسب ما ذكره الفخر الرازي.
أما تعريف المعتزلة، الذي جعل الكفر فعلًا قبيحًا أو إخلالًا بواجب يستحق به أعظم العقاب، فهو أيضًا تعريف قاصر، لأن الفعل القبيح لا يستلزم الكفر دائمًا، فقد يفعل المؤمن معصية قبيحة دون أن يخرج من الإيمان.
وبهذا يخلص الرازي إلى أن جميع تعريفات الكفر السابقة لا تعبر عن حقيقته الدقيقة.
*******
رد دعوى أن الفخر الرازي وافق المعتزلة في قولهم بأن علم الله متغير.
زعم بعضهم أن الرازي صحح في كتابه المطالب العالية الذي انتهى من تصنيفه سنة 606 هجري، مذهب أبي الحسين البصري المعتزلي المتوفى سنة 436 هجري في ادعاءه أن علم الله يتغير عند تغير المعلوم.
وقول هؤلاء من الكذب القبيح ، فهم يحاولون التلبيس على العوام، وضعفاء الفهم و الترويج لأباطيل واهية مفادها أن الرازي قد وافق المعتزلة في ٱخر حياته في عقائدهم الفاسدة.
ولفهم كلام الرازي على الوجه الصحيح ينبغي الرجوع لسياق النص بتمامه كما ذكره تحت المسألة الثانية: “في إثبات كونه تعالى متكلما”، ثم مقارنته مع ما نقله عن أبي الحسين البصري في نفس المسألة التي نقلها في تفسيره مفاتيح الغيب. لفهم ما يذكره.
وبالرجوع للمطالب العالية نجد أن الفخر الرازي نقل مقالات لفريقين من المتكلمين حول صفة الكلام لله عز وجل، ثم أورد حجج الفريقين وردودهما على بعضهما البعض.
فقال الرازي: “فأما الذين فسروا ذلك الطلب – أي كلام الله- بالإرادة فقالوا: ثبت أنه تعالى مريدا لبعض الأشياء وكارها لبعضها، فإذا خلق أصواتا في جسم مخصوص تدل تلك الأصوات بالوضع والاصطلاح على كونه تعالى مريدا، لما أراد، وكارها لما كره. وذلك هو الكلام”. انتهى
فهذا الكلام أورده الفريق الأول الذي فسر كلام الله بالإرادة، وهذا الفريق هو الذي ذكر الاعتراضات اللاحقة على خصمه، والتي نقلها الرازي بعد ذلك بقوله؛
“وأما الذين فسروا ذلك الطلب -أي كلام الله- بمعنى مغاير للإرادة فهم يحتاجون إلى إثبات مقدمات. أولها: الفرق المعقول بين ذلك الطلب وبين الإرادة. وثانيها: إقامة الدلالة على كونه تعالى موصوفا بذلك المعنى، وليس للقوم فيه دليل جيد على ما سيأتي شرحه. وثالثها: إن القائلين بهذا المعنى زعموا أن هذا الشيء قديم، وهو بعيد”. انتهى
فهذا بتمامه كلام الفريق الأول وهم المعتزلة كما سيأتي بيانه لاحقا من كتاب مفاتيح الغيب.
ثم واصل الرازي في نقل أدلة هذا الفريق وهو قولهم: “ويدل عليه وجوه:
الأول: إنه لا معنى للأمر والنهي إلّا التزام الفعل، والتزام الترك، والعلم الضروري حاصل بأنه قبل وجود زيد فإنه يمتنع أن يحصل إلزامه فعلا، وإلزامه تركا. فإن معنى الإلزام أن نقول: يا زيد ألزمتك هذا الفعل. ويا عمرو ألزمتك هذا الترك. والعلم الضروري حاصل أن عند عدم زيد، وعدم عمرو، فإنه يمتنع أن نقول: يا زيد ألزمتك هذا الفعل، ويا عمرو ألزمتك هذا الترك، وإن لم يكن هذا العلم ضرورية، فليس عند العقل شيء من العلوم الضرورية. والثاني: إنه تعالى أخبر عن أشياء كقوله: “إِنّ إنا أرسلنا نوحا” و “عصى ٱدم”، ومعلوم أن المخبر عنه سابق في الوجود على حصول الخبر، فلو كان هذا الخبر أزليا، لزم أن يكون الأزلي مسبوقا بغيره، وهو محال. فإن عارضوا ذلك بالعلم نقول: قد ذكرنا: أن المذهب الصحيح في هذا الباب هو قول أبي الحسين البصري: وهو أنه يتغير العلم عند تغير المعلوم.
الثالث: وهو أنه تعالى لما ألزم زيدا إقامة صلاة الصبح، فإذا أتى زيد بذلك الفعل. فهل بقي ذلك الإلزام الأول، أو لم يبق، فإن بقي وجب أن لا يكون له سبيل إلى الخروج عن العهدة، لأنه وإن أتى بذلك الفعل ألف ألف مرة، فالإلزام الأول باقي (وإن لم يبق ذلك الالزام فقد عدم، والمتكلمون مصرون على أن القديم يمتنع عليه العدم، فلما عدم هذا الإلزام) وهذا الأمر، وجب على مقتضى قولهم: أن لا يكون قديما.
الرابع: إن النسخ عندهم جائز، والنسخ عبارة عن رفع الحكم بعد ثبوته. أو عن انتهاء (زمن) ذلك الحكم . وعلى التقديرين فقد عدم بعد وجوده، وما يثبت عدمه امتنع قدمه.
الخامس: إن الصفة القديمة الأزلية تكون تعلقاتها (بمتعلقاتها) أمرا ذاتيا لازما واجبا. فلو كان أمر الله قديما لوجب تعلقه بكل ما يصح (تعلقه) به، لكن الحسن والقبح العقليين باطل عند القائلين بهذا القول، فلا شيء إلا ويصح الأمر به، ولا شيء إلا ويصح النهي عنه، فيلزم تعلق الأمر بكل الأشياء، وتعلق النهي بكل الأشياء، فيلزم كون الأشياء بأسرها مأمورا بها، منهيا عنها، وذلك يوجب اجتماع الضدين، وهو محال.
السادس: إنا كما بينا: أن العلم بالشيء، يجب أن يتغير عند تغير المعلومات (فكذلك الخبر عن الشيء يتغير عند تغير المخبر عنه، وكل ما يتطرق التغير إليه وجب أن لا يكون قديما، لأنه) ثبت أن ما كان قديما كان العدم عليه محالا”. انتهى
فهذه الحجج التي نقلها الرازي، هي في الأصل حجج المعتزلة، وقد استدلوا بكلام زعيمهم أبي الحسن البصري المعتزلي الذي كان يقول بتغير العلم بتغير المعلوم، لأن العلم عنده ليس صفة بل مجرد نسبة فقط، ولذلك صحح المعتزلة مذهبه. ومجرد نقل الرازي لحجج الفريق الأول، لا يدل أن الرازي ينفي قيام الصفات بالذات متابعة لهم في هذا، فهو لا ينفي الصفات أو يقول بقول المعتزلة.
ثم شرع الفخر الرازي في ذكر حجج الفريق الثاني أيضا من غير تسميتهم وهم الأشعرية، بدليل قوله: “واحتج القائلون بقدم الكلام بأشياء” فاتضح هنا أن الرازي يستعرض أقوال الفريقين لا أنه يقر بها جميعها. وتمام النص هو قوله:”واحتج القائلون بقدم الكلام بأشياء:
الأول: إنه تعالى حيّ، وكل حيّ فإنه يصح أن يكون متكلما، وكل من صح عليه الاتصاف بصفة، فإنه يجب أن يكون موصوفا بتلك الصفة أو بضدها. وضد الكلام هو الخرس والسكوت. وذلك نقص، والنقص على الله تعالى محال، فوجب أن يكون في الأزل موصوفا بالكلام.
والثاني: وهو أنا أجمعنا على أنه تعالى متكلم، فأما أن يكون متكلما لذاته وهو باطل بالاتفاق أو يكون متكلما بالكلام، وذلك الكلام إن كان حادثا، فأما أن يحدث في ذاته، أو في غيره، أولا في محل. والأقسام الثلاثة باطلة، فبطل كون الكلام حادثا، فوجب أن يكون قديما. وإنما قلنا: إن حدوث الكلام في (ذات الله محال، لأنه يوجب قيام الحوادث بذات الله وهو محال. وإنما قلنا: إن حدوث الكلام في) غيره محال، لأنه لو جاز أن يكون متكلما بكلام حاصل في غيره، لجاز أن يكون جاهلا بجهل يقوم بغيره، وعاجزا بعجز يقوم بغيره. وذلك باطل. وإنما قلنا: إن حدوث الكلام لا في محل: محال بالاتفاق. وأيضا: فكلام الله تعالى صفة، وصفة الشيء تكون حاصلة فيه لا محالة. والثالث: إن الكلام إما أن يكون صفة كمال، أو صفة نقص. فإن كان صفة كمال وجب أن يكون موصوفا به أبدا. إذ لو لم يكن موصوفا به في الأزل لزم كونه خاليا عن صفة الكمال، والخلو عن صفة الكمال نقصان، والنقصان على الله محال. وإذا كان صفة نقص وجب أن لا يتصف به البتة، لأن النقص على الله عز وجل محال. وحيث توافقنا على أنه تعالى قد اتصف به، علمنا أنه ليس من صفات النقص.
الرابع: إن العلم الضروري حاصل بأن المتكلم أكمل وأفضل ممن لم يكن متكلم، ولا شك أن الواحد منا متكلم. فلو لم يكن الله في الأزل متكلما، لزم أن يكون حال الواحد منا عند وجوده أفضل وأكمل من الله تعالى، حين كان في الأزل، وذلك محال. فيثبت أنه تعالى موصوف بالكلام في الأزل”. انتهى
الى هنا انتهى كلام الفريق الثاني الذي يثبت قدم كلام الله عز وجل
ثم بدأ الرازي بمناقشة أدلة الفريق الثاني للوقوف على حجيتها، فوضع نفسه في موضع الخصم بدليل قوله بعد ذلك “ولقائل أن يقول”، وتمام عبارته كالتالي:
“ولقائل أن يقول: أما الوجه الأول: فقد تكلمنا عليه في مسألة السمع والبصر، والذي نريده هاهنا هو أن نقول: لا نسلم أن السكوت نقص، بل النقص أن يقول القائل: يا زيد صلّ، ويا عمرو صم. مع أن زيدا وعمروا يكونان معدومين، ألا ترى أن الرجل إذا جلس في دار نفسه وحده، خاليا (عن الناس) ثم يقول: يا مستقر اركب، ويا قائما أقبل . فإن كل أحد يقضي عليه بالجنون والنقص، فكذا هاهنا. وأما الوجه الثاني: وهو أن قولكم: أجمعنا على أنه تعالى متكلم. فنقول: إن عنيتم بكونه متكلما أنه فعل أفعالا مخصوصة، دلت تلك الأفعال على كونه تعالى مريدا لبعض الأفعال، وكارها لبعضها، فهذا مسلم إلا أن هذا القدر لا يدل على كونه تعالى موصوفا بشيء من الصفات المسماة بالكلام، وإن عنيتم بكونه متكلما: أمرا وراء ذلك فهذا ممنوع. والاتفاق ليس إلا في اللفظ.
وأما الوجه الثالث: وهو أن الكلام صفة كمال، والخلو عنه نقص، والنقص على الله محال. فجوابه: أن الاشتغال بالأمر والنهي حال عدم المأمور والمنهيه و النقص والسفه. وهذا بعينه هو الجواب عن الرابع: فهذا خلاصة الكلام المعقول في هذا الباب”. انتهى
إلى هنا انتهت نقولات الرازي عن الفريقين في كتابه المطالب العالية، من دون أن يورد أجوبة الفريق الثاني من أهل السنة على اعتراضات خصومهم من المعتزلة، وهو السبب لأجله لامه بعض الأشعرية، والصحيح أنه اعرض عن ذكر جوابها لأنه كان قد ذكرها في بعض كتبه الأخرى فاكتفى بها عن اعادة ذكرها، حيث نجد أنه في تفسيره مفاتيح الغيب مثلا، قد أفصح على هوية الفريق الأول الذي كان ينقل الرازي عنهم مقالاتهم في المطالب العالية، و هم المعتزلة، وساق الجواب على اعتراضاتهم وانتهى إلى تكفيرهم، حيث قال عند تفسيره لقوله تعالى: “إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ” – البقرة: 6- ما نصه: “احتجت المعتزلة بكل ما أخبر الله عن شيء ماض مثل قوله ” إن الذين كفروا ” أو ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” ، ” إنا أنزلناه في ليلة القدر ” ، ” إنا أرسلنا نوحا” على أن كلام الله محدث سواء كان الكلام هذه الحروف والأصوات أو كان شيئا آخر . قالوا لأن الخبر على هذا الوجه لا يكون صدقا إلا إذا كان مسبوقا بالمخبر عنه ، والقديم يستحيل أن يكون مسبوقا بالغير فهذا الخبر يستحيل أن يكون قديما فيجب أن يكون محدثا. أجاب القائلون بقدم الكلام عنه من وجهين:
الأول : أن الله تعالى كان في الأزل عالما بأن العالم سيوجد ، فلما أوجده انقلب العلم بأنه سيوجد في المستقبل علما بأنه قد حدث في الماضي ولم يلزم حدوث علم الله تعالى ، فلم لا يجوز أيضا أن يقال : إن خبر الله تعالى في الأزل كان خبرا بأنهم سيكفرون فلما وجد كفرهم صار ذلك الخبر خبرا عن أنهم قد كفروا ولم يلزم حدوث خبر الله تعالى .
الثاني : أن الله تعالى قال: “لتدخلن المسجد الحرام” فلما دخلوا المسجد لابد وأن ينقلب ذلك الخبر إلى أنهم قد دخلوا المسجد الحرام من غير أن يتغير الخبر الأول ، فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز في مسألتنا مثله ؟
أجاب المستدل أولا – وهم المعتزلة- عن السؤال الأول فقال : عند أبي الحسين البصري وأصحابه؛ العلم يتغير عند تغير المعلومات ، وكيف لا والعلم بأن العالم غير موجود وأنه سيوجد لو بقي حال وجود العالم لكان ذلك جهلا لا علما ، وإذا كان كذلك وجب تغير ذلك العلم ، وعلى هذا سقطت هذه المعارضة .
وعن الثاني : أن خبر الله تعالى وكلامه أصوات مخصوصة ، فقوله تعالى ” لتدخلن المسجد الحرام” معناه أن الله تعالى تكلم بهذا الكلام في الوقت المتقدم على دخول المسجد لا أنه تكلم به بعد دخول المسجد ، فنظيره في مسألتنا أن يقال إن قوله ” إن الذين كفروا” تكلم الله تعالى به بعد صدور الكفر عنهم لا قبله إلا أنه متى قيل ذلك كان اعترافا بأن تكلمه بذلك لم يكن حاصلا في الأزل وهذا هو المقصود.
أجاب القائلون بالقدم بأنا لو قلنا إن العلم يتغير بتغير المعلوم لكنا إما أن نقول بأن العالم سيوجد كان حاصلا في الأزل أو ما كان ، فإن لم يكن حاصلا في الأزل كان ذلك تصريحا بالجهل . وذلك كفر ، وإن قلنا إنه كان حاصلا فزواله يقتضي زوال القديم ، وذلك سد باب إثبات حدوث العلم والله أعلم”. انتهى
وهنا تتضح الصورة بتمامها، واتضح أن نقول الفخر الرازي في المطالب العالية عن المعتزلة لا تدل البتة أنه كان ينتصر لكلامهم او كان موافقا لهم، كما يروج لذلك خصومه، فهو كان قد ردى عليهم وسد عليهم الباب في اثبات حدوث العلم.
ملاحظة: القول بحدوث علم الله مقالة مشهورة عن الجهمية والمعتزلة، فقد قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير ما نصه: “وقال بعض المعتزلة مثل جَهْم بن صَفْوَان وهِشام بن الحَكم : إنّ الله عالم في الأزل بالكلّيات والحقائق ، وأمَّا علمه بالجزئيات والأشخاص والأحوال فحاصل بعد حدوثها لأنّ هذا العلم من التصديقات ، ويلزمه عَدم سبق العلم . وقال أبو الحُسين البصري من المعتزلة ، رادّاً على السلف : لا يجوز أن يكون علم الله بأنّ القمر سيخسف عين علمه بعد ذلك بأنَّه خسف لأمور ثلاثة : الأوّل التغايُر بينهما في الحقيقة لأنّ حقيقة كونه سيقع غيرُ حقيقة كونه وقع ، فالعلمُ بأحدهما يغاير العلم بالآخر ، لأنّ اختلاف المتعلّقين يستدعي اختلاف العالم بهما . الثَّاني التغاير بينهما في الشرط فإنّ شرط العلم بكون الشيء سيقع هو عدم الوقوع ، وشرط العلم بكونه وقَع الوقوعُ ، فلو كان العلمان شيئاً واحداً لم يختلف شرطاهُما . الثَّالث أنّه يمكن العلم بأنَّه وقع الجهل بأنَّه سيقع وبالعكس وغير المعلوم غير المعلوم – هكذا عبّر أبو الحسين أي الأمر الغير المعلوم مغاير للمعلوم- ولذلك قال أبو الحسين بالتزام وقوع التَّغير في علم الله تعالى بالمتغيِّرات ، وأنّ ذاته تعالى تقتضي اتّصافه بكونه عالماً بالمعلومات الَّتي ستقع ، بشرط وقوعها ، فيحدث العلم بأنَّها وجدت عند وجودها ، ويزول عند زوالها ، ويحصل علم آخر ، وهذا عين مذهب جهم وهشام . ورُدّ عليه بأنَّه يلزم أن لا يكون الله تعالى في الأزل عالماً بأحوال الحوادث ، وهذا تجهيل . وأجاب عنه عبد الحكيم في « حاشية المواقف » بأنّ أبا الحسين ذهب إلى أنَّه تعالى يعلم في الأزل أنّ الحادث سيقع على الوصف الفلاني ، فلا جهل فيه ، وأنّ عدم شهوده تعالى للحوادث قبل حدوثها ليس بجهل ، إذ هي معدومة في الواقع ، بل لو علمها تعالى شهودياً حينَ عدمها لكان ذلك العلم هو الجهل ، لأنّ شهود المعدوم مخالف للواقع ، فالعلم المتغيّر الحادث هو العلم الشهودي”. انتهى
روابط ذات علاقة:
الفخر الرازي وشبهة ما يُنسب له بالقول بقيام الحوادث بذات الله ونسبة ذلك إلى الأشعرية
بيان ما نقله الحافظ ابن حجر عن الفخر الرازي
https://www.facebook.com/…/a.38068…/1127151890696889/…
*****
التحسين والتقبيح بين العقل والشرع
تعدّ مسألة التحسين والتقبيح من القضايا المحورية في علم الكلام وأصول الفقه، لما يتفرع عنها من أحكام تتعلق بمصدر التشريع وحدود دور العقل.
وقد كان للأشاعرة موقف متميز في هذا الباب، حيث قرروا أنّ إدراك العقل لحسن الأشياء أو قبحها لا يستتبع بالضرورة إيجاباً وثواباً أو تحريماً وعقاباً عند الله تعالى إلا بعد ورود الشرع بالأمر أو النهي.
فالعقل قد يستنكر، من حيث طبيعته المجردة، كثيراً من الأحكام الشرعية التي ثبتت بالنص، كتحريم الربا والخمر، وإقامة الحد على الزاني أو القاتل أو المرتد، وتحريم الذهب والحرير على الرجال، وتفضيل الرجل على المرأة في القوامة ووجوب طاعتها له، وكذلك إباحة التعدد، أو مشروعية ذبح الأضاحي. فهذه القضايا قد يُدركها بعض الناس من منظور عقلي محض على أنها غير حسنة، بينما الشرع قد أباحها أو أمر بها. ومن هنا يؤكد الأشاعرة أن مثل هذه الاستقباحات لا وزن لها، إذ المعيار النهائي هو حكم الشرع لا أهواء النفوس.
وبناءً على ذلك، كان الحكم عندهم أن العقول ينبغي أن تُذعن لأوامر الله ورسوله، وألا تُلوى أعناق النصوص لتتوافق مع الأهواء. وهذا أمر انعقد عليه الإجماع عندهم.
– قال التفتازاني في المقاصد: “لا حكم للعقل بالحسن والقبح، بمعنى استحقاق المدح والذم عند الله تعالى. فعندنا الحسن بالأمر، والقبح بالنهي، بل عينهما”. انتهى.
-قال ابن الحاجب الأشعري في بيان ما يجب الإيمان به: “وَأَنَّ العَقْلَ لاَ يَسْتَقِلُّ بِإِدْرَاكِ كَوْنِ الفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ مُتَعَلَّق المُؤَاخَذَةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلاَ تَحْسِينَ وَلاَ تَقْبِيحَ عَقْلاً”. انتهى.
وشرح البكي الكومي هذا القول قائلاً: “أقول: يريد أنّ مما يجب الإيمان به أنّ العقل لا يستقل بإدراك المؤاخذة الشرعية المتعلِّقة بالفعل أو الترك، فلا تحسين ولا تقبيح بالعقل. وهذا المطلب الملقب في الاصطلاح بالتحسين والتقبيح العقليين”. انتهى.
وقال أبو منصور البغدادي في أصول الدين: “اعلموا أن العقول تدل على صحة الصحيح واستحالة المحال”.
ثم قال:
“فأما الأحكام الشرعية في الوجوب والحظر والإباحة فطريق معرفتها ورود الخبر والأمر من الله تعالى”. انتهى
وقال إمام الحرمين الجويني في الإرشاد: “العقل لا يدل على حسن شيء ولا قبحه في حكم التكليف، وإنما يُتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع ومُوجب السمع”. انتهى
وقال تاج الدين السبكي في جمع الجوامع: “والحسن والقبح بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته وصفة الكمال والنقص: عقلي، وبمعنى ترتب الذم عاجلاً والعقاب آجلاً: شرعي، خلافاً للمعتزلة”. انتهى.
وقال الإمام الشاطبي في الموافقات: “العقل لا يحسّن ولا يقبح”. انتهى.
وقال الشهرستاني في نهاية الإقدام: “مذهب أهل الحق أن العقل لا يدل على حسن الشيء وقبحه في حكم التكليف من الله شرعاً”.
وقال الأصبهاني : “أَخْبَرَنَا أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ – رَحمَه اللَّه – قَالَ: اعْلَم أَن مَذْهَب أهل السّنة أَن الْعقل لَا يُوجب شَيْئا عَلَى أحد، وَلَا يدْفع شَيْئا عَنهُ، وَلَا حَظّ لَهُ فِي تَحْلِيل أَو تَحْرِيم، وَلَا تَحْسِين وَلَا تقبيح، وَلَو لم يرد السّمع مَا وَجب عَلَى أحد شَيْء، وَلَا دخلُوا فِي ثَوَاب وَلَا عِقَاب”. انتهى.
وقال أبو إسحاق الشيرازي في مقدمة شرحه للمعتمد: “العقل عند أهل الحق لا يوجب ولا يحسن ولا يقبح”. انتهى.
وقال الإمام المتولي في الغنية: “فصل لا واجب عند أهل الحق إلا من جهة الشرع والسمع، ولولا ورود الرسل لما وُجِبَ على العباد شيء، والعقل طريق المعرفة. وذهبت المعتزلة إلى أن العقل موجب حتى إنّا لو قدرنا أن الله تعالى لم يبعث إلينا رسولاً لكان يجب علينا أن نعرف الله تعالى ونشكره”. انتهى.
وقال الحافظ أبو زرعة ولي الدين العراقي في الغيث الهامع: “والحسن والقبح بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته، وصفة الكمال والنقص عقلي، وبمعنى ترتب الذم عاجلاً، والعقاب آجلاً شرعي، خلافا للمعتزلة”. انتهى
ومن اللافت أن هذا المذهب لم يكن مقتصراً على الأشاعرة، بل شاركهم فيه الحنابلة والظاهرية. فقد قال القاضي أبو يعلى في المعتمد: “ولا مجال للعقل في تحسين شيء من المحسّنات ولا تقبيح شيء من المقبحات، وإنما يعلم ذلك من جهة الرسل الصادقين من قبل الله تعالى”. انتهى.
وقال المرداوي الحنبلي في التحبير: “ذهب الحنابلة والأشعرية إلى أن التحسين والتقبيح شرعيان، وذهب الشيخ – يعني ابن تيمية – والمعتزلة إلى أنهما عقليان”. انتهى.
وليس معنى قول الأشاعرة إنكاراً مطلقاً لدور العقل في إدراك الحسن والقبح، بل إنهم فرّقوا بين ثلاثة اعتبارات:
– ملاءمة الطبع أو منافراته: كحسن إنقاذ الغريق وقبح اتهام البريء. وأن القتل أشد وأقبح من النميمة.
قال فخر الدين الرازي في الأربعين: “”لا نزاع في أنا نعرف بعقولنا كون بعض الأشياء ملائماً لطباعنا وبعضها منافراً لطباعنا”. انتهى
– الكمال والنقص: كحسن العلم وقبح الجهل.
وهذان الاعتباران عقليان باتفاق.
– ما يترتب عليه مدح أو ذم شرعي وثواب أو عقاب: وهذا هو محل الخلاف، حيث قالت المعتزلة إنه عقلي، بينما ذهب الأشاعرة وأهل السنة إلى أنه شرعي محض.
كما وضّح المحلي في شرحه على جمع الجوامع هذا التفصيل بدقة، وجمع أقوال العلماء في المسألة، ومنها قوله: ” (الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ) لِلشَّيْءِ (بِمَعْنَى: مُلَاءَمَةِ الطَّبْعِ وَمُنَافَرَتِهِ) كَحُسْنِ الْحُلْوِ وَقُبْحِ الْمُرِّ(وَ) بِمَعْنَى (صِفَةِ الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ) كَحُسْنِ الْعِلْمِ وَقُبْحِ الْجَهْلِ (عَقْلِيٌّ) أَيْ يَحْكُمُ بِهِ الْعَقْلُ اتِّفَاقًا (وَبِمَعْنَى تَرَتُّبِ الْمَدْحِ) وَ(الذَّمِّ عَاجِلًا) وَالثَّوَابِ (وَالْعِقَابِ آجِلًا) كَحُسْنِ الطَّاعَةِ وَقُبْحِ الْمَعْصِيَةِ (شَرْعِيٌّ) أَيْ لَا يَحْكُمُ بِهِ إلَّا الشَّرْعُ الْمَبْعُوثُ بِهِ الرُّسُلُ أَيْ لَا يُؤْخَذُ إلَّا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُدْرَكُ إلَّا بِهِ (خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ عَقْلِيٌّ أَيْ يَحْكُمُ بِهِ الْعَقْلُ لِمَا فِي الْفِعْلِ مِنْ مَصْلَحَةٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ يَتْبَعُهَا حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ عِنْدَ اللَّهِ أَيْ يُدْرِكُ الْعَقْلُ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ كَحُسْنِ الصِّدْقِ النَّافِعِ وَقُبْحِ الْكَذِبِ الضَّارِّ أَوْ بِالنَّظَرِ كَحُسْنِ الْكَذِبِ النَّافِعِ وَقُبْحِ الصِّدْقِ الضَّارِّ”. انتهى
وقد أورد الزركشي في البحر المحيط أقوال الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم، و نصه: “وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ: ذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْبَرَاهِمَةُ إلَى أَنَّ الْعُقُولَ طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَسَنِ، وَالْقَبِيحِ وَالْوَاجِبِ، وَالْمَحْظُورِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَى الْعَقْلِ. فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: هُوَخَاطِرٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ يَدْعُوهُ إلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ. وَشَرَعَ الرُّسُلُ مَا قَبُحَ فِي الْعَقْلِ كَذَبْحِ الْبَهَائِمِ وَتَسْخِيرِ الْحَيَوَانِ وَإِتْلَافِهِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا حَسُنَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِهِ لِلْغَرَضِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَخَالَفَهُمْ أَبُو هَاشِمٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَوْلَا وُرُودُ الشَّرْعِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا جَوَازُ حُسْنِهِ….قَالَ: وَذَهَبَ أَهْلُ الْحَقِّ إلَى أَنَّ طَرِيقَ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ النَّظَرِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَالسَّمْعِيَّاتِ، السَّمْعُ دُونَ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ صِحَّةُ مَا يَصِحُّ كَوْنُهُ، وَوُجُوبُ وُجُودِ مَا يَجِبُ وُجُودُهُ، وَاسْتِحَالَةُ كَوْنِ مَا يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ، وَصِحَّةُ مَا يَصِحُّ وُرُودُ الشَّرْعِ بِهِ جَوَازًا بِكُلِّ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ مِنْ وَاجِبٍ وَمَحْظُورٍ، وَمُبَاحٍ وَمَكْرُوهٍ وَمَسْنُونٍ. فَقَدْ كَانَ فِي الْعَقْلِ جَوَازُ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَرَدَ بِهِ، وَكَانَ فِيهِ أَيْضًا جَوَازُ وُرُودِ الشَّرْعِ بِتَحْرِيمِ مَا أَوْجَبَهُ وَإِيجَابِ مَا حَرَّمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ فِعْلٍ، وَلَا عَلَى تَحْرِيمِهِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَقَالُوا أَيْضًا: لَوْ تَوَهَّمْنَا خَلْقَ الْعَاقِلِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ عَلَيْهِ، وَاسْتَدَلَّ ذَلِكَ الْعَاقِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ، وَوَصَلَ إلَيْهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ بِذَلِكَ ثَوَابًا، وَلَوْ جَحَدَهُ بِهِ وَكَوْنُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عِقَابًا، وَلَوْ عَذَّبَهُ اللَّهُ أَبَدًا فِي النَّارِ لَكَانَ عَدْلًا. وَإِنَّمَا كَانَ كَإِيلَامِ الطِّفْلِ فِي الدُّنْيَا، وَالْعِقَابُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ خِطَابًا أَوْ بِوَاسِطَةِ الرِّسَالَةِ ثُمَّ عَصَاهُ. هَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَتَمَعْزَلْ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ ” التَّحْصِيلِ “: إنَّهُ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي ” تَلْخِيصِ كِتَابِ الْقَاضِي “: بَحْثُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ يَرْجِعُ إلَى مَا يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ فِي التَّكْلِيفِ، وَهُمَا رَاجِعَانِ إلَى حُكْمِ الرَّبِّ شَرْعًا لَا إلَى وَصْفِ الْعَقْلِ، وَصَارَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّ قُبْحَ الْقَبِيحِ يَرْجِعُ إلَى ذَاتِهِ، وَالْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ صَارُوا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْحُسْنِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْحَقِّ فَقَالُوا: لَا يُدْرَكُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ حُسْنٌ وَلَا قُبْحٌ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَعْظِيمِهِ، وَالْقَبِيحَ مَا وَرَدَ بِذَمِّهِ، فَالْحُسْنُ وَالْقُبْحُ عَلَى التَّحْقِيقِ هُوَعَيْنُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الشَّرْعِيَّيْنِ… وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي ” الْمُرْشِدِ “: الشَّيْءُ عِنْدَنَا لَا يَحْسُنُ وَلَا يَقْبُحُ لِنَفْسِهِ بَلْ إنَّمَا تَرْجِعُ الْأَحْكَامُ إلَى قَوْلِ الشَّارِعِ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَتَوَقَّفُ إدْرَاكُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ عَلَى السَّمْعِ بَلْ يُدْرَكَانِ بِالْعَقْلِ، ثُمَّ مِنْهَا مَا يُدْرَكُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ كَالْكُفْرِ، وَالضَّرَرِ الْمَحْضِ، وَمِنْهَا مَا يُدْرَكُ بِنَظَرِهِ كَوُجُوبِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ مِنْ أَئِمَّتِنَا: لَا يُدْرَكُ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ إلَّا بِالشَّرْعِ فَهُوَمُتَجَوِّزٌ؛ لِأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْحُسْنَ زَائِدٌ عَلَى الشَّرْعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَسَنَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْسِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِالثَّنَاءِ عَلَى فَاعِلِهِ وَكَذَا الْقَبِيحُ. …. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ لِلْعَقْلِ مَدْخَلًا فِي التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ وَالْقَبِيحَ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ عُلِمَ بِالْعَقْلِ، وَضَرْبٌ عُلِمَ بِالسَّمْعِ. فَأَمَّا الْمَعْلُومُ حُسْنُهُ بِالْعَقْلِ فَهُوَالْعَدْلُ، وَالْإِنْصَافُ، وَالصِّدْقُ وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمَعْلُومُ حُسْنُهُ بِالشَّرْعِ فَنَحْوُ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْمَعْلُومُ قُبْحُهُ بِالشَّرْعِ فَكَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ. قَالُوا: وَسَبِيلُ السَّمْعِ إذَا وَرَدَ بِمُوجِبِ الْعَقْلِ يَكُونُ وُرُودُهُ مُؤَكِّدًا لِمَا فِي الْعَقْلِ إيجَابِهِ وَقَضِيَّتِهِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى مَعْرِفَةِ الصَّانِعِ وَاجِبٌ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ بِهِ وَدُعَاءِ الشَّرْعِ إلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَسْرِهِمْ، وَذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَالْحَلِيمِيُّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ خُصُوصًا الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَبَّخَ الْكُفَّارَ عَلَى تَرْكِهِمْ الِاسْتِدْلَالَ بِعُقُولِهِمْ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ بِمَا يُشَاهِدُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِهِمْ…” . انتهى
*****
ذكر بعض علماء السلف ممن وافق الأشاعرة في مسألة الكلام النفسي واللفظ المنزل
– أبو حنيفة المتوفى سنة 150 هجري
قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر: ” وصفاتُهُ كلُها بخلافِ صفاتِ المخلوقينَ، يعلمُ لا كعلمِنا، يَقْدِرُ لا كقدرَتِنا، يَرَى لا كرؤيَتِنا، يتكلمُ لا ككلامِنا، ويسمعُ لا كسمعِنا. نحنُ نتكلمُ بالآلاتِ والحروفِ، واللهُ تعالى يتكلمُ بلا حروفٍ ولا آلةٍ. والحروفُ مخلوقةٌ، وكلامُ اللهِ تعالى غيرُ مخلوقٍ وهو شىءٌ لا كالأشياءِ، ومعنى الشىءِ إثباتُهُ بلا جسمٍ ولا جوهرٍ ولا عَرَضٍ، ولا حدَّ لهُ، ولا ضدَّ لهُ، ولا ندَّ له، ولا مِثلَ لهُ”. انتهى
راجع الرابط التالي في توثيق صحة نسبة كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة
https://www.facebook.com/share/p/1BACweZts3/
وهذا أثبته عن أبي حنيفة أيضا، المجسم ابن أبي العز في شرحه على الطحاوية.
– أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 هـجري
قال البخاري في خلق أفعال العباد: قال أبو عبيد: ” وأما تحريفهم – أي الجهمية- ” من ذكر من ربهم محدث” فإنما حدث عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما علمه الله ما لم يعلم”. انتهى
وهذا ما عليه أهل السنة الأشعرية أن كلام الله قديم، وأما اللفظ المنزل فهو محدث.
– ابن راهويه المتوفى سنة 238 هجري
قال حرب الكرماني – تلميذ احمد بن حنبل – : سألت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يعني ابن راهويه – شيخ احمد والبخاري – عن قوله تعالى :{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} فقال: ” قديم من رب العزة محدث إلى الأرض”. انتهى
– ابن كلاب المتوفى سنة 240 هجري.
قال ابن القيم في اجتماع جيوشه، تحت باب أقوال أئمة الكلام من أهل الإثبات المخالفين للجهمية والمعتزلة والمعطلة، ما نصه:
” ( قول الإمام أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب ) إمام الطائفة الكلابية كان من أعظم أهل الإثبات للصفات والفوقية وعلو الله على عرشه منكرا لقول الجهمية ، وهو أول من عرف عنه إنكار قيام الأفعال الاختيارية بذات الرب تعالى ، وأن القرآن معنى قائم بالذات”. انتهى
وابن كلاب هو من رؤوس أهل السنة و من السلف الصالح.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/15W1fxKKDS/
– أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241 هجري
نقل الحافظ البيهقي في كتاب الاعتقاد ما نصه: ” وقوله: “ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون “….، وحين احتج به على أحمد بن حنبل رحمه الله قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: قد يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه محدث”. انتهى
و قال الحافظ ابن كثير أيضا في البداية والنهاية ، ما نصه:” ومن طريق أبي الحسن الميموني عن أحمد بن حنبل أنه أجاب الجهمية حين احتجوا عليه بقوله تعالى : (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) قال : يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث ، لا الذكر نفسه هو المحدث”. انتهى
فقول أحمد ليس ظاهراً في الآية، بل الظاهر هو ما قاله المعتزلة، وأحمد نفسه قال عن المعتزلة ” وَإِنَّمَا احْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ بِهَذَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَيَّ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلِقَوْلِهِ أَرَاكَ تَنْتَحِلُ الْحَدِيثَ”. انتهى من حلية الأولياء
و أحمد قام بتأويل الآية وصرفها عن ظاهرها لامتناع حدوث كلام الله، ولو لم يكن كلام المعتزلة هو الظاهر لأثبت أحمد المحدث للذكر وللتنزيل معاً. والا فتنزيل القرآن على لسان الملك جبريل الذي أتى به، وقراءته على النبي صلى الله عليه وسلم هو المحدث.
– هشام بن عبيد الله الرازي المتوفى سنة 245 هجري
أخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام بن عبيد الله الرازي أن رجلا من الجهمية احتج لزعمه أن القرآن مخلوق بهذه الآية [ يعني ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ] ، فقال له هشام: “محدث إلينا محدث إلى العباد”.
– الكرابيسي المتوفى سنة 248 هجري
https://www.facebook.com/share/15YoZY8KJk/
– الإمام أصبغ المالكي المتوفى سنة 250 هجري
https://www.facebook.com/share/p/1AhXXrF3Df/
– البخاري المتوفى سنة 256 هجري
ذكر ابن مندة في مسألة الايمان ان البخاري كان يصحب الكرابيسي وأنه أخذ مسألة اللفظ عنه.
وراجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/16mEoZDn5L/
– محمد بن نصر المروزي المتوفى سنة 294 هجري
راجع الرابط التالي
https://www.facebook.com/share/p/1Fbymm2mhZ/
وحتى بعض العلماء الذين يعظمهم المجسمة وافقوا الأشعرية في هذه المسألة منهم:
– أبو بكر بن خزيمة المتوفى سنة 311 هجري، جاء في ” سير أعلام النبلاء في ترجمته أنه قال : ” القرآن كلام الله تعالى ، وصفة من صفات ذاته ، ليس شيء من كلامه مخلوق ولا مفعول ولا محدث. فمن زعم أن شيئا منه مخلوق أو محدث أو زعم أن الكلام من صفة الفعل، فهو جهمي ضال مبتدع ، وأقول : لم يزل الله متكلما والكلام له صفة ذات. انتهـى
فابن خزيمة يعتبر أن القرآن الذي هو صفة ذات الله ليس مخلوقا و لا محدثا و من قال بخلاف ذلك أو زعم أن كلام الله من صفة الفعل – كقول المشبهة أنه يتكلم إذا شاء أو أنه يتكلم بقدرته- فهو جهمي ضال.
-أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد النيسابوري الشافعي، المعروف بالصبغي، المتوفى سنة 342 هـجري
قال البيهقي في الأسماء والصفات : “ثم إن أبا بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أملى اعتقاده واعتقاد رفقائه على أبي بكر بن أبي عثمان ، وعرضه على محمد بن إسحاق بن خزيمة فاستصوبه محمد بن إسحاق وارتضاه واعترف فيما حكينا عنه بأنه إنما أتى ذلك من حيث إنه لم يحسن الكلام ، وكان فيما أملى من اعتقادهم فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ عن نسخة ذلك الكتاب : من زعم أن الله تعالى جل ذكره لم يتكلم إلا مرة ولا يتكلم إلا ما تكلم به ثم انقضى كلامه كفر بالله ، بل لم يزل الله متكلما ، ولا يزال متكلما ،…. وكان فيما كتب : القرآن كلام الله تعالى وصفة من صفات ذاته ، ليس شيء من كلامه خلقا ولا مخلوقا ، ولا فعلا ولا مفعولا ، ولا محدثا ولا حدثا ولا أحداثا”. انتهـى
قال الحاشدي محقق كتاب البيهقي عن هذا الخبر: إسناده صحيح.
وقد نقله أيضا الذهبي في قصة طويلة وفيها أنه عُرض على ابن خزيمة العقيدة السابقة فأقرها.
– أبو عبد الله بن منده المتوفى سنة 395 هجري
قال في كتاب التوحيد، ما نصه: ” فَمِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ، وَمَنَحَ خَلْقَهُ الكَلامُ فَالله عز وجل تَكَلَّمَ كَلامَاً أَزَلِيَّاً غَيْرَ مُعَلَّمٍ وَلا مُنْقَطِعٍ، بهِ يَخْلِقُ الأَشْيَاءَ، وَبِكَلامِهِ دَلَّ عَلَى صِفَاتِهِ الَّتِي لا يَسْتَدْرِكُ كَيْفِيَّتَهَا – أي حقيقتها- مَخْلُوقٌ، وَلا يَبْلُغُهُا وَصْفُ وَاصِفٍ، وَالعَبْد مُتَكَلِّمٌ بِكَلامِ مُحْدَثٍ مُعَلِّمٍ مُخْتَلِفٍ فَانٍ بِفَنَائِهِ، وَوَصَفَ وَجْهَهُ، فَقَالَ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} الآية، فَأَخْبَرَ عَنْ فَنَاءِ وُجُوهِ المَخْلُوقِ وَبَقَاءُ وَجْهِهِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالسَّمِيعِ وَالبَصِيرِ، فَقَالَ: {ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَمِيعٌ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ لِكُلِّ الأَصْوَاتِ، بَصِيرٌ بِكُلِّ الأَشْيَاءِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ لمْ يَزَلْ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ وَلا يَزَالَ كَذَلِكَ، وَوَصَفَ عِبَادَهُ بِالسَّمَعِ وَالبَصَرِ المُحْدِثِ المَخْلُوقِ الفَانِي بِفَنَائِهِ الَّتيِ تَكِلُّ وَتَعْجَزُ عَنْ جَمِيعِ حَقِيقَةِ المَسْمُوعِ وَالمُبْصَرِ”. انتهى
فابن منده قد فرّق بين كلام الله القديم وكلام العبد المحدث، بقوله أن كلام العبد محدث مختلف؛ ويؤكد أن كلام الله أزلي وليس فيه شيء محدث أو مخلوق، بخلاف ابن تيمية وأتباعه الذين يزعمون أن كلام الله قديم النوع حادث الأفراد، ويعنون أنه حروف وأصواتٌ مُحْدَثَةٌ في ذات الله تعالى وأنه أفعال اختيارية حادثة يحدثها في ذاته متى يشاء وأنها حوادث لا أول لها.
فابْن تَيميَّة مثلا قال في مجموع الفتاوى، عن القرآن الذي هو صفة قائمة بذات الله تعالى: “هُوَ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ [يعني في ذات الله تعالى] وهل يقال: أحدَثَهُ في ذاته؟ على قولين: أصحُّهما أنه يقال ذلك” انتهى
ملاحظة:
ابن عثيمين قال أن الكلام الذي في المصحف مخلوق
راجع آخر المقال التالي:
https://www.facebook.com/share/p/1ZBjyfd11U/
روابط ذات علاقة:
الكلام اللفظي والنفسي

فكرة واحدة على ”2 المعتزلة بين الكفر و الابتداع“
التعليقات مغلقة.