أبو عبد الله مُحَمَّد بن خَفِيف بن إسفكشاذ الضَّبِّيّ الشيرازي الشافعي تلميذ الإمام أبو الحسن الأشعري موقفه من زنادقة المتصوفة

أبو عبد الله محمد بن خفيف (المتوفى سنة 371 هجري)

هو أبو عبد الله مُحَمَّد بن خَفِيف بن إسفكشاذ الضَّبِّيّ الشيرازي الشافعي، تلميذ الإمام أبو الحسن الأشعري . كان رحمه الله أحد علماء أهل السنة والجماعة المشهورين بالزهد والتصوف.

قال عنه أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية، صحيفة 345- دار الكتب العلمية، ط2003 – ما نصه: «كَانَ شيخ الْمَشَايِخ فِي وقته، وكَانَ عَالماً بعلوم الظَّاهِر وعلوم الْحَقَائِق، أوحد الْمَشَايِخ فِي وقته حَالاً وعلماً وخلقاً». انتهى

ووصفه الذهبي في سير أعلام النبلاء جزء 16، صحيفة 342 بأنه: «الشيخ الإمام العارف الفقيه القدوة ذو الفنون”. انتهى

و قال الحافظ أبو نعيم: “كان شيخ الوقت حالاً وعلماً” انتهى

وقال التاج السبكي: “كان ابن خفيف من أولاد الأمراء، فتزهد”. انتهى

وقال أبو العباس النسوي: “بلغ ما لم يبلغه أحد من الخلق في العلم والجاه عند الخاص والعام، وصار أوحد زمانه، مقصوداً من الآفاق، مفيداً في كل نوع من العلوم، مباركاً على من يقصده رفيقاً بمريديه، يبلغ كلامه مراده، وصنف من الكتب ما لم يصنفه أحد، وعمر حتى عم نفعه”. انتهى

صحب رويما والحريري وأحمد بن عطاء وغيرهم. و تفقَّه على أبي العباس بن سريج وحدَّث عن حماد بن مدرك وعن محمد بن جعفر التمار والحسين المحاملي وجماعة، وحدَّث عنه أبو الفضل الخزاعي والقاضي أبو بكر الباقلاني. وكان رحل إلى إمام أهل السنة أبي الحسن الأشعري فلازمه فترة وأخذ عنه وكان من أعيان تلامذته.

1- تصانيفه

جاء في معجم المؤلفين مانصه: “من تصانيفه: آداب المريدين، اختلاف الناس في الروح، جامع الارشاد، ديوان شعر، والفصول في الاصول”. انتهى

وجاء في هدية العارفين قوله: “من تصانيفه آداب المريدين. اختلاف الناس في الروح. جامع الارشاد. الجمع والتفريق. ديوان شعره. الرد على ابن سالم, شرح الفضائل. شرف الفقراء على الاغنياء. الفصول في الاصول. فضل التصوف. كتاب الاستدراج. كتاب الاستذكار. كتاب الإعانة. كتاب الاقتصاد. كتاب السماع. كتاب الفضائل وجامع الدعوات والأذكار. كتاب اللوامع. كتاب المعتقد الصغير. كتاب المعتقد الكبير. كتاب المعراج. كتاب المفردات. كتاب المنهج في الفقه. كتاب الود والألفة. لبس المرقعات. مسائل على بن سهل”. انتهى

أما كتاب “اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات” فقد تفرد بنسبته له المجسمان ابن تيمية و تلميذه ابن القيم. فلا يصح كل ما ينقلانه منه.

2- ذكر رحلته للشيخ أبي الحسن الأشعري

روى ضياء الدين الرازي أبو الإمام الفخر الرازي في كتابه “غاية المرام في علم الكلام” و التاج الدين السبكي في طبقاته عن ابن خفيف قوله: “وصلت إلى البصرة التي وجدتها على ما وصفت لي من الجمال والنظافة ورحابة صدور أهلها، وفيما أنا أدور وأبحث عمن يرشدني إلى الشيخ أبي الحسن، التقيت رجلاً بهي المنظر بين جماعة من أصحابه، فارتحت إليه وعزمت على أن أكلمه فسلمت عليه ورد علي السلام وكلَّمني بأجزل الكلام وألطفه، فسألته عن الإمام الأشعري فقال لي: وماذا تريد منه، قلت: قد بلغني ذكره وعلمه فتقت لأن ألقاه وأستفيد من علمه، قال: عد إليَّ غدًا باكرًا إلى هذا الموضع فأدلك عليه، فأتيت في اليوم التالي فلقيته في المكان عينه ينتظرني فسلم عليَّ ورددت عليه، ثم مضى وأنا أتبعه حتى دخل دارًا قد حضر فيها جماعة من الناس قد تسارعوا إلى الباب يستقبلونه بالترحاب والتعظيم، وقدموه إلى صدر المجلس ينتظرون حتى بدأ الشيخ يتكلم بلسان يفتق الشعور ويفلق الصخور، وألفاظ أرق من أديم الهواء وأعذب من زلال الماء، ومعانٍ ذات بيان، فكان إذا أوجز أعجز، وإذا أسهب أذهب، فلم يدع مشكلة إلا أزالها ولا فسادًا إلا أصلحه، وسط حيرة الحاضرين وتعجبهم من كلامه، عندها سألت بعض الحاضرين: من هذا الذي كان يتكلم بكلام لم أسمع مثله. قال: هو الباز الأشهب ناصر الحق وقامع البدعة، إمام الأمة وقوام الملة أبو الحسن الأشعري، فسرحت وأمعنت النظر في توسمه وتوقد جذوته، فإذا به يخرج من المجلس فتبعته فنظر إليَّ وقال: يا فتى كيف وجدت أبا الحسن، فقلت:

ومسْجل مثل حد السيف منصل تٍتَزِلُّ عن غربه الألباب والفكر

طعنت بالحجة الغراء جيلهُمُ ورمح غيرك منه العي والحضر

لا قام ضدك ولا قعد جدك، ولا فض فوك ولا لحقك من يقفوك، فوالذي سمك السماء وعلم ءادم الأسماء، لقد أبديت اليد البيضاء، وسكنت الضوضاء وكشفت الغماء، ولحنت الدهماء وقطعت الأحشاء وقمعت البدع والأهواء، بيد أنه قد بقي لي سؤال، فقال: اذكره، قلت: رأيت الأمر لم يجر على النظام، لأنك لم تفتتح كلامك بالدليل، فقال: إني في الابتداء لا أذكر الدليل ولا أشتغل بالتعليل، حتى إذا ذكر الخصم ضلالته وأفرد شبهته، أنص حينها على الجواب بالدليل والبرهان”. قال ابن خفيف: «فتعلقت بأهدابه لخصائص آدابه، ونافست في مصافاته لنفائس صفاته، ولبثت معه برهة أستفيد منه في كل يوم نزهة، وأدرأ عن نفسي للمعتزلة شبهة. ثم ألفيت مع علو درجته وتفاقم مرتبته، يقوم بتثقيف أوده مِن كَسْب يده، من اتخاذ تجارة العقاقير معيشة، والاكتفاء بها عيشة، اتقاء للشبهات وإبقاء على الشهوات، رضى بالكفاف وإيثارًا للعفاف”. انتهى

3- موقفه من زنادقة المتصوفة

كان الشيخ ابن خفيف الشيرازى صوفيا صادقا متمسكا بالكتاب و السنة، و كان يكره شطحات أدعياء التصوف. قال ابن الجوزي في “تلبيس إبليس”: ” وبإسناد عَنِ ابْن باكويه ، قَالَ : سمعت عِيسَى بْن بزول القزويني ، وَقَدْ سئل أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن خفيف عَنْ معنى هذه الأبيات :

سبحان من أظهر ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب

ثم بدا فِي خلقه ظاهرا فِي صورة الآكل والشارب

حتى لقد عاينه خلقه كلحظة الحاجب بالحاجب

فقال الشيخ عَلَى قائله : لعنة اللَّه ” ، قَالَ عِيسَى بْن فورك : هَذَا شعر الْحُسَيْن ابْن منصور- أي الحلاج – ، قَالَ : إن كان هَذَا اعتقاده فهو كافر ، إلا أنه ربما يكون متقولا عَلَيْهِ”. انتهى

4- عقيدته

قال التاج السبكي في مدح الأشعري و أتباعه كما في طبقات الشافعية:

وكذاك أصحاب الطريقة بعده ضبطوا عقائده بكل عنان

وتتلمذ الشبلي بين يديه وابن خفيف والثقفي والكتاني

وخلائق كثروا فلا أحصيهم وربوا على الياقوت والمرجان

الكل معتقدون أن إلهنا متوحد فرد قديم دان

حي عليم قادر متكلم عال ولا نعنى علو مكان

أما كتاب “اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات” فلم يذكره أحد ممن ترجم للشيخ ابن خفيف و قد تفرد بذكره و النقل منه المجسم ابن تيمية الحراني و تلميذه ابن القيم. وإن صحت نسبة الكتاب لابن خفيف فمذهبه فيه مذهب التفويض بدليل ما نقله عنه ابن تيمية في مجموع فتاويه جزء 5 صحيفة 81 :” واعلم أني ذكرت اعتقاد أهل السنة على ظاهر ما ورد عن الصحابة والتابعين مجملا من غير استقصاء؛ إذ تقدم القول من مشايخنا المعروفين من أهل الإبانة والديانة”. انتهى

وبدليل نفي الكيف و التبعيض عن الله, فقد نقل ابن تيمية قوله: “ولا تدخل أوصافه تحت التكييف والتشبيه”. انتهى وقوله :”ومن قال: إن شيئا من صفات الله حال في العبد؛ أو قال بالتبعيض على الله فقد كفر؛ والقرآن كلام الله ليس بمخلوق ولا حال في مخلوق”. انتهى

ومن هنا تعلم أن النصوص التي نقلها المجسمان ابن تيمية و تلميذه ابن القيم من ذلك الكتاب إن صحت نسبته له فهي على غير مذهبهما في التجسيم. من ذلك ما ذكره ابن تيمية في الحموية أن أبا عبد الله محمد بن خفيف قال في ” اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات” ما نصه: “ونعتقد أن الله عز وجل له عرش وهو على عرشه فوق سبع سمواته بكل أسمائه وصفاته, كما قال: “الرحمن على العرش استوى “. انتهى

فقوله أن الله فوق سمواته أو فوق سبع سماواته لايعني به أن الله متحيز في مكان في جهة فوق السماوات السبع بل يطلق الفوقية هنا على معنى الشرف و الاستعلاء و سياق كلام الشيخ ابن خفيف يدل على ذلك لأنه قال “فوق سبع سمواته بكل أسمائه وصفاته” ولم يقل رحمه الله فوق سبع سماواته بذاته.

كتبه أبو عمر الأشعري التونسي