التبصير في معالم الدين أو تبصير أولي النهى ومعالم الهدى المجسم عبد العزيز بن باز شرحه

التبصير في معالم الدين أو تبصير أولي النهى ومعالم الهدى هو رسالة إلى أهل بلدة آمل طبرستان؛ كتبها ابن جرير الطبري لهم، وقد قام المجسم عبد العزيز بن باز بشرحه في بعض دروسه.

وقد نسب بعض العلماء هذا الكتاب لابن جرير الطبري منهم:

الصفدي في الوافي بالوفيات 2/284 و ياقوت الحموي في معجم الأدباء و ابن كثير في الطبقات و السبكي في طبقات الشافعية و سماه التبصير في أصول الدين و كذلك الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق 52 / 196 حيث نقل عن أبي محمد عبد الله بن أحمد الفرغاني أنه قال عن الطبري: “وتم من كتبه أيضا كتاب القراءات والتنزيل والعدد وتم ايضا كتاب اختلاف علماء الأمصار وأيضا التاريخ إلى عصره وتم أيضا تاريخ الرجال من الصحابة والتابعين والخالفين إلى رجاله الذين كتب عنهم ثم أيضا لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام وهو مذهبه الذي اختاره وجوده واحتج له وهو ثلاثة وثمانون كتابا منها كتاب البيان عن أصول الأحكام وهو رسالة اللطيف ثم أيضا كتاب الخفيف في أحكام شرائع الإسلام وهو مختصر لطيف ثم أيضا كتابه المسمى التبصير وهي رسالة إلى أهل آمل طبرستان يشرح فيها ما يتقلده من أصول الدين…”. انتهى

وممن نسبه للطبري أيضا أبو عبد الله الحميدي المتوفي 488 هـجري في كتابه “جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس” حيث قال في الصحيفة 140 عند ترجمة أحمد بن الفضل بن العباس الدينوري المتوفى سنة 349 هـجري ما نصه:” أبو بكر المطوعي، سمع من جعفر بن محمد الفريابى، ومن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري كتابه في التاريخ المعروف بذيل المذيل، وكتاب صريح السنة له، وفضائل الجهاد، له ورسالته إلى أهل طبرستان المعروفة بالتبصير”. انتهى

والنسخة المطبوعة هي نسخة سقيمة راجت من طريق أبي بكر أحمد بن الفضل الدينوري. فقد

قال أبو عبد الله الحميدي في كتابه “جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس” في الصحيفة 141 عند ترجمة أبي الفضل أحمد بن قاسم التاهرتي ما نصه:” أخبرنا أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري، قال: حدثني أحمد بن قاسم التاهرتي بكتاب صريح السنة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، وبكتاب فضائل الجهاد له، وبرسالته إلى أهل طبرستان المعروفة بالتبصير عن أبي بكر أحمد ابن الفضل الدينوري، عن الطبري”. انتهى

وأبو بكر بن الفضل الدينوري لا يعتمد على روايته خاصة فيما يرويه عن الإمام ابن جرير الطبري فقد لازمه وسمع منه مصنفاته على كبر في السن. وهو أيضا متهم في الرواية حيث أنه كان يروي المناكير و لم يكن يضبط حديثه. فقد قال الذهبي في تاريخ الاسلام ما نصه: “وكان ضعيف الخط ليس بالمتقن، وعنده مناكير، وإنما طلب العلم على كبر في السن”. انتهى

وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان 1/246 عند ترجمته:” قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي: عنده مناكير وما كان ممن يكتب حديثه. انتهى.

وقال ابن عساكر نقلا من كتاب ابن الفرضي: أحمد بن الفضل بن العباس البهراني الدينوري الخفاف يكنى أبا بكر قدم الأندلس سنة 341 وكان يكتب كتابا ضعيفا ولزم محمد بن جرير وخدمه وتحقق به وسمع منه مصنفاته فيما زعم، ولم يكن ضابطًا لما روى، وكان إذا أُتِيَ بكتاب من كتب الطبري قال: قد سمعته منه.قال: وقد سمع من ابن أبي داود، وَأبي خليفة والفريابي، وَغيرهم. قال: وكان عنده مناكير وقد تسهل الناس فيه وسمعوا منه كثيرا. وقال أبو عبد الله محمد بن يحيى: لقد كان بمصر يلعب به الأحداث ويسرقون كتبه وما كان ممن يكتب عنه. توفي في المحرم سنة تسع وأربعين وثلاث مِئَة. وقال الحميدي: آخر من حدث عنه أبو الفضل أحمد بن عبد الرحمن التاهرتي. وقال أبو عَمْرو الداني في طبقات القراء: كان أبو سعيد بن الأعرابي فيما بلغني يضعفه ويتهمه”. انتهى

فتبين مما سبق أن كتاب التبصير لا ينبغي اعتماده لأنه من طريق أبي بكر الدينوري الذي لم يكن بالمتقن فيما يرويه عن شيخه الطبري رحمه الله.

فإن قيل أن القاضي أبا يعلى ابن الفراء ذكر في كتابه ابطال التأويلات في الصحيفة 48 بعض النقول من كتاب التبصير للطبري فجواب ذلك أن يقال أن أبا يعلى نقل تلك النصوص من غير سند فلا عبرة بذلك. و الظاهر أنه اعتمد على النسخة المحرفة التي راجت من طريق أبي بكر الدينوري.

فقد قال: ” وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب التبصير في معالم الدين بعد أوراق من أوله…. ثم ذكر بعد ذلك بأوراق”. انتهى

وقد نقل ابن القيم في اجتماع جيوشه في الصحيفة 120 عن أبي يعلى ما ذكره من كتاب التبصير و مثله الذهبي في كتابه العلو في الصحيفة 150 و السير.

وكل هؤلاء جماعة ينقل بعضهم عن بعض بلا سند فلا معنى لتصحيح نسبة النسخة السقيمة من كتاب التبصير للطبري و الجزم بأنها سالمة من التحريف.

وكذلك ما نقله ابن تيمية في مجموع الفتاوى جزء 5 صحيفة 81 عن الإمام أبي عبد الله محمد بن خفيف أنه قال في كتابه اعتقاد التوحيد باثبات الأسماء و الصفات: ” وقرأت لمحمد بن جرير الطبري في كتاب سماه ” التبصير ” كتب بذلك إلى أهل طبرستان في اختلاف عندهم؛ وسألوه أن يصنف لهم ما يعتقده ويذهب إليه؛ فذكر في كتابه اختلاف القائلين برؤية الله تعالى؛ فذكر عن طائفة إثبات الرؤية في الدنيا والآخرة. ونسب هذه المقالة إلى ” الصوفية ” قاطبة لم يخص طائفة. فبين أن ذلك على جهالة منه بأقوال المخلصين منهم فكيف بابن أخته. وليس إذا أحدث الزائغ في نحلته قولا نسب إلى الجملة”. انتهى

فعبد الله بن خفيف لم يكن له سند معتبر في كتاب التبصير وهو قد اطلع فقط على تلك النسخة المحرفة الرائجة في عصره. وقد تعقب لأجل ذلك ابن جرير في مسألة الرؤية في ما نسبه للصوفيه و اتهمه بأنه جاهل بمقالتهم. وهذا دليل على أن الكتاب وقع تحريفه و الدس فيه.

وينبغي الوقوف هنا على أمر مهم ذكره الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات بخصوص بعض كتب الطبري فقد قال: ” ولم يخرج كتابه في الاختلاف حتى مات فوجدوه مدفونا في التراب فأخرجوه ونسخوه”. انتهى

مما يدل على أن بعض كتب الطبري لم تؤخذ بالتلقي و السند الشرعي وهذا يؤكد احتمال الدس و التحريف فيها.