الشيخُ محيي الدين بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي المتوفى سنة 638 هـجري
الجزء الثاني: بيان تراجع الكثير من العلماء الذين طعنوا فيه
1- العز بن عبد السلام المتوفى سنة 660 هـجري
نقل الكثير من العلماء عن العز بن عبد السلام أنه كان ينكر على الشيخ ابن عربي ويطعن فيه، و ذكر غيرهم أنه تراجع عن ذمه، منهم:
أ- الشيخ أحمد بن محمد المقرى التلمساني فى كتابه ” نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب “
ب-ابن عطاء الله المتوفى سنة 709 هـجري كما في لطائف المنن، حيث ذكر تراجعه عن الاعتراض على الصوفية بعد أن التقى بالإمام الشّاذلي.
ج- المناوي حيث قال: “وممن كان يعتقده سلطان العلماء ابن عبد السلام فإنه سئل عنه أوّلًا فقال: شيخ سوء كذّاب، لا يحرّم فرجًا، ثم وصفه بعد ذلك بالولاية، بل بالقطبانية، وتكرر ذلك منه”. انتهى
د- السيوطي في رسالته “تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي” حيث قال: «الشيخ عز الدين كان في أول أمره على طريقة الفقهاء من المسارعة إلى الإنكار على الصوفية، فلما حجّ الشيخ أبو الحسن الشاذلي ورجع، جاء إلى الشيخ عز الدين وأقرأه السلام من النبي صلى الله عليه وسلم، فخضع الشيخ عز الدين لذلك ولزم مجلس الشاذلي وصار يبالغ في الثناء على الصوفية لما فهم طريقهم على وجهها “. انتهى
ولاعبرة بما قاله ابراهيم الحلبي في رده على السيوطي حيث زعم أن العز كان صوفيا ثم تراجع عن ذلك. وهذا لم يقله أحد من أتباع و لا من أعداء العز بن عبد السلام، فالعز كان على طريقة الصوفية و لم يتركها.
– قال السيوطي في ترجمة العز : ” له كرامات كثيرة ولبس خرقة التصوف من الشهاب السهروردي. وكان يحضر عند الشيخ أبي الحسن الشاذلي ، ويسمع كلامه في الحقيقة ويعظمه”. انتهى
وقال السبكي: “ان الشيخ لبس خرقة التصوف من شهاب الدين السهروردي، وأخذ عنه، وذكر أنه كان يقرأ بين يديه رسالة القشيري”. انتهى
وحتى الذهبي الذي نقل طعن العز في ابن عربي، كان هذا رأيه، فقد قال عنه في الميزان: ” كان عالما بالآثار والسنن ، قوى المشاركة في العلوم . وقولي أنا فيه : إنه يجوز أن يكون من أولياء الله الذين اجتذبهم الحق إلى جنابه عند الموت ، وختم له بالحسنى”. انتهى
وقال الذهبي أيضا في كتابه ‘التاريخ الكبير في حوادث
638 هجري : ” ولابن العربي توسع في الكلام وذكاء وقوة حافظة وتدقيق في التصوف، وتواليف جمة في العرفان، ولولا شطحات كلامه وشعره لكان كلمة إجماع، ولعل ذلك وقع منه في حال سكره وغيبته فنرجو له الخير”. انتهى
فهنا نجد ان الذهبي قد اعتذر لمحي الدين ابن عربي بأن ما يُنقل عنه من شطحات، فيجوز أنه قالها حال الجذب وغياب عقله.
وأما دعوى أن العز بن عبد السلام قال عن الشيخ محي الدين بن عربي أنه لا يحرم فرجا، فقد رده الشيخ عبد الغني النابلسي في الرد المتين ونقل كلام تقي الدين الفاسي – أحد الطاعنين في الشيخ محي الدين – حيث قال: و أما من أثنى عليه فلفضله و زهده و ايثاره و اجتهاده في العبادة”. انتهى
2- سراج الدين البُلقيني و الشيخ تقي الدين السبكي.
لقد ثبت تراجع البُلقيني و السبكي عن الطعن في الشيخ محي الدين، كما ذكر ذلك الشيخ سراج الدين المخزومي في كتاب سماه : “كشف الغطاء عن أسرار كلام الشيخ محيي الدين”، فقد نقل الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر صحيفة 10، ما نصه : ” وقال الشيخ سراج الدين المخزومي رحمه الله تعالى : كان شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البُلقيني وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي ينكران على الشيخ في بداية أمرهما ثم رجعا عن ذلك حين تحققا كلامه وتأويل مراده وندما على تفريطهما في حقه في البداية وسلما له الحال فيما أشكل عليهما عند النهاية ، فمن جملة ما ترجمه به الإمام السبكي : كان الشيخ محيي الدين آية من آيات الله تعالى وإنّ الفضل في زمانه رمى بمقاليده إليه .ومن جملة ما قاله الشيخ سراج الدين البلقيني رحمه الله تعالى فيه حين سئل عنه : إياكم والإنكار على شيء من كلام الشيخ محيي الدين ـ إلى أن قال ـ ولقد كذب والله وافترى من نسبه إلى القول بالحلول والاتحاد ، ولم أزل أتتبع كلامه في العقائد وغيرها وأكثر من النظر في أسرار كلامه ورابطه حتى تحققت بمعرفة ما هو عليه من الحق ، ووافقت الجمّ الغفير المعتقدين له من الخلق وحمدت الله عزّ وجلّ إذا لم أكتب في ديوان الغافلين عن مقامه الجاحدين لكراماته وأحواله” انتهـى
وقال في الصحيفة 11 ما نصه : “قال المخزومي رحمه الله : ولقد بلغنا أنّ الشيخ تقي الدين السبكي تكلم في شرحه للمنهاج في حق الشيخ محيي الدين بكلمة ثم استغفر بعد ذلك وضرب عليها فمن وجدها في بعض النسخ فليضرب عليها كما هو في نسخة المؤلف ، قال : مع أنّ السبكي قد صنف كتاباً في الردّ على المجسّمة والرافضة وكتب الأجوبة العلمية في الرد على ابن تيمية ولم يصنف قط شيئاً في الرد على الشيخ محي الدين مع شهرة كلامه بالشام وقراءة كتبه في الجامع الأموي وغيره بل كان يقول : ليس الرد على الصوفية مذهبي لعلو مراتبهم ، وكذلك كان يقول الشيخ تاج الدين الفركاح ثم قال : فمن نقل عن الشيخ تقي الدين السبكي أو عن الشيخ سراج الدين البلقيني أنهما بقيا على إنكارهما على الشيخ محيي الدين إلى أن ماتا فهو مخطئ”. انتهى
3- الحافظ ابن حجر العسقلاني
دعوى اكفار الحافظ ابن حجر لمحي الدين بن عربي لا تقوم على أسس ثابتة، فمن الذين زعموا ان ابن حجر كفر الشيخ محي الدين، برهان الدين البقاعي في تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي، حيث قال: رأي ابن حجر والبلقيني وغيرهما:
ومنهم شيخنا شيخ الإسلام حافظ عصره قاضي القضاة أبو الفضل بن حجر، وشيخه شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني، فقال في ترجمة عمر بن الفارض في لسان الميزان بعد أن ذكر ترجمة الذهبي له بأنه شيخ الاتحادية وأنه ينعق بالاتحاد الصريح في شعره: “وقد كنت سألت شيخنا سراج الدين البلقيني عن ابن العربي، فبادر بالجواب بأنه كافر” . انتهى
فأين تكفير ابن حجر للشيخ محي الدين؟ ولا يوجد في لسان الميزان الا تكفير البلقيني له، وقد ثبت تراجعه عن ذلك.
والا فالحافظ ابن حجر كان يروي كتب الشيخ ابن عربي بالسند، فهو قد تلقاها سماعا وأقرءها إجازة، حتى وصلت إلى الشيخ أبي المواهب الحنبلي.
جاء في كتاب مشيخة أبي المواهب الحنبلي لابن عبد الباقي الحنبلي، قوله: “سند صاحب المشيخة (أبي المواهب الحنبلي) بمؤلفات ابن عربي، هذا ويروي شيخنا صاحب هذه المشيخة رحمه الله تعالى تآليف الإمام الهمام أستاذ المحققين العارف بالله تعالى أبي عبد الله محيي الدين محمد بن علي بن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي ثم المكي ثم الدمشقي قدس سره العزيز عن سادات كرام منهم نور الدين علي الشبراملسي المصري، والشيخ عبد القادر بن الشيخ مصطفى الفرضي الصفوري، وسيد النقباء بدمشق السيد محمد بن السيد كمال الدين بن حمزة، ووالده الشيخ عبد الباقي الحنبلي المتقدم ذكرهم برواية الأول عن نور الدين علي الحلبي، عن البرهان العلقمي، عن أخيه محمد العلقمي، عن الجلال السيوطي، عن محمد بن مقبل الحلبي، عن أبي طلحة الحراوي الزاهد، عن الشرف الدمياطي، عن سعد الدين محمد بن الشيخ محيي الدين بن العربي،عن والده الشيخ محيي الدين قدس سره. ورواية الثاني عن شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن الوارثي الصديقي، عن خاله عالم الإسلام وقطب الأولياء الكرام محمد بن أبي الحسن الصديقي. عن والده أبي الحسن، عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، عن الحافظ ابن حجر العسقلاني بروايته لذلك من طريقين: أحدهما عن السيد عبد الرحمن بن عمر القبابي، عن العز محمد بن إسماعيل بن عمر بن المسلم الحموي، عن العفيف سليمان بن علي التلمساني، عن شيخه صدر الدين محمد بن إسحاق القونوي، عن الإمام محيي الدين محمد بن العربي قدس سره….”. انتهى
فهل يقول عاقل ان الحافظ ابن حجر العسقلاني تلقى كفراً بالسند ثم نقله إلى غيره بالإجازة؟
وكذلك مباهلة ابن حجر لبعض أتباع الشيخ محي الدين ابن عربي يظهر عليها علامات الوضع والا فقد ذكر السخاوي في القول المنبي عن شيخه الحافظ ابن حجر أنه نقل عن الحافظ العراقي و الذهبي والبلقيني والسبكي التوقف في تكفير ابن العربي والحكم بكفر المقالات المنسوبة إليه، ثم عقب ابن حجر بقوله: ” فالظاهر أن هذا ما جنح إليه هؤلاء، وهو كما قلنا الأخلص المحصل للغرض”. انتهى
4- الشوكاني
تراجع الشوكاني عن الطعن في الشيخ محي الدين بن عربي حيث قال في البدر الطالع عند ترجمة السيد القاسم بن أحمد بن عبد الله بن القاسم، “….فأجبت : عن هذا السؤال برسالة فى كراريس سميتها الصوارم الحداد القاطعة لعلائق مقالات أرباب الاتحاد …وكان تحرير هذا الجواب في عنفوان الشباب،
وأنا الآن اتوقف فى حال هؤلاء وأتبرأ من كل ما كان من أقوالهم وأفعالهم مخالفا لهذه الشريعة البيضاء الواضحة التى ليلها كنهارها ولم يتعبدني الله بتكفير من صار في ظاهر أمره من أهل الإسلام” انتهى
وقال تلميذه صديق حسن خان في التاج المكلل، ما نصه :” قلت – اي صديق خان – : والمذهب الراجح فيه على ماذهب اليه العلماء المحققون الجامعون بين العلم والعمل والشرع والسلوك ” السكوت في شأنه ” ، وصرف كلامه المخالف لظاهر الشرع الى محامل حسنة ، وكف اللسان عن تكفيره وتكفير غيره من المشائخ الذين ثبت تقواهم في الدين ، وظهر علمهم في الدنيا بين المسلمين ، وكانوا ذروة عليا من العمل الصالح ، ومن ثم رأيت شيخنا الامام العلامة الشوكاني في الفتح الرباني مال الى ذلك ، وقال : ” لكلامه محامل ” ، ورجع عما كتبه في أول عمره بعد أربعين سنة”. انتهى
ثم قال بعده بخمسة أسطر : ” وأقول في هذا الكتاب : إن الصواب ماذهب اليه الشيخ أحمد السهرندي – مجدد الالف الثاني – ، والشيخ الاجل مسند الوقت أحمد ولي الله – المحدث الدهلوي – ، والإمام المجتهد الكبير محمد الشوكاني من قبول كلامه الموافق لظاهر الكتاب والسنة ، وتأويل كلامه الذي يخالف ظاهرهما ، تأويله بما يستحسن من المحامل الحسنة ، وعدم التفوه ، فيه بما لا يليق ، بأهل العلم والهدى ، والله أعلم بسرائر الخلق وضمائرهم “. انتهى
فيلاحظ أن الشوكاني تراجع بصريح العبارة عما سطره في الصوارم الحداد بينما نرى بعض الجهلة لايزالون ينقلون منه طعنه في الشيخ محي الدين.
5- ابن جماعة
ما ينقل عن ابن جماعة في تكفير ابن عربي غير صحيح، لأن هذا الكلام منقول عن الإمام تقي الدين الفاسي وهو يحتاج إلى إثبات، والا فقد ورد عكسه. قال الشيخ الشعراني في “لطائف المنن” ما نصه : “وليحذر أيضا من مطالعة كتب الشيخ محي الدين بن عربي رضي الله تعالى عنه لعلو مراقيها، ولما فيها من الكلام المدسوس على الشيخ لا سيما الفصوص والفتوحات المكية، فقد أخبرني الشيخ أبو طاهر عن شيخه عن الشيخ بدر الدين بن جماعة أنه كان يقول: جميع ما في كتب الشيخ محي الدين من الأمور المخالفة لكلام العلماء فهو مدسوس عليه، وكذلك كان يقول الشيخ مجد الدين صاحب القاموس في اللغة.
قلتُ –أي الشعراني-: وقد اختصرتُ الفتوحات المكية وحذفتُ منها كل ما يخالف ظاهر الشريعة، فلما أخبرت بأنهم دسوا في كتب الشيخ ما يوهم الحلول والاتحاد وَرَد عليّ الشيخ شمس الدين المدني بنسخة الفتوحات التي قابلها على خط الشيخ بقونية فلم أجد فيها شيئا من ذلك الذي حذفته ففرحتُ بذلكَ غاية الفرح، فالحمد لله على ذلك” انتهى كلام الشعراني.
