في نقض مدح الملا علي القاري الحنفي لابن تيمية وابن القيم
كتاب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، وكتاب جمع الوسائل في شرح الشمائل، هما كتابان من تأليف الملا علي القاري المتوفى سنة 1014 هجري.
هذان الكتابان طبعا اعتمادا على مخطوطات أغلبها يعود لما بعد وفاة الملا القاري بعقود، وهي مجهولة الناسخ، وليس عليها سماعات او ذكر للسند.
فكتاب مرقاة المفاتيح له بعض النسخ منها:
– نسخ مكتبة الحرم المكي.
– نسخة جامعة الملك سعود: ناقص الأول والآخر.
– نسخة مكتبة دار الإفتاء السعودية
– نسخة مكتبة الظاهرية كتبت سنة 1138 هجري.
وبالنسبة لكتاب جمع الوسائل فله نسخ كثيرة كلها تعود أيضا لما بعد وفاة الملا القاري، وهي مجهولة الناسخ، وليس عليها سماعات او ذكر للسند.
الكتابان رغم أن مؤلفهما ماتوريدي العقيدة، عالم بالقراءات والحديث والفقه، إلا أن أقلام التزوير قد طالتهما ، خاصة عقب الموضع الذي قال فيه الملا علي القاري: ” قال ابن القيم عن شيخه ابن تيميه إنه ذكر شيئا بديعا وهو أنه – صلى الله عليه وسلم – لما رأى ربه واضعا يده على كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة. قال العراقي: لم نجد لذلك أصلا. قال ابن حجر: بل هذا من قبيح رأيهما وضلالهما، إذ هم مبنى على ما ذهبا إليه وأطالا في الاستدلال له، والحط على أهل السنة في نفيهم له وهو إثبات الجهة والجسمية لله سبحانه، ولهماكم هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما تصم عنه الآذان، ويقضى عليه بالزور والبهتان، قبحهما الله تعالى وقبح من يقول بقولهما.
والإمام أحمد وأجلاء مذهبه مبرءون من هذه الوصمة القبيحة، كيف وهي كفر عند كثيرين” . انتهى
فلا شك عند ذي كل عقل سليم وفطرة سليمة ان القول بأن الله وضع يده على كتفي الرسول صلى الله عليه وسلم كفر وزندقة والحاد. لكن المشبهة أقحموا عقب ذلك، فقرة مدحوا فيها ابن تيمية وابن القيم، و نسبوها زورا وبهتانا للملا علي القاري فزعموا أنه قال:
“أقول: صانهما الله عن هذه السمة الشنيعة والنسبة الفظيعة، ومن طالع شرح منازل السائرين لنديم الباري الشيخ عبد الله الأنصاري الحنبلي – قدس الله تعالى سره الجلي – وهو شيخ الإسلام عند الصوفية حال الإطلاق بالاتفاق، تبين له أنهما كانا من أهل السنة والجماعة، بل ومن أولياء هذه الأمة، ومما ذكر في الشرح المذكور ما نصه على وفق المسطور هو قوله على بعض صباة المنازل، وهذا الكلام من شيخ الإسلام يبين مرتبته من السنة، ومقداره في العلم، وأنه بريء مما رماه أعداؤه الجهمية من التشبيه والتمثيل على عاداتهم في رمي أهل الحديث والسنة بذلك، كرمي الرافضة لهم بأنهم نواصب، والنواصب بأنهم روافض، والمعتزلة بأنهم نوائب حشوية، وذلك ميراث من أعداء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في رميه ورمي أصحابه، بأنهم صراة قد ابتدعوا دينا محدثا، وهذا ميراث لأهل الحديث والميمنة من نبيهم بتلقيب أهل الباطل لهم بالألقاب المذمومة، وقدس الله روح الشافعي حيث يقول، وقد نسب إليه الرفض:
إن كان رفضا حب آل محمد … فليشهد الثقلان أني رافضي
ورضي الله عن شيخنا أبي عبد الله بن تيمية حيث يقول:
إن كان نصبا حب صحب محمد … فليشهد الثقلان أني ناصبي
وعفا الله عن الثالث حيث يقول:
فإن كان تجسيما ثبوت صفاته … وتنزيهها عن كل تأويل مفتر
فإني بحمد الله ربي مجسم … هلموا شهودا واملئوا كل محضر
ثم بين في الشرح المذكور ما يدل على براءته من التشنيع المسطور، والتقبيح المزبور، وهو ما نصه: إن حفظه حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها، وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أفهام العامة، ولا نعني بالعامة الجهال، بل عامة الأمة، كما قال مالك رحمه الله، وقد سئل عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] كيف استوى؟ ، فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء معلوم، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فرق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة، وبين الكيف الذي لا يعقله البشر، وهذا الجواب من مالك – رحمه الله – شاف عام في جميع مسائل الصفات من السمع والبصر والعلم والحياة والقدرة والإرادة والنزول والغضب والرحمة والضحك، فمعانيها كلها معلومة، وأما كيفيتها فغير معقولة، إذ تعقل الكيف فرع العلم بكيفية الذات وكنهها، فإذا كان ذلك غير معلوم، فكيف يعقل لهم كيفية الصفات؟ والعصمة النافعة من هذا الباب أن يصف الله – بما وصف به نفسه: ووصف به رسوله من غير تحرير ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يثبت له الأسماء والصفات، وينفي عنه مشابهة المخلوقات، فيكون إثباتك منزها عن التشبيه، ونفيك منزها عن التعطيل، فمن نفى حقيقة الاستواء فهو معطل، ومن شبهه باستواء المخلوقات على المخلوق فهو مشبه، ومن قال: هو استواء ليس كمثله شيء فهو الموحد المنزه اهـ كلامه. وتبين مرامه، وظهر أن معتقده موافق لأهل الحق من السلف وجمهور الخلف، فالطعن الشنيع والتقبيح الفظيع غير موجه عليه ولا متوجه إليه، فإن كلامه بعينه مطابق لما قاله الإمام الأعظم، والمجتهد الأقدم في فقهه الأكبر ما نصه: ” وله تعالى يد ووجه ونفس، فما ذكر الله في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف، ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته ; لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال، ولكن يده صفته بلا كيف، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف”. انتهى الكلام المنسوب للقاري
فهذا الكلام الموضوع على لسان الملا علي القاري فيه رمي لشيخه ابن حجر الهيتمي بالتهجم والبدعة، وعبد الله الأنصاري الذي قيل أنه شيخ الإسلام بلا منازع عند الصوفية هو الزنديق الحلولي صاحب ذم الكلام الذي نقل فيه تكفير أئمة الأشعرية. بل إن سبك عبارات هذا النص ليست على طريقة الملا علي القاري ولا المصطلحات الواردة فيه ثابتة عنه، فتسميته لأبي اسماعيل الهروي: “نديم الباري” فإضافة هذه اللفظة إلى الله عز وجل، لا يتصور صدورها عن عالم مثل الملا علي القاري، لأن كلمة النديم في اللغة لا يصح اطلاقها على الله تعالى.












