بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن حجر الهيتمي المتوفى سنة 974 هـجري في كتابه تطهير الجنان واللسان عن ثالب معاوية ابن أبي سفيان صحيفة 111 ما نصه :” فعلي مجتهد مصيب , فله أجران…ومقاتلوه كعائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص ومن تبعهم من الصحابة الكثيرين من أهل بدر وغيرهم مجتهدون غير مصيبين , فلهم أجر واحد” .انتهى
وقال: “فهذا من علي رضي لله عنه صريح لا يقبل تأويلا بأن معاوية مجتهد توفرت فيه شروط الاجتهاد الموجبة لتحريم تقليد الغير، وهو تصريح لا يقبل التأويل بأن معاوية وأتباعه مثابون غير مأثومين بما فعلوه من قتال علي، وإنما قاتلهم مع ذلك لأن البغاة يجب على الإمام قتالهم، وهؤلاء بغاة إذ ليس من شرط البغي الإثم، بل من شرطه التأويل الغير قطعي البطلان”.انتهى
وهذا الكلام قد عارضه فيه الشيخ محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي في كتابه النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية وبين أن كتاب تطهير الجنان فيه تحملات فاسدة وغلو في معاوية و جماعته ونص عبارته: “جاء الشيخ ابن حجر رحمه الله في كتابيه الصواعق المحرقة وتطهير الجنان بما يضحك الثكلي ويأسف له الحكيم من التحملات الفاسدة والتأويلات البعيدة والتعسفات المتناقضة” انتهى
وأما ما قاله الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي الفاروقي الحنفي النقشبندي المتوفى سنة 1034 هجري في الجزء 1 من مكتوباته صحيفة 396 – طبعة مكتبة الحقيقة باستانبول تركيا-: “وعلى كل فالاجتهاد واقع في محله فإن كان مخطأ فدرجة واحدة من الثواب وللمحق درجتان”. انتهى
فالجواب عليه من وجهين:
الوجه الأول: أن يقال أن الشيخ أحمد السرهندي الفاروقي وإن كان من أعلام السادة النقشبندية و من رجال سلسلتهم الذهبية إلا أن كلامه مخالف لكلام أساتذته ومشائخ الطريقة. فقد وصف العارف بالله نور الدين عبد الرحمن جامي بن نظام الدين أحمد خطأ معاوية بأنه منكر. وقد حاول السرهندي الاعتذار له فقال في مكتوباته في الجزء 1 صحيفة 396 – طبعة مكتبة الحقيقة باستانبول تركيا- ما نصه: ” و لا يجوز الزيادة على القول بالخطأ، كيف يكون جائراً و قد صح أنه كان إماماً عادلاً في حقوق الله سبحانه و حقوق المسلمين؟! كما في الصواعق. و قد زاد مولانا عبد الرحمن الجامي – قدس سره – في قوله: خطأ منكراً. يعني: زاد على ما عليه الجمهور، و كلما زاد على لفظ الخطأ خطأ”. انتهى
ثم قال: “و الظاهر أن هذا الكلام صدر عن مولانا بطريق السهو و النسيان”.انتهى
والصواب ما قاله الجامي لا ما ادعاه السرهندي
فمن زعم بعد ذلك أن مشائخ الطريقة النقشبندية مجمعون على أن معاوية معذور في خروجه على الإمام علي فقد افترى القول وزيف الحقيقة.
وليعلم أن عبد الرحمن جامي قد تسلم مشيخة الطريقة النقشبندية خلفاً لشيخه سعد الدين الكاشغري. فقد قال أبو الخير عصام الدين طاشْكُبْري زَادَهْ المتوفى 968هـجري في الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية بعد ذكر الطريقة النقشبندية وذكر جملة من مشائخها ما نصه:” ومنهم الشيخ العارف بالله عبد الرحمن بن أحمد الجامي اشتغل أولا بالعلم الشريف وصار من أفاضل عصره ثم صحب مشائخ الصوفية وتلقن كلمة التوحيد من الشيخ العارف بالله تعالى سعد الدين الكاشغري”. انتهى
الوجه الثاني: أن يقال: قال الشيخ الحافظ المحدث عبد الله الهرري في الدليل الشرعي صحيفة 71 ما نصه:”كذلك ما في كتاب المكتوبات المنسوبة للشيخ أحمد الفاروقي السرهندي شيخ النقشبندية, وهذا الكتاب تعريب من بعض الناس لأن السرهندي ألف باللغة الفارسية فيحتمل أن يكون التحريف من الذي عرب الكتاب”. انتهى
ونسبة التحريف لهذا الكتاب كبير جدا إذ فيه مقالات شنيعة منها قوله:” كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ العلوم من الوحي فكذلك هؤلاء الأكابر- مشايخ الصوفية- يأخذونها بطريق الإلهام من الأصل “. انتهى
وأما ما قاله الشيخ أبو البهاء خالد بن أحمد الشافعي النقشبندي المتوفى سنة 1242 هجري في كتاب الإيمان والإسلام: وفي هذه المحاربة أسباب دينية أنقذت من يخالف سيدنا عليا كرم الله وجهه و حتى أثيبوا بها و في الحديث الشريف قال النبي صلى الله عليه و سلم: إن أصبت فلك عشر حسنات و إن أخطأت فلك حسنة واحدة” انتهى
فالرد على هذه الشبهة من وجهين:
الوجه الأول أن يقال: ان هذا الكتاب قد ألّفه الشيخ خالد البغدادي باللغة الفارسية و سماه “إعتقادنامه” و ترجمه الحاج فيض الله أفندي الكماخي إلى اللغة التركية و سماه “فرائد الفوائد” و طبع سنة 1312 هـجري – 1894 ميلادي – بإسطنبول ثم ترجمه الشيخ حسين حلمي ايشيق من أصله اللغة الفارسية إلى اللغة التركية من جديد سنة 1966ميلادي. و قد شرحه و أضاف إليه ثلاث إضافات و سماه جميعا الايمان و الإسلام . و نشر هذا الكتاب من طرف مكتبة الحقيقة. فليس كل الكلام الموجود في الكتاب من كلام الشيخ خالد خاصة و أن بعض العبارات التي تتعلق بموضوع تشاجر الصحابة تتشابه بشكل كبير مع العبارات الموجودة في مكتوبات الشيخ السرهندي.
الوجه الثاني أن يقال: ان كلام الشيخ خالد مخالف لكلام بعض شيوخه في الطريقة النقشبندية كالعارف بالله نور الدين عبد الرحمن جامي بن نظام الدين أحمد الذي وصف خطأ معاوية بالمنكر. ومخالف أيضا لكلام إمامه في الفقه محمد بن ادريس الشافعي. فقد نقل البيهقي في كتابه الاعتقاد عن محمد ابن اسحق أنه قال: “الذي عهدت عليه مشايخنا أن من نازع أمير المؤمنين عليا في إمارته باغ، و على ذلك محمد ابن إدريس”. انتهى
كتبه أبو عمر التونسي
