3 المعتزلة بين الكفر و الابتداع

  1. بيان أن المجسمة و المعتزلة ليسوا من أهل السنة و الجماعة
  2. حكم الامام أحمد على رؤوس الجهمية بحسب رأي ابن تيمية
  3. اشتغال الفقهاء الأربعة بعلم الكلام السني
  4. الملك محمود بن سبكتكين المتوفى سنة 421 هجري – الجزء الأول –

    بيان أن المجسمة و المعتزلة ليسوا من أهل السنة و الجماعة

    قال عبد القاهر البغدادي الأشعري في الملل و النحل: ” قد ذكرنا في أول باب من هذا الكتاب قول النبي ﷺ لما سئل عن الفرقة الناجية: « ما أنا عليه وأصحابي » وليس اليوم فرقة على ما كان عليه أصحاب النبي ﷺ – إلا – أهل السنة من فقهاء الأمة ومتكلميهم الصفاتية، دون أهل الأهواء من القدرية والرافضة والخوارج والجهمية والنجارية والمجسمة. انتهى

    وقال: “ومما يؤكد هذا الذي قلنا ما عرفته الخاصة من أئمة الدين من أهل السنة، وقد عرفوا جميعا أنه لم يكن قط في الخوارج ولا في الروافض ولا في القدرية ولا في النجارية ولا في الجهمية ولا في المجسمة الكرامية إمام صار صاحب مطلب في الفقه ولا إمام مقبول للرواية في الحديث ولا إمام في القرآن ولا إمام يقتدى به في التفسير ولا في الوعظ والتذكير ولا إمام في النحو واللغة”. انتهى

    وقال: “وحسبك من ذلك تكفير الجبائي – المعتزلي – ابنه وتكفير الابن أباه، وتكفير البغداديين منهم. وكل زعيم منهم يكفر غيره منهم، كتكفير النظام لأبي الهذيل وتكفير أبي الهذيل للنظام، والمردار منهم كتب في تكفير أبي الهذيل والنظام وكَعْلي بن عيسى النجعي -1- منهم في عصرنا كتابا في تكفير أبي هاشم بن الجبائي ذكر فيه أن أبا هاشم أدخل النصرانية في الاعتزال”

    1- الظاهر أنه يريد : أبو الحسن علي بن عيسى بن عبد الله الرماني المعتزلي المتوفى سنة 384هجري فهو الذي نقل عن أبي هاشم بن الجبائي أنه أدخل النصرانية في الاعتزال.

    **********

    حكم الامام أحمد على رؤوس الجهمية بحسب رأي ابن تيمية

    الجهمية أو المُعَطِّلَة هي فرقةٌ كلاميَّة تنتسب إلى الإسلام، ظهرت في الربع الأول من القرن الثاني الهجري على يد الجهم بن صفوان الترمذي.

    ولد الجهم في الكوفة ونشأ فيها، وهناك صحب الجعد بن درهم وتأثر بتعاليمه. وبعد قتل الجعد، واصل الجهم نشر أفكاره وصار له أتباع يعرفون بالجهمية، إلى أن تم نفيه إلى ترمذ في خراسان.

    وافق الجهمية عقائد المعتزلة في نفي أصل الصفات والقول بخلق القرٱن الذي هو صفة من صفات الله عز وجل، لذلك كفرهم أئمة السلف

    كما نفى الجهمية رؤية الله في الآخرة، وزعموا ان الإنسان لا يوصف بالاستطاعة على الفعل، بل هو مجبور بما يخلقه الله من الأفعال، وأن الإيمان عقدٌ بالقلب وإن تلفظ الشخص بالكفر، وأن الإيمان لا يضر معه شيء.

    وقالوا أيضا أن الله موجود في كل مكان والعياذ بالله ، فقد أخرج ابن خزيمة في التوحيد بسنده أن الجهم بن صفوان كان يوماً على جسر ترمذ فقيل له: صف لنا ربك، فدخل البيت لا يخرج، ثم خرج بعد أيام فقال: هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء.

    ومن جملة عقائدهم الفاسدة أيضا القول بفناء الجنة والنار.

    ومع هذا كله نجد شيخ المجسمة ابن تيمية ينقل في مجموع الفتاوى عن الإمام أحمد أنه كان يصلي وراء رؤوس الجهمية، و لم يكفر الدعاة منهم لبدعتهم، ونصه: “مَعَ أَنَّ أَحْمَد لَمْ يُكَفِّرْ أَعْيَانَ الْجَهْمِيَّة وَلَا كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ جهمي كَفَّرَهُ وَلَا كُلَّ مَنْ وَافَقَ الْجَهْمِيَّة فِي بَعْضِ بِدَعِهِمْ؛ بَلْ صَلَّى خَلْفَ الْجَهْمِيَّة الَّذِينَ دَعَوْا إلَى قَوْلِهِمْ وَامْتَحَنُوا النَّاسَ وَعَاقَبُوا مَنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ بِالْعُقُوبَاتِ الْغَلِيظَةِ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ أَحْمَد وَأَمْثَالُهُ؛ بَلْ كَانَ يَعْتَقِدُ إيمَانَهُمْ وَإِمَامَتَهُمْ؛ وَيَدْعُو لَهُمْ؛ وَيَرَى الِائْتِمَامَ بِهِمْ فِي الصَّلَوَاتِ خَلْفَهُمْ وَالْحَجَّ وَالْغَزْوَ مَعَهُمْ وَالْمَنْعَ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ مَا يَرَاهُ لِأَمْثَالِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ”. انتهى

    هكذا جعل ابن تيمية الامام أحمد متناقضا في عقائده وحكمه على الجهمية، فهو عنده، تارة يحكم بكفرهم، وتارة لا يكفر أعيانهم، ويصلي وراء دعاتهم ويرى امامتهم، اي أن الامام أحمد بزعم ابن تيمية كان يصلي وراء رؤوس الجهمية مع أنه كان يراهم من الكفرة والعياذ بالله.

    بل ان ابن تيمية تمادى في تناقضاته وزعم ان الامام أحمد لا يحكم بكفر القدرية اذا أقروا بالعلم و أنكروا خلق الأفعال والعياذ بالله تعالى.

    وماهذا الا من جملة الأدلة على ان هذا الحراني لم يحرر عقائد الفرق الضالة وما يؤول إليه كلامهم، بخلاف ما يروج له أتباعه. فان الذي يقر بالعلم و يقول ان العبد يخلق أفعاله، فهذا لا شك أنه كافر عند السلف ومحققي الخلف.

    ملاحظات:

    1-جاء في تهذيب الكمال للمزي ما نصه: “قال الآجري في موضع آخر : سئل أبو داود ، عن جهم ، فقال : روى منصور (بن المعتمر ) عن جهم ، وروى عنه أشعث بن سوار ، فقلت : هو من أصحاب إبراهيم ؟ فقال : لا أدري ، منصور لا يروي إلا عن كل ثقة “. انتهى

    ومن المحتمل أن هذا الكلام عنه كان قبل تلبسه ببدعته، والا فقد ورد في مسائل أحمد رواية أبي داود، أنه تاب، حيث قال أبو داود : ” ثنا أحمد بن حفص بن عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: قال إبراهيم بن طهمان ثنا من لا يتهم غير واحد «أن جهما رجع عن قوله، ونزع عنه وتاب إلى الله منه، فما ذكرته ولا ذكر عندي إلا دعوت الله عليه، ما أعظم ما أورث أهل القبلة من منطقه هذا العظيم» . انتهى

    2- في مواضع أخرى من كتبه زعم ابن تيمية أن الامام أحمد يطلق تسمية “جهمي” على من وافق الجهمية في بعض عقائدهم ، لتضعيف قوله.

    3- قبل هذا النص بيسير، قال ابن تيمية: “والمحفوظ عن أحمد وأمثاله من الأئمة إنما هو تكفير الجهمية المشبهة، وأمثال هؤلاء”. انتهى

    قال الدكتور علي بن بخيت الزهراني محقق كتاب «الإيمان الأوسط» لابن تيمية، ما نصه: “لم يتبين لي مراد المؤلف بالجهمية المشبهة، اللهم إلا إذا كان من باب أن كل معطل مشبه، والجهمية أشد الناس تعطيلاً، فشبهوا الله حينئذ بالمعدوم تعالى الله عن قول الظالمين والجاهلين علواً كبيراً.

    يقول المصنف في رسالته التدمرية، بعد أن ذكر مذهب الجهمية وغيرهم في الصفات: “فقولهم يستلزم غاية التعطيل، وغاية التمثيل، فإنهم يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات. . . فإنهم شبهوه بالممتنعات”. أو قد تكون العبارة كالتالي: الجهمية والمشبهة، فتكون الواو ساقطة، لأن السلف كفروا المشبهة أيضاً، والله أعلم”. انتهى

    **********

    اشتغال الفقهاء الأربعة بعلم الكلام السني

    1- ابو حنيفة النعمان

    كان الإمام أبو حنيفة وصاحباه أول من تكلّم من الفقهاء في أصول الدين بالتوسّع وأتقنها بقواطع البراهين على رأس المائة الأولى.

    وقد ذكر الأستاذ عبد القاهر البغدادي أن أول متكلمي أهل السنّة من الفقهاء هو أبو حنيفة وقد ناظر فرقة الخوارج والروافض والقدرية والدهرية, وبلغ في علم التوحيد إلى أن صار المشار إليه بين الأنام، واقتدى به تلامذته الأعلام.

    ‏حتى روي عن وكيع بن الجراح أنه قال: فُتح لأبي حنيفة في الفقه والكلام ما لم يُفتح لغيره.

    و روي عن عبد العزيز بن أبي روَّاد – من أئمة البصرة وزهادها – أنه قال: بيننا وبين الناس أبو حنيفة فمن أحبه وتولاه علمنا أنه من أهل السنة والجماعة ومن أبغضه علمنا أنه من أهل البدعة.

    و للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه في هذا العلم مؤلفات عديدة ككتاب “الفقه الأكبر” و “الرسالة” و”الفقه الأبسط” و “العالم والمتعلّم” و “الوصية”.

    و قد اختلف في نسبتها إلى الإمام كثيراً، فمنهم من ينكر نسبتها للإمام مطلقاً ويزعم أنها ليست من عمله، ومنهم من ينسبها إلى محمد بن يوسف البخاري المكنى بأبي حنيفة وهذا قول المعتزلة لما فيها من إبطال نصوصهم الزائغة وادعائهم كون الإمام منهم- أي في المعتقد- كما في المناقب الكردرية.

    راجع هنا صحة اثبات كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة:

    وفي مناقب الكردري عن خالد بن زيد العمري أن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمد وزفر وحماد بن أبي حنيفة قد خَصَمُوا بالكلام الناس أي ألزموا المخالفين وهم أئمة العلم. وعن الإمام أبي عبد الله الصيمري أن الإمام أبا حنيفة كان متكلم هذه الأمة في زمانه، وفقيههم في الحلال والحرام.

    و أما ما جاء في كتاب فتح القدير قوله: “وروى محمد عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أن الصلاة خلف أهل الأهواء لا تجوز ، وبخط الحلواني تمنع الصلاة خلف من يخوض في علم الكلام ويناظر أصحاب الأهواء كأنه بناه على ما ورد عن أبي يوسف أنه قال : لا يجوز الاقتداء بالمتكلم وإن تكلم بحق” . انتهى

    وهذا الكلام ان صح عن أبي حنيفة فهو ليس على اطلاقه و بيان ذلك ما جاء في نفس الكتاب بعد نقله لهذه العبارة ببضعة أسطر حيث قال:” وقال صاحب المجتبى : وأما قول أبي يوسف لا تجوز الصلاة خلف المتكلم فيجوز أن يريد الذي قرره أبو حنيفة حين رأى ابنه حمادا يناظر في الكلام فنهاه ، فقال : رأيتك تناظر في الكلام وتنهاني ؟ فقال : كنا نناظر وكأن على رءوسنا الطير مخافة أن يزل صاحبنا وأنتم تناظرون وتريدون زلة صاحبكم ، ومن أراد زلة صاحبه فقد أراد كفره فهو قد كفر قبل صاحبه ، فهذا هو الخوض المنهي عنه” انتهى

    هذا هو الكلام الذي نهى عنه أبو حنيفة وهو أن يناظر الشخص الشخص الآخر ليستدرجه للكفر فيناظره مريدا ايقاعه في الكفر راضيا منه ذلك, فيلقي له الشبهات حتى ينطق خصمه بما يخالف عقيدة المسلمين فيهلك. و ليُعلم أن من رضي بالكفر واستحسنه كفر لأنّ استحسان الكفر من غيره كفر ولأنّ الرضى بالكفر كفر بدليل قوله تعالى : “ولا يرضى لعباده الكفر “.

    فأبو حنيفة رحمه الله كان يشتغل بعلم الكلام السني وألجم به العديد من أهل الأهواء منهم المجسمة:

    وأما ما قاله قبيصة بن عقبة: “كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله في أول أمره يجادل أهل الأهواء حتى صار رأسا في ذلك منظورا إليه، ثم ترك الجدل ورجع إلى الفقه والسنة وصار إماما”. انتهى

    فهذا النقل ذكره قبيصة المتوفى سنة 218 هجري، وهو لم يدرك أبا حنيفة، كما أن الرواية ذكرها المكي و الكردري بدون اسناد فلا عبرة بها. ولو صحت هذه الرواية، فلماذا لم يُنقَل ذلك عن أقرب تلامذته إليه؟. ولماذا لم ينتهوا عن الخوض في علم الكلام من بعده؟ لكن بالعكس نجد أن كُلُّ تلامذته وجميعُ الفُقهاء الَّذين على مذهبه اتبعوه على ذلك، ولم ينكروه.

    وأما ما نقله ابن أبي الوفاء في الجواهر المضية عن الديلمي بسنده ليحي بن شيبان أن أبا حنيفة قال: “رأيت المشتغلين بالكلام قاسية قلوبهم، غليظة أفئدتهم، لا يبالون بمخالفة الكتاب والسنة والسلف الصالح، ولو كان خيراً لاشتغل به السلف الصالحون”. انتهى

    فيقال أولا أن يحي بن شيبان هو تصحيف ليحي بن سيبان، وهو أبو زرعة يحيى بْن أبي عَمْرو السيباني من أهل الرملة يروي عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الديلمي وَابْن محيريز، روى عَنْهُ الْأَوْزَاعِيّ وَابْن الْمُبَارك، ومَاتَ سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة.

    وأما ما قاله أبو حنيفة فهو ظاهر في أن كلامه عن أهل البدع الذين يجادلون بما يخالف الكتاب والسنة وأقوال أئمة السلف، والذين يجادلون على سبيل التعنت لا على سبيل إظهار الحق.

    وأما قوله: “ولو كان خيراً لاشتغل به السلف الصالحون”، فلا يبعد أن هذا الكلام قاله أبو حنيفة لبعض أهل الأهواء الذين كانوا يخوضون في مسألة خلق القرٱن، ففي زمن السلف لم تنتشر تلك البدع العقدية بشكل كبير، فلم يظطر أهل السنة للخوض في مجادلة أهل الأهواء، فكان الاشتغال بالتعبد خير من الاشتغال بالكلام، وهذا أوضحه الإمام أبو حنيفة في العالم والمتعلم فقال: «وقد ابتلينا بمن يطعن علينا، ويستحل الدماء منا، فلا يسعنا أن لا نعلم من المخطئ منا ومن المصيب، وأن نذب عن أنفسنا وحرمنا، فمثل صحابة النبي الكريم كقوم ليس بحضرتهم من يقاتلهم فلا يتكلفون السلاح، ونحن قد ابتلينا بمن يقاتلنا فلا بد لنا من السلاح». انتهى

    وقد نقل الحافظ البيهقي في شعب الإيمان في باب القول في إيمان المقلّد والمرتاب جواب بعض الأئمة عن عدم خوض السلف في الكلام فقال: ” السَّلف من أهل السُّنَّة والجماعة كانوا يكتفون بمعجزات الرسل صلوات الله عليهم على الوجه الذي بيّنا، وإنما يشتغِلُ في زمانهم بعلم الكلام، أهلُ الأهواء، فكانوا يَنْهَون عن الاشتغال بكلام أهل الأهواء”. انتهى

    وكذلك نقل يحي بن سيبان عن أبي حنيفة أنه قال: “وكنت أعد الكلام أفضل العلوم، وكنت أقول هذا الكلام في أصل الدين، فراجعت نفسي بعد ما مضى لي فيه عمر، وتدبرت فقلت: إن المتقدمين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وأتباعهم لم يكونوا يفوتهم شيء مما ندركه نحن، وكانوا عليه أقدر، وبه أعرف، وأعلم بحقائق الأمور، ثم لم ينتصبوا فيه منازعين ولا مجادلين، ولم يخوضوا فيه بل أمسكوا عن ذلك، ونهوا عنه أشد النهي، ورأيت خوضهم في الشرائع وأبواب الفقه وكلامهم فيه” إلى أن قال: “فلما ظهر لنا في أمورهم هذا الذي وصفناه؛ تركنا المنازعة والمجادلة والخوض في الكلام، ورجعنا إلى ما كان عليه السلف”. انتهى

    فليس في كلامه أنه ترك الخوض في الكلام من أصله أو اعتبره من البدع القبيحة كما يروج لذلك بعض العوام، بل هو تركه للانصراف للفقه تعلما وتعليما، بل ثبت أنه بعد انصرافه إلى الفقه كان يجادل أحيانا في تلك الأصول إذا عرض له ما يقتضي ذلك، كل ذلك وهو منصرف كل الانصراف إلى الفقه.

    من ذلك مناظرته المشهورة مع الضحاك بن قيس الخارجي، حول مسألة التحكيم بين معاوية والامام علي، وذلك بعد ان استولى الخوارج على الكوفة.

    كما ناظرهم أيضا حول تكفير مرتكب الكبيرة، فقد جاء وفد من هؤلاء الخوارج وقالوا له: “هاتان جنازتان على باب المسجد، أما إحداهما فجنازة رجل شرب الخمر حتى كظته وحشرج بها فمات، والأخرى جنازة امرأة زنت، حتى إذا أيقنت بالحبل قتلت نفسها”…. فرد عليهم الإمام أبو حنيفة بكلام نفيس كسرهم به.

    2- الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه

    كان الإمام مالك من علماء السلف المُبرزين في علم الكلام, فقد سُئل عن مسائل هذا العلم فأجاب عنها بالطريق القويم. فقد جاء في فتاوى البرزلي جزء1 صحيفة 390 أن الإمام المجتهد ابن بزيزة التونسي استدل بجواب الإمام مالك للذي سأله عن الاستواء على تمكنه في علم الكلام، فقال ما نصه : “وفيه دليل على تمكن مالك في علم التوحيد بما لا خفاء فيه. و قد ذكر أبو الحسن الأشعري أن مالكا تكلم في هذا العلم و ألف فيه, فهو رد على من أنكر علم الكلام من عوام هذا العصر. فمن يزعم أنه مقلد لمالك وهو من أجهل الجاهلين فكيف يقلد مالكا في فروع الدين و لا يقلده في أصوله؟” انتهى

    وقد تتلمذ الإمام مالك على ربيعةُ الرأي الذي كان يناظر غَيلانَ بن مسلم أبا مروان القدري. وثبت أنه كان يختلف إلى ابن هرمز لتعلم علم الكلام كما ذكر ذلك الإمام ابن خمير السبتي رحمه الله تعالى في كتابه “مقدمات المراشد إلى علم العقائد” تحت باب الكلام في الرد على من عاب هذا العلم وطعن فيه من أهل التعصب بالجزاف فقال: “وكذلك مالك رحمه الله، كان يختلف إلى ابن هرمز في تعلم علم الكلام خمس عشرة سنة”. انتهى

    وابن هرمز رحمه الله كان من العارفين بعلم الكلام، فقد قال الحافظ البيهقي في “شعب الإيمان ” ما نصه : “أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أحمد بن سهل، ثنا إبراهيم بن معقل، ثنا حَرملة، ثنا ابن وهب، ثنا مالك أنه دخل يوماً على عبد لله بن يزيد بن هرمز فذكر قصة، ثم قال: وكان – يعني ابن هرمز- بصيراً بالكلام، وكان يردُّ على أهل الأهواء، وكان من أعلم الناس بما اختلفوا فيه من هذه الأهواء” انتهـى

    وابن هرمز، قال فيه الذهبي في “السير” : “فقيه المدينة، عداده في التابعين وقلَّما روى، كان يتعبد ويتزهد، وجالسه مالك كثيراً وأخذ عنه. قال مالك: كنت أحب أن أقتدي به، وكان قليل الفتيا شديد التحفظ، كثيراً ما يفتي الرجل ثم يبعث من يرده ثم يخبره بغير ما أفتاه، وكان بصيراً بالكلام يرد على أهل الأهواء، كان من أعلم الناس بذلك، بيَّن مسئلة لابن عجلان فلما فهمها قام إليه ابن عجلان فقبَّل رأسه ” انتهى

    ثم قال الذهبي: “قال مالك: جلست إلى ابن هرمز ثلاث عشرة سنة واستحلفني أن لا أذكر اسمه في الحديث “. انتهى

    فإن قيل: قد ُروي عن الإمام مالك، ذم علم الكلام. فقد نقل بعضهم أن مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ كان يَقُولُ : ” الْكَلامُ فِي الدِّينِ أَكْرَهُهُ ، وَكَانَ أَهْلُ بَلَدِنَا يَكْرَهُونَهُ وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ نَحْوَ الْكَلامِ فِي رَأْيِ جَهْمٍ وَالْقَدَرِ وَكُلِّ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، وَلا أُحِبُّ الْكَلامَ إِلا فِيمَا تَحْتَهُ عَمَلٌ ، فَأَمَّا الْكَلامُ فِي الدِّينِ وَفِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَالسُّكُوتُ أَحَبُّ إِلَيَّ ؛ لأَنِّي رَأَيْتُ أَهْلَ بَلَدِنَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْكَلامِ فِي الدِّينِ إِلا فِيمَا تَحْتَهُ عَمَلٌ.” انتهى

    نقله ابن عبد البر في جامع فضائل العلم

    فالجواب على ذلك ما قاله الحافظ أبو بكر البيهقي : “إنما يريدوا والله أعلم بالكلام كلام أهل البدع، فإن في عصرهم إنما كان يعرف بالكلام أهل البدع، فأما أهل السنّة فقلَّما كانوا يخوضون في الكلام حتى اضطروا إليه بعد”.انتهى

    فهذا دليل أن المراد بالنهي عن الخوض في الكلام عند مالك هو الكلام المذموم الذي يشتغل به الجهمية وسائر أهل الأهواء

    وقد عقب ابن عبد البر بعد ذلك فقال:” وأما الجماعة فعلى ما قال مالك رحمه الله إلا أن يضطر أحد إلى الكلام فلا يسعه السكوت إذا طمع برد الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه أو خشي ضلال عامة أو نحو هذا”. انتهى

    فلما تغيرت الأحوال وظهر أهل البدع كالمجسمة والقدرية والملاحدة والرافضة فقد تعين الرد عليهم بالحجج العقلية والنقلية.

    ثم إن الإمام مالك بن أنس قد ألف رسالة في القدر، فيكون ما نقل عنه من ذم للكلام مراده به الكلام الذي يشتغل به أهل الأهواء كما نص على ذلك البيهقي.

    وأما ما قاله القاضي عياض في ترتيب المدارك : “قال أبو طالب المكي : كان مالك رضي الله عنه أبعد الناس من مذاهب المتكلمين وأشد نقضاً للعراقيين . قال سفيان بن عيينة : سأل رجل مالكاً فقال : الرحمن على العرش استوى كيف استوى”. انتهى

    فهذا دليل أن الإمام مالك كان يكره الخوض في كلام مع أهل البدع، ومع ذلك كان متمكنا في علم الكلام السني، فهذا الرجل سأله عن كيفية الاستواء، والكيفية هي من صفات المخلوقات، فأجابه الإمام مالك بكلام موافق لعقائد أهل السنة، فقال: “الاستواء منه معلوم والكيف منه غير معقول والسؤال عن هذا بدعة والإيمان به واجب ، وإني لأظنك ضالاً أخرجوه”. انتهى .

    فالمشهور من مذهب مالك كراهية الخوض في مناظرة أهل البدع الا للضرورة، فكان يقول:” من طلب الدين بالكلام تزندق” أي من طلب الدين وفق الأصول الكلامية للقدرية والمجسمة والمعتزلة يصير زنديقا

    وأما ما نقله القاضي عياض في الترتيب عن مالك أنه قال: “لو كان الكلام علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون, كما تكلموا في الأحداث والشرائع”. انتهى

    فقد قاله مالك خصيصا لأحد أصحاب عمرو بن عبيد لما سأله عن القرٱن، أي لو كان هذا الكلام الذي تخوضون فيه علما، من نحو كون القرٱن مخلوق او لا، لتكلم فيه الصحابة وفصلوا فيه كما فصلوا في الشرائع. فليس المراد من كلام مالك اطلاق ذم الكلام كما يروج لذلك بعض السخفاء، بل مراده بذلك كلام القدرية والمرجئة والمعتزلة وغيرهم.

    وأما ما ذكره ابن خويز منداد في ذم الكلام فجوابه تحت هذا الرابط:

    https://m.facebook.com/…/a.3806839…/1139558922789519/…

    3- بيان أن الإمام الشافعي و أصحابه من بعده ألفوا في علم الكلام.

    الإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه هو واحد من أبرز علماء السلف الذين اشتغلوا بعلم الكلام، فقد قال الحافظ البيهقي في كتابه “مناقب الشافعي “1/ 457 ما نصه: “وقرأت في كتاب أبي نعيم الأصبهاني حكاية عن الصاحب بن عباد أنه ذكر في كتابه بإسناده عن إسحاق أنه قال: قال لي أبي: كلَّم الشافعي يوماً بعض الفقهاء فدقق عليه وحقق، وطالب وضيق، فقلت له: يا أبا عبد الله: هذا لأهل الكلام، لا لأهل الحلال والحرام، فقال: أحكمنا ذاك قبل هذا” . انتهى

    وقال العلامة الأصولي الزركشي في تشنيف المسامع: “إن الأئمة انتدبوا للرد على أهل البدع والضلال، وقد صنَّف الشافعيّ كتاب “القياس” ردَّ فيه على من قال بقدم العالم من الملحدين، وكتاب “الرد على البراهمة” وغير ذلك”. انتهى

    وما يُروى عن الشافعي أنه قال: “لأن يلقى الله العبدُ بكل ذنب ما عدا الشرك خير له من أن يلقاه بعلم الكلام” بهذا اللفظ فهو غير ثابت عنه، واللفظ الثابت عنه هو: “لأن يلقى الله عزَّ وجلَّ العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشىء من هذه الأهواء”. والأهواء جمع هوى وهو ما مالت إليه نفوس المبتدعة الخارجين عما كان عليه السلف، أي ما تعلق به البدعيون في الاعتقاد كالخوارج والمعتزلة والمرجئة والنجارية وغيرهم.

    قال الإمام شهاب الدين القرافي في “نفائس الأصول في شرح المحصول” جزء 8/صحيفة 3585 ما نصه: قال لي بعض الشافعية وهو متعيّن فيهم يومئذ: قول الشافعي: لو وجدت المتكلمين لضربتهم بالجريد، يدل على أن مذهبه تحريم الاشتغال بأصول الدين. قلت له: ليس كذلك، فإن المتكلمين اليوم إنما هم الأشعري وأصحابه، ولم يدركوا الشافعي ولا تلك الطبقة، وإنما كان في زمان الشافعي عمرو بن عبيد وغيره من المعتزلة المبتدعة، ولو وجدناهم لضربناهم بالسيف فضلا عن الجريد. قال لي ذلك الشافعي: يكفي في ذلك الكتاب والسنة. قلت له: فمن لا يعتقدهما كيف تقام عليه الحجة بهما؟ فسكتَ. انتهى

    وقال أبو عبد الله الحافظ أخبرني نصر بن محمد الصوفي قال: سمعت عبد الرحمن بن حفص ‏الصوفي ‏يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: سمعت ابن بحر يقول: سمعت المزني يقول: دار بيني ‏وبين رجل ‏مناظرة فسألني عن كلام كاد أن يشككني في ديني، فجئت إلى الشافعي فقلت له: كان ‏من الأمر كيت ‏وكيت، قال: فقال لي: أين أنت؟ فقلت: أنا في المسجد، فقال لي: أنت في مثل تاران تلطمك ‏أمواجه، هذه مسئلة الملحدين والجواب فيها كيت وكيت، ولأن يبتلى العبد بكل ما ‏خلق الله من مضاره ‏خير له من أن يبتلى بالكلام”.‏ انتهى

    وتاران في بحر القلزم، يقال فيها غرق فرعون وقومه، فشبه الشافعي المزني فيما أورد عليه بعض ‏أهل ‏الإلحاد ولم يكن عنده جواب بمن ركب البحر في الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون وقومه ‏وأشرف على ‏الهلاك.، ثم علمه جواب ما أورد عليه حتى زالت عنه تلك الشبهة، وفي ذلك دلالة على ‏حسن معرفته ‏بذلك، وأنه يجب الكشف عن تمويهات أهل الإلحاد عند الحاجة إليه، وأراد بالكلام ما ‏وقع فيه أهل ‏الإلحاد من الإلحاد وأهل البدع من البدع.

    وقال الإمام ابن خمير السبتي رحمه الله تعالى المتوفى سنة 614هـجري في كتابه “مقدمات المراشد إلى علم العقائد” تحت باب الكلام في الرد على من عاب هذا العلم وطعن فيه من أهل التعصب بالجزاف ما نصه: “وأما أهل السنة الذابون عن دين الله تعالى فحاشا لهم أن يقعوا في ذلك، فكيف الشافعي ؟ مع أنه صنف كتاب القياس في علم الكلام، ورد فيه على الملحدة، وكتاباً في الرد على البراهمة، وكذلك أبو حنيفة رحمه الله في كتاب العالم والمتعلم وفي كتاب الوصية إلى عثمان الهذلي، صنفهما في علم الكلام والرد على أهل الأهواء”. انتهى

    ثم من بعد الشافعي برز تلامذته الجامعون بين علم الفقه والكلام كالحارث بن أسد المحاسبي وأبي علي الكرابيسي وحرملة البُوَيْطي. وعلى كتاب الكرابيسي في المقالات مُعَوَّلُ المتكلمين في معرفة مذاهب الخوارج وسائر أهل الأهواء، وعلى كتبه في الشروط وفي علل الحديث والجرح والتعديل مُعَوَّلُ الفقهاء وحفاظ الحديث، وعلى كتب الحارث بن أسد في الكلام والفقه والحديث مُعَوَّلُ المتكلمين وفقهائهم، وكان أبو العباس بن سُرَيج أنزع الجماعة في هذه العلوم.

    4- الإمام أحمد بن حنبل

    كان الإمام أحمد ينهى أول أمره عن علم الكلام, ثم اضطر للدخول إلى هذا الميدان حينما قويت شوكت المعتزلة و ذلك لمجابهتهم و الدفاع عن عقيدة أهل السنة. فقد ذكر ابن قتيبة في كتاب عقائد السلف صحيفة 467 أن الامام أحمد قال:” كنا نرى السكوت عن هذا قبل أن يخوض فيه هؤلاء – أي المبتدعة – فلما أظهروه لم نجد بدا من مخالفتهم و الرد عليهم” انتهى

    وقال ابن عقيل في كتابه “الواضح في أصول الفقه ” ما نصه: “القياس والاستدلال المستنبطان في العقول طريقٌ لإثبات الأحكام العقلية، نص عليه احمد حيث استدل فيما تكلم به على نفاة الصفات ومن أثبت أن الله نورٌ، وانه في كل مكان وضرب المقاييس حتى قال :”فما بال البيت مظلم مع كون الله نوراً وهو في كل مكان”؟

    بل إن المجسمة وغيرهم ينسبون له كتاب الرد على الجهمية و هو وإن صحت نسبته له فهو محرف. و بعض ما في الكتاب المطبوع مما سلم من الدس فيه تقرير لمعتقد أهل السنة و الجماعة بالأدلة العقلية، فقد قال العلامة المرداوي الحنبلي في التحبير شرح التحرير ما نصه: ” :قلت : كلام أحمد في الاحتجاج بأدلة عقلية كثير ، وقد ذكر كثيراً منها في كتابه “الرد على الزنادقة والجهمية”.انتهى

    فإن قيل أن الإمام أحمد ثبت عنه النهي عن علم الكلام ولذلك أمر بهجر ‏الحارث ‏المحاسبي، فجوابه أن ذلك كان في أول الأمر، ثم أثنى على المحاسبي، فقد قال تاج الدين ‏‏السبكي في طبقاته ما نصه: ” ذكر الحاكم أبو عبد الله أن أبا بكر أحمد بن إسحاق الصَّبْغِيَّ ‏أخبره ‏قال: سمعت إسماعيل بن إسحاق السرَّاج يقول: قال لي أحمد بن حنبل: بلغني أن الحارث هذا ‏يُكثر الكون ‏عندك، فلو أحضرته منزلك وأجلستني من حيث لا يراني فأسمع كلامه. فقصدت الحارث ‏وسألته أن ‏يحضرنا تلك الليلة وأن يحضر أصحابه، فقال: فيهم كثرة، فلا تَزِدْهم على الكُسْب ‏والتمر، فأتيت أبا ‏عبد الله فأعلمته فحضر إلى غرفة واجتهد في وِرده وحضر الحارث وأصحابه فأكلوا ‏ثم صلّوا العَتَمة ولم ‏يصلّوا بعدها، وقعدوا بين يدي الحارث ينطقون إلى قريب نصف الليل، ثم ابتدأ ‏رجل منهم فسأل عن ‏مسئلة، فأخذ الحارث في الكلام وأصحابه يستمعون كأن على رؤوسهم الطير، ‏فمنهم من يبكى ومنهم ‏من يَحِنُّ، ومنهم من يزعق وهو في كلامه، فصعدت الغرفة لأتعرف حال أبي ‏عبد الله فوجدته قد بكى ‏حتى غُشي عليه، فانصرفت إليهم، ولم تزل تلك حالهم حتى اصبحوا ‏وذهبوا، فصعدت إلى أبي عبد الله ‏فقال: ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاء القوم، ولا سمعت في علم ‏الحقائق مثل كلام هذا الرجل، ومع هذا فلا ‏أرى لك صحبتهم، ثم قام وخرج، وفي رواية أخرى أن ‏أحمد قال: ” لا أُنكر من هذا شيئاً” . انتهى

    فلما قويت شوكة المبتدعة اظطر الإمام أحمد للخوض فيه، وفي المقابل أيضا كان ينهى العوام الذين لا يحسنون هذا العلم عن الخوض فيه.

    وكون علم الكلام ينقسم لمذموم وممدوح أقره ابن تيمية في بعض كتبه كما في الرابط التالي:

    جاء في من شرح العقيدة البرهانية أن الشيخ تقي الدين المقترح جد الشيخ دقيق العيد قال: “ولم يُختَلف في أن العقائد يجب دعاء الناس إلى الحق فيها، ولا يجوز تخلية كل معتقدٍ وما يعتقده؛ فإنّ الحق في الاعتقاد مقطوع به، لا يُعذر فيه مخطئ. ولكن لا يجوز أن يتصدى لدعوة الحق إلا عالمًا بطرق النظر ووجوه العِبَر، وليس للعوام أن يأمروا وينهوا في الاعتقاد. ولو خاضوا في ذلك لم يأمنوا أن يخلطوا الحق بالباطل من حيث لا يشعرون”. انتهى

    *************

    الملك محمود بن سبكتكين المتوفى سنة 421 هجري – الجزء الأول –

    هو الملك الكبير والمجاهد الغازي أبو القاسم محمود بن سبكتكين المكنى بيمين الدولة، حاكم الدولة الغزنوية في زمن الخلافة العباسية. لقب رحمه الله بسیف‌ الدولة، وأمین‌ الملة، والغازي، وفاتح الهند، ومحطم الأصنام، واشتهر باسم السلطان محمود الغزنوي. وكان يلقب أيضا باسكندر الإسلام لأنه فتح الهند كما فتحها “اسكندر”، إلا أن فتوحات اسكندر ذهبت بذهابه، أما فتوحات “ابن سبكتكين” فهي باقية إلى اليوم.

    ولد الملك محمود في المحرم سنة 360 هجرية في مدينة “غزنة”. وكان واليا للخليفة القادر بالله على ممالك خرسان.

    قال ابن خلكان في وفياته : “سُبُكْتِكِين بضم السين المهملة والباء الموحدة وسكون الكاف وكسر التاء المثناة من فوقها والكاف الثانية وسكون الياء”. انتهى

    و قال عنه الذهبي في السير: ” السلطان الملك يمين الدولة فاتح الهند أبو القاسم محمود بن سيد الأمراء ناصر الدولة سبكتكين التركي صاحب خراسان والهند وغير ذلك”. انتهى

    وقال ابن كثير في البداية والنهاية في أحداث سنة 421 هـجري : ” لما كان في ربيع الأول من هذه السنة توفي الملك العادل الكبير الثاغر المرابط المؤيد المنصور يمين الدولة أبو القاسم محمود بن سبكتكين صاحب بلاد غزنة وملك تلك الممالك الكبار ، وفاتح أكثر بلاد الهند قهرا وكاسر أصنامهم وندودهم وأوثانهم وهنودهم وسلطنهم الأعظم قهرا”. انتهى

    و كان محمود محبًا للعلماء والفقهاء والمحدثين وأهل الخير والصالحين، وكان حنفيا ثم صار شافعيًا على يد الإمام “القفال الصغير”.

    قال عبد الغافر الفارسي في ترجمة محمود : “كان صادق النية في إعلاء الدين ، مظفرا كثير الغزو ، وكان ذكيا بعيد الغور ، صائب الرأي ، وكان مجلسه مورد العلماء”. انتهى

    و قال ابن الأثير في الكامل: “كان يمين الدولة محمود بن سبكتكين عاقلًا دينًا خيرًا عنده علم ومعرفة وصنف له كثير من الكتب في فنون العلوم وقصده العلماء من أقطار البلاد وكان يكرمهم ويقبل عليهم ويعظمهم ويحسن إليهم وكان عادلًا كثير الإحسان إلى رعيته والرفق بهم كثير الغزوات ملازمًا للجهاد وفتوحه مشهورة مذكورة وقد ذكرنا منها ما وصل إلينا على بعد الدهر وفيه ما يستدل به على بذل نفسه لله تعالى واهتمامه بالجهاد‏”.‏ انتهى

    وقال: “جدد عمارة المشهد بطوس الذي فيه قبر علي بن موسى الرضا والرشيد وأحسن عمارته وكان أبوه سبكتكين أخربه وكان أهل طوس يؤذون من يزوره فمنعهم عن ذلك‏.‏ وكان سبب فعله أنه رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في المنام وهو يقول له‏:‏ إلى متى هذا فعلم أنه يريد أمر المشهد فأمر بعمارته‏”. انتهى

    1- عقيدته

    كان السلطان محمود بن سبكتكين على عقيدة أهل السنة والجماعة، منزها لله عن مشابهة خلقه و التحييز في الأماكن. فقد ذكر الإمام أبو المظفر الإسفراييني في التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين ما نصه: “وسأل بعض أتباع الكرامية في مجلس محمود بن سبكتكين، سلطان زمانه رحمه الله، إمام زمانه إبا إسحاق الإسفراييني رحمه الله عن هذه المسألة فقال : هل يجوز أن يقال الله سبحانه وتعالى على العرش وأن العرش مكان له ؟ فقال : لا ، وأخرج يديه ووضع إحدى كفيه على الأخرى وقال : كون الشيء على الشيء يكون هكذا ، ثم لا يخلوا أن يكون مثله أو يكون أكبر منه أو أصغر منه ، فلا بد من مخصص خصه ، وكل مخصوص يتناهى ، والمتناهي لا يكون إلها ، لأنه يقتضي مخصصا ومنتهي وذلك عَلَم الحدوث ، فلم يمكنهم أن يجيبوا عنه فأغروا به رعاعهم حتى دفعهم عنه السلطان بنفسه . فلما دخل عليه وزيره أبو العباس الإسفراييني قال له محمود : ( كجابودي ؟ اين هم شهري توخداي كراميان را بسرايشان به زد ” انتهـى

    ومعنى هذه العبارة الأخيرة ـ كما فسرها العلامة الكوثري ـ : ” أين كنت ؟ بلديك هذا قد حطم معبود الكراميين على رؤوسهم” انتهـى .

    وما يؤخذ على هذا السلطان هو اتصله ببعض الكرامية منذ عهد والده. وقد حذر بعض العلماء أباه من هذه الخلطة السيئة و وصرح بتكفير الكرامية أمامه وبتكفيره هو إن كان على مذهبهم . فقد قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: “قال جعفر المستغفري كان أبو القاسم عبد الله بن عبد الله بن الحسين النضري قاضي مرو ونسف صلب المذهب ، فدخل صاحب غزنة سبكتكين بلخ ، ودعا إلى مناظرة الكرامية ، وكان النضري يومئذ قاضيا ببلخ ، فقال سبكتكين : ما تقولون في هؤلاء – الكرامية – الزهاد الأولياء ؟ فقال النضري : هؤلاء عندنا كفرة . قال : ما تقولون في ؟ قال : إن كنت تعتقد مذهبهم ، فقولنا فيك كذلك . فوثب ، وجعل يضربهم بالدبوس حتى أدماهم ، وشج النضري ، وقيدهم وسجنهم ، ثم أطلقهم خوف الملامة ، ثم تمرض ببلخ ، وسار إلى غزنة ، فمات سنة سبع وثمانين وثلاثمائة” . انتهى

    أما ما قاله قال الصفدي في الوافي بالوفيات ما نصه: ” واكتفينا بنقل مذهب زعيمهم محمد بن كرام إذ كان صاحب مقالاتهم فنقول: نص محمد بن كرام على أن معبوده على العرش مستقر وعلى انه بجهة فوق ذاناً وأطلق عليه اسم الجوهر وأنه مماس للعرش من الصفحة العليا وجوز الانتقال والتحول والنزول،ومن أصحابه من قال: هو على بعض أجزاء العرش، ومنهم من قال:امتلأ به العرش، قلت:تعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وقال الشهرستاني:كان محمد بن كرام قليل العلم قد قمش من كل مذهب ضعفاً وأثبته في كتابه وروجه على أغتام فانتظم ناموسه بسواد خراسان وصار ذلك مذهباً نصره السلطان محمود بن سبكتكين وصب البلاء على أصحاب الحديث من جهتهم”. انتهى

    فليس معناه أن السلطان محمود كان على معتقد الكرامية بل معناه أنه كان يجاملهم ويصانعهم في بعض الأحيان ويتركهم يحضرون مجالسه بسبب كثرتهم في مدينة غزنة، فابتلي العديد من أصحاب الحديث لأجل ذلك . وقد ثبت عن السلطان محمود أنه كان يحارب بعض فرق المشبهة و يأمر بلعنهم على المنابر، كما ذكر ذلك الذهبي في سيره حيث قال: “وامتثل ابن سبكتكين أمر القادر فبث السنة بممالكه، وتهدد بقتل الرافضة والإسماعيلية والقرامطة والمشبهة والجهمية والمعتزلة ولعنوا على المنابر”. انتهى

    ويمكن أيضا الاعتذار للشهرستاني لأجل أنه وقع له اشتباه بسبب كون سبكتكين والد السلطان كان ينصر مذهب الكرامية، فظن الشهرستاني أن السلطان محمود مثله.

    2- قمعه للفرق الضالة

    كان محمود يكره الفرق الضالة بأسرها، فعمل على نشر الإسلام في كل نواحي السند إلى حوض البنجاب، وقد تمكن رحمه الله من إزالة مذاهب الجهمية والمعتزلة و الإسماعيلية و القرامطة والزيدية من بلاده.

    قال ابن كثير في البداية و النهاية عند كلامه عن أحداث سنة 420 هجري ما نصه: ” ورد كتاب من محمود بن سبكتكين أنه أحل بطائفة من أهل الري من الباطنية والروافض قتلا ذريعا، وصلبا شنيعا، وأنه انتهب أموال رئيسهم رستم بن علي الديلمي، فحصل منها ما يقارب ألف ألف دينار”. انتهى

    وذكر ابن كثير أيضا: “وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب القادر بالله الخليفة ,فقهاء المعتزلة فأظهروا الرجوع وتبرؤا من الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام ,وأخذت خطوطهم بذلك ,وأنهم متى خالفوا أحل فيهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم , وامتثل محمود بن سبكتكين أمر أمير المؤمنين في ذلك ,واستن بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من بلاد خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة وصلبهم وحبسهم , ونفاهم وأمر بلعنهم على المنابر , وأبعد جميع طوائف أهل البدع ونفاهم عن ديارهم وصار ذلك سنة في الإسلام” .انتهى

    وكذلك المجسمة، فقد عمل الملك محمود على القضاء على أغلب فرقهم إلا فرقة الكرامية منهم لانتشار مذهبهم و كثرة أعدادهم، فكان يصانعهم و يمكنهم من حضور مجالسه كالشاعر أبي الفتح علي بن محمد البستي تلميذ ابن كرام الذي اتصل بالملك وعمل في خدمته فقربه منه. وكابن الهيصم الذي كان يحضر مجالس السلطان، فكان ابن فورك رحمه الله يقوم بمناظرته ومحاججته.

    قال ابن كثير في البداية والنهاية: ” وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب القادر بالله الخليفة ,فقهاء المعتزلة فأظهروا الرجوع وتبرؤا من الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام ,وأخذت خطوطهم بذلك ,وأنهم متى خالفوا أحل فيهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم , وامتثل محمود بن سبكتكين أمر أمير المؤمنين في ذلك ,واستن بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من بلاد خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة وصلبهم وحبسهم , ونفاهم وأمر بلعنهم على المنابر , وأبعد جميع طوائف أهل البدع ونفاهم عن ديارهم وصار ذلك سنة في الإسلام” .انتهى

    وقال الذهبي في العبر: ” وفيها استتاب القادر بالله – وكان صاحب ستة – طائفة من المعتزلة والرافضة، وأخذ خطوطهم بالتوبة، وبعث إلى السلطان محمود بن سبكتكين، يأمره ببثّ السنة بخراسان، ففعل ذلك وبالغ، وقتل جماعة، ونفى خلقاً كثيراً من المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والجهمية والمشبّهة، وأمر بلعنهم على المنبر”. انتهى

    وقال سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان: “استتاب القادر بالله أهل البدع و الأهواء من المقالات الفاسدة و نهى عن المناظرة و الجدال في علم الكلام و ما يتعلق بالمذاهب الخارجة عن الإسلام و أخذ خطوطهم بذلك و أنهم متى عادوا حلت دماؤهم و بلغ محمود بن سبكتكين ففعل في بلاده مثل ذلك و نفى المشبهة و الجهمية و غيرهم و أمر بلعنهم على المنابر و صار ذلك سنةً في الإسلام”. انتهى

    وقال اللالكائي في شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة : “قال الشيخ أبو القاسم الطبري الحافظ رحمه الله: ….وامتثل يمين الدولة وأمين الملة أبو القاسم محمود أعز الله نصره أمرَ أمير المؤمنين القادر بالله واستن بسننه في أعماله التي استخلفه عليها من خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة وصلبهم وحبسهم ونفاهم، والأمر باللعن عليهم على منابر المسلمين، وإبعاد كل طائفة من أهل البدع، وطردهم عن ديارهم، وصار ذلك في الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين”. انتهى

    هذا هو الثابت عن الملك محمود بن سبكتكين، ولم ينص واحد من العلماء أنه أمر بلعن الأشعرية سوى ما افتراه المجسم أبو اسماعيل الهروي وتبعه عليه ابن تيمية وغيره من الحشوية.

    قال ابن تيمية في التسعينية: “وقد ذكر شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتاب ذم الكلام وأهله في الطبقة الثامنة قال: “وفيها نجمت الأشعرية”. ثم ذكر الطبقة التاسعة وذكر فيها كلام من ذكره فيهم ثم قال: “و قرأت كتاب محمود الأمير يحث فيه على كشف أستار هذه الطائفة والإفصاح بعيبهم ولعنهم ، حتى كان قد قال فيه : أنا ألعن من : لا يلعنهم فطار والله في الآفاق للحامدين كل مطار , وسار في المادحين كل مسار ؛ لا ترى عاقلا إلا وهو ينسبه إلى متانة الدين وصلابته”. انتهى

    وقال: “اعتمد محمود بن سبكتكين نحو هذا من فعل القادر من نشر السنة وقمع البدعة في مملكته، وزاد عليه بأن أمر بلعنة أهل البدع على المنابر، فلعنت الجهمية والرافضة والحلولية والمعتزلة والقدرية، ولعنت أيضا الأشعرية حتى جرى بسبب ذلك نزاع و فتنة”. انتهى

    وقال أيضاً: “ولهذا اهتم كثير من الملوك والعلماء بأمر الإسلام وجهاد أعدائه حتى صاروا يلعنون الرافضة والجهمية وغيرهم على المنابر، حتى لعنوا كل طائفة رأوا فيها بدعة، فلعنوا الكلابية والأشعرية كما كان في مملكة الأمير محمود بن سبكتكين”. انتهى

    و الهروي هذا لا يعتد بكلامه في الأشاعرة لأنه كان زنديقا من زنادقة المتصوفة القائلين بالاتحاد، فقد قال ابن تيمية نفسه في مجموع الفتاوى في معرض كلامه عن الحلولية: “وقد وقع طائفة من الصوفية حتى صاحب منازل السائرين في توحيده المذكور في آخر المنازل في مثل هذا الحلول؛ ولهذا كان أئمة القوم يحذرون عن مثل هذا”. انتهى

    و قال الذهبي في تاريخ الإسلام ،33/55-56- تحقيق عمر عبد السلام تدمري، طبعة دار الكتاب العربي- ما نصه: ” وله في السوق كتاب منازل السائرين وهو كتاب نفيس في التصويف، ورأيت الاتحادية تعظم هذا الكتاب وتنتحله، وتزعم أنه على تصوفهم الفلسفي. وقد كان شيخنا ابن تيمية بعد تعظيمه لشيخ الإسلام يحط عليه ويرميه بالعظائم بسبب ما في هذا الكتاب. نسأل الله العفو”. انتهى

    وقد صرح ابن تيمية نفسه بأن الهروي كان يبالغ في ذم الأشعرية، حيث ذكر في مجموع الفتاوى 8/230 ما نصه: “… كأَبِي إسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ صَاحِبِ ذَمِّ الْكَلَامِ ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمُبَالِغِينَ فِي ذَمِّ الْجَهْمِيَّة فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ ؛ وَلَهُ كِتَابٌ فِي تَكْفِيرِ الْجَهْمِيَّة ؛ وَيُبَالِغُ فِي ذَمِّ الْأَشْعَرِيَّةِ مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ أَقْرَبِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ إلَى السُّنَّةِ ؛ وَرُبَّمَا كَانَ يَلْعَنُهُمْ”. انتهى

    فكيف يُحتج بعد ذلك بكلام حلولي يبالغ في ذم الأشاعرة و يفتري عليهم؟ و العجب من هذا الهروي، فرغم شدة بغضه للأشعرية إلا أنه مدح أكبر أشعري في عصره وهو الوزير نظام الملك باني المدارس النظامية الأشعرية التي تنسب إليه، مدحه بقصيدة ذكرها علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي المتوفى سنة 467

    هجري في دمية القصر وعصرة أهل العصر منها:

    بجاهك أدرك المظلوم ثاره ويمنك شاد باني العدل داره

    وقبلك هنئ الوزراء حتى نهضت بها فهنئت الوزارة

    3- اتهامه بقمع الهنود

    قام بعض المؤرخين الغربيين بتلفيق تهمة ارتكاب مجزرة في الهند للملك محمود ، وهو محض كذب و افتراء و الدليل على ذلك هو عدم وجود شهادات معاصرة عن هذه المجزرة ، فابن فضل البيهقي المتوفى سنة 470 هجري والذي كان قريبا من العائلة الحاكمة في ذلك الزمان لم يذكر هذه المجزرة في تاريخه. والبيهقي -و هو غير البيهقي المحدث – كان معروفا بنزاهته في تدوين الاخبار ، بل وكان ينتقد السلطان في بعض الاعمال التي يقوم بها. فغاية القوم هو تعلق بشهادة متأخرة عن الحادثة المزعومة بخمسة قرون.

    وهذه الكذبة نقضها مجموعة من الباحثين كالمؤرخة الهندية “روميلا ثابار” و الأمريكي “ريتشارد إيتون” و أمثالهما من مؤرخي المدرسة التفكيكية.

    فكتبهم فيها من التدقيق و التحقيق للنصوص التاريخية ما يحطم كثيرا من الخرافات التي نسجت حول فتوحات الغزنوي في الهند و فتوحات المسلمين في جنوب آسيا على العموم.

    فكرة واحدة على ”3 المعتزلة بين الكفر و الابتداع

    التعليقات مغلقة.