- ووصفه للأشاعرة بالمخانيث “مخانيث المعتزلة”
- قاعدة في الحكم على المخالفين من كلام ابن دقيق العيد
- مدح العلماء للشيخ أبي الحسن الأشعري
- ادعاء ابن بطة سماع سنن بن مرجا عن طريق حفص الاردبيلي
ووصفه للأشاعرة بالمخانيث “مخانيث المعتزلة”
كان أبو اسماعيل الهروي يقول بأن الأشعرية هم”مخانيث المعتزلة”. وهذه العبارة نقلها عنه ابن تيمية الحراني في ما يسمى بمجموع الفتاوى 8/227 مقرًا له بذلك. و نقلها من بعده أتباعه من المجسمة ورفعوها شعار في مناظراتهم ضد أهل السنة الأشاعرة المنافحين والذابين عن الدين. ولا ندري متى أصبح المجسمة أفراخ السامرة يرفعون شعارات من يطلقون عليهم صوفيين قبوريين؟
ولو صح عندهم أن الأشعرية مخانيث المعتزلة، وقد كذبوا في ذلك فقد صح عند غيرهم أن المجسمة مخانيث الكرامية، فقد جددوا أقوالهم وانتصروا لها ، وهم عبدة الشاب الامرد فهم المخانيث تبعا لمعبودهم.
ويكفي في الرد على هؤلاء ما قاله الإمام ابن السبكي في “طبقات الشافعية الكبرى” 6/ 144 ـ 145:”ويعجبني من كَلَام الشَّيْخ كَمَال الدّين بن الزملكاني فِي رده على ابْن تَيْمِية قَوْله:”إِن كَانَت الأشاعرة الَّذين فيهم القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني والأستاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وهلم جرا إِلَى الإِمَام فَخر الدّين مخانيث فَلَيْسَ بعد الْأَنْبِيَاء وَالصَّحَابَة فَحل” انتهـــى
وقال الغزالي في إحياء علوم الدين في معرض رده عن شبه بعض المجسمة :” فإن كنت لا تشاهد هذا هكذا فما أراك إلا
مخنثاً بين فحولة التنزيه وأنوثة التشبيه مذبذباً بين هذا وذا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فكيف نزهت ذاته وصفاته تعالى عن الأجسام وصفاتها ونزهت كلامه عن معاني الحروف والأصوات وأخذت تتوقف في يده وقلمه ولوحه وخطه”. انتهى
*****
قاعدة في الحكم على المخالفين من كلام ابن دقيق العيد
تنزيه الله تعالى عن الحوادث متعلق بأصل الإيمان، وهو مما تواترت النصوص النقلية على بيانه فمن لم يعتقد أن الله تعالى ليس كمثله شيء فهو مشبه لا يعرف الإيمان ومن لم يعرف الإيمان لا يكون مؤمنا ولذلك فقد اتفق العلماء على كفر المشبه قولا واحدا.
وأما مخالفة الإجماع في حكم مسئلة فقهية فهذا مما لا نحكم فيه على المخالف بالكفر؛ إلا إذا بلغ ذلك الحكم المذكور حد التواتر فإنه يكفر في هذه الحال لمخالفته المتواتر لا لمجرد مخالفته الإجماع.
ولهذا قال تقي الدين ابن دقيق العيد المتوفى سنة 702هـجري في شرح العمدة: “المسائل الإجماعية تارةً يُصحبها التواتر بالنقل عن صاحب الشرع كوجوب الصلاة مثلا، وتارة لا يُصحبها التواتر. فالقسم الأول: يُكفَّر جاحده لمخالفته التواتر لا لمخالفته الإجماع. والقسم الثاني: لا يُكفّر به” انتهى.
قال الكشميري في اكفار الملحدين بعد نقل كلام ابن دقيق العيد: ” قال شيخنا في “شرح الترمذي”: الصحيح في تكفير منكر الإجماع تقييده بإنكار ما يعلم وجوبه من الدين بالضرورة، كالصلاة الخمس، ومنهم من عبر بإنكار ما علم وجوبه بالتواتر، ومنه القول بحديث العالم. وقد حكى عياض رحمة الله وغيره الإجماع على تكفير من يقول بقدم العالم.”. انتهى
وأما من خالف في أصل الإيمان بالله تعالى كالقول بقدم العالم أو حدوث الحوادث في ذات الله أو القائلين بالجسمية والتشبيه؛ فهذا لا يُعذر فيه المخالف لكونه مخالفا لما تواتر في القرآن الكريم وفي عقائد المسلمين. ولذلك قال ابن دقيق العيد رحمه الله متابعا كلامه المذكور آنفا: ” وقد وقع في هذا المكان مَن يدَّعي التحقيق في المعقولات، ويميل إلى الفلسفة، فنقل أن المخالفة في حدوث العالم من قبيل مخالفة الإجماع، وأخذ من قول من قال: إنه لا يُكفّر بمخالفة الإجماع أن لا يُكفَّر هذا المخالف في هذه المسألة! وهذا كلام ساقطٌ بصيرةً إما عن عمى في البصيرة أو تعامٍ، لأن حدوث العالم من قَبيل ما اجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل عن صاحب الشريعة فيُكفَّر المخالف بسبب مخالفة النقل المتواتر لا بسبب مخالفة الإجماع”. انتهى.
ونقله عنه الخطيب الشربيني في مغني المحتاج.
فابن دقيق العيد يقسم المسائل الإجماعية إلى قسمين:
– مسائل إجماعية تتعلق بأصل الإيمان ثابتة بالنقل المتواتر عن النبي ﷺ، كتنزيه الله عن المماثلة. فما تعلق بأصل الإيمان لا بد وأنه متواتر في القرآن الكريم وعقائد المسلمين، و من أنكر ذلك فهو كافر، لأن مخالفته هنا ليست مجرد مخالفة إجماع، بل مخالفة للنقل المتواتر عن صاحب الشرع. أي: هو مكذّب للشرع نفسه.
– مسائل إجماعية لا تتعلق بأصل الإيمان، و لم يصحبها نقل متواتر، فمن خالفها لا يُكفّر، لأنه لم يتعمد مخالفة النقل المتواتر عن النبي. أما إذا بلغت حد التواتر يُحكم على المخالف فيها بالكفر أيضا
فالكفر عند ابن دقيق العيد لا يكون بمجرّد مخالفة الإجماع، بل بمخالفة النقل المتواتر المقطوع به عن الرسول ﷺ.
وليعلم أن تنزيه الله عن الجسمية من المتواتر نقلاً عن الشرع، والقرآن مليء بالنصوص القطعية الدالة على أن الله «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» «وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ»
وجميع هذه النصوص متواترة لفظًا ومعنىً، ونُقلت بالتواتر جيلاً بعد جيل في الأمة، وهي من أصول التوحيد والتنزيه التي علمها جميع المسلمين بالضرورة.
فمن قال إن الله جسم أو له حد أو جثة أو جوارح أو له يد حقيقية كيد المخلوق، فقد جحد ما تواتر عن الرسول من نفي المماثلة، ووقع في مخالفة السمع القطعي طريقًا ودلالةً، فهو مكذب للشرع، كافر به، لا لمجرد مخالفته الإجماع، بل لأنه كذّب النقل المتواتر.
وقد أكد ابن دقيق العيد على هذا المعنى بقوله أيضا في شرح العمدة في الأحكام: “والحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة إلا بانكار متواتر من الشريعة فإنه حينئذ يكون مكذبا للشرع، وليس مخالفة القواطع مأخذا للتكفير، وإنما مأخذه مخالفة القواعد السمعية القطعية طريقا ودلالة”. انتهى
فوضح أن مراده بمخالفة القواطع، أي مخالفة الاجماعات التي لم يصحبها تواتر فهذه لا يكفر بها، وكذلك مخالفة القواطع النظرية لا يُعد كفرا في الغالب، لأن مخالفة القواطع النظرية لا تعني بالضرورة تكذيب الشرع كانكار المعتزلة زيادة أصل الصفة على الذات.
وابن دقيق العيد هو مجدد القرن السابع الهجري.
قال عنه الإمام ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ما نصه: “كَانَ مُبَارِزاً لِأَهْلِ البِدَعِ مِنَ الحَشْوِيَّةِ وَالأَصْوَاتِيَّةِ وَالقَائِلِينَ بِالجِهَةِ، وَسَائِرِ الطَّوَائِفِ مِنَ المُبْتَدِعَةِ، مُنْكِراً عَلَيْهِمْ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ وَلَفْظِهِ وَجَنَانِهِ، وَيُغْرِي وَيُؤَلِّبُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَدَعُ لَهُمْ رَأْساً قَائِمَةً إِلَّا اقْتَطَفَهَا، وَلَا شَجَرَةً يُخْشَى شَرُّهَا إِلَّا اقْتَلَعَهَا”. انتهى.
*****
مدح العلماء للشيخ أبي الحسن الأشعري
– قال أبو الحسن علي بن محمد بن يزيد الحلبي:”سمعت أبا بكر الصيرفي يقول: كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله الأشعري فحجرهم في أقماع السماسم”. انتهى ذكره الذهبي في تاريخ الاسلام و ابن السبكي في طبقاته
وابن الصيرفي هو أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي توفي سنة 330 هجري.
– قال أبو عمرو الزجاجي: “سمعت أبا سهل الصعلوكي يقول: حضرنا مع الأشعري مجلس علوي بالبصرة، فناظر أبو الحسن المعتزلة، وكانوا كثيراً، حتى أتى على الكل فهزمهم، كل ما انقطع واحدٌ أخذ الآخر حتى انقطعوا، فعدنا في المجلس الثاني، فما عاد أحد فقال بين يدي العلوي: يا غلام اكتب على الباب: فروا”. انتهى ذكره الذهبي في تاريخ الاسلام.
و قال أبو الفضل السهلكي: ” حكى لنا الفقيه الثقة أبو عمر الرزجاهي قال سمعت الأستاذ الإمام أبا سهل الصعلوكي أو الشيخ الإمام أبا بكر الإسماعيلى والشك منى يقول: أعاد الله تعالى هذا الدين بعد ما ذهب يعنى أكثره بأحمد ابن حنبل وأبى الحسن الأشعري وأبى نعيم الإستراباذي”. انتهى ذكره التاج السبكي في طبقات الشافعية و ابن عساكر في تاريخ دمشق
و أبو سهل الصعلوكي النيسابوري توفي سنة 369هـجري
– قال الشيخ الفقيه الأصولي الزركشي في كتابه تشنيف المسامع ما نصه: “قال الإمام أبو بكر الإسماعيلي أعاد الله هذا الدين بعدما ذهب يعني أكثره بأحمد بن حنبل وأبي الحسن الأشعري وأبي نعيم الإستراباذي”. انتهى
وأبو بكر الاسماعيلي هو أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي الشافعي المتوفى سنة 370 هجري.
– قال الأستاذ أبو عبد الله مُحَمَّد بن خَفِيف المتوفى سنة 371 هجري: ” دخلت البصرة أيام شبابي لأرى أبا الحسن الأشعري لما بلغني خبره فرأيت شيخا بهي المنظر فقلت أين منزل أبى الحسن الأشعري فقال وما الذي تريد منه فقلت أحب أن ألقاه فقال ابتكر غدا إلى هذا الموضع قال فابتكرت فلما رأيته تبعته فدخل دار بعض وجوه البلد فلما أبصروهأكرموا محله وكان هناك جمع من العلماء ومجلس نظر فأقعدوه فى الصدر ثم سئل بضعهم مسألة فلما شرع فى الجواب دخل الشيخ فأخذ يرد عليه ويناظره حتى أفحمه فقضيت العجب من علمه وفصاحته فقلت لبعض من كان عندى من هذا الشيخ فقال أبو الحسن الأشعري. فلما قاموا تبعته فقال لى يا فتى كيف رأيت الأشعري فخدمته وقلت يا سيدي كما هو فى محله ولكن لم لا تسأل أنت ابتداء فقال أنا لا أكلم هؤلاء ابتداء ولكن إذا خاضوا فى ذكر ما لا يجوز فى دين الله رددنا عليهم بحكم ما فرض الله سبحانه وتعالى علينا من الرد على مخالفي الحق”. انتهى نقله ابن عساكر في التبيين.
وذكر الذهبي في تاريخ الاسلام ما نصه: “قال ابن الباقلاني: سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول: دخلت البصرة، وكنت أطلب أبا الحسن فإذا هو في مجلس يناظر، وثم جماعة من المعتزلة، فكانوا يتكلمون، فإذا سكتوا وأنهوا كلامهم قال: كذا قلت وكذا وكذا، والجواب كذا وكذا. إلى أن يجيب الكل. فلما قام تبعته فقلت: كم لسان لك، وكم أذن لك، وكم عين لك فضحك وقال: من أين أنت قلت: من شيراز. وكنت أصحبه بعد ذلك. وقال ابن باكويه: سمعت ابن خفيف، فذكر حكاية وفيها: فحملني أبو الحسن إلى دارٍ لهم تسمى دار الماوردي، فاجتمع به جماعة من مخالفيه، فقلت له: تسألهم مسألة فقال: السؤال بدعة لأني أظهرت بدعة أنقض بها كفرهم، وإنما هم يسألوني عن منكرهم فيلزمني رد بطلهم إلزاماً. فسألوه، فتعجبت من حسن كلام أبي الحسن لما أجاب. ولم يكن في القوم من يواز يه في النظر”. انتهى
– و قال ابن عساكر في تبيين كذب المفتري: “قرأت بخط علي بن نقا المصري المحدث في الرسالة كتب بها أبو محمد بن أبي زيد القيرواني المالكي جواباً لعلي بن أحمد بن إسماعيل البغدادي المعتزلي حين ذكر الأشعري ونسبه إلى ما هو من بريء. فقال ابن أبي يزيد في حق الأشعري: هو رجل مشهور إنه يرد على أهل البدع وعلى القدرية والجهمية. متمسك بالسنن”. انتهى
وقال ابن أبي زيد أيضا: ” والقارىء إذا تلا كتاب الله لو جاز أن يقال أن كلام هذا القارىء كلام الله على الحقيقة لفسد هذا، لأن كلام القارىء محدث ويفنى كلامه ويزول، وكلام الله ليس بمحدث ولا يفنى وهو صفة من صفاته، وصفته لا تكون صفة لغيره، وهذا قول محمد بن إسماعيل البخاري وداود الأصبهاني وغيرهما ممن تكلم في هذا، وكلام محمد بن سحنون إمام المغرب، وكلام سعيد بن محمد بن الحداد، وكان من المتكلمين من أهل السنة وممن يرد على الجهمية “. انتهى
وقال أيضا :” وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل به يقتدى وقد أنكر هذا وما أنكر أبو عبد الله أنكرناه فكيف يسعك أن تكفر رجلا مسلما بهذا ولا سيما رجل مشهور أنه يرد على أهل البدع وعلى القدرية الجهمية متمسك بالسنن مع قول من قاله معه من البخاري وغيره. فلو ذكرت أمرا يجب تكفير قائله عند أهل السنة كان لك ذلك لأنا لا نعتقد أنا نقلد في معنى التوحيد والاعتقادات الأشعريَّ خاصة، ولكن لا يحل لنا أن نكفره أو نبدعه إلا بأمر لا شك فيه عند العلماء وإذا رأينا من فروع أقاويله شيئا ينفرد به تركناه ولا نهجم بالتضليل والتبديع بما فيه الريب، وكل قائل مسؤل عن قوله” انتهى
وابن أبي زيد القيرواني المتوفى سنة 386هـجري هو عمدة المالكيين في المغرب و بينه وبين ابن مجاهد تلميذ الأشعري احترام وإعزاز فقد أثنى هذا الأخير على تصانيفه وطلب إجازته في مختصرالمدونة الكبرى فقال: ” وقد وقع إلينا من تصنيفه ـ أيده الله ـ قطع من المختصر، وجدناه قد أحسن في نظمه، وألطف في جمع معانيه، وكشف ما كانت النفوس تتوق إليه، وكفى مؤونة الرحلة، وطلب المصنفات، بالكلام السهل، والمعاني البينة، التي تدل على حسن العناية، وكثرة المعرفة، والحرص على منافع الراغبين في العلم، والمتعلقين به، فأحسن الله أيها الشيخ جزاءك، وأجزل ثوابك…”. انتهى
فأجابه الشيخ ابن أبي زيد القيرواني قائلا : “وعندنا من أخبار الشيخ الطيبة ما تعم مسرته من نصرته في هذا المذهب وذبه عنه ومحاماته عليه حماه الله عز وجل مكروهه من صحته….” انتهـى وهو مذكور في ترتيب المدارك للقاضي عياض 2/477.
وقد أرسل ابن أبي زيد مختصره الفقهي مقرونا بالإجازة للشيخ ابن مجاهد وطلابه مع الشيخين محمد بن خلدون وإسماعيل بن عذرة المالكيين وقد حضرا لدى ابن مجاهد ودرسا عنده العقيدة، كما هو مذكور أيضا في الترتيب 2/478.
وقد كانت المناظرات تجري في مجلس ابن أبي زيد على رسم أهل الكلام ويقوم بذلك أصحابه منهم الإمام المقدم : أبو القاسم عبدالرحمن بن عبدالمؤمن المكي ثم القيرواني المالكي، تلميذ ابن مجاهد وصاحب ابن أبي زيد القيرواني وشيخهم، فيستفيدون منه ويقدمونه. هذا وقد نبغ جماعة من أصحاب ابن أبي زيد القيرواني المالكية ورثوا عنه علمه منهم: أبو بكر ابن عبدالرحمن، وأبو القاسم البرادعي، واللبيدي، وابنا الأجدابي، وأبو عبدالله الخواص، وأبو محمد مكي المقرئ المشهور، وأبو عبدالله بن الحذاء، وأبو بكر بن موهب المقبري، وأبو مروان القنازعي، وأبو عبدالله ابن العجوز، وأبو محمد بن غالب، وخلف بن ناصر، وغيرهم من أهل القيروان والأندلس، والمغرب الأقصى.
– جاء في شرح الشفا للملا علي القاري ما نصه: ” قال الحلبي: هذا هو الشيخ القدوة إمام المتكلمين علي بن إسماعيل بن أبي بشر بن سالم بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس أبو الحسن الأشعري كان أولا معتزليا ثم ترك ذلك برؤيا رآها في نومه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكان لا يتكلم في علم الكلام إلا أن يجب عليه قياما في الحق وكان حبرا عظيما لا يناضل ولا يباري”. انتهى
و الحلبي هو الفقيه القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يزيد الحلبي الشافعي ، نزيل مصر المتوفى سنة 396 هجري.
– روى الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفتري في الذب عن الإمام أبي الحسن الأشعري أن القاضي لسان الأمة أبا بكر بن الطيب الباقلاني المتوفى سنة 402 هجري قيل له كلامك أفضل وأبين من كلام أبي الحسن الأشعري رحمه الله فقال:” والله إن أفضل أحوالي أن أفهم كلام أبي الحسن رحمه الله”.انتهـى. ونقل ذلك عنه أيضا الذهبي في السير عند ترجمة أبي الحسن الأشعري
– قال الحافظ ابن عساكر في تبين كذب المفتري : “سؤال سئل عنه ابو الحسن علي الفقيه القيرواني المعروف بابن القابسي وهو من كبار أئمة المالكية بالمغرب سأله عنه بعض أهل تونس من بلاد المغرب فكان في جوابه له أن قال واعلموا أن ابا الحسن الأشعري رضي الله عنه لم يأت من هذا الأمر يعني الكلام إلا مااراد به إيضاح السنن والتثبيت عليها ودفع الشبه عنها فهمه من فهمه بفضل الله عليه وخفي عمن خفي بقسم الله وله وما ابو الحسن الأشعري إلا واحد من جملة القائمين بنصر الحق ما سمعنا من أهل الإنصاف من يؤخره عن رتبته ذلك ولا من يؤثر عليه في عصره غيره ومن بعده من أهل الحق سلكوا سبيله في القيام بأمر الله عزوجل والذب عن دينه حسب اجتهادهم قال وأما قولكم وإن كان التوحيد لا يتم إلا بمقالة الأشعري فهذا يدل على إنكم فهمتم أن الأشعري قال في التوحيد قولا خرج به عن أهل الحق فإن كان قد نسب هذا المعنى عدكم إلى الأشعري فقد ابطل من قال ذلك عليه لقد مات الأشعرى رضي الله عنه يوم مات وأهل السنة باكون عليه وأهل البدع مستريحون منه فما عرفه من وصفه بغير هذا”.انتهى
والإمام أبو الحسن علي بن محمد القابسي المالكي المتوفى سنة 403هـجري هو شيخ المالكية في عصره، برع في شتى العلوم والفنون من الكلام والحديث والتفسير والفقه وغيرها. و الإمام القابسي هو من مشاهير رواة صحيح البخاري في المغرب، وقد تخرج على يديه جمع من نبلاء المالكية منهم : أبو بكر عتيق السوسي، وأبو القاسم بن الحساري، وابن سمحان، وابن أبي طالب العابد، وأبو عمرو بن عتاب، وابن محرز، وابن سفيان، وأبو محمد اللوبي، وأبو حفص العطار، وأبو عبد الله الخواص، والمهلب بن أبي صفرة، وحاتم بن محمد الأطرابلسي وغيرهم. أما أصحابه فنذكر منهم الإمام المحدث أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي المالكي المتوفى سنة 392هـجري، وهو من علماء الكلام والنظر، والمبرز في الحديث، وهو من تلاميذ الأبهري، وهو شيخ الإمام المتكلم أبي عمران الفاسي
– قال الشيخ الفقيه الأصولي الزركشي في كتابه تشنيف المسامع ما نصه: “قال أبو إسحاق المَرْوَزي: سمعت المحاملي يقول في أبي الحسن الأشعري: لو أتى الله بقُراب الأرض ذنوباً رجوت أن يغفر الله له لدفعه عن دينه”. انتهى
و المحاملي هو أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أبان الضبي، المحاملي، البغدادي، الشافعي المتوفى سنة 415 هجري
– قال ابن عساكر في تبيين كذب المفتري ما نصه: “قال أَبُو المظفر : وسمعت جدي ، يقول : سمعت سفيان المتكلم الصوفي رحمه اللَّه ، يقول : سمعت أحمد الفرساني رحمه اللَّه ، يقول : سمعت الأستاذ أبا إسحاق رحمه اللَّه ، يقول : كنت في جنب الشيخ أَبِي الحسن الباهلي كقطرة في البحر ، وسمعت الشيخ أبا الحسن الباهلي ، قَالَ : كنت أنَا في جنب الشيخ الأشعري ، كقطرة في جنب البحر”. انتهى
وذكر الذهبي في السير ما نصه: ” قال الأستاذ الإسفراييني : أنا في جانب شيخنا أبي الحسن الباهلي كقطرة في بحر وقد سمعته يقول : أنا في جنب الشيخ الأشعري كقطرة في جنب بحر”. انتهى
و الإمام الاسفراييني هو ركن الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران المتوفى سنة 418
– قال الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفى سنة 458هـجري ما نصه: “…إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله فلم يحدث في دين الله حدثا، ولم يأت فيه ببدعة، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين فنصـرها بزيادة شرح وتبيين، وأن ما قالوا وجاء به الشرع في الأصول صحيح في العقول، بخلاف ما زعم أهل الأهواء من أن بعضه لا يستقيم في الآراء، فكان في بيانه تقوية ما لم يدل عليه من أهل السنة والجماعة، ونصرة أقاويل من مضى من الأئمة كأبي حنيفة وسفيان الثوري من أهل الكوفة، والأوزاعي وغيره من أهل الشام، ومالك والشافعي من أهل الحرمين’. انتهى من الطبقات الكبرى للتاج السبكي
و قال البيهقي كما في التبيين صحيفة 87 ما نصه: ” فضائل الشيخ أبي الحسن الأشعري ومناقبه أكثر من أن يمكن ذكرها”. انتهى وثناء الحافظ البيهقي على الإمام أبي الحسن الأشعري شهادة كبيرة على علو قدره وحسن اعتقاده وفضله. فالبيهقي هو محدث زمانه وشيخ أهل السنة في وقته .
– قال الحافظ أبو بكر البغدادي المتوفى سنة 463 هجري في تاريخ بغداد ما نصه: “أبو الحسن الأشعري المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة ” انتهـى
قال الذهبي في تاريخ الاسلام:” وقال عَبْد الْعَزِيز الكتاني : إنه يعني الخطيب ، أسمع الحديث وهو ابن عشرين سنة ، وكتب عَنْهُ شيخه أَبُو القاسم عُبَيْد اللَّه الأزهري ، فِي سنة اثنتي عشرة وأربع مائة ، وكتب عَنْهُ شيخه البرقاني ، سنة تسع عشرة ، وروى عَنْهُ ، وكان قد علق الفقه عن أَبِي الطَّيّب الطبري ، وأبي نصر بْن الصباغ ، وكان يذهب إِلَى مذهب أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيِّ ، رحمه اللَّه. قلتُ : مذهب الخطيب ، فِي الصفات أنها تمر كما جاءت”. انتهى
وجاء في الوافي بالوفيات للصفدي ما نصه: ” وقال أبو علي البرداني: لعل الخطيب لم ير مثل نفسه وكان يذهب مذهب أبي الحسن الأشعري. قال الشيخ شمس الدين: مذهبه يعني الخطيب في الصفات أنها تمر كما جاءت، صرح في تصانيفه بذلك. قلت: الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى له في آيات الصفات مذهبان أحدهما أنه إذا مرت به آية ظاهرها يفهم منه الجسمية كاليد والجنب ردها بالتأويل إلى ما ينفي الجسمية، والثاني أنه يمر بظاهرها كما جاءت لا يتأولها ويكل العلم بها إلى الله تعالى من غير اعتقاد الجسمية فاختار الخطيب المذهب الثاني وهو الأسلم”. انتهى
– جاء في طبقات الشافعية للتاج السبكي أن الأستاذ أبا القاسم عبد الكريم بن هوزان القشيري النيسابوري قال: “اتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري كان إماما من أئمة أصحاب الحديث، ومذهبه مذهب أصحاب الحديث، تكلم في أصول الدين على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبـدع وكان على المعتزلة والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين عن الملة سيفا مسلولأ، ومن طعن فيه أو قدح أو لعنه أو سبه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة”انتهـى ثم نقل التاج السبكي ما نصه: ” وكتبه عَبْد الكريم بْن هوازن القشيري. وكتب تحته الخبازي : كذلك يعرفه مُحَمَّد بْن علي الخبازي ، وهذا خطه. والشيخ أَبُو مُحَمَّد الجويني : الأمر على هذه الجملة المذكورة فيه. وكتبه عَبْد اللَّه بْن يوسف. وبخط أَبِي الفتح الشاشي ، وعلي بْن أَحْمَد الجويني ، وناصر العمري ، وأحمد بْن مُحَمَّد الأيوبي ، وأخيه علي ، وأبي عثمان الصابوني ، وابنه أَبِي نصر بْن أَبِي عثمان ، والشريف البكري ، ومحمد بْن الْحَسَن ، وأبي الْحَسَن الملقاباذي. وقد حكى خطوطهم ابن عساكر”. انتهى
ونقل الحافظ ابن عساكر في التبيين ما نصه: ” أنشدني الشيخ الحافظ أَبُو المحاسن عبد الرزاق بن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نصر بن مُحَمَّد الطبسي بِنَيْسَابُورَ ، قَالَ : أنشدنَا إمام الأئمة أَبُو نصر عبد الرحيم بن الكريم بن هوزان القشيري لنفسه : شيآن من يعذلني فيهما فهو على التحقيق مني بري حب أَبِي بكر إمام الهدى ثم اعتقادي مذهب الأشعري”. انتهى
والإمام القشيري المتوفى سنة 465 هجري يعرف بزين الاسلام واسمه عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن أبو نصر القشيري النيسابوري وهو صاحب الرسالة القشيرية في علم التصوف، ومن كبار العلماء في الفقه والتفسير والحديث.
– قال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى في طبقات الشافعية : ” قال المآيرقي المالكي: ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة إنما جرى على سنن غيره وعلى نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبيانا، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبا به، ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي، ومالك إنما جرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتباع لهم، إلا أنه لما زاد المذهب بيانا وبسطا عزي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وما ألفه في نصرته ” انتهى
و المآيرقي هو عبد الله محمد بن موسى بن عمار الكلاعي من أهل ميورقة. كان من أهل العلم والفهم، ورحل فلقي بقية مشيخة القيروان السيوري وطبقته. وأخذ الكلام والأصول هناك عن أبي عمر ابن سراج، وأبي عبد الله الصيرفي، وأبي القاسم الديباجي. ولقي بها أبا الطاهر البغدادي. كان حيا سنة 485 هجري فقد سمع منه القاضي أبو بكر ابن العربي في رحلته في تلك السنة.
يتبع الجزء الثاني باذن الله
***********
ادعاء ابن بطة سماع سنن بن مرجا عن طريق حفص الاردبيلي
قال أبو بكر بن ثابت الخطيب في تاريخ بغداد: ” كتب إلي أبو ذر عبد بن أحمد الهروي من مكة يذكر أنه سمع نصرا الأندلسي قال وكان يحفظ ويفهم ورحل إلى خراسان قال: “خرجت إلى عكبرا فكتبت عن شيخ بها عن أبي خليفة وعن أبي بطة ورجعت إلى بغداد، فقال أبو الحسن الدارقطني: أين كنت؟ قلت: بعكبرا فقال: وعمن كتبت؟ فقلت: عن فلان صاحب أبي خليفة وعن ابن بطة. فقال: وإيش كتبت عن ابن بطة؟ قلت: كتاب السنن لرجاء ابن مرجي، حدثني به ابن بطة عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رجاء بن مرجي. فقال: هذا محال دخل رجاء بن مرجي بغداد سنة أربعين ودخل حفص بن عمر الأردبيلي سنة سبعين ومائتين فكيف سمع منه؟”. انتهـى
وقد نقل الحافظ ابن حجر في اللسان 4 / 114 أيضا انكار الدارقطني أن يكون حفص بن عمر الأردبيلي قد سمع رجاء بن مرجا.
و هذه القصة ثابتة عن ابن بطة رواها جمع من الثقات:
أ- أبو ذر الهروي: قال عنه الإمام المقري التلمساني في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب : “وكان يحجّ كل عام ويحدث ويرجع، وكان ثقة ضابطاً ديّناً”. انتهى
وقال عبد الغافر في تاريخ نيسابور: “كان أبو ذرّ زاهداً، ورعاً، عالماً، سخيّاً لا يدّخر شيئاً، وصار كبير مشيخة الحرم”. انتهى
و قال الذهبي في السير: ” الحافظ الإمام المجود ، العلامة ، شيخ الحرم ، أبو ذر ، عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير بن محمد ، المعروف ببلده بابن السماك ، الأنصاري الخراساني الهروي المالكي ، صاحب التصانيف ، وراوي ” الصحيح ” عن الثلاثة : المستملي ، والحموي ، والكشميهني”. انتهى
و قال المعلمي في تنكيله: “فالحق الذي لا معدل عنه أن أبا ذر ثقة تقبل روايته “. انتهى
وقد حاول الحافظ أبو الفرج بن الجوزي رد التهمة عن ابن بطة بالطعن في أبي ذر فقال في المنتظم: ” وجواب هذا أن أبا ذَر كان من الأشاعرة المبغضين وهو أول من أدخل الحرم مذهب الأشعري ولا يُقْبَل جرحه لحنبلي يعتقد كفره”. انتهى
وكلامه يُرد عليه بأن يقال: لقد وثق ابن الجوزي نفسه أبا ذر الهروي فقال عنه في المنتظم: “وكان ثقة ضابطاً فاضلاً وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة وقيل أنه كان يميل إلى مذهب الأشعري”. انتهى
وقد علق المعلمي في تنكيله على عبارة ابن الجوزي بقوله: “ويظهر من هذه العبارة الأخيرة أن الميل لم يثبت، فإن ثبت فما مقداره وقد كان ابن الجوزي نفسه مائلاً بل يوجد في كلامه وكلام كثير من الحنابلة ما هو ابعد عن قول أحمد والأئمة من كلام الأشعري وأصحابه”. انتهى
ثم إن كلام ابن الجوزي فيه مغالطات عديدة، أولها: قوله أن أبا ذر من الأشاعرة ولا يُقْبَل جرحه لحنبلي يعتقد كفره، وهو كلام باطل لأن الأشاعرة لا يكفرون الحنابلة بل يكفرون المجسمة منهم. ثانيها: أن كلام ابن الجوزي لو صح لقالت الجهمية أيضا: ” كلام الحنابلة لا يُقبل فينا لأنهم يعتقدون كفرنا” وهكذا سائر الفرق الضالة كالمعتزلة و القدرية و المرجئة و غيرهم.
ثالثها: أن أبا ذر لم ينقل عنه واحد من علماء الجرح و التعديل أنه كان كذابا أو ينشر الأباطيل على أعدائه بسبب الخلاف في المعتقد
ب- نصر الأندلسي: كان حافظا للحديث فاهما وقد التقى بالحافظ الدارقطني. قال عنه أبو ذر : ” وكان يحفظ ويفهم ورحل إلى خراسان”. انتهى
ومما يدل على صحة ما قاله الشيخ نصر الأندلسي أن أبا ذر رحمه الله ذهب إلى ابن بطة وطلب منه أن يريه أصوله ليقف على الحقيقة، ولكن ابن بطة أبى ذلك لأنه لم تكن له أصول، فظهر له كذبه وصدق ما أخبره به أبو نصر.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء عند ترجمة ابن بطة : “قال أبو ذَر الهروي : جهدت عليه أن يخرج له شيئاً من أصوله فلم يفعل، فزهدت فيه”. انتهى
ولهذه القصة شواهد أخرى ذكرها عبد الواحد بن علي الأسدي، حيث نقل عن الحسن بن شهاب تلميذ بن بطة أنه أخبره بأن أبا الحسن بن الفرات قرأ على ابن بطة كتاب السنن لرجاء بن مرجي فأنكر ذلك الدارقطني. وقال الأسدي أن ابن بطة تتبع النسخ التي كتبت عنه بعد انكار الدارقطني عليه، وغير الرواية وجعلها عن أبي الراجيان عن الفتح بن شخرف عن رجاء.
قال الخطيب في تاريخه : “حدثني أبو القاسم عبد الواحد بن علي الأسدي – ابن برهان – ، حدثني الحسن بن شهاب أن ابن بطة قدم بغداد ونزل على ابن السوسنجردي فقرأ عليه أبو الحسن بن الفرات كتاب السنن لرجاء بن مرجي الحافظ وكتبه ابن الفرات عنه عن حفص بن عمر الأردبيلي الحافظ عن رجاء، فأنكر ذلك أبو الحسن الدارقطني وزعم أن حفصا ليس عنده عن رجاء وأنه يصغر عن السماع منه “. انتهى
و قال : “وحدثني عبد الواحد الأسدي أنه لما أنكر الدارقطني هذا تتبع ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغير الرواية وجعلها عن أبي الراجيان عن الفتح بن شخرف عن رجاء”. انتهى
ونقل الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق عن عبد الواحد الأسدي أنه قال: “ولما مات ابن بطة رأيت نسخته بالسنن ، وقد غير أول كل جزء منها ، وجعله رواية ابن الراجيان ، عن فتح بْن شخرف ، عن رجاء”. انتهى
و عبد الواحد بن علي الأسدي المعروف بابن برهان لم يثبت عن واحد من أهل الجرح و التعديل أنه وثقه أو اتهمه بالكذب أو الوضع، لذلك نص المعلمي في التنكيل بعدم قبول ما تفرد به، ولكن يذكر في المتابعات والشواهد، و نص عبارته: “فحقه أن لا تقوم الحجة بما ينفرد به ولكنه يذكر في المتابعات والشواهد كما صنع الخطيب “. انتهى
وعليه فإن هذه الواقعة ثابتة عن ابن بطة، ذكرها الذهبي و لم يطعن في صحتها، حيث قال في السير: “وكذا غلط ابن بطة فى روايات عن حفص بن عمر الأردبيلي, أنبأنا رجاء بن مرجى. فأنكر الدارقطني هذا وقال: حفص يصغر عن هذا فكتبوا إلى أردبيل يسألون ابنا لحفص فعاد جوابهم بأن أباه لم ير رجاء قط . فتتبع ابن بطة النسخ وجعل ذلك عن ابن الراجيان عن الفتح بن شخرف عن رجاء”. انتهى
هذا وقد ذكر الحسن بن شهاب نحو هذه القصة، فقد قال الحافظ في لسان الميزان :”وحكى الحسن بن شهاب نحو هذه الحكاية عن الدارقطني وزاد: إنهم أبردوا بريدا إلى أردبيل وكان ولد حفص بن عمر حيا هناك فعاد جوابه أن أباه لم يروه عن رَجَاء بن مُرَجَّا ولم يره قط وأن مولده كان بعد موته بسنتين. قال: فتتبع ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغير الرواية وجعل مكانها: عن ابن الراجيان عن فتح بن شخرف عن رجاء”. انتهى
أ- رد شبهة عن الحسن بن شهاب
إذا قيل أن ابن شهاب يبعد أن يذكر مثل هذه القصة لأنه نُقل عنه رثاءه لشيخه ابن بطة بعد موته فجواب ذلك أن يقال:
أ- هذه الأبيات في الرثاء تفرد بنقلها ابن أبي يعلى في طبقاته و أوردها بلا سند.
ب- لعل ابن شهاب كان قد نسي ما كان قد حصل من ابن بطة وهذا جائز عليه.
ج- لعل ابن بطة قد أطلع ابن شهاب على نسخه بعد اصلاحها فكذب ما قيل فيه و صدقه لما رأى عليه من زهد و تورع.
ب- رد بعض الشبه عن ابن برهان
ابن برهان هو عبد الواحد بن علي الأسدي الحنفي صاحب كتاب شرح اللمع في النحو .قال عنه الخطيب في تاريخ بغداد: ” كان ابن برهان يذكر انه سمع من ابن بطة ولم يرو شيئا وانما كانت له معرفة بالنحو واللغة”. انتهى
وقال عنه صلاح الدين الصفدي في الوافي بالوفيات: “وكان قد سمع من ابن بطة كثيراً، وصحبه، وسمع من غيره”. انتهى
و قال: “وكان زاهداً عرف الناس منه ذلك وإلا كانوا رموه بالحجارة لهيئته. وكان يخرج من داره وقد اجتمع على بابه من أولاد الرؤساء جماعة فيمشي ويغدون معه يميناً وشمالاً، يلقي على هذا مسألة وعلى هذا مسألة. وكان يتكبر على أولاد الأغنياء، وإذا رأى الطالب غريباً أقبل عليه. وكان متعصباً لمذهب أبي حنيفة، وكان محترماً فيما بين أصحابه”. انتهى
وقد اتهم ابن برهان بالاعتزال ومع ذلك فقد قال عنه المعلمي في التنكيل: “فقد كان ابن برهان على بدعته من أهل العلم والزهد والمنزلة بين العلماء”. انتهى
وقال: “وقد كان ببغداد في ذاك العصر عدد كثير من مشاهير العلماء ما منهم إلا من يخالف عبد الواحد في العقيدة والمذهب أو أحدهما. وكان عبد الواحد على غاية الصيانة”. انتهى
* اتهامه بالشذوذ الجنسي
قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي : “وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: “كان ابن برهان يميل الى المرد الملاح ويقبلهم”. انتهى
وليس الأمر كما صوره الهمذاني ولا كما ذكره ابن الجوزي بل الصواب ما نقله الصفدي في الوافي بالوفيات حيث قال: ” وكان مع ذلك يحب المليح مشاهدة وإذا حضر أولاد الأمراء والأتراك وأرباب النعم يقبلهم بمحضر من آبائهم؛ ولا ينكرون عليه ذلك لعلمهم بدينه وورعه”. انتهى
و قال المعلمي: “ومحمد بن عبد الملك الهمذاني لا أعرف ما حاله، وقد ذكر ابن حجر أنه بالغ. وقد تصرف ابن الجوزي في عبارة الهمذاني ففي موضع زاد فيها “ويقبلهم وحذف “من غير ريبة”” وفي موضع زاد “الصباح فيقبلهم” وإنما أخذ الصباحة والتقبيل من قصة المكتب”. انتهى
وقال: “فما كان في ذاك الجم الغفير من أهل العلم من ينكر علي ابن برهان ما نسبه ابن الجوزي إليه. وما كان فيهم من يعيبه بذلك الشاذة من ذاك الهمذاني؟ وليس المقصود رد كلمة الهمذاني وإنما المقصود تجريدها عما فيها من المبالغة التي أشار إليها ابن حجر فاقول: كانت المكاتب في ذاك العصر خاصة بالأطفال إنما هي لتعليم القراءة والكتابة فأما ما زاد عن ذلك من العلم فكان محله الجوامع والمساجد ومجالس العلماء في بيوتهم والمدارس الكبيرة، فمر على ما يقول الهمذاني ابن برهان مع جماعة من أهل العلم وغيرهم فيهم الإمام أبو نصر الياغ الشافعي بمكتب من مكاتب الأطفال فصادف وقت خروجهم فأخذ ابن برهان يقبلهم ويدعو لهم تنشيطاً لهم ورجاء أن يصيروا رجالاً صالحين فمازحه ابن الصباغ قدم إليه واحدا منهم قبيح الصورة فاعرض عنه ابن برهان علكاً بأنه لا مجال هناك لأدنى ريبة ولو كان هناك مجال لريبة لكان الظاهر أن يقبل ذاك القبيح كغيره. وأي عقل يميز أن يكون فيما جرى شيء من الريبة ويقره الحاضرون من أهل العلم وغيرهم ويقتصر ابن الصباغ على تلك الملاطفة، فأما أهل بغداد المخالفون لابن برهان في العقيدة أو المذهب أو كليهما فلم يروا فيما جرى ما يسوغ أن يعاب به ابن برهان. وأما ذلك الهمذاني فدعته نفرته عن ابن برهان لمخالفته في العقيدة والمذهب إلى أن عبر بقوله “يميل إلى المردان” فنازعه واعظ الله تعالى في قلبه فدافعه بقوله: “من غير ريبة” وذكروا قصة المكتب فجاء ابن الجوزي فصنع ما تقدم”. انتهى
* ما يُنقل عنه أنه اعترف بافتراءه على ابن بطة
قال ابن الجوزي في المنتظم : “قال شيخنا أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ شاهدت بخط الشيخ أبي القاسم بن برهان وكان الخط بيد الشيخ أبي الكرم النحوي بما حكاه عني أبو بكر بن ثابت الخطيب من القدح في الشيخ الزاهد أبي عبد الله بن بطة رحمه الله لا أصل له وهو شيخي وعنه أخذت العلم في البداية”. انتهى
فهذا الكلام لا أساس له وهو من افتراءات ودسائس: المبارك بن الفاخر أبي الكرم النحوي. فقد قال أبو الفرج: ” غير أن مشايخنا جرحوه”
و قال الذهبي في السير: “قال ابن النجار : قرأت بخط أبي الكرم بن فاخر ثبت أنه سمع من التنوخي أشياء كثيرة من الكتب ، وتحته بخط ابن ناصر : لم يسمع قط من التنوخي شيئا ، لقد اختلق وافترى ، وكتب ابن فاخر أنه سمع جزء الغطريف من أبي الطيب ، فكتب ابن ناصر : قد زور على القاضي ، وسمع في جزء الغطريف ، ولم يسمع منه شيئا ، وذكر ابن فاخر عدة كتب قرأها على ابن برهان ، وكتب ابن ناصر تحته : كذب والله فيما سطره” . انتهى
و قال السمعاني : “سألت أبا منصور بن خيرون عن ابن فاخر ، فقال : كانوا يقولون : إنه كذاب”. انتهى
* اتهامه بالقول بفناء النار
لقد كان ابن برهان معتزليا كما ذكر ذلك عنه غير واحد من العلماء. فقد قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم: “واما عبد الواحد الاسدي فهو ابن برهان وكان معتزليا”. انتهى
و قال الحافظ في لسان الميزان: “شيخ العربية، فيه اعتزال بين في مسائل عدة. وقال ابن ماكولا: كان يميل إلى مذهب مرجئة المعتزلة وذهب بموته علم العربية”. انتهى
أما اتهامه بالقول بفناء النار فقد تفرد به عنه ابن عقيل الحنبلي كما ذكر ذلك تلميذه ابن الجوزي في المنتظم حيث قال: ” قال ابن عقيل:كان ابن برهان يختار مذهب مرجئة المعتزلة وينفي الخلود فى حق الكفار ويقول دوام العقاب فى حق من لا يجوز عليه التشفى لا وجه له مع ما قد وصف به نفسه من الرحمة وهذا انما يوجد فى الشاهد لما يعترى الغضبان من طلب الانتقام وهذا يستحيل فى حقه. قال ابن عقيل وهذا كلام نرده على قائله ما قد ذكره وذكر انه اخذ صفات البارى من صفات الشاهد وذكر ان المثير للغضب ما يدخل على قلب الغضبان من غليان الدم طلبا للانتقام واوجب بذلك منع دوام العقاب حيث لا يوجد فى حقه سبحانه التشفى والشاهد يرد عليه ما ذكره لان المانع من التشفى عليه الرحمة والرأفة وكلاهما رفعه طبع وليس البارى بهذا الوصف ولا رحمته وغضبه من اوصاف المخلوقين بشىء وهذا الذى ذكره من عدم التشفى وفورة الغضب كما يمنع دخوله عليه من الدوام يمنع من دخوله ووصفه ينبغى بهذه الطريقة ان يمنع اصل الوعيد ويحيله فى حقه سبحانه كسائر المستحيلات عليه ولا يختلف نفس وجودها ودوامها فلا افسد اعتقادا ممن أخذ صفات الله من صفاتنا وقاس افعاله على افعالنا”. انتهى
وعلق ابن الجوزي على ذلك بقوله: “فمن كان اعتقاده يخالف اجماع المسلمين فهو خارج عن الاسلام فكيف يقبل قوله”. انتهى
وهذا تكفير صريح من ابن الجوزي للقائل بفناء النار. وقال الذهبي في السير : “حجته في خروج الكفار هو مفهوم العدد من قوله : لابثين فيها أحقابا ولا ينفعه ذلك لعموم قوله : وما هم بخارجين من النار ولقوله : خالدين فيها أبدا إلى غير ذلك ، وفي المسألة بحث عندي أفردتها في جزء” . انتهى
فهذه التهمة قد تفرد ابن عقيل بذكرها عن ابن برهان، و لا يثبت عنه ذلك، لان المعتزلة قد اجمعت انه لا يخرج من النار من دخل إليها و يعتقدون الخلود الابدي فيها حتى للمسلم العاصي و هذا مشهور عنهم.
هذا وقد أنكر المعلمي أن يكون ابن برهان من المعتزلة حيث قال في التنكيل: “أما العقيدة فذكروا أن ابن برهان كان معتزلياً ولا أدري ما الذي كان يوافق فيه المعتزلة”. انتهى
وعليه فما رماه به ابن عقيل من القول بخروج الكفار من النار غير ثابت عنه، فلا يُجزم بكفره لأن المعتزلة صنفين:
– منهم من وصلت بهم بدعتهم إلى حد الكفر كالذين ينفون صفات الله عز و جل.
– ومنهم من لم تصل بهم بدعتهم إلى حد الكفر كالذين يقول الجنة و النار لم تُخلقا الآن، وهذا الصنف من المعتزلة قد أجاز بعض المحدثين الرواية عنهم كالبخاري و غيره.
فإن تمسكت المجسمة باكفار ابن برهان والصاق هذه التهمة به يقال لهم: القول بفناء النار وخروج الكفار منها كفر بالاجماع كما نقل ابن الجوزي في المنتظم و هذه المقالة قد قال بها شيخ المجسمة ابن تيمية في غير واحد من كتبه و أثبتها عنه تلميذه ابن القيم و كذلك شيخكم الألباني. وهذا دليل صريح على تذبذب عقيدتكم و موافقتكم لأهل البدع و الضلال.
* كيفية التعامل مع مرويات ابن برهان
ابن برهان لم يثبت عن واحد من أهل الجرح و التعديل أنه وثقه أو اتهمه بالكذب أو الوضع، لذلك نص المعلمي في التنكيل بعدم قبول ما تفرد به، ولكن يذكر في المتابعات والشواهد، و نص عبارته: “ابن برهان لم يوثقه أحد فيما نعلم، ومن المحتمل أنه كان يهم فيما يرويه من الحكايات أو يبنى على الظن”. انتهى
وقال: “وابن برهان لا يقبل منه ما تفرد به”. انتهى
وقال: “فحقه أن لا تقوم الحجة بما ينفرد به ولكنه يذكر في المتابعات والشواهد كما صنع الخطيب. والله الموفق”. انتهى
وبهذا يُرد على ابن الجوزي الذي قال في المنتظم : “فيقال حِينَئِذٍ للخطيب ِلِمَ قبلت قول من يعتقد مذهب المعتزلة وأن الكفار لا يخلدون فيخرج بذلك إلى الكفر لخرقه الإجماع فيمن شهدت له بالسفر الطويل وطلب العلم، وحكيت عن العلماء أنه الصالح المجاب الدعوة أفلا تستحيي من الله أن تجعل الحمل عليه في حديث ذكره عنه ابن برهان ولا تجعل الحمل على ابن برهان نعوذ بالله من الهوى. ” انتهى

لا مش هقرا كل ده انا اتصلت علشان حاجه مهمه لكن هتفضل غبي ياخليل
إعجابإعجاب