حبيبنا الشيخ هادي فايد حفظه الله تعالى(المجموعة الرفاعية):
أنس المجالس ج٢ الدرس ٤٣
من هو الولي وعصمة الأنبياء.
فالوليُّ هو المؤمنُ بالله ورسولهِ المستقيمُ بطاعةِ الله، معنى الاستقامةِ لزُومُ طاعةِ الله تعالى بأداءِ الواجبَاتِ على المداوَمَةِ واجتِنابِ المحرّمَاتِ على الاستِمرار والإكثارِ منَ النّوافل، هذا الوليُّ. ثُمّ ليسَ معنى الوليِّ أنّ هذا الرّجلَ لا يعصِي الله بعدَ ذلك أبدًا، بل قَد يقَعُ في معصيةٍ صغِيرة أو كبيرةٍ لكنْ لا يَستَمرُّ على ذلكَ بل يتُوبُ، الله تعالى يُلهِمُه التّوبةَ، لأنّ بعضَ الأولياءِ منَ السّلَف وقَع في كبيرةٍ ومَع ذلكَ ما سُلِبُوا الولايةَ. الوليُّ لا يُسلَبُ الولايةَ بعدَ أن ينَالَها لأنَّ اللهَ تَعالى أَكرَمُ مِن أن يَسْلُبَ حبِيبَهُ وِلايتَه، هذا معنى الولايةِ، ليس معنَى الولايةِ أنّهُ صَارَ مَعصومًا كالملائكةِ أو كالأنبياءِ الّذِينَ هم معصومونَ مِنَ الكُفر والكبائرِ وصغائرِ الخِسّة. الأنبياءُ معصومونَ مِن هذه الأمورِ الثلاثةِ مِن بينِ المعاصِي، فالنّبيّ معصومٌ منَ الكفرِ قبلَ النبوّةِ وبَعدَها، وما ذُكِرَ عن إبراهيمَ عليهِ السّلام أنّه قالَ للكَوكَب {هذا ربي} عندَما رءَاهُ طالعًا فهذا ليسَ معناه الاعترافَ للكَوكب بالرّبوبيّةِ إنّما معنى كلامِ إبراهيم: “على زَعمِكم هَذا ربّي”، قال هذا لقَومِه لأنّهم كانُوا يَعبُدون الكواكبَ السَّبعةَ والشّمسَ والقَمر، حتى أبوه كانَ مِن الرُّؤساء مِنْ رؤساءِ هؤلاء الذين يَعبُدون الكوكبَ ويُنَجِّمُون التّنجِيمَ، أبوه ءازَرُ كانَ أحَد السّبعةِ الذين كانوا منَجِّمِينَ في مُلكِ نُمرودَ.
نُمرودُ كانَ لهُ سبعةُ مُنَجّمِين يَعتَمدُ علَيهم في التّنجِيم، فقال إبراهيمُ ليُبَيِّنَ لهم غلَطَهم في عبادةِ الكَوكَب والشّمسِ والقمرِ {هَذا رَبّي} معناهُ على زعمِكم هذا ربّي، ثم سكَت حتى أفَلَ هَذا الكوكَب فقال {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ}(معناه كلُّ شَىء يتَغيّر فهوَ مخلُوق) معناهُ لا يَصلُح للألوهيّةِ التي أنتم أثبتُّموها لهُ فأنتُم على ضَلالٍ، فأنتُم على جَهلٍ، هذا معنى كلامِ إبراهيم. كذلكَ طَمِع أنه يؤثِّرَ فيهم إذا أعادَ لهم هذا الكلامَ في أمرِ القَمَر فلم يَفهَمُوا، ما وجَدَ منهُم طلَبَه، ثمّ لم يَيْأَس لم يَقطَعِ الأملَ قالَ لهم عندَ طلُوعِ الشّمسِ مثلَ ذلكَ فلَم يَتَغيَّروا عمّا كانُوا عليه مِن عبادةِ الكوكَب والشّمس والقمرِ فتَبَرَّأ مِنهُم، أظهَرَ التَّبَرِّيَ مِنهُم لأنّهُ قطَع الأمَل، أَيِسَ.
فالحاصِلُ أنّ الأنبياءَ معصومونَ مِنَ الكُفر قبلَ النّبوّة وبَعدَها، وهؤلاء إخوةُ يوسف العَشَرةُ – غَيرُ أخِيهِ الذي هو مِن أُمِّه وأبيه بِنيامِينُ – هؤلاء تلكَ السَّوابِقُ تَسفِيههُم أباهُم وغيرُ ذلكَ مِن أفعالهِم تَدُلّ على أنّ أحَدًا منهُم لم يَنَلِ النُّبوّةَ، فالأنبياءُ لا يجوزُ علَيهم الوقوعُ في الكفرِ قبلَ النُّبوّة ولا بعدَها. وإخوةُ يوسفَ هؤلاء العشَرةُ الّذِينَ ءاذَوهُ وسفَّهوا أباهم هؤلاء ما نالُوا النُّبوّةَ بَعدَما تابُوا إنّما ذرِّيتُهم يقالُ لهم الأسباطُ هم الّذِينَ نالُوا النُّبوّةَ، الأسباطُ ذريّةُ هؤلاء ليسُوا هؤلاء.
الأنبياءُ إنَّما عِصمَتُهم على القولِ الرّاجح مِن هذه الأشياءِ الثلاثِ: الكُفرِ، فقد عصمَهُم الله مِن الكُفر قبلَ النبوّةِ وبَعدَها فليسَ فيهِم أحَدٌ كانَ على كُفرٍ على جَهلٍ بالله قبلَ النُّبوّة، وليسَ فِيهم أحدٌ كانَ يُباشِرُ رَذيلةً مِنَ الرّذائل قبلَ النبوّةِ وليسَ فيهم أحَدٌ باشَر كبائرَ الذّنوب، أمّا ما سِوى هذه الثلاثةِ فكثيرٌ منَ العُلَماء قالوا تجوزُ عليهمُ الصّغائرُ التي ليسَ فيها خِسّةٌ ودَناءةٌ، لا تَدُلُّ على دناءةِ النَّفْس، وهذا القولُ هوَ السَّديدُ، ومنهم مَن قالَ: هُم مَعصومونَ مِنَ المَعاصِي كبائرِها وصغائرِها على الإطلاقِ، وأَوَّلَ هؤلاء ما وَردَ في القُرءانِ مِمّا ورَد في حقّ الأنبياءِ كالّذِي ورَدَ في حَقّ ءادمَ {وعَصَى ءادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} أوَّلُوا قالوا هذا بالنّسبَةِ لآدَم لكَونِه أرفَعَ مِن غَيره مِمّن لم يُكْرَم بالنُّبوّة في حَقّه مَعصيةٌ، بالنّسبَة إليهِ مَعصية، أمّا بالنّسبة لغَيره ليسَت معصيةً، فبِمَا أنهم أعلَى الخَلقِ رُتبَةً سمّاها اللهُ تعالى في حَقّ ءادمَ مَعصِيةً، سَمَّى هذِه الحالةَ التي حصَلَت لآدَم وهيَ الأكلُ مِنَ الشّجرة معصيةً لأنها بالنّسبةِ لعُلُوّ مَقامِ الأنبياء معصيةٌ لا لأنّها مَعصيةٌ حقِيقيّة، هكذا أوّلَ الآيةَ بعضُ العُلَماء فقالوا: إنّ الأنبياءَ معصومُونَ مِنَ المعاصي كلّها على الإطلاقِ، لكن القولَ الذي هو أَوفقُ للنّصُوصِ هو أن يُقالَ: إنّ المعصيةَ التي هيَ كفرٌ أو كبيرةٌ أو صغائرُ خِسّةٍ أي دَناءةٍ لا تجوزُ على الأنبياءِ أمّا ما سِوَى ذلكَ وهيَ غيرُ الصّغائر التي فيها خِسّةٌ فتجوزُ عليهِم ثم يَتُوبونَ منها فورًا، يُنبِّهُهُم اللهُ فيَتُوبون في الحالِ قبلَ أن يَقتَديَ بهم فيها غَيرُهم، فلا محظُورَ في ذلك.
حبيبنا الشيخ هادي فايد حفظه الله تعالى(المجموعة الرفاعية):
أولئكَ الذينَ قالوا: “لا تجوزُ على الأنبياءِ مَعصيةٌ” هُم قالوا: “نحنُ مأمُورونَ بالاقتداءِ بالأنبياءِ، فلَو كانَ يحصُل منهُم معصيةٌ صغيرةٌ أو كبيرةٌ لكُنّا مأمورِينَ بالاقتداءِ بهم في المعصيةِ وهذا لا يجوز، لا يجوزُ أن يأمرَ اللهُ عبادَه أن يقتَدُوا بأنبيائِهم فيما يحصُل لهم مِنَ المعاصي فإذًا هُم معصومونَ مِنَ المعاصِي بالمرَّة”، هذا حُجّةُ أولئك، لكنّ الذينَ أخَذُوا بالقَولِ السّديد المعتدِل وهو أنهم معصومونَ منَ الكفر والكبائر وصغائرِ الخِسّة وما سِوى ذلك ليسُوا معصُومِينَ منهُ أجابوا قالوا: “لا يحصُلُ هذا المحظورُ لأنهم يُنبَّهُونَ فَورًا قبلَ أن يَقتدِيَ بهم أحَدٌ فيَتُوبونَ، فارتفَعَ المحظُور الذي أنتُم مِن أجْلِه قلتُم إنهم لا يَعصُونَ بالمرّة”، فعلَى هَذا القولِ مشَى الإمامُ أبو الحسَن الأشعَري رضي الله عنه وغيرُه مِن كثِيرِين.
موسَى عليه السّلامُ ضَرَبَ ذلكَ الشّخصَ الذي كانَ كافرًا قبلَ أنْ يأتيَهُ الإذْنُ بالضَّرْب، همُ الأنبياءُ يَنتظرونَ الإذْنَ. سيّدُنا محمَّدٌ ﷺ ظَلَّ أربع عَشْرةَ عامًا لَم يَقتُل كافرًا ولا ضَرَب بِيَدِه حتى جاءَهُ الإذنُ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (39)سورة الحج. هذِه الآيةُ نَزلَتْ بعدَ أربعَ عَشْرةَ عامًا مِن مَبدَإِ البِعثةِ، بعدَ ذلكَ صارَ يُقاتِلُ وأمَرَ أُمَّتَه بما أَنزَل اللهُ عليهِ مِنَ الجِهادِ. فمُوسَى عليه السّلامُ ضَربَ ذلكَ الشّخصَ وكانَ ذلكَ الشّخصُ مُعتَدِيًا كانَ خَبِيثًا لم يكن مِنَ الأتقياء، لا بنِيّةِ قَتلِه ضَربَهُ سيّدُنا موسَى بل بنِيّةِ دَفْعِه فماتَ مِن هذه الضَّربةِ.
الشرح : بصوت الشيخ الدكتور عبد الرزاق الشريف حفظه الله تعالى.
