حكاية الرَّدِّ على صابر حُسني
في مسألة مَن استخفَّ بالمُصحف الشَّريف
[1] وبعدُ فقد نقل المدعو “صابر حُسني” حكاية عن رجُل جلس على المُصحف الشَّريف فنُبِّه فلم يقُم وقال: (ربُّنا يُسامحُني) ودلَّ السِّياق أنَّه مُختار؛ فكَتَبَت إحداهُنَّ: “الجُلوس على المُصحف كُفر”؛ فنهاها “صابر” قائلًا: (لا تتعجَّلي؛ هذا ما لو قصد إهانته أمَّا بغير قصد ذلك فلا).
[2] ولمَّا كان قول “صابر” صريحًا في اشتراط قصد الإهانة لتكفير مَن استخفَّ بالمُصحف الشَّريف ولو كان فعله صريحًا في الاستخفاف؛ انتهضنا نحن للرَّدِّ عليه وبيان عَوار كلامه وبيَّنَّا أنَّ مَن اختار الدَّوس على المُصحف أو الجُلوس عليه يُحكم بكُفره ولو زعم أنَّه لم يُرد الاستخفاف.
[3] فخرج “صابر” سائلًا: (أين قُلتُ إنَّ مَن جلس على المُصحف لا يكفُر؟) وإنَّما اتَّهمناه باشتراط قصد الإهانة بالفعل الدَّالِّ على الاستخفاف؛ وبين ما اتَّهمناه به وبين ما سأل هُو عنه فرق لا يخفَى على ذكيٍّ ولكنَّه أراد مُراوغة البُسطاء وما أكثر مُراوغاته.. والله تعالَى يحكُم بيننا وبينه يوم القيامة.
[4] فما كان منَّا في هذا الموقف إلَّا إظهار صُورة كلام “صابر” بحُروفه -الفقرة [1] مِن هذا المقال- بُغية كشف مُراوغته؛ فاستعجل نشر كلام يقول: (يكفُر بوضع رجله على المُصحف مُستخفَّا وإلَّا فلا) إلخ.. وهُو كلام مُشكِل لا ذكر فيه لمُكره أو مُخطئ ونحوه؛ وجاء بعده بما لا يرفع الإشكال.
[5] فكرَّرنا الرَّدَّ على “صابر” ابتغاء مرضاة الله وليعلم المُتعالِمون أنَّنا لا نترُك تعظيم المُصحف الشَّريف لأجل كلام واحد مِن النَّاس؛ وبيَّنَّا أنَّ العبرة بدليل الشَّرع لا بما اشتمل عليه كتاب مِن كلام مُشكل وفصَّلنا المسألة تفصيلًا فأخذ المُؤمنون كلامَنا بالحُبِّ والقَبول؛ ولله الحمد أوَّلًا وأخيرًا.
[6] فتوجَّس “صابر” خيفة وتمظهر بالرُّجوع إلى الحقِّ وقال: (مَن تعمَّد الجُلوس على المُصحف قاصدًا غير ذاهل مُتعمِّدًا غير مُخطِئٍ مُختارًا غير مُكره وإن لم يُصرِّح بأنَّه يقصد الاستهانة بالمُصحف فهُو كافر وإن رغمت أُنُوف لأنَّ فعله يدُلُّ على الاستهانة) وهذا عين ما كُنَّا نصحناه به.
[7] ولكن وبعد أن راجعنا مقاله للنَّظر في توبته؛ وجدناه نقض تراجُعَه والعياذ بالله فأنكر كُفر مَن جلس على حقيبة فيها مُصحف بغير قصد الإهانة (دون ذكر المُكره ونحوه)! واشترط -شرطًا فاسدًا- للحُكم بالكُفر على الفاعل وهُو أن يكون عالمًا بحُكم الشَّرع في إهانة المُصحف!
[8] وهُو أي “صابر” ينقُل عن العُلماء ما ينقُض كلامَه لكنَّه لا يفهم ولا ينتبه ولا يضبط فيذكُر قول إمام الحرمين: (وتحصُل الرِّدَّة بالقول الَّذي هُو كُفر سواء صدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء) انتهَى وليس في ذلك اشتراط معرفة الحُكم.. فتبيَّن أنَّ “صابرًا” مُتناقض ضعيف الضَّبط.
[9] وينقُل “صابر” مرَّة قولًا ظاهرُه أنَّ إلقاء المُصحف الشَّريف في القاذورات يدُلُّ على الكُفر لكنَّه ليس كُفرًا والعياذ بالله! ومرَّة ينقل قولًا ظاهرُه أنَّ مَن وضع رجلَه على المُصحف إن لم يكُن مُستخِفًّا لا يكفُر! ولا يُقيِّد الكلام بالمُكره ونحوه! وهُو يُخاطب العامَّة بمقالاته فتأمَّلوا حال هذا الضَّائع.
[10] وكذلك نقل “صابر” قولًا ظاهرُه أنَّ مَن سجد لصنم لا يكفُر إلَّا لو اعتقد أنَّه إله! وقد قام الإجماع على كُفر مَن سجد لصنم مُطلَقًا سواء اعتقده إلهًا أو لا ولكنَّ “صابرًا” لمرض في قلبه يختار أقوالًا لا حرَّرها أصحابُها ولا عُرَضَت على أهل العلم فيُروِّج لها بين العامَّة والعياذ بالله منه.
[11] وهذا يكشف أنَّ “صابرًا” مُقيم على بدعة لا يُفارقُها يُرَوِّج بين العامَّة أنَّ الدَّوس على المُصحف الشَّريف لا يكُون كُفرًا بغير قصد إهانته! وينقُل أنَّ السُّجود للصَّنم لا يكون كُفرًا إلَّا مع اعتقاد كونه إلهًا! وأنَّ رمي المُصحف في القاذورات ليس كُفرًا بذاته! وكُلُّ ذلك باطل وَوُلوج في الضَّلال.
[12] وما ينقِم “صابر حُسني” منَّا إلَّا أن دعوناه إلى تقرير كون رمي المُصحف الشَّريف في القاذورات كُفر لذاته؛ وأنَّ مَن اختار تحقير المُصحف بفعل صريح في الدِّلالة على الاستخفاف كافر بإجماع؛ وأنَّ السُّجود للصَّنم كُفر مُطلَقًا بإجماع. وقد يُحسن الرَّجُل إلى نفسه إذا قَبِلَ النَّصيحة.
[13] ولكان يُسعدنا لو لم ينطق “صابر” بكُلِّ تلك الأقوال الباطلة لنكون وإيَّاه إخوانًا مُتحابِّين في الله لا يُبغض أحدُنا الآخَر؛ وإنَّا والله لا نكره له الخير ولكن كُلُّ ذلك شرط أن لا يتفوَّه بما يُزلزل عقائد عامَّة المُسلمين وألَّا يخوض في تلك المسائل الَّتي لا يضبط تفاصيلها كما ينبغي.
[14] وقد كرهنا مِن “صابر” كثرة المُراوغة فبعد أن كان الكلام في الذَّاكر العامد المُختار لا في المُخطئ ولا في المُكره ولا في الذَّاهل -والسِّياق يشهد وقد أقرَّ به في مقاله الأخير- صوَّر للنَّاس أنَّه إنَّما تكلَّم في المُكره ونحوه ثُمَّ لم يثبُت على ذلك ساعة فنقضه في المقال عينه والعياذ بالله.
[15] وقد لفتني أنَّ “صابرًا” خلال حوارنا معه نشر فيديو للشَّيخ أحمد ممدوح سعد وفيديو لوزير الأوقاف الشَّيخ أُسامة السَّيِّد! وكأنَّه يُريدنا أن نطعن بالشَّيخَين كُرمَى لعُيونه هُو! وهي طريقتُه ربَّما لقَّنه إيَّاها إبليس بقصد توسعة رقعة الفتنة ولكنَّنا لا نستجيب لدعواته المشبوهة والحمدلله.
[16] وحاول “صابر” استثارة الفتنة في مسألة البُغاة فقرَّر الطَّعن بكُلِّ مَن يقول بأنَّ مُعاوية أمر سعدًا رضي الله عنه بمسبَّة عليٍّ رضي الله عنه! فنشر بعض الإخوة فيديو للشَّيخ مُحمَّد مُتولِّي الشَّعراويِّ وهُو يُقرِّر أنَّ مُعاوية أمر سعدًا بمسبَّة عليٍّ، فسكت “صابر” وكأن قطًّا أكل لسانه!
[17] ونحن نُعظِّم الأزهر الشَّريف الَّذي صدح ويصدح بالعقيدة الأشعريَّة مُنذ مئات السِّنين ومشايخُه الأجلَّاء بريئون مِن كُلِّ صاحب عمامة يُهَوِّن على العامَّة الدَّوس على المُصحف الشَّريف أو الجُلوس عليه أو الجُلوس على حقيبة فيها مُصحف شريف.. فاتَّقِ الله يا “صابر”!
[18] كُلُّ هذا الضَّجيج أثاره “صابر” بُغية ألَّا ينتبه النَّاس إلى زلَّته العظيمة أوَّل الأمر وكان أحسن لو تراجع فورًا بدلًا مِن أن تستدرجه شياطينُه إلى زلَّات أُخرَى كثيرة ولكن كما قالت العرب في ذمِّ التَّكبُّر: “قاتِلُ نفسٍ خُيَلاؤُها” سلَّمنا الله وإيَّاكم مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن والحمدلله.
نهاية المقال.
kila

