شَرحُ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ

شَرحُ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ”

اَلْـحَـمْـدُ للهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلٰى خَيْرِ النَّبِيِّينَ سَيِّدِنَا مُـحَـمَّـدٍ، وَعَلٰى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَبَعْدُ:

مَا مَعْنَى حَدِيثِ رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ”، يَحْلِفُ الرَّسُولُ بِاللهِ تَعَالٰى لِتَأْكِيدِ الْـحَـقِّ. قَالَ: “لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللّٰهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللّٰهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ”، رَوَاهُ مُسْلِم.

 هذا الْـحَـدِيثُ دَالٌّ عَلٰى تَمَامِ لُطْفِ اللّٰهِ تَعَالٰى بِعِبَادِهِ، بِأَنْ فَتَحَ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، بِحَيْثُ إِذَا تَابُوا وَرَجَعُوا عَنْ ذُنُوبِهِمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُقْبَلُ فِيهِ التَّوْبَةُ، عَفَا اللّٰهُ عَنْهُمْ بِرَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَإِحْسَانِهِ. وَلَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِهِ التَّحْرِيضُ عَلٰى فِعْلِ الذُّنُوبِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي مَعْرِضِ تَسْلِيَةِ صُدُورِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللّٰهِ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ لِبَيَانِ عَفْوِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالٰى وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ، وَلِزَجْرِ الْـمُذْنِبِينَ عَنْ شِدَّةِ الْـخَوفِ الَّتِي تُورِثُ الْـيَأْسَ مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ، وَلِتَرْغِيبِ الْعِبَادِ فِي الْإِقْلَاعِ عَنِ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ، وَالْإِقْبَالِ عَلٰى اللّٰهِ ذِي الْعَفْوِ وَالْإِنْعَامِ.

وَالتَّوْبَةُ أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، تَكُونُ بِالْإِقْلَاعِ عَنِ الذَّنْبِ، أَنْ يَتْرُكَ هٰذَا الذَّنْبَ، وَأَنْ يَنْدَمَ عَلٰى فِعْلِهِ تِلْكَ الْـمَعْصِيَةَ. يَنْدَمَ يَعْنِي يَقُولَ فِي قَلْبِهِ “لَيْتَنِي مَا فَعَلْتُ ذٰلِكَ”.

وَالنَّدَمُ رُكْنٌ أَسَاسٌ فِي التَّوْبَةِ. وَأَنْ يَعْزِمَ فِي قَلْبِهِ عَلٰى أَلَّا يَعُودَ إِلٰى تِلْكَ الْـمَعْصِيَةِ، هٰكَذَا تَحْصُلُ التَّوْبَةُ بِهٰذِهِ الْأُمُورِ. وَإِنْ كَانَ هٰذَا الْأَمْرُ تَرْكَ فَرْضٍ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ هٰذَا الْفَرْضَ. وَإِنْ كَانَ تَبِعَةً لِآدَمِيٍّ لَزِمَهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ ذٰلِكَ، أَكَلَ مَالَ شَخْصٍ بِغَيْرِ حَقٍّ يَرُدُّ لَهُ مَالَهُ حَتّٰى تَحْصُلَ تَوْبَتُهُ. ضَرَبَ إِنسَانًا مُسْلِمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَسْتَسْمِحُهُ، مَعَ الْأُمُورِ الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرْتُهَا، حَتّٰى تَحْصُلَ لَهُ التَّوْبَةُ. مَا دَامَ هٰذَا الشَّخْصُ لَمْ يُعَايِنْ مَلَكَ الْـمَوْتِ، لَمْ تَصِلْ رُوحُهُ إِلَى الْغَرْغَرَةِ، لَمْ يَكُنْ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ مِنَ الْـحَيَاةِ، كَإِدْرَاكِ الْغَرَقِ، فَإِنَّ اللّٰهَ تَعَالٰى يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ مِنَ الْـمَغْرِبِ، وَهٰذَا مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ بَابَ التَّوْبَةِ يُغْلَقُ حِينَئِذٍ.

فَلِذٰلِكَ أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، سَارِعُوا إِلَى التَّوْبَةِ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا}. نَسْأَلُ اللّٰهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا، وَأَنْ يَغْفِرَ لَنَا، وَأَنْ يَرْحَمَنَا، وَأَنْ يُكْرِمَنَا بِرُؤْيَةِ وَجْهِ سَيِّدِنَا مُـحَـمَّـدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، آمِينَ. وَالْـحَـمْدُ لِله رَبِّ الْعٰالَمِينَ.

https://t.me/siratolbararah/16315