قَالَ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ – ما هي الغيبة؟

> علم الدين حياة الاسلام: 🖼 قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ” رواه مسلم > علم الدين حياة الاسلام:

 • عقوبة قد لا تشعر بها •

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتاب صيد الخاطر:

ربما رأى العاصي سلامةَ بدنِه وماله، فظنَّ أن لا عقوبة، وغَفلَتُه عمَّا عُوقب بِه عُقوبة، وقد قال الحُكماء: المعصيةُ بعد المعصيةِ عقابُ المعصية، والحسنةُ بعدَ الحسنة ثوابُ الحسنة.

وربما كان العقابُ العاجِلُ معنويًا، كما قال بعضهم: يا رب! كم أعصيك ولا تعاقبني! فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري، ألستُ قد حرمتٌك حلاوة مٌناجاتي؟
فمن تأمل هذا النوعَ من المعاقبة، وجدَه بالمرصاد.

فرُبَّ شخصٍ أطلقَ بصرَه فحُرِم اعتبار بَصيرَتِه، أو لِسانَه فحُرم صَفاءَ قلبه، أو آثَر شُبهةً في مَطعمةٍ، فأظلمَ سِره، وحُرِم قيامَ الليل، وحلاوةَ المناجاة، إلى غير ذلك، وهذا أمرٌ يعرفُه أهلُ محاسبة النفوس.

وعلى ضِدِّه يجد من يتقي الله تعالى مِن حُسن الجزاء على التقوى عاجلاً. س > علم الدين حياة الاسلام:

• الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ •

قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [سورة النساء]

معنى الآية:

هَذِهِ الآيَةُ مَعنَاهَا أَنَّهُ كَمُلَ مُعظَمُ الدِّينِ، كَمَا ذَكَر ذَلِكَ البَغَوِيُّ، وَالخَازِنُ، وابنُ حَجَرٍ العَسقَلَانِيُّ وَغَيرُهُم.

وَليسَ مَعنَاهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلمُجتَهِدِينَ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَن يُحدِثُوا مَا يُوَافِقُ الشَّرعَ كَعَمَلِ المَولِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ مَثَلًا.

قَالَ القُرطُبِيُّ: وَقَالَ الجُمهُورُ: المُرَادُ مُعظَمُ الفَرَائِضِ وَالتَّحلِيلِ وَالتَّحرِيمِ، قَالُوا: وَقَد نَزَلَ بَعدَ ذَلِكَ قُرءَانٌ كَثِيرٌ، وَنَزَلَت آيَةُ الرِّبَا، وَنَزَلَت آيَةُ الكَلَالَةِ إِلَى غَيرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَمُلَ مُعظَمُ الدِّينِ وَأمرِ الحَجِّ اهـ. س > علم الدين حياة الاسلام:

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله،

أمّا بعدُ: قال الله تعالى ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾

في هذهِ الْآيةِ الْكريمةِ إخبارٌ مِنَ اللهِ تَعالى:
بأنّ الْإنسانَ مسْؤولٌ عمّا يَتكلَّمُ بهِ وأنّ كلامَهُ مُسجَّلٌ عليهِ وأنّ ما يَنْطِقُ بهِ عَمْدًا بِإرادتِهِ يُكتبُ وتُسجِّلُهُ الْملائكةُ.

قال رسول الله ﷺ “إنَّكَ مَا تَزَالَ سَالِمًا مَا سَكَتَّ، فَإذَا تَكَلَّمْتَ كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ”
رواهُ الْبيهقيُّ في شُعَبِ الْإيمانِ

فالْعاقلُ يُفكِّرُ قبلَ أنْ يَتكلَّمَ ويَزِنُ الْكلامَ في مِيزانِ الشَّرْعِ قبلَ النُّطْقِ؛ فإنْ كانَ الْكلامُ مُخالِفًا لِلشّرْعِ سَكَتَ عنهُ وحَفِظَ نفْسَهُ مِنهُ وصانَ لِسانَهُ عنهُ، وإنْ كانَ الْكلامُ مُوافِقًا لِلشّرْعِ وفيهِ خيرٌ وثوابٌ وأَجْرٌ تَكلَّمَ بهِ.

ما هي الغيبة؟

الْغِيبَةُ مِنْ مَعَاصِي اللِّسَانِ وَهِيَ كما قال رسول الله ﷺ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ الْمُسْلِمَ بِصفةٍ فِيهِ مِمَّا يَكْرَهُ ذِكرَهُ عَنهُ.

والْغِيبَةُ مِن أسبابِ:

تَفكُّكِ الْعائلاتِ والْأُسَرِ في الْمُجتمَعاتِ
مُمَزِّقةٌ لِلْعلاقاتِ ومُفرِّقةٌ لِلْأَحِبّةِ
.أما اليوم فقد صارتْ الْغِيبَة وكأنّها الْمُسامَرةُ والتّسليةُ وحديثُ الْمَجالِسِ
رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:
“أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ” قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: “ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ” فقال رجل: أَفَرَأَيْتَ إِن كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ فقَالَ ﷺ: “إِنْ كَانَ فِيْهِ مَا تَقُوْلُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْبَهَتَّهُ”.

وَالْغِيبَةُ هِيَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ (الْمُسْلِمَ) (الْحَيَّ أَوِ الْمَيْتَ) (الصَّغيرَ أو الكَبِيرَ) (بِمَا يَكْرَهُهُ لَوْ سَمِعَ)، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ خُلُقِهِ، كَأَنْ يَقُولَ: فُلَانٌ قَصِيرٌ أَوْ أَحْوَلُ، أَوْ فُلانٌ سَيِّئُ الْخُلُقِ أَوْ قَلِيلُ الْأَدَبِ، أَوْ كَثِيرُ النَّوْمِ، أَوْ كَثِيرُ الْأَكْلِ، أَوْ وَسِخُ الثِّيَابِ، أَوْ دَارُهُ رَثَّةٌ، أَوْ وَلَدُهُ فُلانٌ قَلِيلُ التَّرْبِيَّةِ، أَوْ فُلانٌ تَحْكُمُهُ زَوْجَتُهُ أَوْ قَلِيلَةُ النَّظَافَةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْرَهُهُ لَوْ بَلَغَهُ.

كيف تكون الغيبة؟التَّصْرِيحِ والتَّعْرِيضِ

وَمِنَ التَّعْرِيضِ الَّذِي هُوَ غِيبَةٌ أَنْ تَقُولَ إِذَا سُئِلْتَ عَنْ شَخْصٍ مُسْلِمٍ: اللهُ لا يَبْتَلِيْنَا! مُرِيدًا أَنَّهُ مُبْتَلًى بِمَا يَكْرَهُ، وَكَذَلِكَ أَنْ تَقُولَ إِذَا ذُكِرَ شَخْصٌ مُسْلِمٌ: اللهُ يُصْلِحُنَا! مُرِيدًا بِهِ التَّعْرِيضَ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلى حَالَةٍ طَيِّبَةٍ، أَوْ تَقُولَ: أَصْلَحَهُ اللهُ، أَمَّا إِنْ لَمْ يُرِدِ التَّعْرِيضَ وأرادَ الدُّعَاءَ الْخَالِصَ لهُ فَلَا إِثْمَ فِيهِ.

الكناية، قبح معصية الغيبة

قال الله تعالى {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}

وَهَذَا تَمْثِيلٌ وَتَصْوِيرٌ لِمَا يَنَالُهُ الْمُغْتَابُ مِنْ عِرْضِ الْمُغْتَابِ عَلى أَقبَحِ وَجْهٍ وَفِيهِ مُبَالَغَاتٌ مِنْهَا الاسْتِفْهَامُ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْرِيرُ، وَلَمَّا قَرَّرَهُمْ بِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لا يُحِبُّ أَكْلَ جِيفَةِ أَخِيْهِ، عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ أَيْ فَتَحَقَّقَتْ كَرَاهَتُكُمْ لَهُ بِاسْتِقَامَةِ الْعَقْلِ، فَلْيَتَحَقَّقْ أَنْ تَكْرَهُوا مَا هُوَ نَظِيرُهُ مِنَ الْغِيبَةِ بِاسْتِقَامَةِ الدِّينِ.

ما حكم الغيبة؟

اخْتَلَفَ كَلامُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا:
مِنْهُمْ مَنِ اعْتَبَرَهَا (كَبِيرَةً)
مِنْهُمْ مَنِ اعْتَبَرَهَا (صَغِيرَةً)

وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ فِي ذَلِكَ:

فَإِنْ كَانَتِ الْغِيبَةُ لأِهْلِ الصَّلاحِ وَالتَّقْوَى فَتِلْكَ لا شَكَّ كَبِيرَةٌ، وَأَمَّا لِغَيْرِهِمْ فَلا تكون كَبِيرَةً دائمًا.

فالْمُسْلِمُ الْفَاسِقُ إِذَا اغْتِيبَ إِلَى حَدِّ الْإِفْحَاشِ فهِيَ كَبِيرَةٌ، كَأَنْ يُبَالَغَ فِي ذِكْرِ مَسَاوِئِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّحْذِيرِ، بَلْ لِمُجَرَّدِ التَّسَلِّي.

رد عن عرض أخيك ولا تستح من المتكلم

الّذي يُدافِعُ عن أخيهِ الْمُسلمِ وَيَرُدُّ عنهُ الْغِيبةَ ويُدافِعُ عن عِرْضِهِ لَهُ أجْرٌ عظيمٌ.
قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيْهِ رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” رواهُ التّرمذيُّ > علم الدين حياة الاسلام: ثمّ إنّ الْإنسانَ الّذي يَشْتَغِلُ بِغِيبةِ الْمُسلمينَ هو نفْسُهُ لو قِيلَ لَهُ: أتَرْضَى أنْ تكونَ أنتَ الْمُتَكَلَّمَ فيهِ؟! سيقولُ: لا أرضى! فيُقالُ لَهُ: ما لا تَرْضاهُ لِنَفْسِكَ لا تَرْضَهُ لِغَيرِكَ!

ليس كل ما لا تحبه من الكلام غيبة

وَلَيْسَ مِنَ الْغِيبَةِ أَنْ يُقَالَ مثلا: هَذَا الْفُنْدُقُ أَحْلَى مِنْ هَذَا الْفُنْدُقِ، أَوْ طَعَامُهُ أَلَذُّ، أَوْ هَذَا أَنْظَفُ مِنْ هَذَا، أَوْ هَذَا المتْجَرُ الثِّيَابُ الَّتِي عِنْدَهُ أَحْلَى مِنَ المتْجَرِ الْآخَرِ، أَوْ هَذَا سِعْرُهُ أَرْخَصُ مِنْ هَذَا؛ لأِنَّ الشَّخْصَ لا يَتَأَذَّى مِنْ هَذَا لَوْ سَمِعَ، لَكِنْ لا يُحِبُّ، فَمُجَرَّدُ الإِخْبَارِ لَيْسَ حَرَامًا.

وَلَيْسَ مِنَ الْغِيبَةِ أَنْ يُقَالَ: هَذَا سِعْرُهُ مُرْتَفِعٌ أَكْثَرُ مِنْ سِعْرِ فُلانٍ، أَوْ بِضَاعَةُ فُلانٍ أَحْسَنُ مِنْ بِضَاعَةِ فُلانٍ، أَوْ فُلانٌ أَعْلَمُ مِنْ فُلانٍ؛ لأِنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا يَكْرَهُهُ ذَوُوْ الطَّبْعِ السَّلِيمِ.

وَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ عَنْ شَخْصٍ فِي خَلْفِهِ بِمَا يَكْرَهُ دُونَ ذِكْرِ اسْمِهِ وَدُونَ أَنْ يَعْرِفَ السَّامِعُونَ مَنِ الْمَقْصُودُ، كَأَن يَقُولَ: بَعضُ النَّاسِ يَفعَلُون كَذَا أَو فِيهِم صِفَةُ كَذَا، فَلَيْسَ حَرَامًا. 

ما حكم المستمع للغيبة؟

وَكَمَا تَحْرُمُ الْغِيبَةُ يَحْرُمُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّهْيِ وَتَرْكِ مُفَارَقَةِ الْمُغْتَابِ إِنْ كَانَ لا يَنْتَهِي مَعَ الْقُدْرَةِ عَلى ذَلِكَ.

فَيَجبُ عَلى مَن سَمِع شَخصًا يَغتَابُ غَيرَه: أَن يَنهَاهُ بِالكَلامِ أَوَّلًا. فَإِن لَم يَنتَهِ وَبَقِي يَتَكَلَّم بِالغِيبَةِ فَارَقَهُ وَلَا يَجُوزُ أَن يَبقَى جَالِسًا مَعَه.

رُوِيَ عن إبراهيمَ بْنِ أدهمَ رضيَ اللهُ تَعالى عنهُ أنّهُ دُعِيَ إلى وليمةٍ فَحَضَرَ، فذَكَروا رَجُلًا لَمْ يأْتِهِم فقالوا‏:‏ إنّهُ ثقيلٌ! فقالَ إبراهيمُ‏:‏ أنا فعلتُ هذا بِنَفْسي حيثُ حضَرتُ مَوْضِعًا يُغتابُ فيهِ النّاسُ، فخَرَجَ ولَمْ يأْكُلْ ثلاثةَ أيّامٍ‏.‏ 

متى تكون الغيبة مباحة؟

قَدْ تَكُونُ الْغِيبَةُ جَائِزَةً بَلْ وَاجِبَةً، وَذَلِكَ فِي:

التَّحْذِيرِ مِنْ ذِي فِسْقٍ عَمَلِيٍّ أَوْ بِدْعَةٍ اعْتِقَادِيَّةٍ مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي هِيَ دُونَ الْكُفْرِ، كَالتَّحْذِيرِ مِنَ التَّاجِرِ الَّذِي يَغُشُّ فِي مُعَامَلاتِهِ

أَوْ تَحْذِيرِ صَاحِبِ الْعَمَلِ مِنْ عَامِلِهِ الَّذِي يَخُونُهُ

وَكَالتَّحْذِيرِ مِنَ الْمُتَصَدِّرِينَ لِلْإِفْتَاءِ أَوِ التَّدْرِيسِ أَوِ الْإِقْرَاءِ مَعَ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ، فَهَذِهِ الْغِيبَةُ وَاجِبَةٌ.

وَمِنَ الْغِيبَةِ الْوَاجِبَةِ تَحْذِيرُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُصَادِقَ إِنْسَانًا فِي مُعَامَلَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ أَوْ دِينِيَّةٍ إِذَا عَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّ هَذَا الَّذِي يُرِيدُ مُصَادَقَتَهُ يُدْخِلُ عَلَيْهِ ضَرَرًا بِمُصَادَقَتِهِ، فَالسُّكُوتُ فِي مِثْلِ هَذَا عَنِ التَّحْذِيرِ حَرَامٌ.

 تنبيه

مِنَ الْجَهْلِ بِأُمُورِ الدِّينِ اسْتِنْكَارُ بَعْضِ النَّاسِ التَّحْذِيرَ مِنَ الْعَامِلِ الَّذِي يَخُونُ صَاحِبَ الْعَمَلِ احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ هَذَا قَطْعُ الرِّزْقِ عَلَى الْغَيْرِ! فَهَؤُلاءِ يُؤْثِرُونَ مُرَاعَاةَ جَانِبِ الْعَبْدِ عَلَى مُرَاعَاةِ شَرِيعَةِ اللهِ تَعالى.

أسباب إباحة الغيبة

قَسَّمَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُبِيْحُ الْغِيبَةَ إِلَى سِتَّةٍ جَمَعَهَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فقَالَ:

تَظَلَّمْ وَاسْتَعِنْ وَاسْتَفْتِ حَذِّرْ
وَعَرِّفْ وَاذْكُرَنْ فِسْقَ الْمُجَاهِرْ

فَمَنْ ظَلَمَهُ شَخْصٌ فَشَكَاهُ لِلْحَاكِمِ لِيَأْخُذَ لَهُ حَقَّهُ مِنْهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ.

وَمَنْ أَرَادَ إِزَالَةَ مُنْكَرٍ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ يَفْعَلُهُ شَخْصٌ فَاسْتَعَانَ بِشَخْصٍ يُعِيْنُهُ عَلَى ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ.

وَمَنْ شَكَا مُسْلِمًا اخْتَلَفَ مَعَهُ فِي قَضِيَّةٍ لِيَأْخُذَ الْفَتْوَى مِنَ الْعَالِمِ التَّقِيِّ مَثَلًا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ.

وَمَعْنَى حَذِّرْ: أَيْ حَذِّرْ مِمَّنْ يَضُرُّ النَّاسَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَهَذَا لَيْسَ حَرَامًا، بَلْ يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنَ الَّذِي يَغُشُّ النَّاسَ فِي دِينِهِمْ أَوْ فِي أُمُورِ دُنْيَاهُمْ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ.
وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ شَخْصًا لِيُعْرَفَ فَقَالَ: فُلانٌ الأَعْرَجُ مَثَلًا لا بِقَصْدِ ذَمِّهِ إِنَّمَا لِبَيَانِ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ فِي هَذَا الْغَرَضِ الصَّحِيحِ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ الَّذِي يُجَاهِرُ بِفِسْقِهِ يَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا فِيهِ مِمَّا يَكْرَهُ لِزَجْرِهِ عَنْ فِسْقِهِ لا بِقَصْدِ التَّفَكُّهِ بِذِكْرِهِ. > علم الدين حياة الاسلام: قال النوويُّ: فَهَذِهِ سِتَّةُ أَسْبَابٍ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ وَأَكْثَرُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَدَلائِلُهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَشْهُورَةٌ. اهـ.

ذكر المسلم في وجهه بما يكره إيذاء

ذِكْرُ الْمُسْلِمِ فِي وَجْهِهِ بِمَا يَكْرَهُ فَهُوَ إِيْذَاءٌ، وَإِيْذَاءُ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ.

تنبيه

مِنَ الْجَهْلِ الْقَبِيحِ قَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ حِينَمَا تُنْكِرُ عَلَيْهِمُ الْغِيْبَةَ: (إِنِّي أَقُولُ هَذَا فِي وَجْهِهِ) كَأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ مَا فِي الشَّخْصِ الْمُغْتَابِ لا بَأْسَ إِذَا اغْتِيْبَ بِهِ، وَهَؤُلاءِ لَمْ يَعْلَمُوا تَعْرِيفَ الرَّسُولِ ﷺ لِلْغِيبَةِ بِقَوْلِهِ: “ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ” قِيلَ: أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ “إِنْ كَانَ فِيْهِ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ” رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ.

وصَدَقَ الشّاعِرُ حيثُ قالَ:

إذَا شِئْتَ أنْ تَحْيَا سليمًا مِنَ الْأَذى
وحَظُّكَ مَوفُورٌ وعِرْضُكَ صَيـِّنُ

لِسَانَكَ لا تَذْكُرْ بِهِ عَوْرةَ امْرِئٍ
فكُلُّكَ عَوْراتٌ ولِلنّاسِ أَلْسُنُ

وعَيْنُكَ إنْ أبْدَتْ إلَيْكَ مَعَايِبًا
فَصُنْها وقُلْ يا عَيْنُ لِلنَّاسِ أعْيُنُ

وعاشِرْ بِمَعْروفٍ وسامِحْ مَنِ اعْتَدَى
وفارِقْ ولكنْ بِالّتي هي أحْسَنُ

وصلّى اللهُ تعالى وسلَّمَ على سيّدِنا وحبيبِنا مُحمّدٍ وعلى ءالِهِ وصَحابتِهِ الطّيّبينَ الطّاهرينَ، وسلامٌ على الْمُرْسَلِينَ وءاخِرُ دَعْوانا أنِ الْحَمْدُ للهِ ربِّ الْعالمينَ