طلبة العلم يسألون والإمام الشيخ عبد الله الهرري يجيب ٢٨٨
الله خالق كل شيء وكل شيء بمشيئته وعلمه
سائل سأل: ما معنى كلام عمر فليس بآتيك منهيُّها ولا قاصرٌ عنك مأمورها
قال الشيخ رحمه الله : الإنسان لا يخلق شيئاً لكن الإنسان له كسبٌ قد يجتهد الإنسان في نيل شىء فلا يصل إلى ذلك الشىء وقد لا يجتهد الإنسان للوصول إلى شىء فإذا به وصل إليه، هذا معنى كلام عمر فليس بآتيك منهيُّها ولا قاصرٌ عنك مأمورها، أي الذي كتبه الله لك لا بد أن يأتيك وأمّا المنهيُّ عنك أي الشىء الذي لم يشأ الله أن يصيبك لا يصيبك فإذا كان الأمر هكذا أرح بالك واثبت على اعتقاد أنه لا يصيبك إلا ما قدّر الله ولا تنال إلا ما قدر الله تعالى أن تناله.
قال السائل : اليس في هذا دعوى إلى التّكاسل.
قال الشيخ رحمه الله : ليس فيه دعوى إلى التكاسل عن العمل، عمر رضي الله عنه الذي كان يقول هذا على المنبر كثيراً، منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أشدّ الناس اجتهاداً في خدمة الناس، إنما المقصود أن لا يكثر الإنسان الهَمَّ أي لا يشغَلَ فكره بل يبقى ويثبت على الإيقان بأنه لا بد أن يصيبه ما قدّر الله من منافع وغيرها وأنّه لا يصيبه ما لم يقدّر الله أن يصيبه. هذا أمرٌ يرجع إلى الاعتقاد.
ثم روى البيهقي رحمه الله عن أبي جعفر الصادق محمد بن علي الباقر عن أبيه قال قال أبي الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “والله ما قد قالت القدرية بقول الله ولا بقول الملائكة ولا بقول النبيّين ولا بقول أهل الجنة ولا بقول أهل النّار ولا بقول صاحبهم إبليس، فقالوا له تفسره لنا يا ابن رسول الله فقال قال الله عز وجل: { وَالله يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [سورة يونس ءاية 25] . هذه الآية تدل على أن الله تبارك وتعالى هو خالق أعمال العباد ليس العباد خالقي أعمالهم، القدريّة خالفوا هذه الآية بقولهم نحن نخلق أعمالنا قالوا الله تعالى ما له تصرف بعد أن أعطانا القدرة على أعمالنا هو لا يستطيع أن يخلق حركاتنا وسكناتنا، قالوا بعد أنْ أعطانا القدرة عليها صار عاجزاً، بهذا خالفوا هذه الآية لأن الله تعالى يقول: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [سورة يونس ءاية 25] أي أن الله تعالى هو الذي يخلق في عباده الحركات إلى الطاعة، الإيمان هو يخلقه فيمن يشاء من عباده، والطاعات هو يخلقها فيمن شاء أما هم خالفوا هذا قالوا العبد يخلق بل كل ذوي الأرواح عندهم يخلقون أعمالهم، هذا وجه مخالفتهم للآية وقالت الملائكة : {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَمْتَنَا} [سورة البقرة ءاية 32] هنا تبيّن لنا الآية أن الملائكة يعتقدون أن أعمال العباد بخلق الله لا بخلق العباد فإن الملائكة فوّضوا العلمَ إلى الله تبارك وتعالى أي أنه تعالى هو الذي يخلُق فيهم العلوم التي وصلت إليهم وأنّهم ليسوا خالقيها، {لاَ عِلْمَ لنا إلاّ مَا عَلَمْتَنَا} [سورة البقرة ءاية 32] معناه المعلومات التي لنا أنت خلقتها فينا لسنا نحن خالقيها لا نستطيع أكثر ممّا أنت أعطيتنا من العلوم، والمعتزلة خالفوا هذا لأن من عقيدة المعتزلة أنّ العبد هو يخلق العلوم والإدراكات فتبيّن بهذا أنهم مخالفون لقول الملائكة كما أنهم مخالفون لقول الله تعالى. وقال نوح عليه السلام: {وَلاَ يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدتُّ أنْ أنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ الله يُرِيدُ أنْ يُغْوِيَكُمْ} [سورة هود ءاية 34]. > عِلْمُ الدِّيِن حَيَاةُ الإِسْلام دُرُوس مُحَررَة: هذا بيان لقول الحسين بن علي رضي الله عنهما، هو يبينُ وجه مخالفة القدرية لقول النبيين، حيث قال نوح عليه السلام لقومه الذين هم كذّبوه وكفروا به وبالله {وَلاَ يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنء أَرَدتُّ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ الله يُرِيدُ أنْ يُغْوِيَكُمْ} [سورة هود ءاية 34] هذا أيضاً فيه إثبات أن الله تعالى هو خالق أعمال العباد، لو لم يكن اعتقاد نبي الله نوح ذلك ما قال هذا لكن هذا اعتراف منه بأن الله تعالى هو خالق أعمال العباد، قال: {إنْ كَانَ الله يُريدُ أنْ يُغْوِيَكُمْ} نصّ نوح عليه السلام على أن الله تبارك وتعالى هو خالق أعمال العباد خيرِها وشرّها وأن غَواية الغَاوين من عباده فهي بخلق الله تبارك وتعالى وأنّ غَواية الغَاوين من العباد فإنما تقع بمشيئة الله، لأنه عليه السلام قال: {إنْ كَانَ الله يُرِيدُ أنْ يُغْوِيَكُمْ} معناه إن كان شاء الله في الأزل أن تكونوا غاوين باختياركم فتكونوا منساقين إلى الغَواية والضّلالة باختياركم فتكونوا منساقين إلى الغَوَاية والضّلالة باختياركم فمن يمنع مشيئة الله من النّفاذ، أنا لا أستطيع أن أمنع نفاذ مشيئة الله فيكم ومع ذلك هو بما أنه مأمور بأن يدعوهم إلى الإيمان بالله وبرسوله نوحٍ الداعي لهم إلى الله بلّغ، ظلّ يدعوهم ألفَ سنة إلا خمسين عاماً إلى الإيمان والإسلام وهم عاكفون على عبادة الأوثان لم يَتبعْه منهم إلا قليل من البشر
هذا فيه دلالة على أنه لا يحصل شىء من أعمال العباد خيرها وشرها إلا بمشيئة الله أي بتخصيص الله، الذي يحبه الله من أعمالنا فهو بمشيئة الله أي بتخصيصه والذي يكرهه الله من أعمالنا فهو بمشيئته وتخصيصه يدخل في الوجود لا فرق في ذلك، إنما الفرق أن أعمالنا التي امرنا بها على ألسنة أنبيائه يحبها وأعمالَنا التي يكرهها هو لا يحبها، هنا الفرق أما من حيث المشيئة أي التخصيص فلا فرق بين أعمالنا الحسنة وبين أعمالنا السيئة التي هي المعاصي والضلالات والغَوَايات {وَلاَ يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدتُّ أنْ أنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ الله يُرِيدُ أنْ يُغْوِيَكُمْ} [سورة هود ءاية 34] ، فأما موسى عليه السلام فقال: {إنْ هِيَ إلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ} [سورة الاعراف ءاية 155] لو لم يكن في القرءان إلا هذه الآية لكانت حجّة دامغة لهؤلاء الذين يقولون الله تعالى ما شاء معاصي العباد أن تقع وتحصل إنما العباد هم خلقوها بدون مشيئة الله، هذه الطائفة القدرية الضالّة تقول معاصي العباد من كفر فما دونه حتى المكروهات عندهم تحصل بدون مشيئة الله. والقدرية على زعمهم الله تعالى شاء أن يهتدي كلّ العباد ولم يشأ ما حصل من الكفار من كفر ومعاصي وما حصل من عصاة المسلمين من معاصيهم ما شاء دخولها في الوجود، معنى ذلك أن الله مغلوب يجري في ملكه ما لا يشاء، والمغلوبية تنافي الألوهية، الإله من خصائصه أنّه غالبٌ غيرُ مغلوب لا يقع في ملكه ما لا يشاء حصوله ودخوله، كل ما دخل في الوجود علمنا أنه بمشيئة الله دخل بما في ذلك من حركات العباد من خير وحركاتهم من معاصي ونواياهم كل ذلك لا يحصل إلا بمشيئة الله، والمشيئة غيرُ الأمر وغيرُ المحبّة والرضى، المشيئة معناها التخصيص، الله تبارك وتعالى خصص هذه الأعمال التي تحصل من العباد خيرها وشرّها بالدخول في الوجود بدل أن تبقى في العدم هو العالم بأسره كان معدوماً لم يكن في الأزل إلا الله المتصف بالصفات الأزلية، العلم والقدرة والمشيئة والسّمع والبصر إلى غير ذلك لم يكن في الأزل شىء، هو كان شاء في الأزل أن تحدث هذه الأجرام المخلوقات وحركات العباد خيرها وشرّها، هذا أيضاً يقال له التخصيص، فوجود هذا العالم أجرامِه وحركاته وسكناته الخير من ذلك والشر بتخصيص الله تعالى هذا معنى المشيئة ليس معنى المشيئة أنّه أحبّ ذلك الشىء، الله تعالى خلق أشياء لا يحبها وخلق أشياء يحبّها، الإيمان والطاعات خلقها فيمن شاء من عباده والكفر والمعاصي خلقه فيمن شاء من عباده أي خصّصه بالوجود مع أنه لا يحب ما كان من المعاصي من أعمال العباد بل نهى عن ذلك، هذا المعتزلة يقولونه في تمويههم على الناس، المعتزلة في تمويههم على الناس يقولون كيف يشاء ما لم يأمر به فيقال لهم أليس علم في الأزل أن هؤلاء الكفار يكفرون وأنّ هؤلاء العصاة يعصون أليس عالماً في الأزل قبل أن يخلق العالم أن ذلك سيحصل فهل من بدّ من حصول ذلك منهم بعد أن يُخلَقوا، فليس لهم مفرٌّ أن يقولوا لا بد، فيقال لهم كما أنّكم اعترفتم بأنه لا بدّ من حصول ذلك لأن الله علم في الأزل أنه يحصل منهم كذلك قولوا شاء أن يحصل منهم وهو لا يحبّه (ليس لهم جواب) فمسألة موسى عليه السلام هي اوضح دليل لأنه قال: {إِنْ هِيَ إلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [سورة الاعراف ءاية 155] وبيان ذلك أن موسى لمّا ذهب لميقات ربّه ثم خلَّف عليهم أخاه هارون، خلّف على قومه أخاه هارون إلى أن يعود، هارون كان نبيًّا رسولاً > عِلْمُ الدِّيِن حَيَاةُ الإِسْلام دُرُوس مُحَررَة: كما أنّ موسى نبيٌّ رسول الله تعالى أشرَكَه في النبوة والرسالة مع أخيه موسى، استخلفه فيهم ففي مدة غيبته أضلّهم شخص يقال له “موسى السامري”، صاغ عجلاً جسداً من ذهب ووضع فيه أثر حافر فرس جبريل فصار يخور هذا العجل مثل العجل الحقيقي ففتنهم بذلك ما قال لهم أنظروا هذا إلهكم وإله موسى فأطاعه بعضٌ من قوم موسى الذين كانوا مسلمين وخالفه بعضٌ فلما رجع أخبر بما فعلوا فاغتاظ عليهم اغتياظاً شديداً بحيث أنه ألقى ألواح التوراة التي كانت في يده من شدّة غضبه عليهم، ثمّ الله تعالى أوحى إليه أن يختار منهم سبعين رجلاً، فاختار سبعين رجلاً فأخذتهم الرّجفة اهتزّت بهم الأرض، قال موسى متضرّعاً إلى الله: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أهْلَكْتَهُمْ مِن قَبْلُ وَإيّايَ أتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفهاءُ مِنَّا إنْ هِي إلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمنا وَأنْتَ خَيْرُ الغَافِرِينَ} [سورة الاعراف ءاية 155].
– الشّاهد في قول موسى تضلّ بها من تشاء، هذا دليل صريح أنّ الله تعالى شاء ما يحدث من العباد من الكفر والفساد وهو لا يحبّه ولم يأمر به، لكن شاء وقوعه أي خصّصه بالوجود أي لولا أن خصصه بالوجود ما دخل في الوجود الله تعالى شاء دخوله في الوجود فدخل في الوجود، هذا أكبر دليل، هذا يرد على هؤلاء الذين حرّفوا ءاياتٍ قرءانية فجعلوها على المعنى الذي يوافق معتقدهم الفاسد. اهـ
رحم الله من كتبه ومن نشره
لا فلاح الا بتعلم أمور الدين
قناةُ عِلْمُ الدِّيِن حَيَاةُ الإِسْلام دُرُوس مُحَررَة
https://t.me/alameddine
