مَعَاصِي اللِّسَانِ

الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [سورة ق/18] جَاءَ التَّحذِيرُ مِن عَظِيمِ خَطَرِ اللِّسَانِ فِي ءَايَاتٍ عَدِيدَةٍ فِي القُرءَانِ الكَرِيمِ، وَجَاءَ فِي الكَثِيرِ مِنَ الأَحَادِيثِ الحَثُّ عَلَى ضَبطِ اللِّسَانِ وَحِفظِهِ وَمُرَاقَبَتِهِ، بَل إِنَّ أَقوَالَ العَرَبِ أَيضًا قَد كَثُرَت فِي التَّحذِيرِ مِن خَطَرِ اللِّسَانِ وَمَا يَأتِي بِسَبَبِهِ مِنَ المَصَائِبِ وَالبَلَايَا أَحيَانًا،

وَجَاءَ كُلُّ هَذَا التَّحذِيرُ فِي الشَّرعِ وَغَيرِهِ مِن خَطَرِ إِطلَاقِ اللِّسَانِ بِكُلِّ مَا هَبَّ وَدَبَّ بِسَبَبِ كَثرَةِ الكَلَامِ المُفسِدِ الَّذِي يُؤَدِّي بِصَاحِبِهِ إِلَى الهَلَاكِ، وَفِي هَذَا المَقَالِ نَتَنَاوَلُ جُملَةً مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الَّتِي حَذَّرَ مِنهَا الشَّرعُ الحَنِيفُ:

📍مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الغِيبَةُ

أَي أَن تَذكُرَ أَخَاكَ المُسلِمَ الحَيَّ أَوِ المَيِّتَ بِكَلَامٍ يَكرَهُهُ لَو سَمِعَهُ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ أَو نَسَبِهِ أَو ثَوبِهِ أَو دَارِهِ أَو خُلُقِهِ، كَأَن يَقُولَ فُلانٌ قَصِيرٌ أَبُوهُ دَبَّاغٌ أَو فُلانٌ سَيِّئُ الخُلُقِ أَو كَثِيرُ النَّومِ أَو الأَكلِ أَو وَسِخُ الثِّيَابِ أَو وَلَدُهُ فُلَانٌ قَلِيلُ التَّربِيَةِ أَو فُلَانٌ تَحكُمُهُ زَوجَتُهُ وَنَحوُ ذَلِكَ مِن كُلِّ مَا يَعلَمُ أَنَّهُ يَكرَهُهُ لَو سَمِعَهُ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَّعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ الآيَةَ [سورة الحجرات:/12]

وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ”، قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، قَالَ: “ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ”، قَالَ أَفَرَأيَتَ إِن كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ، قَالَ: “إِن كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغتَبتَهُ وَإِن لَم يَكُن فِيهِ فَقَد بَهَتَّهُ”. رواه مسلم.

وَالغِيبَةُ إِن كَانَتِ لِأَهلِ الصَّلاحِ وَالتَّقوَى فَتِلكَ لا شَكَّ كَبِيرَةٌ، وَأَمَّا لِغَيرِهِم فَلا تَكُونُ كَبِيرَةً دَائِمًا، لَكِن إِذَا بَالَغَ شَخصٌ فِي ذِكرِ مَسَاوِئ مُسلِمٍ فَاسِقٍ عَلَى غَيرِ وَجهِ التَّحذِيرِ فَتَكُونُ كَبِيرَةً.

وَكَمَا تَحرُمُ الغِيبَةُ يَحرُم السُّكُوتُ عَلَيهَا مَعَ القُدرَةِ عَلَى النَّهيِ، وَيَجِبُ مُفَارَقَةِ المُغتَابِ إِن كَانَ لا يَنتَهِي عَنِ الغِيبَةِ بِالكَلَامِ مَعَ القُدرَةِ عَلَى المُفَارَقَةِ. وَمِنَ الجَهلِ القَبِيحِ قَولُ بَعضِ النَّاسِ حِينَمَا تُنكِرُ عَلَيهِمُ الغِيبَةَ «إِنِّي أَقُولُ هَذَا فِي وَجهِهِ» كَأَنَّهُم يَظُنُّونَ أَنَّهُ لا بَأسَ إِذَا اغتِيبَ الشَّخصُ بِمَا فِيهِ،

وَهُؤَلاءِ لَم يَعلَمُوا تَعرِيفَ الرَّسُولِ ﷺ لِلغِيبَةِ بِقَولِهِ: “ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ”، قِيلَ أَرَأَيتَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ، قَالَ ﷺ: “إِنْ كَانَ فِيهِ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ”، إِلَى ءَاخِرِ الحَدِيثِ وَقَد تَقَدَّمَ رَوَاهُ مُسلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

ثُمَّ الغِيبَةُ قَد تَكُونَ: بِالتَّصرِيحِ، أَوِ الكِنَايَةِ، أَوِ التَّعرِيضِ، وَمِنَ التَّعرِيضِ الَّذِي هُوَ غِيبَةٌ أَن تَقُولَ إِذَا سُئِلتَ عَن شَخصٍ مُسلِمٍ: اللهُ لا يَبتَلِينَا مَعنَاهُ أَنَّهُ مُبتَلًى بِمَا يُعَابُ بِهِ وَأَن تَقُولَ: اللهُ يُصلِحُنَا لِأَنَّكَ أَرَدتَ بِهِ التَّعرِيضَ بِأَنَّهُ لَيسَ عَلَى حَالَةٍ طَيِّبَةٍ.

📍حالات جواز الغيبة

اعلَم أَنَّ الغِيبَةَ قَد تَكُونُ جَائِزَةً بَل وَأَحيَانًا قَد تَكُونُ وَاجِبَةً، وَهَذَا يَكُونُ لِمَصلَحَةٍ أَو سَبَبٍ شَرعِيٍّ، وَهَذَا فِي حَالَاتٍ ذَكَرَهَا العُلَمَاءُ كَالنَّوَوِيِّ، وَهِيَ:

التَّظَلُّمُ: فَيَجُوزُ لِلمَظلُومِ أَن يَتَظَلَّمَ إِلَى السُّلطَانِ وَالقَاضِي وَغَيرِهِمَا مِمَّن لَهُ وِلَايَةٌ أَو قُدرَةٌ عَلَى إِنصَافِهِ مِن ظَالِمِهِ فَيَقُولُ ظَلَمَنِي فُلَانٌ أَو فَعَلَ بِي كَذَا.

الِاستِعَانَةُ: أَي عَلَى تَغيِيرِ المُنكَرِ وَرَدِّ العَاصِي إِلَى الصَّوَابِ فَيَقُولُ لِمَن يَرجُو قُدرَتَهُ عَلَى إِزَالَةِ المُنكَرِ فُلَانٌ يَعمَلُ كَذَا فَازجُرْهُ عَنهُ وَنَحوُ ذَلِكَ.

سيرة الانبياء والصالحين:
الِاستِفتَاءُ: بِأَن يَقُولَ لِلمُفتِي ظَلَمَنِي فُلَانٌ أَو أَبِي أَو أَخِي أَو زَوجِي بِكَذَا فَهَل لَهُ ذَلِكَ وَمَا طَرِيقِي فِي الخَلَاصِ مِنهُ وَدَفعِ ظُلمِهِ عَنِّي وَنَحوُ ذَلِكَ فَهَذَا جَائِزٌ لِلحَاجَةِ،

وَالأَحسَنُ أَن يَقُولَ: فَعَلَ رَجُلٌ أَو زَوجٌ أَو وَالِدٌ أَو وَلَدٌ كَذَا، وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ ذِكرُ اسمِ الفَاعِلِ.

تَحذِيرُ المُسلِمِينَ مِنَ الشَّرِّ: كَالتَّحذِيرِ الشَّرعِيِّ مِن ذِي فِسقٍ عَمَلِيٍّ أَو بِدعَةٍ اعتِقَادِيَّةٍ وَلَو مِنَ البِدَعِ الَّتِي هِيَ دُونَ الكُفرِ كَالتَّحذِيرِ مِنَ التَّاجِرِ الَّذِي يَغُشُّ فِي مُعَامَلاتِهِ وَتَحذِيرِ صَاحِبِ العَمَلِ مِن عَامِلِهِ الَّذِي يَخُونُهُ

وَكَالتَّحذِيرِ مِنَ المُتَصَدِّرِينَ لِلإِفتَاءِ أَوِ التَّدرِيسِ أَوِ الإِقرَاءِ مَعَ عَدَمِ الأَهلِيَّةِ فَهَذِهِ الغِيبَةُ وَاجِبَةٌ.

أَن يَكُونَ مُجَاهِرًا بِفِسقِهِ أَو بِدعَتِهِ: كَالخَمرِ وَمُصَادَرَةِ النَّاسِ وَتَوَلِّي الأُمُورِ البَاطِلَةِ فَيَجُوزُ ذِكرُهُ بِمَا يُجَاهِرُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ بِغَيرِهِ إِلَّا بِسَبَبٍ آخَرَ.

التَّعرِيفُ: فَإِذَا كَانَ مَعرُوفًا بِلَقَبٍ كَالأَعرَجِ وَالقَصِيرِ وَالأَعمَى وَنَحوِهَا جَازَ تَعرِيفُهُ بِهِ، وَيَحرُمُ ذِكرُهُ بِهِ لِلِاستِهزَاءِ، وَإِذَا أَمكَنَ التَّعرِيفُ بِغَيرِهِ كَانَ أَولَى.

📍مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ النَمِيمَةُ

أَي نَقلُ كَلامِ النَّاسِ بَعضِهِم إِلَى بَعضٍ عَلَى وَجهِ الإِفسَادِ بَينَهُم، أَي لِلتَّفرِيقِ بَينَ النَّاسِ وَبَثِّ العَدَاوَةِ وَالقَطِيعَةِ بَينَهُم، وَهِيَ مِنَ الكَبَائِرِ. قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [سورة القلم/11] وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ”، رواه البخاري.

وَالقَتَّاتُ: النَّمَّامُ. وَليُعلَمْ أَنَّ قَولَهُ تَعَالَى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾، [سُورَةَ الْبَقَرَة/191]، مَعنَاهُ أَنَّ الشِركَ أَشَدُ مِنَ القَتلِ وَلَيسَ مَعنَاهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الإِفسَادِ بَينَ اثنَينِ أَشَدُّ مِن قَتلِ المُسلِمِ ظُلمًا بَلِ الجَاهِلَ وَالعَالِمَ مِنَ المُسلِمِينَ يَعرِفَانِ أَنَّ قَتلَ الشَّخصِ ظُلمًا أَشَدُّ فِي شَرعِ اللهِ مِن مُجَرَّدِ الإِفسَادِ بَينَهُ وَبَينَ ءَاخَرَ لا يَخفَى ذَلِكَ عَلَى مُسلِمٍ.

📍مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ التَحرِيشُ

أَيِ أَن يَحُثَّ وَيُشَجِّعَ غَيرَهُ عَلَى فِعلِ شَيءٍ مُحَرَّمٍ لإِيقَاعِ الفِتنَةِ بَينَ اثنَينِ، وَلَو مِن دُونِ قَولٍ بَل وَلَو كَانَ ذَلِكَ بِالإِشَارَةِ بِاليَدِ وَنَحوِهَا. وَكَذَلِكَ الحُكمُ فِي التَّحرِيشِ بَينَ الكَبشَينِ مَثَلًا أَو بَينَ الدِّيكَينِ لِيَتَقَاتَلَا فَهُوَ حَرَامٌ.

📍مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الكَذِبُ

أَيِ الإِخبَارُ بِالشَّيءِ عَلَى خِلَافِ الوَاقِعِ عَمدًا أَي مَعَ العِلمِ بِأَنَّ خَبَرَهُ هَذَا عَلَى خِلافِ الوَاقِعِ، أَمَّا إِن لَم يَكُن يَعلَمُ بِذَلِكَ بَل ظَنَّ أَنَّ الأَمرَ كَمَا يَقُولُ فَلَا يَكُونُ كَذِبًا مُحَرَّمًا. وَالكَذِبُ حَرَامٌ بِالإِجمَاعِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجهِ الجِدِّ أَو عَلَى وَجهِ المَزحِ وَلَو لَم يَكُن فِيهِ إِضرَارٌ بِأَحَدٍ كَمَا وَرَدَ مَرفُوعًا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَمَوقُوفًا بِإِسنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى بَعضِ الصَّحَابَةِ: “لا يَصْلُحُ الْكَذِبُ فِي جِدٍّ وَلا فِي هَزْلٍ”، رَوَاهُ ابنُ مَاجَه.

وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ مِن ذَلِكَ إِذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ تَحلِيلَ حَرَامٍ أَوْ تَحرِيمَ حَلالٍ أَو تَروِيعَ مُسلِمٍ يَظُنُّ أَنَّهُ صِدقٌ.

📍مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ اليَمِينُ الكَاذِبَةُ

أَيِ الحَلِفُ بِاللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَذِبًا أَي بِخِلافِ الوَاقِعِ بِذِكرِ اسمِهِ أَو صِفَةٍ مِن صِفَاتِهِ كَقَولِ وَحَيَاةِ اللهِ أَو وَالقُرءَانِ أَو وَعَظَمَةِ اللهِ أَو وَعِزَّةِ اللهِ أَو نَحوِ ذَلِكَ مِن صِفَاتِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَهَاوُنٌ فِي تَعظِيمِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ.

وَلَا يَجُوزُ أَن يُقَالَ وَحَيَاةِ القُرءَانِ لِأَنَ القُرءَانَ لَا يُوصَفُ بِالحَيَاةِ وَلا بِالمَوتِ. وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

📍مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ القَذفُ

أَيِ الكَلامُ الَّذِي يُقذَفُ أَي يُرمَى بِهِ شَخصٌ بِالزِّنَى وَنَحوِهِ، وَقَد يَكُونُ صَرِيحًا، كَأَن يَقُولَ: فُلانٌ زَانٍ أَو فُلانَةُ زَانِيَةٌ أَو فُلَانٌ لَاطَ بِفُلانٍ أَو فُلانٌ لائِطٌ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلحَدِّ عَلَى القَاذِفِ سَوَاءٌ نَوَى بِهِ القَذفَ أَو لَم يَنوِ، وَقَد يَكُونُ كِنَايَةً يَحتَمِلُ القَذفَ وَغَيرَهُ، كَأَن يَقُولَ لِشَخصٍ: يَا خَبِيثُ أَو يَا فَاجِرُ أَو يَا فَاسِقُ وَنَوَى القَذفَ، فَيَكُونُ قَذفًا مُوجِبًا لِلحَدِّ أَيضًا.

سيرة الانبياء والصالحين:
وَأَمَّا التَّعرِيضُ كَقَولِهِ نَحنُ أَولَادُ حَلَالٍ مُرِيدًا بِذَلِكَ أَنَّ فُلانًا ابنُ زِنًى فَإِنَّهُ مَعَ حُرمَتِهِ لَا حَدَّ فِيهِ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ” (أَيِ الْمُهْلِكَاتِ)، قِيلَ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: “الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالْتَوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ”. رواه مسلم.

وَمَعنَى المُحصَنَاتِ العَفِيفَاتُ اللَّاتِي لَم يَمَسَّهُنَّ الزِّنَا وَلا تُعرَفُ عَلَيهِنَّ الفَاحِشَةُ.

📍مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ سَبُّ الصَّحَابَةِ

مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ سَبُّ أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ. قال الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [سورة التوبة: 100] هَؤُلاءِ هُم أَولِيَاءُ الصَّحَابَةِ وَسَبُّ أَحَدِهِم أَعظَمُ إِثمًا وَأَشَدُّ ذَنبًا مِن سَبِّ غَيرِهِ مِنْ عَوَامِّ الْمُسْلِمِيْنَ. وَسَبُّ الصَّحَابَةِ عَلَى الإِجمَالِ أَي سَبُّ جَمِيعِهِم كُفرٌ، وَأَمَّا سَبُّ فَردٍ مِنَ الأَفرَادِ مِنهُم فَهُوَ مَعصِيَةٌ.

📍مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ شَهَادَةُ الزُّورِ

أَي أَن يَشهَدَ كَاذِبًا، وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِن أَكبَرِ الكَبَائِرِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الإِشْرَاكَ بِاللَّهِ”، رواه البيهقي. أَي شُبِّهَت بِهِ، وَلَيسَ المُرَادُ أَنَّهَا تُخرِجُ فَاعِلَهَا مِنَ الدِّينِ.

📍مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ مَطلُ الغَنِيِّ

أَي مُمَاطَلَةُ الغَنِيِّ فِي رَدِّ الدَّينِ، أَي أَن يَستَدِينَ الشَّخصُ دَينًا وَلَا يَرُدَّهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى رَدِّهِ أَي مَعَهُ مَالٌ يَستَطِيعُ أَن يَرُدَّ الدَّينَ مِنهُ، وَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الوَعدَ بِالقَولِ بِالوَفَاءِ ثُمَّ يُخلِفُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَه”، رواه أبو داود في سننه.

مَعنَى الحَدِيثِ أَنَّ لَيَّ الوَاجِدِ (أَي مُمَاطَلَةَ الغَنِيِّ) القَادِرِ عَلَى الدَّفعِ يُحِلُ أَن يُذكَرَ بَينَ النَّاسِ بِالمَطلِ وَسُوءِ المُعَامَلَةِ تَحذِيرًا وَيُحِلُ عُقُوبَتَهُ بِالحَبسِ وَالضَّربِ وَنَحوِهِمَا مِن قِبَلِ الحَاكِمِ.

📍مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ شَتمُ المُسلِمِ

أَي سَبُّهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ”، رواه البخاري. أَي أَنَّ سَبَّ المُسلِمِ مِنَ الكَبَائِرِ بِدَلِيلِ تَسمِيَتِهِ فُسُوقًا، وَأَطْلَقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى قِتَالِهِ لَفظَ الكُفرِ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالكُفرِ لا يَعنِي أَنَّهُ يَنقُلُ عَنِ المِلَّةِ.

وَأَمَّا اللَّعنُ فَمَعنَاهُ البُعدُ مِنَ الخَيرِ، وَلَعنُ المُسلِمِ مِنَ الكَبَائِرِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “لَعْنُ المُسْلِمِ كَقَتْلِهِ”، رواه مسلم.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الاستهزاء بالمسلم

أَي تَحقِيرُ المُسلِمِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ كَلامٍ مُؤذٍ لِلمُسلِمِ إِذَا كَانَ بِغَيرِ حَقٍّ، وَفِي حُكمِ الكَلامِ المُؤذِي الفِعلُ وَالإِشَارَةُ اللَّذَانِ يَتَضَمَّنَانِ الاستِهزَاءَ وَالتَّحقِيرَ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الكذب على الله ورسوله

مِن جُملَةِ مَعَاصِي اللِّسَانِ الكَذِبُ عَلَى اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَذَا الكَذِبُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ، وَلا خِلافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الكَبَائِرِ بَل مِنَ الكَذِبِ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ مَا هُوَ كُفرٌ كَأَن يَنسُبَ إِلَى اللهِ أَو إِلَى رَسُولِهِ ﷺ تَحْرِيمَ مَا عُلِمَ حِلُّهُ بِالضَّرُورَةِ أَو تَحلِيلَ مَا عُلِمَت حُرمَتُهُ بِالضَّرُورَةِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ﴾. [سورة الزمر: 60]. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “إِنَّ كَذِبًا عَليَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ”، رواه مسلم.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الدعوى الباطلة

أَي أَن يَدَّعِيَ عَلَى شَخصٍ دَعوًى بَاطِلَةً اعتِمَادًا عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ أَو عَلَى جَاهِهِ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الطلاق البدعي

أَي أَن يُطَلِّقَ امرَأَتَهُ فِي طُهرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَو فِي حَيضٍ أَو نِفَاسٍ، وَمَعَ حُرمَةِ ذَلِكَ فَإِنَّ الطَّلاقَ يَقَعُ فِيهِ.

سيرة الانبياء والصالحين:
📹 فائدة: اِحْذَرُوا الكَهَنَةَ والعَرَّافِينَ
وما أكثرهم اليوم على الفضائيات وغير ذلك

سيرة الانبياء والصالحين:
📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الظهار

أَي أَن يَقُولَ لِزَوجَتِهِ وَلَو كَانَت رَجعِيَّةً: أَنتِ عَلَيَّ كَظَهرِ أُمِّي، أَي لَا أُجَامِعُكِ وَكَذَلِكَ قَولُهُ: أَنتِ كَيَدِهَا أَو بَطنِهَا، وَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ لِمَا فِيهِ مِن إِيذَاءٍ لِلمَرأَةِ، وَمِثْلُ الأُمِّ سَائِرُ الْمَحَارِمِ، فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِي أَوْ يَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا فَهُوَ ظِهَارٌ مُحَرَّمٌ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾. [سورة المجادلة: 2].

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الظِّهَارِ إِنْ لَمْ يُتْبِعْهُ الزَّوْجُ بِالطَّلاقِ فَوْرًا الْكَفَّارَةُ، وَيَحرُمُ عَلَيهِ أَن يُجَامِعَهَا قَبلَ إِخرَاجِ الكَفَّارَةِ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾. [سورة المجادلة: 3].

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ اللحن في القرءان المخل بالمعنى أو الإعراب

أَي أَن يَقرَأَ القُرْءَانَ مَعَ اللَّحْنِ أَيِ الخَطَأِ عَمدًا، وَلَو كَانَ الخَطَأُ لا يُخِلُّ بِالمَعنَى وَلَم يُغَيِّرهُ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ السؤال للغني بمال أو حرفة

أَي أَن يَطلُبَ الشَّخصُ الغَنِيُّ المُكتَفِي مِن غَيرِهِ مَالًا أَو نَحوَهُ، وَيَكُونُ الشَّخصُ غَنِيًّا مُكتَفِيًا إِذَا كَانَ يَملِكُ مَالًا يَكفِيهِ لِحَاجَاتِهِ الأَصلِيَّةِ أَو كَانَ قَادِرًا عَلَى تَحصِيلِ ذَلِكَ بِكَسبٍ حَلَالٍ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “لَا تَحِلُّ المَسأَلَةُ لِغَنِيٍّ وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ”، رواه أبو داود والبيهقي.

وَالمِرَّةُ: هِيَ القُوَّةُ، أَيِ القُدرَةُ عَلَى الِاكتِسَابِ، وَالسَّوِيُّ: تَامُّ الخَلقِ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ النذر بقصد حرمان الوارث

أَي أَن يَنذُرَ الرَّجُلُ نَذرًا يَقصِدُ بِهِ أَن يَحرِمَ وَارِثَهُ، وَلا يَصِحُّ ذَلِكَ النَّذرُ، أَمَّا لَو لَم يَكُن قَصدُهُ بِالنَّذرِ حِرمَانَ الوَارِثِ فَلا يَحرُمُ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ ترك الوصية بدين أو عين لا يعلمها غيره

أَي أَن يَترُكَ كِتَابَةَ الوَصِيَّةِ بِدَينٍ وَاجِبٍ عَلَيهِ لِغَيرِهِ، أَو أَن يَترُكَ كِتَابَةَ الوَصِيَّةِ بِشَيءٍ وَضَعَهُ مَالِكُهُ عِندَهُ، إِذَا كَانَ لَا يَعلَمُ بِهَذَا الدَّينِ أَو هَذَا الشَّيءِ غَيرُهُ.

فَمَثَلًا لَو كَانَ عَلَى شَخصٍ دَينٌ فَيَجِبُ عَلَيهِ أَن يَكتُبَ وَصِيَّةً بِأَنَّهُ عَلَيهِ دَينٌ لِفُلَانٍ قَدرُهُ كَذَا، أَو يُخبِرُ بِهِ شَخصًا عَدلًا يَثبُتُ بِقَولِهِ هَذَا الدَّينُ، أَو يَرُدُّهُ حَالًا، أَو لَو كَانَ عِندَهُ فِي بَيتِهِ مَثَلًا شَيءٌ لَيسَ لَهُ بَل وَضَعَهُ مَالِكُهُ عِندَهُ أَمَانَةً أَو كَانَ استَأجَرَهَا مِنهُ أَوِ استَعَارَهَا فَيَجِبُ عَلَيهِ أَن يَكتُبَ وَصِيَّةً أَنَّهُ عِندَهُ كَذَا وَهُوَ لَيسَ لَهُ بَل لِفُلَانٍ، أَو يُخبِرُ بِهِ شَخصًا عَدلًا يَثبُتُ بِقَولِهِ هَذَا الشَّيءُ، أَو يَرُدُّهُ حَالًا.

وَهَذَا إِن خَافَ ضَيَاعَهُ بِمَوتِهِ بِأَن أَصَابَهُ مَرَضٌ مَخُوفٌ أَي يَخشَى عَلَيهِ مِنَ المَوتِ بِسَبَبِ هَذَا المَرَضِ، أَو خَافَ مِن خِيَانَةِ الوَارِثِ، فَإِن عَلِمَ بِهَا غَيرُهُ كَانَتِ الوَصِيَّةُ مَندُوبَةً، وَيَشمَلُ مَا ذُكِرَ مَا كَانَ دَينًا للهِ كَالزَّكَاةِ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الانتماء إلى غير أبيه أو إلى غير مواليه

أَي أَن يَنتَمِيَ الرَّجُلُ وَيَنسُبَ نَفسَهُ إِلَى غَيرِ أَبِيهِ، أَو أَن يَنتَمِيَ المُعتَقُ إِلَى غَيرِ مَن أَعتَقَهُ، وَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَضيِيعَ حَقٍّ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ”، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الخطبة على خطبة أخيه

أَي أَن يَخطُبَ الرَّجُلُ امرَأَةً خَطَبَهَا قَبلَهُ أَخُوهُ فِي الإِسلَامِ إِذَا كَانَ بَعدَ الإِجَابَةِ بِالقَبُولِ مِمَّن تُعتَبَرُ مِنهُ الإِجَابَةُ مِن وَلِيٍّ مُجبِرٍ أَو مِنهَا أَو مِنهَا وَمِن وَلِيٍّ، وَإِذَا كَانَ هَذَا بِدُونِ إِذنِ الخَاطِبِ الأَوَّلِ فَأَمَّا إِن أَذِنَ فَلَا حُرمَةَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إِن أَعرَضَ عَنهَا، وَذَلِكَ لِمَا فِي الخِطبَةِ عَلَى خِطبَةِ أَخِيهِ مِنَ الإِيذَاءِ وَمَا تُسَبِّبُهُ مِنَ القَطِيعَةِ.

سيرة الانبياء والصالحين:
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “لا يَخطُبْ أَحَدُكُم عَلَى خِطبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَترُكَ الخَاطِبُ قَبلَهُ أَو يَأذَنَ لَهُ”، رواه البخاري ومسلم.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الفتوى بغير علم

مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الَّتِي هِيَ مِنَ الكَبَائِرِ أَن يُفتِيَ الشَّخصُ بِفَتوًى بِغَيرِ عِلمٍ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [سورة الإسراء: 36] أَي لا تَقُل قَولًا بِغَيرِ عِلمٍ. فَمَن أَفتَى فَإِن كَان مُجتَهِدًا أَفتَى عَلَى حَسَبِ اجتِهَادِهِ،

وَإِن لَم يَكُن مُجتَهِدًا فَلَيسَ لَهُ أَن يُفتِيَ إِلَّا اعتِمَادًا عَلَى فَتوَى إِمَامٍ مُجتَهِدٍ أَي عَلَى نَصٍّ لَهُ أَو وَجهٍ استَخرَجَهُ أَصحَابُ مَذهَبِهِ مِن نَصٍّ لَهُ. وَمِنَ الجَدِيرِ بِالشَّخصِ الشَّفُوقِ عَلَى دِينِهِ أَن لَا يُغفِلَ كَلِمَةَ لَا أَدرِي،

فَقَد جَاءَ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أَنَّهُ سُئِلَ ثَمَانِيَةً وَأَربَعِينَ سُؤَالًا فَأَجَابَ عَن سِتَّةَ عَشَرَ وَقَالَ عَنِ البَقِيَّةِ (لا أَدرِي)، رَوَى ذَلِكَ صَاحِبُهُ هَيثَمُ بنُ جَمِيلٍ،

وَرُوِيَ عَن سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَن شَيءٍ فَقَالَ: “وَابَردَهَـا عَلَى الكَبِدِ أَن أُسأَلَ عَن شَيءٍ لا عِلمَ لِي بِهِ فَأَقُولَ لا أَدرِي”، رَوَاهُ الحَافِظُ العَسقَلانِيُّ فِي تَخريِجِهِ عَلَى مُختَصَرِ ابنِ الحَاجِبِ الأَصلِيِّ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ تعليم وتعلم علم مضر بلا عذر شرعي

أَي تَعلِيمُ الشَّخصِ غَيرَهُ كُلَّ عِلمٍ مُضِرٍّ شَرعًا وَتَعَلُّمُ الشَّخصِ ذَلِكَ، فَالإِثمُ عَلَى المُعَلِّمِ وَالمُتَعَلِّمِ لِهَذَا العِلمِ المُضِرِّ، لِأَنَّ مِنَ العِلمِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ كَالسِّحرِ وَالشَّعوَذَةِ وَعِلمِ الحَرفِ الَّذِي يُقصَدُ لِاستِخرَاجِ الأُمُورِ المُستَقبَلَةِ أَوِ الأُمُورِ الخَفِيَّةِ مِمَّا وَقَعَ، وَقَد عَدَّ هَذَا العِلمَ مِنَ العُلُومِ المُحَرَّمَةِ السُّيُوطِيُّ وَغَيرُهُ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الحكم بغير حكم الله

أَيِ الحُكمُ بِغَيرِ حُكمِ شَرعِ اللهِ الَّذِي أَنزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾، الآيَةَ. [سورة المائدة: 50] وَالحُكمُ بِغَيرِ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الكَبَائِرِ إِجمَاعًا. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، [سُورَةَ الْمَائِدَة: 44].

وَفِي ءَايَةٍ أُخرَى: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، [سُورَةَ الْمَائِدَة: 45]. وَفِي ءَايَةٍ أُخرَى: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، [سُورَةَ الْمَائِدَة: 47]. وَقَد وَرَدَ عَنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ أَنَّ الْيَهُودَ حَرَّفُوا حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي التَّوْرَاةِ حَيْثُ حَكَمُوا عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ بِالْجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الرَّجْمَ فِي التَّوْرَاةِ فَنَـزَلَتْ فِيهِمُ الآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ، رَوَاهُ مُسلِمٌ.

فَمَعْنَى الآيَاتِ أَنَّ مَنْ جَحَدَ حُكْمَ اللَّهِ أَوْ رَدَّهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ فِي الآيَةِ الأُولَى تَكْفِيرُ الْحَاكِمِ الْمُسْلِمِ لِمُجَرَّدِ أَنَّهُ حَكَمَ بِغَيْرِ الشَّرْعِ مَعَ حُرْمَةِ فِعْلِهِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْحَدَ حُكْمَ الشَّرْعِ فِي قَلْبِهِ وَلا بِلِسَانِهِ لا يَجُوزُ تَكْفِيرُهُ أَيِ اعْتِبَارُهُ خَارِجًا مِنَ الإِسْلامِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي تَفْسِيرِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَّمْ يَحْكُمْ بِمَآ أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، [سُورَةَ الْمَائِدَة: 44]: “لَيْسَ الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ الْكُفْرَ الَّذِي يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ بَلْ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ”. اهـ

أَيْ ذَنْبٌ كَبِيرٌ وَهَذَا الأَثَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ ثَابِتٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ عَلَى تَصْحِيحِهِ الذَّهَبِيُّ.

وَمِنْ عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا أَنَّهُ لا يُكَفَّرُ مُسْلِمٌ بِذَنْبٍ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّهُ، وَإِنَّمَا يَكْفُرُ الَّذِي يَسْتَحِلُّهُ أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُقَرَّرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ يَدْخُلُهَا تَفْصِيلٌ.

سيرة الانبياء والصالحين:
فَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَا يُوجَدُ فِي بَعضِ المُؤَلَّفَاتِ مِنْ تَكْفِيرِ مَنْ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الشَّرْعِ تَكْفِيرًا مُطْلَقًا بِلا تَفْصِيلٍ لا يُوَافِقُ مَذْهَبًا مِنَ الْمَذَاهِبِ الإِسْلامِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ قَاعِدَتُهُمْ تَكْفِيرُ مُرْتَكِبِ الْمَعْصِيَةِ،

فَقَدْ ذَكَرَ الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ صِنْفًا مِنَ الطَّائِفَةِ الْبَيْهَسِيَّةِ مِنَ الْخَوَارِجِ كَانَتْ تُكَفِّرُ السُّلْطَانَ إِذَا حَكَمَ بِغَيْرِ الشَّرْعِ وَتُكَفِّرُ الرَّعَايَا مَنْ تَابَعَهُ وَمَنْ لَمْ يُتَابِعْهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ تَفْسِيرُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَلْيُعْلَمْ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ سَلَفٌ فِي ذَلِكَ إِلَّا الْخَوَارِجُ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الندب والنياحة

مِن مُحَرَّمَاتِ اللِّسَانِ الَّتِي هِيَ مِنَ الكَبَائِرِ النَّدبُ وَالنِّيَاحَةُ. وَالنَّدبُ: هُوَ ذِكرُ مَحَاسِنِ المَيِّتِ بِرَفعِ الصَّوتِ كَأَن يَقُولَ وَاجَبَلَاهُ أَو وَاكَهْفَاهُ، أَي: يَا مَن كُنتَ لَنَا كَالجَبَلِ وَالكَهفِ نَلجَأُ إِلَيهِ عِندَ الشَّدَائِدِ.

وَالنِّيَاحَةُ: هِيَ الصِّيَاحُ عَلَى صُورَةِ الجَزَعِ لِمُصِيبَةِ المَوتِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ”، رواه البزار وغيره.

وَالمَقصُودُ إِذَا كَانَت عَنِ اختِيَارٍ وَقَصدٍ، أَمَّا لَو بَكَى أَو رَفَعَ صَوتَهُ مَغلُوبًا مِن شِدَّةِ الحُزنِ بِغَيرِ اختِيَارِهِ فَلَا يَكُونُ حَرَامًا.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الحث على الحرام والتفتير عن الواجب》أَي كُلُّ كَلامٍ يُشَجِّعُ النَّاسَ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ يُثَبِّطُ هِمَمَهُمْ عَنْ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ، كَأَنْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ اقْعُدْ مَعَنَا الآنَ وَلا تُصَلِّ فَإِنَّكَ تَقْضِي الصَّلاةَ فِيمَا بَعْدُ فَهُوَ مُحَرَّمٌ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ القدح في الدين أو في شعائر الله

أَي كُلُّ كَلامٍ يَقْدَحُ فِي الدِّينِ أَيْ يُنَقِّصُ الدِّينَ أَوْ فِي أَحَدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ أَوْ فِي جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ أَوِ الْقُرْءَانِ أَوْ شَيءٍ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ كَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالأَذَانِ وَالْوُضُوءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا كُفرٌ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ التزمير

وَهُوَ النَّفْخُ بِالمِزمَارِ، وَهُوَ أَنوَاعٌ مِنهَا قَصَبَةٌ ضَيِّقَةُ الرَّأسِ مُتَّسِعَةُ الآخِرِ (يُشبِهُ البُوقَ) يُزمَرُ بِهَا فِي الْمَوَاكِبِ وَالْحُرُوبِ عَلَى وَجْهٍ مُطْرِبٍ، وَمِنْهَا مَا هِيَ قَصَبَةٌ مِثْلُ الأُولَى يُجْعَلُ فِي أَسْفَلِهَا قِطْعَةُ نُحَاسٍ مُعْوَجَّةٌ يُزْمَرُ بِهَا فِي أَعْرَاسِ الْبَوَادِي. وَتَحْرِيمُ ذَلِكَ كَسَائِرِ ءَالاتِ اللَّهْوِ الْمُطْرِبَةِ بِمُفْرَدِهَا هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ السكوت عن الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر بلا عذر

مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ السُّكُوتُ عَنِ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَعَنِ النَّهيِ عَنِ المُنكَرِ بِلا عُذرٍ شَرعِيٍّ بِأَن كَانَ قَادِرًا ءَامِنًا عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَنَحوِ ذَلِكَ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [سورة المائدة: 78] وَقَدْ شَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِجَوَازِ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ شُرُوطًا مِنهَا:

كَوْنَ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ مُحَرَّمًا بِالإِجْمَاعِ: فَلا يُنْكَرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَهُمْ إِلَّا عَلَى مَنْ يَرَى حُرْمَتَهُ. وَكَوْنَهُ لا يُؤَدِّي إِلَى مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ: فَإِنْ أَدَّى الإِنْكَارُ إِلَى مَفسَدَةٍ أَعظَمَ حَرُمَ. أَمَّا الشَّيءُ المُختَلَفُ فِيهِ فَلَا مَانِعَ مِن إِرشَادِ فَاعِلِهِ إِلَى الأَخذِ بِالِاحْتِيَاطِ مِنْ دُونِ إِنْكَارٍ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ لَوْ فَعَلْتَ كَذَا كَانَ أَحْسَنَ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ كتم العلم الواجب مع وجود الطالب

أَي عَدَمُ تَعلِيمِ العِلمِ الوَاجِبِ مَعَ وُجُودِ مَن يُرِيدُ تَعَلُّمَهُ، وَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ [سورة البقرة: 159]. وَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ”، رواه ابن ماجه والحاكم وابن حبان.

سيرة الانبياء والصالحين:
وَاللِّجَامُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ مِثْلُ الَّذِي يُوضَعُ فِي فَمِ الْفَرَسِ لَكِنَّهُ مِنْ نَارٍ. فَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ يَكُونُ عَلَى أَحوَالٍ: فِي حَالٍ يَكُونُ فَرضَ كِفَايَةٍ: وَمَحَلُّهُ كَمَا إِذَا كَانَ يُوجَدُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَأَهَّلَ لِتَعلِيمِ النَّاسِ وَتَحصُلُ بِكُلٍّ مِنْهُمُ الْكِفَايَةُ.

وَفِي حَالٍ يَكُونُ فَرضَ عَيْنٍ: كَمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُ شَخْصٍ وَاحِدٍ أَهْلٍ لِتَعلِيمِ النَّاسِ فَلا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يُحِيلَ الْمُفْتِي الأَهْلُ أَوِ الْعَالِمُ الَّذِي هُوَ أَهْلٌ طَالِبَ الْعِلْمِ إِلَى غَيْرِهِ. فائدة: قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمَ الدِّينِ الضَّرُورِيَّ ثُمَّ نَسِيَ بَعْضَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعَادَةُ مَا نَسِيَ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الضحك لخروج الريح أو على مسلم استحقارًا له

مِن مُحَرَّمَاتِ اللِّسَانِ الضَّحِكُ لِخُرُوجِ رِيحٍ مِنْ شَخصٍ أَيْ إِذَا لَمْ يَكُنِ الضَّاحِكُ مَغلُوبًا، وَكَذَلِكَ الضَّحِكُ لِغَيْرِ ذَلِكَ اسْتِحْقَارًا لِمَا فِيهِ مِنَ الإِيذَاءِ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ كتم الشهادة

مِن جُملَةِ مَعَاصِي اللِّسَانِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ كَتْمُ الشَّهَادَةِ بِلا عُذْرٍ، قَالَ الْجَلالُ الْبُلْقِينِيُّ: “إِنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا دُعِيَ إِلَى الشَّهَادَةِ”، اﻫ

وَمُرَادُهُ فِي غَيْرِ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ فَإِنَّ شَهَادَةَ الْحِسْبَةِ لا تَتَقَيَّدُ بِالطَّلَبِ، وَشَهَادَةُ الحِسبَةِ كَمَا لَوْ عَلِمَ اثْنَانِ ثِقَتَانِ بِأَنَّ فُلانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلاقًا يَمْنَعُ مُعَاشَرَتَهَا بِأَنْ يَكُونَ طَلاقًا بِائِنًا بِالثَّلاثِ أَوْ بِانْتِهَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الرَّجْعَةِ وَيُرِيدُ أَنْ يَعُودَ إِلَى مُعَاشَرَتِهَا بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ وَجَبَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَشْهَدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ ترك رد السلام الواجب عليك

مِنْ مَعَاصِي اللِّسَانِ تَرْكُ رَدِّ السَّلامِ الْوَاجِب أَن يَرُدَّ عَلَيهِ، وَلَهُ حَالَتَانِ: حَالَةُ الوُجُوبِ العَيْنِيِّ: بِأَنْ صَدَرَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ، فَيَجِبُ عَلَى هَذَا المُسلِمِ أَن يَرُدَّ عَلَيهِ بِعَينِهِ.

وحَالَةُ الوُجُوبِ الكِفَائِيِّ: كَأَن دَخَلَ شَخصٌ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ مُكَلَّفِينَ مِن غَيرِ تَعيِيِنٍ، فَيَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنهُم فَقَط أَن يَرُدَّ السَّلَامَ، فَإِن رَدَّ وَاحِدٌ مِنهُم سَقَطَ عَنِ البَاقِينَ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [سورة النساء: 86] هَذَا الحُكمُ مَعَ اتِّحَادِ الجِنسِ، أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ بِأَنْ سَلَّمَتْ شَابَّةٌ عَلَى رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَجِبِ الرَّدُّ، لَكِن يَجُوزُ إِنْ لَمْ تُخْشَ فِتْنَةٌ وَكَذَلِكَ العَكسُ.

وَلَيسَ المُرَادُ بِالسَّلَامِ المُصَافَحَةَ، بَل إِنَّ مُصَافَحَةَ الأَجنَبِيَّةِ وَلَمسَ يَدِهَا حَرَامٌ بِالإِجمَاعِ وَلَو بِلَا شَهوَةٍ، بَلِ المُرَادُ هُنَا السَّلَامُ بِقَولِ: (السَّلَامُ عَلَيكُم) بِدُونِ مُصَافَحَةٍ. وَمِنَ السَّلامِ مَا هُوَ مَكرُوهٌ كَالسَّلامِ عَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ فِي حَالِ خُرُوجِ الْخَبَثِ أَوِ الآكِلِ الَّذِي فِي فَمِهِ اللُّقْمَةُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُكرَهُ ابتِدَاؤُهُ وَلَا يَجِبُ رَدُّهُ.

📍ومِن مَعَاصِي اللِّسَانِ الْقُبْلَةُ المُحَرَّمَةُ

مِنَ القُبَلِ المُحَرَّمَةِ: الْقُبْلَةُ بِشَهْوةٍ لِلْزَوْجَةِ إِذَا كَانَتْ مِنَ الْمُحْرِمِ بِالنُّسُكِ. وَالقُبلَةُ لِلْزَوْجَةِ مِنَ الصَّائِمِ صَوْمَ فَرْضٍ بِأَنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ صَومَ نَذْرٍ أَو صَومَ كَفَّارَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إِنْ خَشِيَ الإِنْزَالَ، وَقِيلَ يُكْرَهُ، أَمَّا صَومُ النَّفْلِ فَإِنَّهُ يَجُوْزُ القُبْلَةُ فِيْهِ، وَلا يَبْطُلُ صَوْمُ الْفَرْضِ بِالْقُبْلَةِ إِنْ لَمْ يُنْزِلْ.

وَقُبْلَةُ مَنْ لَا تَحِلُّ قُبْلَتُهُ كَالقُبلَةِ لِلأَجْنَبِيَّةِ وَلَو بِغَيرِ شَهوَةٍ، وَهِيَ عِندَ الفُقَهَاءِ كُلُّ امرَأَةٍ غَيرَ مَحَارِمِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ. وَعَدَّ الفُقَهَاءُ القُبلَةَ المُحَرَّمَةَ مِن مَعَاصِي اللِّسَانِ لِأَنَّ اللِّسَانَ لَهُ عَمَلٌ فِيهَا. وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

سيرة الانبياء والصالحين:
هَذِهِ المَسَائِلُ مَجمُوعَةٌ وَمُلَخَّصَةٌ مِن:
القُرءَانِ الكَرِيمِ.
السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
فَتحِ الوَهَّابِ لِلشَّيخِ زَكَرِيَّا الأَنصَارِيِّ.
أَسنَى المَطَالِبِ لِلشَّيخِ زَكَرِيَّا الأَنصَارِيِّ.
مَتنِ الغَايَةِ وَالتَّقرِيبِ لِأَبِي شُجَاعٍ وَشُرُوحَاتِهِ.
رَوضَةِ الطَّالِبِينَ وَعُمدَةِ المُفتِينَ لِلإِمَامِ النَّوَوِيِّ.
مُغنِي المُحتَاجِ لِلشِّربِينِيِّ.
حَاشِيَةِ البُجَيرِمِيِّ.
التَّنبِيهِ لِلشِّيرَازِيِّ.
المُهَذَّبِ لِلشِّيرَازِيِّ.
نِهَايَةِ المُحتَاجِ لِلشَّبرَامَلَّسِيِّ.