كلام أبي عثمان الصابوني عن المجيء
جاء في عقيدة أصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني أنه قال : ” وقرأت لأبي عبد الله ابن أبي حفص البخاري – المتوفى سنة 217 هجري -، وكان شيخ بخارى في عصره بلا مدافع، وأبو حفص كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني، قال أبو عبد الله: أعني ابن أبي حفص – أبو حفص الصغير محمد بن أحمد بن حفص – : هذا عبد الله بن عثمان وهو عبدان شيخ مرو يقول: سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول: قال حماد بن أبي حنيفة: قلنا لهؤلاء: أرأيتم قول الله عز وجل “وجاء ربك والملك صفا صفا”؟- الفجر:22- وقوله عز وجل: “هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ ” – البقرة:210- ، فهل يجيء ربنا كما قال، وهل يجيء الملك صفاً صفاً، قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفا صفا، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك ، ولا ندري كيفية مجيئه، فقلنا لهم: إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف مجيئه، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه، أرأيت من أنكر أن الملك يجيء صفا صفا ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب. قلت: فكذلك إن أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب”. انتهى
وهذا السند فيه انقطاع بين أبي عثمان الصابوني المتوفى سنة 449 هجري و أبي حفص الصغير محمد بن أحمد بن حفص المتوفى سنة 264 هجري فلا يُحتج به في العقائد و لا عبرة بما ذكره شمس الدين الأفغاني في رسالته المسماة ” الماتردية و موقفهم من توحيد الأسماء و الصفات” – الجزء 3، طبعة مكتبة الصديق بالطائف – صحيفة 41 حيث قال: ” و هذا اسناد في غاية من الصحة و الاتقان و الإيقان”. انتهى
وعلى تقدير صحة الرواية فيكون معناها أن بعض الناس جاؤوا لاستفتاء حماد في بعض مسائل الصفات ولم يكونوا من الجهمية كما تزعم المجسمة. و قولهم لحماد: “أما الملائكة فيجيئون صفا صفا، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك ، ولا ندري كيفية مجيئه ” دليل على أنهم يفوضون معنى المجيئ المضاف لله تعالى. و قولهم ” لا ندري كيفية مجيئه ” أي لا نعلم حقيقة مجيئه لأن الكيفية تطلق في لغة العرب على الحقيقة. وقول حماد: “إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف مجيئه، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه” أي نحن لسنا مكلفين بمعرفة حقيقة المجيء لكننا مكلفون أن نؤمن بوروده في القرآن. و قول حماد لهم: ” أرأيت من أنكر أن الملك يجيء صفا صفا ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب”. لأنه جحد آية من كتاب الله ومثله الذي ينكر قول الله تعالى “وجاء ربك فهو كافر لأنه جحد آية من القرآن وهذا تفسير قول حماد: “فكذلك إن أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب”.
كلامه عن القرآن
قال أبو عثمان الصابوني في كتاب عقيدة السلف و أصحاب الحديث : “وَيَشْهَدُ أَصْحَابُ الحَدِيثِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ القُرآنَ كَلَامُ اللهِ وَكِتَابُهُ وَخِطَابُهُ وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيلُهُ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم، والقرآن -الذي هو كلام الله ووحيه- هو الذي نزل به جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم قرآنا عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً، كما قال عز وجل: “وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ” – الشعراء:192 -195- وهو الذي بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته كما أمر به في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ” -المائدة:67- فكان الذي بلغهم بأمر الله تعالى كلامه عز وجل، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: “أتمنعونني أن أبلغ كلام ربي” وَهُوَ الَّذِي تَحْفَظُهُ الصُّدُورُ، وَتَتْلُوهُ الأَلْسِنَةُ، وَيُكْتَبُ فِي الْمَصَاحِفِ، كَيْفَ مَا تُصُرِّفَ، بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ، وَلَفْظِ لَافِظٍ، وَحِفْظِ حَافِظٍ، وَحَيْثُ تُلِيَ، وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ قُرِئَ، وَكُتِبَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الإِسْلَامِ وَأَلْوَاحِ صِبْيَانِهِمْ، وَغَيْرِهَا، كُلُّهُ كَلَامُ اللهِ _ جَلَّ جَلَالُهُ _ ، وَهُوَ القُرآنُ بِعَيْنِهِ الَّذِي نَقُولُ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ بِاللهِ العَظِيمِ” انتهى
وهذا الكلام لا تثبت نسبته للشيخ الصابوني، بل هو من جملة التصحيف و الدس في عباراته لأن كل أسانيد كتاب عقيدة السلف و أصحاب الحديث هي من رواية ولده أبي بكر عبد الرحمن بن اسماعيل الصابوني وهو مجهول الحال في الرواية.
قال الذهبي في تاريخه: “أبو بكر ابن الإمام أبي عثمان الصابوني النيسابوري. خلف أباه في حضور المجالس، وكان له قبول تام لأجل والده. وكان مليح الشمائل، متجملاً بهياً. بقي على التصون قليلاً، ثم لعب واخذ في الصيد والتنزه، فقبر أمره، ثم أصاب في الآخر نقرس وزمن، فباع بقية ضيعةٍ له. سمع: أباه، وعمه أبا يعلى، وأبا حفص ابن مسرور”. انتهى
كما أن أغلب هذه الأسانيد فيها مجاهيل أو فيها انقطاع أو هي من رواية بعض المشبهة.
وكذلك تلك الوصية التي أدرجها التاج السبكي في طبقاته وذكر أن الشيخ الصابوني قال حكاية عن نفسه: ” ويشهد أن القرآن كتاب الله وكلامه ووحيه وتنزيله غير مخلوق وهو الذي في المصاحف مكتوب وبالألسنة مقروء وفي الصدور محفوظ وبالآذان مسموع، قال الله تعالى:” وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله” …انتهى
فالأصح طروء التدليس و التحريف في عباراتها، فقد ذكرها التاج السبكي بلا سند حيث قال في الصحيفة 3\124 – طبعة دار المعرفة – : “هذه وصيته وقد وجدت بها بدمشق عند دخوله إليها حاجا”. انتهى
الاستواء
لقد زعمت المجسمة أن الشيخ الصابوني موافق لهم في المعتقد واحتجوا لذلك بكتاب عقيدة أصحاب الحديث. ومما جاء في هذا الكتاب قوله: “ويعتقد أهل الحديث ويشهدون أن الله سبحانه وتعالى فوق سبع سماوات على عرشه كما نطق به في كتابه في قوله عز وجل في سورة يونس: “إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد اذنه”. وقوله في سورة الرعد: “الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش” وقوله في سورة الفرقان: “ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيراً”. وقوله في سورة السجدة: “ثم استوى على العرش” وقوله سبحانه: “الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش”. انتهى
– قال الصابوني نفسه في وصيته التي ذكرها التاج السبكي في طبقاته: ” ويشهد أن لله سبحانه وتعالى مستو على عرشه استوى عليه كما بينه في كتابه في قوله تعالى:” إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ” وقوله “استوى على العرش الرحمن فسئل به خبيرا ” في آيات أخر والرسول فيما نقل عنه من غير أن يكيف استواءه عليه أو يجعله لفعله وفهمه أو وهمه سبيلا إلى إثبات كيفيته إذ الكيفية عن صفات ربنا منفية”. انتهى
وكلامه دليل على أنه رحمه الله كان على طريقة السلف الصالح و هي اثبات ما جاء به القرآن و إمرار الآيات المتشابهات بلا كيف خلافا للجهمية الذين أنكروا صفات الله و جحدوها و عطلوها. وخلافا للمجسمة الذين شبهوا الله بخلقه.

فكرة واحدة على ”كلام أبي عثمان الصابوني عن المجيء“
التعليقات مغلقة.