يقول محمد بن حمودة : ليس هناك شيء إسمه إجماع و مستحيل تجد مسألة فقهية فيها إجماع وكلمة إجماع كذب…
اعلم أرشدنا الله وإياكم إلى طريق الرشاد وألهمنا مسالك التوفيق والسداد، أنه قد خرج علينا في الآونة الأخيرة المدعو محمد بن حمودة ، فاتخذ من المنابر الإعلامية ملاذا ،وتبوأ منها المقاعد استلذاذا، وصار يُلقي بسمومه وفتاواه الرديّة، المخالفة لِما قَرّره علماء بلادنا المحميّة ، وهو الذي أكثر الظهور في قناة الحوار التونسي، بل إنه ظهر في مسلسلاتها الهابطة وفي برامجها المفسدة فلَبس جلباب المشيخة زورا وبهتانا، وأفتى بجواز الإفطار في نهار رمضان ظلما وعدوانا، متعللا بجوازه لمقبلٍ على امتحانٍ أو مقدمٍ على مباراة كرة قدم جهلا وخذلانا!!!! بل وسبق له أن أفتى بجواز زواج المسلمة بغير المسلم وبعدم بطلانه وغير ذلك من الطامات التي خرقَ فيها الإجماع فأوردها بلا علم ولا رَويّة، ورام بها التزلُّف إلى أصحاب النفوس الدنية،وخالف فيها علماء بلادنا المحمية، فزلت بسببه الأقدامْ، لتَجرُّئه على دين الله بلا خطامٍ ولا زمامْ، ففتح في دين الله ثغورا لا تسدّ و مزالق لا تُحصى ولا تعدّ.
وها قد عاد لبث سمومه نصرةً لمزاعمه التي يؤسس من خلالها إلى إبطال القول بفرضية الحجاب، حيث زعم أن الإجماع في دين الله كذب و بهتان نصرة لمذهبه الزاعم بعدم وجوبه. والرد عليه سهل للغاية بل هو أيسر مما يتصور، و لبيان بطلان دعواه سنسرد له أصول المذاهب الأربعة التي بنى عليها مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد مذاهبهم في استنباط الأحكام.
أصول مذهب مالك إمام دار الهجرة:
القرآن، – والسنة، – والإجماع، – وإجماع أهل المدينة، – والقياس، – وقول الصحابي، – والمصلحة المرسلة، – والعرف والعادات، – وسد الذرائع، – والاستصحاب، – والاستحسان”
مذهب الإمام الشافعي:
القرآن الكريم- والسنة النبوية- والإجماع-وقول الصحابي- والقياس. أسسه الإمام الشافعي (150-204هـ)، والذي يُعد أول من دون كتاباً متكاملاً في علم أصول الفقه وهو كتابه “الرسالة
مذهب أبو حنيفة:
القرآن الكريم- والسنة النبوية- والإجماع- وأقوال الصحابة- والقياس- والاستحسان-والعرف
مذهب الإمام أحمد بن حنبل:
الكتاب والسنة والإجماع وفتوى الصحابي والقياس، مع الأخذ في الاعتبار الأصول الأخرى مثل الاستصحاب وسد الذرائع.
-هذه أصول المذاهب الأربعة ، وكلها لا تخلو من الاعتماد على الإجماع كوسيلة يُتوصل من خلالها إلى استنباط الأحكام، ودليلهم في حجية الإجماع من القرآن نفسه في قول الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) النساء
أي أن قوله تعالى :ويتبع غير سبيل المؤمنين، فيه دليل على أن الخروج على سبيلهم ضلال مبين لأنهم بإجماعهم في حكم مسألة فقهية دليل على إصابتهم للحق لا محالة. وهذا هو معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ لا يجمعُ أمَّتي – أو قالَ : أمَّةَ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ – علَى ضلالةٍ. رواه الترمذي و صححه
ومثله حديث : إنَّ اللَّهَ قد أجارَ أمَّتي أن تجتمِعَ علَى ضلالةٍ. رواه ابن ماجه
– وقول بن حمودة بأن الإجماع كذب فيه نسف للمذاهب الفقهية السنية و دحض للإسلام و عراه، وهو ضلال ما بعده ضلال.
– ثم إن العلماء صنفوا الكتب والمؤلفات في بيان المسائل الإجماعية، ككتاب الإجماع لابن المنذر وكتاب مراتب الإجماع لابن حزم…. و القائمة تطول…
– فهل من رجل رشيد رؤوف يوقف علينا هذه المهازل وهذا التطفل على العلم والعلماء.
وإني أحذر أهل بلادنا الأبية، حماها الله تعالى من كل متمشيخ وبليّة، و من كل متصدر للفتوى تحت مِظلة الزيتونة المالكية، وهو غريب عنهم قلبا وقالبا، مدرسا أو طالبا، فضلا عن الباع والرسوخ، والوجاهة والشموخ، مُلَبّـِسًا بذلك على العوام، بجُبةٍ وعمامةٍ وعذب الكلام، فاقدا للسند المعتبر عند أهل الحديث والأثر، متصفحا للكتب بلا تَلَقٍ سليمْ ولا طريقٍ من طرق التحمل متين، المتفق عليها عند أهل الاختصاص والدين فلا حاز علم المتقدمين ولا فهم نفائس المتأخرين.
كتبه الفقير إلى عفو ربه أسير ذنبه
محمد بن حمودة يزعم أنه ليس هنالك آية في القرآن توجب على المرأة تغطية رأسها، و يؤلف كتابا
“سماه”الحجاب ليس في الكتاب
ويخرج في بودكاست جديد، يعيد فيه أراجيفه ويلقيها على مسامع الناس جزافا
فيما يلي دليل علمي ينقض مزاعمه
سؤال: ما وجه الدليل على وجوب تغطية الرأس
والعنق للمرأة في قوله تعالى : وليَضرِبن بخُمُرِهن على جيوبهنّ ؟ و أين يكمن الدليل على فرضية الحجاب![]()
الجواب:
للإجابة على هذا السؤال, ينبغي على المُسلم المنصف الباحث عن الحقيقة أن يكون على بينةٍ من ثلاثة أمور، إثنان منها لغوية و واحدة تتعلق بأصول الفقه, أولها هو المعنى اللغوي لكلمة
” خمُرهن” وثانيها هو الحكم المستفاد من فعل الأمر في قوله تعالى ” و ليَضرِبنَ” , وثالثها هو تعريف الجَيب الوارد ذكره في الآية الكريمة بصيغة الجمع.
-1- المبحث الأول في تعريف كلمة الخمار
فلقد جاء في لسان العرب لابن منظور أن الخمار “هو ما يستر الرأس وكذا الثوب الذي تغطي به المرأة رأسها”…. فهي كلمة مجردة عن المعنى الشرعي ويراد عند النطق بها عند العرب مايغطي الرأس ويستره
-2- المبحث الثاني في بيان معاني أفعال الأمر
أفعال الأمر في القرءان الكريم تطلق و يراد منها غالبا وجوب الفعل ,وفي قوله تعالى “وليضربن بخمرهن” ورد الأمر بصيغة الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر، كقوله تعالى: “ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق” الحج:29.
ثم إن جمهور علماء أصول الفقه قالوا: الأصل في صيغة الأمر أن تفيد وجوب فعل المأمور، كما في قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} البقرة:43
ولقد ذهب بعضهم إلى استقراء أفعال الأمر الواردة في الكتاب العزيز والتي لا تفيد الوجوب, فقالوا أنها على خمسة أضرب: الأمر للإباحة كقوله تعالى :فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} الجمعة:10 فقوله انتشروا أي أن الانتشار في الأرض للتكسب وغير ذلك صار مباحا بعد أن كان ممنوعا لأجل الجمعة. الثاني: الأمر على معنى التهديد كما في قوله تعالى: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” ولا يخفى أن الله لا يأمر بالكفر وإنما الأمر هنا جاء للتهديد, الثالث: الأمر على معنى التسوية، فترد صيغة الأمر ويراد بها التسوية بين فعلين متناقضين، على معنى عدم المنع من فعل أحدهما كما في قوله: {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور} الملك:13
الرابع: الأمر على معنى الدعاء، تأتي صيغة الأمر أحياناً لتفيد معنى الدعاء، وذلك إذا استُعملت في طلب الفعل على سبيل التضرع نحو: {رب اغفر لي ولوالدي…} نوح:28. والخامس: الأمر على معنى التعجيز، والمراد من هذا المعنى أن صيغة (الأمر) يؤتى بها أحياناً لا على سبيل الحقيقة، وإنما على سبيل المجاز، والمثال القرآني الأبرز على هذا المعنى قوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله} البقرة:23, وهي آية يتحدى بها ربنا الكفار أن يأتوا بسورة مثل القرءان.
– وكما يظهر للقارئ أن صِيَغَ الأمر الخمسة التي لا تفيد الوجوب في القرءان الكريم لا يناسب بأي وجه من الوجوه أن نعُدّ من بينها, فعل “وليضربن ” الوارد في سورة النور, فوجب حمله على الوجوب.
3- المبحث الثالث في بيان معنى الجَيب
معنى جيوبهن, هو جمع جيْب وهو نحر المرأة أي عنقها وما تحته من موضع القلادة. أنظر لسان العرب.
الخاتمة: قول الله تعالى “وليضربن بخُمُرهن على جيوبهن”, لا تحتمل إلا معنى واحدا بحسب ما ذكرنا, وهو وجوب تغطية الرأس وإسدال الخمار على الجَيب لكمال الستر, وأما من زعم أن صيغة الأمر في الآية تنحصر في وجوب ستر الجيب فقط دون الرأس, يقال له أن ذِكر الرأس متضمَّن في ذكر الخمار باعتباره غطاء الرأس ويقال له , إذا قلنا لك : ولتضرب بحذائك على كعبيك, هل تفهم من ذلك الاكتفاء بستر الكعبين دون الرجلين أم كلاهما ؟ فإذا قلت بل كلاهما, قلنا لك كذلك الخمار فهو غطاء الرأس, والأمر بضربه على الجَيب يفهم منه وجوب تغطية الرأس والجيب معًا كما هو الحال في رجليك وكعبيك معا, فتأمل.
ولا ينبغي لمن كُلِفَ اعتلاء منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لسد ثغرةٍ وأداء فريضة الجمعة أو لمن تصدر منبرا إعلاميا أو الإنتاج الإذاعي في إذاعة ذات محتوى ديني، أن يخرق إجماع المسلمين أو ما تقرر من أحكام شرعية منذ قرون غابرة بأن يدعيَ التجديد فيها تحت عنوان التفتح و الانسجام مع قضايا المرأة المعاصرة لأن في هذه الدعوى إضرار بالمرأة من جهة و إضرار بنفسه من جهة أخرى، فهو كالذي يهرف بما لا يعرف، والحذر كل الحذر من الظن أن مثل هذه الخروقات و الفتاوى الشاذة تصدر من شخص ينتمي إلى الزيتونة، فالمرجعية الزيتونية على الخصوص والإسلامية على العموم بريئة من هذه الادعاءات الباطلة في دين الله.
