حكم من ينسب لله الحرف والصوت فتاوى العزّ بن عبد السلام و يوسف الأرموي و الخطيب محمد بن إبراهيم الحموي

حكم من ينسب لله الحرف والصوت

إن من يقف على نصوص فتاوى العزّ بن عبد السلام و يوسف الأرموي و الخطيب محمد بن إبراهيم الحموي ومن قبلهم ومن بعدهم من أهل التحقيق يعلم مبلغ الخطورة في دعوى أنّ كلام الله حرف وصوت قائمان به تعالى.

فقد جاء في كتاب “نجم المهتدي ورجم المعتدي” للفخر بن المعلم القرشي سؤال عن حكم من يقول إن كلام الله القديم القائم بذاته حروف وأصوات.

– فكان جواب الإمام عز الدين بن عبد السلام رحمه الله كالآتي:” القرآن كلام الله صفة من صفاته قديم بقدمه، ليس بحروف ولا أصوات ومن زعم أن الوصف القديم هو عين أصوات القارئين وكتابة الكاتبين فقد ألحدَ في الدين وخالف إجماع المسلمين، بل إجماع العقلاء من غير أهل الدين، ولا يحل للعلماء كتمان الحق ولا ترك البدع سارية في المسلمين، ويجب على ولاة الأمر إعانة العلماء المنـزهين الموحدين، وقمع المبتدعة المشبهين المجسمين.ومن زعم أن المعجزة قديمة فقد جهل حقيقتها. ولا يحل لولاة الأمر تمكين أمثال هؤلاء من إفساد عقائد المسلمين، ويجب عليهم أن يلزموهم بتصحيح عقائدهم بمباحثة العلماء المعتبرين، فإن لم يفعلوا ألجئوا إلى ذلك بالحبس والضرب والتعزير، والله أعلم”. كتبه عبد العزيز بن عبد السلام .

وذكر ابن المعلم أيضا فتوى أخرى عن حكم الذين يقولون أن الله يتكلم بالحرف و الصوت و نص السؤال: “ما قولكم في الحشوية الذين على مذهب ابن مرزوق وابن الكيزاني اللذين يعتقدان أن الله سبحانه يتكلم بحرف وصوت، تعالى الله عن ذلك، وأن أفعال العباد قديمة، هل تنفذ أحكامهم على أهل التوحيد وعامة المسلمين وهل تقبل شهادتهم على المسلمين أم لا؟”

فكان جواب الإمام يوسف الأرموي ما يلي: “ما نص عليهم أعلاه اقترفوا حوبة عظيمة يجب عليهم القفول عما اعتقدوه، وهم كفار عند أكثر المتكلمين وكيف يسوغ قبول أقوالهم؟ ويجب على مَنْ إليه الأمر إحضارهم واستتابتهم عمَّا هم عليه، فإن تابوا وإلا قتلوا، وحكمهم في الاستتابة حكم المرتد في إمهاله ثلاثة أيام ولا يقتل في الحال”.كتبه يوسف الأرموي

وذكر ابن المعلم استفتاء آخر صورته: ” ما قول الفقهاء الأئمة قادة علماء هذه الأمة أدام الله إرشادهم ووفق إصدارهم وإيرادهم في الحشوية الذين على مذهب ابن مرزوق وابن الكيزاني؛ اللذين يعتقدان أن الله سبحانه متكلم بحرف وصوت، وأن أفعال العباد قديمة، هل تقبل شهادتهم على أهل الحق الموحدين الأشعرية، وهل تنفذ أحكام قضائهم على الأشعرية أم لا؟”

– فكان جواب الخطيب محمد بن إبراهيم الحموي ما نصه: ” من قال إن الله متكلم بحرف وصوت فقد قال قولاً يلزم منه أن الله جسم, ومن قال: إنه جسم فقد قال بحدوثه، ومن قال بحدوثه فقد كفر، والكافر لا تصح ولا تقبل شهادته، والله أعلم”. انتهى

– و كان جواب الشيخ محيى الدين محمد بن أبي بكر الفارسي: ” من قال إن الله سبحانه متكلم بالصوت والحرف فقد أثبت الجسمية وصار بقوله مجسماً، والمجسم كافر”. انتهى

و قد نقل الإمام العلامة محمد زاهد الكوثري هذه الأجوبة أيضا في تعليقه على “السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل” للإمام شيخ الإسلام العلامة تقي الدين السبكي.

– و قال الإمام الكوثري في الرد على النونية في الصحيفة 172 ما نصه: “بل من قال إن كلام معبوده حرف وصوت قائمان به فهو الذي نحت عجلاً جسداً له خوار, يحمل أشياعه على تعبّده”. انتهى

– و قال الامام المجتهد ابو ثور ابراهيم بن خالد المتوفى سنة 240 هجري ما نصه: “من قال إن كلام الله – اي المعنى القائم به- سبحانه مخلوق فقد كفر وزعم ان الله عز و جل حدث فيه شىء لم يكن”. انتهى رواه اللالكائي في الفصل المعقود لذكر اعتقاد ابي ثور وهو تصريح بتكفير من نسب قيام الحروف و الأصوات بالله تعالى.

– وقال الإمام الباقلاني في الإنصاف ما نصه: ” ثم يقال لهم: خبرونا: أيصح خروج حرف من غير مخارج ؟ فإن قالوا: لا. قلنا: فتقولون أن الباري تعالى عن قولكم ذو مخارج من شفة للفاء؛ وحلق للحاء؛ ولسان للثاء؛ وإن قالوا: نعم جسموا بإجماع المسلمين؛ وإن قالوا: لا تحتاج الحروف إلى مخارج؛ فقد كابروا الحس والعيان مع قولهم بصحة الخبر المروي بزعمهم، وذلك أن كلامه منه خرج، وكلامه عندهم حروف، فيجب على قولهم أن يكون خروجها من مخارج؛ وكل هذا القول كفر وضلال، وسفه وحمق وجهل عظيم”. انتهى

– وذكر اليافعي في “مرآة الجنان” عند ذكره لحوادث سنة 705هـ وما جرى فيها لابن تيمية: “وكان الذي ادّعى به عليه – أي: على ابن تيمية – بمصر أنّه يقول: إنّ الرحمن على العرش استوى حقيقة, وإنّه يتكلّم بحرف وصوت، ثمّ نودي بدمشق وغيرها: من كان على عقيدة ابن تيمية حلّ ماله ودمه”. انتهى

و نقل ابن أيبك الدواداري في حوادث عام 705 هـجري في الجزء 9 نص المرسوم الذي حذر فيه القضاة من عقيدة التجسيم ونصه: “ولما ثبت ذلك في مجلس الحكم العزيز المالكي، حكم الشرع الشريف بأن يسجن هذا المذكور-أي ابن تيمية -، ويُمنع من التصرف والظهور ومرسومنا هذا بأن لا يسلك أحد ما سلكه المذكور من هذه المسالك، وينهى عن التشبيه في اعتقاد مثل ذلك، أو يغدو له في هذا القول متبعا، أو لهذه الألفاظ مستمعا، أو يسري في التشبيه مسراه، أو أن يفوه بجهة للعلو مخصصا أحدا كما فاه، أو يتحدث إنسان في صوت أو حرف، أو يوسع القول في ذات أو وصف، او يطلق لسانه بتجسيم ، أو يحيد عن الطريق المستقيم، أو يخرج عن رأي الأمة أو ينفرد عن علماء الأئمة، أو يحيز الله تعالى في جهة، أو يتعرض إلى حيث وكيف ، فليس لمعتقد هذا إلا السيف” انتهى. معناه أن معتقد ذلك كافر مرتد.

-وقال الإمام السنوسي في شرحه لعقيدته الكبرى ما نصه: أما العامة فأكثرهم ممن لا يعتني بحضور مجالس العلماء ومخالطة أهل الخير، يتحقق منهم اعتقاد التجسيم والجهة وتأثير الطبيعة، وكون فعل الله لغرض، وكون كلامه جل وعلا حرفاً وصوتاً، ومرة يتكلم ومرة يسكت كسائر البشر، ونحو ذلك من اعتقادات أهل الباطل، وبعض اعتقاداتهم أجمع العلماء على كفر معتقديها. انتهى

– بل ذكر الفخر الرازي في تفسيره ان القول بان كلام الله حرف وصوت هو عين كلام النصارى، ونص عبارته: “المسألة الثانية عشرة [الأصوات التي نقرأ بها ليس كلام الله] : زَعَمَتِ الْحَشْوِيَّةُ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْوَاتَ الَّتِي نَسْمَعُهَا مِنْ هَذَا الْإِنْسَانِ عَيْنُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّا نَعْلَمُ بِالْبَدِيهَةِ أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ الَّتِي نَسْمَعُهَا مِنْ هَذَا الْإِنْسَانِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِلِسَانِهِ وَأَصْوَاتِهِ، فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهَا عَيْنُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَزِمَنَا الْقَوْلُ بِأَنَّ الصِّفَةَ الْوَاحِدَةَ بِعَيْنِهَا قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَالَّةٌ فِي بَدَنِ هَذَا الْإِنْسَانِ، وَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَيْضًا فَهَذَا عَيْنُ مَا يَقُولُهُ النَّصَارَى مِنْ أَنَّ أُقْنُومَ الْكَلِمَةِ حَلَّتْ فِي ناسوت صريح، وزعموا أنها حَالَّةٌ فِي نَاسُوتِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَغَيْرُ زَائِلَةٍ عَنْهُ، وَهَذَا عَيْنُ مَا يَقُولُهُ الْحَشْوِيَّةِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى حَالٌّ فِي لِسَانِ هَذَا الْإِنْسَانِ/ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ زَائِلٍ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، إِلَّا أَنَّ النَّصَارَى قَالُوا بِهَذَا الْقَوْلِ فِي حَقِّ عِيسَى وَحْدَهُ، وَهَؤُلَاءِ الْحَمْقَى قَالُوا بِهَذَا الْقَوْلِ الْخَبِيثِ فِي حَقِّ كُلِّ النَّاسِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ”. انتهى

– وقال سعيد فودة في شرحه على العقيدة الطحاوية عند قول الطحاوي ” ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر” قال: هذا نص صريح في تكفير المجسمة والمشبهة، والذين يشبهون الله تعالى بأحد من خلقه.وفيه رد مباشر على من قال من المجسمة بأن الله تعالى يتكلم بالصوت والحرف، وبأن كلامه عبارة عن حوادث متتالية يوجدها في ذاته، وهي عبارة عن أصوات وحروف، يوجدها الله تعالى بقدرته في نفسه، وكل منها حادث، لاحق لما قبله وسابق لما بعده، فهذا معنى من المعاني الثابتة للبشر، فمن أثبتها لله تعالى فإن الإمام الطحاوي ينص على كفره، هذا هو المفهوم من عبارته. انتهى

وهذا ما عليه شيخ المالكية أبي محمد القروي

https://www.facebook.com/share/p/HNSaeVnkTZF9eDND/?mibextid=xfxF2i

تنبيه: قال بعض العلماء لو قال شخص إن كلام الله صوت أزلي أبدي ليس فيه تعاقب الحروف فلا يُكَفَّر إن كان نيته كما قال. فليس هذا تجسيما. أما من جعله صوتا بحرف فهو كفر.