- كتاب مقالات الإسلاميين المنسوب للإمام أبي الحسن الأشعري
- عقيدة أبي الفضل التميمي الحنبلي و موافقته للأشاعرة
- ذكر عقيدة أبي الحسن البريهي المتوفى سنة 585 هجري والرد على ذمه للأشعرية
كتاب مقالات الإسلاميين المنسوب للإمام أبي الحسن الأشعري
– الأول : تحقيق المستشرق الألماني هلموت ريتر
– الثاني : تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد
– الثالث : تحقيق نعيم زرزور
وهذا الكتاب له بعض النسخ الخطية منها:
1- النسخة الأولى:
نسخت سنة 587 هجري، وناسخها هو علي بن أبي بكر بن تميم، وهو رجل مجهول. كما أنه لا يوجد أي اسناد من الناسخ للمصنف. وهذه النسخة سقط منها أكثر من مائة ورقة.
2- النسخة الثانية : تم نسخها في شوال سنة 683 هـجري. و ناسخها هو أحمد بن علي بن محمد بن أبي مسعود الحميدي، وهو مجهول. كما أنه لم يذكر أي إسناد للمصنف.
3- النسخة الثالثة: ناقصة الأول ليس فيها اسم الكتاب ولا المؤلف. وهي منسوخة سنة : 585 هجري، ولم يذكر عليها اسم الناسخ.
4- النسخة الرابعة: غير مؤرخة وناسخها مجهول وهي من تملك الشهرستاني. ولا إسناد للناسخ إلى مصنف الكتاب.
5- النسخة الخامسة: منسوخة سنة 1223 هجري، وناسخ الكتاب لا يعلم ما اسم الكتاب ولا من مؤلفه، حيث قال في آخرها : تمت الملل والنحل، غير الملل والنحل الذي للشهرستاني، كذا بل لغيره من الأفاضل لأن تاليف الشهرستاني كبير حجماً وكثير كذا بياناً من هذه الرسالة من يد أفقر الورى إلى رحمة الله زكريا بن سليمان بن عثمان بن أبى بكر بن عثمان القريمي مولداً والطوبخانوى مهاجراً في مدرسة قليج علي باشا سنة 1223 ربيع الاول في 27 يوم السبت في اول وقت الظهر .
وهذا الأخير أيضاً لا يوجد له ترجمة إلا أن له كتاباً مخطوطاً في دار الكتب المصرية بعنوان “هديّة الإخوان في أحوال الجان”. كما أنه لا يوجد إسناد من الناسخ إلى المصنف.
فكل نسخ الكتاب لا تُثبت سندا موثوقا به للإمام أبي الحسن الأشعري، بل فيها من الدس والتحريف الشىء الكثير، من ذلك:
– الطعن في أبي حنيفة وهو قولهم: “والفرقة التاسعة من المرجئة أبو حنيفة وأصحابه يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والإقرار بالله والمعرفة بالرسول والإقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير”. انتهى
فلم يرو ذلك عن الأشعري أحد من تلاميذه، والعبرة بما نقلوه عنه، وهم الذين نشروا مذهبه في الٱفاق، مثل الإمام أبي بكر بن فورك في مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري، و الباقلاني وغيرهم.
فالدين لا يؤخذ من المخطوطات كما هو مذهب مجسمة العصر، فانهم يتعبدون الله بزعمهم بما يجدونه في الكتب.
– ما نسبوه للامام الاشعري رضي الله تعالى عنه أنه قال أن اهل السنة واهل الحديث يثبتون العينين هكذا بالتثنية، حيث قالوا:” قال أهل السنة وأصحاب الحديث: ليس بجسم ولا يشبه الأشياء وأنه على العرش كما قال عز وجل : “الرحمن على العرش استوى”،ولا نقدم بين يدي الله في القول بل نقول استوى بلا كيف وأنه نور كما قال تعالى : “الله نور السماوات والأرض” وأن له وجهاً كما قال الله : “ويبقى وجه ربك” وأن له يدين كما قال : ” خلقت بيدي ” وأن له عينين كما قال : “تجري بأعيننا” وأنه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال : “وجاء ربك والملك صفاً صفاً”، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث ولم يقولوا شيئاً إلا ما وجدوه في الكتاب أو جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”. انتهى
و قال: “واختلفوا في العين واليد والوجه على أربع مقالات:
فقالت المجسِّمة: له يدان ورجلان ووجه وعينان وجنب، يذهبون إلى الجوارح والأعضاء.
وقال أصحاب الحديث: لسنا نقول في ذلك إلا ما قاله الله عزَّ وجلَّ أو جاءت به الرواية من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فنقول: وجه بلا كيف ويدان وعينان بلا كيف”. انتهى
ومع أن كلام الشيخ أبي الحسن الأشعري واضح في نفي الكيفية والجسمية عن الله، الا أنه يسبعد صدور مصطلحات مخالفة لما ورد في النصوص النقلية عنه.
– قولهم ان الكلابية فرقة مباينة لأهل الحديث.
ومن النصوص التي نجزم أنها سلمت من التحريف قول الأشعري في معرض كلامه عن التجسيم في عصر السلف: “قد أخبرنا عن المنكرين للتجسيم أنهم يقولون أن البارئ جل ثناؤه ليس بجسم ولا محدود ولا ذي نهاية، ونحن الآن نخبر أقاويل المجسمة واختلافهم في التجسيم. انتهى
فبيّن الإمام الأشعري بأن إثبات الحدود والنهايات هو مذهب المجسمة وأهل التجسيم.
*****
عقيدة أبي الفضل التميمي الحنبلي و موافقته للأشاعرة
أبو الفضل التميمي هو رئيس الحنابلة في بغداد وابن رئيسها، وهو من كبار فقهاء المذهب الحنبلي، توفي سنة 410 للهجرة، وهو من الحنابلة المتقدمين -طبقة الحنابلة المتقدمين تنتهي حوالي 403 هجري –
قال عنه الذهبي: “الامام الفقيه رئيس الحنابلة”. انتهى
وقال الخطيب البغدادي: قال عنه الخطيب البغدادي: “كان صدوقًا، دفن إلى جنب قبر الإمام أحمد، وحدثني أبي وكان ممن شيعه أنه صلى عليه نحو من خمسين ألفا رحمه الله”. انتهى
وقد كان أكثر المتقدمين من الحنابلة وبعض المتأخرين يوافقون ما قرره الإمام أبو الحسن الأشعري باعتراف ابن تيمية، حيث قال في التعارض: “وكان القدماء من أصحاب أحمد كأبي بكر عبد العزيز و أبي الحسن التميمي وأمثالهما يذكرونه – أي الإمام الأشعري- في كتبهم على طريق ذكر الموافق للسنة في الجملة، ويذكرون ما ذكره من تناقض المعتزلة”. انتهى
وقال التاج السبكي في طبقات الشافعية :”أبو الحسن الأشعري كبير أهل السنة بعد الإمام أحمد بن حنبل وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد واحدة لا شك في ذلك ولا ارتياب وبه صرح الأشعري في تصانيفه ، وذكره غير ما مرة ،من أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل، هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضع من كلامه”. انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة في معرض ترجمة برهان الدين إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن هِلَال بن بدر القَاضِي برهَان الدّين الزرعي الْحَنْبَلِيّ ما نصه: ” ولد سنة 688 وَسمع من أبي الْفضل بن عَسَاكِر والموازيني وَابْن القواس واليونيني وَحدث وتفقه وبرع واشتغل على ابْن تَيْمِية وَابْن الزملكاني والقزويني وَمهر وَتقدم فِي الْفتيا ودرس بأماكن مِنْهَا الْمدرسَة الحنبلية عوضا عَن ابْن تَيْمِية حَيْثُ سجن فمقتته الْحَنَابِلَة لذَلِك وَكَانَ أَيْضا أشعري المعتقد فِي الْغَالِب من أَحْوَاله وَكتب الْخط الْحسن الْفَائِق قَالَ ابْن رَافع كَانَ من أذكياء النَّاس”. انتهى
وأما ابن تيمية، فهذه الموافقة والمودة بين كبار الأشاعرة ومتقدمي الحنابلة لم تعجبه لأن ذلك يهدم عليه أهواءه، وزعم أن الأشعرية ينتحلون ذلك فقط للانتساب لأهل السنة، فقال في مجموع الفتاوى : “ولهذا لما كان أبو الحسن الأشعري وأصحابه منتسبين إلى السنة والجماعة كان منتحلا للإمام أحمد ذاكرا أنه مقتد به متبع سبيله وكان بين أعيان أصحابه من الموافقة والمؤالفة لكثير من أصحاب الإمام أحمد ما هو معروف حتى إن أبا بكر عبد العزيز يذكر من حجج أبي الحسن في كلامه مثل ما يذكر من حجج أصحابه لأنه كان عنده من متكلمة أصحابه، وكان من أعظم المائلين إليهم التميميون أبو الحسن التميمي وابنه وابن ابنه ونحوهم “. انتهى
ويكفي لدفع أكاذيب ابن تيمية أن متقدمي الحنابلة اعترفوا بفضل الأشعرية في الذب عن الشريعة الغراء، فقد قال الذهبي في السير:” أمر شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي مناديا يقول بين يدي جنازة أبي بكر الباقلاني: هذا ناصر السنة والدين، والذاب عن الشريعة، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة.ثم كان يزور قبره كل جمعة”. انتهى
وقد كان أبو الفضل التميمي صديقا للقاضي ابي بكر الباقلاني الأشعري المالكي وموادا له، تجمعهما محبة كبيرة. وهذه المودة بين الباقلاني وأبي الفضل ذكرها ابن تيمية نفسه في مجموع الفتاوى، فقال: ” وكان بين أبي الحسن التميمي وبين القاضي أبي بكر بن الباقلاني من المودة والصحبة ما هو معروف مشهور”. انتهى
وقال في درء التعارض: “وكان بين التميميين وبين القاضي أبي بكر وأمثاله من الائتلاف والتواصل ما هو معروف وكان القاضي أبو بكر يكتب أحيانا في أجوبته في المسائل محمد بن الطيب الحنبلي ويكتب أيضا الأشعري ولهذا توجد أقوال التميميين مقاربة لأقواله وأقوال أمثاله المتبعين لطريقة ابن كلاب”. انتهى
وقال في الدرء أيضا : ” ولما صنف أبو بكر البيهقي كتابه في مناقب الإمام أحمد – و أبو بكر البيهقي موافق لابن الباقلاني في أصوله – ذكر أبو بكر اعتقاد أحمد الذي صفنه أبو الفضل عبد الواحد بن أبي الحسن التميمي وهو مشابه لأصول القاضي أبي بكر “. انتهى
فلا فرق عند التحقيق بين عقيدة أهل السنة الأشاعرة وعقيدة الإمام أحمد، لكن المشبهة المنتسبين إلى الإمام أحمد هم الذين شانوا مذهبه من بعده و نسبوا اليه أحاديث لم يقلها، وهذا باعتراف ابن شاهين.
ولذلك كان الإمام أبو الفضل التميمي يكثر من ذكر اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، و يعدد أقواله في التنزيه ومجانبته للمجسمة، وكان أبو الفضل قد أخذ عن أبيه، وهو عن الإمام الخرقي وغلام الخلال وهما من أعيان الحنابلة.
وقد نقل الإمام البيهقي في كتابه مناقب الإمام أحمد عن أبي الفضل أن الإمام أحمد قال ما نصه: “أنكر أحمد على من قال بالجسم، وقال: إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف, والله سبحانه خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى جسماً لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجيء في الشريعة ذلك فبطل” انتهى.
وهذا الكلام بنصه ورد في ذيل طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى في ما ينقله عن الإمام أحمد.
كما ورد في ذيل طبقات الحنابلة أيضا أن أبا الفضل قال ما نصه: “كان الإمام أحمد رحمه الله يقول: إن لله تعالى يدين، وهما صفة له في ذاته، ليستا بجارحتين، وليستا بمركبتين، ولا جسم ولا من جنس الأجسام، ولا من جنس المحدود والتركيب والأبعاض والجوارح، ولا يقاس على ذلك، ولا له مرفق، ولا عضد، ولا فيما يقتضى ذلك من إطلاق قولهم: “يد” إلا ما نطق القرآن الكريم به، أو صحَّت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم السنة فيه” انتهى
وهذه النصوص التي ذكرها أبو الفضل التميمي تدل أن الإمام أحمد كان على مذهب التفويض في بعض الصفات الخبرية.
ولما كانت هذه العقائد المروية عن الامام أحمد تخالف ما كان عليه ابن تيمية، حاول الطعن فيها فقال في مجموع الفتاوى : “اعتمد الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه الذي صنفه في مناقب الإمام أحمد لما ذكر اعتقاده اعتمد على ما نقله من كلام أبي الفضل عبد الواحد بن أبي الحسن التميمي وله في هذا الباب مصنف ذكر فيه من اعتقاد أحمد ما فهمه ولم يذكر فيه ألفاظه وإنما ذكر جمل الاعتقاد بلفظ نفسه وجعل يقول وكان أبو عبدالله وهو بمنزلة من يصنف كتابا في الفقه على رأي بعض الأئمة ويذكر مذهبه بحسب ما فهمه ورآه وإن كان غيره بمذهب ذلك الإمام أعلم منه بألفاظه وأفهم لمقاصده فإن الناس في نقل مذاهب الأئمة قد يكونون بمنزلتهم في نقل الشريعة ومن المعلوم أن أحدهم يقول حكم الله كذا أو حكم الشريعة كذا بحسب ما اعتقده عن صاحب الشريعة بحسب ما بلغه وفهمه وإن كان غيره أعلم بأقوال صاحب الشريعة وأعماله وأفهم لمراده”. انتهى
فان كان متقدمو الحنابلة نقلوا عقيدة الامام أحمد بحسب ٱراءهم و فهمهم، فهل كان المتأخرون منهم الذين تلبسوا بلوثة التجسيم أفهم منهم؟ وان كانت هذه العقيدة المروية عن أحمد قد نقلها بعض الحنابلة في كتبهم من غير الطعن فيها فما بال هذا الحراني يتكلف رد هذه العقائد السنية في تنزيه الله عز وجل المنقولة بالسند المتصل للإمام أحمد؟
وهذا الأمر ليس غريبا عن ابن تيمية الذي صرح بتبديع السلف و الخلف، حيث قال في مجموع الفتاوى: “وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم”. انتهى
ومن هنا ينبغي التنبيه إلى ان الكلام في العقائد لا يثبت الا بالأسانيد المتصلة الصحيحة، وليس بمجرد ما تم العثور عليه في الكتب. فالنسخة الرائجة من عقيدة الإمام المبجل أحمد ابن حنبل التي ألفها أبو الفضل التميمي موافقة في مجملها للعقائد الأشعرية إلا في ما يتعلق بمسألة كلام الله، حيث دس فيها بعض المجسمة عبارات تدل على أن الله يتكلم بحرف وصوت، و هذا يتناقض مع بعض العقائد المذكورة في النسخة المحرفة نفسها، حيث جاء فيها أن الإمام أحمد قال: “ان الله عز و جل واحد لا من عدد لا يجوز عليه التجزؤ ولا القسمة وهو واحد من كل جهة وما سواه واحد من وجه دون وجه”. انتهى
فإن كان الإمام أحمد ينفي التجزء و القسمة عن الله و صفاته فكيف يكون كلامه عز وجل حرفا، و الحروف يطرأ عليها التعاقب والتجزأ؟
كما ورد في تلك النسخة أن الإمام أحمد قال: “وعلم الله تعالى بخلاف ذلك كله صفة له لا تلحقها آفة ولا فساد ولا إبطال وليس بقلب ولا ضمير واعتقاد ومسكن ولا علمه متغاير”. انتهى
فإن كان علم الله لا يلحقه إبطال و لا يتغير فكيف تكون صفة الكلام بخلاف صفة العلم؟
ثم لو كان الله متكلما بحرف و صوت لكان كلامه، بعضه أفضل من بعض، و لتعلقت إرادته بكلامه وهو ممتنع شرعا و عقلا بل إرادته متعلقة بكل ممكن عقلي يجوز إيجاده تارة و اعدامه تارة أخرى، وهذا أيضا بخلاف ما نقله أبو الفضل التميمي عن الإمام أحمد أنه قال: “والله تعالى مريد لكل ما علم أنه كائن وليست إرادته كإرادات الخلق”. انتهى
وحتى ابن تيمية قد أثبت عن أبي الفضل التميمي أنه لا يقول باثبات الصفات الاختيارية و قيام الحوادث بذات الله عز و جل فقال في مجموع الفتاوى: ” وسلك – أي أبي الفضل التميمي- طريقة ابن كُلاب في الفرق بين الصفات اللازمة كالحياة و الصفات الاختيارية وأن الرب يقوم به الأول دون الثاني- كثير من المتأخرين، من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، كالتميميين أبي الحسن التميمي، وابنه أبي الفضل التميمي، وابن ابنه رزق الله التميمي، وعلى عقيدة الفضل التي ذكر أنها عقيدة أحمد اعتمد أبو بكر البيهقي فيما ذكره من مناقب أحمد من الاعتقاد”. انتهى
ومن الحنابلة الذين وافقوا الأشعرية في صفة الكلام الشيخ محمد بن أحمد البهوتي الخلوتي، حيث وجه كلام شيخه الشيخ منصور البهوتي في كتاب الشهادات وبين أنه قائل بأن الكلام هو المعنى القديم القائم بذات الله سبحانه موافقة الأشعرية. وهذا مذكور في حاشية منحة الرحمن على قلائد العقيان.
ولينظر أيضا لتناقض العبارة المنسوبة لأبي الفضل التميمي، حيث زعموا أنه قال: “وكان -أي الإمام أحمد- يقول إن القرآن كيف تصرف غير مخلوق وأن الله تعالى تكلم بالصوت والحرف”. انتهى
فهل يقول هؤلاء أن الحرف الذي تكلم به الله غير مخلوق؟ ومعلوم أن الحروف أعراض تتعاقب، والتعاقب ينافي الأزلية.
وما أحسن قول الإمام أحمد الذي نقله أبو الفضل في المخطوط : “لا يجوز أن ينفرد الحق عن صفاته ومعنى ما قاله من ذلك أن المحدث محدث بجميع صفاته على غير تفصيل وكذلك القديم تعالى قديم بجميع صفاته”. انتهى
فكلام المخلوقين محدث بجميع صفاته على غير تفصيل سواء الصوت أو الحرف أو اللغة و البارئ كلامه بخلاف ذلك كله.
ملاحظة عدد 1:
يزعم بعض المجسمة أن الحافظ ابن حجر اثبت في الفتح أن الإمام أحمد نسب الصوت لله عز وجل ونص عبارته : “وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت فقال لي أبي بل تكلم بصوت هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره”. انتهى
وجواب هذا الادعاء أن هذا الكلام ليس لابن حجر، بل هو نقله من كلام بعض من أثبت الصوت لله بدليل أن ابن حجر صدّر الكلام بقوله: “وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه وانه يجوز ان يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه. وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل….”
وهذا الأثر مذكور أيضا في النسخ الرائجة لكتاب السنة المنسوب لعبد الله بن الإمام أحمد، ولا يصح عنه.
ذكر عقيدة أبي الحسن البريهي المتوفى سنة 585 هجري والرد على ذمه للأشعرية
جاء في ٱخر مخطوط كتاب الشريعة للٱجري – المحفوظ في مكتبة نور عثمانية بتركيا- ذكر عقيدة أبي الحسن البريهي، وهو أحد الرجال المذكورين في أول سند المخطوط.
وهذه العقيدة مع أن فيها تنزيها صريحا لله عز وجل عن التحيز في الجهات و الحد، والجسمية والكيفية، والوصف بالٱلات وكون العرش يحمله، الا أن فيها ما يوافق عقائد الحشوية كوصف الله بالكلام بالحرف، ومسحه على ظهر ٱدم وغير ذلك.
ومما جاء في هذه العقيدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد النبي الأمي وٱله وسلم، هذه عقيدة الإمام أبي الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البريهي رحمه الله التي كتبها في وصيته بيده، وهي عقيدة أبائه ومشيخته. فقال: أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، ولا وزير ولا ظهير ولا معين ولا مشير ولا ضد ولا ند ولا مكابر ولا معاند وأنه الاله الحي الموجود لا كوجود البشر، بيده جميع القضاء والقدر الكاين في خلقه من خير وشر، سميع بسمع، بصير ببصر، ليس بمشبَّه ولا محدود ولا مكيف ولا ممثل ولا مجحود، ولا والد ولا مولود، ولا مجسم ولا متوهم، ليس كمثله شىء وهو السميع البصير، عالم بعلم لا يدرك منتهاه، متكلم بكلام مسموع مفهوم منه. والقرٱن المنزل على خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه كل كتاب انزل على ساير الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، وذلك من علمه وصفة من صفاته التي لم تزل ولا تزول، ولا هي هو ولا هي غيره، تكلم به، بحرف يُفهم وصوت يسمع لا كأصوات الخلايق في كلامهم، منه بدا وإليه يعود، لم يصدر عن لسان يعز إليه سبحانه ولهوات، ولا مخارج ولا ٱلات، وأن الله سبحانه أول بغير ابتداء، ولا انقضاء و لا انتهاء، ولا يكيف سبحانه بالصفات، ولا تتغير ذاته في الأزمنة والأوقات، ولا ينحد بتحديد الجهات، بل هو كما قال وقال رسوله صلى الله عليه وسلم في السماء و على العرش استوى، العرش ليس بحامل له، ولا هو تعالى بمماس له، فلا ينحصر بانحصار العرش، ولا السماء بظرف له تحتوي على ذاته الكريمة، فان كل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله عليه الصلاة والسلام صفته لنفسه كاليدين والرضا والغضب والسخط وخلقه لٱدم بيده، ومما وصفه الرسول به غرسه جنة عدن بيده، وكتبه التوراة لموسى عليه السلام بيده، والدنو والكراهية وصعود الكلام إليه، وسماعه من غيره، وسماع غيره منه، وما وصفه به الرسول صلى الله عليه وسلم، ووضع الله قدمه في النار فتقول قط قط ووصفه الضحك والتعجب وكلتا يديه يمين، وثلثُ حَثياتٍ من حَثياتِ ربنا، وأنه لما خلق ٱدم عليه السلام ونفخ فيه الروح مسح على ظهره، فاستخرح كل نفس قضى أنها ستكون إلى يوم القيامة، فقبض قبضة بيمينه وقبضة بشماله من غير تكييف…”. انتهى
و قال أبو محمد الطيب بن عبد الله بامخرمة الحضرمي الشافعي الأشعري (870 – 947 هـ) في كتابه قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر : “سيف السنة البريهي
أحمد بن محمد بن عبد الله بن مسعود بن سلمة بن يوسف بن إسماعيل البريهي ثم السكسكي ثم الكندي، المعروف بسيف السنة، الإمام العالم العامل، العابد الورع الزاهد، الفقيه المحدث الأصولي، النحوي اللغوي، ذو التصانيف المفيدة، والكرامات العديدة.
أخذ عن الإمامين: زيد اليفاعي ويحيى بن أبي الخير، وعن الحافظ علي بن أبي بكر العرشاني.
وحج سنة ثمان وخمس مائة، فقرأ «صحيح مسلم» على الشيخ محمد بن الحسين الهروي.
وأخذ عنه جمع من الفضلاء لا يحصون كثرة كمحمد بن مضمون، ويحيى بن فضل، وأحمد بن مقبل وغيرهم.
ولم يكن بعد الشيخ يحيى بن أبي الخير صدرا غيره.
وكان يسكن مدينة إبّ، وإليه انتهت الرئاسة فيها، وقصده الطلبة من أنحاء شتى، وانتفع به العالم، وكان كبير القدر، مشهور الذكر، كثير الاشتغال بالتدريس والنسخ، يبيع في كل عام «بيانا» و «مهذبا» و «كافيا»، وقد يكون معها «تنبيه» أيضا، ثم يرسل بذلك إلى مكة يباع، ويشترى له به ورق ينسخ فيه ما يحتاجه من الكتب، ووقف كتبا كلها على طلبة العلم من أهل السنة، وكتب على كل كتاب منها: [من البسيط]
هذا الكتاب لوجه الله موقوف … بتّا إلى الطالب السني مصروف
كذا اقتصر الخزرجي على هذا البيت، وأظن أن بعده:
ما للأشاعرة الضُلَّال في كُتبي … حق ولا للذي بالزيغ معروف
ولقد أخطأ رحمه الله في جعله الأشاعرة ضُلَّالاً وهم رءوس أهل السنة كما قاله الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وغيره، وإذا كان الشيخ أبو إسحاق، والقاضي أبو بكر الباقلاني، وأبو القاسم القشيري، وأبو حامد الغزالي، وأبو المعالي الجويني، وعزّ الدين بن عبد السلام، وأمثالهم من الأئمة الأعلام ضُلَّالاً .. فيا ليت شعري من هو المصيب!
وبالجملة: فلا ينكر فضل سيف السنة وعلمه وصلاحه، ولكن هذا المعتقد غلب على جل علماء اليمن المتقدمين، وما أظنهم كانوا يوافقون الحنابلة إلا في القول بالصوت والحرف والجهة دون التجسيم والتشبيه”. انتهى
وقال بامخرمة أيضا نقلاً عن اليافعي في كلامه عن العمراني: “كان حنبلي العقيدة؛ أي: يقول بالصوت والحرف والجهة كما هو مذهب الحشوية، وكان عليه عقيدة غالب أهل اليمن، حتى أن بعضهم سئل: من أين جاء أهل اليمن هذا الاعتقاد؟ فقال: غرهم صاحب «البيان»، كذا نقله اليافعي عن الشيخ عبد الله الساكن بذي السفال، ولا شك أن أهل اليمن كانوا يعتقدون ذلك من قبل ظهور صاحب «البيان»، وقد رجع اليوم غالبهم أو كلهم عن هذا الاعتقاد، وصاروا كلهم أشعرية بحمد الله تعالى!”.
