الكتب المخطوطة وحفظ العقائد الأشعرية

كيفية ثبوت الكتب المخطوطة، وحفظ العقائد الأشعرية

ليعلم أن نسبة المخطوط بتمامه لا يثبت لمؤلفه إلا بأمور: منها أن يتم نسخه عن طريق شخص كفئ مشهود له بالعدالة ، ومراجعته على الأصل و تصحيحه، فإذا تناقلته الأيدي الأمينة بعد ذلك بالسند المتصل فإنه يثبت عن مؤلفه .

كما يثبت المخطوط أيضا لصاحبه بوجود أصل سليم بخط المؤلف.

ويثبت أيضا باتفاق النسخ الموجودة في المكتبات من غير تحريف ظاهر

بعض الكتب يعرف أنها محرفة بأمور منها :

– كأن يكون أحد رواة السند غير معاصر للذي يروي عنه

– أو يثبت أن الراويان لم يلتقيا

– أو وجود بعض العبارات في الأصل بخلاف الخط الذي نسخت به

– أو كان في السند طفل صغير لا يمكنه تحمل ما في الكتاب, وذلك لجواز وقوع السهو منه فإن وجد في المجلس معه شخص آخر عند السماع فإنه يُنظر حينئذ لحال ذلك الشخص لا لحال الطفل الصغير.

ثم إن بعض الناس يظنون أنهم لما يأتون بنسبة كتاب لعالم من بعض الكتب التاريخية فقد حقَّقوا بذلك نسبته له، و هذا يدل على أنهم لا يفقهون شيئا في التراث المخطوط، والذي يريد تحقيق نسبة كتاب لعالم من عدمها يرجع إلى المخطوطات ويتتبع القرائن، وإلا فبعض الكتب مخطوطاته مضطربة مشوهة مشوشة بالزيادة والنقص والتقديم والتأخير.

و التحريف لا يتعلق بالضرورة بكل الكتاب بل يختلف فيكون تارة بدس حديث أو أثر وتارة بدس مقالة أو قاعدة أو ما شابه ذلك.

فهذا الشعراني مثلا دس عليه بعض الحاسدين في كتبه وهو مازال حيا، وقد أشار إلى ذلك في كتابه لطائف المنن والأخلاق حيث قال: “ومما مَنَّ الله تبارك وتعالى به عليَّ، صبري على الحسدة والأعداء، لما دسوا في كتبي كلاماً يخالف ظاهر الشريعة، وصاروا يستفتون عليَّ زوراً وبهتاناً، ومكاتبتهم فيَّ لِبابِ السلطان، ونحو ذلك”. انتهى

و قال أيضا: ” ثم إِني لما صنفت كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود، وكتب عليه علماء المذاهب الأربعة بمصر، وتسارع الناس لكتابته، فكتبوا منه نحو أربعين نسخة، غار من ذلك الحسدةُ، فاحتالوا على بعض المغفلين من أصحابي، واستعاروا منه نسخته، وكتبوا لهم منها بعض كراريس، ودسوا فيها عقائد زائغة ومسائل خارقة لإِجماع المسلمين”. انتهى

أما كتب أهل السنة الأشاعرة و الماتوريدية المعتمدة في تقرير العقائد فهي بحمد الله محفوظة وقد كان العلماء يتلقونها عن مشائخهم بالسند المتصل في المدارس التي كانت تعنى بتدريس عقائدهم كمدرسة نيسابور النظامية و مدرسة بغداد النظامية التي كانت أكبر جامعة إسلامية في العالم الإسلامي وقتها، و كذلك بجامع القرويين بفاس و الأزهر بمصر و بجامع الزيتونة بتونس وغيرها.

المذهب الأشعري محفوظ في صدور أئمته بطريق التلقي ومقالات علمائه منثورة في كتب تلاميذهم بالسند المتصل. فهذا ابن فورك قد نقل في مجرد مقالاته نصوص الأشعري رغم أن جل كتبه قد اتلفت. كذلك الحافظ ابن عساكر كانت له نسخة صحيحة من كتاب الإبانة للأشعري من طريق مشايخه نقلها في تبيين كذب المفتري .

وقد قام تلاميذ الأشعري بنشر علمه في الآفاق كابن مجاهد و من بعده الباقلاني.

قال أبو بكر الخطيب: أخذ القاضي أبو بكر المعقول عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد الطائي صاحب أبي الحسن الأشعري.

و قال ابن خلدون في مقدمته صحيفة 368 : “وكثر أتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري، واقتفي طريقته من بعده تلاميذه؛ كابن مجاهد وغيره، وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلاني؛ فتصدر للإمامة في طريقتهم” انتهى

فحلقات المذهب الأشعري متصلة من لدن أبي الحسن الأشعري حتى الجويني ؛ فإن أبا الحسن أخذ عنه طريقتَه الجيلُ الأول من تلاميذه؛ وأهمهم: أبو الحسن الطبري، وأبو الحسن الباهلي، وأبو عبد الله ابن مجاهد البصري، وتبعهم طبقة ثانية، أهم رجالاتها أبو بكر الباقلاني ، وابن فورك ، وأبو إسحاق الإسفراييني . ثم اتصلت بعد ذلك حلقات المذهب الأشعري بعد هؤلاء الأقطاب؛ فجاء في الطبقة التالية لهم أعلام كبار هم أئمة المذهب ؛ كأبي منصور البغدادي ، الآخذ عن الإسفراييني والبيهقي ، الآخذ عن ابن فورك، وكان خاتمة هذه الطبقة إمام الحرمين أبو المعالي الجويني الآخذ عن أبي إسحاق الإسفراييني.

فعلم أهل السنة محفوظ في الصدور و ليس في الكتب. صحيح البخاري و غيره اعتنى بحفظه المحدثون بسندهم للبخاري مشافهة فسلم من التحريف, كذلك كتاب الأم للشافعي اعتنى بحفظه تلاميذه وقاموا بتدريسه و غير ذلك من كتب أهل السنة