الرد العلمي على البوطي
الجزء الأول
تأليف الشيخ أسامة السيد
ملتزم الطبع
دار المشاريع للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة الثانية
مزيدة ومنقحة
1419هـ- 1999ر
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى إخوانه النبيين والمرسلين، وعلى ءاله الطيبين وأصحابه الطاهرين، وعلى من سار على هداهم وترسم خطاهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.
فإن الله تعالى يقول في القرءان الكريم: {كُنتم خيرَ أمةٍ أُخرِجت للناسِ تأمُرون بالمعروفِ وتنهَونَ عنِ المنكر} [سورة ءال عمران/110].
ويقول عليه الصلاة والسلام: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” رواه مسلم.
وقد امتدح الله أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما أسلفنا في الآية المباركة، وكذلك فإن الله ذم الذين كفروا من بني إسرائيل بقوله: {كانوا لا يَتَناهون عن منكرٍ فعلُوهُ لبِئْسَ ما كانوا يفعلون} [سورة المائدة/79].
وإن من أعظم ما ابتليت به هذه الأمة أناس دعاة على أبواب جهنم، اندلقت ألسنتهم بالباطل واندلعت أصواتهم بالضلال، يرجون السلع الرديئة بحجج واهية فاسدة.
وما كلامنا عن هؤلاء وأمثالهم إلا من باب البيان الواجب تبيانه للعامة والخاصة، ولا يظن ظان أن هذا من باب الغيبة المحرمة فمن المعروف في تاريخنا أن السلف الصالح كانوا لا يسكتون على الباطل بل كانت ألسنتهم وأقلامهم سيوفًا حدادًا على أهل البدع والأهواء.
فقد أخرج مسلم في صحيحه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للخطيب الذي قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى: “بئس الخطيب أنت” وذلك لأنه جمع بين الله والرسول بضمير واحد فقال له قل: “ومن يعص الله ورسوله”.
فإذا كان الرسول لم يسكت على هذا الأمر الخفيف الذي ليس كفرًا ولا إشراكًا فكيف بالذين ينشرون الكفر والضلال باسم الإسلام من على المنابر وأجهزة الإعلام بمختلف أنواعها.
وها نحن اليوم أمام نموذج من هذه النماذج، أعني بهذا النموذج –الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي-. من هنا لا بد لنا أن نضعه في الميزان ليراه الناس على صورته الحقيقية.
ونقول للذين يحاولون استباق النتائج إن الرد على البوطي لم يأت عن هوى، ولم يكن وليد حالة عصبية عابرة بل جاء بعد عدة لقاءات ومحاورات ومكاتبات حاولنا نصحه وثنيه عن مخاطر لج فيها مما نتج عن ذلك الشر الخطير والشرر المستطير.
ونقول للمشايخ العقلاء أن يتدبروا ردنا عليه، وبدلاً من أن ينبري البعض للدفاع عنه فالأجدى والأجدر أن ينبروا للدفاع عن دين الله وعن كرامة الناس التي أهدرها البوطي بفتاويه.
ونحن قد عزونا كل مقالة إلى مصدرها في كتاب أو كجلة أو مراسلة، والحقيقة أننا وجدنا في كتبه مئات المخالفات ولكننا اقتصرنا على نماذج منها ليطلع الناس على حقيقة ما تنطوي عليه نفسه ءاملين أن لا يتسرع متسرع بالتشنيع قبل أن يطلع على المضمون، وليعلم أن العصمة الكاملة لأنبياء الله وملائكته فقط. وقد اعتمدت في مصادري بشكل أساس في بعض الأبحاث بكليتها على بعض مؤلفات العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري لما فيها من التدقيق والتوثيق.
وهذا وسيرى القارئ المنصف أن البوطي رجل مجسم، معتزلي، إباحي، متقلب، إلخ….
الباعث على نشر هذا الكتاب
في ربيع عام 95ر أرسلني شيخنا المحدث الشيخ عبد الله الهرري إلى البوطي في مسائل بلغته عنه ومنها مسئلة خطيرة وهي قوله: “إذا تصادم القرءان مع العلم فأنا مع العلم”، وبالفعل كلمتُهُ في هذا الموضوع فراح يؤول كلامه تأويلات واهية لنصرة هواه مخالفًا دين الله تعالى حيث خاف الدكتور أن يقول أنا مع القرءان إذا تصادم مع العلم كل ذلك لئلا تهتز هذه المرجعية القائمة على كومة من الأوهام، لكنه لم يتراجع، ولم نيأس بل استمررنا أملاً بالإصلاح، وبتاريخ 3/6/95ر زارنا البوطي في بيروت والتقينا به زهاء ساعتين تقريبًا واتفقنا على أن نكتب ميثاقًا مشتركًا يحتوي على مسائل تنسب إلينا بهتانًا ونرد عليها، ومسائل تنسب لغيرنا ويرد عليها أيضًا، وقام هو بصياغة مسودة البيان الأولية وأرسلها إلينا فوجدنا فيها بعض المغالطات فأصلحنا ما فيها وأرسلناها مع زياداتٍ لائقة، فرد برسالة عاصفة بالهجوم على ما أصلحنا له من الأخطاء وانقطع الحوار.
وفي الشهر السابع من هذا العام 98ر وصلنا شريط بصوته يتهجم على جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية وعلى الشيخ عبد الله الهرري بأقذع الألفاظ الذي لا تنم عن أدب مع أهل العلم، وكأنه لم يتذكر ولم يمر بخاطره كيف كان والده يحترم الشيخ عبد الله ويبجله، ويعلي من مكانته ويثني عليه.
فلما بدا شره للعيان، وظهر عدم قبوله للحق ظهور الشمس في رابعة النهار، عمدنا إلى كتابه هذا المؤلف الذي كشفنا به عن بعض ما في كتبه التي حشاها بالآراء الشاذة التي تخالف شرع الله تعالى.
وليكن رائدنا في هذا البحث قول سيدنا علي رضي الله عنه: “لا يُعرَفُ الحقُّ بالرجال ولكن يُعرفُ الرجالُ بالحق”.
وأخيرًا: ذكر لنا غير واحد من مشايخ الشام أن الشيخ العالم اللغوي نايف العباس الدمشقي رحمه الله لما ظهر كتاب كبرى اليقينيات للبوطي قال له ناصحًا أن يزيل قوله عن الله تعالى “العلة”، وقوله “إن كل ما تراه عيناك من حقائق هذا الكون كلها إنما هي فيض عن حقيقة واحدة كبرى ألا وهي ذات الله”، فانتفض البوطي رادًا للنصيحة وخرج من المجلس فقال الشيخ نايف:
عناءٌ كبير أن تناقش جاهلاً *** فيزعم بغيًا أنه منك أعلم
نصيحة مهمة جدًا
عملاً بالواجب الشرعي وحفظًا للناس من الوقوع في الضلال نحذر من قراءة واقتناء كتب البوطي طالما أنها محشوة بهذه الأفكار الشنيعة والمريعة من تطرف وتعقيد وخلاعة ونسبة التجسيم والحلول لله، ومخالفة الإجماع في عشرات المسائل، وموافقته للوهابية وامتداحه لقرني التطرف والإجرام ابن تيمية وسيد قطب، وذمه لبعض أهل الفضل من العلماء العاملين، ومخالفته لصريح الكتاب والسنة، ولتناقضه في كثير من المواضع فاحذروا أفكاره الفاسدة وبضاعته الكاسدة لما فيها من شر خطير وشرر مستطير.
وبعد هذه الافتراءات المليئة بالافتئاتات والافتراءات سمعنا ذمًا وقدحًا لهذا الرجل من عشرات المشايخ والعلماء والمفاتي في سوريا وقد حصلنا على فتاوى مكتوبة منهم حذروا من أباطيله وأفاعيله نبرزها لمن أراد، وقد أجمعوا على أنه متكبر متعجرف لا يقبل الحق ولا يرعوي للشرع، هذا وقد رد عليه مرارًا بعض مشايخ سوريا على المنابر وكتابة.
وشأن البوطي كما قال بعض مشاهير مشايخ سوريا ما نصه: “البوطي لو تاب وأناب لما احتجنا لمثل هذا الكتاب لكنه معاند فاستحق الرد” اهـ، وقد قمنا بإعادة طبع هذا الكتاب طبعة منقحة ومزيدة وذلك بعد الإقبال عليه من أهل العلم وأئمة المساجد وطلبة العلم خاصة في سوريا، حتى إنه قد نفدت النسخ بسرعة كبيرة مما دفعنا إلى إعادة طبعه ثانية.
وأخيرًا فالحق أحق أن يتبع.
البوطي
يدعي أن شهادة اثنين من العدول
لا تقوم أمام القضاء لإثبات الردة على شخص
في إحدى المراسلات التي جرت بيننا وبينه كتب البوطي بخط يده: “راجعنا فلم نجد من قال إن شهادة اثنين بكفر فلان من الناس يقوم في القضاء مقام سماع موجب الكفر منه مباشرة، ومن ثم تكفي تلك الشهادة للحكم عليه بالردة وملاحقته بتنفيذ الحكم الذي تستوجبه الردة… نعم إن شهادة واحد أو اثنين أمام القضاء تستوجب التحري والتحقيق المباشر، فمن هم الذين قالوا إن للقاضي أن يحكم بردة فلان من الناس اعتمادًا على شهادة رجلين دون استدعائه والسماع منه” اهـ.
الرد: نأمل منك يا دكتور ألا تظن لحظة أنك إن لم تكن على اطلاع على مسئلة أنها لا توجد أو أنه لا أثر لها مثل ما قلت، وإليك النصوص إن كنت لا تعلم لتعلم الآن لئلا تعود إلى مثل ما قلت:
قال صاحب الشرح الكبير الدردير ما نصه [1]: “تثبت الردة أمام القضاء بشهادة رجلين مسلمين عدلين، وبهذا قال الحنابلة ومالك والأوزاعي والشافعي والحنفية، وقال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا خالف في هذا إلا الحسن، قال لا يقبل في إثبات الردة إلا أربعة شهود قياسًا على الزنى، ولكن يرد على الحسن أن الشهادة على الردة شهادة في غير الزنى فتقبل من عدلين كالشهادة على السرقة” اهـ.
فإذا كنت لا تعلم يا دكتور مسئلة قال بها الجمهور فهذه مشكلتك وليس مشكلة العلم والعلماء فاحذر.
الهامش:
[1] أنظر الكتاب [2/304].
البوطي يتخبط في مسئلة وجه المرأة
في إحدى المراسلات التي جرت بيني وبينه يقول: “تجاهلتم الخلاف المعروف بين الأئمة والفقهاء في كون وجه المرأة عورة يجب ستره أم لا، وهو خلاف معروف تفيض به كتب الفقه بقطع النظر عن الراجح من هذين القولين، كما تجاهلتم أدلة القائلين بأن وجهها عورة المتمثلة في تفسير طائفة كبيرة من الصحابة والتابعين والتي تفيض ببيانها الموسوعات الفقهية وكتب التفسير” اهـ.
وأما تخبطه وقوله بخلاف هذا الكلام فانظر نص كلامه لمجلة طبيبك ءاخر هذا الرد.
وأما بالنسبة لوجه المرأة فالأمر ليس كما قال وإليك الرد العلمي السليم قال العلامة المحدث الفقيه الشيخ عبد الله الهرري ما نصه [1]: ” اعلم أن عورة المرأة أمام الرجل الأجنبي جميع بدنها سوى وجهها وكفيها، فيجوز لها أن تخرج من بيتها كاشفة وجهها إجماعًا.
وقد نقل هذا الإجماع ابن حجر الهيتمي في كتابيه الفتاوى الكبرى وحاشية شرح الإيضاح على مناسك الحج للنووي.
ففي الأول [2]: “وحاصل مذهبنا أن إمام الحرمين نقل الإجماع على جواز خروج المرأة سافرة الوجه وعلى الرجال غضّ البصر” اهـ.
وقال في الثاني [3]: “إنه يجوز لها كشف وجهها إجماعًا وعلى الرجال غضُّ البصر، ولا ينافيه الإجماع على أنها تؤمر بستره لأنه لا يلزم من أمرها بذلك للمصلحة العامة وجوبه” اهـ.
وقال في موضع ءاخر [4] فيه: “قوله –أي النووي-” أو احتاجت المرأة إلى ستر وجهها، ينبغي أن يكون من حاجتها لذلك ما إذا خافت من نَظَرٍ إليها يجرّ لفتنة، وإن قلنا لا يجب عليها ستر وجهها في الطرقات كما هو مقرر في محله” اهـ.
وقال زكريا الأنصاري في شرح الروض [5] ما نصه: “وما نقله الإمام من الاتفاق على منع النساء أي منع الولاة لهن مما ذكر –أي من الخروج سافرات- لا ينافي ما نقله القاضي عياض عن العلماء أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة وعلى الرجال غضّ البصر عنهن لقوله تعالى: {قُلْ للمؤمنينَ يَغُضُّوا مِنْ أبصارِهِمْ} [سورة النور/30] الآية، لأن منعهن من ذلك لا لأن الستر واجب عليهن في ذاته بل لأنه سنّة وفيه مصلحة عامة وفي تركه إخلال بالمروءة كالإصغاء من الرجل لصوتها فإنه جائز عند أمن الفتنة، وصوتها ليس بعورة على الأصح في الأصل” اهـ.
وقال الإمام المجتهد ابن جرير الطبري في تفسيره [6] ما نصه: “حدثنا ابن بشّار قال ثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن الحسن في قوله: {ولا يُبدِينَ زِينتَهُنَّ إلا ما ظهرَ مِنها} قال: الوجه والثياب، وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنيَ بذلك الوجه والكفان، يدخل إذا كان كذلك: الكحل والخاتم والسوار والخضاب. وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل لإجماع الجميع أن على كلّ مصلّ أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفّيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبديه من ذراعها إلى قدر النصف، فإذا كان من جميعهم إجماعًا كان معلومًا بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة، كذلك للرجال، لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلومًا أنه مما استثناه الله تعالى ذكره بقوله: {إلا ما ظهرَ مِنها}، لأن كل ذلك ظاهر منها. وقوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ} يقول تعالى ذكره: {وليضرنَ بخُمرهنَّ} وهي جمع خمار، {وعلى جُيوبهن} ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن وقرطهن” اهـ.
وقد جاء عن ابن عباس وعائشة وسعيد بن جبير وعطاء وغيرهم أنهم فسّروا قوله تعالى: {ولا يُبدينَ زينَتَهُنَّ إلا ما ظهرَ منها} [سورة النور/31] بالوجه والكفين، وهذا هو الصحيح الذي تؤيّده الأدلة كحديث المرأة الخثعمية الذي أخرجه البخاري [7] ومسلم [8] ومالك [9] وأبو داود [10] والنسائي [11] والدارمي [12] وأحمد [13] من طريق عبد الله بن عباس قال: “جاءت امرأة خثعمية غداة العيد، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولها: يا رسول الله إن فريضة الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحجّ عنه؟ قال: “حجّي عنه”، قال ابن عباس: وكانت شابة وضيئة، فجعل الفضل بنظر إليها أعجبه حُسنها، فلوى رسول الله عنق الفضل”. وعند الترمذي من حديث على [14]: “قال العباس: يا رسول الله لِمَ لويت عنق ابن عمك؟ فقال: “رأيت شابًا وشابة فلم ءامن الشيطان عليهما”، قال ابن عباس: وكان ذلك بعد ءاية الحجاب” اهـ.
ولفظ البخاري [15] عن عبد الله بن عباس قال: أردف النبي صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئًا، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها.
قال الحافظ ابن حجر في شرحه [16]: “قال ابن بطال: في الحديث الأمر بغضّ البصر خشية الفتنة، ومقتضاه أنه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع، قال: ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يحوّل وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإعجابه بها فخشي الفتنة عليه، قال: وفيه مغالبة طباع البشر لابن ءادم وضعفه عما ركّب فيه من الميل إلى النساء والإعجاب بهن. وفيه دليل على أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي الخثعمية بالاستتار لما صرف وجه الفضل. قال: وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضًا لإجماعهم على أن المرأة تبدي وجهها في الصلاة ولو رءاه الغرباء، وأن قوله: {قُلْ للمؤمنينَ يغُضُّوا مِن أبصارهم} [سورة النور/30] على الوجوب في غير الوجه. قلت: وفي استدلاله بقصة الخثعمية لما ادعاه نظر لأنها كانت محرمة” اهـ.
أقول: تعقّبُ الحافظ لكلام ابن بطال مدفوع لأنه كان يمكنها أن تجمع بين المصلحتين مصلحة الإحرام ومصلحة تغطية الوجه بأن تجافي الساتر بشيء يمنع من مَسّه وجهها، كما جاء ذلك عن أمهات المؤمنين في سفرهن للحج أنهن كنّ إذا حاذين الركب سَدَلنا على وجوههنّ فإذا جاوزن رفعن الساتر، كما رواه أبو داود [17] وابن أبي شيبة [18] وغيرهما، فلو كان سكوته صلى الله عليه وسلم عن أمر الخثعمية بتغطية وجهها لأجل إحرامها لامرها بسدل الساتر على وجهها مع مجافاتها حتى لا يلتصق بالوجه لكنه لم يأمرها، ولما لم يأمر المرأة الخثعمية بتغطية وجهها في ذلك الجمع الكبير الذي قال جابر في وصف ما كان من الحجاج عندما خرج النبي من المدينة: إن الناس كانوا مدّ البصر في جوانبه الأربعة: أمامه وخلفه ويمينه وشماله، علم من ذلك عدم وجوبه، ولو كان واجبًا لأمرها بذلك. فتبيّن بما ذكرنا أن دعوى بعض أن سكوت النبي على كشف الخثعمية وجهها كان لأجل الإحرام دعوى فاسدة لا عبرة بها. فسكوته صلى الله عليه وسلم دليل ظاهر على أن وجه المرأة من غير أمهات المؤمنين يجوز كشفه في الطرق ونحوها، لأن هذه الخثعمية كانت عند الرمي وذلك الموضع يكثر فيه اجتماع الحجاج حتى إنه يحصل كثيرًا التلاصق بين الرجال والنساء من شدة الزحمة بلا تعمّد.
وروى الحديث أيضًا البخاري في كتاب الحج [19] عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: “كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم، وجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: “نعم”، وذلك في حجة الوداع” اهـ.
قال الحافظ ابن حجر [20]: “قوله: فجاءته امرأة من خثعم –بفتح المعجمة وسكون المثلثة- قبيلة مشهورة، قوله: فجعل الفضل ينظر إليها، في رواية شعيب: وكان الفضل رجلاً وضيئًا أي جميلاً وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها. قوله” يصرف وجه الفضل، في رواية شعيب: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فدفع وجهه عن النظر إليها، وهذا هو المراد بقوله في حديث علي: فلوى عنق الفضل. ووقع في رواية الطبري في حديث علي: وكان الفضل غلامًا جميلاً فإذا جاءت الجارية من هذا الشق صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الفضل إلى الشق الآخر، فإذا جاءت إلى الشق الآخر صرف وجهه عنه، وقال في ءاخره: “رأيت غلامًا حَدَثًا وجارية حَدَثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان” اهـ. وفي هذا الحديث دلالة على رجحان جواز كشف المرأة وجهها مع خوف الفتنة، وهذا ما قاله شارح مختصر خليل محمد عليش المالكي في كتاب الصلاة، ومحل الدليل في الحديث قوله عليه السلام: “رأيتُ غلامًا حَدَثًا وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان”، ومقابله ما ذكره بعض الشافعية من المتأخرين كالشيخ ركريا الأنصاري والرملي، وهذه الرواية التي عزاها الحافظ للطبري صحيحة أو حسنة عند ابن حجر لأنه التزم في المقدمة أن ما يورده من الأحاديث مما هو شرح لرواية البخاري أو زيادة عليها فهو صحيح أو حسن.
قال صاحب المبسوط الحنفي [21]: “ثم لا شك أن يُباح النظر إلى ثيابها ولا يعتبر خوف الفتنة في ذلك فكذلك إلى وجهها وكفّيها” اهـ.
وقال الشيخ محمد عليش المالكي في شرح مختصر خليل [22] ممزوجًا بالمتن: “وهي –أي العورة- من حرة مع رجل أجنبي مسلم جميع جسدها غير الوجه والكفين ظهرًا وبطنًا، فالوجه والكفان ليسا عورة فيجوز لها كشفهما للأجنبي وله نظرهما إن لم تخش الفتنة، فإن خيفت به فقال ابن مرزوق: مشهور المذهب وجوب سترهما، وقال عياض: لا يجب سترهما ويجب عليه غضّ بصره” اهـ. والراجح عدم اشتراط أمن الفتنة لما في حديث الخثعمية السابق الذكر من أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للعباس: “رأيت غلامًا حَدثًا وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان”. فلا حجة في قول بعض المتأخرين ممن ليسوا من أهل الوجوه إنما هم نقلة إن ستر الوجه في هذا الزمن واجب على المرأة دفعًا للفتنى لا لأنه عورة، لأمرين، أحدهما أن هذا القول أي اشتراط أمن الفتنة منها أو عليها لعدم وجوب ستر الوجه كما زعمه بعض الشافعية وهو مذكور في شرح المهذب وشرح روض الطالب وشرح الرملي على منهاج الطالبين، ليس منقولاً عن إمام كالشافعي أو غيره من الأئمة ولا هو منقول عن أصحاب الوجوه في المذهب، وكيفما كان الأمر فالصحيح ما وافق النص. والمراد بالفتنة في هذه المسألة الداعي إلى جماع أو خلوة أو نحوهما كما صرح بذلك زكريا الأنصاري [23].
ويشهد لما قدمنا ما رواه ابن حبان [24] مرفوعًا من حديث ابن عباس قال: كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء من أحسن الناس، فكان بعض القوم يتقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فكان إذا ركع نظر من تحت إبطه، فأنزل الله في شأنها: {ولقدْ عَلِمنا المُسْتَقدَمينَ مِنكُم ولقد علِمنا المُستَئْخِرينَ} [سورة الحجر/24]، فالشاهد فيه أن الرسول لم يقل لتلك المرأة الحسناء انقبعي في بيتك أو تعالي مغطية وجهك، فلما لم يقل ذلك علمنا أن خوف الفتنة لا يناط به الحكم. ثم الإجماع الذي انعقد على أنه يجوز للمرأة كشف وجهها وعلى الرجال غض البصر لا ينتقض حكمه برأي بعض المتأخرين، وهذا الإجماع قد نقله ابن حجر الهيتمي في حاشية الإيضاح وغيره بعد نقل القاضي عياض لذلك. قد أسفر الصبح لذي عينين.
قال الإمام ابن حبيب أحد كبار المالكية ومن مشاهير متقدميهم من أهل القرن الثاني: “شهدتُ المدينة والجارية بارعة الجمال تخرج سافرة”، والجارية لغة: الفتاة حرة كانت أو أمة، وإذا أريد من دون البلوغ من البنات قيل جارية صغيرة أو جويرية، هكذا عرف الجارية صاحب لسان العرب وصاحب القاموس وغيرهما.
وأما ما في بعض كتب الشافعية ككتاب للشيخ زكريا الأنصاري وشمس الدين الرملي من تحريم خروج المرأة إذا خشيت فتنة منها أو عليها ولو بإذن الولي أو سيد الأمة أو الزوج فهذا لا يقوم عليه دليل، وهو ليس منقولاً ولا أقيم عليه دليل لأن خشية الفتنة كانت في الصدر الأول ومع ذلك ما ورد النص في تحريم الخروج مع خشية الفتنة، فقد روى مسلم في صحيحه وغيره [25] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “فما بال أقوام إذا غزونا يتخلف أحدهم عنا له نبيب كنبيب التيس” ففيه دليل على أنه كان في ذلك الزمان أناس يتتبعون النساء للفاحشة، ومع ذلك ما أصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم بتحريم خروج النساء سافرات الوجوه، ويؤكذ ذلك ما تقدم من قول ابن حبيب المالكي المشهور.
وقد ثبت أيضًا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع في بعض الليالي امرأة تقول: [البسيط]
هل من سبيل إلى خمر فأشربها *** أو من سبيل إلى نصر بن حجاج
فنفى عمر نصرًا خوفًا عليه من فتنة النساء به من فرط جماله، ولم يصدر حكمًا بتحريم خروجه كاشفًا وجهه خشية فتنة النساء به، ففيما قدمنا دلالة ظاهرة على أن افتتان الرجال بالنساء كان موجودًا في ذلك العصر بل والنساء بالرجال أيضًا، وقصة نصر بن حجاج هذه صححها الحافظ ابن حجر وعزاها إلى ابن سعد والخرائطي.
ولا يقال أيضًا إن حديث: “احتجبا منه” خطابًا لزوجتيه حين دخل ابن أم مكتوم دليل على أن وجه المرأة يجب ستره، فإن ذلك مختصّ بأزواج النبي كما قال أبو داود في سننه جمعًا بينه وبين حديث فاطمة بنت قيس، الذي فيه أنه عليه الصلاة والسلام قال لها: “اعتدّي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده”، ففرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم بين نسائه وبين غيرهنّ، لأنه سمح لفاطمة بنت قيس أن تضع ثيابها عند هذا الأعمى الذي قال للزوجتيه: “احتجبا منه”. قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير [26] ما نصه: “وهذا جمع حسن، وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا” اهـ.
وحديث فاطمة بنت قيس رواه مسلم [27] وغيره، أما حديث “احتجبا منه”، أخرجه أبو داود [28] في سننه، وهو مختلف في صحته كما ذكر الحافظ ابن حجر [29]، فلا يجوز إلغاء حديث فاطمة بنت قيس من أجل حديث: “احتجبا منه”، لأن ذلك مخالف للقاعدة الأصولية والحديثية من أنه إذا تعارض حديثان جُمع بينهما ما أمكن الجمع، والجمع هنا بين الحديثين ممكن بما قررنا. وقد تقرر هذا الحكم عند الأصوليين والمحدثين.
أما الحديث الذي رواه أبو داود [30] أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: “يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا” وأشار إلى وجهه وكفّيه، فهو مشهور بين الفقهاء –يعني اصطلاحًا- وإن كان في سنده كلام [31].
قال الفخر الرازي [32] في تفسير قول الله تعالى: {وقُل للمؤمناتِ يَغضُضْنَ مِنْ أبصارهنَّ} [سورة النور/31] إلى ءاخر الآية ما نصه: “اختلفوا في المراد من قوله تعالى: {إلا ما ظهرَ منها} [سورة النور/31]، أما الذين حملوا الزينة على الخلقة، فقال القفّال: معنى الآية إلا ما يظهره الإنسان في العادة الجارية، وذلك في النساء الوجه والكفان، وفي الرجل الأطراف من الوجه واليدين والرجلين، فأُمروا بستر ما لا تؤدي الضرورة إلى كشفه ورخص لهم في كشف ما اعتيد كشفه وأدّت الضرورة إلى إظهاره، إذا كانت شرائع الإسلام حنيفية سهلة سمحة، ولما كان ظهور الوجه والكفين كالضروري لا جرَم اتفقوا على أنهما ليسا بعورة” اهـ، وهذا نقل للإجماع من القفال وإقرار له عليه من الرازي.
وقال النووي في روضة الطالبين [33] ما نصه: “وأما المرأة فإن كانت حرّة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين” اهـ. والكوع: هو طرف الزند الذي يلي الإبهام.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في شرح الروض [34] ممزوجًا بالمتن ما نصه: “[وعورة الحرة في الصلاة وعند الأجنبي] ولو خارجها [جميع بدنها إلا الوجه والكفين] ظهرًا وبطنًا إلى الكوعين” اهـ.
وفي حاشية الرملي على شرح الروض للأنصاري [35] الشافعي ما نصه: “[وقوله: لأنهما مظنة الفتنة –أي الوجه والكفين-] ولأنهما لو كانا عورة لما وجب كشفهما في الإحرام” اهـ.
وفي كتاب البحر المذهب لأبي المحاسن الروياني الشافعي ما نصه [36]: “فرع: يكره للمرأة أن تنقب في الصلاة لأن الوجه من المرأة ليس بعورة فهي كالرجل يكره له أن يصلي متلثمًا” اهـ.
وقال الحافظ اللغوي السيد محمد مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء ما نثه [37]: “وعورة الحرة ما سوى الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما من رءوس الأصابه إلى الكوعين” اهـ.
وروى ابن حبان في صحيحه [38]: عن سهل بن سعد قال: “كن النساء يؤمرن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة أن لا يرفعن رءوسهن حتى يأخذ الرجال مقاعدهم من الأرض من ضيق الثياب”.
فيتبين بعدما ذكرنا أن عورة المرأة جميع بدنها سوى وجهها وكفَّيها، وأنه يجوز لها كشف الوجه والكفين، وأن على الرجال غضّ البصر، والأحسن أن تسترهما، والأحسن أن تلبس ما كان أوسع كالجلباب، والكراهية في المذاهب الثلاثة مذهب الشافعي ومالك وأحمد هي الكراهية التنزيهية أي ما لا عقاب على فعله وفي تركه ثواب.
وبما مر من النقول يعلم انتقاض قول بعض المتأخرين من أهل القرن الثاني عشر ونحوه إنه يجب ستر المرأة وجهها لا لأنه عورة بل دفعًا للفتنة.
فائدة: ذكر الفقهاء الذين ألّفوا في قواعد الفقه كالسيوطي، والحافظ أبي سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي وغيره، قاعدة من قواعدهم وهي: “درء المفاسد مُقَدَّمٌ على جلب المصالح”، واحتج بهذه القاعجة بعض المتهورين في هذا العصر لتحريم كشف المرأة وجهها ولم يدر أن جواز الكشف مسئلة إجماعية نقلها القاضي عياض المالكي ونقلها ابن حجر الهيتمي الشافعي عن جمع كما تقدم، فهذا المتهور خالف الإجماع واستدل بالقاعدة في غير محلها، لأن هذه القاعدة ليست كلية بل هي أغلبية كما ذكر ذلك الحافظ أبو سعيد العلائي الشافعي في قواعده الفقهية، على أن ابن حجر قال إن هذه القاعدة لا تنطبق إذا كان هناك مفسدة متَوَهّمَة مع تحقق المصلحة. وهذا الغِرُّ حمل القاعدة على غير وجهها فقال ما قال، فهو وإن كان احتج بما وجد في بعض كتب المتأخرين من الحنفية من أن وجه المرأة ليس عورة ولكن يجب ستره دفعًا للفتنة، فقوله يُردّ بما صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه لم يأمر المرأة الخثعمية بتغطية وجهها لما سألته عند الجمرة غداة العيد عن مسئلة في الحج، وكانت شابة وضيئة وكان الفضل خلف النبي فجعل الفضل ينظر إليها أعجبه حسنها، وجعلت هي تنظر إليه أعجبها حسنه، حيث لم يقل لها اسدلي سترًا على وجهك مع المجافاة من أجل إحرامك مع حصول الفتنة أي من غير أن يلصق الستر بوجهك فإن ذلك جائز للمحرمة. وقد قال العباس للرسول: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك فقال: “لقد رأيت شابًا حَدَثًا وشابةً حَدَثَةً فم ءامن الشيطان عليهما”.
فتبين مما ذكر من الإجماع وهذا الحديث المذكور أنه لا يبنى حكم عام على الأفراد لمجرد أن كثيرًا من الناس تحصل لهم فتنة بالنظر إلى وجه المرأة، إنما يبنى وجوب غض البصر على من يخشى الافتتان ولا يجعل حكمة ساريًا على جميع المكلفين” انتهى كلام الشيخ الهرري.
وأما قولك في كتاب “إلى كل فتاة تؤمن بالله” [ص/37]: “نقل الخطيب الشربيني عن إمام الحرمين من اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجه” اهـ.
قلنا: تقدم الجواب عن ذلك من كلام زكريا الأنصاري وما أوردناه من حاشية الإيضاح فليراجع، فولاة الأمور لهم أن يمنعوا من المكروه للمصلحة ندبًا وليس تحريمًا.
وذكر البوطي في كتاب “إلى كل فتاة تؤمن بالله” [ص/38] أن الإجماع منعقد عند جميع الأئمة أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عند خوف الفتنة بأن كان من حولها من ينظر إليها بشهوة.
الرد: إن قولك بالوجوب هذا مع زعمك أن الإجماع منعقد على ذلك كلام لا أصل له مطلقًا، ونتحداك إن كنت تستطيع أن تقول أين وقع هذا الإجماع بصيغة الوجوب هذه ألا تعلم أنه لا يصح إجماع بعد إجماع، فإذا انعقد إجماع فلا يلتفت إلى دعوى إجماع على خلافه، وهذا الشيخ محمد عليش المالكي مفتي الديار المصرية نقل في شرحه على مختصر خليل كما قدمنا عن عياض أنه لو خيفت الفتنة يجوز لها كشف الوجه والكفين، فأين دعواك الإجماع، عار على من يدعي العلم ويجهل أنه لا يصح إجماع بعد إجماع على خلاف الإجماع الأول,
ثم إنك تعتبر خوف الفتنة بأنّ كان من حولها ينظر إليها وقد تقدم حديث المرأة الخثعمية الذي أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ومالك والدارمي وأحمد وكانت شابة وضيئة –أي جميلة- فجعل الفضل ينظر إليها أعجبه حسنها وجعلت تنظر إليه أعجبها حسنه فلوى رسول الله عنق الفضل، وعند الترمذي من حديث علي قال العباس: يا رسول الله لِمَ لويت عنق ابن عمك فقال: “رأيت شابًا وشابة فلم ءامن الشيطان عليهما”، قال ابن عباس: وكان ذلك بعد ءاية الحجاب، فهنا يا دكتور تحققت الفتنة ومع ذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المرأة الجميلة التي كان ينظر إليها الفضل بإعجاب وكانت تنظر إليه بتغطية وجهها، فهل تعتبر نفسك أحرص على الإسلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.
وروى الطبري والسيوطي والطيالسي وسعيد بن منصور وابن المنذر وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان وابن أبي حاتم وابن خزيمة والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء من أحسن الناس فكان بعض القوم يتقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فكان إذا ركع نظر من تحت إبطه فأنزل الله في شأنها: {ولقَدْ عَلِمنا المُسْتَقدِمينَ مِنكُمْ ولقدْ عَلِمنا المُستَئْخِرينَ} [سورة الحجر/24]، وهنا تحققت الفتنة وهم في الصلاة وقد أنزل الله بذلك قرءانًا ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم تلك المرأة بأن تغطي وجهها درءًا للفتنة وسدًّا للذرائع، تلك العبارات الأصولية التي تحاول أن تنشرها كفزّاعة عندما تريد.
وهنا تحقّقت الفتنة في الصلاة وقد أنزل الله بذلك قرءانًا ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم تلك المرأة بأن تغطي وجهها درءًا للفتنة وسدًّا للذرائع.
ثم انظر أيها المطالع إلى تقلب البوطي فبعد ما قال من وجوب تغطية المرأة لوجهها سدًّا للذرائع يقول مجيبًا على سؤال في مجلة طبيبك عدد نيسان 1991: “وبعد، فإنني أقول للسائل مع يقيني بأن كلاً من الحيطة والورع يقتضيان ستر الوجه فإنني أكتفي اليوم من الفتيات المسلمات وأهلهن أن يثبتن في اعتزاز وقوة على تغطية ما عدا الوجه والكفين في كل المجالات وضد كل المحاولات المعاكسة، وأغلب الظن أن الله لن يؤاخذهن عندئذ على تقصيرهن في اتباع الأورع والأحوط” اهـ. ثم انظر إلى ما يقول في كتابه “فقه السيرة” [ص/232]: “وإذا تأملت في حال المسلمين وما عمَّ فيه من الفسق والفجور وسوء التربية والأخلاق علمت أنه لا مجال للقول بجواز كشف المرأة وجهها والحالة هذه” اهـ.
وقال في مسودة الميثاق الذي كنا بصدد كتابته معه: “ثالثًا: نلتزم ونذكر بما هو مجمع عليه عند فقهاء الشريعة الإسلامية، من أن ما عدا الوجه والكفين من المرأة عورة أمام الرجال الأجانب عنها. أما الوجه فقد وقع خلاف بين العلماء في كونه عورة يجب ستره أيضًا أم لا، وذلك تبعًا لاختلافهم في تفسير قول الله تعالى: {إلا ما ظهرَ مِنها}” اهـ.
فانظر أيها المطالع إلى هذين النصين المتناقضين تمامًا للبوطي.
وكذلك يقول البوطي في عدد تشرين الثاني 1994 من مجلة طبيبك ردًّا على سؤال ورَدَهُ: “أولاً: الحجاب الذي يعني ستر ما عدا الوجه والكفين واجب على كل فتاة بلغت سن التكليف” اهـ..
أقول: ما قولك فيما تقدم: “وما عم فيه من الفسق والفجور…” فيه طعن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي خير الأمم التي لا تزال يوجد فيها أتقياء وأولياء إلى ءاخر الدهر بدليل حديث البخاري [39] عن معاوية: “لن يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله”، ولو كانت هذه الأمة في دهر من الدهور يعم الفسق فيها والفجور لما قال رسول الله هذا القول، وقد قال في التنويه بشأن أمته ما رواه أبو داود [40] من حديث أبي هريرة: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”، فأنت يا بوطي وصفت هذه الأمة بخلاف ما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه أجلتنا أنصع من ثلوج قمم الجبال، فندعوك للرجوع إلى الحق إن كنت ممن يقبلون النصيحة.
الهوامش:
[1] صريح البيان [ص/270-287]، الطبعة الثالثة.
[2] الفتاوى الكبرى [1/199].
[3] حاشية شرح الإيضاح في مناسك الحج [ص/276].
[4] المرجع السابق [ص/178].
[5] شرحروض الطالب [3/110].
[6] جامع البيان في تفسير القرءان [9/54].
[7] صحيح البخاري: كتاب الحج: باب وجوب الحج وفضله.
[8] صحيح مسلم: كتاب الحج: باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما أو للموت.
[9] موطأ مالك: كتاب الحج: باب الحج عمن لا يستطيع أن يثبت على الراحلة.
[10] سنن أبي داود: كتاب المناسك: باب الرجل يحج عن غيره.
[11] سنن النسائي: كتاب المناسك: باب حج المرأة عن الرجل.
[12] سنن الدارمي: كتاب المناسك: باب في الحج عن الحي [2/39-40].
[13] مسند أحمد [1/213].
[14] جامع الترمذي: كتاب الحج: باب ما جاء أن عرفة كلها موقف.
[15] أنظر صحيح البخاري، كتاب الاستئذان: باب قول الله تعالى: {يا أيُّها الذينَ ءامنوا لا تدخُلوا بُيوتًا غيرَ بيوتكُمْ} الآية.
[16] فتح الباري [11/10].
[17] أخرده أبو داود في سننه: كتاب المناسك: باب في المحرمة تغطي وجهها.
[18] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [3/284] كتاب الحج: باب في المحرم يغطي وجهه.
[19] تقدم تخريجه.
[20] فتح الباري [4/67-68].
[21] المبسوط [10/153].
[22] منح الجليل شرح مختصر خليل [1/222].
[23] أنظر شرح روض الطالب لزكريا الأنصاري [3/110].
[24] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [1/309].
[25] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحدود: باب من اعترف على نفسه بالزنى، والحاكم في المستدرك [4/362].
[26] تلخيص الحبير [3/148].
[27] أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الطلاق: باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، والبيهقي في السنن [7/177-178].
[28] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب اللباس: باب في قوله عز وجل: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن}، قال أبو داود: هذا لأزواج النبي خاصة، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس غند ابن أم مكتوم؟ قد قال النبي لفاطمة بنت قيس: “اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده”.
[29] فتح الباري [1/550].
[30] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب اللباس: باب فيما تبدي المرأة من زينتها.
[31] نصب الراية [1/299].
[32] التفسير الكبير [23/206-207].
[33] روضة الطالبين [1/283].
[34] أسنى المطالب شرح روض الطالب [1/176].
[35] حاشية الرملي على شرح الروض [1/176].
[36] البحر المذهب كتاب الصلاة [ق/122].
[37] إتحاف السادة المتقين [3/134].
[38] أنظر كتاب الإحسان [3/317].
[39] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب قول النبي لأمته: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق”.
[40] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الملاحم: باب ما يذكر في القرن المئة.
البوطي يرى أن أي امرأة خرجت متعطرة قصدت التعرض للرجال أو لم تقصد فعليها إثم ووزر كبير
وقع في يدنا شريك مسجل بصوت البوطي زعم فيه أن المرأة إذا خرجت من بيتها متعطرة ليس بقصد فتنة الرجال فعليها إثم ووزر كبير، وقد كان أكبر احتجاجه بالحديث الذي رواه ابن حبان وغيره: “أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية”، وسرد كلامًا لا يستند على حجة ولا دليل شرعي، وزعم أن اللام في قوله: “ليجدوا” هي لام العاقبة وليست لام التعليل، وذكر في أثناء كلامه شيئًا من القبائح والشتائم والافتراءات في حق العلامة الشيخ عبد الله الحبشي الهرري وأتباعه فأتى ببهتان عظيم، والله حسيبه.
الرد: نقول: وجوابنا عن توهماتك هو بالعلم والدليل وليس بالأراجيف والأكاذيب، قال العلامة الشيخ المحدث الفقيه عبد الله الهرري ما نصه [1]: “اعلم أن خروج المرأة متزينة أو متعطرة مع ستر العورة مكروه تنزيهًا دون الحرام، ويكون حرامًا إذا قصدت المرأة بذلك التعرّض للرجال، أي إذا قصدت فتنتهم.
روى ابن حبان [2] والحاكم [3]، والنسائي [4] والبيهقي [5] في باب ما يكره للنساء من الطيب، وأبو داود [6] عن أبي موسى الأشعري مرفةعًا: “أيما ارمأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية”.
وأخرج الترمذي [7] في باب ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطّرة من حديث أبي موسى الأشعري أيضًا مرفوعًا: “كل عين زانيةٌ، والمرأة إذا استعطرت فمرّت بالمجلس فهي كذا وكذا” يعني زانية. اهـ.
فهذه الرواية الأخيرة مطلقة، ورواية: “ليجدوا ريحها” مقيّدة، ومخرج الكل واحد، فيحمل المطلق على المقيّد عملاً بالقاعدة التي جرى عليها الجمهور من حمل المطلق على المقيّد تحاشيًا لما يترتب على العكس من الخروج عن إجماع الأئمة، فإنه لم يقل أحد منهم بحرمة خروج المرأة متطيّبة على الإطلاق، وهذا الحمل موافق لحديث عائشة الذي رواه أبو داود [8] في سننه أنها قالت: “كنّا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمّخ جباهنا بالمسك المطيب للإحرام، فإذا عرقت إحدانا سالَ على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا”. والرسول ونساؤه كانوا يُحرِمُون بذي الحليفة وهي على بضعة أميال من المدينة” انتهى كلام الشيخ الهرري.
فبالله يا بوطي ماذا تقول في هذا، نساءُ النبي يتعطرن بالمسك للإحرام ويخرجن فيسيل على وجوههن وأفضل الخلق لا ينهاهن، فأين أنت من هذا، أين قولك إذا تعطرت المرأة وخرجت كانت ءاثمة قصدت التعرض أو لم تقصد، فأنت بكلامك هذا جعلت نساء النبي عاصيات والرسول ساكتًا على المنكر.
ثم قال الشيخ الهرري: “والحديث الأول رواه النسائي، والبيهقي في باب ما يكره للنساء من الطيب لأنه لم يفهما منه تحريم خروج المرأة متعطرة إلا الكراهة التنزيهية، لأن الكراهة إذا أُطلقت فيُراد بها عند الشافعيين الكراهة التنزيهية كما ذكر ذلك الشيخ أحمد بن رسلان [9] الشافعي قال:
وفاعلُ المكروه لم يُعَذَّبِ *** بل إن يكُفّ لامتثالٍ يُثَبِ
ومن المعلوم أن البيهقي كان شافعيَّ المذهب، ومثل الشافعية الحنابلة والمالكية فإنهم يريدون بالكراهة عند إطلاقها الكراهة التنزيهية، أما الحنفية فيريدون بها غالبًا ما يأثم فاعله.
فالقائل بحرمة خروج المرأة متعطّرة على الإطلاق ماذا يفعل بهذا الحديث، وهو صحيح لم يضعّفه أحد من الحفّاظ، ولا عبرة بمّن ليس له مرتبة الحفظ كما هو مقرر في كتب المصطلح.
وأمّا حديث أبي هريرة الذي أخرجه ابن خزيمة [10] وفيه أنه مرّت بأبي هريرة امرأة وريحها تعصف فقال لها: “أين تريدين يا أمة الجبار؟ قالت: إلى المسجد، قال: تطيبتِ لذلك؟ قال: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يقبل الله من امرأة صلاة خرجت إلى المسجد وريحها تعصف حتى ترجع فتغتسل” فلم يصحّحه أحد من الحفاظ، وإن ابن خزيمة الذي أخرجه قال فيه: “إن صح الخبر”، بالمعنى الشامل للصحيح والحسن لأنه لا يفرق بين الحسن والصحيح. أما قول ابن حجر الهيتمي بعد قول ابن خزيمة إن صح الخبر “أي إن صح هذا الحديث وقد صحّ” فلا حجة فيه لأنه لم ينقل هذا التصحيح عن حافظ معتبر كابن حجر العسقلاني، فلا يجوز الخروج عن ظواهر تلك الأحاديث أي إلغاء العمل بها كحديث عائشة الذي سبق ذكره والذي هو أقوى إسنادًا من حديث أبي هريرة من أجل هذا الحديث الذي لم يصححه مخَرّجه ابن خزيمة، بل يجمع بينهما فيقال: لو صح هذا الحديث فليس فيه تحريم خروجها متعطّرة، وإنما فيه أن صلاتها في هذه الحال في المسجد لا تكون مقبولة، ومن المعلوم أن كثيرًا من الكراهات تمنع القبول أي الثواب مع كون العمل جائزًا وانتفاء المعصية، مثال ذلك ترك الخشوع في الصلاة فإن الصلاة تصحّ بدون الخشوع مع عدم المعصية والقبول، أي لا ثواب فيها، ونظير هذا الحديث حديث ابن عباس رفعه: “من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر”، قالوا: وما العذر؟ قال: “خوف أو مرض، لم تقبل منه الصلاة التي صلى”. رواه أبو داود [11] والحاكم [12] والبيهقي [13] وغيرهم. وجه الاستدلال بالحديث أنه كما لا يفهم منه أن كل إنسان يتخلف عن الحضور إلى الجماعة حيث ينادى بالأذان وصلى في بيته يكون عاصيًا، كذلك لا يقصد بحديث أبي هريرة أن التي خرجت متطيبة إلى المسجد تكون عاصية بمجرد خروجها، إنما يُفهم منه أن ذهابها إلى المسجد مكروه كما أن الذي لم يذهب إلى موضع الأذان يكون بترك حضوره الجماعة حيث الأذان ينادى به قد فعل فعلاً مكروهًا. على أن حديث أبي هريرة هذا ليس في مطلق التطيّب بل في شدة رائحة الطيب لأن هذا معنى العصف كما هو معروف في اللغة، ومن ظن أنه لمطلق ريح الطيب فهذا جهل منه باللغة.
وأما حديث: “لا تمنعوا إماء الله ولكن ليخرجن تفلات”، [14] فلا يفيد إلا الكراهة التنزيهية لمن تذهب إلى المسجد وهي متطيّبة.
وأمّا دعوى بعض أنه في النسائي رواية: “فمرّت بقوم فوجدوا ريحها” فهو غير صحيح، إذ لا وجود لهذه الرواية في النسائي.
ولينظر إلى رواه ابن أبي شيبة [15] عن محمد بن المنكدر قال: “زارت أسماء أختها عائشة والزبير غائب فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فوجد ريح طيب فقال: “ما على المرأة أن تطيّب وزوجها غائب”، فلو كان ذلك حرامًا لبيّن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن مفلح المقدسي الحنبلي في الآداب الشرعية ما نصه [16]: “ويحرم خروج المرأة من بيت زوجها بلا إذنه إلا لضرورة أو واجب شرعي”، إلى أن قال: “ويكره تطيبها لحضور مسجد أو غيره” اهـ.
فيعلم مما تقدم أن ما جاء في الحديث لا يحرّم خروج المرأة متعطّرة على الإطلاق، وإنما يحرمه إذا قصدت التعرّض للرجال.
فإن قيل: إن اللام التي في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فمرّت بقوم ليجدوا ريحها” هي لام العاقبة وليست لام التعليل.
فالجواب: أن هذا لا يصحّ لوجوه منها:
الأول: أن لام العاقبة هي التي يكون ما بعدها نقيضًا لمقتضى ما قبلها [17]، كالتي في قوله تعالى: {فالتَقَطَهُ ءالُ فرعونَ ليكُونَ لهُمْ عَدُوًّا وحَزَنًا} [سورة القصص/9]، أي فكانت العاقبة أن كان سيدنا موسى عليه السلام عدوًا لهم وحزنًا، فهذه اللام ما بعدها مناقض لمقتضى ما قبلها، لأن ءال فرعون إنما التقطوا سيدنا موسى من اليمّ ليكون لهم عونًا وينصرهم، ولكن العاقبة هي أنه كان عدوًا لهم وحزنًا، وهذا لا يصحّ في هذا الحديث لأن ظهور ريح الطيب ليس مناقضًا لخروج المرأة متعطرة.
الثاني: أن اللام لا تكون للعاقبة إلا بطريق المجاز كما قال الإمام ابن السمعاني أحد مشاهير الأصوليين، والمجاز لا بدّ له من دليل لا يصار إليه إلا لأجله، ولا دليل هنا للمجاز إلا التعصّب للرأي على طريق التحكّم كما قال الإمام ابن السمعاني أحد مشاهير الأصوليين، نقل ذلك عنه الزركشي في بحث معاني الحروف في تشنيف المسامع.
الثالث: أن هذا فيه إبطال الحديث الذي رواه أبو داود عن عائشة الذي فيه أن نساء النبيّ كنّ يضمخن جباههنّ بالمسك للإحرام، وقد تقدّم ذكره.
ويَرِدُ على كلام المؤولين لحديث “ليجدوا” بأنه لام العاقبة أن شم الرجال ريحها قد لا يحصل لكونها تمر بعيدة من الرجال بحيث لا يصل ريحها إليهم فيؤدي كلامهم أن يكون هذا جائزًا، فهل يقولون بذلك أي أنها إذا خرجت بحيث لم يجد الرجال ريحها فهو جائز.
فواضح أن هذه اللام هي لام التعليل كما فهم ذلك ابن رشد القرطبي من كلام الإمام مالك كما سيأتي.
وروى البيهقي [18] في سننه أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلّى ركعتين لم يصلّ قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهنّ بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خُرصها وسخابها. قال البيهقي: “رواه البخاري في الصحيح [19] عن أبي الوليد وأخرجه مسلم [20] عن شُعبة” اهـ. فهذا الحديث فيه أن هؤلاء النسوة خرجن يوم العيد وهنّ لابسات السخاب، وهو نوع من الطيب فلم ينكر عليهنّ، والخُرصُ هو حلقة الذهب والفضة كما في القاموس في مادة: [خ ر ص]، والسّخاب قال صاحب القاموس: “قلادة من سُكٍّ وقرنفل ومحلب بلا جوهر”. وهذا من أدلّة جواز خروج المرأة متزينة أيضًا.
يقول القرطبي [21] عند تفسير قوله تعالى: {وقُلْ للمؤمِناتِ يَغضِضْنَ مِنْ أبصارِهِنَّ} [سورة النور/31] مبيّنًا الأقوال التي وردت في تفسيرها ما نصه: “الثالثة: أمَر الله سبحانه وتعالى النساء بأن لا يبدين زينتهنّ للناظرين إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية حِذارًا من الافتتان. ثم استثنى ما يظهر من الزينة، واختلف الناس في قدر ذلك فقال ابن مسعود: ظاهر الزينة هو الثياب، وزاد ابن جبير: الوجه، وقال سعيد بن جبير أيضًا وعطاء والأوزاعي: الوجه والكفان والثياب، وقال ابن عباس وقتادة والمِسوَر بن مَخرمة: ظاهر الزينة هو الكحل والسّوار والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخُ ونحو هذا فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس.
الرابعة: الزينة على قسمين: خلقية ومكتسبة، فالخلقية: وجهها فإنه أصل الزينة وجمال الخلقة ومعنى الحيوانية لما فيه من المنافع وطرق العلوم، وأما الزينة المكتسبة: فهي ما تحاوله المرأة من تحسين خلقتها كالثياب والحليّ والكحل والخضاب” اهـ.
ثم قال: “الخامسة: من الزينة ظاهر وباطن، فما ظهر فمباح أبدًا لكل الناس من المحارم والأجانب” اهـ.
وفي البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي [22] عند تفسير قوله تعالى: {وقُل للمؤمناتِ يَغضُضْنَ مِنْ أبصارهنّ} [سورة النور/31] إلى ءاخر الآية ما نصه: “ثم قال:: {ولا يُبدينَ زينَتهُنَّ} [سورة النور/31] واستثنى ما ظهر من الزينة، والزينة ما تتزيّن به المرأة من حليّ أو كحل أو خِضاب، فما كان ظاهرًا منها كالخاتم والفتَخَة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب، وما خفي منها كالسوار والخلخال والدُّملج والقلادة والإكليلوالوشاح والقرط فلا تبديه إلا لمن استثني، وذكر الزينة دون مواضعها مبالغة في الأمر بالتصوّن والتستر، لأن هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحلّ النظر إليها لغير هؤلاء، وهي الساق والعضد والعنق والرأس والصدر والآذان” اهـ.
ثم قال: “وسُومح في الزينة الظاهرة لأن سترها فيه حرج، فإن المرأة لا تجد بدًّا من مزاولة الأشياء بيدها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصًا في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها خاصة الفقيرات منهنّ، وهذا معنى قوله: {إلا ما ظهرَ منها} [سورة النور/31] يعني إلا ما جرت العاجة والجِبلَّةُ على ظهوره والأصل فيه الظهور” اهـ.
وفي كتاب البيان والتحصيل [23] ما نصه: “وسئل مالك عما يكون في أرجُل النساء من الخلاخل، قال: ما هذا الذي جاء فيه الحديث، وتركهُ أحَبُّ إلي من غير تحريم له، قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة والله أعلم أنّ مالكًا إنما سُئل عما يجعله النساء في أرجلهنَّ من الخلاخل وهنَّ إذا مشين بها سُمعت قعقعتها فرأى ترك ذلك أحبَّ إليه من غير تحريم، لأن الذي يحرم عليهن إنما هو ما جاء النهيُ فيه من أنْ يقصدْنَ إلى إسماع ذلك وإظهاره من زينتهن لمن يخطرن عليه من الرجال: قال الله تعالى: {ولا يضْرِبْنَ بأرجُلهنَّ ليُعلَمَ ما يُخفينَ من زينتهنَّ} [سورة النور/31] ومن هذا المعنى ما رُوي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أيُّما امرأةٍ استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية” لعدم حرمة خروجها متعطرة إلا إذا كانت نيتها التعرض للرجال” اهـ.
وقال النووي في المجموع [24] ما نصه: “فرع: إذا أرادت المرأة حضور المسجد كره لها أن تمسّ طيبًا وكره أيضًا الثياب الفاخرة” اهـ.
وفي كتاب نهاية المحتاج [25] لشمس الدين الرملي المشهور بالشافعي الصغير ما نصه: “أما المرأة فيكره لها لها الطيب والزينة وفاخر الثياب عند إرادتها حضورها” اهـ. أي الجماعة.
وقال زكريا الأنصاري الشافعي في كتاب أسنى المطالب [26] ممزوجًا بالمتن: “[ويستحب] الحضور [للعجائز] والأولى لغير ذوات الهيئات بإذن أزواجهنّ، وعليه يحمل خبر الصحيحين عن أم عطية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج العواتق وذوات الخدور والحيّض في العيد، فأما الحيّض فكنّ يعتزلن المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، والعواتق جمع عاتق وهي البنت التي بلغت، والخدور جمع خدر وهو الستر، [مبتذلات] أي لابسات ثياب بِذْلة وهي ما يُلبس حال الخدمة لأنها اللائقة بهنّ في هذا المحل، [ويتنظفن بالماء فقط] يعني من غير طيب ولا زينة فيكره لهنّ ذلك لما مرّ في الجمعة، [ويكره لذوات الهيئات والجمال] الحضور كما مرّ في صلاة الجماعة فيصلّين في بيوتهنّ، ولا بأس بجماعتهنّ لكن لا يخطبن فإن وعظتهنّ واحدة فلا بأس” اهـ.
وقال زكريا الأنصاري في موضع ءاخر [27] منه ما نصه: “فرع: يستحب للمزوجة وغيرها عجوزًا أو شابة مسح وجهها بالحناء للإحرام وخضب كفيها به له لتستر به ما يبرز منها، لأنها تؤمر بكشف الوجه وقد ينكشف الكفّان، ولأن الحناء من زينتها فندب قبل الإحرام كالطيب. وروى الدارقطني عن ابن عمر أن ذلك من السنّة تعميمًا للكفين لا نقشًا وتسويدًا وتطريفًا فلا يُستحب شيء منها لما فيه من الزينة وإزالة الشعث المأمور به في الإحرام، بل إن كانت خَلية أو لم يأذن لها حليلها حرم وإلا فلا كما مرّ في شروط الصلاة، ويكره لها الخضب بعد الإحرام لما مرّ ءانفًا، وفي باقي الأحوال أي وفي الإحرام يستحب للمزوجة لأنه زينة وهي مطلوبة منها لزوجها كل وقت كما مرّ في شروط الصلاة ويكره لغيرها بلا عذر لخوف الفتنة” اهـ.
وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف [28] ما نصه: “وأباح ابن الجوزي النمص وحده، وحمل النهي على التدليس أو أنه من شعار الفاجرات، وفي الغُنية وجه، يجوز النمص بطلب الزوج، ولها حلقه –أي للمرأة حلق وجهها- وحفه نصّ عليهما، وتحسينه بتحمير ونحوه” اهـ.
وانظر إلى ما قال النووي في كتاب المجموع [29] ففيه ما نصه: “وأما ذوات الهيئات وهن اللاتي يشتهين لجمالهنّ فيكره حضورهنّ –أي إلى محل صلاة العيد-، هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجمهور، وحكى الرافعي وجهًا أنه لا يستحب لهنّ الخروج بحال والصواب الأول، وإذا خرجن استحبّ خروجهنّ في ثياب بذلة ولا يلبسن ما يشهرهنّ، ويستحب أن يتنظفن بالماء ويُكره لهنّ التطيّب لما ذكرناه في باب صلاة الجماعة، هذا كله حكم العجائز اللاتي لا يشتهين ونحوهنّ، فأما الشابة وذات الجمال ومَن تُشتهى فيُكره لهنّ الحضور لما في ذلك من خوف الفتنة عليهنّ وبهنّ” اهـ.
وفي الإيضاح للنووي [30] عند ذكر أنه يسنّ التطيّب للإحرام ما نصه: “وسواء فيما ذكرناه من الطيب الرجل والمرأة” اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري [31] ما نصه: “قوله: [ولبست عائشة الثياب المعصفرة وهي مُحرمة] وصله سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال: كانت عائشة تلبس الثياب المعصفرة وهي مُحرِمة” إسناده صحيح. وأخرجه البيهقي من طريق ابن أبي مُليكة: “ان عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر الخفيف وهي محرمة”، وأجاز الجمهور لبس المعصفر للمحرم. وعن أبي حنيفة: العصفر طيب وفيه الفدية، واحتج بأن عمر كان ينهى عن الثياب المصبغة، وتعقبه ابن المنذر بأن عمر كره ذلك لئلا يقتدي به الجاهل فيظن جواز لبس المورّس والمزعفر، ثم ساق له قصة مع طلحة فيها بيان ذلك. قوله [وقالت] أي عائشة [لا تلثّم] بمثناة واحدة وتشديد المثلثة: وهو على حذف إحدى التاءين، وفي رواية أي ذر تلتثم بسكون اللام وزيادة مثناة بعدها أي لا تغطي شفتها بثوب، وقد وصله البيهقي، وسقط من رواية الحموي من الأصل، وقال سعيد بن منصور “حدثنا هُشيم، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: “تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها على وجهها”، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى، عن هشام، عن الحسن وعطاء قالا: “لا تلبس المحرمة القفازين والسراويل ولا تَبَرْقَعُ ولا تَلَثَّمُ، وتلبس ما شاءت إلا ثوبًا ينفض عليها ورسًا أو زعفرانًا” وهذا يشبه ما ذكر في الأصل عن عاشئة. قوله [وقال جابر] أي ابن عبد الله الصحابي.
قوله [لا أرى المعصفر طيبًا] أي تطيبًا، وثله الشافعي ومسدد بلفظ “لا تلبس المرأة ثياب الطيب ولا أرى المعصفر طيبًا” وقد تقدّم الخلاف في ذلك. قوله [ولم تر عائشة بأسًا بالحلي والثوب الأسود والمورد والخف للمرأة] وصله البيهقي من طريق ابن باباه المكي أن امرأة سألت عائشة: ما تلبس المرأة في إحرامها؟ قالت عائشة: تلبس من خزها وبزها وأصباغها وحليها. وأما المورّد والمراد ما صبغ على لون الورد فسيأتي موصولاً في باب طواف النساء في ءاخر حديث عطاء عن عائشة، وأما الخف فوصله ابن أبي شيبة عن ابن عمر والقاسم بن محمد والحسن وغيرهم، وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخِفاف، وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها غتسدل عليه الثوب سدلاً خفيفًا تستتر به عن نظر الرجال ولا تخمره إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر قالت: “كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر” تعني جدتها قال: ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدلاً كما جاء على وجوهنا ونحن محرمات فإذا جاوزنا رفعناه” انتهى. وهذا الحديث أخرجه هو من طريق مجاهد عنها وفي إسناده ضعف” اهـ.
وقال سيف الدين أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال في كتاب حلية العلماء [32] ما نصه: “منصوص الشافعي رحمه الله في عامة كتبه أن حكم المرأة في استحباب التطيّب للإحرام كحكم الرجل” اهـ. ثم قال: “وحكي الداركي أن الشافعي رحمه الله قال في بعض كتبه: “إنه لا يستحب للمرأة أن تتطيّب للإحرام فإن فعلت ذلك كان جائزًا كحضور الجماعة” والأول أصح. اهـ. ومراده بالأول أن استحباب التطيّب للمرأة للإحرام هو الأصح. ويستدل بكلام الشافعي رضي الله عنه على جواز تطيّب المرأة لحضور الجماعة، ولم يجعل جواز التطيب خاصًا بالمحرمة بل جعله مطلقًا للمحرمة ولمن تريد حضور الجماعة ولم يقيّد الجواز بالمحرمة، ومن ادّعى التقييد فليأتِ بنص عن مجتهد فيه جواز التطيب للنساء بحال الإحرام وتحريمه في غيره.
وقال الشاشي في الحلية [33] أيضًا ما نصه: “شعرها بشعر نجس، فأما إن وصلته بشعر طاهر أو حمّرت وجهها أو سوّدت شعرها أو طرفت أناملها –أي استعملت الحناء لأطراف الأصابع- ولها زوج لم يكره وإن لم يكن لها زوج كره لما فيه من الغرور” اهـ.
وقال إمام المالكية في عصره أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحَطاب في كتاب مواهب الجليل [34] ما نصه: “فرع: قال ابن القطّان: ولها أن تتزين للناظرين –أي للخطبة- بل لو قيل بأنه مندوب ما كان بعيدًا، ولو قيل إنه يجوز لها التعرض لمن يخطبها إذا سَلِمَت نيّتها في قصد النكاح لم يبعد” انتهى.
وقال الشيخ منصور البُهوتي الحنبلي في كتاب كشاف القناع [35] ممزوجُا بالمتن ما نصه: “ولها أي المرأة حلق الوجه وحفّه نصًّا، والمحرّم إنما هو نتف شعر وجهها، قاله في الحاشية، ولها تحسينه وتحميره ونحوه من كل ما فيه تزيين له، ويكره حفه أي الوجه لرجل، نص عليه، وكذا التحذيف وهو إرسال الشعر الذي بين العِذار والنَّزَعَة يكره للرجل لأن عليًّا كرهه رواه الخلال، لا لها أي لا يكره التحذيف لها لأنه من زينتها، ويكره النقش والتكتيب والتطريف وهو الذي يكون في رءوس الأصابع وهو القموع رواه المروذي عن عمر، وبمعناه عن عائشة وأنس وغيرهما بل تغمس يدها في الخضاب غمسًا نصًّا” اهـ. وقوله نصًّا يعني نص الإمام أحمد على ذلك.
وفي الفتاوى البزّاوية [36] الحنفية ما نصه: “له والدة شابة تخرج بالزينة إلى الوليمة والمأتم بلا إذنه ولها زوج، لا يتمكن من منعها ما لم يثبت عنده أنها تخرج للفساد فإن ثبت رفع الأمر إلى القاضي ليمنعها” اهـ. وهذا نص صريح عند الحنفية على جواز خروج الشابة متزيّنة ما لم تخرج للفساد. وهذه نصوص من المذاهب الأربعة فبعد هذا لا وجه للإنكار.
تتمة: التبس الأمر على بعض الناس فظنوا أن هذه الآية: {ولا يُبدينَ زينتهُنَّ إلا لِبُعُولِهِنَّ} [سورة النور/31] إلى ءاخر الآية، يراد بها تحريمُ الزينة على النساء في غير حضرة الزوج والمحارم النساء، متوهمين أن الزينة هي الزينة الظاهرة باللباس والحليّ فقد وضعوا الآية في غير موضعها، والأمر الصحيح أن المراد بالآية كشف الزينة الباطنة من الجسد وهو ما سوى الوجه والكفين، والقدمين عند بعض الأئمة، بخلاف الزينة المستثناة في ءاية: {إلا ما ظهر منها} فإن الله تعالى أباح كشف الوجه للحرة وغيرها لحاجة الخلق إلى ذلك، والحاصل أن الزينة في الموضعين بدن المرأة.
فائدة: قد مرّ في هذا المبحث أن ذكرنا أنّ حديث أبي موسى: “أيما امرأة خرجت مستعطرة فمرّت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية” صحيح لم يختلف فيه، وذكرنا حديث أبي هريرة أنه لقي امرأة يعصف ريحها طيبًا فقال: إلى أين تريدين يا أمة الجبار؟ قالت: إلى المسجد، قال: وتطيبت لذلك؟ قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا خرجت المرأة متطيبة إلى المسجد لم تقبل صلاتها”.
نقول: لا يصح أن يكون هذا الحديث معارضًا لحديث أبي موسى، فلا يصح أن يكون دليلاً لتحريم خروج المرأة متعطرة مطلقًا من غير تقييد بحالة قصدها التعرّض للرجال كما هو مُفاد حديث أبي موسى، لأن مخرّجه ابن خزيمة توقف عن تصحيحه لقوله: “إن صح الخبر”، وعلى فرض صحته لا دليل فيه على أنها تكون عاصية بخروجها متطيبة لو لم تقصد التعرض للرجال، لأنه لا يلزم من نفي قبول صلاتها حرمة تطيبها على الإطلاق قصدت بخروجها التعرض للرجال أو لا، وذلك نظير حديث أبي داود الطيالسي [37] الذي رواه جرير بن عبد الله البَجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم: “العبد الآبق لا تقبل له صلاة حتى يرجع إلى مواليه” فإنه ليس فيه دلالة على أن عدم قبول صلاته هو دليل حرمة إباقه، وإنما حرمة إباقه أخذ من دليل ءاخر، فعدم قبول صلاة المرأة المتطيبة لذهابها إلى المسجد مثل عدم قبول صلاة هذا العبد الآبق فلا يفهم منه أن عدم قبول صلاتها في هذه الحالة هو مستلزم لحرمة خروجها متطيبة في غير حالة قصدها التعرّض للرجال، فلا يجوز إطلاق القول بأن خروج المرأة متطيبة حرام مطلقًا اعتمادًا على هذا الحديث. وهناك دليل ءاخر من الحديث وهو: “ثلاثة لا ترفع صلواتهم فوق رءوسهم شبرًا: امرأة باتت وزوجها ساخط عليها، وعبد ءابق، ورجل أمّ قومًا وهم له كارهون” أخرجه الترمذي وابن حبان بنحوه وصححه [38]. فإنه لا دلالة فيه على أن الذي أمّ قومًا وهم له كارهون عاصٍ بإمامته للقوم بل فيه أن إمامته مكروهة لا ثواب فيها كما نص على ذلك الشافعية، فمن أين لهؤلاء أن يتسلموا منصبًا ليس لهم ويجتهدوا وهم أبعد الناس عن منصب الاجتهاد، وغاية أمرهم أن يتعلموا ما قاله الفقهاء ويعملوا به، لكنهم تجاوزوا طورهم وهم يعيشون في فوضى كما قال الأفوه الأودي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ولا سراة إذا جهالهم سادوا
ومما يشهد لما ذكرنا حديث: “من سمع النداء فلم يُجِبْ فلا صلاة له، إلا من عُذرٍ” رواه ابن حبان [39] وصححه فإنه لا يفيد العصيان بترك الحضور إلى محل النداء في جميع الحالات، وإنما يكون ذلك فيما إذا كان تخلف عن الجمعة التي هي فرض عين أو عن غير الجمعة إذا كان يحصل بتخلفه فقدان شعار الجماعة.
فتبين بهذا أن القول بأن لام: “ليجدوا ريحها” المذكورة في حديث أبي موسى لام العاقبة كلامٌ بعيد عن الصواب، كيف يتجرأ طالب الحق بعد أن يعلم أن مذهب الشافعي أن التطيّب للذكر والأنثى للإحرام سنّة وبعد أن سمع حديث عائشة: “كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة للإحرام فنضمخ جباهنا بالمسك المطيب، فإذا عرقنا سال على وجوهنا فيرى رسول الله ذلك فلا ينهانا”، على تحريم خروج المرأة متطيبة على الإطلاق من غير تفصيل يفيده حديث أبي موسى.
فنصيحتي لمن سلك هذا المسلك أن ينظر مع التجرد عن التعصّب للرأي فيما ذكر هنا مع ما مرّ قبل من الأدلة:” انتهى كلام المحدث الهرري.
أقول: وقول البوطي في شريطه إن السيدة عائشة قالت: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما مُنِعَهُ نساء بني إسرائيل.
فالجواب: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري ما نصه [40]: “وتمسَّك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقًا وفيه نظر إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنّته فقالت لو رأى لمنع، فيقال عليه لم ير ولم يمنع فاستمر الحكم، حتى إن عائشة لم تصرّح بالمنع وإن كان كلامها يُشعر بأنها كانت ترى المنع. وأيضًا فقد علم الله سبحانه ما سيُحدثن فما أوحى إلى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى، وأيضًا فالاحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فإن تعيّن المنع فليكن لمن أحدثت” اهـ.
ثم نريد أن نسأله سؤالاً لماذا لم يمنع إمام ذلك الزمان –أيام السيدة عائشة- النساء من الذهاب إلى المساجد وفقًا للقاعدة التي تشهرها البوطي دائمًا سد الذرائع ودرء المفاسد، أم يزعم أن هذه القاعدة لا يجوز لأحد أن يعمل بها سواه، وإذا كان البوطي ادعاها لنفسه دون غيره فلماذا لا يفتي في هذا العصر الذي كثر فيه الفجور بمنع النساء من الذهاب إلى المساجد درءًا للمفاسد وسدًا للذرائع كما زعم.
ومن السذاجة بمكان أن يقيس البوطي –وهو ليس من أهل القياس- في شريطه المرأة التي خرجت متعطرة ولا تقصد التعرض للرجال بالمرأة التي تخرج عارية ولم يكن قصدها أن يفتتن الرجال بها ثم يقول يفتتنون أم لا.
فهل يقول هذا الكلام عاقل؟! كل ذلك من أجل أن ينصر أهواءه، يقيس امرأة متعطرة بامرأة عارية، فنسأل الله أن يثبت علينا الدين والعقل.
أما حديث: “إذا شهدت إحداكن صلاة العشاء فلا تمسنَّ طيبًا” فهو حديث صحيح رواه مالك في الموطإ بهذا اللفظ [41] ومسلم بلفظ: “إذا شهدت إحداكن العِشاء فلا تطيّب تلك الليلة” [42].
وهاك الجواب على هذا الحديث وأشباهه في هذا المقام: المجتهدون يعرفون هذا النهي هل هو للتحريم أم للكراهة أم لبيان الأفضلية، وقد ورد النهي في حديث صحيح عن أمر وليس المراد به التحريم وهو حديث ابن حبان [43]: “لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي”، فلا يُفهم من الحديث عدم جواز صحبة غير المؤمن وعدم جواز إطعام غير التقي وإنما يُفهم منه أنّ الأولى بالصحبة المؤمن وبالإطعام التقي.
أئمة الفقه والحديث قالوا مكروه إلا إذا كانت المرأة المتطيبة قصدت بخروجها التعرض للرجال بالزينة الفاخرة أو الطيب فإنه يحرم، فليس لأحد من غيرهم بعد هذا كلام لمحاولة التحريم المطلق.
وأما ادعاؤك في هذا الشريط حيث تقول: “وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في الصحيح إذا وجدوا امرأة قد دخلت المسجد ورائحة العطر تفوح منها يطردونها من المسجد ويخرجونها من المسجد، ولم يكن واحد منهم يسألها هل قصدت عندما تعطرت أن يجد الناس رائحة العطر أم لا”.
قلنا: عمن نقلت هذا وفي أي كتاب، وإن وُجد فعليك أن تثبت إسناده قبل أن تحتج به، ونحن نتحداك أن تثبت هذا الذي تدعي، ونتحداك أن تعزوه لأيّ من الصحاح، فكيف تقول: “كما ورد في الصحيح” وكأن أهل العلم والحديث انقرضوا فأمنت أن لا يرد عليك أحد.
ثم أنت ذكرت هذا التقسيم في كتابك المسمى “الإنسان مسير أن مخير” [ص/133] فقلت: “إن من الأوامر ما يصدر عن تكليف وإلزام ومنها ما يصدر عن إرشاد وتخيير، فأما الأوامر والنواهي التي تصدر عن تكليف فهي تلك التي تحمل معنى الإلزام وهو الوجوب، أو تحمل ما هو قريب من الإلزام وهو الندب، ويلاحظ المكلف في الانقياد لها المثوبة والأجر. وأما الأوامر والنواهي الإرشادية فهي تلك التي تحمل معنى الإرشاد للمأمور إلى ما هو الاضمن لتحقيق حوائجه وأغراضه كقوله تعالى: {وأَشْهِدوا إذا تَبَايعْتُم} [سورة البقرة/282] وكقوله تعالى: {إذا تَدايَنتُم بدَيْنٍ إلى أجلٍ مُسمَّى فاكتُبوهُ} [سورة البقرة/282] ومن المعلوم أن مخالفة هذه الأوامر لا تسبب للمخالف أي وزر” اهـ.
فالعجب أنك ترى الأمر بترك التعطّر على سبيل الوجوب وهو في الحقيقة على سبيل الندب كما بيّنا، وأنك ترى النهي في قوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرةَ} على سبيل الندب والحقيقة أنه على سبيل الوجوب حيث فنّدنا مزاعمك في ذاك البحث في ردنا عليك في هذا الكتاب على مسئلة الحديث: “احتج ءادم وموسى” وسقنا الادلة هناك على أن النهي للوجوب وليس للندب كما زعمت وادعيت بلا دليل.
وأقول: نحن لم نُرد من هذا كله تشجيع المرأة للخروج متعطرة متزينة بل المراد بيان الحكم الشرعي المقرر من قبل الفقهاء وغيرهم، وقد ادعى البوطي مفتريًا على العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري أنه قال: “يجب على المرأة أن لا تستر وجهها وإن فعلت ذلك فهي عاصية”، فلا ندري من أين جاء بهذا الافتراء وليس غريبًا عليه، ألم يقرأ كتاب العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري حيث يقول في كتابه “صريح البيان” [44]: “والاحسن –أي للمرأة- أن تسترهما”، والله حسيبه.
ثم من أعجب العجب قول البوطي في هذا الشريط أن هناك حديثين متناقضين حديثًا يمنع من أن نمنع النساء الخروج إلى المساجد، وحديثًا يمنع من الخروج إلى المساجد، فأي حديث من حديث رسول الله أو من صحابي يمنع ذلك؟! فقد وقعت على أم رأسك يا بوطي فاستفق من سباتك، ولن تستطيع أن تثبت عن رسول الله أو عن صحابي من أصحاب رسول الله تحريم دخول النساء إلى المساجد. أما قول عائشة: “لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن من الخروج إلى المساجد كما مُنِعَهُ نساء بني إسرائيل” فليس فيه تحريم، فلو كانت عائشة ترى التحريم لصرخت بين النساء بتحريم ذهابهن إلى المسجد، وأما ما حصل في نساء بني إسرائيل من أنهن حرم عليهن الذهاب إلى المسجد لأمر أحدثنه وهو أنهن كن يتخذن خِفافًا من خشب لتظهر في أعين الناس طويلة لفتنة الرجال فحرم عليهن الذهاب إلى المساجد، وليس ذلك شرعًا لأمة محمد إنما شرع سيدنا محمد هو ما تضمنه هذا الحديث الصحيح المشهور: “لا تمنعوا إماء الله من مساجد الله وليخرجن تفلات” أي غير متطيبات. وأشار بقوله: “تفلات” أنهن إذا كن متطيبات فدخولهن المساجد مكروه كما عبر بالتكريه شيخ المحدثين الحافظ الكبير البيهقي رحمه الله في السنن الكبرى، وكذلك الفقهاء في كتبهم قالوا بكراهية ذهاب النساء إلى المسجد متطيبات أو لابسات ثيابًا فاخرة، وهذه كتب الفقه الشافعي تصرح بذلك وكذلك غيرهم.
وجدير بهذه المسئلة أن نسوق هذا الحديث الموقوف على عائشة فقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري ما نصه [45]: “وقد ثبت ذلك من حديث عروة عن عائشة موقوفًا أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولفظه قالت: كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلاً من خشب يستشرفن للرجال في المساجد فحرّم الله عليهن المساجد وسلطت عليهن الحيضة، وهذا وإن كان موقوفًا حكمه حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي” اهـ. وروى ابن حبان [46] عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أن امرأة من بني إسرائيل كانت قصيرة فاتخذت لها نعلين من خشب فكانت تمشي بين امرأتين طويلتين تطاول بهما، واتخذت خاتمًا من ذهب وحشت تحت فصه أطيبَ الطيب المسك فكانت إذا مرّت بالمجلس حركته فيفوح ريحه”.
وأما محاولتك تأييد كلامك بقاعدة حمل المطلق على المقيد، وقاعدة سد الذرائع ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح فقد فاتك أن القضيتين ليستا كليتين كما شرح ذلك علماء الاصول، قال الحافظ الفقيه الأصولي أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي في كتابه القواعد: هذه القاعدة –درء المفاسد مقدم على جلب المصالح- ليست كلية، والمجتهدون يعرفون موضعها. فعليك أن تكف عن الانطلاق لرأيك القاصر في التحليل والتحريم وكن متبعًا لأن الخير في الاتباع.
ومن الفضيحة ما ذكره البوطي في شريطه حيث قال ما نصه: “كذلك في حديث ءاخر أن أحد الصحابة أذن للنساء بالخروج إلى المسجد فقالت عائشة رضي الله عنها: إذًا يتخذنه دغلاً، يعني يتخذن من الخروج إلى المسجد وسيلة للفتنة” اهـ.
فالجواب: هنا فضيحة فضح بها البوطي نفسه وهي أن هذه المقالة ليست مقالة عائشة إنما هي مقالة بلال بن عبد الله بن عمر وهو تابعيٌّ ليس من الصحابة. فقد ورد في صحيح مسلم [47] عن ابن عمر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل”، فقال ابنٌ لعبد الله بن عمر: لا ندعهن يخرجن فيتخذنه دَغَلاً. قال: فَزَبَرَهُ –أي نهرهُ- ابن عمر وفال: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: لا ندعهن! وفي رواية: “فسبَّه سبًّا سيئًا”. والقائل لتلك المقالة هو بلال بن عبد الله بن عمر، وفي رواية هو واقد بن عبد الله بن عمر، قال الحافظ ابن حجر ما نصه [48]: “والراجح من هذا أن صاحب القصة بلال لورود ذلك من روايته نفسه ومن رواية أخيه سالم ولم يختلف عليهما في ذلك” اهـ.
وفي هذا دليل على أن البوطي ليس من أهل الحديث ولا من الفقهاء فضلاً عن أن يكون من المجتهدين.
الهوامش:
[1] صريح البيان [ص/324-338]، الطبعة الثالثة.
[2] صحيح ابن حبان: كتاب الحدود: باب ذكر وصف زنى الأذن والرجل وما يعملان مما لا يحل، أنظر الإحسان [6/301].
[3] المستدرك: كتاب التفسير [2/396].
[4] سنن النسائي: كتاب الزينة: باب ما يكره للنساء من الطيب.
[5] السنن الكبرى [3/246].
[6] سنن أبي داود: كتاب الترجّل: باب ما جاء في المرأة تتطيّب للخروج.
[7] جامع الترمذي: كتاب الأدب: باب ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[8] سنن أبي داود: كتاب المناسك: باب ما يلبس المحرم.
[9] متن الزبد، المقدمة، [ص/10].
[10] رواه ابن خزيمة في صحيحه [3/92].
[11] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة: باب في التشديد في ترك الجماعة.
[12] المستدرك [1/246].
[13] السنن الكبرى [3/75].
[14] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة: باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، وابن حبان في صحيحه أنظر الإحسان [3/316].
[15] مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الأدب [9/27].
[16] الآداب الشرعية والمنح المرعية [3/390].
[17] أنظر الكواكب الدرية للأهدل: باب إعراب الفعل، وشذور الذهب لابن هشام: النواصب.
[18] السنن الكبرى [3/295].
[19] أخرجه البخاري في صحيحه: في صلاة العيدين: باب الخطبة بعد العيد.
[20] أخرجه مسلم في صحيحه: في صلاة العيدين: باب ترك الصلاة قبل العيد وبعدها في المصلى.
[21] الجامع لأحكام القرءان [12/228].
[22] البحر المحيط [6/447].
[23] البيان والتحصيل [17/624-625].
[24] المجموع شرح المهذب [5/9].
[25] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج [2/294].
[26] أسنى المطالب شرح روض الطالب [1/282].
[27] أسنى المطالب شرح روض الطالب [1/472].
[28] الإنصاف [1/126].
[29] المجموع شرح المهذب [5/9].
[30] الإيضاح في مناسك الحج [ص/151].
[31] فتح الباري شرح صحيح البخاري [3/405-406].
[32] حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء [3/235].
[33] حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء [2/45].
[34] مواهب الجليل شرح مختصر خليل [3/405].
[35] كشاف القناع عن متن الإقناع [1/82].
[36] أنظر الفتاوى البزازية، في هامش الفتاوى الهندية [4/157].
[37] مسند الطيالسي [ص/93].
[38] أخرجه الترمذي في سننه: أبواب الصلاة: باب ما جاء فيمن أمّ قومًا وهم له كارهون، وابن حبان في صحيحه، أنظر الإحسان [3/126].
[39] أخرجه ابن حبان في صحيحه، أنظر الإحسان [3/253].
[40] فتح الباري [2/350].
[41] موطأ الإمام مالك: كتاب القِبلة: باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد.
[42] صحيح مسلم: كتاب الصلاة: باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج متطيبة.
[43] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [1/383 و385].
[44] صريح البيان [ص/284]، الطبعة الثالثة.
[45] فتح الباري [2/350].
[46] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [7/444].
[47] صحيح مسلم: كتاب الصلاة: باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة.
[48] فتح الباري [2/348].
البوطي يدعي أنه سوف يدخل الجنة يقينًا هو وزوجته
يقول في كتاب “من الفكر والقلب” [ص/207] ما نصه:”وإنني على يقين أن ما كنتِ تلمحينه من بارقات الأمل إنما هو المستقر الأبدي السعيد الذي هيأه الله لنا في أكناف رحمته وتحت ظل غفرانه ولطفه” اهـ، وقال في [ص/205] في المصدر نقسه: “وإنني على يقين أننا سنلتقي سأنفذ إليك من الباب الذي سبقتِني إليه ولسوف تعود قصة حبنا من جديد” اهـ.
أقول: هذا ادعاء بلا دليل إلا إذا كنت ممن يرى نفسه من العشرة المبشرين بالجنة، فنقول لك هيهات هيهات فمن أين ضمنت يا دكتور الجنة لك ولزوجتك وقد عهدنا أكابر الصحابة والسلف الصالح والأولياء أنهم شديدو الخوف من الله تعالى ويخشونه حتى اولئك العشرة المبشرون بالجنة، وكأنك لم تقرأ سير هؤلاء الرجال، فالمؤمن الصادق هو دائمًا بين الخوف والرجاء فلا يكون من القانطين اليائسين، ولا من أهل الكبر وادعاء الأمن من عذاب الله.
ومن أجل أن تتعظ إليك ما رواه البخاري في صحيحه [1] في باب مناقب عمر بن الخطاب قال: “لما طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عباس –وكأنه يجزعه-: يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راضٍ ثم صحبت صَحَبَتَهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم وهم عنك راضون. قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فإن ذاك مَنٌّ مِنَ الله تعالى مَنَّ به عليَّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك منٌّ منَ الله جل ذكره منَّ به عليّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبًا افتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه” اهـ، فهل حالك أعلى من حال عمر بن الخطاب الولي الملهم ثاني أفضل رجل في أولياء البشر بعد الأنبياء واحد العشرة المبشرين بالجنة؟…
الهوامش:
[1] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب عمر بن الخطاب.
البوطي يُفتي بجواز الاتجاه إلى القبلة باتجاهين
متناقضين لاهل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا
وتفصيل ذلك أن المسلمين في كندا وأمريكا كانوا يتوجهون في الأصل إلى الجنوب الشرقي في صلواتهم وهذا هو الصواب لكن منذ عشرين عامًا تقريبًا جاء إلى كندا مهندس باكستاني وقال إن اتجاه القبلة غير صحيح وادعى أن القبلة بالنسبة لهم الشمال الشرقي حيث يزعم أن هذه الجهة أقرب، وقد تأثر به قوم هنالك وأثيرت المشاكل والقلاقل حيث صار الناس يتوجهون إلى أكثر من جهة في تلك البلاد فأرسلت جمعيتنا –جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية- إلى كثير من المراجع الدينية في العالم الإسلامي يستقتونهم في هذه المسئلة وقد حصلنا على إجابات واضحة تؤيد ما كان عليه المسلمون من قبل أي أن القبلة في كندا وأميركا الشمالية إلى الجنوب الشرقي.
هذا ولقد أرسلنا حينها إلى الدكتور البوطي الذي كتب بخط يده فتوى ما قال بها أحد قبله وما أظن أن أحدًا بعده يقول هذا الكلام حيث إن هذا الرجل لا بد إلا وأنه يعاني من مشكلة وهي أنه يريد أن يدعي الاجتهاد ولكنه لا يستطيع.
فبعد أن نقل طائفة من أقوال المذاهب الأربعة المعتمدة التي لا غبار عليها حول الاجتهاد لمن تعذر عليه معرفة أدلة الاتجاه إلى القبلة قال: “إذن، فقد اتفق علماء المذاهب الأربعة على أن من لم يتمكن من التوجه إلى عين الكعبة وجب عليه أن يجتهد اعتمادًا على الأدلة والقرائن المتنوعة إن أمكنه ذلك، وليس لمن دله اجتهاده على وجود الكعبة فب جهة أن يترك اجتهاده ويتحول إلى اجتهاد مخالف” اهـ.
أقول: إلى هنا الكلام لا غبار عليه، لكن اسمع إلى ما يقول بعد ذلك مباشرة: “ولما كان التوجه إلى الكعبة أو إلى سمتها بالنسبة لسكان أمريكا بمختلف ولاياتها قائمًا على أدلة اجتهادية بالاتفاق، لم يجز لذوي اجتهاد معين أن يتحولوا عن اجتهادهم إلى أي اجتهاد ءاخر بل لا يجوز لمن دلهم اجتهاد على أن الكعبة موجودة في مكان أو جهة ما، أن يتحولوا عن تلك الجهة في صلاتهم إلا إلى مكان محدد استقر باليقين الذي لا اجتهاد فيه أن الكعبة فيه، وهذا لا يمكن تحققه في الاماكن البعيدة كأمريكا ونحوها، بل لا يمكن التحقق فيما دونها أيضًا. فكيف وقد علمنا أن الخلاف هناك يحوم حول أدلة اجتهادية تعود على ترجيح الاعتماد على خط دون ءاخر أو زاوية دون أخرى مع العلم بأن كلا الاتجاهين ناظر ومتجه إلى الكعبة مع فارق واحد وهو زيادة البعد في أحدهما على الآخر حيب تفاوت الانحاءات في الاتجاهين الاجتهاديين.
فإذا أضيف إلى هذا الذي أجمع عليه الفقهاء، ما هو مقطوع به من تسبب تصارع الاجتهادات وتنافسها على طريق التغالب في القضاء على البقية الباقية من التآلف والتآخي وواجب جمع الكلمة بين المسلمين، وفي إحلال التهارج المحرم محل الوحدة الواجبة علمنا أنه لا يجوز لأحد من المجتهدين في القبلة هناك أن يسفه اجتهادات إخوانه الآخرين وهذا حكم متفق عليه عند فقهاء المذاهب الأربعة. وعلى الإخوة الذين كانوا ولا يزالون يصلون إلى الجهة التي أدتهم إليها اجتهاداتهم أن يبقوا ويستمروا كما هم وليس لهم أن يهدروا اجتهادهم وينسخوه باجتهاد مماثل” انتهى كلام البوطي.
فانظر أخي القارئ إلى هذا الخلط وإليك الرد:
أولاً: لقد التبس على الدكتور أنه خلط بين مسئلتين أولاهما حالة فقدان الأدلة لمعرفة القبلة وحالة وجود الادلة.
نعم قرر الفقهاء أنه لو ضاع جماعة في مكان ما ولم تظهر لهم أدلة معرفة القبلة أي لم تتبين الجهات الأربعة ولا النجم القطبي ولا اتجاه الشمس ونحو ذلك فعند ذلك يجب عليهم أن يجتهدوا، ثم لو أنه أدى اجتهاد كل إلى جهة فصلى واحد إلى الشرق وثانٍ إلى الغرب وثالث إلى الجنوب ورابع إلى الشمال وكلٌ منهم يرى باجتهاده أن هذه الجهة هي جهة القبلة فاجتهادهم معتبر وصلاة كل منهم صحيحة.
أما أهل أمريكا فهم ليسوا في حالة ضياع عن الجهات ولا عن اتجاه الشمس ولا عن النجم القطبي فكلٌّ من هذه الأدلة واضحة هنالك، فما هو مبرر هذا الاجتهاد المزعوم الذي لا معنى له.
ثانيًا: بمقتضى فتوى البوطي هذه على الناس هناك أن يقيموا في تلك المساجد محرابين بل محاريب كل منها باتجاه، فتصور نفسك أنك في مسجد فيه جماعات كل منها تصلي باتجاه أو تنتظر إحداها الأخرى فتصلي باتجاه ءاخر غير الاتجاه الذي صلت إليه الأولى، مع العلم أننا لا نسمع في تاريخنا الإسلامي القديم ولا المعاصر حالة كهذه إلا عندما جاء ذلك الباكستاني الجاهل ورد المسلمين عن قبلتهم، والاعجب من ذلمك فتوى البوطي بأن يصلي كلٌّ إلى جهة في بلدٍ الجهاتُ فيها واضحة.
ثالثًا: نريد أن نسأل البوطي الذي يعتبر أن القُرب والبعد من الكعبة له اعتبار في الاتجاه إليها: من قال بذلك قبلك من الائمة والفقهاء، وهل قال أحد من الأئمة تتوجه إلى الطريق الاقرب بحسب خطوط الطول والعرض، وعلى قولك لو أن شخصًا يصلي باتجاه الكعبة تمامًا ويحول بينه وبين الكعبة جبل وعلى يسار الجبل أو على يمينه طريق هو أقرب إلى الكعبة من الاتجاه السليم فيما لو أراد الوصول إليها عن طريق الاتجاه السليم لكلفه ذلك صعودًا ونزولاً ومسافة أبعد إذن فعلى قولك وقول ذلك الباكستاني تتركون الاتجاه السليم وتلحقون الاتجاه الاقرب من حيث المسافة.
رابعًا: هل هذه الوحدة الإسلامية التي تدعو إليها تقتضي أن يتدابر المسلمون في صلاتهم أين مظهر الوحدة في ذلك؟! ثم إن القاعدة تقضي أن افتراق الناس على الحق خير من اجتماعهم على الباطل.
عد يا دكتور عن مثل هذه الفتاوى وإن كنت ترى في نفسك مظنة الاجتهاد فما هكذا المجتهدون فضلاً عن أنه ليس هذا الحال حال أقل المقلدين شأنًا فكيف بالمجتهدين، ثم إليك الآن الرد الشافي على هذه المسئلة في بيان كيفية استقبال القبلة في الصلاة عساك أن تهتدي إلى الصواب.
قال المحدث الفقيه الشيخ عبد الله الهرري ما نصه [1]: “ليعلم أن استقبال القبلة من شروط الصلاة، إما يقينًا لمن أمكنه علم القبلة بأن كان بحضرة البيت أو بمكة ولا حائل بينه وبين الكعبة مثلاً، وإلا أخذ بقول ثقة يخبر عن علمٍ أي مشاهدة، فإن فقد ذلك اجتهد بدليل من أدلة القبلة وهي كثيرة، ومنها القطب وهو نجم من بناتِ نعش الصغرى بين الفرقَدَين والجَدْي، ويختلف باختلاف الأقاليم، ففي العراق يجعله المُصلّي خلف أذنه اليمنى، وفي مصر خلف اليسرى، وفي الشام وراءه وقيل ينحرف بدمشق وما قاربها إلى الشرق قليلاً، فمن كان جنوب الكعبة جعله بين عينيه ومن كان في شمالها جعله خلف ظهره، ومن كان شرقي الكعبة فقبلته إلى الغرب، ومن كان غربيها فقبلته إلى الشرق. ولا يلتفت إلى ما يخالف هذا، فإن بعض الباحثين عن اتجاه القبلة تركوا هذا الأمر المقرر في كتب العلماء وتبعوا أهواءهم وادعوا أن أهل أمريكا الشمالية يتجهون إلى الشمال الشرقي، وهؤلاء موجودون في كندا والولايات المتحدة الاميركية فإن مكة تقع منهم بين الجنوب والشرق.
ويدل على أن قبلتهم إلى الجنوب الشرقي إجماع أهل الإسلام على أن أهل المغرب يتوجهون إلى المشرق وأهل المشرق يتوجهون إلى المغرب، وأهل الشمال يتوجهون إلى الجنوب، وأهل الجنوب يتوجهون إلى الشمال. وقد نقل ذلك الرافعي [2] عن أبي حنيفة وغيره.
وفي كتاب ابن عابدين الحنفي [3]: “ثم اعلم أنه ذكر في المعراج عن شيخه أم جهة الكعبة هي الجانب الذي إذا توجه إليه الإنسان يكون مسامتًا للكعبة، أو هوائها تحقيقًا أو تقريبًا، ومعنى التحقيق: أنه لو فرض خط من تلقاء وجهه على زاوية قائمة إلى الأفق يكون مارًّا على الكعبة أو هوائها، ومعنى التقريب: أن يكون متحرفًا عنها أو عن هوائها بما لا تزول به المقابلة بالكلية بأن يبقى شيء من سطح الوجه مسامتًا لها أو لهوائها. وبيانه أن المقابلة في مسافة قريبة تزول بانتقال قليل من اليمين أو الشمال مناسب لها، وفي البعيدة لا تزول إلا بانتقال كثير مناسب لها، فإنه لو قابل إنسان ءاخر في مسافة ذراع مثلاً تزول تلك المقابلة بانقال أحدهما يمينًا بذراع، وإذا وقعت بقدر ميل أو فرسخ لا تزول إلا بمائة ذراع أو نحوها، ولما بعدت مكة عن ديارنا بُعدًا مفرطًا تتحقق المقابلة إليها في مواضع كثيرة في مسافة بعيدة، فلو فرضنا خطًا من تلقاء وجه مستقبل الكعبة على التحقيق في هذه البلاد ثم فرضنا خطًا ءاخر يقطعه على زاويتين قائمتين من جانب يمبن المستقبل وشماله، لا تزول تلك المقابلة والتوجه بالانتقال إلى اليمين والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة، فلذا وضع العلماء القبلة في بلاد قريبة على سِمْت واحد اهـ.
ونقله في الفتح والبحر وغيرهما، وشروح المُنْيَة وغيرها، وذكره ابن الهمام في زاد الفقير وعبارة الدرر هكذا: وجهتنا أن يصل الخط الخارج من جبين المصلي إلى الخط المارّ بالكعبة على استقامة بحيث يحصل قائمتان، أو نقول هو أن تقع الكعبة فيما بين خطين يلتقيان في الدماغ فيخرجان إلى العينين كساقَي مثلث، كذا قال النحرير التفتازاني في شرح الكشاف. فيعلم منه أنه لو انحرف عن العين انحرافًا لا تزول منه المقابلة بالكلية جاز، ويؤيده ما قال في الظهيرية: إذا تيامن أو تياسر تجوز، لأن وجه الإنسان مقوس، لأن عند التيامن أو التياسر يكون أحد جوانبه إلى القبلة” انتهى كلام ابن عابدين.
وقوله في الدرر: على استقامة متعلق بقوله يصل، لأنه لو وصل إليه معوجًا لم تحصل قائمتان بل تكون إحداهما حادة والأخرى منفرجة كما بينَّا. ثم إن الطريقة التي في المعراج هي الطريقة الأولى التي في الدرر، إلا أنه في المعراج جعل الخط الثاني مارًّا على المصلي على ما هو المتبادرُ من عبارته، وفي الدرر جعله مارًّا على الكعبة” اهـ. وهذا لا يتم لأهل كندا والولايات المتحدة إلا إذا اتجهوا إلى الجنوب الشرقي. وعلى هذا شيخ الأزهر بمصر، فقد ورد إليه السؤال عن اتجاه القبلة في كندا من بعض ساكنيها المسلمين فقال ما نصه: “وبإعادة النظر فيما كتب في موضوع اتجاه القبلة في كندا، تقضي القواعد الشرعية بأن الاتجاه الصحيح للقبلة في هذا الموضوع هو اتجاه الجنوب الشرقي، فإنه الامتداد الصحيح لخط القبلة من الموقع الذي فيه المسجد، فأما قصر خط الشمال الشرقي فذلك يستخدم في السير إليها لا في اتخاذه قبلة” اهـ. فتوى شيخ الأزهر [4].
ومَن كان مستطيعًا للاجتهاد لا يقلّد، ومن عجز عن الاجتهاد فإنه يُقلّد ثقة عارفًا.
قال النووي [5] في كتابه منهاج الطالبين في بحث القبلة: “ومن أمكنه علم القبلة حَرُمَ عليه التقليد والاجتهاد، وإلا أخذ بقول ثقةٍ يخبرُ عن علم، فإن فقد وأمكن الاجتهاد حرُمَ التقليد”. ثم قال: “ومَن عجز عن الاجتهاد وتعلُّم الأدلة كأعمى قلّد ثقة عارفًا” اهـ.
فليتعلّم الشخص أدلة القبلة ثم يطبّق ما سبق ذكره من كلام النووي. وأما الأدوات المستحدثة للاستدلال بها على جهة القبلة، فإنها إن كانت مبنية على ما سبق وذكرنا، فإنه يجوز الاعتماد عليها وإلا فلا” انتهى كلام المحدث الهرري.
الهوامش:
[1] صريح البيان [ص/288-290]، الطبعة الثالثة.
[2] أنظر فتح العزيز شرح الوجيز [3/242].
[3] رد المحتار على الدر المختار [1/287].
[4] الفتوى صادرة من مكتب شيخ الأزهر بمصر بتاريخ [7/2/1994].
[5] منهاج الطالبين [ص/9].
البوطي يصرح بالحلول والتجسيم
يقول البوطي في كتابه “من الفكر والقلب” [ص/50] عن صفات الإنسان ومصدر خطورة هذه الصفات أنها في حقيقتها ليست إلا صفات الربوبية، فالعلم والقوة والسلطان والتملك والجبروت كلها مقومات للألوهية وصفات للرب جل جلاله: “فمن شأن هذه الصفات إذا وجدت في الإنسان أن تسكره وتأخذ بلبه وتنسيه حقيقته وتجعله يتمطى إلى مستوى الربوبية، وإن كان الإنسان لا يملك منها في الحقيقة إلا نماذج وعينات يسيرة جدًا ومحدودة جدًا بالنسبة لصفات الله عز وجل” اهـ. وقد ذكر هذا النص أيضًا في كتابه كبرى اليقينات [ص/66].
فانظر أخي المؤمن إلى هذا التجرؤ على الله تعالى حيث ينسب الحلول بكلمات واضحة وفاضحة تبين عما في نفسه، يقول الإمام أبو جعفر الطحاوي في العقيدة الطحاوية: “ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر”، وقال الإمام الأكبر ابن عربي: “من قال بالحلول فدينه معلول”. وكلام البوطي واضح فانظر إلى قوله –عن صفات الإنسان- ليست إلا صفات الربوبية، وقوله وتجعله إلى مستوى الربوبية. وقوله وإن كان الإنسان لا يملك منها في الحقيقة إلا نماذج وعينات يسيرة جدًا ومحدودة جدًا بالنسبة لصفات الله.
ألم يقرأ البوطي قوله تعالى: {ليسَ كمثلِهِ شيءٌ} [سورة الشورى/11]، وقوله تعالى: {ولم يكُن لهُ كُفُوًا أحد} [سورة الإخلاص/4]، وقوله تعالى: {فلا تضربوا للهِ الأمثال} [سورة النحل/74]، ألم يبلغه نقل الحافظ السيوطي في كتابه الحاوي للفتاوى إجماع المسلمين على تكفير من قال بالحلول أو الاتحاد.
ويقول البوطي في [ص/16-17] من كتابه “الفكر والقلب” عن الإنسان: “وعندئذ يعلم أنه إنما خُلِق ليقيم نفسه على سلوك يجعله مظهرًا لألوهية الله في الأرض”.
وفي هذه العبارة تجد البوطي يمعن في التجسيم بهذه العبارات وكأنه يعاني من عقدة الاتباع فتركها إلى الابتداع، وكيف يكون الإنسان مظهرًا لألوهيته، سبحانه وتعالى عما يقول المجسمون علوًا كبيرًا.
ويقول في [ص/193] من كتاب “الفكر والقلب”: “إلهي أي شيء يوحشني من الدنيا فقده بعد أن رأيتك أمامي وأنست بك” اهـ، ويقول في كتابه “هذه مشكلتهم” [ص/8]: “وأراني يد الله عز وجل التي تنبع منها كل سببية كل شيء” اهـ، ماذا يقول هو ذاته الذي يدعي ادعاء اتّباع الكتاب والسنة، مَنْ مِنَ الأنبياء أو السلف الصالح أو الأولياء قال مثل هذا الكلام؟! أم أنه سيعمد إلى تأويل متهالكٍ وفاسد؟ وما الفرق بين كلامه وكلام الحلوليين الفاسدين؟
وتأمل معي قوله في كتابه “من الفكر والقلب” حيث يقول [ص/211]: “فالجمال في مظهره الذاتي إنما هو جمال الله وحده فاض مظهره وتجلت أشكاله على شتى النماذج والرسول” اهـ.
ويقول في [ص/213]: “فالعلم كله ليس إلا منفعلاً بمظهر الجمال والجلال والفاعل له والمتصف به إنما هو الخالق الواحد الأحد” اهـ.
ويقول في [ص/214]: “إنهم يقفون بنشوةٍ بالغة أمام لوحات الجمال والجلال الكونية لأنهم يرونها المرآة الوحيدة لجمال القدوس وجلاله” اهـ.
وها هو يقول في كتاب “منهج الحضارة الإنسانية في القرءان” [ص/49-50] عن الإنسان: “هذه الصفات ليس في حقيقتها إلا ظلالاً وفيوضات من صفات الربوبية أنعم الله بها على هذا المخلوق” اهـ. وفي المجلة المسماة المسلمون سنة 81 [ص/8] ذكر ما نصه: “وتوضيح ذلك أن هذه القدرات ليست في أصلها وحقيقتها إلا من بعض صفات الربوبية وإنما متع الله الإنسان منها بفيوضات يسيرة جدًا” اهـ.
ويقول في كتابه “الإسلام ملاذ كل المجتمعات الإنسانية” [ص/24]: “وتوضيح ذلك أن هذه القدرات ليست في أصلها وحقيقتها إلا من بعض صفات الربوبية وإنما متع الله الإنسان بعا بفيوضات يسيرة جدًا ليستعين بها في تحقيق المهمة القدسية التي أنيطت به”، ويقول في كتاب “الإنسان مسير أم مخير” في [ص/50]: “فإذا اتجه قصد الإنسان إلى صرف قدرته التي هي في الحقيقة قدرة الله”.
وهنا أريد أن أسأل البوطي ما الفرق بين كلامه وكلام الحلاج “ما في الجبة إلى الله”؟!.
ويؤكد البوطي اعتقاده الحلولي [ص/73] من كتابه المسمى “الإنسان مسير أم مخير” فيقول: “إذ أن هذه القدرة إنما هي في الحقيقة قدرة الله أودعت في كيان الإنسان لتكون خادمًا لرغائبه ومظهرًا لتحركاته”، ويقول في مجلة التقوى عدد 53 شباط 96 [ص/17]: “وامتلاء الوجدان بصفات الربوبية في ذات الله” اهـ. ويقول: هذه الروح تظل في حنين إلى العالم الذي أهبطت منه هذه الروح موصولة النسب إلى الله”، وفي كتاب “كبرى اليقينيات” [ص/77] يرى وبكل صراحة أن الله أصل وأن العالم تفرع منه، فيقول: “وبتعبير ءاخر نقول إن ما تراه من حقائق الكون كلها إنما هو فيض من حقيقة واحدة ألا وهي ذات الله، ومن المحال أن تدرك ماهية الحقائق الصغرى قبل أن تدرك منبعها وأصلها الأول” اهـ.
ويقول في [ص/87] من كتابه كبرى اليقينيات: “فما هي العلة التي أوجدته وأنهضته من ظلمات اللاشئ فوضعته في أول مدارج الوجود” اهـ.
لاحظ أيها القارئ كيف يسمي الله تعالى العلة وهذه تسمية ممنوعة شرعًا لأن أهل الحق كفروا من سمى الله علة أو علة العلل.
ويقول في [ص/291] من نفس المصدر: “إلى أن تنتهي بك هذه العلل الكثيرة المختلفة إلى العلة الوحيدة الكبرى الكامنة خلف ما قد رأيت أي إلى واجب الوجود وهو الله عز وجل” اهـ.
الرد: ألم يقرأ البوطي أن الإمام ركن الإسلام السغدي كقَّر من سمى الله سببًا أو علة.
ويقول في كتاب “منهج الحضارة الإنسانية في القرءان” [ص/26]: “ويقول: {وإذْ قالَ ربُّكَ للملائكةِ إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفةً} [سورة البقرة/30] أي خليفة مني يخلفني في الحكم بالعدل بين خلقي، وإن ذلك الخليفة هو ءادم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه”.
ثم يحيل هذا الكلام فيقول: “انظر تفسير ابن كثير ج1 ص70، فترجع إلى هذه الإحالة إلى ذلك الموضع فلا تجد لها أثرًا.
فكيف يقول البوطي: “إن الله خلق الإنسان من ظلمات اللاشئ” فمن أين جاء بهذا التعبير الفاسد الذي لم يسبق إليه، وكيف يتناقض بقوله “ظلمات” وقوله “لا شئ” مع أن الظلمات مخلوقة، وأن عبارة أهل التحقيق أن الله خلق العالم من العدم وليس من ظلمات اللاشئ كما زعم، إذ أن الظلام حادث مخلوق قال تعالى: {وجعلَ الظُّلُماتِ والنورَ} [سورة الأنعام/1].
وها هو في [ص/174] من كتابه “كبرى اليقينات” يسمي الله تعالى الواسطة فيقول: “بل إنه الواسطة الأولى والأخيرة وهو خالق الأسباب والمسببات” اهـ.
ويقول البوطي في “كبرى اليقينيات” [ص/248]: “فإذا كان الإنسان في حقيقته مستودعًا لظلال أو فيوضات من صفات رب العزة جل جلاله فأخْلِقْ به أن يكون أشرف المخلوقات وأكرمها” اهـ.
وفي [ص/171] من كتابه “كبرى اليقينيات” ينسب الصورة لله تعالى فيقول عن رؤية الله يوم القيامة: “وأما دليل أهل السنة والجماعة فهو أن الرؤية أعم من أن تكون انطباعًا لصورة المرئي في الحدقة”.
ثم يقول: “وإنما هي قوة يجعلها الله في الإنسان متى شاء وكيف شاء يتم بها مشاهدة صورة المرئي على حقيقته، والكيفية التي تحصل الرؤية بها اليوم ليست إلا كيفية من كيفيات كثيرة كان الله عز وجل ولا يزال قادرًا على ربط حقيقة الرؤيا بما شاء منها” اهـ.
فانظر كيف نسب الصورة لله تعالى مع أن الله تعالى منزه عن الصورة والشكل والهيئة، وانظر كيف أثبت الكيف في الرؤيا وقد انعقد الإجماع على أن الله تعالى يُرى يوم القيامة بلا كيف.
وفي [ص/174] من كتابه “من روائع القرءان” تجده يقتدي بسيد قطب الذي يسمي الله بالريشة المبدعة فيقول البوطي: “ثم ارجع النظر مرة أخرى إلى الجملة كلها لتبصر الريشة الإلهية العجيبة”.
ثم انظر إلى التمويه في التجسيم حيث يقول في [ص/178] من كتابه “من روائه القرءان”: “الأرض جميعًا شيء صغير في قبضة الله، والسموات كلها بأجرامها العظيمة قد طويت كما قد يطوى البساط أو الصحيفة فهي ليست إلا جرمًا صغيرًا لا تكاد تدركه العين مخبوءة في يمين الله، وليس هناك من يمين ولا قبضة، ولا طي بالمعنى الحسي المعروف ولكنه التخييل والتجسيم للمعنى الذهني كي يفيض الشعور والخيال إحساسًا به” اهـ.
انظر كيف نفى الحس أي بالجارحة عن صفات الله وهذا حق ثم أثبت أنه تخييل أي أن ذلك يدرك بالخيال والعياذ بالله، فالقرءان أثبت التنزيه في قوله تعالى: {ليسَ كمثله شيء} [سورة الشورى/11] فالله لا تتصوره الأوهام والتخييلات وكذا صفاته، وهنا يتهم القرءان بالتخيل والتجسيم.
ثم تعالَ معي إلى قصة يقول إنه ترجمها من الكردية إلى العربية وتسمى “مَمُو زَيْن” ولقد زاد عليها بعض الفصول كما قال في [ص/8]: “ولقد دعتني طبيعة هذا العمل أن أضيف بعض الفصول الأخرى إلى القصة وأن أستعين بالخيال منه سدودًا…”.
ويقول في [ص/7] من هذه القصة: “ولكن باعثًا حملني على إعادة طبعه أرجو أن يكون فيه السداد والخير”، إلى أن يقول “وأن أجعل من انتشاره بين القراء خير حصنٍ يقيه شر أي عدوان”، فهو يعترف بأنه زاد على القصة ويثني على القصة بمجملها ويمتدحها، فإن كان الكفر من أصل النص فلِمَ لم يحذفه كما سوغ لنفسه الزيادة، وإن كان سيتذرع بالأمانة العلمية المزعومة فلم لم يُنبه القارئ إلى خطورة هذا الكلام.
فاسمع أيها القارئ إلى كفرٍ عجيب وتجسيم غريب فإنه يقول في [ص/189-190]: “أي ربي ءامنت أن هذا الكون كله جسم وأنت روحه، وأن هذا الوجود حقيقة أنت سرها، أنت حسن زينة الأحبة والعشاق” اهـ.
وفي [ص/191] يقول: “عكست يا مولاي ءايات عظمتك وسلطانك ومظاهر حسنك وجمالك على صفحة هذا الكون الفاني في صورٍ وأشكال وقوالب”، ثم قال [ص/193]: “يا إلهي أزح من أمامي صور الجمال الخالد جمال ذاتك التي أشرقت بها الدنيا وما فيها” اهـ.
في [ص/33] يقول: “في كل مداخل الروح الاخرى التي كانت تعلقت بها منذ الأزل”.
الرد: كيف لهذا الرجل الذي يدعي بأنه داعية إلى الله يخطب ويدرس ويؤلف ويحاضر ثم ينقل هذا الكلام على سبيل الاستحسان والرضا هذا إذا سلمنا أنه من أصل النص المترجم، أما إن كان زيادة على النص فهو أقبح في الشناعة والكفر، فإذا كان الرضا بالكفر كفر فكيف بمن يجاهر به ويسوِّقه ويستحسنه.
وفي [ص/274] من كتابه “من روائع القرءان” يقول: “وتعالى فلنتأمل في اللوحة الإلهية التي رسمت هذا المشهد: {وقيلَ يا أرضُ ابْلَعي ماءَكِ ويا سماءُ أَقْلِعي وَغِيضَ الماءُ وقُضِيَ الأمرُ واستَوَتْ على الجودي} [سورة هود/44]”، ثم يقول: “وهي تصور لك معنى الإرادة الإلهية وسلطانها الرهيب” اهـ.
الرد: إنه يمشي في هذه التعابير على خطى سيد قطب تمامًا حيث يسمي الله بما يحلو له من هذه التسميات التي تنم عن فكر مجسمٍ وغير منزه لله تعالى.
فكيف يُقدم على تسمية الله باللوحة؟ وكيف ينسب لإرادة الله الصورة، لا شك أن البوطي يحاول أن يموه بمثل هذه العبارات لإيراد كل ما يعتمل في صدره من معاني التجسيم.
وفي كتابه “هذا والدي” يقول البوطي في [ص/65] متحدثًا عن أبيه: “كان إذا وضع الطعام واجتمعنا معه على مائدته أمرنا جميعًا أن نجلس جلسة أدب حتى لكأننا ماثلون من هذه المائدة أمام الله” اهـ.
أقول: هل يرضى والدك يا بوطي أن تشبهه بالله، فوالله لو قرأ هذه العبارة حال حياته لما تأخر في استتابتك وأخذ العهد عليك أن لا تعود لمثل هذه العبارات الفاسدة.
والله لو اتبعت والدك الشافعي الأشعري المنزه لما وصلت إلى مثل هذه المزالق، لكنك ءاثرت منهج سيد قطب وغيره، وءاثرت هواك.
وأما قولك في كتابك “كبرى اليقينيات الكونية” [ص/234] “بأن الله هو حقيقة الحقائق كلها” فهذا كفر صريح، وهذا من الوحدة المطلقة التي هي عقيدة قدماء اليونانيين ثم استعملها ملاحدة المتصوفة كما شرح ذلك الشيخ مصطفى صبري.
قال الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله في الفيض الرباني: “من قال إن الله اتحل منه شيء أوِ انحل في شيء فقد كفر”.
وأخيرًا: قد يقول بعض الذين يغارون على البوطي ولا يغارون على دين الله:إن البوطي يرى في أهل الحلول والتجسيم أنهم كفار فلم تتهمه بهذه التهمة؟
أقول: إن البوطي بإطلاق العنان لخياله ويراعه من غير مراعاة الشرع وصل إلى ما قد وصل إليه من التجسيم والحلول، فهل نقول عنه بأنه دُسَّ عليه في حياته، أم نقول إنه كان في حالة غيبوبة، أم نؤول له كما أوَّل البعض لابن عربي فيما نُسب إليه زورًا، وإلى الحلاج وغيرهما.
فأما إن كان مدسوسًا عليه هذا الكلام فليصرح قبل موته ولا يسكت كما سكت عن صاحب كتاب أناشيد ومدائح وأشعار فيها كفر وكتب اسم البوطي على الغلاف للترويج.
أما احتمال أنه كان في حالة غيبوبة وقال ما قال على سبيل الشطحات فلهذا احتمال بعيد جدًا لأنه ليس من أهل هذه الأحوال يقينًا.
ولو قال قائل لنفترضها شطحات وعلينا أن نؤول له، نقول: إذا كان البوطي رفض التأويل جملة وتفصيلاً في كتاب الله كما صرح فلماذا نؤول له وهو الذي رفض تأويل شطحات المتصوفة المنسوبة زورًا لابن عربي وغيره.
البوطي يؤيد المعتزلة في مسئلة القدر
يقول في كتابه المسمى “الإنسان مسير أم مخير” [ص/42]: إن كل ما تراه عيناك من الشرور المتنوعة التي تبعث الكدر في صفاء الحياة الإنسانية إنما هو من صنع الإنسان وسوء استعماله لتلك المواد الأولية وليس من فعل الله تعالى”.
الرد: في قوله هذا رد لقول الله تعالى: {إنَّا كلَّ شيءٍ خلقناهُ بقدرٍ} [سورة القمر/49] والشيء يشمل كل ما دخل في الوجود من إرادات الناس وحركاتهم وسكناتهم وتقلّب القلب قال تعالى: {ونُقَلِّبُ أفْئِدَتَهُم وأبصارَهًم} [سورة الأنعام/110] أخبرنا الله تعالى بأن ما يجري في قلب بني ءادم من التفكيرات والإرادات كل ذلك هو خالقه قال تعالى: {أنَّ اللهَ يحولُ بينَ المرءِ وقلبِهِ} [سورة الأنفال/24] وثبت أن الرسول عليه السلام قال: “اللهم مصرف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك” وفيه أن الله هو الذي يوجّه القلوب إلى الخير وإلى الشر، فلو كان للإنسان تصرف مطلق لم يدع رسول الله هذا الدعاء، والحديث رواه مسلم [1]. وفي قول الله تبارك وتعالى: {فلمْ تقتُلوهم ولكنَّ اللهَ قتلهم وما رميتَ إذْ رميتَ ولكنَّ اللهَ رمى} [سورة الأنفال/17] أبين اليان أن أفعال العباد الاختيارية بخلق الله تعالى ليس بخلقهم لأن القتل المذكور المسند للعباد هو من أفعالهم الاختيارية ومع ذلك الله تعالى قال: {فلمْ تقتُلوهم ولكنَّ الله قتلهم} أي لم تخلقوا ذلك القتل بل الله خالقه وليس لكم إلا الكسب. وكذلك الله تعالى نفى الرمي الذي حصل من الرسول لم يخلق ذلك الرمي الذي رماه الرسول إنما الله الذي خلقه فنفى الله عنه الرميَ من وجه وأثبته من وجه، أثبته للرسول من وجه الكسب ونفاه عنه من وجه الخلق، وهكذا سائر الأفعال الاختيارية هي تنسب للعباد من حيث الكسب، ومن حيث الخلق أي الإبراز من العدم إلى الوجود تنسب إلى الله لا تنسب إلى العبد، فمن قال خلاف هذا فهو معتزلي في هذه المسئلة وإن لم يكن معهم في سائر مسائلهم.
وقال البوطي في [ص/24]: “ولسوف تنفتح أمامنا عندئذ مشكلات أخرى أولها وأهمها مشكلة خلق الله لأفعال الإنسان”، ثم قال: “تليها مشكلة أن الله يعدي من يشاء ويضل من يشاء كما يؤكد القرءان بصريح العبارة”.
وقال في [ص/54] من المصدر نفسه: “إن الإرادة الجزئية التي هي عبارة عن تعلق الإرادة الكلية بجانب معيّن من الفعل والترك صادرة من العبد اختيارًا وليست مخلوقة لله تعالى لأنها ليست من الموجودات الخارجية”.
ويقول البوطي في المصدر نقسه [ص/102]: “ولكنه جلت حكمته شاء أن يفسح أمامهم ساحة المشيئة والاختيار وأن يضعهم بين نوازع الشر وحوافز الخير ويترك القرار لما يرغبون ويفضلون” اهـ.
وقال البوطي في [ص/81] من المصدر نفسه: “إن إرادة الله التي اقتضت أن تكون مختارًا في أن تطيعه أو تعصيه هي بمثابة إرادة الأستاذ امتحان تلميذه”، ويقول في المصدر نفسه [ص/222]: “إرادة الله المتعلقة بالأفعال الاختيارية للإنسان لا تتجه إلى الحكم عليه بأن يكفر أو يؤمن إذ أن هذه الحكم ليس في الحقيقة إلا سلبًا لإرادته”.
ويقول في مجلة طبيبك عدد تشرين 1993 [ص/110]: فإن كلمة الحذر ينجي من القدر أو لا ينجي من القدر باطلة”، ويقول في عدد أيار 1995 [ص/109]: “ومن هنا تعلم أن القضاء والقدر لا يضيّق من إرادة الإنسان بل لا علاقة لهما بها” اهـ.
الرد: أقول بعدما سردت بعضًا من أقواله: يتبين لك أن البوطي زاد على المعتزلة كثيرًا لأن المعتزلة يعتقدون أن الله خلق الخير ولم يخلق الشر وهذا ضلالٌ شنيع، وبعضهم قالوا: إن الله خلق أفعال العباد بما فيها الشرور لكن الإنسان يخلق الهم بالمعصية، وهذا كفر كما قرر أهل السنة.
ويزعم البوطي أن العبد يخلق النية والعزم على العمل فيقول في كتابه المسمى “الإنسان مسير أم مخير” [ص/97]: “إن هذا القرار الذي أبرمه البيان الإلهي وأكده يوضح أن الإنسان عندما يوجه مشيئته وعزمه إلى شيء فلا بد أن يشاء الله له الفعل المتفق مع مشيئته وعزمه، ومن ثم فلا بد أن يخلق في كيانه الفعل الذي اتجه إليه عزمه وقصده”.
نقول: هنا خالف البوطي القرءان حيث جعل البوطي مشيئة الله واردة على مشيئة الإنسان، والقرءان يخبرنا بأن العباد لا يشاءون شيئًا إلا أن بشاء الله مشيئتهم، أي أن العباد لا تحصل لهم مشيئة إلا أن يشاء الله أن يشاءوا ومعنى ذلك أن مشيئة الله أزلية أبدية ومشيئة العباد حادثة والبوطي عكس ذلك جعل مشيئة الله حادثة عقب مشيئة العبد.
وبهذا يتوافق البوطي مع ذلك الشاعر الذي قال:
إذا الشعب يومًا أراد الحياة *** فلا بد أن يستجيب القدر
وعقيدة البوطي وأبي القاسم الشابي أن مشيئة الله مسخرة للإنسان وكأنهما لم يقرءا قوله تعالى: {وما تشاءونَ إلا أن يشاءَ اللهُ}.
ثم إن هذا الاصطلاح الذي استعمله البوطي “مسير ومخير” ليس من كلام السلف والخلف من أهل السنة، ولا ورد في كتب الأشاعرة ولا الماتريدية.
وأما قول البوطي في كتابه المسمى “الإنسان مسير أم مخير” [ص/24]: “ولسوف تتفتح أمامنا عندئذٍ مشكلات أخرى أولها وأهمها مشكلة خلق الله لأفعال الإنسان، ثم قال: “تليها مشكلة أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء كما يؤكد القرءان صريح العبارة”.
الرد: كيف ساغ لهذا الرجل أن يسمي خلق الله لأفعال الإنسان مشكلة؟ والجواب: أن هذا يظهر أن البوطي يوافق المعتزلة في قولهم “إن الله لا يخلق أفعال العباد الاختيارية بل هم يخلقونها” كما بينَّا من صريح عباراته. ثم لا يكتفي البوطي بذلك بل يسمي الآية مشكلة وهذا طعن في أظهر المبادئ الإيمانية وهو أن الله خالق كل شيء كما جاء صريحًا ذلك في قول الله تعالى: {اللهُ خالقُ كلِّ شيءٍ} [سورة الرعد/16]، وهذا مما يقوله العالم والجاهل من المسلمين على اختلاف طبقاتهم.
قال الشيخ الفقيه المحدث عبد الله الهرري حفظه الله في كتابه “الصراط المستقيم” ما نصه [2]: “قال بعضُ العلماءِ: القَدَرُ هو تدبيرُ الأشياءِ على وجهٍ مُطابقٍ لعلمِ الله الأزليِّ ومشيئته الأزليةِ فيُوجدُها في الوقتِ الذي عَلِمَ أنها تكونُ فيهِ، فيدخلُ في ذلك عملُ العبدِ الخيرُ والشر باختياره. ويدلُّ عليه ما جاء في حديث رسول الله إلى جبريل حينَ سأله عن الإيمان: “الإيمان أن تُؤمن بالله وملائكتهِ وكتبِهِ ورسله واليومِ الآخر وتؤمِنَ بالقدرِ خيرهِ وشره” رواه مسلم.
ومعناه: أنَّ المخلوقات التي قدَّرها الله تعالى وفيها الخيرُ والشر وُجِدَت بتقدير الله الأزلي، وأما تقدير الله الذي هو صفةُ ذاتِهِ فهوَ لا يُوصَفُ بالشر، فإرادةُ الله تعالى نافذةٌ في جميع مُراداتِهِ على حسب علمِهِ بها، فما علِمَ كونَهُ أرادَ كونَهُ في الوقتِ الذي يكونُ فيه، وما عَلِمَ أنهُ لا يكونُ لم يُرِدْ أن يكون.
فلا يحدُثُ في العالم شيءٌ إلا بمشيئته، ولا يُصيبُ العبدَ شيءٌ من الخير أو الشر أو الصحةِ أو المرض أو الفقر أو الغِنى أو غير ذلك إلا بمشيئة الله تعالى، ولا يُخطئ العبدَ شيءٌ قدَّرَ الله وشاءَ أن يُصيبه، فقد وردَ أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم بعض بناته: “ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن” رواه أبو داود، ثم تواتر واستفاض بين أفراد الامة.
وروى البيهقي رحمه الله تعالى عن علي رضي الله عنه أنه قال: “إنَّ أحدكم لن يَخلُصَ الإيمانُ إلى قلبهِ حتى يستيقنَ يقينًا غيرَ شكّ أنَّ ما أصابهُ لم يكن ليُخطئه وما أخطأهُ لم يكن ليُصيبه،، ويُقرَّ يالقدر كله”. أي لا يجوز أن يؤمن ببعض القدر ويكفر ببعض.
وروى أيضًا بالإسناد الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية فقامَ خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: “مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ له ومن يُضلل فلا هاديَ له”، وكان عندهُ كافرٌ من كفار العَجَمِ من أهلِ الذمةِ فقال بلغتهِ: “إنَّ الله لا يضلُّ أحدًا”، فقال عمر للترجمان: “ماذا يقول؟” قال: إنه يقول: “إنَّ الله لا يضلُّ أحدًا”، فقال عمر: “كذبتَ يا عدوَّ الله، ولولا أنكَ من أهل الذمة لضربتُ عنقكَ، هُوَ أضلَّكَ وهو يُدخلكَ النارَ إن شاءَ”.
وروى الحافظ أبو نُعيم عن الزهري أن عمر بن الخطاب كان يحبُّ قصيدة لَبيد بن ربيعة التي منها هذه الأبيات وهي:
إنَّ تقوى ربِّنا خيرُ نَفلْ *** وبإذنِ الله رَيثي وعَجَلْ
أحمدُ الله فلا نِدَّ لهُ *** بيديهِ الخيرُ ما شاءَ فعلْ
مَنْ هداهُ سُبُلَ الخيرِ اهتدى *** ناعِمَ البالِ ومَن شاءَ أضَلّ
ومعنى قوله: “إنّ تقوى ربنا خيرُ نفل” أي خير ما يُؤتاه الإنسان.
ومعنى قوله: “وبإذن الله ريثي وعجل” أي أنه لا يُيطئ مُبطئٌ ولا يُسرعُ مُسرعٌ إلا بمشيئة الله وبإذنه.
وقوله: “أحمد الله فلا ند له” أي لا مِثلَ له.
وقوله: “بيديه الخيرُ” أي والشرُّ، وإنما اقتصرَ على ذكر الخير من باب الاكتفاء كقوله تعالى: {سرابيلَ تَقيكمُ الحرَّ} [سورة النحل/81]، أي والبرد.
وقوله: “ما شاء فعل” أي ما أراد الله حصوله لا بدَّ أن يحصل وما أراد أن لا يحصل فلا يحصل.
وقوله: “مَن هداه سبل الخير اهتدى” أي من شاء الله له أن يكون على الصراط الصحيح المستقيم اهتدى.
وقوله: “ناعمَ البال” أي مطمئنَّ البال.
وقوله: “ومن شاء أضل” أي من شاء له أن يكونَ ضالاً أضلّه.
وروى البيهقي عن الشافعي أنه قال حيث سُئل عن القدر:
ما شئتَ كانَ وإن لم أشأ *** وما شئتُ إن لم تشأ لم يكُنْ
خلقتَ العبادَ على ما عَلِمتَ *** ففي العلمِ يجري الفتى والمُسِن
على ذا مَنَنتَ وهذا خذلتَ *** وهذا أعنتَ وذا لم تُعِن
فمنهم شقيٌّ ومنهم سعيدٌ *** وهذا قبيحٌ وهذا حسن
فيتبيّن بهذا أن الضمير في قوله تعالى: {يُضِلُّ مَن يشاءُ ويهدي من يشاء} [سورة النحل/93] يعودُ إلى الله لا إلى العبد كما زعمَت القدرية بدليل قوله تعالى إخبارًا عن سيدنا موسى: {إنْ هِيَ إلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بها مَنْ تشاءُ وتهدي من تشاءُ} [سورة الأعراف/155].
وكذلك قالت طائفة ينتسبون إلى أمين شيخو الذينَ زعيمهم اليومَ عبد الهادي الباني بدمشقَ فقد جعلوا مشيئة الله تابعةً لمشيئةِ العبد، حيث إن معنى الآية عندهم إن شاء العبد أن يهتدي هداهُ الله وإن شاء العبد أن يَضِلَّ أضلَّهُ الله فكذبوا بالآية: {وما تشاءونَ إلا أن يشاءَ اللهُ} [سورة التكوير/29]، فإن حاول بعضهم أن يستدلَّ بآيةٍ من القرءان لضدِّ هذا المعنى قيل له: القرءان يتصادق ولا يتناقض فليس في القرءان ءايةٌ نقيضَ ءايةٍ، وليس هذا من باب الناسخ والمنسوخ، لأن النسخ لا يدخل العقائد وليس موجبًا للتناقض، ولا يدخل النسخ في الأخبار إنما هو في الأمر والنهي إنما النسخُ بيان انتهاء حُكمِ ءايةٍ سابقةٍ بحكم ءايةٍ لاحقة، على أن هذه الفئة لا تؤمن بالناسخ والمنسوخ.
ومن غباوتهم العجيبة أنهم يفسرون قوله تعالى: {وعلَّمَ ءادمَ الأسماءَ كُلَّها} [سورة البقرة/31] بأسماء الله الحسنى، فإن قيل لهم: لو كانت الأسماء هي أسماء الله الحسنى لم يصُل الله: {فلمَّا أنبأَهُم بأسمائِهم} [سورة البقرة/33] بل لقالَ فلما أنبأهم بأسمائي انقطعوا، لكنهم يصرون على جهلهم وتحريفهم للقرءان.
روى الحاكم رحمه الله تعالى أنّ علي الرضى بن موسى الكاظمِ كان يقعُدُ في الروضةِ وهو شابٌّ مُلتحفٌ بمُطرَفِ خَزّ فيسأله الناس ومشايخُ العلماء في المسجد، فسئل عن القدر فقال: قال الله عز وجل من قائل: {إنَّ المُجرمينَ في ضلالٍ وسُعُرٍ* يومَ يُسحَبونَ في النارِ على وجوههم ذُوقوا مَسَّ سقر* إنَّا كُلَّ شيءٍ خلقناهُ بقدر} [سورة القمر/47-48-49].
ثم قال الرّضى: كان أبي يذكر عن ءابائهِ أنَّ أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب كان يقول: “إنَّ الله خلق كل شيءٍ بقدر حتى العجزَ والكيسَ، وإليهِ المشيئةُ وبهِ الحولُ والقوةُ” اهـ.
فالعبادُ مُنساقونَ إلى فعل ما يصدر عنهم باختيارهم لا بالإكراه والجبر.
ولو لم يشأ الله عصيان العُصاة وكفر الكافرين وطاعة الطائعين لما خلق الجنة والنار.
ومن ينسبُ لله تعالى خلقَ الخير دون الشر فقد نسب إلى الله تعالى العجز ولو كان كذلك لكان للعالم مُدبران، مدبرٌ للخير ومدبرٌ للشر وهذا كفرٌ وإشراكٌ.
وهذا الرأيُ السفيه من جهةٍ أخرى يجعلُ الله تعالى في ملكه مغلوبًا، لأن مضمونه أن الله تعالى أراد الخيرَ فقط فيكون قد وقع الشر من عدوِّه إبليس وأعوانه الكفار رغمًا عنه.
ويكفر من يعتقد هذا الرأي لمخالفته قوله تعالى: {واللهُ غالبٌ على أمره} [سورة يوسف/21] أي لا أحد يمنعُ نفاذ مشيئته.
وحكمُ من ينسبُ هذا الرأي إلى الله تعالى الخيرَ وينسبُ إلى العبد الشر أدبًا أنه لا حرجَ عليه، أما إذا اعتقد أن الله خالق الخير دون الشر فحكمه التكفير.
واعلموا رحمكم الله أن الله تعالى إذا عذّب العاصي فبعدله من غير ظلم، وإذا أثابَ المطيع فبفضله من غير وجوب عليه، لأن الظلم إنما يُتصوَّر ممن له ءامرٌ وناهٍ، ولا ءامرَ لله ولا ناهيَ له، فهو يتصرَّفُ في ملكه كما يشاء لأنه خالق الأشياء ومالِكها، وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده وغيرهما عن ابن الديلمي قال: “أتيتُ أبيَّ بن كعب فقلت: يا أبا المنذر، إنه حدث في نفسي شيء من هذا القدر فحدثني لعلَّ الله ينفعني”، قال: “إنَّ الله لو عذَّبَ أهل أرضهِ وسمواتهِ لعذَّبهم وهو غير ظالمٍ لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو أنفقتَ مثل أحدٍ ذهبًا في سبيل الله ما قَبِلهُ الله منكَ حتى تؤمنَ بالقدر، وتعلمَ أنّ ما أصابكَ لم يكن ليخطئك وما أخطأكَ لم يكن ليُصيبك، ولو متَّ على غير هذا دخلتَ النار”.
قال: ثم أتيتُ عبد الله بن مسعود فحدثني مثل ذلك، ثم أتيتُ حذيفة بن اليمان فحدثني مثل ذلك، ثم أتيتُ زيدَ بن ثابتٍ فحدثني مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى مسلم في صحيحه والبيهقي في كتاب القدر عن أبي الأسود الدُّؤلي قال: قال لي عمران بن الحصين: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيءٌ قضِيَ عليهم ومضى عليهم من قدرٍ قد سبقَ أو فيما يُستقبلونَ به مما أتاهم به نبيُّهم وثبتت الحجة عليهم؟ قال: فقلت: بل شيءٌ قُضيَ عليهم ومضى عليهم، قال: فقال: أفلا يكون ظلمًا، قال: ففزعتُ من ذلك فزعًا شديدًا وقلتُ: كل شيءٍ خلقُهُ ومِلكُ يدهِ لا يُسئل عما يفعل وهم يسألون، قال: فقال لي: يرحمك الله إني لم أرد بما سألتكَ إلا لأحزِرَ عقلك، إنَّ رجلين من مُزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله أرأيتَ ما يعملُ الناس اليومَ ويكدحون فيه أشيءُ قُضيَ عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق أو فيما يُستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجةُ عليهم؟ فقال: “بل شيء قُضي عليهم ومضى عليهم”، ومصداق ذلك قول الله تبارك وتعالى: {ونَفسٍ وما سوَّاها* فألهمَها فُجورها وتقواها} [سورة الشمس/7-8].
وصح حديث: “فمن وجدَ خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نقسه” رواه مسلم من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل.
أما الأول: وهو مَن وجد خيرًا فلأن الله تعالى مُتَفضِّلٌ عليه بالإيجاد والتوفيق من غير وجوب عليه، فليحمد العبدُ ربه على تفضله عليه.
أما الثاني: وهو من وجد شرًا فلأنه تعالى أبرز بقدرته ما كان من مَيل العبد السيء، فمن أضله الله فبعدله ومن هداه فبفضله.
ولو أنَّ الله خلق الخلق وأدخل فريقًا الجنة وفريقًا النار لسابق علمه أنهم لا يؤمنون لكان شأن المُعَذَّبِ منهم ما وصف الله بقوله: {ولو أنَّا أهلكناهُم بعذابٍ من قبلهِ لقالوا ربَّنا لولا أرْسَلتَ إلينا رسولاً فَنَتَّبِعَ ءاياتِكَ من قبلِ أن نَّذِلَّ وَنَخزى} [سورة طه/134].
فأرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين ليُظهر ما في استعداد العبدِ من الطوع والإباء فيهلك من هلكَ عن بيّنة ويَحيا من حيَّ عن بينة.
فأخبرنا أن قسمًا من خلقه مصيرهم النارُ بأعمالهم التي يعملون باختيارهم، وكان تعالى عالمًا بعلمه الأزلي أنهم لا يؤمنون، قال تعالى: {ولو شِئنا لأتينا كُلَّ نفسٍ هُداها ولكنْ حقَّ القولُ مِنِّي لأملأنَّ جهنَّمَ مِنَ الجنةِ والناسِ أجمعينَ} [سورة السجدة/13] أخبر الله تعالى في هذه الأية أنه قال في الأزل: {لأملأنَّ جهنَّمَ منَ الجنة والناسِ أجمعين} وقوله صدقٌ لا يتخلَّفُ لأنّ التخلف كذبٌ والكذبُ محالٌ على الله.
قال تعالى: {قُلْ فللهِ الحجَّةُ البالِغةُ فلوْ شاءَ لهداكُمْ أجمعين} [سورة الأنعام/149] أي ولكنه لم يشأ هداية جميعكم إذ لم يسبق العلمُ بذلك، فالعباد مُنساقون إلى فعل ما يصدر عنهم باختيارهم لا بالإكراه والجبر.
واعلم أنّ ما ذكرناه من أمر القدر ليس من الخوض الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: “إذا ذُكر القدرُ فأمسِكوا” رواه الطبراني، لأنّ هذا تفسير للقدر الذي ورد به النص، وأما المنهيُّ عنه فهو الخوض فيه للوصول إلى سره، فقد روى الشافعي والحافظ ابن عساكر عن علي رضي الله عنه أنه قال للسائل عن القدر: “سرُّ الله فلا تتكلَّف”، فلما ألحّ عليه قال له: “أما إن أبيتَ فإنهُ أمرٌ بين أمرين لا جبرٌ ولا تفويض”.
واعلم أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذمّ القدرية وهو فِرَقٌ، فمنهم من يقول: العبد خالقٌ لجميع فعلهِ الاختياري، ومنهم من يقول: هو خالق الشر دون الخير وكلا الفرقتين كفارٌ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “القدرية مجوس هذه الامة” [3]، وفي رواية لهذا الحديث: “لكل أمةٍ مجوسٌ، ومجوس هذه الأمة الذي يقولونَ لا قدر” رواه أبو داود عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي كتاب “القدر” للبيهقي وكتاب “تهذيب الآثار” للإمام ابن جرير الطبري رحمهما الله تعالى عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “صنفان من أمتي ليس لهما نصيب في الإسلام القدرية والمرجئة” [4].
فالمعتزلة هم القدرية لأنهم جعلوا الله والعبد سواسية بنفي القدرة عنه عز وجل على ما يَقْدِرُ عليه عبده، فكأنهم يثبتون خالقين في الحقيقة كما أثبت المجوس خالقَين خالقًا للخير هو عندهم النور وخالقًا للشر هو عندهم الظلام.
والهداية على وجهين:
أحدهما: إبانة الحق والدعاء إليه ونصب الأدلة عليه، وعلى هذا الوجه يصح إضافة الهداية إلى الرسل وإلى كل داع لله، كقوله تعالى في رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {وإنَّكَ لتهدي إلى صراطٍ مستقيم} [سورة الشورى/52].
وقوله تعالى: {وأمَّا ثمودُ فهديناهم} [سورة فصلت/17].
والثاني: من جهة هداية الله تعالى لعباده أي خلق الاهتداء في قلوبهم كقوله تعالى: {فمن يُرِدِ اللهُ أن يهديَهُ يشرحْ صدرهُ للإسلامِ ومن يُرد أن يُضِلَّهُ يجعلْ صدرهُ ضيِّقًا حَرَجًا} [سورة الأنعام/125].
والإضلال خلقُ الضلال في قلوب أهل الضلال.
فالعبادُ مشيئتهم تابعةٌ لمشيئة الله قال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاءَ الله} [سورة الإنسان/30].
الهوامش:
[1] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب القدر: باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء.
[2] الصراط المستقيم [ص/58-66]، الطبعة العاشرة.
[3] رواه من حديث عمر أبو داود وغيره.
[4] المرجئة هم طائفة انتسبوا للإسلام كانوا يعتقدون أن العبد المؤمن مهما عمل من الكبائر ومات بلا توبة ليس عليه عذاب.
الدليل العقلي على فساد قول المعتزلة بأن العبد يخلق أفعاله
قال أهل الحق: “امتنع خلقُ العبد لفعله لعموم قدرة الله تعالى وإرادته وعلمه”.
وبيانُ الدليل على ذلك أن قدرة الله عامة وعلمه كذلك وإرادته كذلك، فإنَّ نسبتها إلى الممكنات نسبة واحدة.
فإنّ وجود الممكن إنما احتاج إلى القادر من حيث إمكانه وحدوثه.
فلو تخصصت صفاتهُ هذه ببعض الممكنات للزِمَ اتصافه تعالى بنقيض تلك الصفات من الجهل والعجز وذلك نقصٌ والنفصُ عليه محال، ولاقتضى تخصصها مُخَصّصًا وتعلَّق المُخصص بذات الواجبِ الوجود وصفاته وذلك محال، فإذًا ثبتَ عموم صفاته.
فلو أراد الله تعالى إيجاد حادثٍ وأراد العبد خلافه ونفذ مرادُ العبد دون مراد الله للزم المحالُ المفروضُ في إثبات إلهين، وتعدُّدُ الإله محالٌ بالبرهان، فما أدى إلى المحال محالٌ” انتهى كلام شيخنا الهرري.
وقال في كتابه صريح البيان ما نصه [1]: “يجب تكفير المعتزلة القائلين بأن العبد يخلق أفعاله الاختيارية أي يحدثها من العدم إلى الوجود لأنهم كذبوا قول الله تعالى: {هل من خالقٍ غيرُ الله} [سورة فاطر/3]، وقول الله: {قلِ اللهُ خالقُ كلِّ شيء} [سورة الرعد/16] وءايات ـخرى كثيرة وأحاديث عديدة. وهؤلاء المعتزلة هم القدرية الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة، وقد أورد هذا الحديث أبو حنيفة في إحدى رسائله الخمس وهو صحيح عنده لأنه أورده في معرض الاحتجاج، وهم الذين شدّد عليهم النكير عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “كلام القدرية كفر”، وقال سيدنا علي بن أبي طالب للقدري: “إن عُدت إلى هذا لأقطعن الذي فيه عيناك”، وكذلك الحسن بن عليه بن أبي طالب والإمام المجتهد عبد الله بن المبارك فقد حذّر من ثور بن يزيد وعمرو بن عبيد الذي كان من رءوس المعتزلة، وقد ألّف في الرد عليهم الحسن بن محمد ابن الحنفية حفيد سيدنا علي بن أبي طالب، وكذا الإمام الحسن البصري، والخليفة الأموي المجتهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، وعلى تكفيرهم كان الإمام مالك فقال حين سُئل عن نكاح المعتزلة: {ولَعَبْدٌ مُّؤمنٌ خيرٌ من مُشرِكٍ} [سورة البقرة/221]، نقل ذلك عنه أبو بكر ابن العربي المالكي، والزركشي في شرحه على أصول ابن السبكي، وكذلك كفرهم إماما أهل السنة أبو منصور الماتريدي الحنفي، وأبو منصور عبد القهر البغدادي التميمي الشافعي شيخ الاشاعرة وشيخ الحافظ البيهقي الذي فال فيه ابن حجر الهيتمي: “الإمام الكبير إمام أصحابنا أبو منصور البغدادي”.
وقد قال شارح إحياء علوم الدين الإمام الفقيه المحدث اللغوي محمد مرتضى الزبيدي [2]: “لم يتوقف علماء ا وراء النهر من أصحابنا –يعني الماتريدية- في تكفير المعتزلة” اهـ. وقال الزاهد الصفار من أكابر الحنفية: “يجب إكفار القدري –أي المعتزلي- في قوله: إن العبد يخلق أفعال نفسه، وفي قوله: إن الله لم يشأ وقوع الشر. اهـ.
وممن نقل أيضًا تكفيرهم الإمام شيخ الإسلام البلقيني، وردّ عليهم الإمام المتولي في كتابه الغنية في العقيدة وهما من أكابر أصحاب الوجوه من الشافعية، والإمام أبو الحسن شيث بن إبراهيم المالكي، وكذلك الإمام ابن التلمساني المالكي في كتابه شرح لمع الأدلة لإمام الحرمين وغيرهم، ولم يصح عن إمام مجتهد كالشافعي وغيره القول بترك تكفير هذا الصنف من المعتزلة.
فبعد هذا لا يلتفت إلى ما يخالفه ولا يغترّ بعدم تكفير بعض المتأخرين لهم، فقد نقل الأستاذ أبو منصور التميمي في كتابه التذكرة البغدادية وكتابه تفسير الأسماء والصفات تكفيرهم عن الأئمة فقال [3]: “أصحابنا أجمعوا على تكفير المعتزلة”[4]. وقوله: “أصحابنا” يعني به الأشاعرة والشافعية لأنه رأس كبير في الأشاعرة الشافعية، وهو إمام مقدم في النقل معروف بذلك بين الفقهاء والأصوليين والمؤرخين الذين ألفوا في الفِرق، فمن أراد مزيد التأكد فليطالع كتبه هذه، فلا يُدافع بكلام بعض المتأخرين.
وما يذكر من العبارات التي تفهم ترك تكفيرهم عن بعض المشاهير كالنووي فقد يؤول بأن مراده من لم تثبت عليه قضية معينة تقتضي كفره من مسائلهم، لأن منهم من ينتسب إليهم ولا يقول بجميع مقالاتهم كبشر المريسي والمأمون العباسي، فإن بشرًا كان موافقهم في القول بخلق القرءان وكفّرهم في القول بخلق الأفعال، فلا يحكم على جميع من انتسب إلى الاعتزال بحكم واحد ويحكم على كل فرد منهم بكونه ضالاً، فالذين لا يعتقدون من الاعتزال أصوله الكفرية إنما ينتسبون إليهم ويعتقدون بعض المسائل الأخرى كعدم رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة فهؤلاء الذين لم يكفرهم من يتحاشى تكفيرهم. ومن اراد المزيد فليراجع الكتب التي ألفت في الفِرق لبيان مقالاتهم وأقوال العلماء فيهم. وكذلك قول الإمام أحمد في المعتصم “يا أمير المؤمنين” فإن المعتصم والمأمون لم يثبت عنهما القول بخلق العبد لفعله كما تقول المعتزلة إنما وافقا المعتزلة في القول بخلق القرءان، ولا يعني المعتصم والمأمون أنه ليس لله كلام إلا هذا اللفظ المنزل الذي هو مخلوق لله كما تعتقد المعتزلة، إنما وافقهم في القول بمخلوقية اللفظ ففرق بينهما وبين المعتزلة لأن المعتزلة نفوا الكلام القائم بذات الله وقالوا ليس لله كلام إلا الكلام الذي يخلقه في غيره كالشجرة التي كان عندها موسى، فحكم المعتزلة الذين نفوا الكلام القائم بذات الله غير حكم من قال بمخلوقية اللفظ المنزل، ولا يستطيع أحد أن يثبت عن الخليفتين أنهما تلفظا بنفي الكلام الذاتي عن الله، فالتسوية بينهما وبين المعتزلة جهل بالحقيقة كما ادعى البوطي في بعض كلامه حيث إنه احتج بقول الإمام أحمد للمعتصم “يا أمير المؤمنين” بأن أحمد لم يكفرهم وهذا تقويل للإمام ما لم يقله، ولا يستطيع أن يثبت عن أحمد أنه قال عن المعتصم أنه كان يقول بما تقول المعتزلة أنه ليس لله كلام إلا ما يخلقه في غيره، ودون ذلك خرق القتاد.
وقد أنكر الحافظ البلقيني في حواشي الروضة قول صاحب الروضة بصحة القدوة بهم في الصلاة قال [5]: “وقول الشافعي رضي الله عنه: “أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية” محمول على من لم تثبت فيهم قضية معينة تقتضي تكفيرهم، واستدل لذلك بقوله لحفص الفرد لما جادله في مسئلة القول بخلق القرءان فأفحمه الشافعي: “لقد كفرت بالله العظيم”. وردّ البلقيني تأويل قول الشافعي هذا بكفران النعمة فقال في حاشيته على روضة الطالبين ما نصه [6]: “قوله –يعني النووي-: وأطلق القفال وكثيرون من الأصحاب القول بجواز الاقتداء بأهل البدع، وأنهم لا يكفرون، قال صاحب العُدة: هو ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه، زاد –أي النووي- هذا الذي قاله القفال وصاحب العدة هو الصحيح أو الصواب، فقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، ولم يزل السلف والخلف على الصلاة خلف المعتزلة وغيرهم”. قال البلقيني: “فائدة: الصحيح أو الصواب خلاف ما قال المصنف –يعني النووي- وقول الإمام الشافعي رضي الله عنه محمول على من ذكر عنه أنه من أهل الأهواء ولم يثبت عليه قضية معينة تقتضي كفره، وهذا نص نصًا خاصًا على تكفير من قال بخلق القرءان، والقول بالخاص هو المقدّم، وأما الصلاة خلف المعتزلة فهو محمول على ما قدمته من أنه لم يثبت عند المقتدين بهم ما يكفرهم”. ثم قال البلقيني: “قوله –يعني النووي- وقد تأوّل البيهقي وغيره من أصحابنا المحققين ما جاء عن الشافعي وغيره من العلماء من تكفير القائل بخلق القرءان على كفران النعم لا كفران الخروج عن الملة”. قال البلقيني: “فائدة: هذا التاويل لا يصح لأن الذي أفتى الشافعي رضي الله عنه بكفره بذلك هو حفص الفرد، وقد قال: أراد الشافعي ضرب عنقي، وهذا هو الذي فهمه أصحابه الكبار وهو الحق وبه الفتوى خلاف ما قال المصنف” اهـ. ويرد تأويل من أوَّل عبارة الشافعي المذكورة في حق حقص بكفران النعمة لا كفران الجحود ما ثبت عن عبد الرحمن بن أبي حاتم عن ربيعة بن سليمان المراديّ صاحب الشافعي أن الشافعي كفّره أي حفصًا كما أنه هو الراوي لقول الشافعي لقد كفرت بالله العظيم. فلا يجوز التردد في تكفير المعتزلة القائلين بأن الله كان قادرًا على خلق حركات العباد وسكونهم ثم لما أعطاهم القدرة عليها صار عاجزًا عنها، حكى ذلك واحد من الأكابر منهم الإمام أبو منصور الماتريدي، والإمام أبو منصور البغدادي، والإمام أبو سعيد المتولي، والفقيه المالكي شيث بن إبراهيم، وإمام الحرمين وغيرهم كما تقدم، فكيف يسوغ ترك تكفيرهم بعد هذا الذي هو صريح في نسبة العجز إلى الله.
قال الزركشي في تشنيف المسامع [7] ما نصه: “وقد نص الشافعي على قبول شهادة أهل الأهواء، وهو محمول على ما إذا لم يؤد إلى التكفير، وإلا فلا عبرة به” اهـ. وهذا يؤكد ما قاله البلقيني في حواشي روضة الطالبين بأن مراد الشافعي بقوله أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من لم تثبت بحقه قضية تقتضي تكفيره منهم، يعني كقولهم إن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية استقلالاً، وإن الله كان قادرًا على خلقها قبل أن يعطيهم القدرة فلما أعطاهم صار عاجزًا.
أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم المشهور: “القدرية مجوس هذه الأمة” [8]. فمعناه أمة الدعوة، وأمة الدعوة تشمل الكافرين والمؤمنين، لأن لفظ أمتي ونحوه يحمل على من اتبعه في بعض المواضع، وفي بعض المواضع يطلق على من توجهت إليه دعوته فمنهم من ءامن ومنهم من أبى”، انتهى كلام العلامة الهرري.
وماذا يقول البوطي في قوله تعالى: {وأنَّهُ هُوَ أضحكَ وأبكى* وأنهُ هوَ أماتَ وأحيا} [سورة النجم/43-44]، فالضحك والبكاء من أفعال العبد الاختيارية ومع ذلمك الله تبارك وتعالى جعلهما من خلقه تعالى، وأكد ذلك بإدخال كلمة “هو” بعد الضمير الذي في “وأنه”، وهذا للتأكيد في أن الله تعالى هو خالق ذلك.
الهوامش:
[1] صريح البيان [ص/27-31]، الطبعة الثالثة.
[2] إتحاف السادة المتقين [2/135].
[3] أصول الدين [ص/337، 341، 342، 343].
[4] تفسير الأسماء والصفات [ق/191].
[5] حواشي الروضة للبلقيني [1/83].
[6] حواشي الروضة للبلقيني [1/83].
[7] تشنيف المسامع [ص/227].
[8] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب السنة: باب في القدر، وصححه الحاكم في المستدرك [1/85] ووافقه الذهبي.
تقدير الله لا يتغير
اعلم أن تقدير الله تعالى الأزلي لا يُغيره شيءٌ لا دعوةُ داع ولا صداقة مُتصدق ولا صلاةُ مثل ولا غير ذلك من الحسنات، بل لا بد أن يكون الخلق على ما قدّر لهم في الأزل من غير أن يتغير ذلك. وأما قول الله تعالى: {يمحوا الله ما يشاءُ ويُثبِتُ وعندهُ أمُّ الكتاب} [سورة الرعد/39]، فليس معناه أن المحوَ والإثبات في تقدير الله، بل المعنى في هذا أن الله جل ثناؤه قد كتب ما يُصيب العبد من عباده من البلاء والحرمان والموت وغير ذلك، وأنه إن دعا الله تعالى أو أطاعه في صلة الرحم وغيرها لم يُصبه ذلك البلاء ورزقه كثيرًا أو عمَّرهُ طويلاً، وكتب في أم الكتاب ما هو كائن من الأمرين، فالمحو والإثبات راجعٌ إلى أحد الكتابين كما أشار إليه ابن عباس، فقد روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: {يمحوا اللهُ ما يشاءُ ويُثبِتُ وعندهُ أمُّ الكتاب} [سورة الرعد/39]، قال: “يمحو الله ما يشاء من أحد الكتابين، هما كتابان بمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت وعنده أم الكتاب” اهـ.
والمحو يكون في غير الشقاوة والسعادة، فقد روى البيهقي أيضًا عن مجاهد أنه قال في تفسير قول الله تعالى: {فيها يُفرَقُ كلُّ أمرٍ حكيم} [سورة الدخان/4]: “يُفرقُ في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزقٍ أو مُصيبة، فأما كتاب الشقاء والسعادة فإنه ثابتٌ لا يُغَيَّرُ” اهـ.
فلذلك لا يصحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء الذي فيه: إن كنت كتبتني في أم الكتاب عندك شقيًّا فامحُ عني اسمَ الشقاء وأثبتني عندك سعيدًا، وإن كنت كتبتني في أم الكتاب محرومًا مُقَتَّرًا عليَّ رزقي فامحُ عني حرماني وتقتير رزقي وأثبتني عندك سعيدًا موفقًا للخير، فإنك تقول في كتابك: {يمحوا اللهُ ما يشاء ويُثبت وعنده أم الكتاب}، ولا ما أشبه هذا الدعاء، ولم يصح هذا الدعاء أيضًا عن عمر ولا عن مجاهد ولا عن غيرهما من السلف كما يٌعلم ذلك من كتاب “القدر” للبيهقي” اهـ.
ثم قال ما نصه [1]:”
توحيد الله في الفعل
روي عن الجنيد إمام الصوفية العارفين عندما سئل عن التوحيد أنه قال: “اليقينُ”، ثم استُفسر عن معناه فقال: “إنهُ لا مُكَوِّنَ لشيءٍ من الأشياء منَ الأعيان والأعمال ولا خالقٌ لها إلا الله تعالى” اهـ.
قال تعالى: {واللهُ خلقكم وما تعملون} [سورة الصافات/96].
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الله صانعُ كلّ صانع وصنعته” رواه الحاكم والبيهقي وابن حبان من حديث حذيفة.
إذ العباد لا يخلقون شيئًا من أعمالهم وإنما يكتسبونها، فقد قال الله تعالى: {اللهُ خالق كل شيء} [سورة الرعد/16].
تمدَّح تعالى بذلك لأنه شيء يختص به، وذلك يقتضي العموم والشمول للأعيان والأعمال والحركات والسكنات.
وقال تعالى: {قُلْ إنَّ صلاتي ونُسُكي ومحيايَ ومماتي للهِ ربِّ العالمين} [سورة الأنعام/162].
ساق الله الصلاة والنسك والمحيا والممات في مساق واحد وجعلها مِلكًا له. فكما أن الله خالقُ الحياة والموت، كذلك الله خالق للأعمال الاختيارية كالصلاة والنسك، والحركات الاضطرارية من باب الأولى.
وإنما تمتازُ الأعمال الاختياريةُ بكونها مُكتسبة لنا فهي محلُّ التكليف.
والكسبُ الذي هو فعل العبد وعليه يُثاب أو يُؤاخذ في الآخرة هو توجيه العبد قصده وإرادته نحو العمل فيخلقه الله عنه ذلك.
فالعبد كاسبٌ لعمله والله تعالى خالقٌ لعمل هذا العبد الذي هو كسبٌ لهُ، وهذه المسألة من أغمضِ المسائل في هذا العلم.
قال الله تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [سورة البقرة/286].
فليس الإنسان مجبورًا لأن الجبر يُنافي التكليف، وهذا هو المذهب الحق وهو خارج عن الجبر والقدر.
ويكفُرُ من يقول إن العبد يخلقُ أعماله كالمعتزلة، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: “كلام القدرية كفر”، والقدرية هم المعتزلة.
قال أبو يوسف: “المعتزلة زنادقة”.
ووصفهم الإمام أبو منصور التميمي في كتابه “الفرق بين الفِرق” بأنهم مشركون. وأبو منصور هو الذي قال فيه ابن حجر الهيتمي هذه العبارة: “وقال الإمام الكبير إمام أصحابنا أبو منصور البغدادي” [2].
ولا تغترَّ بعدم تكفير بعض المتأخرين لهم، فقد نقل الأستاذ أبو منصور التميمي البغدادي في كتابه “أصول الدين” وكذلك في كتابه “تفسير الأسماء والصفات” تكفيرهم عن الأئمة.
قال الإمام البغدادي في كتابه “تفسير الأسماء والصفات” [3]: “أصحابُنا أجمعوا على تكفير المعتزلة” اهـ.
وقوله: “أصحابنا” يعني به الأشعرية والشافعية لأنه أشعري شافعي بل هو رأس كبيرٌ في الشافعية كما قال ابن حجر، وهو إمام مُقدم في النقل معروف بذلك بين الفقهاء والأصوليين والمؤرخين الذين ألفوا في الفرق، فمن أراد مزيد تأكدّ فليطالع كتبه هذه، فلا يُدافَعُ نقله بكلام الباجوري وأمثاله ممن هو من قبل عصره أو بعده.
وأما كلام بعض المتقدمين من ترك تكفيرهم فمحمول على مثل بشر المريسي والمأمون العباسي، فإن بشرًا كان موافقهم في القول بخلق القرءان وكفّرهم في القول بخلق الأفعال فلا يُحكم على جميع من انتسب إلى الاعتزال بحكمٍ واحد ويُحكم على كل فردٍ منهم بكونه ضالاً.
الهوامش:
[1] الصراط المستقيم [ص/67-70].
[2] هو ممن كتب عنه البيهقي في الحديث.
[3] هذا الكتاب نادر الوجود يوجد منه أربع نسخ خطية فيما نعلم.
فصل
يقول البوطي في مجلة طبيبك عدد تشرين الثاني 1993 [ص/110] ما نصه: “فإن كلمة الحذر ينجي من القدر أو لا ينجي من القدر باطلة”. اهـ.
الرد: إن كان البوطي لا يعرف مصادر الأثر فلا يتجن ويتسرع، وهذا الحكم من عثراته وزلاته فقد روى البيهقي في كتاب القضاء والقدر عن ابن عباس أنه قال: “إن الحذر لا يغني من القدر”، وهذه رواية عطاء عن ابن عباس، وروى البيهقي أيضًا من طريق طاووس عن ابن عباس قال: “لا ينفع الحذر من القدر”. فأنصحك أن لا تهرف بما لا تعرف.
ومن عجائب هذا المدعي وغرائبه أنه يدعي العلم والمعرفة وكتبه مليئة بالأخطاء والمغالطات في الدين فضلاً عن أخطائه في اللغة فقد ألف كتابًا سماه “الإنسان مسير أم مخير” وهذا العنوان لا يصح لغة ولا شرعًا.
أما شرعًا فقد بينّا أن الإنسان ليس مجبرًا مطلقًا ولا مختارًا مطلقًا بل أجمع أهل الحق أن الإنسان مختار تحت مشيئة الله.
أما من حيث اللغة فلا يوجد في اللغة مُسيّر بمعنى محبور قال تعالى: {هُوَ الذي يُسَيِّرُكم في البرِّ والبحرِ} [سورة يونس/22]، وقال الإمام الرازي في تفسيره [1]: “قال القفال {هوَ الذي يسيركم في البر والبحر}: أي هو الله الهادي لكم إلى السير في البر والبحر طلبًا للمعاش لكم، وهو المسير لكم لأجل أنه هيأ لكم أسباب ذلك السير” اهـ، وقال القرطبي [2]: “أي يحملكم في البر على الدواب وفي البحر على الفلك” اهـ.
ولا يصح في اللغة أن يقال عن الإنسان مخير في هذا الموضع لأن التخيير معناه أن تختار بين شيئين، والصحيح أن يقال مختار وليس مخيرًا كما هو المعروف في كتب أهل السنة.
ثم إن هذا الاصطلاح مسير ومخير ليس من السلف ولا ممن بعدهم، ولا ورد في كتب الاشاعرة ولا الماتريدية ولا المعتزلة ولا الفلاسفة بل هل من اصطلاحات أهل هذا العصر وما أكثر ما تطرق من فسادٍ إلى اللغة في هذا العصر.
ثم ألم يقرأ البةطي متن الجوهرة في التوحيد وهو متن يحفظه صغار طلبة العلم في دمشق وأقطار الارض، يقول صاحب الجوهرة عن العبد:
“فليس مجبورًا ولا اختيارا *** وليس كٌلاً يفعل اختيارا” اهـ
أي ليس العبد مجبورًا ولا هو ليس له اختيار بل له اختيار يخلقه الله كما ذُكر ذلك في شروح جوهرة التوحيد.
الهوامش:
[1] تفسير الرازي [17/71].
[2] الجامع لأحكام القرءان [8/324].
البوطي ينكر وجود بدعة حسنة
يقول في كتابه “الإسلام ملاذ كل المجتمعات الإنسانية” [ص/195]: “وإذا استوعينا هذه الحقيقة أدركنا أنه ليس ثمة ما يسمى بالبدعة الحسنة كما توهم ذلك بعض الباحثين، بل البدعة لا تكون إلا ضلالة قبيحة وذلك لضرورة أنها تعني التزيد على الدين والإضافة عليه وهو لا يمكن أن يكون حسنًا بحال من الأحوال” اهـ.
وقال جزء من هذا الكلام في مجلة الأمان العدد 166، 4 ءاب 1995 وهذه المجلة هي لمن يُسمون “حزب الإخوان المسلمين”، فهل له ارتباط بهم؟.
الرد: أولاً: قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وجعلنا في قلوبِ الذينَ اتَّبَعوهُ رأفةً ورحمةً ورهبانيَّةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتِغاء رِضوان الله} [سورة الحديد/27].
فهذه الآية يستدل بها على وجود البدعة الحسنة لان معناها مدح الذين كانوا مؤمنين من أمة عيسى متبعين له عليه السلام بالإيمان والتوحيد، فالله تعالى مدحهم لأنهم كانوا أهل رافة ورحمة ولانهم ابتدعوا رهبانية، والرهبانية هي الانقطاع عن الشهوات حتى أنهم انقطعوا عن الزواج رغبة في تجردهم للعبادة. فمعنى قوله تعالى: {ما كَتبناها عليهم} أي نحن ما فرضناها عليهم إنما هم أرادوا التقرب إلى الله، فالله تعالى مدحهم على ما ابتدعوا مما لم ينص لهم عليه في الإنجيل ولا قال المسيح بنص منه.
ثانيًا: روى البخاري في الصحيح [1] أن سيدنا عمر بن الخطاب قال عن التراويح: “نعم البدعة هذه”، وفي الموطإ [2] بلفظ: “نعمتِ البدعة هذه”.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح [3]: “قوله/ قال عمر: “نعم البدعة” في بعض الروايات نعمت البدعة بزيادة التاء، والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع مقابل السنة فتكون مذمومة. والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة” اهـ.
ثالثًا: روى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي [4] عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: “المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث مما يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا فهذه البدعة الضلالة، والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة” اهـ.
رابعًا: ذكر الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [5]: “قال الشافعي: البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة فما وافق السنة فهو محمود، وما خالفها فهو مذموم” اهـ.
خامسًا: قال النووي في كتاب تهذيب الأسماء واللغات [6] في مادة [ب د ع] ما نصه: “البدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة.
وقال الإمام الشيخ المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه في أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي الله عنه في ءاخر كتاب القواعد: “البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة، قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فمحرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة”. انتهى كلام النووي.
سادسًا: قال ابن عابدين الحنفي الدمشقي في رد المحتار [7] ما نصه: “قد تكون البدعة واجبة كنصب الأدلة للرد على أهل الفرق الضالة وتعلم النحو المفهم للكتاب والسنة، ومندوبة كإحداث نحة رباط ومدرسة وكل إحسان لم يكن في الصدر الأول، ومكروهة كزخرفة المساجد، ومباحة كالتوسع بلذيذ المآكل والمشارب والثياب” اهـ.
سابعًا: قال الحافظ السيوطي في رسالة سماها حسن المقصد في عمل المولد مجيبًا عن سؤال حول عمل المولد: “هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها” اهـ.
ثامنًا: قال الحطاب المالكي في كتابه مواهب الجليل ما نصه [8]: “وقال السخاوي في القول البديع [ص/196] أحدث المؤذنون الصلاة والسلام على رسول الله عقب الأذان للفرائض الخمس” إلى أن قال: “والصواب أنه بدعة حسنة وفاعله بحسب نيته” اهـ.
تاسعًا: ذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم ما نصه [9]: “قوله صلى الله عليه وسلم: “وكل بدعة ضلالة” هذا عام مخصوص والمراد به غالب البدع” اهـ ثم قسم البدعة إلى خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة.
وفي الختام أنصح البوطي بالرجوع إلى أصول كتب أهل الحق المعتبرة، ولا يعتد بالابتداع عن روعة الاتباع، ولا يغرنه كثرة الأشياع والأتباع.
الهوامش:
[1] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب صلاة التراويح: باب فضل من قام رمضان.
[2] الموطإ: كتاب الصلاة: باب بدء قيام ليالي رمضان.
[3] فتح الباري [4/253].
[4] مناقب الشافعي [1/469].
[5] فتح الباري [13/253].
[6] تهذيب الأسماء واللغات [3/22].
[7] رد المحتار على الدر المختار [1/376].
[8] مواهب الجليل [1/430].
[9] شرح صحيح مسلم [6/154].
البوطي يزعم أن النبي ظن أن جبريل جني في غار حراء
يقول البوطي في كتاب “من روائع القرءان” [ص/28]: “ولقد فوجئ عليه الصلاة والسلام بالملك يخاطبه ويكلمه، ولقد ارتجف خوفًا منه وذهب في محاولة معرفته كل مذهب حتى ظن أنه قد يكون من الجان” اهـ.
الرد: ما كفى البوطي ما قاله في الإساءة لشرع الله غير مرة بادعاء الاجتهاد، ومرة بتفسير النصوص بطريقة مزاجية، وها هو يدعي الآن دعوى جديدة، وإننا نحن نتحداه أن يثبت نصًّا في أن النبي ظن أن جبريل حين جاءه في الغار جني، ولا ندري من أين أتى بمثل هذا الافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأرجح أنه قاله من حديث لا أصل له وهو ما رواه أبو داود الطيالسي [1] من طريق أبي عمران الجوني عن رجل عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف هو وخديجة شهرًا بحراء فوافق ذلك رمضان فخرج رسول الله وسمع السلام عليكم قال: فظن أنه فجأةُ الجن فقال: أبشروا فإن السلام خير…” الحديث، وفيه: “قال : فكلمني حتى أنستُ به” وهذا فيه غضٌّ من قدر الرسول وفيه ركاكة والركاكة من دلائل وضع الحديث.
ولا يقال إن هذا من باب فضائل الأعمال يُروى ويُعمل به بالضعيف لأن هذا ليس فيه نسبة فضيلة للرسول يل هذا خلاف تعظيم الرسول، أما إن قال هذا معتقدًا أن الرسول اعتقد أنه أوحي إليه أنه نبي ثم اعتقد أن ما فاجئه هو جني فهو تشكيك في الوحي وفتح باب للطاعنبن في الإسلام، فمن ظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعد أن أوحي إليه بأنه نبي حصل له شك في المَلك الذي جاءه أنه جني فهو طعن في الرسول صريح. ولا حجة لهذا التخيل الباطل فيما رواه البخاري عن عائشة من طريق الزهري من بلاغته فإن بعض الناس يفهمه فهمًا خاطئًا والحديث رواه البخاري في صحيحه ونصه [2]: “حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، وحدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر قال الزهري: فأخبرني عروة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، فكان يأتي حراء فيتحنَّث فيه –وهو التعبد- الليالي ذوات العدد ويتزوّد لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوّده لمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاء الملك فيه فقال: اقرأ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسمِ ربِّكَ الذي خلقَ} [سورة العلق] حتى بلغ: {ما لمْ يَعلم}، فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زمّلوني زملوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الرَّوع، فقال: يا خديجة ما لي، وأخبرها الخبر، وقال: قد خشيت على نفسي، فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يُخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمِل الكلّ وتَقري الضيف وتعين على نوائب الحق. ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل أسد بن عبد العُزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخو أبيها، وكان أمرًأ تنصَّر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جَذَعًا أكون حيًّا حين يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجيَّ هم؟ فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومُك أنصرك نصرًا مؤزرًا”. ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردَّى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدَّى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقًّا فيسكن لذلك جأشه وتقرُّ نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك. قال ابن عباس: فالق الإصباح: ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل.
الهوامش:
[1] المسند لأبي داود الطيالسي [ص/215]، والمطالب العالية [4/188].
[2] أخرجه البخاري في صحيحه: أول كتاب التعبير.
البوطي الذي يتغنى بدرء الفاسد وسد الذرائع يبيح صراحة للشخص أن يتخيل أنه يرتكب الزنى ولو وجد مع ذلك لذة. وأباح للمرأة التي يضاجعها زوجها أن تتصور أنها مع غيره.
يقول في مجلة طبيبك العدد تشلاين أول 1995: “إن حديث الإنسان نفسه عن مقارفة معصية ما وما يتبعه من تخيّل تلك المعصية واللذة التي قد تصحب ذلك كل ذلك معفو عنه وساقط عن الاعتبار والمحاسبة بفضل الله وصفحه ودليل ذلك الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من طريق أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نغسها ما لم يتكلموا أو يفعلوا” اهـ.
ويقول في المجلة نفسها في جواب هذا نصه: “إلى السيد الذي نعت نفسه بلقب “إلى قعر جهنم”: “إن شعور الرجل باللواعج الجنسية من جراء ما قد يتعرض له من مغريات لا يُعدّ شيئًا محرمًا، بل إن ما يجتاحه من حديث النفس وأحلام اليقظة والتخطيط لارتكاب محرمات أيًّا كانت لا يدخل هو الآخر في شيء من المحرمات وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تفعل”.
وقال في المجلة ذاتها عدد حزيران 1998 [ص/104] جوابًا على سؤالين متشابهين أحدهما من رجل والآخر من امرأة، وأحد هذين السؤالين عن امرأة يصف حالها مع زوجها أنهما عندما يتقاربان تخونه بالخيال أي تتصور نفسها مع رجل ءاخر وهي لذلك تعيش في حرقة الضمير وعذابه فيقول البوطي مجيبًا: “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تفعل، وعليه فإن الخواطر التي تطوف بذهنك حول تلك التي أحببتها ثم لم تستطع أن تقتلع محبتها من قلبك لا يحاسبك الله عليها إذ هي من الانفعالات القسرية وليست من الأفعال الاختيارية، ولكن فلتكن حارسًا على سلوكك أن لا تجمع بك خواطرك الانفعالية تجاهها إلى أي تصرف محرم” اهـ.
ويقول في المجلة ذاتها عدد تموز 1994 ردًّا على سؤال: “إن مشاعر الحب ليس أكثر من انفعالات قسرية والانفعال لا يتعلق به تكليف ولا يدخل في الأحكام أو المحظورات الدينية، وتفكر المحب بمحبوبه كذلك بل الأفكار الداخلية أيًّا كانت خارجة عن نطاق التكليف ولا يحاسب الله عليها، ولقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تفعل” اهـ.
الرد: إن البوطي يحلل للرجل وللمرأة الاسترسال مع الخواطر وذلك بأن يتخيل نفسه مع امرأة يزني بها فيتصور مفاتنها وأعضاءها ول كان ذلك مصحوبًا مع اللذة كما قال، فلو سلمنا أن هذا الأمر حلال كما يدعي فلماذا لا يحرمه تحت الدعوى التي يدعيها دومًا وهي سد الذرائع ودرء المفاسد، كما يلجأ عادة إلى تحريم المباحات تحت هذه العناوين الأصولية التي يستعملها متى شاء ويعرض عنها متى شاء وكأن الحكم بها لم يخلق لغيره.
وكيف تكون هذه التخيلات قسرية وهي مصحوبة بالمتعة واللذات والاسترسال بهذا الشأن وقد أباح للمرأة كما بينا أن تتخيل وهي تضاجع زوجها أن تتخيل أنها مع رجل ءاخر.
ومن المعلوم أن هذه التخيلات لا حرمة فيها إن كانت خواطر بلا إرادة يكرهها الشخص ويدفعها عن نفسه لا أن يسترسل بلذة وشهوة كما ادعى البوطي، وقد قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث المذكور ما نصه [1]: “والمراد نفي الحرج عما يقع في النفس حتى يقع يعمل بالجوارح أو القول باللسان على وفق ذلك، والمراد بالوسوسة تردد الشئ في النفس من غير أن يطمئن إليه ويستقر عنده” اهـ.
فأين كلامك يا بوطي من هذا الكلام.
فأي امرأة جاهلة عندما تقرأ كلامك قد تتصور أن لها أن تتخيل نفسها وهي في حال المجامعة مع زوجها أنها تجامع رجلاً غيره.
وكذلك تطلق العنان للرجل أن له أن يجامع زوجته ثم يطلق فكره أنه مع امرأة أخرى لا تحل له، فكيف تجعل هذا شرع الله؟ والله لقد فتحت بابًا من الشر عظيم.
ثم ألم يقل الله تعالى في القرءان الكريم: {ومَنْ يُرِدْ فيهِ يإلحاد بِظُلمٍ نُذِقْهُ من عذابٍ أليم} [سورة الحج/25] فبزعمك قل لنا كيف يذيق الله عذابًا لشخصٍ أراد مجرد إرادة فقط أراد فيه –أي المسجد الحرام- الإلحاد بظلم والمعلوم أن الإرادة من أعمال القلب.
ثم ألم يُجمع أهل الحق على أن الرضا بالكفر كفر وتمني الكفر كفر، وأن من نوى أن يكفر فقد كفر ولو لم ينطق أو يفعل.
ألم تسمع بحديث البخاري عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب على ابن ءادم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العبن النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه” [2].
أما بلغك هذا الحديث؟ أما سمعته قبلاً؟ أليس زنى القلب والنفس هو التمني والاشتهاء؟ يا من تبيح للرجل أن يسترسل مع تمنياته المحرمة وشهوته.
ألم تسمع ما رواه ابن حبان في صحيحه [3] عن عبد الرحمن الأعرج، قال: قال أبو هريرة بأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كل ابن ءادم أصاب من الزنا لا محالة، فالعين وناؤهما النظر، واليد زناؤهما اللمس، والنفس تهوى ويصدقه أو يُكذبه الفرج”.
وروى [4] أيضًا عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “على كل نفس ابن ءادم كتب حظُّه من الزنا العين زناؤها النظر، والأذن زناؤها السمع، واليد زناؤها البطش، والرجل زناؤها المشي، واللسان زناؤه الكلام، والقلب يهوى الشئ ويصدق ذلك أو يكذبه الفرج [5].
ثم ألم يقل في مجلة طبيبك عدد ءاذار 1995 لسائل عن الخواطر أو الوساوس المنافية لمقتضى الدين وعقائده ما نصه: “الخواطر أو الوساوس أو الصور المنافية لمقتضى الدين وعقائده يتعرض لها كل إنسان مهما كانت درجته من التمسك والالتزام وهي لا تدخل في الاختيارات الإنسانية التي يحاسب الله بل هي انفعالات قسرية لا يتعلق بها التكليف وقد صرح رسول الله بأن الله لا يحاسب الإنسان المسلم عليها ما دام أنها تعجم على فكره دون اختيار وما دام أنه يشمئز منها ويضيق ذرعًا بها ما لم تقل أو تفعل”.
ثم ألم تقل في المجلة ذاتها عدد حزيران 1995 لأحد السائلين: “أما التخيلات والأوهام التي تهجم على شعورك بأنه لا يوجد إله لهذا الكون فإن استقبلها عقلك بقبول وأخذت ترحب بها فلذلك هو الكفر والعياذ بالله، وأما إن رفضها عقلك وشعرت بضيق ووحشة من هذه الخواطر فلذلك دليل رسوخ الإيمان”.
وهنا نطرح السؤال التالي: لماذا في مسائل الاعتقاد عليه أن لا يستقبل عقله الوساوس الكفرية وعليه أن لا يرحب بها وعليه أن يرفضها، أما في مسائل التلذذ المحرم فلا إثم عليه في التخيل واللذة على قولك، وأن كل ما يجتاحه من حديث النفس والتخطيط مع اللذة المحرمة لا يعد محرمًا أيًّا كان على قولك لا يدخل هو الآخر في المحرمات.
فالبوطي يتناقض مع ذاته كما يظهر لك أيها القارئ.
أليس عجيبًا أن يقول عن المرأة التي تخرج متعطرة إنها زانية ولو لم تقصد التعرض للرجال ثم يبيح لها أن تتخيل رجلاً يضاجعها في حال المجامعة مع زوجها فيا للعجب.
وأخيرًا اسمع يا بوطي لتص في إحياء علوم الدين من باب السماع حيث يقول الغزالي [6]: “وأما من يتمثل في نفسه صورة صبي أو امرأة لا يحل له النظر إليها وكان ينزل ما يسمع على ما تمثل في نفسه فهذا حرام لأنه محرك للفكر في الافعال المحظورة ومهيح للداعية إلى ما لا يباح الوصول إليه، وأكثر العشاق والسفهاء من الشباب في وقت هيجان الشهوة لا ينفكون عن إضمار شيء من ذلك” اهـ.
وأخيرًا وبفضل الله عز وجل عندما بلغت فتوى البوطي هذه إلى كثير من مشايخ وعلماء دمشق وحلب وحمص وحماه وغيرها من المدن السورية استشنعوا هذه الفتوى.
الهوامش:
[1] فتح الباري [5/161].
[2] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الاستئذان: باب زنى الجوارح دون الفرج.
[3] و[4] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [6/300].
[5] أنظر المصدر السابق.
[6] إحياء علوم الدين [2/304].
البوطي يقدم ما يزعم أنه علمٌ على القرءان
يقول البوطي في كتابه المسمى “الإسلام ملاذ كل المجتمعات الإنسانية” [ص/80]: “فالقرءان يقرر بوضوح أن على الإنسان أن لا يخضع ذاته لأي تبعية فكرية أو اعتقادية أيًّا كانت، إلا بعد أن يتأكذ من توقيع الحقيقة العلمية عليها، وبعد أن يتأمل فيتأكد أنه ليس توقيعًا مزيفًا ملصقًا بها، وانطلاقًا من هذا الحكم فإنه يرفض من الإنسان حتى اعتناق الإسلام نفسه إلا إذا أقيم على أساس متين من هذه البينة العلمية الحرة”. ويقول في كتابه “هذه مشكلاتهم” [ص/32]: “ولا نشك أيضًا في أن محمدًا رسول الله ولم يكذب على الله فيما أخبر أو نقل عرفنا ذلك بعد دراسات نقدية وعلمية تامة”.
ويقول في [ص/115] من كتابه المسمى “الإسلام ملاذ كل المجتمعات الإنسانية”: “وإنني لأقول إذا ثبا بالبرهان العلمي أن شيئًا من هذه المعلومات تتنافى مع قرار القرءان بأن الناس انحدروا من أي أعلى لهم اسمه ءادم وبأن الله شكّله بادئ ذي بدء من طين مشوي ثم نفخ فيه من روحه والله أعلم بكيفية كل ذلك ودقائق تفصيله، فإنني على استعداد للتخلي عن هذه النصوص ولسوف انقض منها كلاً من يدي وعقلي دون أن أخادع نفسي بمجاملتها عن طريق التغيير والتأويل” اهـ.
ويقول في [ص/122] من المصدر ذاته: “كيف لا وإن إيماننا بالقرءان ذاته لا يجوز أن ينهض إلا على البراهين العلمية القاطعة بل كيف لا وإن القرءان ذاته يهيب بنا أن لا نعتقد إلا ما صدقت عليه الحقيقة العلمية الثابتة”.
ويقول في مجلة الوهج حزيران 1995 [ص/36]: “عندما يتعارض نص قرءاني واضح مع قرار علمي واضح فأنا أقول: لا نؤول القرءان بل نترك القرءان ونأخذ بالقرار العلمي”.
ثم قال البوطي في المصدر نفسه: “إذا تعارض الدين والعلم فأنا أقول خذوا العلم واتركوا الدين”.
ويقول في [ص/29] من كتابه “هذه مشكلاتهم”: “وهل من إشكال أن يضع أحدنا القرءان تحت مجهر البحث والنقد العلميين”.
وقال في كتابه “الإسلام ملاذ كل المجتمعات الإنسانية” [ص/116]: “فأنا لم أستيقن شيئًا مما انطوى عليه صريح كتاب الله تعالى وسنة رسوله الصحيحة الثابتة إلا بعدما أن استوثقت من بصمات الحقائق العلمية الثابتة على كل ذلك، وإنني لعلى يقين بأن كل ما قد يتصف به الدين من القدسية والسمو إنما ينبثق من البراهين العلمية التي ينهض عليها، فإذا انكشف الواقع اليقيني عن خلاف ذلك فإن كل ما يقال عندئذ عم سموه وقدسيته لا يعدو أن يكون زيفًا وتمويهًا” اهـ.
وقال في مجلة طبيبك عدد تشرين الثاني 1991 ردًّا على سؤال: “أما إن فرضنا أن هذا الذي خرج من الفرج إنما هو مني فيجب الاغتسال منه إن برز كما قلنا إلى الخارج لصريح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان وقد جاءته امرأة تسأله هل على المرأة من غسل إن هي احتلمت: “نعم إذا رأت الماء”. ونلاحظ في قوله عليه الصلاة والسلام: “إن رأت الماء” توقفًا أو تحفظًا في احتمال إن رأت المرأة ماء كالرجل، ولعل المرجع في ذلك هو الطب والمتخصصون فيه، وقرار الأطباء إلى اليوم أن المرأة لا ترى في الاحتلام وغيره ماء كالذي يراه الرجل إن هو إلا رطوبة يفرزها المهبل” اهـ.
الرد: أقول: يحاول البوطي من خلال كلامه بالتلميح أن ينفي أن المرأة ترى الماء ثم يقول لعل المرجع في ذلك هو الطب لأنه يريد أن يساير ما يسميه علمًا وأنه مقدم عنده على القرءان والدين، ذلك لأن الذي يسميه علمًا ينكر أن المرأة ترى الماء وإنما عندهم الجنين ينعقد من ماء الرجل ومن بويضة المرأة ولا يعترفون بالنصوص القرءانية مطلقًا في هذا الموضوع. فهنا نريد أن نسأل البوطي هل أنت مع نص القرءان الكريم: {فلينظُرِ الإنسانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ من ماءٍ دافقٍ* يخرُجُ من بينِ الصُّلبِ والترائبِ} [سورة الطارق/5-6-7]، أم أنت مع ما تسميه بالحقائق العلمية التي تقول لا ماء لا من الترائب ولا من غيرها بل هي البويضة؟؟؟
وأنك لو تتبعت روايات الحديث يا دكتور لما قلت الذي قلته عن استبعاد رؤية المرأة للماء.
فقد روى الحميدي [1] عن أم سلمة مرفوعًا: “إذا رأت إحداكن الماء فلتغتسل”، ولمسلم [2] من رواية وكيف عن هشام فقالت لها: يا أم سُليم فضحت النساء، وكذا لأحمد من حديث أم سليم، قال الحافظ ابن حجر في الفتح [3]: “وهذا يدل على أن كتمان مثل ذلك من عادتهن لأنه يدل على شدة شهوتهن للرجال، وقال ابن بطال: فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن، وعكسه غيره فقال فيه دليل على أن بعض النساء لا يحتلمن، والظاهر أن مراد ابن بطال الجواز لا الوقوع أي فيهن قابلية ذلك” اهـ. وثم قال الحافظ: “قد روى أحمد من حديث أم سُليم في هذه القصة أن أم سلمة قالت: يا رسول الله وهل للمرأة ماء؟ فقال: “هم شقائق الرجال”، وروى عبد الرزاق في هذه القصة: “إذا رأت إحداكن الماء كما يراه الرجل”، وروى أحمد من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة: “ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل” انتهى كلام الحافظ.
فهل بعد هذه الروايات يقال لعل المرجع في هذا الطب.
ثم نقول للبوطي: ما هو مقصودك بالعلم الذي تلهج به دائمًا، فإن كان مقصودك العلم الشرعي فكلامك متناقض لأن هذا العلم أهم مصادره القرءان فهل ترد الأصل بالفرع، وإن كان مقصودك بالعلم هو هذا الذي يسمونه العلم العصري فهذا المسمى بالعلم العصري لا يعترف بطريقة خلق ءادم كما جاء بها القرءان، إذًا فمن تصدق؟ وقل لنا: هل يعترف هذا الذي يسمى العلم الذي تشد أزرك به بالجنة والنار والجن والملائكة والسموات السبع والأرضين السبع والعرش والكرسي واللوح والقلم والإسراء والمعراج والمعجزات إلخ…
ألا تخجل من قولك: “عندما يتعارض نصّ قرءاني واضح مع قرار علمي واضح فأنا أقول لا نؤول القرءان بل نترك القرءان ونأخذ بالقرار العلمي”، ألا تخجل من قولك: “إذا تعارض الدين والعلم فأنا أقول خذوا العلم واتركوا الدين”.
ماذا يضيرك لو أجبت: أن العلم الصحيح لا يتناقض مع القرءان؟ ماذا يؤثر عليك لو قلت إن البراهين العلمية الثابتة باليقين لا تتعارض مع الدين؟ إلى هذا الحد تخاف من الملحدين حتى أقحموك في مثل هذه المزالق.
ثب إلى رشدك وعد إلى الحق واتق الله وارجع قبل أن تنزل في القبر.
وأحب أخيرًا أن أنشر ردًّا على البوطي في هذه المسئلة حيث يقول علد الخالق عبد الله في مجلة الوهج [ص/36] عدد حزيران 1995 : “إنما المصيبة العظمى عندما ينطلق هذا الكلام من عالم وثقت الأمة به وبعلمه وارتمى الشباب في أحضانه واطمأنوا إلى أفكاره فإذا هو يطالع الأمة بما يفسد عليها عقيدتها ويبطل عليها اعتقادها بنبيها.
نعم طيلة الاسبوع بكامله وأنا أواجه بأسئلة ومناقشات حول تلك المحاضرة التي ألقاها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي على أجهزة الإعلام المرئية والمشاهدة على التلفزيون حيث يقول الدكتور البوطي بالحرف الواحد “عندما يتعارض نص قرءاني واضح مع قرار علمي واضح فأنا أقول لا نؤول القرءان بل نترك القرءان ونأخذ بالقرار العلمي، يعني عندما تتعارض ءاية قرءانية واضحة نزل بها الأمين جبريل عليه الصلاة والسلام على السيد الجليل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فتلقاها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحفظوها وركزوا دعائم الإسلام على وجه الارض وأخضعوا الأمبراطوريتين وكونوا المملكة الإسلامية العظيمة التي حكمت ثلاثة أرباع العالم، إذا تعارض مع قرار علمي ثابت يقول عن نفسه الدكتور: أنا أقول لا نؤول القرءان بل نترك القرءان ونأخذ بالقرار العلمي. ثم قال الدكتور أيضًا: “إذا تعارض الدين والعلم فأنا أقول خذوا العلم واتركوا الدين” يقولها وللا خجل بالحرف الواحد. ثم قال ولبئس ما قال: “لاحظوا عبارات التأنيب الموجهة إلى محمد” في تعليقه على سورة [عبسَ وتولَّى* أن جاءَهُ الأعمى* وما يُدريكَ لعلَّهُ يَزَّكَّى* أو يذَّكَّرُ فتنفعه الذكرى} [سورة عبس/1-2-3-4]، إن الطعن أيها الأخوة أصاب صميم القلب. هكذا بهذه السهولة إذا تعارض العلم والدين خذوا العلم واتركوا الدين أعادها ثلاث مرات. أبهذه البساطة، وبهذه السهولة يا دكتور؟ أن كثيرًا من الناس تركوا الدين من زمان قبل أن تصدر فتواك فزدت الطين بلة” اهـ.
ثم تابع كلامه رادًَّا على البوطي فقال: “محاضر فرنسي يقول للطلبة: لقد أثبت العلماء قبلي حقيقة علمية أن الجنين يتكون منه أولاً اللحم ثم تنبت العظام في اللحم إن هذا أمر باطل، قيل له: ولم ذاك وقد جرى عليه العمل عند جميع الأطباء قبلك؟ قال: لأنني توصلت بنفسي إلى حقيقة تضرب تلك الحقائق العلمية السابقة ذلك إن الجنين أول ما يتكون منه العظام ثم اللحم قيما بعد العظام وإذا بطالب مسلم يرفع يده ليقول: هذه الحقيقة العلمية أتانا بها القرءان العظيم منذ 14 قرنًا، فقال المحاضر: إن هذا مستحيل، وأخرج الطالب مصحفًا من جيبه وقرأ: {ولقد خلقنا الإنسانَ من سُلالةٍ من طيب* ثمَّ جعلناهُ نُطفةً في قرارٍ مكينٍ* ثمَّ خلقنا النُّطفةَ عَلَقَةً فخلقنا العلقةَ مُضغةً فخلقنا المضغة عِظامًا فكسَونا العظامَ لحمًا ثمَّ أنشأناهُ خلْقًا ءاخرَ فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقين} [سورة المؤمنون/12-13-14]، ألم تكن هذه الحقيقة ضربت الحقيقة التي قبلها. إذا تعارض العلم والدين يقول بالحرف: اتركوا الدين وخذوا العلم، أي علم هذا يضرب الدين في صميم قلبه وفؤاده، ثم يقول: ولا نتعب أنفسنا لأن هذا الافتراض لن يكون: إذًا فلم تفترض حتى تشوش على الشباب عقيدتهم، إذًا ولماذا تفرضها وتقولها ولماذا تنطق بها؟ فإذا افترضتها أيها الأستاذ الجليل فإننا نقول لك: إذا صح هذا الافتراض نترك العلم ونأخذ بالدين لا نشوش على الشباب عقديتهم وأفكارهم. ثم تقول إن ءايات التأنيب أنب الله نبيه إذا كان نبينا {وما ينطِقُ عن الهوى* إن هو إلا وحيٌ يوحى* علَّمهُ شديدُ القُوى* ذو مِرَّةٍ فاستوى} [سورة النجم/3-4-5-6] لقد أعدت هذا الكلام يا دكتور في عدة مؤلفات” اهـ.
وأخيرًا: نريد أن نسأل البوطي هذا السؤال لماذا لم يقل البوطي للملحد الذي سأله إذا تعارض القرءان والعلم فماذا نقدم؟
لماذا لم يقل له إن العلم والقرءان لا يتناقضان وهذا مستحيل، وهي إجابة مفحمة لا تحتاج إلى تعسف ولا تكلف. على أنه لا يجوز تسمية ما يخالف القرءان علمًا لأن في ذلك أن القرءان ليس علمًا.
نقول للبوطي: هذا هو الثابت في قلب كل مؤمن، ومَن ظن خلاف هذا فقال ما قاله محمد سعيد البوطي فهو كفر وعناد، فماذا بعد الحق إلا الضلال. كل مؤمن من الخواص أو العوام يعتقد أن القرءان هو الحق الثابت الذي لا يخالف الواقع، فما قاله محمد سعيد البوطي ردة وكفر يجب عليه الرجوع من هذه الكلمة كلمة الردة التي إذا صدرت من مسلم كان عليه أن يرجع إلى الإسلام بما يرجع به من ارتد وهو الرجوع عن ذلك والنطق بالشهادتين، ويجب على قائل تلك الكلمات أن ينصح الذين بلغهم كلامه هذا بأن لا يعتقدوا هذا، ومن اعتقد هذا يجب عليه الرجوع إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين.
هذه النصيحة التي يؤديها من لا يخاف في الله لومة لائم. نحن من هنا ما قلنا إنك قلت هذا إنما قلنا في كتابك هي مذكورة ومن قالها فهو مرتد يجب عليه الرجوع إلى الإسلام، وكيف يستجيز مسلم أن يقول عما خالف القرءان إنه حقيقة علمية، وأي حقيقة علمية تخالف القرءان بل القرءان هو الميزان الفاصل بين ما يوافق الوافع وبين ما لا يوافق.
الهوامش:
[1] أخرجه الحميدي في مسنده [1/143].
[2] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحيض: باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها.
[3] فتح الباري [1/389].
البوطي يزعم أن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه
يقول البوطي في كتابه “كبرى اليقينيات” [ص/184] ما نصه: “فإن أوحى الله إليه بأمر ولم يأمره بتبليغه فهو نبي فقط. وإذا تأملت في هذا التعريف الذي أجمع على مضمونه المسلمون كلهم”، إلى أن يقول [ص/185]: “فإذا وقعت بعد ذلك على تعريفات عصرية جديدة للنبي أو الوحي مخالفة لهذا الذي نقلناه من كافة كتب العقيدة الإسلامية المستندة في أحكامها إلى اليقينيات من أدلة الكتاب والسنة فاعلم أنها دسيسة وراءها ما وراءها، أو هو ضعف بليغ في إيمان الكاتب أو القائل أو هو جهل متناهٍ بأوضح الحقائق الإسلامية” اهـ.
الرد: ما ذكره العلامة المحدث عبد الله الهرري في بيان الفرق بين الرسول والنبي ونصه [1]: “يشترك الرسول والنبي في الوحي، فكل قد أوحى الله إليه بشرع يُعمل به لتبليغه للناس، غير أن الرسول يوحى إليه بنسخ بعض شرع من قبله أي بنسخ بعض الأحكام التي كانت في زمن الرسول الذي قبله، أو بشرع جديد أي بأحكام لن تُنزل على من قبله من الأنبياء، أما النبي غير الرسول فإنه يوحى إليه ليبلغ شرع الرسول الذي قبله. وقد خفي هذا على كثير من الناس فغلطوا في هذا التعريف وادعوا أن النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، وهذا الكلام لا يليق بمقام النبوة، فإن كل أنبياء الله مأمورون بالتبليغ، وكلهم أدوا ما أُمروا به.
قال المفسر ناصر الدين البضاوي في تفسيره [2] ما نصه: “الرسول من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها، والنبي يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم السلام” اهـ.
وقال العلامة كمال الدين البياضي الحنفي في إشارات المرام [3] ما نصه: “فالنبي إنسان بعثه الله لتبليغ ما أوحي إليه، وكذا الرسول، فهو المراد هنا، ولذا اقتصر على الأنبياء” اهـ، وقال في موضع ءاخر من كتابه المذكور [4]: “الثالثة: أن الرسول من جاء بشرع مبتدإ، والنبي من لم يأت به وإن أمر بالإبلاغ كما في شرح التأويلات الماتريدية”، إلى أن قال: “واختاره المحققون وصرح به البيضاوي في سورة الحج” اهـ.
وقال عصرينا الحافظ أحمد الغماري [5] ما نصه: “الفرق بين النبي والرسول دقيق وقد خفي على كثير من الناس، والمشهور في كتب المتكلمين في الفرق بينهما أن الرسول إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، والنبي إنسان أوحي إليه بشرع فلم يؤمر بتبليغه، وهذا كلام جاهل بالسنة والأخبار بل وبصريح القرءان، فإن قول الله تعالى: {وما أرسلنا مِن قبلكَ من رسولٍ ولا نبي} [سورة الحج/52] صريح في إرسالهما حقًا، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة” [6]، والأخبار والأحاديث التي فيها فأوحى الله إلى نبي من أنبيائه أن قل لفلان العابد أو للملك الفلاني أو للقرية الفلانية لا تكاد تنحصر وهذا هو الإرسال، والذي عندنا أن الرسول يفارق النبي في ثلاثة أمور”. ثم قال: “الثالثة: أن الرسول يبعث بشريعة مستقلة والنبي يبعث بتقرير شريعة من قبله” اهـ.
ومما يدل أيضًا على ذلك قول الله تعالى: {وما أرسلنا في قريةٍ من نبي} [سورة الأعراف/94] الآية أليس هذا الإرسال المذكور في هذه الآية هو إرسال تبليغ ودعوة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، وكيف يوفق بين هذه الآية وبين قولهم: “إن النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه”؟ والله تعالى قال: {وما أرسلنا في قلايةٍ من نذيرٍ إلا قالَ مُتْرَفوها إنَّا بما أُرْسِلتم به كافرون} [سورة سبإ/34]، وقال تعالى: {وكم أرسلنا من نبي في الأوَّلين* وما يأتيهم من نبي إلا كانوا بهِ يَسْتَهزءون} [سورة الوخرف/6-7]، نسأل الله تعالى التوفيق من الزلل إنه على كل شيء قدير.
قال المناوي في مقدمة فيض القدير [7] ما نصه: “والرسول والنبي طال فيما بينهما من النسبة الكلام، والمحققون كما قال ابن الهمام كالعضد والتفتازاني والشريف الجرجاني على ترادفهما لا فارق إلا الكتاب”، ثم قال: “وقال في المقاصد: النبي إنسان بعثه الله لتبليغ ما أوحي إليه، قال وكذا الرسول، قال الكمال ابن أبي شريف: هذا ينبئ عن اختياره للقول بترادفهما.
وفي شرح العقائد بعد ما ذكر أنه لا يقتصر على عدد في تسمية الأنبياء ما نصه: وكلهم كانوا مبلغين عن الله تعالى لأن هذا معنى النبوة والرسالة، قال الكمال ابن أبي الشريف: هذا مبني على أن الرسول والنبي بمعنى واحد. وقال الإمام الرازي في تفسيره: ولا معنى للنبوة والرسالة إلا أن يشهد على الله أنه شرع هذا الحكم، وفي المواقف وشرحه في السمعيات: النبي من قال له الله تعالى أرسلتك إلى قوم كذا أو إلى الناس جميعًا أو بلغهم عني أو نحوه، ولا يشترط في الإرسال شرط.
وفيه في شرح الديباجة: الرسول نبي معه كتاب، والنبي غير الرسول من لا كتاب معه بل أمر بمتابعة شرع من قبله كيوشع. قال المولى خسرو: تبع – يعني الشريف- صاحب الكشاف في تفسير الرسول، واعتراضه بأنه لا يوافق المنقول في عدد الرسل والكتب إذ الكتب نحو مائة والرسل أكثر من ثلاثمائة مدفوع بأن مراده بمن معه كتاب أن يكون مأمورًا بالدعوة إلى شريعة كتاب سواء أنزل على نفسه أو على نبي ءاخر. قال: والأقرب أن الرسول من أنزل عليه كتاب أو أمر بحكم لم يكن قبله وإن لم ينزل عليه كتاب، والنبي أعم لما في ذلك من النقص عما أورد على الأول من أنه يلزم عليه أن يكون من بعث بدون كتاب ولا متابعة من قبله خارجًا عن النبي والرسول معًا، اللهم إلا أن يقال إنه لا وجود لمثله. انتهى.
وقال الشيباني في شرح الفقه الأكبر: الرسول من بعث بشرع مجدد، والنبي يعمه ومن بعث بتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين بين موسى وعيسى، ومن ثم شبّه النبي صلى الله عليه وسلم علماء أمته بهم”. ثم قال: “وقال الصفوي: اختار بعض المحققين أن الرسول نبي أتاه المَلَك وقيل جبريل بوحي لا نوم ولا إلهام، والنبي أعم، واعترض بعدم شموله لما لم يكن بواسطة كما هو ظاهر المنقول في موسى قبل نزول الملك عليه ورفعه بأنه يصدق عليه أنه أتاه في وقت لا ينجع إذ يلزم أن يكون النبي قبل البعثة رسولاً حقيقة ولا قائل به.
وقد أفاد ما قرره المحققان التفتازاني والجرجاني أن مجرد الإيحاء لا يقتضي النبوة، إنما المقتضي لها إيحاء بشرع وتكليف خاص، فخرج من بعث لتكميل نفسه كزيد بن نفيل، ومن ثم قيل ونعم ما قيل: يعتقد كثير أن النبوة مجرد الوحي وهو باطل وإلا لزم نبوة نحو مريم وءاسية، والتزامه شاذ.
وما أورد على التفتازاني من أن قوله: النبي من بعث لتبليغ ما أوحي إليه أنه لا يشمل المبعوث إليه لتبليغ ما أوحي لغيره كما في بني إسرائيل. أجيب بأنه مأمورٌ بتبليغ ذلك وهو مما أوحي إليه، أو أن شرع غيره المشير إليه فيما أوحى إليه في الجملة.
ومن هذه النقول اللامعة والمباحث الجامعة عرف صحة عزو العلامة ابن الهمام القول بالترادف إلى المحققين وأن الإمام الشهاب ابن حجر قد انحرف هنا عن صوب الصواب حيث حكم على من زعم الاتحاد بالغلط، ونسب الكمال بن الهمام إلى الاسترواح في نقله والسقط، ثم قال: إن الذي في كلام أئمة الأصوليين خلاف الاتحاد، قال: رأي المحققين خلاف هؤلاء، فإن أراد أن محققي أئمة الأصوليين خلاف العضد والتفتازاني والجرجاني وأن هؤلاء ليسوا بمحققين فهذا شئ لا يقوله محصّل، وإن أرادهم فهذه نصوصهم قد تليت عليك، ولسنا ننازعه في أن المشهور بين الفقهاء ما ذكره الحليمي من التغاير وأن الفارق الأمر بالتبليغ إنما الملام في إقدامه على تغليط ذلك المحقق ونسبته إلى الغفول عن كلام المحققين من رأس القلم”. انتهى كلام المناوي.
وقال الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي في أصول الدين [8] ما نصه: “والفرق بينهما –أي النبي والرسول- أن النبي من أتاه الوحي من الله عز وجل ونزل عليه الملك بالوحي، والرسول من يأتي بشرع على الابتداء أو ينسخ بعض أحكام شريعة قبله” اهـ.
وقال القونوي النسفي في القلائد شرح العقيدة الطحاوية [9] ما نصه: “والفرق بين النبي والرسول أن الرسول من بعثه الله تعالى إلى قوم وأنزل عليه كتابًا أو لم ينزل لكن أمره بحكم لم يكن ذلك الحكم في دين الرسول الذي كان قبله، والنبي من لم ينزل عليه كتابًا ولم يأمره بحكم جديد بل أمره بأن يدعو الناس إلى دين الرسول الذي كان قبله”. انتهى كلام شيخنا الهرري.
وأخيرًا نريد أن نسأل البوطي: هل هو بعد أن استشهدنا في دعم حجتنا في تعريف النبوة بستّ ءايات من القرءان الكريم، وبعد أن استشهدنا بحديثٍ من صحيح البخاري وبعد أن استشهدنا بأقوال أئمةٍ معتبرين بعد ذلك كله هل تعتبر هذه الأدلة دسيسة وراءها ما وراءها، أو تعتبره ضعفٌ في إيمان الكاتب، أو تعتبره جهلاً متناهيًا بأوضح الحقائق الإسلامية، أو ترى نفسك استفاقت من أوهام الاستبداد والاستئثار والدعوى الباطلة.
كيف يوحى للنبي بشرع ثم لا يؤمر بالتبليغ إذًا فلماذا أوحي إليه بالشرع، وإذا كان التبليغ فرضًا على ءاحاد العلماء مع وجود طالب العلم، وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحدود الاستطاعة واجبًا على ءاحاد المسلمين فكيف بالنبي الذي أوحي إليه بشرع.
هذا التعريف الذي ذكرته وظننتَه محلّ إجماع قال بعض المتأخرين ولكن لم يثبت لا بالكتاب ولا بالسنة ولا قاله صحابي ولا إمام من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من الأئمة، ولا قاله أحد قبلهم من المجتهدين، فهل تأخذ بقول بعض المتأخرين غير الأئمة المجتهدين وتترك نصوص القرءان والحديث وما وافقهما من كلام الأئمة المعتبرين؟!
ومن أوضح الدليل على أن النبي مأمور بالتبليغ عكس ما قاله محمد سعيد البوطي تقليدًا لبعض المؤلفين المتأخرين قول الله تعالى: {كان الناسُ أمةً واحدةً فبعثَ اللهُ النَّبيِّنَ مُبَشِّرينَ ومُنذِرين} [سورة البقرة/213]، فهذه الآية نص على أن كل نبي مأمور بالتبليغ وبالتبشير والإنذار، وأي معنى لتنبئة النبي لنفسه فقط من غير أن يكون عليه تبليغ للغير من غير نفسه، وقائل تلك المقالة لا يستطيع أن يثبت عن إمام من الأئمة في الأحكام، أو في علم الكلام السُّني كالإمام الأشعري أو الماتريدي ما ادعاه من أنه مجمع عليه، سبحانك هذا بهتان عظيم.
الهوامش:
[1] صريح البيان [ص/145-149]، الطبعة الثالثة.
[2] أنوار التنزيل وأسرار التأويل [4/57].
[3] إشارات المرام من عبارات الإمام [ص/311].
[4] المرجع السابق [ص/333].
[5] جؤنة العطار [ص/40-41].
[6] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الصلاة: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “جعلت لي الأرض مسجدُا وطهورًا”.
[7] فيض القدير [1/15-16].
[8] أصول الدين [ص/154].
[9] القلائد شرح العقائد [ص/83].
البوطي يُداهن فيتناقض إذ يرى أن خروج البغاة على عليّ تنفيذ لأمر الله، وأن هذا القتال كان باجتهادٍِ وقصدٍ سليم، وأن هذا الخروج ليس مصادمًا لنصٍ صريح في كتاب الله أو سنة رسول الله، وأن الذين خرجوا على علي لم يحركهم إلا الإسلام
يقول البوطي في كتابه هذه مشكلاتهم [ص/35] عن خروج طلحة والزبير على علي: “إذن فإن كلاً من هذين الصحابيين ومن كان معهما لم يتورطا في أي قتال نهى الله ورسوله عنه بل سعوا إلى تنفيذ أمر الله”.
ويقول في [ص/161] من الكتاب نفسه عن الذين خرجوا على علي: “المنزلقات التي سيق إليها كثير من المسلمين في مهب الفتنة باجتهاد وقصد سليم”، ويقول عن خروج طلحة والزبير على علي: “بل ليس في الأمر معصية قط”، ويقول: “إن خروجهما على علي ليس مصادمًا لنص صريح في كتاب الله أو سنة رسوله أو إجماع” ويقول: “فهي تدخل في زمرة الأمور الاجتهادية”.
ويقول في [ص/167] من الكتاب نفسه: “إن كلاً من الطرفين سعى إلى تنفيذ اجتهاده في اتباع السبيل الأمثل إلى الأخذ بدم عثمان” اهـ، هذا ما يقوله البوطي في سوريا وجامعاتها ومساجدها أما في لندن في مؤتمر الغدير عند الشيعة فله رأي ءاخر مغاير تمامًا ففي مجلة الموسم العدد السابع [ص/695] يقول البوطي: “والله الذي لا إله إلا هو لو أن عليًّا –كرم الله وجهه- اتخذ يوم السقيفة موقفًا مستقلاً أو اتخذ يوم استخلاف أبي بكر لعمر موقفًا مستقلاً أو يوم الشورى التي بُويع علي أعقابها لعثمان موقفًا مستقلاً إذن لتركنا كل نهج واتبعنا نهج علي، ووالله أقولها ثانية لو أن الإمام عليًّا كرم الله وجهه ورضي الله عنه وعليه السلام اتخذ موقفًا مستقلاً في عهد من هذه العهود لتركنا كل خط دون خطه” اهـ.
الرد: أقول: إن كل ما قلتَ قد خرجت به عن جادة الصواب ولقد كان من الأجدى والأجدر بك أن تعود للمراجع المعتبرة لتتعلم أن الذين خرجوا على علي بغاة ءاثمون واجتهادهم غير معتبر لأنه لا اجتهاد مع النص، وهذه بعض الأدلة على صحة ما نقول:
قال الله تعالى: {يا أيُّها الذينَ ءامنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمرِ منكم} [سورة النساء/59].
وروى مسلم في صحيحه [1] عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَن خرج من الطاعةِ وفارق الجماعةَ فمات مات ميتة جاهلية”، وفيه [2] أيضًا أنه جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحَرَّة ما كان زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: “إني لم ءاتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثًا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “مَن خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حُجَّة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية”.
وروى ابن حبان في صحيحه [3] عن عرفجة بن صريح الاشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “سيكون بعدي هنات وهنات، فمن رأيتموه فراق الجماعة أو يريد أن يفرق بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأمرهم حميعٌ فاقتلوه كائنًا من كان، فإن يد الله مع الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يرتكض”.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم”، قالوا: بلى، قال: “ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه”. قالوا: بلى، قال فأخذ بيد علي فقال: “مَن كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه”. رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند [4].
الخاروجون على الإمام علي بغاة:
ليعلم أن الذين قاتلوا عليًّا خرجوا عن طاعة الإمام، وهو أي سيدنا علي كان مأمورًا بقتال مَن خرج عليه، فقد روى البزار [5] والطبراني [6] أنه قال: “أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين” [7].
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه التلخيص الحبير [8] ما نصه: “قوله –أي الرافعي-: “ثبت أنّ أهل الجمل وصفين والنهروان بغاة” هو كما قال، ويدل عليه حديث علي: “أمرتُ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين” رواه النسائي في الخصائص، والبزار [9]، والطبراني [10]، والناكثين أهل الجمل لأنهم نكثوا بيعته، والقاسطين أهل الشام لأنهم جاروا عن الحق في عدم مبايعته، والمارقين أهل النهروان لثبوت الخبر الصحيح فيهم أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية” اهـ.
وروى البيهقي [11] في كتاب الاعتقاد بإسناده المتصل إلى محمد بن إسحاق وهو ابن خزيمة قال: “وكلّ مَن نازع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب في إمارته فهو باغٍ، على هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن إدريس –يعني الشافعي- رحمه الله” اهـ.
ذكر ندم بعض مَن لم يشارك عليًّا في القتال:
وقد ورد عن بعضٍ ممّن هم من أكابر الصحابة ممن قاتلوا عليًّا وممن لم ينصروه في قتاله الرجوع عن ذلك. فقد صح عن ابن عمر أنه ندم لعدم خروجه للقتال مع علي، قال القرطبي في التذكرة [12]: “وربما ندم بعضهم على ترك ذلك كعبد الله بن عمر فإنه ندم على تخلّفه عن نصره عليه بن أبي طالب رضي الله عنه فقال عند موته: “ما ءاسى على شئ ما ءاسى على تركي قتال الفئة الباغية” يعني فئة معاوية، وهذا هو الصحيح أن الفئة الباغية إذا علم منها البغي قوتلت” اهـ.
وقال صاحب العقد الثمين [13]: “وقد ندم على التخلف عن علي رضي الله عنه في حروبه غير واحد من كبار السلف، كما روي من وجوه عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر أنه قال: “ما ءاسى على شيء إلا أني لم أقاتل مع أهلي مع علي أهل الفئة الباغية” اهـ. وقال الشعبي [14]: “ما مات مسروق حتى تاب إلى الله تعالى عن تخلفه عن القتال مع علي” اهـ. قال ابن عبد البر بعد ذكره لهذين الأثرين [15]: “ولهذه الأخبار طرق صحاح قد ذكرناها في موضعها” اهـ.
وأخرج الحاكم [16] وصححه والبيهقي [17] عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: “ما وجدت في نفسي من شيء من أمر هذه الآية –يعني {وإن طائفتان} [سورة الحجرات/9] إلا ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله تعالى”.
ندم طلحة وعائشة والزبير رضي الله عنهم:
ذكر الحافظ ابن حجر في المطالب العالية [18] أن صاحبا علي رضي الله عنه عبد الله بن الكواء وابن عباد سألاه عن طلحة والزبير قالا: “فأخبرنا عن ملك [19] هذين الرجلين [يعنيان طلحة والزبير] صاحباك في الهجرة وصاحباك في بيعة الرضوان وصاحباك في المشورة: فقال: بايعاني بالمدينة وخالفاني بالبصرة” اهـ. وعزاه لإسحاق بن راهويه، قال الحافظ البوصيري: “رواه إسحاق بسند صحيح”.
وروى الحاكم في المستدرك [20] عن رِفاعة بن إياس الضبي عن أبيه عن جده قال: “كنا مع علي يوم الجمل فبعث إلى طلحة بن عبيد الله أن القني، فأتاه طلحة فقال: نشدتك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وءاله وسلم يقول: “مَن كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه”، قال: نعم، قال: فلمَ تقاتلني؟ قال: لم أذكر، قال: فانصرف طلحة”. اهـ. ثم قتله وهو منصرف مروان بن الحكم، وكان في حزبه كما ذكر الحاكم [21] في المستدرك، وصاحب العقد الثمين [22] وابن سعد [23] في الطبقات وغيرهم. وروى الحديث الحافظ ابن حجر في المطالب العالية [24].
وذكر الباقلاني في كتاب تمهيد الأوائل [25]: “أن طلحة قال لشاب من عسكر علي وهو يجود بنفسه: “امدد يدك أبايعك لأمير المؤمنين” اهـ. كما ذكر الحاكم [26] في المستدرك عن ثور بن مجزأة قال: “مررت بطلحة بن عبيد الله يوم الجمل وهو صريع في ءاخر رمق فوقفت عليه فرفع رأسه فقال: إني لأرى وجه رجل كأنه القمر ممن أنت، فقلت: من أصحاب أمير المؤمنين علي فقال: ابسط يدك أبايعك فبسطت يدي وبايعني ففاضت نفسه فأتيت عليًّا فأخبرته بقول طلحة فقال: الله أكبر، الله أكبر، صدق رسول الله صلى الله عليه وءاله وسلم، أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه” اهـ.
وثبت أيضًا ندمُ عائشة رضي الله عنها على ما فعلت، وهو أنها مكثت في المعسكر الذي كان ضد علي مع كونها لم تخرج بنية قتاله ولم تقاتله.
قال الباقلاني [27] في كتاب تمهيد الأوائل ما نصه: “ومنهم مَن يقول إنهم تابوا من ذلك، ويستدل برجوع الزبير وندم عائشة إذا ذكروا لها يوم الجمل وبكائها حتى تبلَّ خمارها وقولها: “ودِدْتُ أن لو كان لي عشرون ولدًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأني ثكلتهم ولم يكن ما كان مني يوم الجمل”، وقولها: “لقد أحدقت بي يوم الجمل الأسنةُ حتى صرتُ على البعير مثل اللجة”. وأن طلحة قال لشاب من عسكر علي وهو يجود بنفسه: “امدد يدك أبايعك لأمير المؤمنين”، وما هذا نحوه، والمعتمد عندهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “عشرة من قريش في الجنة” وعدّ فيهم طلحة والزبير، قالوا: ولم يكن ليخبر بذلك إلا عن علم منه بأنهما سيتوبان مما أحدثاه ويوافيان بالندم والإقلاع” اهـ. وذكر مثله الحافظ البيهقي في كتاب دلائل النبوة [28].
وقال الحافظ الذهبي في سير الأعلام [29]: “ولا ريبَ أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة وحضورها يوم الجمل وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ، فعن عمارة بن عمير عمّن سمع عائشة إذا قرأت: {وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ} [سورة الأحزاب/33] بكت حتى تَبُلَّ خمارها” اهـ.
وذكر مثل ذلك القرطبي [30] وأبو حيان في تفسيره [31]، قال: “وكانت عائشة إذا قرأت هذه الآية –يعني ءاية {يا نساءَ النبي} [سورة الأحزاب/32]- بكت حتى تبل خمارها، تتذكر خروجها أيام الجمل تطالب بدم عثمان” اهـ.
وفي كتاب دلائل النبوة للبيهقي [32] ما نصه: “عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض نسائه أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال: “انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت”، ثم التفت إلى علي فقال: “يا عليُّ إن وليت من أمرها شيئًا فارفُق بها” اهـ.
وروى ابن سعد في الطبقات [33] بسنده قال: “أخبرنا الفضل بن دُكين، حدثنا عيسى بن دينار قال: سألت أبا جعفر عن عائشة فقال: استغفر الله لها، أما علمت ما كانت تقول: يا ليتني كنت شجرة يا ليتني كنت حجرًا يا ليتني كنت مَدَرةً، قلت: وما ذاك منها، قال: توبة” اهـ.
وقال الحافظ اللغوي مرتضى الزبيدي في شرح إحياء علوم الدين [34] ما نصه: قال محمود بن محمد: حدثنا الميمون، حدثنا سريج بن يونس، حدثنا إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن الشعبي قال: حضرت عائشة رضي الله عنها فقالت: إني قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثًا ولا أدري ما حالي عنده، فلا تدفنوني معه فإني أكره أن أجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أدري ما حالي عنده، ثم دعت بخرقة من قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ضعوا هذه على صدري وادفنوها معي لعلي أنجو بها من عذاب القبر” اهـ.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه [35] بإسناده عن عائشة أنها قالت: “وددت أني كنت غصنًا رطبًا ولم أسر مسيري هذا”.
وروى ابن سعد [36] أن عائشة رضي الله عنها قالت عند وفاتها: “إني قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فادفنوني مع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم”.
أما عن ندم الزبير رضي الله عنه، فقد روى الحاكم في المستدرك [37] عن قيس بن أبي حازم قال: قال علي للزبير: “أما تذكر يوم كنت أنا وأنت في سَقيفة قوم من الأنصار فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتحبُّه”؟ فقلت: ما يمنعني؟ قال: “أما إنك ستخرج عليه وتقاتله وأنت ظالم” قال: فرجع الزبير” اهـ.
وفي رواية للحاكم [38] أن عليًّا قال له: “أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “تقاتله وأنت له ظالم”، فقال: لم أذكر، ثم مضى الزبير منصرفًا” اهـ. ورواه أبو يعلى [39] بنحوه “قال علي للزبير: أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إنك تقاتل وأنت ظالم لي”؟ قال: نعم، ولم أذكر إلا في موقفي هذا، ثم انصرف”.
قال صاحب العقد الثمين [40]: “وكان الزبير رضي الله عنه قد انصرف عن القتال نادمًا” اهـ.
وذكر الحاكم [41] أنه لما انصرف الزبير يوم الجمل قتله ابن جُرموز، فقال علي للآذن لما استأذن قاتل الزبير بالدخول عليه ومعه رأس الزبير: “بشّر قاتل ابن صفية بالنار” اهـ. ورواه ابن سعد [42] في الطبقات بنحوه، وصححه الحافظ ابن حجر [43].
وقال أبو منصور البغدادي [44] في كتابه الفرق بين الفرق ما نصه: “وقالوا –أي أهل السنة- بإمامة علي في وقته، وقالوا بتصويب علي في حروبه بالبصرة وبصفين وبنهروان، وقالوا بأت طلحة والزبير تابا ورجعا عن قتال علي، لكن الزبير قتله عمرو بن جرموز بوادي السباع بعد مُنصرفه من الحرب، وطلحة لما همّ بالانصراف رماه مروان بن الحكم وكان مع أصحاب الجمل بسهم فقتله. وقالوا: إن عائشة رضي الله عنها قصدت الإصلاح بين الفريقين، فغلبها بنو ضبّة والأزد على رأيها، وقاتلوا عليًّا دون إذنها حتى كان من الأمر ما كان” اهـ.
وقال في كتاب أصول الدين [45] ما نصه: “أجمع أصحابنا على أن عليًّا رضي الله عنه كان مصيبًا في قتال أصحاب الجمل، وفي قتال أصحاب معاوية بصفين، وقالوا في الذين قاتلوه بالبصرة: إنهم كانوا على الخطإ، وقالوا في عائشة وفي طلحة والزبير: إنهم أخطؤا ولم يفسقوا، لأن عائشة قصدت الإصلاح بين الفريقين فغلبها بنو ضبة وبنو الأزد على رأيها، فقاتلوا عليًّا فهم الذين فسقوا دونها. وأما الزبير فإنه لما كلّمه علي يوم الجمل عرف أنه على الحق فترك قتاله وهرب من المعركة راجعًا إلى مكة، فأدركه عمرو بن جرموز بوادي السباع فقتله وحمل رأسه إلى علي فبشره علي بالنار. وأما طلحة فإنه بما رأى القتال بين الفريقين همّ بالرجوع إلى مكة فرماه مروان بن الحكم بسهم فقتله، فهؤلاء الثلاثة بريئون من الفسق، والباقون من أتباعهم الذين قاتلوا عليًّا فسَقَة، وأما أصحاب معاوية فإنهم بغوا، وسماهم النبي صلى الله عليه وسلم بغاة في قوله لعمار: “تقتلك الفئة الباغية” ولم يكفروا بهذا البغي” اهـ.
وقال الإمام عبد القاهر الجرجاني [46] في كتاب الإمامة: “وأجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين على أن عليًّا كرم الله وجهه مصيبٌ في قتاله لأهل صفين، كما قالوا بإصابته في قتال أصحاب الجمل وقالوا أيضًا بأنّ الذيت قاتلوه بغاة ظالمون له ولكن لا يجوز تكفيرهم ببغيهم” اهـ.
بيان خروج عبد الله بن عمرو بن العاص:
روى ابن عبد البر [47] في مسألة خروج عبد الله بن عمرو مع الذين كانوا ضد علي بن أبي طالب بسنده قال: “قال عبد الله بن عمرو: ما لي ولصفين، ما لي ولقتال المسلمين، والله لوددت أني مت قبل هذا بعشر سنين، ثم يقول: أما والله ما ضربت فيها بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم، ولوددت أني لم أحضر شيئًا منها، وأستغفر الله من ذلك وأتوب إليه. إلا أنه ذكر أنه كانت بيده الراية يومئذ فندم ندامة شديدة على قتاله مع معاوية وجعل يستغفر الله ويتوب إليه” انتهى.
وروى أحمد في مسنده عن حنظلة بن خويلد العنبري قال [48]: “بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال عبد الله –أي ابن عمرو بن العاص-: لِيَطِبْ به أحدكما نفسًا لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “تقتله الفئة الباغية” فقال معاوية: ألا تغني عنّا مجنونك يا عمرو فما بالك معنا، قال ابن عمرو: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله: “أطع أباك ما دام حيًّا ولا تعصه” فأنا معكم ولست أقاتل” اهـ.
وليعلم أن خروج عبد الله لم يكن في محله ولا يدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم له: “أطع أباك” [49] إذ من المعلوم أن النبي إنما أمره بطاعة أبيه فيما لا معصية فيه، وكانت طاعة علي في قتال معاوية واجبة إذ كان هو الخليفة الراشد الواجب طاعتُه كما تقدم، قال الله تعالى: {يا أيها الذينَ ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [سورة النساء/59] وقد قال صلى الله عليه وسلم: “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” رواه أحمد [50].
فيُعلم مما تقدم أن سيدنا عليًّا كان الخليفة الراشد من أولي الأمر، وأن مَن خرج عليه وقاتله وقع في المعصية، وأنه وجل عليه التوبة والرجوع عن ذلك.
زيادة تفصيل في قتال معاوية لعلي:
قتال معاوية لعلي هو خروج عن طاعة الإمام كما سبق وذكرنا فيكون بذلك مرتكبًا للمعصية، فقد روى البخاري [51]حديث: “ويح عمار تقتله الفئة الباغية” في موضعين الأول في كتاب الصلاة في باب التعاون في بناء المساجد بلفظ: “ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار”، ورواه في كتاب الجهاد والسير بلفظ: “ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار”، ورواه أيضًا ابن حبان في صحيحه [52]، وقال عمار بعد أن قال له الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك: “أعوذ بالله من الفتن”. وهذا القدر: “ويح عمار تقتله الفئة الباغية” من الحديث متواتر، ذكر ذلك الحافظ السيوطي في الخصائص الكبرى [53] وغيره كالمناوي في شرحه على الجامع الصغير المسمى بفيض القدير [54].
وروى ابن حبان [55] عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طتقتل عمارًا الفئة الباغية”، وفيه [56] أيضًا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ويح عمار ابن سمية تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار”.
فعمار الذي كان مع علي كان داعيًا إلى الجنة بقتاله مع علي، فعلي داعٍ إلى الجنة بطريق الأولى والمقاتلون لعلي دعاة إلى النار.
ولقد قال عمار بن ياسر لما سمع بعض الناس يقولون كفر أهل الشام –أي المقاتلون لعلي-: “لا تقولوا كفرَ أهل الشام ولكن قولوا فسقوا أو ظلموا” رواه البيهقي [57] وابن أبي شيبة [58].
وروى عمرو بن مرة قال: سمعت عبد الله بن سلمة يقول: “رأيت عمار بن ياسر يوم صفين شيخًا طوالاً أخذ الحربة بيده ويده ترعد، فقال: “والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة ثمّ قال: والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سَعَفات هجر لعرفت أنّا على الحق وهم على الباطل”. أخرجه ابن سعد في الطبقات [59] والحاكم [60] وصححه.
ولا شك أن عمارًا رضي الله عنه مصيبٌ في قوله، وهو أحد السابقين الأولين من المهاجرين الذين أخبر الله أنه رضي عنهم ورضوا عنه في قوله تعالى: {والسابقونَ الأولونَ منَ المهاجرينَ والأنصارِ والذينَ اتَّبَعوهم بإحسانٍ رضي الله عنهم ورضوا عنه} [سورة التوبة/100]، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ملئ عمّار إيمانًا إلى مشاشه” أي إلى رؤوس عظامه. رواه النسائي [61].
وأخرج ابن حبان في صحيحه [62] عن خالد بن الوليد قال: “كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام فانطلق عمار يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فجعل خالد لا يزيده إلا غِلْظَةً ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت، قال: فبكى عمار وقال: يا رسول الله ألا تسمعه، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إليَّ رأسه وقال: “من عادى عمارًا عاداهُ الله ومن أبغضه أبغضه الله”، قال فخرجت فما كان شيء أحب إلي من رضا عمار فلقيته فرضي”.
المقاتلون لعليّ بغاة ءاثمون:
ثم إن وصف النبي لمعاوية وفئته الذين قاتلوا عليًّا بالغي صريحٌ في أنهم ءاثمون، لأن البغي إذا أطلق في مقام الذمّ لا يكون إلا بمعنى التعدّي الذي هو ظلم، فمن زعم أن الوصف بالبغي لا يستلزم الوقوع في المعصية فقد خالف مفهوم الكلمة من حيث اللغة، أما البغي بمعنى الطلب فهو متعدٍ بنفسه يقال: بغيت الشئ طلبته، والبغي اللازم الذي يتعدّى بحرف الجرّ تصريفه بغى يبغي يقال: بغى فلان على فلان يبغي فهو باغ. ومثال المتعدّي في القرءان قوله تعالى: {يبغُونكُمُ الفتنة} [سورة التوبة/47]، وهذا البغي المتعدي ورد للذم، ويأتي المزيد منه للمدح أيضًا قال تعالى: {يَبتَغونَ فضلاً منَ اللهِ ورِضوانًا} [سورة الفتح/29]، وورد بلفظ المصدر في القرءان في قوله تعالى: {إلا ابتِغاءَ وجهِ ربِّهِ الأعلى} [سورة الليل/20]، أما البغي بمعنى التعدي فقد ورد في قوله تعالى: {فإن بَغَتْ إحداهُما على الأخرى فقاتِلوا التي تَبغِى} [سورة الحجرات/9]، وقد بيّن القرءان أن البغي اللازم معناه التعدي والخروج عن طاعة الله لقوله: {حتى تَفِئَ إلى أمرِ اللهِ} [سورة الحجرات/9]، لأن أمر الله هو طاعة الإمام، فمن قال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: “تقتله الفئة الباغية” ليس فيه ذم، فهو مخالف لما كان عليه عليّ ومعاوية كلاهما، لأن كلاً منهما اتّهم الآخر بأن هذا الحديث فيه ودفعه عن نفسه، وما ذاك إلا لما فيه من ذم لتلك الفئة.
روى ابن أبي شيبة في مصنفه [63] فقال ما نصه: “حدّثنا هُشَيم، عن جويبر، عن الضحاك [64] في قوله تعالى: {وإن طائفتانِ منَ المؤمنينَ اقتَتلوا فأصلحوا بينَهُما فإن بغَتْ إحداهُما على الأخرى فقاتِلوا التي تبغِى حتى تَفِئَ إلى أمرِ اللهِ} [سورة الحجرات/9]، قال: بالسيف، قلت: فما قتلاهم؟ قال: شهداء مرزوقون، قال: قلت: فما حال الأخرى أهل البغي مَن قتل منهم؟ قال: إلى النار”. اهـ.
وقال القرطبي [65] في حديث “ويح عمار”: “وهو –أي هذا الحديث- من أثبت الأحاديث كما تقدّم، ولما لم يقدر معاوية على إنكاره لثبوته عنده قال: إنما قتله من أخرجه، ولو كان حديثًا فيه شكّ لردَّه معاوية وأنكره وأكذب ناقله وزوّره، وقد أجاب علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذًا قتل حمزة حين أخرجه، قال ابن دِحْية: وهذا من علي إلزام مفحم لا جواب عنه وحجة لا اعتراض عليها” انتهى كلام القرطبي.
وقد نقل الفقيه المتكلم ابن فورك في كتاب مقالات الأشعري كلام أبي الحسن الأشعري في أمر المخالفين لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال ما نصه [66]: “وكان –أي الأشعري- يقول في أمر الخارجين عليه والمنكرين لإمامته إنهم كلهم كانوا على الخطإ فيما فعلوا، ولم يكن لهم أن يفعلوا ما فعلوا من إنكار إمامته والخروج عليه. وكان يقول في أمر عائشة رضي الله تعالى عنها إنها إنما قصدت الخروج طلبًا للإصلاح بين الطائفتين بها للتوسط في أمرهما، فأما طلحة والزبير فإنهما خرجا عليه وكانا في ذلك متأولين مجتهدين يريان ذلك صوابًا بنوع من الاجتهاد، وإن ذلك كان منهما خطأ وإنهما رجعا عن ذلك وندما وأظهرا التوبة وماتا تائبين مما عملا. وكذلك كان يقول في حزب معاوية إنه كان باجتهادٍ منه وإن ذلك كان خطأ وباطلاً ومنكرًا وبغيًا على معنى أنه خروج عن إمام عادل، فأما خطأ طلحة والزبير فكان يقول إنه وقع مغفورًا للخبر الثابت عن النبي أنه حكم لهما بالجنة فيما روي في خبر بشارة عشرة من أصحابه بالجنة فذكر فيهم طلحة والزبير، وأما خطأ من لم يبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة في أمره فإنه مجوّز غفرانه والعفو عنه” اهـ.
وهذا نص صريح من شيخ أهل السنة أبي الحسن الأشعري بأن كل مقاتليه عصوا، وأن طلحة والزبير تابا من ذلك جزمًا، وأما الآخرون فهم تحت المشيئة يجوز أن يغفر الله لمن شاء منهم. فبعد هذا لا يسوغ لأشعري أن يخالف كلام الإمام فيقول: إن معاوية وجيشه غيرُ ءاثمين مع الاعتراف بأنهم بغاة، وأمّا من قال إنهم مأجورون فأبعد من الحق.
وليعلم أن ما ذكر في بعض كتب الأشاعرة كالغزالي مما يخالف كلام الأشعري مردود لا يلتفت إليه.
وفي تعبير الإمام الأشعري عن حرب معاوية بأنه باطل ومنكر وبغي الحكم بأن ذلك معصية. وكلامه هذا بعيد من كلام أولئك الذين قالوا إن عمل هؤلاء الذين قاتلوا عليًا يدخل تحت حديث: “إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر”. لأن الاجتهاد الذي نصّ عليه الحديث هو الاجتهاد الذي يكون فيما لم يرد فيه نص صريح، ومسألة مقاتلة الإمام الرشيد كعلي معلوم حرمتها من عدة أحاديث كحديث: “من كره من أميره شيئًا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرًا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية” رواه مسلم وغيره.
قال الزركشي بعد كلام في شرحه على جمع الجوامع: “هذا مع القطع بتخطئة مقاتلي عليّ وكل من خرج على من اتفق على إمامته، لكن التخطئة لا تبلغ إلى حد التفسيق عند القاضي أبي بكر، وقالت الشيعة بالتفسيق، ونسبه الآمدي لأكثر أصحابنا” اهـ. وقوله: “أصحابنا” يعني به الاشاعرة.
ولا نعتقد نحن أن الصحابي منهم فسق فسقًا يمنع قبول روايته للحديث، بل نعتقد أنهم كغيرهم ءاثمون بلا استئناء، والدليل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم للزبير رضي الله عنه: “إنك لتقاتلنه وأنت ظالم له” رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، والأشعري في عبارته المذكورة لم ينف الإثم عن الذين قاتلوا عليًّا بل قال: إثم طلحة والزبير وقع مغفورًا لكونهما من المبشرين بالجنة بالتعيين، وقال عن خطإ غيرهما إنه مجوز غفرانه والعفو عنه.
فتبين أن تعبيره بالخطإ ليس معناه أنهما لم يعصيا إنما مراده أن إثمهما كان صادرًا عن خطإ في الرأي، ومثل هذا لا يدخل تحت حديث: “وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” [67] لأن هذا الخطأ المذكور في هذا الحديث المراد به ما حصل بلا إرادة من فاعله كالذي ينطق بالقول المحرم الكفر وغيره عن سبق لسان، والفعل الذي يكون على هذا الوجه كفعل من أراد أن يرمي إلى صيد فأصاب سهمه إنسانًا مسلمًا مؤمنًا فقتله. كما أن هذا أيضًا لا يدخل تحت حديث: “إذا اجتهد الحاكم…” المتقدم ذكره، يمنع من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام للزبير: “وأنت ظالم له”، ولا يخفى على القارئ أن الخطأ في عبارات العلماء يقع على معنيين: أحدهما مخالفة الصواب إن كان مما يؤدي إلى كعصية أو إلى ما دونها، والثاني ما يحصل من الإنسان من قول أو فعل بلا إرادة كالذي حصل من الرجل الذي أضلّ دابته ثم وجدها فقال: “اللهم أنت عبدي وأنا ربك” أخطأ من شدة الفرح فسبق لسانه إلى ما لم يرده.
فالخطأ الذي أورده الإمام الأشعري في القسم الأول، أراد أن هؤلاء عصوا بدليل قوله في طلحة والزبير: “إنهما تابا”، فلا يشتبه عليك الأمر يا طالب العلم. ولا ينبغي أن يفهم من كلام الأشعري من تعبيره بالخطإ في أمر معاوية أنه كان حصل منه ذلك باجتهاد كاجتهاد الأئمة في استخراج المسائل من الكتاب والسنة على حسب أفهامهم، وذلك لأن سيدنا عليًا رضي الله عنه قال: “إن بني أمية يقاتلونني يزعمون أني قتلت عثمان، وكذبوا إنما يريدون الملك” رواه مسدَّد بن مُسَرْهَد في مسنده [68] كما سيأتي، وكذلك قال سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنهما عن معاوية إن همه كان الدنيا ودعواه إلى الأخذ بدم عثمان إنما هو اتخذها ذريعة للوصول إلى الملك، ذكر ذلك الحافظ المجتهد ابن جرير الطبري كما سيأتي. ودعوى أن معاوية حصل منه ذلك على طريقة الاجتهاد المعروف بين الأئمة تخيّلٌ لما هو مخالف للواقع، ويؤيد ذلك أنه لو كان الإمام الأشعري أراد بقوله إن معاوية اجتهد ذلك الاجتهاد الذي رفعت المؤاخذة عن المخطئ فيه لم يقل إن ما حصل منهم مجوّز الغفران، وهذا ظاهر لمن يفهم العبارات.
قال المؤرخ ابن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب [69] عند ذكر وقعة صفّين ما نصه: “والإجماع منعقد على إمامته –أي علي- وبغي الطائفة الأخرى ولا يجوز تكفيرهم كسائر البغاة، واستدلّ أهل السنة والجماعة على ترجيح جانب عليّ بدلائل أظهرها وأثبتها قوله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر: “تقتلك الفئة الباغية” وهو حديث ثابت. ولما بلغ معاوية ذلك قال: إنما قتله من أخرجه، فقال علي: إذًا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة لأنه أخرجه [70]، وهو إلزام لا جواب عنه وحجة لا اعتراض عليها، وكان شبهة معاوية ومن معه الطلب بدم عثمان، وكان الواجب عليهم شرعًا الدخول في البيعة ثمّ الطلب من وجوهه الشرعية” اهـ.
وهذا من معاوية بحسب الظاهر لا بحسب الباطن، أما من ناحية جماعته فقد يكونون على ظن أنهم على حق. وإنما قلنا ذلك لما سبق من أن عليًا قال: “إنما يريدون الملك”.
قال القرطبي [71]:”والإجماع منعقد على أن طائفة الإمام طائفة عدل والأخرى طائفة بغي، ومعلوم أنّ عليًّا رضي الله عنه كان الإمام” اهـ.
وأخرج البزار [72] بسند جيد عن زيد بن وهب قال: “بينما نحن حول حذيفة إذ قال: كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيّكم فرقتين يضرب بعضكم وجوه بعض بالسيف، فقلنا: يا أبا عبد الله وإن ذلك لكائن، فقال بعض أصحابه: يا أبا عبد الله فكيف نصنع إن أدركنا ذلك الزمان قال: انظروا الفرقة التي تدعو إلى أمر عليّ رضي الله عنه فالزموها فإنها على الهدة” اهـ. ومعنى هذا أن الأخرى على الباطل.
مراد معاوية من القتال:
ثم ليعلم أن معاوية كان قصده من هذا القتال الدنيا، فلقد كان به الطمع في الملك وفرط الغرام في الرئاسة، فلما وصل إلى الخلافة وصار ملك مصر وغيرها تحت يده كفّ عن المطالبة بدم عثمان وهو ما اتخذه حجة للخروج على علي وقتاله وأكثر المتهمين من أهل مصر والكوفة والبصرة كلهم تحت حكمه وغلبته كما ذكر القرطبي في التذكرة [73]. روى أبو داود في سننه [74] عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله المُلْك” أو: “ملكه مَن يشاء”.
قال سعيد: قال لي سفينة: “أمسك عليك أبا بكر سنتين، وعمر عشرًا، وعثمان اثنتي عشرة، وعليًّا كذا، قال سعيد: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليًّا عليه السلام لم يكن بخليفة، قال: كذبت أسْتَاه بني الزرقاء يعني مروان” اهـ.
وروى هذا الحديث أيضًا الحاكم [75] والبيهقي بنحوه [76] وذكر أن خلافة علي كانت ست سنوات.
وروى أحمد [77] في المسند والبيهقي [78] والطيالسي [79] واللفظ لأحمد عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكًا عاضًّا….” الحديث، وفي رواية: “عضوضًا” [80] أي ظلومًا.
وحديث أبي داود المتقدّم أخرجه أيضًا الترمذي [81] وحسّنه، وأبو نعيم [82] بنحوه عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خلافة النبوة”، وعند أحمد بلفظ: “الخلافة ثلاثون عامًا ثم يكون بعد ذلك الملك” [83]. وأخرج البيهقي [84] عن أبي بكرة قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “خلافة النبوة ثلاثون عامًا ثم يؤتي الله المُلْكَ مَن يشاء”، فقال معاوية: “قد رضينا بالمُلك”.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري [85] ما نصه: “وقد ذكر يحيى بن سليمان الجُعفي، أحد شيوخ البخاري في “كتاب صفين” في تأليفه بسند جيد، عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: “أنت تنازع عليًّا في الخلافة أوَأنتَ مثلُهُ؟ قال: لا، وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحقُّ بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلومًا، وأنا ابن عمه ووليّه أطلب بدمه، فأتوا عليًّا فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان. فأتوه فكلموه فقال: يدخل في البيعة ويحاكمهم إليّ فامتنع معاوية، فسار عليّ في الجيوش من العراق حتى نزل بصفين” اهـ. وروى مسدد [86] في مسنده عن عبد الله بن أبي سفيان أن عليًّا قال: “إن بني أمية يقاتلونني، يزعمون أني قتلت عثمان وكذبوا إنما يريدون المُلك، ولو أعلم أن يذهب ما في قلوبهم أني أحلف لهم عند المقام والله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله لفعلت، ولكن إنما يريدون المُلك، وإني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممّن قال الله عزّ وجل: {ونَزَعنا ما في صدورهم مِن غِلٍّ} [سورة الحجر/47] الآية”، وروى نحوه سعيد بن منصور [87] في سننه.
قال ابن كثير في البداية والنهاية [88] ما نصه: “وهذا مقتل عمّار بن ياسر رضي الله عنه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قتله أهل الشام. وبان وظهر بذلك سرّ ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه تقتله الفئة الباغية، وبان بذلك أن عليًّا محقّ وأن معاوية باغٍ، وما في ذلك من دلائل النبوة” اهـ.
قال ابن الأثير في الكامل [89] نقلاً عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال يوم صفين: “من يبتغي رضوان الله ربّه ولا يرجع إلى مال ولا ولد؟ فأتاه عصابة فقال: اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون دم عثمان، والله ما أرادوا الطلب بدمه ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحبّوا وعلموا أن الحقّ إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرّغون فيه منها، ولم يكن لهم سابقة يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: إمامنا قُتل مظلومًا، ليكونوا بذلك جبابرة ملوكًا، فبلغوا ما ترون، فلولا هذه ما تبعهم من الناس رجلان. اللهم إن تنصرنا فطالما نصرتَ، وإن تجعل لهم الأمر فادّخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم” اهـ.
ومما يدل على ما قدمنا أن معاوية سعى قبل موته في استخلاف ابنه يزيد، وذلك مع وجود من هو أهل لتلك الخلافة من الصحابة كالحسين بن علي وابن الزبير فليراجع ما ذكره الحافظ ابن حجر في ذلك [90].
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في المطالب الوفية بزوائد المسانيد الثمانية [91] مانصه: “محمد بن سيرين قال: لما أراد معاوية أن يستخلف يزيد بعث إلى عامل المدينة أن أَوْفِد إليَّ مَن شاء، قال: فوفد إليه عمرو بن حزم الأنصاري يستأذن، فجاء حاجب معاوية يستأذن، فقال: هذا عمرو قد جاء يستأذن. فقال: ما جاء بهم إليّ فقال: يا أمير المؤمنين يطلب معروفك فقال معاوية: إن كان صادقًا فليكتب إليّ فأعطيه ما سأله ولا أراه، قال: فخرج إليه الحاجب فقال: ما حاجتك اكتب ما شئت، فقال: سبحان الله أجيء إلى باب أمير المؤمنين فأُحجب عنه، أحِبُّ أن ألقاه فأكلمه، فقال معاوي للحاجب: عده يوم كذا وكذا، فإذا صلى الغداة فليجئ، قال: فلما صلّى معاوية الغداة أمر بسريره فجعل في الإيوان ثم يخرج الناس عنه فلم يكن عنده أحد إلا كرسي وضعَ لعمرو، فجاء عمرو فاستأذن فأذن له فسلّم عليه ثم جلس على الكرسي فقال له معاوية: حاجتك؟ قال: فحمد اللخ وأثنى عليه ثم قال: لعمري لقد أًبح يزيد بن معاوية واسط الحسب في قريش غنيًّا عن المال غنيًّا عن كل خير وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله تعالى لم يسترع عبدًا رعية إلا وهو سائله عنها يوم القيامة كيف صنع فيها” وإني أذكّرك الله يا معاوية في أمّة محمد صلى الله عليه وسلم من تستخلف عليها قال: فأخذ معاوية ربوٌ ونفس في غداة قرّ حتى عرق وجعل يمسح العرق عن وجهه مليًّا ثم أفاق فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنك امرؤ ناصح قلت برأيك بالغًا ما بلغ، وإنه لم يبق إلا ابني وأبناؤهم فابني أحقّ من أبنائهم، حاجتك؟ قال: ما لي حاجة، قال: قم، فقال له أخوه: إنما جئنا من المدينة نضرب أكبادها من أجل كلمات، قال: ما جئت إلا للكلمات، قال: فأمر لهم بجوائزهم وأمر لعمرو بمثلها. “لأبي يعلى” [92]” اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري [93] ما نصه: “وأخرج أبو بكر بن أبي خيثمة بسند صحيح إلى جويرية بن أسماء: سمعت أشياخ أهل المدينة يتحدثون أن معاوية لما احتضر دعا يزيدًا فقال له: إن لك من أهل المدينة يومًا فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإني عرفت نصيحته، فلما ولي يزيد وفد عليه عبد الله بن حنظلة وجماعة فأكرمهم وأجازهم، فرجع فحرّض الناس على يزيد وعابه ودعاهم إلى خلع يزيد فأجابوه، فبلغ يزيد فجهز إليهم مسلم بن عقبة، فاستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة، فهابهم أهل الشام وكرهوا قتالهم، فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير وذلك أنّ بني حارثة أدخلوا قومًا من الشاميين من جانب الخندق، فترك أهل المدينة القتال ودخلوا المدينة خوفًا على أهلهم، فكانت الهزيمة وقتل من قتل، وبايع مسلم الناس على أنهم خَوَلٌ ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهلهم بما شاء” اهـ.
وروى ابن حبان [94] في صحيحه فقال ما نصه: “أخبرنا أبو خليفة قال: حدّثنا محمد بن كثير قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: سمعت عبد الله بن عمرو يحدّث في ظل الكعبة قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمنّا مَن ينتضل ومنّا مَن هو في جشره ومنا من يصلح خباءه، إذ نودي بالصلاة جامعة فاجتمعنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: “لم يكن قبلي نبي إلا كان حقًّا على الله أن يدلّ أمته على ما هو خير لهم وينذرهم ما يعلم أنه شر لهم، وإن هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب ءاخرها بلاء فتجيء فتنة، فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثمّ تجيء فيقول هذه مهلكتي ثم تنكشف، فمّن أحبّ منكم أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع” قال: قلت: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا ونهريق دماءنا وقال الله: {يا أيُّها الذينَ ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [سورة النساء/29]، وقال: {ولا تقتلوا أنفسكم} [سورة النساء/29] قال: ثم سكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله” اهـ.
قال القرطبي في كتابه التذكرة [95] ما نصه: “روى ابن وهب عن مالك قال: تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارًا ولا يستقر فيها، واجتج بصنيع أبي الدرداء في خروجه عن أرض معاوية حين أعلن بالربا فأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها. خرّجه أهل الصحيح” اهـ.
وما يروى في معاوية من الفضائل فإنه لم يصحّ منه شيء، فقد قال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري [96]: “تنبيه: عبَّر البخاري في هذه الترجمة بقوله “ذكر” ولم يقل فضيلة ولا منقبة لكون الفضيلة لا تؤخذ من حديث الباب، لأن ظاهرة شهادة ابن عباس له بالفقه والصحبة دالة على الفضل الكثير، وقد صنّف ابن أبي عاصم جزءًا في مناقبه وكذلك أبو عمر غلام ثعلب وأبو بكر النقاش، وأورد ابن الجوزي [97] في الموضوعات بعض الأحاديث التي ذكروها ثمّ ساق عن إسحاق بن راهويه –شيخ البخاري- أنه قال: لم يصحّ في فضائل معاوية شيء، فهذه النكتة في عدول البخاري عن التصريح بلفظ منقبة اعتمادًا على قول شيخه. وأخرج ابن الجوزي [98] أيضًا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألتُ أبي ما تقول في عليّ ومعاوية؟ فاطرق ثم قال: اعلم أنّ عليًّا كان كثير الأعداء، ففتش أعداؤه له عيبًا فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجلٍ قد حاربه فأطروه كيادًا منهم لعليّ، فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له. وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما والله أعلم” اهـ.
قلت: وقوله: “ليس فيها ما يصح” معناه فيها ما هو صحيح ولا حسن وليس ما ادّعى بعض الأدعياء أنه لم ينف أن يكون فيها حسن وهذا لا يقوله متمرّس إلا جاهل بصناعة الحديث.
قال المؤرخ عبد الحي بن العماد الحنبلي [99] في ترجمة النسائي ما نصه: “قال ابن خلكان [100]: قال محمد بن إسحاق الأصبهاني: سمعت مشايخنا بمصر يقولون: إنّ أبا عبد الرحمن –يعني النسائي- فارق مصر في ءاخر عمره وخرج إلى دمشق فسئل عن معاوية وما روي من فضائله فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأسًا برأس حتى يفضّل، وفي رواية: ما أعرف له فضيلة إلا “لا أشبع الله بطنه” [101] وكان يتشيّع، فما زالوا يدافعونه في خصيتيه وجاسوه ثمَّ حُمِلَ إلى مكة فتوفي بها وهو مدفونٌ بين الصفا والمروة. وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدّوس فهو مقتول، وكان صنّف كتاب الخصائص في فضل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل البيت، وأكثر روايته فيه عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فقيل له: ألا صنّفت في فضل الصحابة رضي الله عنهم كتابًا، فقال: دخلت دمشق والمنحرف عن علي كثير فأردت أن يهديهم الله بهذا الكتاب، وكان إمامًا في الحديث ثقة ثبتًا حافظًا”. انتهى كلام ابن العماد.
وذكر الذهبي في تذكرة الحفّاظ في ترجمة النسائي [102] أنه قال: “دخلت دمشق والمنحرف عن علي بها كثير فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن يهديهم الله، ثم إنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة فقيل له: ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال: أي شيء أخرج؟ حديث: “اللهم لا تشبع بطنه”. فسكت السائل” اهـ.
وأما اتهامهم له بالتشيّع فليس صحيحًا إذ أنهم اتهموه بذلك لقوله: لم يصحّ في فضائل معاوية إلا: “لا أشبع الله بطنه”، ولأنه ألّف في فضائل علي ولم يصنف في مناقب غيره بالتخصيص، والصواب أنه إنما قال: لم يصحّ في فضائل معاوية إلا: “لا أِبع الله بطنه” لأنّ الحقيقة هي هذه، وليس هو أوّل قائل لهذا بل سبقه إلى هذا كما سبق وذكرنا شيخ البخاري إسحاق بن راهويه، وهو إنما صنّف في مناقب علي ولم يصنف في مناقب غيره بالتخصيص لما بَيّنَهُ بقوله: “دخلت دمشق والمنحرف عن علي بها كثير فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن يهديهم الله”.
بيان أن قتال معاوية للإمام علي ليس اجتهادًا معتبرًا:
فإن قيل: أليس قتال معاوية لعلي يدخل في باب الاجتهاد؟
فالجواب: أن الاجتهاد لا يكون مع النص القرءاني أو الحديثي ولا مع إجماع العلماء، وقتال معاوية لعلي فيه مخالفة للنص الحديثي، فلا يكون هذا الأمر اجتهادًا مقبولاً.
ففي الحديث الصحيح: “ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار” دلالة على أن الرسول سماهم فئة باغية. وقد روى هذا الحديث أربعةٌ وعشرون صحابيًا منهم معاوية وعمرو بن العاص، قال الحافظ ابن حجر [103]: “روى حديث: “تقتل عمارًا الفئة الباغية” جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان كما تقدم وأمّ سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان، وحذيفة وأبو ايوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفيه، وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة ءاخرين يطول عدّهم، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعمار وعلي وردّ على النواصب الزاعمين أن عليًّا لم يكن مصيبًا في حروبه” اهـ.
فكيف يكون بعد هذا اجتهاد مع النص؟
ومن الشطح الذي وقع فيه بعض الفقهاء أنهم بعد ذكرهم لهذا الحديث يقولون: إن عليًّا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن معاوية اجتهد فأخطأ فله أجرٌ كما قال صاحب كتاب الزبد:
وما جرى بين الصحاب نسكت *** عنه واجر الاجتهاد نثبت
وقال اللقَّاني:
وأوِّلِ التشاجر الذي وردْ *** إنْ خضتَ فيه واجتنبْ داءَ الحسدْ
أقول: المنصف المتأمّل في الأمر لا يشك أن عليًّا وعمارًا رضي الله عنهما أعرف بحقيقة معاوية في قتاله أمير المؤمنين”.
فتبين بما مضى أن معاوية لم يكن مجتهدًا في قتاله وإنما كان يريد الوصول للملك، ولا شك أن عليًا وعمارًا رضي الله عنهما أعرف بحقيقة معاوية من كثير من المؤلفين الذين يقولون اجتهد فأخطأ فلا يأثم. وهذا تحسين ظنّ في غير محله، وكيف يصح قولهم وقد جاء في الصحيح: “من كره من أميره شيئًا فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرًا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية” [104]، وصح أيضًا: “مَن خلع يدًا من طاعةٍ لقيَ الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية” [105]، فالجزء الثاني من الحديث ينطبق على كل من قاتل عليًّا ولم يتب من ذلك.
هذا مع ما قدمنا من قول عمار بن ياسر الذي رواه البيهقي: “لا تقولوا كفر أهل الشام ولكن قولوا فسقوا أو ظلموا” وفي رواية ابن أبي شيبة [106]: “ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحق فحقّ علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا إليه”.
أقول: ولا يخفى على مثل عمار أن المجتهد إذا أخطأ في اجتهاده لا يقول عنه مجتهد ءاخر فسق وظلم، كما أن الأئمة المجتهدين من الصحابة ومن جاء بعدهم لا يقال عن المخطئ منهم في مقابل المصيب إنه باغ. وأما ماقتلو علي في صفين فقد سماهم الحديث بغاة ودعاة إلى النار ومعاوية هو الدّاع الأول لمن تبعه، فقد اختلف اجتهاد أبي بكر واجتهاد علي في مسئلة الجد والإخوة ولا شك أن أحدهما مصيب والآخر مخطئ في نفس الأمر، وكذلك اختلاف الشافعي ومالك في قول الشافعي بأن البسملة ءاية من الفاتحة لا تصحُّ الصلاة بدونها وقول مالك لا تجب ولا تُسنُّ فهل يقال عن المخطئ منهما في نفس الامر إنه باغٍ بل يقال كما في جاء في حديث: “إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران” إلى ءاخره عن كلا المختلفين مأجوران المصيب منهما له أجران والمخطئ له أجر واحد، وهكذا جميع المسائل التي اختلف فيها الأئمة المجتهدون فيما لم يرد فيه نص ثابت صريح. ولا ينطبق على هذا قتال من قاتلوا عليًّا فالزبير وطلحة رضي الله عنهما وقفا في صف المقاتلين ثم انصرف كل منهما ولم يموتا إلا تائبَين من وقوفهما مع المقاتلين، فلم يُقتل الزبير إلا بعد انصرافه لحقه شخص فقتله بوادي القِرى وطلحة رضي الله عنه انصرف فلحقه مروان بن الحكم فقتله، وكانت مدة وقوفهما مع المقاتلين وقتًا قصيرًا أقل من نصف نهار. فإذا عُرف هذا فماذا يكون حال من قاتل أمير المؤمنين عليًّا ثلاثة أشهر فقتلوا نحو عشرين ألف نفس من جيش سيدنا علي فيهم أهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان وخيار التابعين كأويس القرني الذي قال فيه الرسول: “إن خير التابعين رجلٌ يقال له أويسُ بن عامر من مُراد ثم من قرن” فلو كان قتال معاوية لعلي لرأي رءاه عذرًا أيضًا لأنهم كانوا يرون في عثمان أنه قدّم أقاربه للعمل في أمر المسلمين من غير أن يكون أهلاً، فتبين أن كلا الفريقين ليسوا مجتهدين اجتهادًا معتبرًا ودعوى الفرق بينهما فرق بلا دليل وإن كان قتلة عثمان ليس فيهم صحابيّ وفي مقاتلي علي عدد قليل من الصحابة الذين كانوا من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ليس فيهم أحدٌ من الذين قال الرسول فيهم: “لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه” وكان المخاطب بهذا الحديث خالد بن الوليد لأنه كاب سب عبد الرحمن بن عوف فوجه الرسول هذا الحديث إلى خالد لأن عبد الرحمن كان مهاجرًا من السابقين الأوّلين وخالد لم يكن من السابقين وإن كان فرد من أفراد الصحابة له شرف الصحبة.
وفي الحديث الذي رواه الحاكم [107] عن تراجع الزبير عن قتال علي بعدما ذكّره بكلام النبي: “لتقاتلنه وأنت ظالم له”، دليل واضح على أن الذين قاتلوا عليًّا لا يقال فيهم اجتهدوا فلا إثم عليهم، لأنه لو كان الأمر كذلك لكان الزبير أولى بأن يكون معذورًا غير مأثوم لمخالفته عليًّا بنكث العهد أي عهد البيعة، وهو أحد السابقين الأولين وأحد العشرة المبشرين بالجنة، فإذا كان أمر الزبير هكذا أي أنه أثم بخروجه على علي فما بال معاوية. وهذا يدل على أن الاجتهاد لا يكون مع النص.
فكيف يصحّ أن يقال عن معاوية وجيشه إنهم مأجورون غير ءاثمين مع وصف الرسول لمعاوية وجيشه بأنهم دعاة إلى النار بقوله: “يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار”.
فإن قيل: كيف يجوز تسمية جيش معاوية بغاة أو كيف يقال إنهم عَصَوا وفيهم صحابة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تسبوا أصحابي”، وقال أيضًا: “إذا ذكر أصحابي فأمسكوا”.
فالجواب: أن حديث: “لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه” [108]، هو في طائفة خاصة من الصحابة لأن المخاطبين صحابة والمتكلم عنهم صحابة فلما قال: “أحدكم” علم أن الذين حذّر من إيذائهم وسبّهم غير الذين كانوا معه عند ذكر الحديث، وإلا لزم اتحاد المخاطب والمتكلم عنه، وهذا كلام ركيك لا يثدر من أفصح خلق الله. ويبين ذلك سبب الحديث وهو أن خالد بن الوليد سبّ عبد الرحمن بن عوف، فمعنى الحديث أنّ خالدًا أو غيره من الذين ليس لهم تلك السابقية في الفضل بينهم وبين من كان من أهلها كعبد الرحمن بن عوف هذا الفرق العظيم وهو أن مُدَّ أحد هؤلاء أفضل عند الله من أن يتصدق الآخرون بمثل جبل أحد ذهبًا. ومن ظنّ أن هذا لعموم الصحابة فقد جهل الحقيقة وخبط خبط عشواء. وروى الحديث ابن حبان في صحيحه [109] وغيره.
فيعلم من هذا أنه لم يكن مراد النبي بقوله: “أصحابي” جميع أصحابه لأنه كان يخاطب بعضًا منهم وإنما مراده مَن كان مثل عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب من السابقين الأولين من المهاجرين والسابقين الأولين من الأنصار وهؤلاء لا يدخل فيهم خالد بن الوليد الذي سمّاه النبي صلى الله عليه وسلم: “سيف الله” ولا معاوية بن أبي سفيان.
وأما الذين يستشهدون بفضل معاوية بالآية: “مُحَمَّدٌ رسولُ اللهِ والذينَ معهُ} الآية فإن معاوية لم يكن يومها من الذين معه لأنه لم يكن قد أسلم يومها.
ثم إن الذي لم يطبّق هذا الحديث لا تسبوا أًصحابي هو معاوية فقد ثبت وصحّ عنه أنه كان يأمر بسبّ علي، روى مسلم في صحيحه [110] ما نصه: “عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدًا فقال: ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثًا قالهنّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حُمْرِ النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له، خلَّفه في بعض مغازيه فقال له علي: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي”. وسمعته يقول يوم خيبر: “لأعطينَّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسولُهُ”، قال: فتطاولنا لها فقال: “ادعوا لي عليًّا” فأُتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: {فقُلْ تعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم} [سورة ءال عمران/61] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمة وحسنًا وحسينًا فقال: “اللهم هؤلاء أهلي” اهـ، ورواه أيضًا النسائي [111].
فالذي يسبّ عليًّا ويبغضه ولا يحبّه يكون مرتكبًا كبيرة وأية كبيرة فقد روى النسائي [112] والحاكم [113] حديث: “من سبّ عليًّا فقد سبّني”، وروى مسلم [114] والترمذي [115] والنسائي [116] وأبو نعيم في الحلية [117] وأحمد [118] والخطيب البغدادي [119] وءاخرون أن عليًّا رضي الله عنه قال: “والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأميّ إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق” اهـ. وعن أم سلمة رفعته [120]: “لا يحب عليًّا منافق ولا يبغضه مؤمن”.
وكذلك كان الحال في عهد خلفاء بني أمية بعد معاوية من الأمر بسبّ عليّ إذا استثني التابعي الجليل عمر بن عبد العزيز،فإنه هو الذي منع سبّ سيدنا علي بعد أن كان يُسَبّ على المنابر كذا في تاريخ الخلفاء [121] للسيوطي وفي كتاب مناقب عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي.
وأما الذي يقول: إن اذلين قاتلوا عليًّا بغاة أو يقول في مقاتلي علي من أهل صفين دعاة إلى النار أو إنهم عصوا، فلا يعدّ واقعًا في المحظور الذي ينهى عنه النبي بقوله: “لا تسبوا أصحابي” فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سمّى مَن قاتل عليًّا فب وقعة صفين بغاة وهو الذي قال فيهم دُعاة إلى النار، فليعلم ذلك.
وأما حديث: “إذا ذكر أصحابي فأمسكوا” فهو ضعيف [122] ومعناه: أمسكوا عمّا لا يجوز ذكرهم به، ولو لم يكن كذلك لما قال عمار بن ياسر فيهم تلك المقالة التي رواها البيهقي وابن أبي شيبة والتي سبق ذكرها وفيها أنه قال في أهل الشام: “فسقوا أو ظلموا” يعني الذين قاتلوا عليًّا.
فإن قيل: أليس في قول عمار بن ياسر في أهل الشام تعارض مع الحديث الذي رواه الحاكم “فلا تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم فإنّ فيهم الأبدال” [123].
فالجواب: أن مراد عمار بن ياسر ليس جميع أهل الشام بل مراده معاوية وجيشه، وهم ليس فيهم من هو بهذه الصفة، على أنّ هذا الحديث لم يصح مرفوعًا.
فإن قيل: أليس اتفق المحدثون على أن الصحابة عدول.
فالجواب: أن المحدثين قالوا بعدالة الصحابة في لرواية لأنّ الواحد منهم لا يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا على معنى أنهم كلهم أتقياء صالحون، فقد صح في الحديث الذي رواه أحمد [124] وابن حبان [125] وغيرهما أن الرسول قال في رجل من أهل الصُّفة لما مات فوجدوا في شملته دينارين فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: “كيّتان من نار”. وفضل أهل الصفة معروف، فهذا لإخفائه دينارين عن الناس وإظهار الفاقة قال الرسول فيه ما قال، ومع ذلك فله فضل باعتبار أنه من أهل الصفة.
ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقع أحدٌ من أصحابي في ذنب ولا يعذب أحد منهم في قبره، بل جاء في الحديث الصحيح ما يدل على خلاف هذا، فقد روى البخاري [126] وغيره أنه قال في خادم به كان موكولاً إليه ثقَلُ النبي في بعض غزواته: “إنه في النار”، وكان قد غلّ شملة أخذها من الغنيمة ثم أصابه سهم فقتله. وكان فيهم من شرب الخمر مرات عديدة ثم أقيم عليه الحد كل مرة، وكان فيهم مَن أقيم عليه حد الزنى. وهذا المحدود في شرب الخمر روى حديثه البخاري [127]، حتى لعنه بعض الصحابة من كثرة ما يؤتى به ليُقام عليه الحد فقال الرسول: “لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله”، وهناك غير هذا مما صحّ من الحديث في هذا المعنى، فكيف يقال مع كل هذا إن معنى قول بعض مَن ألّف في المصطلح “الصحابة عدول” أنهم يعنون العدالة المطلقة، وهذا يؤدي إلى إبطال تلك الأحاديث الصحيحة.
وقد روى البخاري [128] ومسلم [129] وأبو داود [130] والترمذي [131] والنسائي [132] عن ابن عباس: “مرّ رسول الله على قبرين فقال: “إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم”، قال: “بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من البول”، ثم دعا بعسيب رطب فشقّه اثنين فغرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا ثم قال: “لعلّه يخفّف عنهما”، وصاحبا هذين القبرين كانا مسلمين يعلم من بعض روايات الحديث. قال ابن حجر العسقلاني [133] بعدما ذكر رواية البخاري لهذا الحديث ما نصه: “وأما حديث الباب فالظاهر من مجموع طرقه أنهما كانا مسلمين ففي رواية ابن ماجه [134]: “مرّ بقبرين جديدين” فانتفى كونهما في الجاهلية، وفي حديث أبي أمامة عند أحمد [135] أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ بالبقيع: فقال: “من دفنتم اليوم ههنا”؟ فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين، لأن البقيع مقبرة المسلمين والخطاب للمسلمين مع جريان العادة بأن كل فرق يتولاه مَن هو منهم، ويقوّي كونهما كانا مسلمين رواية أبي بكرة عند أحمد [136] والطبراني بإسناد صحيح: “يعذّبان وما يعذبان في كبير”، و”بلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول” فهذا الحصر ينفي كونهما كانا كافرين لأن الكافر وإن عُذِّبَ على ترك أحكام الإسلام فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف” اهـ. ولو كان كافرين لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لعله يخفف عنهما”.
وروى البخاري في صحيحه [137] عن أبي وائل قال: قال عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أنا فَرَطُكُم [138] على الحوض ليُرفعنّ إليّ رجالٌ منكم حتى إذا اهويت لأناولهم اخْتُلِجوا دوني، فأقول: أي ربّ أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك”.
وأما حديث: “ستكون لاصحابي زلة يغفرها الله لهم” فهذا حديث غير ثابت ولا يحتج به للادّعاء بأن معاوية ومَن معه كانوا غير ءاثمين بقتالهم، لأنه لو كان ثابتًا ويدخل فيه معاوية لدلّ على أنه عصى لأنه حينئذ يكون قوله: “يغفرها الله لهم” دليلٌ على أنه أذنب، فالاحتجاج بهذا الحديث لمعاوية يفسد القول بأنه وجماعته مأجورون.
فإن قيل: كيف يصحُّ أن يقال في معاوية إنه بغى هو وجماعته، وقد صحّ أنه من كتبة الوحي؟ فالجواب: أن ذلك لا يقتضي أن يكون تقيًّا صالحًا، وهذا لا يقوله إلا مَن لا اطّلاع له على ما صحّ من الحديث وما قال علماء السيرة فهاك ما قال الحافظ العراقي في ألفيته التي ألفها في السيرة في باب ذكر كُتّابه صلى الله عليه وسلم قال:
وذكروا ثلاثة قد كتبوا *** وارْتَدَّ كلٌّ منهمُ وانقلبوا
ابنُ أبي سَرحٍ معَ ابنِ خطلِ *** وءاخرٌ أُبْهِمَ لم يسمّ لي
ولم يعُدْ منهم إلى الدين سوى *** ابن أبي سرحٍ وباقيهم غوى
فهذا الحافظ العراقي يصرّح في أن ثلاثة ممن كتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحب ارتدوا، اثنان منهم ماتا على الكفر وواحدٌ رجع إلى الإسلام فالذي رجع إلى الإسلام هو ابن أبي سرح واللذان ماتا على الكفر أحدهما ابن خطل والآخر لم يسمّ ولكن ذكر قصته أنس بن مالك وروى ذلك مسلم وابن حبان.
ففي صحيح ابن حبان [139] عن أنس قال: “كان رجل يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتدّ عن الإسلام فلحق بالمشركين، ثم مات فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “إن الأرض لن تقبله”، قال: فقال أبو طلحة: فأتيت تلك الارض التي مات فيها وقد علمت أن الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال فوجدته منبوذًا، فقلت: ما شأن هذا؟ فقالوا: دفناه فلم تقبله الأرض” اهـ، وذكر مثل ذلك ابن سيّد الناس في كتابه عيون الأثر [140] في كتّابه صلى الله عليه وسلم.
وروى مسلم في صحيحه [141] عن أنس بن مالك قال: “كان منّا رجلٌ من بني النجار قد قرأ البقرة وءال عمران، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق هاربًا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فرفعوه قالوا: هذا كان يكتب لمحمد فأُعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذًا” اهـ.
فإن كان الشخص لا يكون معصومًا من الكفر أنه كان من كتبة الوحي، فكيف يكون معصومًا مما هو دون الكفر.
فقد ثبت أن معاوية كما سبق وذكرنا كان يأمر بسبّ علي، وهو أحد السابقين الاولين من المهاجرين والانصار وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سبابُ المسلم فسوق وقتاله كفر” [142].
وقال في حق علي: “مَن سب عليًّا فقد سبني”، الحديث رواه أحمد [143] والحاكم وغيرهما [144].
والحاصل أنّ الذي يظن أن كل فرد من أفراد الصحابة تقي ولي كأنه ليس عنده خبر بأحوال مَن صحب رسول الله، وليس له إلمام بالحديث فلو سكت عن ذلك كان خيرًا له، وقد قال الله: {ولا تَقْفُ ما ليسَ لكَ بهِ عِلمٌ} [سورة الإسراء/36]. وليس هذا من حب الصحابة الذين أمرنا بحبّهم لأنه ليس معنى ذلك التسوية بينهم، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا” رواه البخاري [145].
فائدة مهمة: قال الحافظ أحمد الغماري في كتابه “جؤنة العطار” [146] ما نصه: “نقل الذهبي في [التاريخ] [147] عن الإمام مالك أنه قال: “إن معاوية نتف الشيب كذا وكذا سنة، وكان يخرج إلى الصلاة ورداؤه يُخمل، فإذا دخل مصلاه جُعل عليه وذلك من الكبر” اهـ. وهذا يُكذّب ما نُقل عنه من قوله: غبار حافر فرس معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز، وربما نقل بعضهم هذا عن ابن المبارك وكله كذب، وإذا وصف مالك معاوية بالكبر وهو يعلم الحديث الصحيح: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر” المخرج في صحيح مسلم [148] فلا يجوز أن يقول ذلك في عمر بن عبد العزيز” انتهى كلام الغماري.
وأخيرًا: فالبوطي إنسان كلامه متناقض يقول الكلام أحيانًا بحسب الظروف ففي مجلة الموسم العدد السابع المجلد الثاني [ص/693] يقول البوطي في محاضرته بلندن في مؤتمر الغدير: “ءاية ذلك أن عليًّا عليه السلام اتخذ موقفًا صريحًا أمام أيام الفتنة من معاوية وكتب إليه الرسائل وأعلن أنه منحرف عن الخط وخارجًا عن النهج، اتجه المسلمون إلى ما اتجه إليه علي ولعلكم جميعًا تعلمون أن جمهور الفقهاء يقررون أن عليًّا هو صاحب الولاية والخلافة وأن صف معاوية يشكل البغي، فرأنا هذا في كتب الشريعة هذا رأي الإمام الشافعي وهذا رأي الإمام أبي حنيفة وهذا رأي الجمهور” انتهى كلام البوطي.
فهذا الكلام يقوله في مؤتمر الغدير في لندن وأما في دمشق وفي محاضراته وفي كتبه يرى العكس تمامًا فيزعم أن خروج البغاة على علي تنفيذ لأمر الله وأن هذا القتال ان باجتهاد وقصد سليم وأن هذا الخروج ليس مصادمًا لنص صريح في كتاب الله أو سنة رسول الله وأن الذين خرجوا على علي لم يحركهم إلا الإسلام.
وكأنه في هذه الحال لم يقرأ قول الله تعالى: {يا أيُّها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمرِ منكم} [سورةالنساء/59] وكأنه لم يقرأ ولم يسمع بحديث مسلم [149]: “إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما” ولم يعلم البوطي أن عليًا بويع بيعة صحيحة في المدينة من المهاجرين والأنصار، وإن كان علم ذلك فكيف يصح عمل الباغين الخارجين عليه، ثم ألم يعلم بأن معاوية كان بالشام حيث كان معينًا واليًا أيام عمر وعثمان حين بويع علي تلك البيعة الشاملة حكمُها كل مسلم على وجه الأرض.
الهوامش:
[1] و[2] صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة.
[3] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [7/51].
[4] مسند أحمد [4/281].
[5] كشف الأستار عن زوائد البزار [4/92].
[6] أورده الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [7/238] وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد، ووثقه ابن حبان. اهـ. أنظر الثقات لابن حبان [7/297].
[7] كانت معركة الجمل بين سيدنا علي رضي الله عنه ومَن معه وجماعة تحمّسوا للمطالبة بدم عثمان فيهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت خرجت من المدينة بعدما بويع سيدنا علي رضي الله عنه بالخلافة إلى مكة للحج، ثم التقت بأناس متحمسين للمطالبة بدم عثمان رضي الله عنه فحمسوها فخرجت معهم، ثم وصلت إلى أرضٍ سمعت فيها نباح كلاب فقالت: ما اسم هذه الأرض، فقيل لها: الحوأب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، فقيل لها: تذهبين معنا، الله يصلح بك بين المسلمين، فقالت: ما أظنني إلا راجعة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أيَّتُكُنَّ صاحبة الجمل الأدبب تنبح عليها كلاب الحوأب انظري يا عائشة أن لا تكوني أنت” فأصرّوا عليها فذهبت معهم للإصلاح ولم تذهب للقتال فوصلت إلى البصرة حيث معسكر سيدنا علي ثمّ حصل ما حصل من القتال فكسرهم سيدنا علي وقُتل جمل عائشة وكان أعطاها إياه شخص من المطالبين بدم عثمان اشتراه بأربعمائة دينار، ثم أعادها سيدنا علي معزّزة مكرمة إلى المدينة. وكان معصيتها وقوفها في معسكر الذين تمردوا عى علي الخليفة الراشد. وكانت وقعة الجمل سنة ست وثلاثين في جمادى الآخرة.
ثم دعا علي رضي الله عنه معاوية ومَن معه من أهل الشام إلى البيعة فرفضوا، فخرج يريدهم فبلغ ذلك معاوية فخرج فيمن معه من أهل الشام، والتقوا في صفين في صفر سنة سبع وثلاثين فاقتتلوا فقتل عمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت وأبو عمرة المازني وكانوا مع علي، فلما أحسّ أهل الشام باقتراب هزيمتهم رفعوا المصاحف يدعون بزعمهم إلى ما فيه مكيدة من عمرو بن العاص أشار بذلك على معاوية وهو معه، فحُكِّم الحكمان وكان حكم علي أبا موسى الأشعري وحكم معاوية عمرو بن العاص فاتفقا على أن يخلع كل منهما صاحبه ثم قدّم عند التحكيم عمرو أبا موسى فتكلم فخلع عليًّا وتكلم عمرو فأقرّ معاوية وبايع به، فتفرق الناس على هذا. وأما الخوارج فخرجت على سيدنا علي وكانوا أولاً يقاتلون معه معاوية، وكفّروا سيدنا عليًّا وقالوا: لا حكمَ إلا الله، وعسكروا بحروراء فبذلك سمّوا الحرورية، فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس وغيره فخاصمهم وحاجّهم فرجع منهم قومٌ كثير وثبت قوم على رأيهم، وساروا إلى النهروان فعرضوا للسبيل وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت فسار إليهم علي فقتلهم بالنهروان وقُتل منهم ذو الثدية سنة ثمان وثلاثين.
[8] التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، كتاب: الإمامة وقتال البغاة [4/44].
[9] كشف الأستار [4/92].
[10] أخرجه الطبراني في الأوسط كما عزاه الحافظ الهيثمي له في المجمع [7/238].
[11] الاعتقاد والهداية [ص/248].
[12] التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة [ص/637]، وأسد الغابة في معرفة الصحابة [4/33].
[13] العقد الثمين [6/195].
[14] أسد الغابة في معرفة الصحابة [4/33].
[15] الاستيعاب في معرفة الأصحاب [3/53].
[16] مستدرك الحاكم: كتاب التفسيؤ [2/463].
[17] السنن الكبرى، كتاب قتال أهل البغي [8/172].
[18] أنظر المطالب العالية، باب قتال أهل البغي [4/296].
[19] كذا في الأصل.
[20] مستدرك الحاكم، كتاب معرفة الصحابة [3/371].
[21] مستدرك الحاكم، كتاب معرفة الصحابة [3/371].
[22] العقد الثمين [5/69].
[23] الطبقات الكبرى [3/222].
[24] أنظر المطالب العالية [4/65]، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [9/107]: “وزاد الراوون بعد “وال من والاه”: “وعاد من عاداه”: رواه أحمد ورجاله ثقات” اهـ.
[25] تمهيد الاوائل [ص/552].
[26] مستدرك الحاكم، كتاب معرفة الصحابة [3/373].
[27] تمهيد الأوائل [ص/552].
[28] دلائل النبوة [6/411-412].
[29] سير الذهبي [2/177].
[30] الجامع لأحكام القرءان [14/180].
[31] تفسير البحر المحيط [7/230].
[32] دلائل النبوة [6/411].
[33] طبقات ابن سعد [8/59].
[34] إتحاف السادة المتقين [10/333].
[35] مصنف ابن أبي شيبة [7/544].
[36] طبقات ابن سعد [8/74].
[37] مستدرك الحاكم: كتاب معرفة الصحابة [3/366].
[38] مستدرك الحاكم: كتاب معرفة الصحابة [3/366].
[39] أخرجه أبو يعلى في مسنده [2/30].
[40] العقد الثمين [4/437].
[41] مستدرك الحاكم: كتاب معرفة الصحابة [3/367].
[42] طبقات ابن سعد [3/110-111].
[43] الإصابة في تمييز الصحابة [1/545].
[44] الفرق بين الفرق [ص/350 و351] باب بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة.
[45] أصول الدين [ص/289-290].
[46] نقل ذلك القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة [ص/626].
[47] الاستذكار [2/340-341]، ونحوه في العقد الثمين [5/227].
[48] مسند أحمد [2/206]، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [7/247]: “رواه أحمد ورجاله ثقات”.
[49] أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد [7/239-240].
[50] مسند أحمد [1/94 و129 و131 و409] و[4/426 و427 و432] و[5/66 و67 و70].
[51] صحيح البخاري: كتاب الصلاة: باب التعاون في بناء المساجد، وكتاب الجهاد والسير: باب مسح الغبار عن الرأس في سبيل الله.
[52] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [9/105-106].
[53] الخصائص الكبرى [2/140].
[54] فيض القدير [6/366]، وانظر اللآلئ للزبيدي [ص/222-223].
[55] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [8/260] و[9/105].
[56] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [9/105].
[57] السنن الكبرى، كتاب قتال أهل البغي: باب الدليل على أن الفئة الباغية لا تخرج بالبغي عن تسمية الإسلام [8/174].
[58] مصنف ابن أبي شيبة [15/290].
[59] طبقات ابن سعد [3/256].
[60] مستدرك الحاكم، كتاب معرفة الصحابة [3/384 و392].
[61] سنن النسائي: كتاب الإيمان: باب تفاضل أهل الإيمان.
[62] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [9/106].
[63] مصنف ابن أبي شيبة [15/296].
[64] الضحاك بن مزاحم الهلالي وثّقه أحمد بن حنبل، وأبو زرعة، ويحيى بن معين، وقال سفيان الثوري: “خذوا التفسير عن أربعة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك”. راجع تهذيب الكمال للمزّي [13/290 و291].
[65] التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة [ص/627].
[66] مجرد مقالات الأشعري لابن فورك، [ص/187-188].
[67] السنن الكبرى [6/84].
[68] عزاه له الحافظ ابن حجر في المطالب العالية [4/293].
[69] شذرات الذهب [1/45].
[70] عن عبد الله بن الحارث أن عمرو بن العاص قال لمعاوية: “يا أمير المؤمنين” أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين كان يبني المسجد لعمّار: “إنك لحريص على الجهاد، وإنك لمن أهل الجنة، ولتقتلنّك الفئة الباغية” قال: بلى، قال: فلم قتلتموه، قال: والله ما تزال تدحض في بولك، أنحن قتلناه! إنما قتله الذي جاء به” اهـ انظر جمع الفوائد وأعذب الموارد [2/539].
[71] التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة [ص/626].
[72] أنظر كشف الأستار عن زوائد البزّار [4/97]، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [7/236]: “رواه البزار، ورجاله ثقات”.
[73] التذكرة [ص/622].
[74] سنن أبي داود: كتاب السنة: باب في الخلفاء.
[75] مستدرك الحاكم، كتاب معرفة الصحابة [3/145].
[76] دلائل النبوة [6/341].
[77] مسند أحمد [4/273].
[78] دلائل النبوة [6/340].
[79] مسند أبي داود الطيالسي [ص/31].
[80] هي رواية البيهقي والطيالسي.
[81] جامع الترمذي: كتاب الفتن: باب ما جاء في الخلافة.
[82] ذكر أخبار أصبهان [1/245].
[83] مسند أحمد [5/220].
[84] دلائل النبوة [6/342].
[85] فتح الباري [13/86].
[86] المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية [4/293].
[87] سنن سعيد بن منصور [2/335-336].
[88] البداية والنهاية [7/276].
[89] الكامل في التاريخ [3/308-309].
[90] فتح الباري [8/576-577].
[91] المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية [4/327].
[92] أخرجه أبو يعلى في مسنده [13/121-123]، وقال الحافظ الهيثمي في المجمع [7/248-249]: “رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح”.
[93] فتح الباري [13/70-71].
[94] ترتيب صحيح ابن حبان: باب البيان بأن عند وقع الفتن على المرء محبة غيره ما يحبه لنفسه [7/578].
[95] التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة [ص/612].
[96] فتح الباري [7/104].
[97] الموضوعات [2/24].
[98] الموضوعات [2/24].
[99] شذرات الذهب [2/240-241].
[100] وفيات الأعيان [1/77].
[101] صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب: باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبّه أو دعا عليه.
[102] تذكرة الحفاظ [2/699].
[103] فتح الباري [1/543].
[104] صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة.
[105] السنن الكبرى [8/174].
[106] مصنف ابن أبي شيبة: كتاب الجمل [15/290].
[107] مستدرك الحاكم، كتاب معرفة الصحابة [3/366].
[108] صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم.
[109] صحيح ابن حبان: كتاب فضائل االصحابة: أنظر الإحسان [9/188].
[110] صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[111] خصائص الإمام علي [ص/23 و58].
[112] خصائص الإمام علي [ص/56].
[113] المستدرك [3/121].
[114] صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب الدليل على أن حبّ الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق.
[115] جامع الترمذي: كتاب المناقب: مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[116] سنن النسائي: كتاب الإيمان: باب علامة المنافق.
[117] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء [4/185].
[118] مسند أحمد [6/292].
[119] تاريخ بغداد [14/426].
[120] أنظر جمع الفوائد وأعذب الموارد [2/517].
[121] تاريخ الخلفاء [ص/243].
[122] المعجم الكبير [2/96] و[10/244]، وقال المنّاوي في فيض القدير [1/348]: قال العراقي في سنده: ضعيف، أنظر تخريج الإحياء [4/117]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [7/202]: “وفيه يزيد بن ربيعة وهو ضعيف”، وقال ابن رجب: “روي من وجوه في أسانيدها كلها مقال”.
[123] أخرجه الحاكم في المستدرك [4/553].
[124] مسند أحمد [1/457].
[125] صحيح ابن حبان: كتاب الزكاة: باب الوعيد لمانع الزكاة، أنظر الإحسان [5/109].
[126] صحيح البخاري: كتاب الجهاد: باب القليل من الغلول.
[127] صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب ما يكره في لعن شارب الخمرة.
[128] صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب عذاب القبر في الغيبة والبول.
[129] صحيح مسلم: كتاب الطهارة: باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه.
[130] سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب الاستبراء من البول.
[131] جامع الترمذي: كتاب أبواب الطهارة: باب ما جاء في التشديد في البول.
[132] سنن النسائي: كتاب الطهارة: باب التنزّه عن البول.
[133] فتح الباري [1/321].
[134] أخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب الطهارة وسننها، باب التشديد في البول.
[135] أخرجه أحمد في مسنده [5/266].
[136] أخرجه أحمد في مسنده [5/39].
[137] صحيح البخاري: كتاب الفتن: باب ما جاء في قوله تعالى: {واتَّقوا فِتنةً لا تُصيبَنَّ الذينَ ظلموا منكم خاصَّة} وما كان النبي يحذر من الفتن.
[138] أي متقدمكم إليه، النهاية في غريب الحديث [3/434].
[139] صحيح ابن حبان: كتاب الرقائق: باب قراءة القرءان، أنظر الإحسان [2/62].
[140] عيون الأثر [2/395 و396].
[141] صحيح مسلم: أوّل كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.
[142] صحيح مسلم: كتاب الإسمان: باب بيان قول النبي صلى اله عليه وسلم: “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر”.
[143] مسند أحمد [6/323].
[144] المستدرك [3/121]، وخصائص الإمام علي [ص/56].
[145] صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب ما يجوز من الظن,
[146] جؤنة العطار [ص/50].
[147] أورده بنحوه في سير الأعلام [3/155].
[148] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب تحريم الكبر وبيانه بلفظ: “مثقال ذرة من كبر”.
[149] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإمارة: باب إذا بويع لخليفتين.
البوطي يرى أن المنافقين عاملهم النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم من المسلمين مع علمه بنفاقهم
يقول البوطي في كتابه “فقه السيرة” [ص/234]: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرغم من اطلاعه على كثير من أحوال المنافقين وما تسره أفئدتهم بوحي من الله تعالى يعاملهم معاملة المسلمين دون أي تفريق في الأحكام الشرعية العامة” اهـ.
ويقول في [ص/233] في المصدر نفسه: “كما أجمع العلماء على أن المنافق إنما يعامل في الدنيا من قبل المسلمين على أنه مسلم يعامل كذلك وإن كان نفاقه مقطوعًا به” اهـ.
وقال في كتابه “هكذا فلندع إلى الإسلام” [ص/87]: “وصح عنه صلى الله عليه وسلم أن الله قد أعلمه بنفاق المنافقين المتظاهرين بالإسلام بين أصحابه ومع ذلك فقد كان يأبى إلا أن يعاملهم معاملة المسلمين ويأخذهم بظواهر أحوالهم”.
الرد: مما لا شك فيه أن المنافقين أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول: وهم كانوا غير معروفين وإنما كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بأحوالهم وأوضاعهم وأقوالهم وغدرهم ومحاولة تثبيطهم لعزائم المسلمين ومؤامراتهم من غير أن يذكر القرءان أسماءهم ومن غير أن ينزل وحي غير قرءاني بتعيين كل فردٍ منهم بحيث يعم الرسول أنهم فلان وفلان وهذا محمل الآية: {ومِنْ أهلِ المدينةِ مَرَدوا على النفاقِ لا تعلمهم نحنُ نعلَمُهُم} [سورة التوبة/101] وقد أعلم الرسول عليه السلام ببعض المنافقين بالتعيين لبعضهم فقد صح أن الرسول قال ذات يوم في أثناء خطبته لبعض المنافقين: “أخرج فإنّك منافق” [1] فهذا يرد قول البوطي إنه كان يعاملهم معاملة المسلمين على الإطلاق، وهذا التهور من البوطي منشؤه أنه ليس له باع في الفقه ولا في الحديث إنما هو مطالع من المطالعين لبعض الكتب. وبما أن المنافقين أيام رسول الله كانوا يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام فكان صلى الله عليه وسلم والصحابة يعاملونهم معاملة المسلمين بحسب ما يرون ظواهرهم.
أما القسم الثاني: فينقسمون إلى قسمين منهم قسم عرفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي، ومنهم قسم عرفهم بإظهارهم للكفر صراحة.
فأما القسم الأول ممن لم يطلع على أحوالهم فكان يعاملهم معاملة المسلمين، وكان يصلي عليهم لما كان يظهر منهم من الإسلام.
وأما القسم الثاني فكان يمسك عن قتلهم وينهى عن ذلك لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، ولمصلحة تأليف قلوبهم للدخول في الإسلام، ولأن المسلمين يومها كانوا في خالة ضعف.
وأما دعوى البوطي أنه صلى الله عليه وسلم كان يطلع على أحوالهم وما تسره أفئدتهم بوحي من الله تعالى وأنهم يعاملون على أنهم مسلمون وإن كان نفاقهم مقطوعًا به فهذه دعوى باطلة لا أساس لها، ولم يقل بها مسلم واحد فضلاً عن إجماع أئمتهم، فكيف يعامل على أنه مسلم وإن كان نفاقه مقطوعًا به كما ادعى.
فإن كان البوطي يتمسك بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل من قال: “إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله”، أو ذاك الذي قال له: اعدل، فقال: “ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل”. قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه، قال: “دعه فغن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية” الحديث.
فالجواب ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح ما نصه [2]: “قوله: “فإن له أصحابًا” هذا ظاهره أن ترك الأمر بقتله بسبب أن له أصحابًا بالصفة المذكورة وهذا لا يقتضي ترك قتله مع ما أظهره من مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بما واجهه، فيحتمل أن يكون لمصلحة التأليف كما فهمه البخاري لأنه وصفهم بالمبالغة في العبادة مع إظهار الإسلام، فو أذن في قتلهم لكان ذلك تنفيرًا عن دخول غيرهم في الإسلام” اهـ. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتله بعد ذلك كما ذكر الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ونصه [3]:
“تنبيه: جاء عن أبي سعيد الخدري قصة أخرى تتعلق بالخوارج فيها ما يخالف هذه الرواية وذلك فيما أخرجه أحمد بسند جيد عن أبي سعيد قال: جاء أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا فإذا رجل حسن الهيئة متخشع يصلي فيه فقال: “اذهب إليه فاقتله”، قال فذهب إليه أبو بكر فلما رءاه يصلي كره أن يقتله فرجع فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: “إذهب فاقتله” فذهب فرءاه على تلك الحالة فرجع، فقال: “يا علي اذهب إليه فاقتله” فذهب علي فلم يره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن هذا وأصحابه يقرءون القرءان لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه فاقتلوهم هم شر البرية”، وله شاهد من حديث جابر أخرجه أبو يعلى [4] ورجاله ثقات. ويمكن الجمع بأن يكون هذا الرجل هو الأول وكانت قصة هذه الثانية متراخية عن الأولى، وأذن صلى الله عليه وسلم في قتله بعد أن منع منه لزوال علة المنع وهي التأليف، فكأنه استغنى عنه بعد انتشار الإسلام، كما نهى عن الصلاة على من ينسب إلى النفاق بعد أن كان يجري عليهم أحكام الإسلام قبل ذلك، وكأن أبا بكر وعمر تمسكا بالنهي الأول عن قتل المصلين وحملا الأمر هنا على قيد أن لا يكون لا يصلي [5] فلذلك علّلا عدم القتل بوجود الصلاة أو غلبا جاتب النهي. ثم وجدت في مغازي الأموي من مرسل الشعبي في نحو أصل القصة: “ثم دعا رجالاً فأعطاهم فقام رجل فقال: “إنك لتقسم وما نرى عدلاًَ، قال: “إذًا لا يعدل أحد بعيد”، ثم دعا أبا بكر فقال: “اذهب فاقتله” فذهب فلم يجده فقال: “لو قتلته لرجوت أن يكون أولهم وءاخرهم”، فهذا يؤيد الجمع الذي ذكرته لما يدل عليه “ثم” من التراخي والله أعلم” اهـ.
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني: “فمقتضى قولهم يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا لكفرهم كما يقتل المرتد، وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي أنكر عليه إنها قسمة ما أريد بها وجه الله [لأبي بكر] “إذهب فاقتله” ثم قال لعمر مثل ذلك” اهـ.
أما إن كان ما قاله البوطي مستندًا على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على عبد الله بن أبيّ بن سلول حيث توهم بعضٌ أن الرسول صلى عليه وهو يعلم نفاقه في حال صلاته عليه.
فالجواب: أن الرسول عليه الصلاة والسلام معصوم عن الكفر، والصلاة على الكافر مع اعتقاد أنه كافر كفرٌ، وذلك ينافي العصمة، وهذا أيضًا تلاعب في الدين والرسول معصوم عن ذلك. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يصلّ عليه إلا لاعتقاده تلك الساعة أنه ذهب عنه النفاق وأخلص في إسلامه وإيمانه كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في موضع من شرح البخاري، فإذا كان حكمُ من يصلي وهو محدثٌ متعمدًا كافرًا في نظر أبي حنيفة لاعتبار ذلك تلاعبًا بالدين فكيف يتجرأ على قول إن الرسول صلى على ابن أبيّ مع علمه بأنه منافق غيرُ مصدق للإسلام في قلبه، وهذه المسئلة أي صلاة المحدث متعمدًا عند الشافعية ليست كفرًا ورِدَّةً إنما هي من كبائر المعاصي.
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [6]: “وفي الطبراني من طريق عروة بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ أنه استأذن نحوه، وهذا منقطع لأن عروة لم يدركه، وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام فلذلك التمس من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحضر عنده ويصلي عليه ولا سيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد من أبيه، ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر والطبري من طريق سعيد كلاهما عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبيّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه قال: “أهلكك حب يهود” فقال: يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتوبخني، ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأجابه، وهذا مرسل مع ثقة رجاله. ويعضده ما أخرجه الطبراني من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: “لما مرض عبد الله بن أبيّ جاءه النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال: قد فهمت ما تقول فامنن عليَّ فكفني في قميصك وصلّ عليّ، ففعل”، وكأن عبد الله بن أبيّ أراد بذلك دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته فأظهر الرغبة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ووقعت إجابته إلى سؤاله بحسب ما ظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك كما سيأتي، وهذا من أحسن الأجوبة فيما يتعلق بهذه القصة” اهـ.
وقال الحافظ أيضًا ما نصه [7]: “قوله –أي عمر- قال: إنه منافق، فصلى عليه، أما جزم عمر بأنه منافق فجرى على ما كان يطلع عليه من أحواله. وإنما لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وصلى عليه إجراءً له على ظاهر حكم الإسلام كما تقدم تقريره واستصحابًا لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته، ومصلحة الاستئلاف لقومه ودفع المفسدة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح ثم أمر بقتال المشركين فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الإسلام ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير عنه، ولذلك قال: “لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه”، فلما حصل الفتح ودخل المشركون في الإسلام وقلّ أهل الكفر وذلوا أُمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم مر الحق، ولا سيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين، وغير ذلك مما أمر فيه بمجاهرتهم، وبهذا التقرير يندفع الإشكال عما وقع في هذه القصة بحمد الله تعالى” انتهى كلام ابن حجر.
الهوامش:
[1] ذكره ابن جرير في تفسيره [7/10].
[2] فتح الباري [12/293].
[3] فتح الباري [12/298-299].
[4] أخرجه أبو يعلى في مسنده [4/150].
[5] كذا في الأصل، ولعل الصواب: “على أن لا يكون يصلي”.
[6] فتح الباري [8/334].
[7] فتح الباري [8/336].
البوطي يزعم أن معصية ءادم لغوية في قوله تعالى: {وعَصى ءادمُ ربَّهُ فَغَوَى}
يقول البوطي في كتابه المسمى: “الإنسان مسير أم مخير” تحت عنوان وأحاديث من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توهم الجبْر ما نصه [ص/129]:
“الحديث الثالث: ما رواه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “احتج ءادم وموسى فقال له موسى: يا ءادم أنت أبونا خيّبتنا وأخرجتنا من الجنة قال ءادم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدّره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فحجّ ءادم موسى فحجّ ءادم موسى. ثم قال البوطي في الهامش: “ومن المعلوم أن هذه المحاجّة بين موسى وءادم إنما كانت في عالم الأرواح أو في الحياة البرزخية، وقد يستشكل أحدنا قول ءادم: قدّره الله قبل أن يخلقني بأربعين سنة، إذ أن قدر الله ثابت من الأزل والجواب كما قال المحقق المازري أن المعنى: أثبت قدر الله هذا في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق بأربعين عامًا يدل عليه اطلاع الله الملائكة على هذا القدر الذي قضى به منذ الأزل، ولعله كان قبل تنفيذ الخلق بأربعين عامًا” اهـ.
الرد: من المستغرب أشد الاستغراب أن يقول إمام كبير كالمازري “منذ الأزل” وهي عبارة لا يخفى فسادها على طلبة العلم الصغار فضلاً عن أئمتهم لأن هذه العبارة تفيد أن الأزل محكوم بالزمن ومنذ تفيد الابتداء، وهذا فساد واضح.
ثم لو أننا راجعنا كلام المازري لوجدنا أن البوطي تقوَّل عليه كلامًا لم يقله أصلاً، ولا وجود لهذه العبارة مطلقًا في كلام المازري بل الموجود ما نقله عنه الحافظ ابن حجر في شرح البخاري [1] ونصه: “وقال المازري: الأظهر أن المراد أنه كتبه قبل خلق ءادم بأربعين عامًا، ويحتمل أن يكون المراد أظهره للملائكة أو فعل فعلاً ما أضاف إليه هذا التاريخ وإلا فمشيئة الله وتقديره قديم” اهـ فانظر رحمك الله إلى تحريف البوطي لكلام المازري.
أما ما ذكره البوطي [ص/130] في كلامه عن الحديث: احتج ءادم وموسى” فقد قال ما نصه: “والإشكال في هذا الحديث يتلخص في أن ءادم تبرأ من أي حول له وقوة أما ما قدّره الله وقضاه من أكله من الشجرة التي حذره الله من الأكل منها، وفي هذا يدل على أن أقدار الله في حق عباده تفقدهم الحرية والقدرة على الاختيار والكسب فضلاً عن المباشرة والفعل” اهـ. ثم قال: “والجواب عن هذا الإشكال يتمثل في عدة نقاط: أولها وأهمها بل هي العمود الفقري في حل الإشكال أن تعلم بأن ءادم عندما أكل من الشجرة التي حذره الله من الأكل منها لم يكن يملك اختيارًا، إذ لم يكن في حاله يستوعب فيها أمر الله ونهيه بل كان ذاهلاً عن ذلك كله بسبب النسيان الذي أطيق عليه، يدل على ذلك صريح قوله تعالى: {ولقد عَهِدنا إلى ءادمَ من قبلُ فنسِيَ ولم نَجِدْ لهُ عَزْمًا} [سورة طه/115] ابن عباس: نسي هنا من السهو والنسيان، أي فالكلمة بمعناها الحقيقي وليست مؤولة بمعنى الترك مجازًا كما قال البعض [الجامع لأحكام القرءان للقرطبي 12/251]” اهـ.
ثم قال البوطي: “جنح الرازي في تفسيره إلى ما ذكره ابن عباس، وروي عن الحسن والله ما عصى ءادم قط إلا بالنسيان [مفاتيح الغيب 6/112 ط استانبول]” اهـ.
الرد: أولاً: “إن ءادم عندما أكل من الشجرة التي حذره الله من الأكل منها لم يكن يملك اختيارًا” هو كلام مردود، فإذا كان لم يكن يملك اختيارًا يعني أنه كان مجبرًا، وإذا كان كذلك فلماذا خوطب بالتكليف.
ثانيًا: قول البوطي: “إذًا لم يكن في حالة يستوعب فيها أمر الله ونهيه”، أقول: إذا كان ءادم بهذه الحالة من الغيبوبة التي يزعمها البوطي فمعنى ذلك أنه لم يبلغه التكليف أصلاً فكيف ينسب الله إليه المعصية.
ثالثًا: قول البوطي: “بل كان ذاهلاً عن ذلك كله بسبب النسيان الذي أطبق عليه”، فإذا كان قد نسي فالناسي لا يؤاخذ شرعًا بسبب نسيانه.
ثم يقول البوطي: “قال ابن عباس [نسي] هنا من السهو والنسيان، أي فالكلمة بمعناها الحقيقي وليست مؤولة بمعنى الترك مجازًا كما قال البعض” اهـ، وينسب البوطي هذا الكلام للجامع لأحكام القرءان للقرطبي 12/251.
الرد: أولاً: ما نقله عن القرطبي هو في الجزء الحادي عشر وليس في الثاني عشر، ولعل هذا وقع منه إما عن سهو أو عن خطإ مطبعي.
ثانيًا: الذي ورد في القرطبي هو هذه العبارة: “قال ابن عباس: [نسي] هنا من السهو والنسيان”، أما بقية الكلام الذي نسبه للقرطبي فلا أساس له هناك.
ثالثًا: أما قوله: “قال ابن عباس: نسي هنا من السهو والنسيان”، فالجواب: نعم هذا ذكره بعض المفسرين عن ابن عباس، لكن لا ندري لماذا يتجاهل البوطي الرواية الثانية التي وردت عن ابن عباس قال ابن الجوزي في تفسيره ما نصه [2]: “وفي هذا النسيان قولان أحدهما: إنه الترك قاله ابن عباس ومجاهد، والمعنى ترك ما أُمر به” اهـ.
وقال الألوسي في روح المعاني ما نصه [3]: “وعن ابن عباس والحسن أن المراد فترك ما وصى به من الاحتراس عن أكل ثمرتها” اهـ.
وقال القرطبي ما نصه [4]: “حدثنا أبو صالح فقال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: {ولقد عهدنا إلى ءادم مِن قبلُ فنسِيَ} [سورة طه/115] يقول: فترك” اهـ.
ونعود إلى تفسير ابن عباس عينه وليس ذلك المنسوب له المسمى “تنوير المقباس” بل المسمى “صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس” وفي هذه الصحيفة قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: “بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدًا ما كان كثيرًا” اهـ. قال ابن عباس: “قوله [فنسي] فترك”، وقد ذكر الطبري تفسير ابن عباس للنسي بالترك بإسناده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كما ورد ءانفًا.
ثم الذين فسروا الآية بالترك هم الأغلب.
فبعد أن بيَّنا الرواية الواردة عن ابن عباس بالسند المتصل فإليك ما يلي:
أولاً: قال القرطبي ما نصه [5]: “قال فنسي وله معنيان: أحدهما ترك أي ترك الأمر والعهد، وهذا قول مجاهد وأكثر المفسرين” اهـ.
فلا أدري لماذا قفز البوطي عن هذا الكلام وتركه إلى ذلك القول المنسوب لابن عباس.
ثم قال القرطبي: “قال ابن زيد: نسي ما عهد الله إليه في ذلك ولو كان له عزم ما أطاع عدوه إبليس” اهـ. فهل الأمانة العلمية تقتضي يا دكتور أن تقطف من الأقوال ما تشتهي نفسك وتشيح بطرفك عن سائرها.
ثانيًا: قال الإمام اللغوي المحدث السيد محمد مرتضى الزبيدي في تاج العروس في مادة [نسي] ما نصه [6]: “وقوله عز وجل: {ولقد عهدنا إلى ءادم من قبل فنسيَ} معناه أيضًا ترك لأن الناسي لا يؤاخذ بنسيانه” اهـ.
ثالثًا: قال الفراء في معاني القرءان ما نصه [7]: “قوله فنسي: ترك ما أمر به” اهـ.
رابعًا: قال ابن كثير في تفسير الآية ما نصه [8]: “قال مجاهد والحسن: ترك” اهـ.
خامسًا: قال الرازي في تفسيره ما نصه [9]: “وفي النسيان قولان أحدهما: المراد ما هو نقيض الذكر، وإنما عوتب على ترك التحفظ والمبالغة في الضبط حتى تولد منه النسيان، وكان الحسن رحمه الله يقول: والله ما عصى قط إلا بنسيان، والثاني: أن المراد بالنسيان الترك وأنه ترك ما عهد إليه من الاحتراز عن الشجرة وأكل ثمرتها” اهـ.
أما قول البوطي: “وجنح الرازي في تفسيره إلى ما ذكره ابن عباس وروي عن الحسن البصري قوله والله ما عصى ءادم قط إلا بالنسيان” اهـ.
فالجواب: أولاً: إن الرازي لم ينقل قول ابن عباس الذي ذكره القرطبي عنه.
ثانيًا: قوله: “جنح” الواقع لم يجنح حيث قال الرازي كلامًا كثيرًا يدافع فيه عن القول بأنه نسي بمعنى ترك وإن المعصية حقيقية وليست لغيوة كما قال البوطي. يقول الرازي ما نصه [10]: “وذلك يدل على أن لفظ العصيان لا يجوز إطلاقه إلا عند تحقق الإيجاب، لكنا أجمعنا أن الإيجاب من الله تعالى يقتضي الوجوب فيلزم أن يكون إطلاق لفظ العصيان على ءادم عليه السلام إنما كان لكونه تاركًا للواجب” اهـ. وقال الشيخ محمد الحامد رحمه الله في كتاب ردود على أباطيل ما نصه [11]: “والإمام فخر الدين الرازي لم يسلم بأن الأكل من الشجرة كان عن النسيان بمعنى السهو فهو إذًا موافق للقرطبي في اعتماده معنى الترك، وإليك كلام الفخر الرازي في كتابه عصمة الأنبياء: لا نسلم أنه ارتكبه ناسيًا والدليل عليه قوله تعالى أي فيما حكاه عن إبليس: {ما نهاكُما ربُّكُما عن هذهِ الشجرةِ إلا أن تكونا مَلَكَيْنِ أو تكونا مِنَ الخالدينَ} [سورة الأعراف/20]، وقوله تعالى: {وقاسَمَهُما إنِّي لكُما لمِنَ الناصحين} [سورة الأعراف/21]، وكل ذلك يدل على أنه ما نسي النهي حال الإقدام على ذلك الفعل، وأيضًا فلو أنه كان ناسيًا لما عوتب على ذلك الفعل ولما سمي بالعاصي فحيث عوتب عليه دل على أنه ما كان ناسيًا” اهـ.
ثالثًا: إن كلام الحين يفيد أن ءادم عصى وهو المراد من البحث.
ثم يقول البوطي في كتابه “الإنسان مسير أم مخير” [ص/132]: “فإذا ثبت أن أكل ءادم من الشجرة تصرف إلزامي لا اختيار له فيه لأنه لم يصدر منه إلا نتيجة نسيان كما نصت الآية، فقد ثبت إذن أنه لم يكن مؤاخذًا فيه ولم يكن عليه أي لوم فيما صدر منه، إذ مما لا نعلم خلافًا فيه أن حال النسيان خارجة عن الوسع”اهـ.
نقول: لماذا هذا التكلف والتعسف في مثل هذا الإخراج الواهي ألم يقرأ البوطي قوله تعالى: {وعصى ءادمُ ربه}، وقوله بعد ذلك: {فغوى}، وقوله: {فتابَ عليه}، وقوله: {فتكونا من الظالمين}، وقولهما: {ظلمنا أنفسنا} فبعد ثبوت المعصية والظلم والغواية ثم التوبة عليهما فبعد كل ذلك يعتبر أن الأمر مجرد نسيان. وليس الأمر في قوله تعالى: {ولا تقربا هذهِ الشجرةَ فتكونا مِنَ الظالمين} [سورة البقرة/35] للندب، نعم قد يكون الأمر في القرءان والسنة للندب وليس للوجوب، ولكن هنا هل يكون الأمر ندبًا بعد قوله: {فتكونا من الظالمين}، فهل من ترك مندوبًا يكون ظالمًا!؟
ثم يعتبر البوطي في المصدر ذاته [ص/135] أن المعصية في قوله تعالى: {وعصى ءادم ربه فغوى} هي معصية لغوية.
الرد: أولاً: إن كنت ناقلاً فالصحة، أو مدعيًا فالدليل، فإذا اعتبرت أن المعصية هنا لغوية فماذا تعتبر الغواية في قوله: {فغوى} فهل تعتبرها غواية لغوية، وماذا تعتبر قوله تعالى: {فتكونا من الظالمين} فهل هو ظلم لغوي، وماذا تعتبر قوله تعالى: {فتاب عليه} فهل تعتبرها توبة لغوية.
لا أدري لماذا هذا التصلف وابتداع أشياء لم يسبق إليها هذا الرجل.
ثم إن البوطي يقسم الأمر إلى تكليفي وءاخر إرشادي ويعتبر أن معصية ءادم لأمرٍ إرشادي فيقول في المصدر ذاته [ص/136]: “ومثاله أن ينصح أحدنا صديقًا عزم على عقد نكاح ابنته على شابٍ فيقول له: أنصحك أن تسجل العقد الشرعي في المحكمة، فهذا أمر إرشادي لا علاقة له بالأحكام الدينية، أي فهو ليس أمرًا تكليفيًا، ولنفرض أن صديقنا هذا خالف هذه النصيحة” إلى أن يقول: “إن مخالفته هذه تسمى بدون ريب عصيانًا” اهـ.
الرد: قال الرازي في تفسيره ما نصه [12]: “والأمر قد يكون بالواجب والندب، فإنهم يقولون: أشرت عليه في أمر ولده في كذا فعصاني، وأمرته بشرب الدواء فعصاني، وإذا كان الأمر كذلك لم يمتنع إطلاق اسم العصيان على ءادم لا لكونه تاركًا الواجب بل لكونه تاركًا المندوب. فأجاب المستدل عن هذا الاعتراض بأنا بيّنا أن ظاهر القرءان يدل على أن العاصي مستحق للعقاب، والعُرف يدل على أنه اسم ذم فوجب تخصيص اسم العاصي بتارك الواجب، ولأنه لو كان تارك المندوب عاصيًا لوجب وصف الأنبياء بأسرهم بأنهم عصاة في كل حال لأنهم لا ينفكون من ترك المندوب. فإن قيل: وصف تارك المندوب بانه عاصٍ مجازٌ والمجاز لا يطرد، قلنا: لما سلمت كونه مجازًا فالأصل عدمه. وأما قوله أشرت عليه في أمر ولده في كذا فعصاني، وأمرته بشرب الدواء فعصاني قلنا: لا نسلم أن هذا الاستعمال مروي عن العرب” اهـ.
ثم قال البوطي في المصدر ذاته [ص/137]: “والجواب عن هذا الإشكال أن إخبار الله عن توبته على ءادم إنما هو من قبيل المشاكلة التي اقتضتها بلاغة المناسبة مع ندم ءادم وزوجته على ما بدر منهما من مخالفة أمر الله الإرشادي، والذي عبر عنه بيان الله عز وجل بقوله: {قالا ربَّنا ظلَمنا أنفُسنا وإن لم تَغفِرْ لنا وترحمنا لنَكونَنَّ مِنَ الخاسرين} [سورة الأعراف/23]” اهـ، إلى أن يقول: “والمشاكلة لون من أبرز ألوان المجاز البليغ الذي يفيض به كتاب الله عز وجل من مثل قوله عز وجل: {ومَكروا ومكرَ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرين} [سورة ءال عمران/54]، وقوله سبحانه وتعالى: {وإذا لقُوا الذينَ ءامنوا قالوا ءامنَّا وإذا خَلَوا إلى شياطينِهم قالوا إنَّا معكم إنَّما نحنُ مُستهزءون* اللهُ يستهزئُ بهم ويمدُّهُم في طُغيانِهم يَعْمَهون} [سورة البقرة/14-15]” اهـ.
الرد: الآية الأولى: {قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا} لا خلاف بين المفسرين أنها محكمة.
وأما الآية: {ومكلوا ومكر الله} فإنها ءاية متشابهة تُحمل أو تأول على ما يليق بالله تعالى وتنزيهه عن صفات المخلوقين، فقد قال أهل العلم في تأويلها إن الله يجازي الماكرين على مكرهم.
فالعجب العجاب كيف يقيس البوطي المحكم على المتشابه من أجل أن يقيم فكرة واهية بمقاييس هاوية.
وليعلم البوطي أنه جاء في الفتاوى الهندية [13] نص في باب الردة أنه لو قال: “لم يعصوا –أي الأنبياء- حال النبوة ولا قبلها كفر لأنه رد المنصوص”.
ثم اعلم أنه لم يحتج سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام بالقدر إلا بعد أن تاب فقد أخبر الله تعالى عنه أنه قال: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين}، وقال في حقه: {ثمَّ اجتباهُ ربُّهُ فتابَ عليهِ وهدى}، فالمذموم إنما هو احتجاج العاصي بالقدر مع الإصرار على الذنب.
الهوامش:
[1] فتح الباري [11/509].
[2] زاد المسير [5/328].
[3] روح المعاني [6/269].
[4] تفسير الطبري [16/160].
[5] تفسير القرطبي [11/251].
[6] تاج العروس [10/366].
[7] معاني القرءان [2/193].
[8] تفسير ابن كثير [3/146].
[9] تفسير الرازي [22/124].
[10] تفسير الرازي [22/128].
[11] ردود على أباطيل [1/304].
[12] تفسير الرازي [22/127].
[13] الفتاوى الهندية [2/263].
البوطي
يمتدح رأس التطرف في القرن العشرين سيد قطب ويمتدح تفسيره المسمى في ظلال القرءان، المحشو بالانحراف وينصح القراء بقراءة كتبه
يقول البوطي في كتابه “من روائع القرءان” [ص/162]: “أما سيد قطب رجمه الله فقد عالج نواحي خاصة في إعجاز القرءان فأبدع فيها وأجاد، ومن خير ءاثاره في ذلك التصوير الفني في القرءان، ومشاهد يوم القيامة في القرءان، هذا إلى جانب تفسيره العظيم في ظلال القرءان”اهـ.
ويقول في [ص/170] من المصدر ذاته ممتدحًا سيد قطب: “ورأيت الكتاب والإنسان الكبير سيد قطب رحمه الله” اهـ.
وفي هذا الكتاب وفي أكثر من موضع يطلب البوطي من القراء مراجعة كتب سيد قطب.
الرد: إن البوطي مفتون برأس التطرف في القرن العشرين سيد قطب ولذلك هو متأثر ببعض عباراته حيث يسمي الله تعالى [بالريشة] اقتداءً بسيد قطب، لأنه لم يسبق سيد قطب أحدٌ في مثل هذه التعابير الفاسدة. ثم ألم يشاهد البوطي بذور التطرف التي بذرها سيد قطب وأتباعه في العالمَين العربي والإسلامي ولا سيما في سورية، فشلالات الدماء التي سالت في سورية من سببها أليس سيد قطب هو إمامهم بلا منازع وكتبه هي قوانينهم ونواميسهم وقواميسهم.
ثم اعلم أيها القارئ أنه اتفق السلف والخلف على أن العلم الديني لا يؤخذ بالمطالعة من الكتب، بل بالتعلم من عارف ثقة أخذ عن مثله إلى الصحابة، قال الحافظ أبو بكر البغدادي: “لا يؤخذ العلم إلا من أفواه العلماء”، وقال بعض السلف: الذي يأخذ الحديث من الكتب يسمى صحفيًا، والذي يأخذ القرءان من المصحف يسمى مصحفيًا ولا يسمى قارئًا، وهذا مأخوذ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين” رواه الطبراني [1].
ومن هؤلاء “سيد قطب” فإنه لم يسبق له أن جثا بين يدي العلماء للتعلم، ولا قرأ عليهم ولا شم رائحة العلم، فقد كان في أول أمره صحفيًا ماركسيًا، ثم انخرط بعد ذلك في حزب الإخوان فصدّروه، فأقدم على التأليف فزلّ وضلّ، ومن وقف على كتبه وكان من أهل الفهم والتمييز وجدها محشوة بالفتاوى التي ما أنزل الله بها من سلطان، وعلم أنها تنادي بجهله وهي كثيرة جدًا منها:
أنه يسمي الله بالريشة المعجزة، وبالريشة الخالقة والمبدعة وذلك في مواضع عدة من كتابه: “التصوير الفني في القرءان” وغيره، ويسمي الله بالعقل المدبر في تفسير سورة النبأ، وهذا مما لا يخفى أنه إلحاد قال تعالى: {وللهِ الأسماءُ الحُسنى فادعُوهُ بها وذَروا الذينَ يُلْحِدونَ في أسمائِهِ} [سورة الأعراف/180]، وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة: “ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر”.
ويعبّر سيد قطب في كثير من المواضع في كتابه المسمى “في ظلال القرءان” عن الآيات القرءانية بأنها قطعة موسيقية لها أداء وإيقاع، ولها موسيقى متموجة عريضة، ونحو ذلك.
ثم إنه يقرر في كتابه المسمى: “في ظلال القرءان” أنه لا وجود للمسلمين على الأرض طالما يحكم الحكام بغير الشرع ولو في مسائل صغيرة، يذكر ذلك في المجلد الأول الصحيفة [590] فيقول: “فليس هناك دين للناس إذا لم يتلقوا في شئون حياتهم كلها من الله وحده، وليس هناك إسلام إذا هم تلقوا في أي أمر من هذه الأمور جلّ أو حقر من مصدر ءاخر، إنما يكون الشرك أو الكفر وتكون الجاهلية التي جاء الإسلام ليقتلع جذورها من حياة الناس” اهـ. ثم يكفّر كل من حكم بغير الشرع على الإطلاق ولو في مسئلة صغيرة من غير تفصيل مفسرًا قوله تعالى: {ومَن لَّمْ يَحْكُم بما أنزلَ اللهُ فأولئكَ همُ الكافرون} [سورة المائدة/44] على ظاهره، جاهلاً أو مكابرًا أن السلف ومن بعدهم أوّلوا هذه الآية كما ثبت ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القراء، والبراء بن عازب رضي الله عنه، ذكر القرطبي في كتابه” “الجامع لأحكام القرءان” [2] في تفسير هذه الآية ما نصه: “نزلت كلها في الكفار، ثبت ذلك في صحيح مسلم [3] من حديث البراء، وعلى هذا المعظم، فأما المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة، وقيل: فيه إضمار، أي ومن لم يحكم بما أنزل الله ردًّا للقراءن وجحودًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر، قاله ابن عباس ومجاهد، فالآية عامة على هذا. قال ابن مسعود والحسن: هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار أي معتقدًا ذلك ومستحلاً له، فأما من فعل ذلم وهو معتقد أنه مرتكب محرَّم فهو من فساق المسلمين، وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، إلا أن الشعبي قال: هي في اليهود خاصة، واختاره النحاس، قال: ويدل على ذلك ثلاثة أشياء منها: أن اليهود قد ذُكروا قبل هذا في قوله: {للذين هادوا} [سورة المائدة/44] فعاد الضمير عليهم، ومنها/ أن سياق الكلام يدل على ذلك، ألا ترى أن بعد {وكتبنا عليهم} [سورة المائدة/45] فهذا الضمير لليهود بإجماع، وأيضًا فإنّ اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقصاص.
فإن قال قائل: “مَنْ” إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلا أن يقع دليل على تخصيصها، قيل له: “مَنْ” هنا بمعنى الذي مع ما ذكرناه مع الأدلة، والتقدير: واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، فهذا من أحسن ما قيل في هذا. ويروى أن حُذيفة سئل عن هذه الآيات أهي في بني إسرائيل؟ قال: نعم، هن فيهم. وقال طاووس وغيره: ليس بكفر ينقل عن الملة ولكنه كفر دون كفر، وهذا يختلف إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوًى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين، قال القُشيري: ومذهب الخوارج أن من ارتشى وحكم بغير حكم الله فهو كافر”. انتهى كلام القرطبي.
وذكر نحوه الخازن في تفسيره [4] وزاد عليه: “وقال مجاهد في هذه الآيات الثلاث: “من ترك الحكم بما أنزل الله ردًّا لكتاب الله فهو كافر، ظالم، فاسق. وقال عكرمة: ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به فقد كفر، ومن أقرَّ به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق. وهذا قول ابن عباس أيضًا. وقال طاووس: قلت لابن عباس: أكافر من لم يحكم بما أنزل الله؟ فقال: به كفر، وليس بكفر ينقل عن الملة كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ونحوُ هذا روي عن عطاء قال: هو كفر دون كفر” اهـ.
فقد حسم حبر الأمة عبد الله بن عباس الموضوع بتفسير موجز مفيد، فقد أخرج الحاكم وصححه [5] ووافقه الذهبي، واخرج البيهقي في سننه [6] وغيرهما عنه في الآيات الثلاث المذكورة أنه قال: “إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفرًا ينقل عن الملة، {ومَن لم يحكُمْ بما أنزلَ اللهُ فأولئكَ همُ الكافرون} كفر دون كفر” اهـ. ومعنى: “كفر دون كفر” أي ذنب كبير يشبه الكفر في الفظاعة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر” [7]، وقد وقع القتال بين المؤمنين منذ أيام علي رضي الله عنه ولا يزال يحدث إلى الآن قال تعالى: {وإن طائِفتانِ منَ المؤمنينَ اقتتلوا} [سورة الحجرات/9].
ثم إن كلام سيد قطب هو عين مذهب الخوارج القائلين بأن الظلم والفسق هو كفر يُخلد في النار، أيضًا إطلاق قوله بتكفير من حكم بغير الشرع من غير تفصيل فيه تكفير لكثير من الحكام الذين توالوا على الخلافة الإسلامية، سواء كانوا من بني أمية أو بني العباس أو بني عثمان، فإنهم حكموا بأن جعلوا الخلافة ملكًا يتوارثونه، وهذا يبطل دعوى سيد قطب في كتابه المسمى “في ظلال القرءان”، فهو أولاً يرد التأويل في هذه الآية وكأنه بلغ ما قج بلغه ترجمان القرءان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وغيره من الصحابة والتابعين، فهو لا يتردد في كتابه هذا عن إطلاق النكير على العلماء من السلف والخلف، فهو يقول في المجلد الثاني/898 منه ما نصه: “والتأويل والتأول في مثل هذا الحكم لا يعني إلا محاولة تحريف الكلم عن مواضعه”، فقد أداه جهله إلى هذا الاتهام الباطل لعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وسعيد بن جبير والحسن البصري وغيرهم من السلف والخلف، إلى أن جعلهم محرفين لكتاب الله كما فقعلت علماء اليهود.
والعجب أن هذا الكتاب يروج ويباع في البلاد الإسلامية وهو لم يدع فردًا من البشرية إلا وقد رماه بالردة حتى المؤذنين في المشارق والمغارب لأنهم لم يثروروا على رؤسائهم الذين يحكمون بغير الشرع فيقول في المجلد الثاني/1057 ما نصه: “فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم…”، ثم يقول: “إلا أن البشرية عادت إلى الجاعلية وارتدت عن لا إله إلا الله، فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية ولم تَعُدْ توحد الله، وتخلص له الولاء…”، ثم يتابع فيقول: “البشرية بجملتها بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله بلا مدلول ولا واقع، وهؤلاء أثقل إثمًا وأشد عذابًا يوم القيامة لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد”. اهـ.
ثم يذكر سيد قطب في المجلد الثاني/841 أن من حكم ولو في مسئلة جزئية بغير الشرع فهو خارج عن الدين، وبعدها في صحيفة/940 يذكر أن الذين يقولون إنهم مسلمون ولا يقيمون ما أُنزل إليهم من ربهم هم كأهل الكتاب هؤلاء ليسوا على شئ كذلك. ثم يكفّر من يحكم بغير الشرع إطلاقًا ولو في قضية واحدة في المجلد الثاني/972 فيقول: “والإسلام منهج للحياة كلها من اتبعه كله فهو مؤمن وفي دين الله، ومن اتبع غيره ولو في حكم واحد فقد رفض الإيمان واعتدى على ألوهية الله وخرج من دين الله مهما أعلن أنه يحترم العقيدة وأنه مسلم”، ويذكر نحو ذلك في المجلد الثاني/1018، وزاد في الجرأة إلى أن ذكر في المجلد الثالث/1198: “أن من أطاع بشرًا في شريعة من عند نفسه ولو في جزئية صغيرة فإنما هو مشرك وإن كان في الأصل مسلمًا، ثم فعلها فإنما خرج بها من الإسلام إلى الشرك أيضًا مهما بقي بعد ذلك يقول: أشهد أن لا إله إلا الله بلسانه” اهـ، ثم يطلق القول بعد ذلك في المجلد الثالث/1257 بأن: “الإسلام اليوم متوقف عن الوجود مجرد الوجود”، وقال في نفس الصحيفة بأننا في: “مجتمع جاهلي مشرك”. ويقرر في المجلد الرابع/1945 أن البشرية اليوم بجملتها مرتدة إلى جاهلية شاملة فيقول: “إن رؤية واقع البشرية على هذا النحو الواضح تؤكد لنا أن البشرية اليوم بجملتها قد ارتدت إلى جاهلية شاملة” اهـ.
والعجب من أن أتباعه والمنادين برأيه المكفرين لمن حكم بالقانون ولو في جزئية صغيرة، قسم منهم يشتغلون بالمحاماة، وقسم ءاخر يتعاملون بالقانون كمعاملات الباسبور والفيزا ونقل الكفالة وحجرهم مؤلفاتهم أو مطبوعاتهم على غيرهم أن يطبعوها إلا بإذنهم، ويعتقدون أن من فعل ذلك يحاكم قانونًا، وكفاهم هذا خزيًا وتهافتًا ومناقضة لانفسهم، فعلى مؤدى كلام زعيمهم كفروا وهم لا يشعرون، وهم على موجب نصه هذا قسم منهم عبّاد لبعض الحكومات وقسم منهم عباد لسائر الدول التي يعيشون فيها.
فمن حقق في أمر هذا الرجل عرف أنه ليس له سلف إلا طائفة من الخوارج يقال لهم البيهسية منفردين عن سائر فرق الخوارج بقولهم: إن الملك إذا حكم بغير الشرع صار كافرًا ورعاياه كفار من تابعه ومن لم يتابعه، وسيد قطب كأنه أعاد دعوة عقيدة تلك الفرقة الخارجية التي هي من أشدهم في تكفير المسلمين، وكفاه ذلك خزيًا وضلالاً، لأن الرسول قال في الخوارج: “يخرج قوم حدثاه الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية، يقرءون القرءان لا يجاوز حناجرهم، يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم”، قال عليه السلام: “لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد” رواه البخاري [8].
ويقرر سيد قطب أيضًا في المجلد الثالث/1449-1450 و1451 أن على المُسَمَّيْنَ “بالجماعة الإسلامية” انتزاع زمام الحكم من الحكام، والقضاء على نُظمهم، والثورة وإحداث الانقلابات في الدول.
ويقرر في المجلد الرابع/2012 أن الاشتغال بالفقه الآن بوصفه عملاً للإسلام فهو مضيعة للعمر والأجر أيضًا طالما الناس في جاهلية يعبدون حكامهم. ويذكر في المجلد الرابع/2122 أنه لا يوجد اليوم رئيس مسلم ولا رعية مسلمة ولا مجتمع مسلم، إنما هي على زعمه جاهلية شاملة فيقول: “إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي”، وكلامه هذا يؤدي إلى أن الدنيا كلها بما فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة ليست دار إسلام بل دار حرب. ثم يخالف جميع علماء الإسلام في تفسير قول الله تعالى: {وهو معكم أينَ ما كُنتم} [سورة الحديد/4] فيقول: “هي كلمة على الحقيقة لا على الكناية والمجاز، فالله سبحانه مع كل أحد، ومع كل شئ، في كل وقت وفي كل مكان” المجلد[6/3481]، جعل الله منتشرًا في العالم وهذا كفر، وقوله: “في كل مكان” هذا لم يقله أحد من السلف، إنما قاله جهم بن صفوان الذي قُتل على الزندقة في ءاخر أيام الأمويين، ثم تبعه جهلة المتصوفة من غير فهم للمعنى الذين كان يريده جهم [9]، فكل علماء الإسلام اتفقوا على أن معنى قوله تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم} إحاطة علمه تعالى بكل الخلق.
ويذكر سيد قطب في كتابه المسمى: “معالم في الطريق” [10] ص/5-6 أن وجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة، وفي ص/8 من الكتاب المذكور يقول: “إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية”، وفي ص/17-18 يقول: نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم”.
ثم لم يكتف بذلك بل أداه جهله ووقاحته إلى القدخ والذم بسيدنا موسى عليه السلام فقال في كتابه المسمى: “التصوير الفني في القرءان” ص/162 ما نصه: “لنأخذ موسى، إنه نموذج للزعيم المندفع العصبي المزاج”، ويقول في الصحيفة التالية: “فلندعه هنا لنلتقي به في فترة ثانية من حياته بعد عشر سنوات، فلعله قد هدأ وصار رجلاً هادئ الطبع حليم النفس، كلا…”، ويتهم سيدنا يوسف في الصحيفة 166 بأنه كاد يضعف أمام امرأة العزيز، ويرمي سيدنا إبراهيم عليه السلام بالشك فيقول في الصحيفة/133 ما نصه: “وإبراهيم تبدأ قصته فتى ينظر في السماء فيرى نجمًا فيظنه إلهه، فإذا أفل قال: لا أحب الآفلين، ثم ينظر مرة أخرى فيرى القمر فيظنه ربه ولكنه يأفل كذلك فيتركه ويمضي، ثم ينظر إلى الشمس فيعجبه كبرها ويظنها ولا شك إلهًا ولكنها تُخلِّفُ ظنه هي الأخرى”اهـ. فهذا الكلام مناقض لعقيدة الإسلام التي تنص على أن الأنبياء تجب لهم العصمة من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها، وقول إبراهيم عن الكوكب حين رءاه: {هذا ربي} هو على تقدير الاستفهام الإنكاري، فكأنه يقول: أهذا ربي كما تزعمون، ثم لما غاب قال: {لا أحب الآفلين} [سورة الأنعام/76]، أي لا يصلح أن يكون هذا ربًّا، فكيف تعتقدون ذلك؟ ولما لم يفهموا مقصوده بل بقوا على ما كانوا عليه قال حينما رأى القمر مثل ذلك، فلما لم يجد منهم بغيته أظهر لهم أنه برئ من عبادته وأنه لا يصلح للربوبية، ثم لما ظهرت الشمس قال مثل ذلك، فلم يرّ منهم بغيته فأيس منهم فأظهر براءته من ذلك، وأما هو في حد ذاته كان يعلم قبل ذلك أن الربوبية لا تكون إلا لله بدليل قوله تعالى: {ولقد ءاتينا إبراهيمَ رُشدهُ مِن قبل} [سورة الأنبياء/51].
فتخلص من هذا أنه طعن في مفسري علماء المسلمين سلفهم وخلفهم، وهذا فتح باب للمروق من الدين لا يعلم مبلغ خطره إلا الله، فليحذره المسلمون وليشفقوا على دينهم من هذا الخطر، فإنه صار قدوة للطعن في سلف الأمة وخلفها، ودعوة للخروج الذي خرجته الخوارج فإنها فهمت قول الله تعالى: {إنِ الحُكمُ إلا للهِ} [سورة الأنعام/57] على خلاف المراد به، فتجرأت على تكفير سيدنا علي ومَن والاه، حتى بلغت إلى تكفير كل من ارتكب معصيرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والعجب من هذا الرجل كيف خفي عليه قوله تعالى: {وجاعِلُ الذين اتَّبَعُوكَ فوقَ الذينَ كفروا إلى يومِ القيامة} [سورة ءال عمران/55]، فإن هذه الآية دليل قرءاني على بقاء هذه الأمة المحمدية على دينها إلى يوم القيامة، لان أمة محمد هم الذين اتبعوا عيسى بعد انقراض من اتبعه على الحقيقة بالإيمان والإسلام والتوحيد، فكيف غفل هذا الرجل عن فهم هذه الآية واتبع توهمه الذي تخيله من أن الأمة المحمدية عاشت على الإسلام المائة الأولى، وأن ما بعد ذلك جاهلية؟ وكيف غفل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”؟ وكيف غفل عن قوله عليه السلام: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة”؟؟ الحديث الأول رواه أبو داود [11]، والثاني رواه الحاكم في المستدرك [12].
أما ءان لكم أيها المغترون به أن تُفيقوا من سُبات الغفلة إلى اليقظة، وأنتم يا أيها المتعصبون لهذا الرجل اتقوا الله وارجعوا عن منهجكم هذا حتى تكونوا مع جمهور الأمة، ومَنْ شذَّ شذَّ في النار، والله نسأل أن يعصمنا عن مثل هذا الزلل.
فبعد هذا البيان كيف تجرأت يا دكتور على وصف سيد قطب بالكاتب والإنسان الكبير وتمتدح تفسيره [13] بل وتترحم عليه.
الهوامش:
[1] المعجم الكبير [19/395].
[2] الجامع لأحكام القرءان [6/190-191].
[3] صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب رجم اليهود أهل الذمة…الخ.
[4] تفسير الخازن [1/467-468].
[5] المستدرك [2/313].
[6] سنن البيهقي [8/20].
[7] مسند أحمد [1/439].
[8] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأنبياء: باب قول الله تعالى: {وإلى عادٍ أخاهُمْ هودًا}.
[9] جهم كان يقول هذه العبارة، وكان يريد معناها الحقيقي وهو الانتشار، وجهلة المتصوفة يريدون السيطرة على كل مكان، وقد نسب هذا القول إلى جهلة الصوفية إسماعيل حقي النازلي في تفسيره “روح البيان” وهو من الصوفية، فليعلم هؤلاء في أيّ واد يعيشون.
[10] طبعة دار الشروق- بيروت.
[11] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الملاحم: باب ما يذكر في قرن المائة.
[12] المستدرك [4/449].
[13] اعتمدنا في نقلنا من الكتاب المسمى “في ظلال القرءان” على طبعة دار الشروق-بيروت.
البوطي يرى أن المرتد لا يقتل إلا إذا أعلن الحرب على المسلمين ويتخبط في مسئلة سلمان رشدي
يقول في كتابه المسمى “الجهاد في الإسلام” [ص/211]: “إن علة الحكم بقتل المرتد هي الحرابة أيضًا لا الكفر” اهـ، ويقول في [ص/212] في المصدر نفسه: “والجواب إن التبس المسلم بالردة حالتين بينه وبين نفسه ويمسك عن إعلانها والإشارة بين الناس فهذا يظل مكلوءًا في حرز حصين من مبدإ {لا إكراهَ في الدين} ذلك لأن حالته هذه لا تنم عن أي معنى من معاني الحرابة يواجه بها المسلمين ومن ثم فشأنه كشأن الكافر الأصلي. والثانية أن يستعلن بردته عن الإسلام وينافح عن أفكاره المناقضة لما كان عليه من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ويصر على ذلك إصراره، فشأن هذا الإنسان يختلف عن سابقه اختلافًا كبيرًا وعزم الحرابة في نفسه واضح إلى درجة القطع واليقين، وهل في أنواع الحرابة ما هو أشد وأخطر من الكيد للإسلام والمسلمين عن طريق بث عوامل الزيغ والسعي إلى تشكيك الناس بعقائدهم ومبادئهم الإسلامية” اهـ.
وفي إحدى المراسلات التي جرت بيننا وبينه كتب البوطي بخط يده يقول: “راجعنا فلم نجد من قال إن شهادة اثنين بكفر فلان من الناس يقوم في القضاء مقام سماع موجب الكفر منه مباشرة، ومن ثم تكفي تلك الشهادة للحكم عليه بالردة وملاحقته بتنفيذ الحكم الذي تستوجبه الردة… نعم إن شهادة واحد أو اثنين أمام القضاء تستوجب التحري والتحقيق المباشر، فمن هم الذين قالوا إن للقاضي أن يحكم بردة فلان من الناس اعتمادًا على شهادة رجلين دون استدعائه والسماع منه” اهـ.
الجواب: نأمل منك يا دكتور ألا تظن لحظة أنك إن لم تكن على اطلاع على مسئلة أنها لا توجد أو أنه لا أثر لها، ومن المعلوم عند العلماء أن عدم العلم ليس بدليل، ومن علم حجة على من لم يعلم، والأحكام الشرعية لا تبنى على النحو الذي ذهبت إليه من غير تحقيق وتدقيق. وإليك إن كنت لا تعلم فلتعلم الآن لئلا تعود إلى ما ذكرت:
وكنا قد أفردنا هذا البحث على حِدَة لمناسبة أخرى ونعيده هنا تتميمًا للفائدة.
قال الدردير المالكي صاحب الشرح الكبير ما نصه [1]: “تثبت الردة أمام القضاء بشهادة ردلين مسلمين عدلين وبهذا قال الحنابلة ومالك والأوزاعي والشافعي والحنفية، وقال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا خالف في هذا إلا الحسن قال لا يقبل في إثبات الردة إلا أربعة شهود قياسًا على الزنى، ولكن يرد على الحسن أن الشهادة على الردة شهادة في غير الزنى فتقبل من عدلين كالشهادة على السرقة” اهـ.
ثم لمزيد من التحري عن الدليل اعلم أن ابن قدامة قال في المغني ما نصه: “وتقبل الشهادة على الردة من عدلين في قول أكثر أهل العلم، وبه يقول مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، قال ابن المنذر ولا نعلم أحدًا خالفهم إلا الحسن قال لا يقبل في الردة إلا أربعة لأنها شهادة بما يوجب القتل فلم يقبل فيها إلا أربعة قياسًا على الزنى”، ثم قال ابن قدامة: “ولنا –أي الحنابلة- إنها شهادة في غير الزنى فقبلت من عدلين كالشهادة على السرقة، ولا يصح قياسه على الزنى فإنه لم يعتبر فيه الأربعة لعلة القتل بدليل اعتبار ذلك في الزنى البكر ولا قتل فيه، وإنما العلة كونه الزنى، ولم يوجد ذلك في الردة. ثم الفرق بينهما أن القذف بالزنى يوجب ثمانين جلدة بخلاف القذف بالردة” اهـ.
وأما قولك يا دكتور: إن علة الحكم بقتل المرتد الحرابة أيضًا لا الكفر.
فنقول: من أين لك هذا وما دليلك وما هي حجتك، وكلامك هذا ظاهر البطلان مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: “من بدل دينه فاقتلوه” رواه البخاري [2]. فالرسول علق الحكم بالقتل بردة المرتد، وإن كان المرتد فردًا أو كانوا جمعًا لم يفرق الشرع بين الفرد أو الجماعة، وحرب أبي بكر للمرتدين لم يكن مهاجمة من المرتدين للمسلمين بل هو جيّش إليهم الجيش في معاقلهم وقتل من قتل واستسلم بالرجوع إلى الإسلام فهذه محاولة منك لإبطال حكم الردة.
ثم ماذا تقول في الحديث الصحيح المتفق عليه الذي رواه البخاري وغيره [3]: “لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة” فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل كفر مع حرابة، ثم بيّنا لك أنه انعقد الإجماع على أن الردة تقبت عند القاضي بشهود وعليه يقتل المرتد حتى ولو لم يكن هذا المرتد يجاهر بردته كما تزعم فماذا تقول بهذا الإجماع. ثم الآن اسمع إلى أقوال المذاهب الأربعة في هذا الموضوع ففي المغني لابن قدامة الحنبلي ما نصه [4]: “وروي أن معاذًا قدم على أبي موسى فوجد عنده رجلاً موثقًا فقال: ما هذا؟ قال: رجل كان يهوديًا فأسلم ثم راجع دينه دين السوء فتهود فقال: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات، فأمر به فقتل، متفق عليه، وبم يذكر استتابته ولأنه يقتل لكفره” اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [5]: “وقد وقع في حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له: “أيّما رجل ارتد عن الإسلام فادعُه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيُّما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها وإلا فاضرب عنقها”. وسنده حسن” اهـ.
ثم قال في الصحيفة التي قبلها [6] عازيًا إلى أبي طاهر المُخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري، عن أبيه قال: قيل لعلي: إن هنا قومًا على باب المسجد يدعون أنك ربهم، فدعاهم فقال لهم: ويلكم ما تقولون، قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا، فقال: ويلكم إنّما أنا عبد مثلكم ءاكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذّبني فاتقوا الله وارجعوا، فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال: أدخلهم، فقالوا كذلك، فلما كان الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة فأبوا إلا ذلك، فقال: يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخدّ لهم أخدودًا بين باب المسجد والقصر وقال: احفروا فابعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال:
إني إذا رأيتُ أمرًا منكرا *** أوقدت ناري ودعَوت قنبرا
وهذا دليل صريح على بطلان قول البوطي أن المرتد لا يُقتل إلا على وجه الحرابة لأن هؤلاء الذين قتلهم عليّ ما كانوا محاربين بل عبدوه من شدّة غلُوّهم وإطرائهم له في محبته.
ويؤيد ما ذكرنا ما رواه ابن حبان في صحيحه [7] عن عكرمة، أن عليًّا أتي بقوم قد ارتدوا عن الإسلام أو قال زنادقة معهم كتب فأمر بنارٍ فأُجّجت فألقاهم فيها بكتبهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال: أما أنا لو كنت لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تعذبوا بعذاب الله” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من بدّل دينه فاقتلوه”.
وموضع الشاهد قوله: “ولأنه يقتل لكفره” ولم يقل لحرابته.
ثم في المغني [8]: “[الفصل الرابع] إن لم يتب قُتل لما تقدم ذكره وهو قول عامة الفقهاء” اهـ.
ويقول النووي الشافعي في روضة الطالبين الباب الثاني في حكم الردة ما نصه [9]: “أحكامها كثير متفرقة في الأبواب المقصود هنا نفسه وولده وماله أما نفسه فمهددة فيجب قتله إن لم يتب” اهـ.
وقال صاحب جواهر الإكليل في شرح مختصر خليل المالكي ما نصه [10]: “واستتيب المرتد حرًّا أو عبدًا ذكرًا أو أنثى أي طلبت منه التوبة وجوبًا ثلاثة أيام متوالية لأن الله تعالى أخر قوم صالح صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام، وقال ابن القاسم: ثلاث مرات ولو في يوم بلا معاقبة بجوع ولا بعطش وبلا معاقبة بضرب ولا غيره وإن لم يتب، فإن تاب المرتد برجوعه للإسلام فلا يقتل وإلا أي إن لم يتب حتى تمَّت الأيام الثلاثة بغروب اليوم الثالث قتل” اهـ.
وقال ابن عابدين الحنفي في حاشيته المشهورة ما نصه [11]: “[ويحبس ثلاثة أيام إن استمهل، فإن أسلم وإلا قُتل] لحديث: “من بدل دينه فاقتلوه” [وإسلامه أن يتبرأ عن الأديان] سوى الإسلام [أو عما انتقل إليه] بعد النطق بالشهادتين، وتمامه في الفتح ولو أتى بهما على وجه العادة لم ينفعه ما لم يتبرأ [وكره] تنزيهًا لما مرّ [قتله قبل العرض بلا ضمان] لأن الكفر مبيح للدم” اهـ.
فبعد سرد هذه الأقوال من المذاهب الأربعة قل لنا يا دكتور أين كلمة الحرابة، فهذه الأقوال كلها مدعمة بالأدلة تثبت أن قتل المرتد بسبب الكفر وليس بسبب الحرابة المزعومة عندك. ومن أين لك أن تقسم المرتد إلى قسمين قسم يقتل وقسم لا يقتل بحسب أوهامك.
وإذا أردت أيها القارئ أن تأخذ نموذجًا مما انطوت عليه سريرة البوطي في هذا الشأن في ادعائه بعدم قتل المرتد إن لم يظهر حربًا على المسلمين فاسمع إليه حيث يقول في كتابه “هذه مشكلاتهم” [ص/146] حيث يدعو إلى احترام الكفر وإلى عدم قتل المرتد إذا لم يظهر حربًا على المسلمين ونص عبارته: “لو كان الذي كتبه سليمان رشدي وجهة نظر علمية أو فكرية عبّر عنها بما يدل قناعة داخلية لديه بشأنها لكنا أول من يحترم عمله سواء وافقناه وجهة نظره أم لا” اهـ.
ثم اسمع إليه يقول في [ص/147] من ذات المصدر ما نصه: “ولو كان الذي كتبه رشدي إعلانًا بأنه لم يستطع أن يصل إلى قناعة بالإسلام ومبادئه، ومن ثم فهو يريد أن يمارس حريته في الإعراض عنه إلى أي معتقد ءاخر يفضله لفسحنا أمامه الطريق عريضًا إلى كل ما يبتغيه خاضعين لقرار الله عز وجل: {لا إكراهَ في الدينِ وقد تبيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيّ} ولقوله تعالى: {وقُلِ الحقُّ من ربكم فمن شاءَ فليُؤمن ومن شاءَ فليكفر}، وكل ما يمكن أن نضيفه إلى ذلك هو فتح باب حوار معه بالحكمة والموعظة الحسنة من خلال الأدلة العلمية والبراهين المنطقية المجردة لا نزيد على ذلك شيئًا ما دام أن الرجل لا يبتغي أكثر من ممارسة حريته ولا يشتط وراء ذلك إلى رسم أي كيد أو عدوان” اهـ.
إذًا فما معنى قولك في جريدة السفير بتاريخ الجمعة 15/11/96 [ص/8]: “الحكم بالردة على نصر حامد أبو زيد باطل ومن ثم التفريق بينه وبين زوجته أيضًا باطل، كذلك سلمان رشدي الذي صاغ هذه الرواية لا يجوز إطلاقًا أن نحكم عليه غيابيًا أيضًا وأن نهدر دمه” اهـ.
نقول: أنت كفرته بعد أن سقت أقواله المفزعة بحث الرسول وأزواجه وبحق الله حتى قلت صراحة في [ص/151] من كتاب “هذه مشكلاتهم”: “إن العالم الإسلامي لم يثر على كفر سلمان رشدي”، ثم قلت: “وإنما ثار العالم الإسلامي على كرامته التي هي كرامة كل فرد مسلم”.
أنت يا دكتور هدرت دم سلمان رشدي بحسب ضوابط الردة التي وضعتها وهي إعلانه الحرابة على المسلمين فلماذا هذا التناقض؟ فأنت تريد أن تحمل على فتوى رشدي ومن جهة أخرى تحكم عليه بالقتل بحسب ضوابطك.
ألم تعلم أنه قد ثبت أن أسمامة بن زيد قتل رجلاً قال لا إله إلا الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “كيف تقتله وقد قال لا إله إلا الله” فقال: قالها خوفًا من السيف فقال: “أشققت على قلبه” الحديث… فالنبي لم يقل له هل أعلن عليك الحرب حتى تقتله.
ثم ماذا تقول في الآية الكريمة: {تُقَاتِلونَهُم أو يُسْلِمون} [سورة الفتح/16]، وفي وصية النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرَّ أميرًا بالجهاد: “قاتلوا من كفر بالله” رواه مسلم [12]. وفي دليل صريح على أن سبب مشروعية القتال كفرهم.
ثم ماذا تقول في قوله تعالى: {قاتِلوا الذينَ لا يُؤمنونَ بالله} [سورة التوبة/29] فهذه في هذه الآية أدنى إشارة إلى اشتراط ما اجعيته من أن الحرابة هي سبب الجهاد، وأنه لا جهاد إلا مع الحرابة، وأن المرتد لا يقتل إلا إذا حارب؟! وكذا ما ورد في الحديث أن عيسى عليه السلام حين ينزل يضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام فيه أيضًا دليل على أن الجهاد المقصود الأصلي به إدخال الناس في الإسلام.
واعلم يا بوطي أن الآية السابق ذكرها نزلت في حروب الردة وأول الآية: {قُل للمُخَلَّفينَ مِنَ الأعرابِ سَتُدْعَوْنَ إلى قومٍ أُولِي بأسٍ شديدٍ تُقاتِلونهم أو يُسلِِمون} فقد نقل القرطبي [13] عن الزهري ومقاتل أنهم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة.
وقال رافع بن خديج: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى: {ستُدعَونَ إلى قومٍ أولي بأسٍ شديد} فلا نعلم من هم حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم، وقال القرطبي [14] في قوله تعالى: {تُقاتلونهم أو يُسلِمون}: “هذا حكم من لا تؤخذ منهم الجزية وهو معطوف على تقاتلونهم أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة وإما الإسلام”.
وأما استدلال البوطي بقوله تعالى: {لا إكراهَ في الدين} زاعمًا أن هذا معناه للإنسان حرية أن يعتقد ما شاء كما أفاد كلامه فهذا تحريف، إذ الآية معناها لا تُكرهوا أهل الكتاب بالقتال إن دفعوا الجزية، وقال بعض المفسرين: المعنى أنكم لا تستطيعون أن تُكرهوا قلوب الكفار وعليهم إكراه الظاهر بالقتال. وقال الإمام أبو منصور الماتريدي في شرح التأويلات: هذه الآية منسوخة بآيات الجهاد كآية: {أُذِنَ للذينَ يُقاتلونَ بأنَّهُم ظُلِموا} الآية [سورة الحج/39]، وقوله تعالى: {وقاتِلوهم حتى لا تكونَ فتنةٌ ويكونَ الدينُ للهِ} [سورة البقرة/193] وما أصرح الحديث المتواتر في أن الآية لا تعطي حرية الكفر والاعتقاد كما زعم البوطي وغيره من أهل هذا العصر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله”، الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما [15].
وأما قوله تعالى: {فمن شاءَ فليؤمن ومن شاءَ فليكفر} [سورة الكهف/29] فهو تهديد وليس إذنًا للناس في حرية الكفر بدليل وهو {إنَّا أعتدنا للكافرينَ نارًا أحاطَ بهم سُرادِقُها} [سورة الكهف/29]، والمعنى من ءامن فقد أحسن ومن كفر فهو مستحق للعذاب المقيم في النار، يُفهم ذلك من قوله تعالى في الآية {ومَن شاءَ فليكفُر إنَّا أعتَدنا للظالمينَ نارًا أحاطَ بهم سُرادِقُها} [سورة الكهف/29] معناه من كفر يقيم في جهنم في العذاب المستمر، وأن أهل النار محفوفون بالنار من كل الجوانب، فأي معنى للجهاد على زعمك لو كان لكل إنسان حرية الكفر والمعتقد كما زعمت.
ومعلوم أن لفظ الأمر قد يكون للتهديد لا لطلب الفعل، وقد ذكر الأصولييون أن لفظ الأمر يأتي بمعنى الخبر ويأتي بمعنى التهديد، ومثال الأمر قوله تعالى: {من كان في الضلالةِ فليَمْدُدْ لهُ الرحمنُ مَدًّا} [سورة مريم/75]، والمعنى يمدّ له. قضيت عمرك ولم تعلم ذلك، أم علمت فتعمدت تحريف كتاب الله، نطالبك بأن تجيب عن قول الله تعالى: {تُقاتلونهم أو يُسلمون} [سورة الفتح/16] ولم يقل حتى يتركوا المحاربة، فإنَّا نتحداك تحديًّا علنيًا على أنك لا تستطيع الجواب عن هذا جوابًا علميًا صحيحًا.
ثم كيف بنيت ما توهمته على اعتبار لفظ {لا إكراه في الدين} أنّ “لا” فيه للنفي، بل “لا” فيه للنهي أي لا تُكرهوا حتى يأتي الإذن بالإكراه.
حدق النظر حتى تفهم لعلك تفهم إذا حدقت النظر في هذه الجملة، حدق النظر في قوله تعالى: {ويكونَ الدينُ لله}.
الهوامش:
[1] أنظر الكتاب [2/304].
[2] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم: باب حكم المرتد والمرتدة.
[3] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الديات: باب قول الله تعالى: {أنَّ النفسَ بالنفس}.
[4] المغني [10/76].
[5] فتح الباري [12/272].
[6] فتح الباري [12/270].
[7] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [7/449].
[8] المغني [10/78].
[9] روضة الطالبين [10/759].
[10] جواهر الإكليل في شرح مختصر خليل [2/278].
[11] حاشية ابن عابدين [3/286].
[12] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الجهاد: باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث.
[13] الجامع لأحكام القرءان [16/272].
[14] المصدر السابق [16/273].
[15] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان: باب: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله.
البوطي يتخبط في مسئلة الشهادتين فتارة يشترط الاستغفار قبلهما وتارة يشترط لفظ أشهد لصحة الإسلام وتارة لا يشترط ذلك كله
قال البوطي في مجلة طبيبك عدد تشرين الثاني 1995 [ص/109] ما نصه: “ويعود إلى الإسلام إذا استغفر ونطق بالشهادتين” اهـ.
ويقول في عدد نيسان من مجلة طبيبك 1992 [ص/109] ما نصه: “فإذا لم يبادر إلى الاستغفار ولم يجدد إسلامه ومات على هذه الحالة مات كافرًا” اهـ.
ثم من أعجب ما تفرد به البوطي من الأمور المستقبحة والمستهجنة قوله في كتاب كبرى اليقينات [ص/368] ما نصه: “لذا فإنا نحكم بردة كل من سخر بشيء من أركان الإسلام أو شعائره البارزة ونكل باطنه إلى الله عز وجل إلا إذا صرح بما يكنه باطنه من الإيمان والإسلام والعقيدة المنافية لظاهر ما دلت عليه سخريته أو عبر عنه فعله، فيكون تعبيره هذا بمثابة التوبة عن الردة التي تلبس بها، وتقبل منه علانيته هذه، ويترك باطن حاله إلى الله عز وجل” اهـ.
الجواب: أولاً: إن تقديم الاستغفار على الشهادتين أمر لم يقل له أحد من أئمة السلف أو الخلف، بل لا تقال أصلاً قبل الشهادتين لأن قائلها كأنه يقول يا رب اغفر لي وأنا على الكفر وهذا تكذيب لقوله تعالى: {إنَّ الله لا يغفرُ أن يُشركَ به ويغفرُ ما دونَ ذلك لمن يشاء}، ولقوله تعالى: {إنَّ الذينَ كفروا وظلموا لم يكن اللهُ ليغفرَ لهم} [سورة النساء/168].
وكلامك هذا دليل على أنك لم تفهم الاستغفار المذكور في قوله تعالى حكاية عن نوح: {فقُلتُ استغفروا ربكم} [سورة نوح/10] حيث إن نوحًا خاطب قومه عُبّاد الأوثان بقوله: “{استغفروا ربكم} ولا يعني إلا اطلبوا المغفرة بترك الكفر والدخول في الإسلام.
وأي معنى للاستغفار اللفظي بقول: “أستغفر الله أو رب اغفر لي” قبل أن ينطق الكافر بالشهادتين.
ثانيًا: إن ادعاءه بأن شخصًا أتى بكفر في سخرية ثم عبر بما يخالفه فادعى البوطي بأن هذا التعبير يعتبرونه، وهذا الأمر لم يقله أحد من المسلمين عوامّهم فضلاً عن علمائهم لا السابقين ولا اللاحقين، بل لا يدخل في الإسلام إلا بالشهادتين.
ثالثًا: ها هو في كتابه كبرى اليقينات في [ص/239] يقول ما نصه: “ولا يكتفى في النطق بالشهادتين إلا أن يعبر بكلمة أشهد” اهـ.
نقول: هذا الشرط اشترطه بعض الشافعية وليس الأمر محل إجماع، بل لو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله كفاه على الصحيح.
فائدة مهمة: يجب على من وقعت منه ردة أن يعود فورًا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين والإقلاع عما وقعت به الردة، ولا يكفي ببدخول في الإسلام قول أستغفر الله بدل الشهادتين، ويدل على ذلك ما رواه ابن حبان [1] عن عمران بن حصين قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا محمد، عبد المطلب خير لقومه منك كان يطعمهم الكبد والسنام وأنت تنحرهم، فقال له ما شاء الله، فلما أراد أن ينصرف قال: ما أقول قال: “قل اللهم قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري”، فانطلق الرجل ولم يكن أسلم، وقال لرسول الله: إني أتيتك فقلت: علمني فقلت: قل اللهم قني شرّ نفسي واعزم لي على أرشد أمري، فما أقول الآن حين أسلمت قال: “قل اللهم قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري، اللهمّ اغفر لي ما أسررت وما أعلنت وما أخطأت وما عمدت وما جهلت”. والدليل فيه أن الرسول لما جاءه هذا الرجل كافرًا لم يأمره بالاستغفار باللسان لأنه لا ينفعه وهو على كفره، ثم لما جاءه وقد أسلم أمره بالاستغفار. وروى هذا الحديث أيضًا النسائي وأحمد [2] وعند النسائي ذكر اسم الرجل وهو حصين.
فتبين بهذا صحة أن المرتد إذا قال أستغفر الله قبل أن يتشهد لا يزداد إلا ذنبًا، لأن معناه اللهم اغفر لي وأنا كافر بك، وذلك مراغمة للدين فيكون ذلك منه زيادة كفر. واستغفار إبراهيم لأبيه الذي كان كافرًا وهو على كفره معناه أنه يطلب له من الله المغفرة بالدخول في الإسلام لأن الإسلام كفارة الكفر، قال الله تعالى: {قُلْ للذينَ كفروا إن ينتَهوا يُغْفَرْ لهم ما قد سَلَفَ} [سورة الأنفال/38]، وعلى ذلك يحمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لأستغفرن لك ما لم أنْهَ عنك” [3] أي ما لم يوح الله إليّ أنك تموت كافرًا.
فهذه المسئلة من المهمات لأن كثيرًا من الناس يقعون في الردة بسب الله أو غير ذلك ثم يقولون استغفر الله استغفر الله من دون أن يقولوا الشهادتين، وهؤلاء لا ينفعهم قول أستغفر الله بل يزيدهم كفرًا وهذا كثير في بعض البلاد، فلينبهوا وليعلموا الصواب، وإلى الله المرجع والمآب.
الهوامش:
[1] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [2/128].
[2] أخرجه أحمد في مسنده [4/444]، والنسائي في عمل اليوم والليلة [ص/547-549].
[3] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان: باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع وهو الغرغرة… إلخ، وأحمد في مسنده [5/433]ٍ، والحاكم في المستدرك [2/336].
البوطي يمتدح ويدافع عن ابن تيمية رأس المتطرفين والمجسمين في عصرنا
يقول البوطي في كتابه المسمى “الإسلام ملاذ كل المجتمعات الإنسانية” [ص/142]: “يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى وقدس سره”.
ويقول في كتاب السلفية [ص/158]: “ليس الهدف من عرض ما قد يؤخذ على ابن تيمية هنا تفسيقه أو تبديعه كما فعل بعض خصومه، وإنما القصد أن ننبه إلى خطإ ما وقع فيه ثم إلى التماس العذر له من خلال العثور على نصوص أخرى يناقض فيها نفسه في هذه النقاط التي أخذت عليه، إذ مقتضى منهج النقد الإسلامي في الحال حسن الظن بالباحث الذي لم يعرف عنه سوى الخير” اهـ.
الرد: لا ندري لماذا يحاول البوطي أن يخبئ أوزار ابن تيمية التي بلغت عنان السماء، ولا أدري لماذا يحاول البوطي أن ينكر أو يتجاهل تاريخ ابن تيمية الذي انتشرت فتاويه الباطلة في حق الله ورسوله وءال بيته وأهل الحق في كل زمان ومكان، ولا ندري لماذا يتوقف البوطي عند مؤلفات ابن تيمية فقط ويتغاضى عن مئات الأئمة الذين منهم من بدّعه ومنهم من كفّره ومنهم من فسّقه، فهل البوطي عنده من الورع والاحتياط في الدين أكثر من القاضي بدر الدين بن جماعة الشافعي والحافظ المجتهد تقي الدين السبكي والقاضي كمال الدين بن الزملكاني وأبي حيان الأندلسي والفقيه تاج الدين السبكي والفقيه الفخر بن المعلم القرشي والحافظ ابن حجر العسقلاني والحافظ ولي الدين العراقي وغيرهم. ألم يقرأ البوطي لهؤلاء ولا سيما أنّ منهم من عاصر ابن تيمية؟! ألم يعلم البوطي أن ابن تيمية نوظر وأُفحم وتراجع ثم عاد إلى غيه ثم تراجع وهكذا وكان حاله كحال الزنادقة حتى بقي على إظهار ضلاله، ألم يسجن غير مرة؟ ألم يمت في السجن؟ ألم يقرأ فتوى قضاة المذاهب الأربعة فيه ثم مرسوم السلطان محمد بن قلاوون فيه أيضًا.
لكن البوطي حاول أن يجد لكل ضلالة من ضلالاته كلامًا موافقًا بحسب الظاهر المتوهم، فلئن وجد هذا في مسئلة أو اثنين أو خمسة أو ستة فهل وجد لأكثر من ستين مسئلة خرق فيها الإجماع.
وسنبين للقارئ المنصف مدى خطر ابن تيمية على الإسلام والمسلمين وبذلك تظهر حقيقة من حقائق البوطي حيث سيظهر لكم جليًّا إما أنه خاض في أمر من غير معرفة سابقة، أو أنه يعلم الحقيقة فيظهر ما لا يبطن إرضاء لبعض الجهات التي اخترقته.
فنقول وبالله التوفيق:
قال المحدث الحافظ المؤرخ شمس الدين بن طولون في ذخائر القصر [1] ما نصه:
“ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع، فمنها ما خالف فيها الإجماع، ومنها ما خالف فيها الراجح من المذاهب، فمن ذلك: يمين الطلاق، قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه فيما كفارة يمين، ولم يقل قبله بالكفارة أحد من المسلمين البتة، ودام إفتاؤه بذلك زمانًا طويلاً وعظم الخطب، ووقع في تقليده جمّ غفير من العوام وعمّ البلاء. وأنّ طلاق الحائض لا يقع، وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته، وأن الطلاق الثلاث يردّ إلى واحدة، وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين في هذه المسألة على خلاف ذلك وأنّ من خالفه فقد كفر، ثم إنه أفتى بخلافه وأوقع خلقًا كثيرًا من الناس فيه. وأن الحائض تطوف في البيت من غير كفارة وهو مُباح بها، وأنّ المكوس حلال لمن أقطعها، وإذا أخذت من التجار أجزأتهم عن الزكاة وإن لم تكن باسم الزكاة ولا على رسمها، وأنّ المائعات لا تنجس بموت الفأرة ونحوها فيها، وأن الصلاة إذا تركت عمدًا لا يشرع قضاؤها، وأنّ الجنب يصلي تطوعه بالليل بالتيمم ولا يؤخره إلى أن يغتسل عند الفجر وإن كان بالبلد، وقد رأيت من يفعل ذلك ممّن قلّده فمنعته منه. وسئل عن رجل قدّم فراشًا لأمير فتجنب بالليل في السفر، ويخاف إن اغتسل عند الفجر أن يتهمه أستاذه بغلمانه فأفتاه بصلاة الصبح بالتيمم وهو قادر على الغسل. وسئل عن شرط الواقف فقال: غير معتبر بالكلية بل الوقف على الشافعية يصرف إلى الحنفية وعلى الفقهاء يصرف إلى الصوفية وبالعكس، وكان يفعل هكذا في مدرسته فيعطي منها الجند والعوام، ولا يحضر درسًا على اصطلاح الفقهاء وشرط الواقف بل يحضر فيه ميعادًا يوم الثلاثاء ويحضره العوام ويستغني بذلك عن الدرس. وسئل عن جواز بيع أمهات الأولاد فرجحه وأفتى به.
ومن المسائل المنفرد بها في الأصول مسألة الحسن والقبح التي يقول بها المعتزلة، فقال بها ونصرها وصنف فيها وجعلها دين الله بل ألزم كل ما يبنى عليه كالموازنة في الأعمال.
وأما مقالاته في أصول الدين فمنها قوله: إنّ الله سبحانه محل الحوادث، تعالى الله عمّا يقول علوًّا كبيرًا، وإنه مركب مفتقر إلى ذاته افتقار الكل إلى الجزء، وإنّ القرءان محدث في ذاته تعالى، وإنّ العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوقًا دائمًا، فجعله موجبًا بالذات لا فاعلاً بالاختيار، سبحانه ما أحلمه. ومنها قوله بالجسمية والجهة والانتقال وهو مردود.
وصرّح في بعض تصانيفه بأن الله تعالى بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر، تعالى الله عن ذلك.
وصنف جزءًا في أنّ علم الله لا يتعلق بما لا يتناهى كنعيم أهل الجنة، وأنه لا يحيط بالمتناهي، وهي التي زلق فيها بعضهم. ومنها أن الأنبياء غير معصومين، وأنّ نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام ليس له جاه ولا يتوسل له أحد إلا ويكون مخطئًا، وصنف في ذلك عدة أوراق. وأنّ إنشاء السفر لزيارة نبينا صلى الله عليه وسلم معصية لا يقصر فيها الصلاة، وبالغ في ذلك ولم يقل بها أحد من المسلمين قبله.
وأنّ عذاب أهل النار ينقطع ولا يتأبد حكاه بعض الفقهاء عن تصانيفه.
ومن أفراده أيضًا أن التوراة والإنجيل لم تبدل ألفاظهما بل هي باقية على ما أنزلت وإنما وقع التحريف في تأويلها، وله فيه مصنف، هذا ءاخر ما رأيت، وأستغفر الله من كتابه مثل هذا فضلاً عن اعتقاده” اهـ.
وقد استُتيب مرات وهو ينقض مواثيقه وعهوده في كل مرة حتى حُبس بفتوى من القضاة الأربعة الذين أحدهم شافعي والآخر مالكي، والآخر حنفي والآخر حنبلي وحكموا عليه بأنه ضال يجب التحذير منه كما قال ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ وهو من تلامذة ابن تيمية وسيأتي، وأصدر الملك محمد بن قلاوون منشورًا ليقرأ على المنابر في مصر وفي الشام للتحذير منه ومن أتباعه.
قال صلاح الدين الصفدي تلميذ ابن تيمية والتقي السبكي في أعيان العصر وأعوان النصر [2] ما نصه:
“انفرد –أي ابن تيمية- بمسائل غريبة، ورجّح فيها أقوالاً ضعيفة عند الجمهور معيبة كاد منها يقع في هوّة، ويسلم منها لما عنده من النية المرجوة، والله يعلم قصده وما يترجح من الأدلة عنده، وما دمّر عليه شيء كمسئلة الزيارة، ولا شُنّ عليه مثلها إغارة، دخل منها إلى القلعة معتقلاً، وجفاه صاحبه وقلا، وما خرج منها إلى على الآلة الحدباء، ولا درج منها إلا إلى البقعة الجدباء” اهـ. قال ذلك فيه بعد مدحه مدحًا كثيرًا.
وكان الذهبي وهو من معاصري ابن تيمية مدحه في أول الأمر ثم لما انكشف له حاله قال في رسالته بيان زغل العلم والطلب ما نصه: “فوالله ما رمقت عيني أوسع علمًا ولا أقوى ذكاءً من رجل يقال له ابن تيمية مع الزهد في المأكل والملبس والنساء، ومع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن، وقد تعبت في وزنه وفتشه حتى مللت في سنين متطاولة، فما وجدتُ أخّره بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفّروه إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رئاسة المشيخة والازدراء بالكبار، فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور، نسأل الله المسامحة، فقد قام عليه أناس ليسوا بأورع منه ولا أعلم منه ولا أزهد منه، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وءاثام أصدقائهم، وما سلّطهم الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه، وما دفع الله عنه وعن أتباعه أكثر، وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقون، فلا تكن في ريب من ذلك”. اهـ. وهذه الرسالة ثابتة عن الذهبي لأن الحافظ السخاوي نقل عنه هذه العبارة في كتابه الإعلان بالتوبيخ [3].
وقال في موضع ءاخر فيه ما نصه: “فإن برعت في الأصول وتوابعها من المنطق والحكمة والفلسفة وءاراء الأوائل ومحارات العقول، واعتصمت مع ذلك بالكتاب والينة وأصول السلف، ولفقت بين العقل والنقل، فما أظنك في ذلك تبلغ رتبة ابن تيمية ولا والله تقاربها، وقد رأيتَ ما ءال أمره إليه من الحطّ عليه والهجر والتضليل والتكفير والتكذيب بحقّ وبباطل، فقد كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منوّرًا مضيئًا على مُحيّاه سِيْما السلف، ثم صار مظلمًا مكسوفًا عليه قتمة عند خلائق من الناس، ودجّالاً أفّاكًا كافرًا عند أعدائه، ومبتدعًا فاظلاً محققًا بارعًا عند طوائف من عقلاء الفضلاء” اهـ.
فتبين أن الذهبي ذمه لأنه خاض بالفلسفة والكلام المذموم أي كلام المبتدعة في العقيدة كالمعتزلة والمشبهة، وهذا القدح في ابن تيمية من الذهبي يضعف الثناء الذي أثنى عليه في تذكرة الحفّاظ بقوله: ما رأت عيناي مثله وكأن السنّة نصب عينيه.
صورة مرسوم ابن قلاوون في ابن تيمية:
“بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي تنزّه عن الشبيه والنظير وتعالى عن المثل فقال عز وجل: {ليسَ كمثلهِ شيءٌ وهو السميعُ البصير} [سورة الشورى/11]، أحمده على أن ألهمنا العمل بالسنّة والكتاب، ورفع في أيامنا أسباب الشك والارتياب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من يرجو بإخلاصه حسن العقبى والمصير، وينزّه خالقه عن التحيّز في جهة لقوله تعالى: {وهُوَ معكُم أينَ ما كُنتُم واللهُ بما تعمَلونَ بصيرٌ} [سورة الحديد/4] وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي نهج سبيل النجاة لمن سلك سبيل مرضاته، وأمر بالتفكّر في ءالاء الله ونهى عن التفكر في ذاته، صلى الله عليه وعلى ءاله وأصحابه الذين علا بهم منار الإيمان وارتفع، وشيّد الله بهم من قواعد الدين الحنيف ما شرع، وأخمد بهم كلمة من حاد عن الحق ومال إلى البدع.
وبعد، فإن العقائد الشرعية وقواعد الإسلام المرعية وأركان الإيمان العلية ومذاهب الدين المرضية، هي الأساس الذي يبنى عليه [والموئل] [4] الذي يرجع كل أحد إليه، والطريق التي من سلكها فقد فاز فوزًا عظيمًا، ومن حاد عنها فقد استوجب عذابًا أليمًا، فلهذا يجب أن تنفذ أحكامها، ويؤكذ دوامها، وتُصان عقائد الملة عن الاختلاف، وتزان قواعد الأئمة بالائتلاف، وتخمد ثوائر البدع، ويفرّق من فِرَقها ما اجتمع.
وكان ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه، ومدّ [بجهله] عنان كلمه، وتحدّق في مسائل الذات والصفات، ونصّ في كلامه [الفاسد] على أمور منكرات، وتكلّم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون، وفاه بما اجتنبه الأئمة الأعلام الصالحون، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام، وانعقد على خلافه إجماع العلماء والحكام، وشهر من فتاويه في البلاد ما استخفّ به عقول العوام، وخالف في ذلك فقهاء عصره، وعلماء شامه ومصره، وبعث برسائله إلى كل مكان، وسمى فتاويه بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.
ولما اتصل بنا ذلك وما سلكه المريدون له من هذه المسالك الخبيثة وأظهروه من هذه الأحوال وأشاعوه، وعلمنا أنه استخفّ قومه فاطاعوه، حتى قيل إنهم صرّحوا في حق الله سبحانه بالحرف والصوت [والتشبيه] والتجسيم، قمنا في الله تعالى مشفقين من هذا النبأ العظيم، وأنكرنا هذه البدعة، وعزّ علينا أن تشيع عمّن تضمّه ممالكنا هذه السمعة، وكرهنا ما فاه به المبطلون، وتلونا قوله تعالى: {سُبحان اللهِ عمَّا يَصِفونَ} [سورة المؤمنون/91]، فإنه [سبحانه وتعالى] تنزّه في ذاته وصفاته عن التعديل والنظير: {لا تُدركُهُ الأبصارُ وهوَ يُدرِكُ الأبصارَ وهُوَ اللطيفُ الخبير} [سورة الأنعام/103]، فتقدمت مراسيمنا باستدعاء [ابن تيمية] المذكور إلى أبوابنا العالية عندما سارت فتاويه [الباطلة] في شامنا ومصرنا، وصرّح فيها بألفاظ ما سمعها ذو لبّ إلا وتلا قوله تعالى: {لقد جئتَ شيئًا نُّكرًا} [سورة الكهف/74].
ولمّا وصل إلينا تقدمنا إلى أولي العقد والحل، وذوي التحقيق والنقل، وحضر قضاة الإسلام، وحكام الأنام، وعلماء الدين، وفقهاء المسلمين، وعقد له مجلس شرعي في ملإ وجمع من الأئمة، [ومن له دراية في مجال النظر والدفع] فثبت عندهم جميع ما نسب إليه، [بقول من يعتمد ويعول عليه]، وبمقتضى خط قلمه الدال على منكَر معتقده، وانفصل ذلك الجمع وهم لعقيدته منكرون، وءاخذوه بما شهد به قلمه تالين: {ستُكتَبُ شهادَتُهُم ويُسئَلون} [سورة الزخرف/19]، ونقل إلينا أنه كان استتيب مرارًا فيما تقدم، وأخره الشرع الشريف لما تعرّض لذلك وأقدم، ثم عاد بعد منعه، ولم تدخل تلك النواهي في سمعه.
وصح ذلك في مجلس الحاكم العزيز المالكي حكم الشرع الشريف أن يسجن هذا المذكور وأن يمنع من التصرف والظهور، ويكتب مرسومنا هذا بأن لا يسلك أحد ما سلكه المذكور من هذه المسالك، وينهى عن [التشبيه في] اعتقاد مثل ذلك، أو يعود له في هذا القول متبعًا، أو لهذه الألفاظ مستمعًا، أو يسري في التشبيه مسراه، أو أن يفوه بجهة العلو بما فاه، أو أن يتحدث أحد بحرف أو صوت، أو يفوه بذلك إلى الموت، أو يتفوه بتجسيم، أو سنطق بلفظ في ذلك غير مستقيم، أو خرج عن رأي الأئمة، أو ينفرد به عن علماء الأمة، أو يُحيّز الله سبحانه وتعالى في جهة أو يتعرّض إلى حيث وكيف، فليس لمعتقد هذا إلا السيف.
فليقف كل واحد عند هذا الحد، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وليلزم كل من الحنابلة بالرجوع عن هذه العقيدة، والخروج عن الشبهات الزائغة الشديدة، ولزوم ما أمر الله تعالى به من التمسك بمذاهب أهل الإيمان الحميدة، فإنه من خرج عن أمر الله فقد ضلّ سواء السبيل، ومثل هذا ليس له إلا التنكيل، والسجن الطويل مستقرّه ومقيله وبئس المقيل.
[وقد رسمنا بأن ينادى في دمشق المحروسة والبلاد الشامية، وتلك الجهات الدانية والقاصية بالنهي الشديد والتخويف والتهديد لمن اتبع ابن تيمية في هذا الأمر الذي أوضحناه، ومن تابعه تركناه في مثل مكانه وأحللناه، ووضعناه من عيون الأمة كما وضعناه] ومن أصرّ على الامتناع وأبى إلا الدفاع، أمرنا بإسقاطهم من [مدارسهم] ومناصبهم، ووضعهم من مراتبهم مع إهانتهم، وأن لا يكون لهم في بلادنا قضاء ولا حكم ولا ولاية ولا تدريس ولا شهادة ولا إمامة بل ولا مرتبة ولا إقامة، فإنّا أزلنا دعوة هذا الرجل من البلاد، وأبطلنا هذه العقيدة التي أضلّ بها كثيرًا من العباد أو كاد [بل كم أضلّ بها من خلق وعاثوا بها في الأرض الفساد، ولتثبت المحاضر الشرعية على الحنابلة بالرجوع عن ذلك وتسير المحاضر بعد إثباتها على قضاة المالكية]، وقد أعذرنا وحذرنا وأنصفنا حيث أنذرنا، وليقرأ مرسومنا هذا على المنابر، ليكون أبلغ واعظ وزاجر، وأعدل ناه وءامر إن شاء الله تعالى. والحمد لله وحده وصلواته على نبينا محمد وءاله وصحبه وسلم. والاعتماد على الخط الشريف أعلاه. وكتب ثامن عشرين شهر رمضان سنة خمس وسبعمائة” اهـ.
وهذه المراسيم الصادرة في حقه بعد محاكمته أمام جماعة من كبار العلماء في عصره مسجلة في كتب التواريخ مثل: عيون التواريخ، ونجم المهتدي، ودفع شبه من شبّه وتمرد وغيرها.
وقال الصفدي [5]: “وممن مدحه بمصر أيضًا شيخنا العلامة أبو حيان لكنه انحرف عنه فيما بعد ومات وهو على انحرافه، ولذلك أسباب منها أنه قال له يومًا: كذا قال سيبويه، فقال: يكذب سيبويه، فانحرف عنه” اهـ.
وأشار بقوله “لأسباب” ما ذكره المحدث الحافظ شارح القاموس [6] أنه اطلع –أي أبو حيان- على كتاب لابن تيمية سمّاه كتاب العرش ذكر فيه أن الله يقعد الني في الآخرة على الكرسي بجنبه وقال إنه صار يلعنه إلى أن مات، وقد ذكر ذلك أبو حيان في تفسيره المسمى “النهر الماد” [7]، وهذا يؤيد وصف الذهبي له في بيان زغل العلم والطلب بالكبر وازدراء الأكابر وفرط الغرام في رئاسة المشيخة، ومعلوم أن الكبر من الكبائر يفسق فاعله.
ولنشرع الآن في ذكر بعض ضلالات ابن تيمية التي شذ بها عن علماء الأمة:
قوله: بحوادث لا أوّل لها لم تزل مع الله
أي لم يتقدم الله جنس الحوادث، وإنما تقدم أفراده المعينة أي أن كلّ فردٍ من أفراد الحوادث بعينه حادث مخلوق، وأما جنس الحوادث فهو أزلي كما أن الله أزلي، أي لم يسبقه الله تعالى بالوجود.
وهذه المسألة من أبشع المسائل الاعتقادية التي خرج بها عن صحيح العقل وصريح المقل وإجماع المسلمين، وقد ذكر هذه العقيدة في سبعة من كتبه: موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، ومنهاج السنة النبوية، وكتاب شرح حديث النزول، وكتاب شرح حديث عمران بن حصين، وكتاب نقد مراتب الإجماع، ومجموعة تفسير من ست سور، وكتابه الفتاوى، وكل هذه الكتب مطبوعة.
أما عبارته في الموافقة فهي ما نصه [8]: “وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثًا بل قديمًا، ويفرقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده كما يفرق جمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه” اهـ. وقال في موضع ءاخر في ردّ قاعدة ما لا يخلو من الحادث حادث لأنه لو لم يكن كذلك لكان الحادث أزليًّا بعدما نقل عن الأبهري أنه قال: قلنا لا نسلم وإنما يلزم ذلك لو كان شئ من الحركات بعينها لازمًا للجسم، وليس كذلك بل قبل كل حركة حركة لا إلى أول، ما نصه [9]: “قلت هذا من نمط الذي قبله فإن الأزلي اللزم هو نوع الحادث لا عين الحادث، قوله لو كانت حادثة في الأزل لكان الحادث اليومي موقوفًا على انقضاء ما لا نهاية له، قلنا: لا نسلم بل بكون الحادث اليومي مسبوقًا بحوادث لا أول لها” اهـ.
فهذا من عجائب ابن تيمية الدالة على سخافة عقله قوله بقدم العالم القدم النوعي مع حدوث كل فرد معين من أفراد العالم. قال الكوثري [10] في تعليقه على السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل ما نصه [11]: “وأين قدم النوع مع حدوث أفراده؟ وهذا لا يصدر إلا ممن به مس، بخلاف المستقبل، وقال أبو يعلى الحنبلي في “المعتمد”: والحوادث لها أول اتدأت منه خلافًا للملحدة. اهـ. وهو من أئمة الناظم. يعني ابن القيم. فيكون هو وشيخه من الملاحدة على رأي أبي يعلى هذا فيكونون أسوأ حالاً منه في الزيغ، ونسأل الله السلامة” اهـ.
وقد ردّ على ابن حزم في نقد مراتب الإجماع [12] لنقله الإجماع على أن الله لم يزل وحده ولا شئ غيره معه، وأن المخالف بذلك كافر باتفاق المسلمين، فقال ابن تيمية بعد كلامٍ ما نصه: “وأعجب من ذلك حكايته الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شئ غيره معه”. اهـ. وعبارته هذه صريحة في اعتقاده أن جنس العالم أزلي لم يتقدمه الله بالوجود.
وقد أثبت هذه العقيدة عن ابن تيمية الحافظ السبكي في رسالته الدرة المضية، والحافظ أبو سعيد العلائي وغيرهما.
فقد ثبت عن السبكي ما نقه عنه تلميذه الصفدي وتلميذ ابن تيمية أيضًا في قصيدته المشهورة حتى عند المنتصرين لابن تيمية وقد تضمنت الرد على الحليّ ثم ابن تيمية لقوله بأزلية جنس العالم وأنه يرى حوادث لا ابتداء لوجودها كما أن الله لا ابتداء لوجوده قال –أي السبكي- ما نصه:
ولابن تيمية ردّ عليه وفى *** بمقصد الرد واستيفاء أضربه
لكنه خلط الحقّ المبين بما *** يشوبه كدرٌ في صفو مشربه
يُحاول الحشو أنَّى كان فهو له *** حثيث سيرٍ بشرق أو بمغربه
يرى حوادث لا مبدا لأوّلها *** في الله سبحانه عما يظن به
وقال العلامة البياضي الحنفي في كتابه إشارات المرام [13] بعد ذكر الأدلة على حدوث العالم ما نصه: “فبطل ما ظنه ابن تيمية من قدم العرش كما في شرح العضدية” اهـ.
هذا وقد نقل المحدّث الأصولي بدر الدين الزركشي في تشنيف المسامع [14] اتفاق المسلمين على كفر من يقول بأزلية نوع العالم فقال بعد أن ذكر أن الفلاسفة قالوا: إن العالم قديم بمادته وصورته، وبعضهم قال: قديم المادة محدث الصورة، ما نصه: “وضلّلهم المسلمون في ذلك وكفّروهم” اهـ. ومثل ذلك قال الحافظ ابن دقيق العيد والقاضي عياض المالكي والحافظ زين الدين العراقي والحافظ ابن حجر في شرح البخاري وغيرهم.
فقول ابن تيمية بأزلية نوع العالم مخالف للقرءان والحديث الصريح وإجماع الأمة وقضية العقل، أما القرءان فقوله تعالى: {هُوَ الأول والآخر} [سورة الحديد/3]، فليس معنى هو الأول إلا أنه هو الأزلي الذي لا أزلي سواه أي أن الأولية المطلقة لله فقط لا تكون لغيره، فأشرك ابن تيمية مع الله غيره في الأولية التي أخبرنا الله بأنها خاصة له، وذلك لأن الأولية النسبية هي في المخلوق، فالماء له أولية نسبية أي أنه أول المخلوقات بالنسبة لغيره من المخلوقات، ثم تلاه العرش ثم حدث ما بعدهما وهو القلم الأعلى واللوح المحفوظ ثم الأرض ثم السموات، ثم ما ذكره الله تعالى بقوله: {والأرضَ بعدَ ذلكَ دحاها} [سورة النازعات/30].
وأما الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري [15] في كتاب بدء الخلق وغيره: “كان الله ولم يكن شيءٌ غيره” الذي توافقه الرواية الأخرى رواية أبي معاوية: “كان الله قبلَ كل شيء” [16]، ورواية: “كان الله ولم يكن معه شيء”.
وأما رواية البخاري في أواخر الجامع [17]: “كان الله ولم يكن شيء قبله” فترد إلى روايته في كتاب بدء الخلق وذلك متعين، ولا يجوز ترجيح رواية: “كان الله ولم يكن شيء قبله” على رواية: “كان الله ولم يكن شيء غيره” كما أومأ إلى ذلك ابن تيمية، لأن ظاهر رواية: “كان الله ولم يكن شيء قبله” يوافق ما يزعمه كما أشار لذلك الحافظ ابن حجر في شرح البخاري عند ذكر حديث: “كان الله ولم يكن شيء قبله” فقال فيما حاول ابن تيمية من ترجيح هذه الرواية على تلك الرواية توصلاً إلى عقيدته من إثبات حوادث لا أول لها ما نصه: “وهذه من أشنع المسائل المنسوبة له” –يعني ابن تيمية-” اهـ.
قوله بالجلوس في حق الله تعالى:
أما قوله بالجلوس في حق الله تعالى فهو ثابت عنه وإن نفاه بعض أتباعه لما استبشعوا ذلك، ذكر ذلك في كتابه منهاج السنة النبوية [18] فقال ما نصه: “ثم إن جمهور أهل السنة يقولون إنه ينزل ولا يخلو منه العرش كما نقل ذلك عن إسحاق بن راهويه وحماد بن زيد وغيرهما ونقلوه عن أحمد بن حنبل في رسالته” اهـ. وهذه فرية على أهل السنة ولا يستطيع أن يأتي بعبارة لأحدٍ منهم فهذا محض تقوّلٍ على الأئمة كما تقوّل في مسئلة زيارة قبور الأنبياء والأولياء للدعاء عندها رجاء الإجابة، وتعامى عما أطبق عليه السلف والخلف من قصد القبور رجاء الإجابة من الله.
وأما عبارته في فتاويه فإنها صريحة في إثباته لله فقال فيه ما نصه [19]: “فقد حدّث العلماء المرضيّون وأولياؤه المقربون أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه” اهـ.
وقد نقل عنه هذه العقيدة أبو حيان الأندلسي النحويُّ المفسر المقرئ في تفسيره المسمى بالنهر قال: “وقرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرنا وهو بخطه سماه كتاب العرش: إن الله يجلس على الكرسي وقد أخلى منه مكانًا يُقعد معه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحيَّل عليه التاج محمد بن علي بن عبد الحق البارنباري، وكان أظهر أنه داعية له حتى أخذه منه وقرأنا ذلك فيه” [20] اهـ.
ونقلُ ابن حيان هذا كان قد حذف من النسخة المطبوعة القديمة، ولكن النسخة الخطية تثبته. وسبب حذفه من النسخة المطبوعة ما قاله الزاهد الكوثري في تعليقه على السيف [21]، قال: “وقد أخبرني مصحح طبعه بمطبعة السعادة أنه استفظعها جدًا فحذفها عند الطبع لئلا يستغلها أعداء الدين، ورجاني أن أسجل ذلك هنا استدراكًا لما كان منه ونصيحة للمسلمين” اهـ.
فلينظر العقلاء إلى تخبّط ابن تيمية حيث يقول مرة إنه جالس على العرش، ومرة إنه جالس على الكرسي، وقد ثبت في الحديث أن الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في أرض فلاة فكيف ساغ لعقله.
ويبطل قوله هذا كلام الإمام علي بن الحسين زين العابدين: “سبحانك لا تُحَسُّ ولا تُمسُّ ولا تُجَسُّ” [22].
قوله بفناء النار وانتهاء عذاب الكفار فيها
ومن أكبر ضلالات ابن تيمية زعمه بأن النار تفنى وتبعه على ذلك تلميذه ابن القيم [23]، يقول ابن تيمية ما نصه [24]: “وفي المسند للطبراني ذكر فيه أنه ينبت فيها الجرجير، وحينئذ فيحتج على فنائها بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب ولا سنة ولا أقوال الصحابة” اهـ، ثم زعم في نفس الكتاب أن قول من قال بدوام النار محتجًا بالإجماع أن هذه المسألة الإجماع فيها غير معلوم وأنه لا يقطع فيها بإجماع [25]، ثم زعم أن القول بفنائها فيه قولان معروفان عن السلف والخلف، وقد نقل هذا عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم [26].
قلت: فيما ادعاه رد لصريح القرءان والسنة الثابتة المتفق على صحتها ولإجماع الأمة، أما مخالفته للآيات القرءانية الدالة على بقاء النار واستمرار عذاب الكفار بلا انقطاع إلى ما لا نهاية له وهي كثيرة منها قوله تعالى: {إنَّ الله لَعَن الكافرينَ وأعدَّ لهم سعيرًا* خالدينَ فيها أبدًا لا يَجِدونَ وليًّا ولا نصيرًا} [سورة الأحزاب/64-65]، وقوله تعالى: {وعدَ اللهُ المنافقينَ والمنافقات والكفارَ نارَ جهنّم خالدينَ فيها وهيَ حسبُهُم ولعنهم اللهُ ولهم عذابٌ مُقيمٌ} [سورة التوبة/68]، وقوله تعالى: {وما هُم بِخارجينَ منَ النارِ} [سورة البقرة/167]، وقوله تعالى: {إنَّ الذين كفروا وظَلموا لم يكن اللهُ ليغفرَ لهم ولا ليَهديهُم طريقًا* إلا طريقَ جهنم خالدينَ فيها أبدًا وكان ذلكَ على الله يسيرًا} [سورة النساء/169]، وغيرها من الآيات الكثيرة، وقد ذكر الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي في رسالته: “الاعتبار ببقاء الجنة والنار” التي رد بها على ابن تيمية نحوًا من ستين ءاية، بل قوله تعالى: {وكلّما خَبَتْ زِدناهُم سعيرًا} [سورة الإسراء/97] كافٍ في نسف ما ادّعاه ابن تيمية وغيره.
أما رده للحديث الصحيح الثابت فيما رواه البخاري في الصحيح [27] عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلودٌ لا موتَ، ولأهل النار: يا أهل النار خلود لا موت”، وما رواه الشيخان [28] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا صار أهلُ الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيءَ بالموت حتى يُجعلَ بين الجنة والنار، ثم يُذبحُ، ثم يُنادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موتَ، يا أهل النار لا موتَ، فيزدادُ أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار جزنًا إلى حزنهم”.
قال الحافظ في الفتح ما نصه [29]: “قال القرطبي: وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد، وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت، ولا حياة نافعة ولا راحة، كما قال تعالى: {لا يُقضى عليهم فَيَموتوا ولا يُخَفَّفُ عنهم من عذابها} [سورة فاطر/36]، وقال تعالى: {كُلّما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها} [سورة السجدة/20]، فمن زعم أنهم يخرجون منها وأنها تبقى خالية أو أنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة” اهـ.
أما الإجماع فهو منعقد على بقاء النار وقد ذكره الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي في رسالته “الاعتبار ببقاء الجنة والنار” فقال ما نصه: “فإن اعتقاد المسلمين أن الجنة والنار لا تفنيان، وقد نقل أبو محمد بن حزم الإجماع على ذلك وأن من خالفه كافر بالإجماع، ولا شك في ذلك، فإنه معلوم من الدين بالضرورة، وتواردت الأدلة عليه”.
فقد بان وظهر رد ابن تيمية للنصوص، وقد قال نجم الدين النسفي في عقيدته المشهورة: “وردُّ النصوص كفر”، وقال الطحاوي: “ومن ردّ حكم الكتاب كان من الكافرين”، فليشفق الذين تابعوه على أنفسهم.
قوله بالجسمية
أما قوله بالجسمية في حق الله تعالى فقد ذكر ذلك في كتابه شرح حديث النزول ونصه [30]: “وأما الشرع فمعلوم أنه لم ينقل عن أحد من الأنبياء ولا الصحابة ولا التابعين ولا سلف الأمة أن الله جسم أو أن الله ليس بجسم، بل النفي والإثبات بدعة في الشرع” اهـ.
وقال في الموافقة ما نصه [31]: “وكذلك قوله: {ليسَ كمثله شيء وهو السميع البصير} [سورة الشورى/11]، وقوله: {هل تعلمُ لهُ سميًّا} [سورة مريم/65] ونحو ذلك فإنه لا يدل على نفي الصفات بوجه من الوجوه بل ولا على نفي ما يسميه أهل الاصطلاح جسمًا بوجه من الوجوه” اهـ.
وقال فيه أيضًا ما نصه [32]: “وأما ذكر التجسيم وذم المجسمة فهذا لا يعرف في كلام أحد من السلف والأئمة كما لا يعرف في كلامهم أيضًا القول بأن الله جسم أو ليس بجسم، بل ذكروا في كلامهم الذي أنكروه على الجهمية نفي الجسم كما ذكره أحمد في كتاب الرد على الجهمية” اهـ.
وقال في المنهاج ما نصه [33]: “أما ما ذكره من لفظ الجسم وما يتبع ذلك فإن هذا اللفظ لم ينطق به في صفات الله لا كتاب ولا سنة ولا نفيًا ولا إثباتًا، ولا تكلم به أحد من الصحابة والتابعين لا أهل البيت ولا غيرهم” اهـ.
وقال في المنهاج ما نصه [34]: “وقد يراد بالجسم ما يشار إليه أو ما يُرى أو ما تقوم به الصفات، والله تعالى يُرى في الآخرة وتقوم به الصفات ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم، فإن أراد بقوله: ليس بجسم هذا المعنى قيل له: هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول، وأنت لم تُقم دليلاً على نفيه” اهـ.
وقال في فتاويه ما نصه [35]: “ثم لفظ التجسيم لا يوجد في كلام أحدمن السلف لا نفيًا ولا إثباتًا، فكيف يحل أن يقال: مذهب السلف نفي التجسيم أو إثباته” اهـ.
وقال في كتابه بيان تلبيس الجهمية ما نصه [36]: “وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها أنه ليس بجسم، وأن صفاته ليست أجسامًا وأعراضًا، فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال” اهـ.
قلت: ويكفي في تبرئة أئمة الحديث ما نقله أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها عن أحمد قال [37]: “وأنكر أحمد على من يقول بالجسم وقال: إن الأسماء مأخوذه من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طولٍ وعرضٍ وسمكٍ وتركيبٍ وصورةٍ وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يُسمى جسمًا لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل” اهـ، ونقله الحافظ البيهقي عنه في مناقب أحمد وغيره.
وهذا الذي صرح به أحمد في تنزيهه الله عن هذه الأشياء هو ما قال به الأشاعرة والماتريدية وهم أهل السنة الموافقون لأحمد وغيره من السلف في أصول المعتقد، فليعلم الفاهم أن نفي الجسم عن الله جاء به السلف، فظهر أن ما ادعاه ابن تيمية أن السلف لم يتكلموا في نفي الجسم عن الله غير صحيحٍ، فينبغي استحضار ما قاله أحمد فإنه ينفع في نفي تمويه ابن تيمية وغيره ممن يدعون السلفية والحديث.
تحريمه التوسل بالأنبياء والصالحين والتبرك بهم وءاثارهم
ومن أشهر ما صحّ عن ابن تيمية بنقل العلماء المعاصرين له وغيرهم ممن جاءوا بعدهم، تحريمه التوسل بالأنبياء والصالحين بعد موتهم وفي حياتهم في غير حضورهم والتبرك بهم وبآثارهم، وتحريمه زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام للتبرك فيقول في كتابه التوسل ما نصه [38]: “وأما الزيارة البدعية فهي التي يقصد بها أن يطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء والشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء، فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعلها الصحابة لا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند غيره، وهي من جنس الشرك وأسباب الشرك” اهـ.
وقال في كتابه التوسل والوسيلة ما نصه [39]: “ولهذا لما ذكر العلماء الدعاء في الاستسقاء وغيره ذكروا الصلاة عليه ولم يذكروا فيما شرع للمسلمين في هذه الحال التوسل به، كما لم يذكر أحد من العلماء دعاء غير الله والاستعانة المطلقة بغيره في حال من الأحوال” اهـ.
فهو كما تبين يتقوّل على الأئمة وذلك عادة له، فقد خالف الإمام أحمد والإمام إبراهيم بن إٍحاق الحربي، وهو كما قال فيه الحافظ السبكي: ولم يسبق ابن تيمية في إنكاره التوسل أحد من السلف ولا من الخلف، بل قال قولاً لم يقله عالم قط قبله، قال في شفاء السقام [40] ما نصه: “اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى، وجواز ذلك وحسنُه من الأمور المعلومة لكل ذي دين المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين وسير الصالحين والعلماء والعوام من المسلمين ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان ولا سمع به في زمن من الأزمان جتى جاء ابن تيمية فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه على الضعفاء الأغمار، وابتدع ما لم يسبق إليه في سائر الأعصار” اهـ.
وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي المتوفى في القرن العاشر الهجري في مبحث سن زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم [41] ما نصه: “ولا يغترّ بإنكار ابن تيمية لسنّ زيارته صلى الله عليه وسلم فإنه عبد أضلّه الله كما قاله العزّ بن جماعة، وأطال في الرد عليه التقي السبكي في تصنيف مستقل، ووقوعه في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بعجب فإنه وقع في حق الله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا، فنسب إليه العظائم كقوله إن الله تعالى جهة ويدًا ورجلاً وعينًا [42] وغير ذلك من القبائح الشنيعة، ولقد كفره كثير من العلماء، عامله الله بعدله وخذل متبعيه الذين نصروا ما افتراه على الشريعة الغرّاء” اهـ.
زعمه أن إنشاء السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم معصيةً لا تقصر فيها الصلاة
أما قوله بتحريم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره فقد ذكره في أكثر من كتاب، فقال في فتاويه ما نصه [43]: “بل نفس السفر لزيارة قبر من القبور –قبر نبي أو غيره- منهيٌّ عنه عند جمهور العلماء، حتى أنهن لا يجوّزون قصر الصلاة فيه بناء على أنه سفر معصية لقوله الثابت في الصحيحين: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا” وهو أعلم الناس بمثل هذه المسألة” اهـ.
وقال أيضًا ما نصه [44]: “قالوا: ولأن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، فمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهو مخالف للسنة ولإجماع الأئمة” اهـ.
وقال ما نصه [45]: “فإذًا من اعتقد أن السفر لقبور الأنبياء والصالحين قربة وعبادة وطاعة فقد خالف الإجماع، وإذا سافر لاعتقاده أن ذلك طاعة كان ذلك محرمًا بإجماع المسلمين، فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة” اهـ.
قال تقي الدين الحصني ما نصه [46]: “ومن الأمور المنتقدة عليه قوله: زيارة قبر النبي وقبور الأنبياء معصية بالإجماع مقطوع بها، وهذا ثابت عنه أنه قاله، وثبت ذلك على يد القاضي جلال الدين القزويني، فانظر هذه العبارة ما أعظم الفجور فيها من كون ذلك معصية، ومن ادعى الإجماع وأن ذلك مقطوع به؟!، فهذا الزائغ يطالب بما ادعاه من إجماع الصحابة رضي الله عنهم وكذا التابعون ومن بعدهم من أئمة المسلمين إلى حين ادعائه ذلك. وما أعتَقِدُ أن أحدًا يتجاسر على مثل ذلك مع أن الكتب المشهورة بل والمهجورة وعمل الناس في سائر الأعصار على الحث على زيارته من جميع الأقطار، فزيارته من أفضل المساعي وأنجح القُرب إلى رب العالمين، وهي سنة من سنن المرسلين ومجمع عليها عند الموحدين، ولا يطعن فيها إلا من في قلبه مرض المنافقين، ومن هو من أفراخ اليهود وأعداء الدين، من المشركين الذين أسرفوا في ذم سيد الأولين والآخرين، ولم تزل هذه الأمة المحمدية على شد الرحال إليه على ممر الأزمان، من جميع الأقطار والبلدان، سار في ذلك الزُّرافات والوُحدان، والعلماء والمشايخ والكهول والشبان، حتى ظهر في ءاخر الزمان مبتدع من زنادقة حران لَبَّس على أشباه الرجال” اهـ.
وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي في كتابه “الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم” ما نصه [47]: “فإن قلت: كيف تحكي الإجماع السابق على مشروعية الزيارة والسفر إليها وطلبها، وابن تيمية من متأخري الحنابلة منكر لمشروعية ذلك كله كما رءاه السبكي في خطه، وأطال أعني ابن تيمية في الاستدلال لذلك بما تمجُّه الأسماع وتنفر عنه الطباع، بل زعم حرمة السفر لها إجماعًا، وأنه لا تقصر فيه الصلاة، وأن جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة، وتبعه بعض من تأخر عنه من أهل مذهبه؟ قلت: من هو ابن تيمية حتى يُنظر إليه أو يُعوّل في شئ من أمور الدين عليه؟ وهل هو إلا كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعز بن جماعة: عبد أضله الله تعالى وأغواه وألبسه رداء الخزي وأرداه، وبوّأه من قوة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان” اهـ.
قال الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية ما نصه [48]: “وليس هذا بأول ورطةٍ وقع فيها ابن تيمية وأتباعه فإنه جعل شد الرحال إلى بيت المقدس معصية كما تقدم ذكر ذلك وردّه، ونهى عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى وبغيره من الأولياء أيضًا، وخالف الإجماع من الأئمة الأربعة في عدم وقوع الطلاق الثلاث بلفظة واحدة، إلى غير ذلك من التهورات الفظيعة الموجبة لكمال القطيعة التي استوفاها الشيخ العلامة والعمدة الفهامة تقي الدين الحصني الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب مستقلّ في الرد على ابن تيمية وأتباعه وصرّح فيه بكفره” اهـ.
ثم قال: “قال الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر في كتابه الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرّم، بعد أن تكلّم في شأن ابن تيمية بكلام كثير: ولقد تصدّى شيخ الإسلام وعالم الأنام، المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وأمانته التقي السبكي قدّس الله روحه، للرد عليه في تصنيف مستقل أفاد فيه وأجاد وأصاب، وأوضح بباهر حججه طريق الصواب، فشكر الله مسعاه، وأدام عليه شآبيب رحمته ورضاه” انتهى.
قال علي القاري في شرح الشفاء: “وقد فرط ابن تيمية من الحنابلة حيث حرّم السفر لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم، كما أفرط غيره حيث قال كون الزيارة قربة معلوم من الدين بالضرورة وجاحده محكوم عليه بالكفر ولعل الثاني أقرب إلى الصواب لأن تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفرًا لأنه فوق تحريم المباح المتفق عليه…” [49] اهـ.
بيان انحراف ابن تيمية عن الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم
ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة [50] أن ابن تيمية خطّأ عمر بن الخطاب في شئ، وأنه قال عن عثمان أنه كان يحب المال وأن أبا بكر أسلم شيخًا لا يدري ما يقول، وذكر الحافظ أيضًا في الدرر الكامنة [51] أن ابن تيمية خطّأ أمير المؤمنين عليًّا كرم الله وجهه في سبعة عشر موضعًا خالف فيها نص الكتاب، وأن العلماء نسبوه إلى النفاق لقوله هذا في علي كرم الله وجهه، ولقوله أيضًا فيه: إنه كان مخذولاً، وإنه قاتل للرياسة لا للديانة. وقد ذكر ابن تيمية ذلك في كتابه المنهاج [52] فقال ما نصه: “وليس علينا أن نبايع عاجزًا عن العدل علينا ولا تاركًا له، فأئمة السنة يسلمون أنه ما كان القتال مأمورًا به ولا واجبًا ولا مستحبًا” اهـ.
ويقول في موضع ءاخر [53] ما نصه: “… وإن لم يكن علي مأمورًا بقتالهم ولا كان فرضًا عليه قتالهم بمجرد امتناعهم عن طاعته مع كونهم ملتزمين شرائع الإسلام” اهـ. ويقول في نفس الكتاب بعد ذكره أن قتال علي في صفّين والجمل كان بالرأي ولم يكن علي مأمورًا بذلك ما نصه [54]: “… فلا رأي أعظم ذمًا من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم بل نقص الخير عمّا كان وزاد الشر على ما كان…” اهـ. ويقول [55]: “وأنّ عليًا مع كونه أولى بالحق من معاوية لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيرًا” اهـ. ويقول: “والمقصود هنا أن ما يُعتذر به عن علي فيما أُنكر عليه يُعتذر بأقوى منه في عثمان، فإن عليًّا قاتل على الولاية وقُتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفار ولا فتح لبلادهم ولا كان المسلمون في زيادة خير” اهـ.
وكيف يقول إنه لم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم وعلي كان داعيًا إلى الجنة ومن قاتل معه فله أجر ومن خالفه فهو باغ ظالم، فكيف يقول ابن تيمية هذا فيمن سمّاه الرسول داعيًا إلى الجنة.
فتسفيه ابن تيمية لقتال علي رضي الله عنه دليل على أنه يضمر ضغينة لسيدنا علي، ويؤيد هذا قول الحافظ ابن حجر في لسان الميزان [56] عند ترجمة والد الحلي الذي ألف ابن تيمية كتابه منهاج السنة والنبوية في الرد عليه ونصه: “وكم من مبالغة له لتهوين كلام الحلي أدت به أحيانًا إلى تنقيص علي رضي الله عنه” اهـ. أقول: ولقد صدق الحافظ ابن حجر في قوله هذا.
إثبات بغض ابن تيمية لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه بالخصوص
يعلم مما تقدم أن تسفيه ابن تيمية لقتال علي رضي الله عنه دليل على أنه يضمر ضغينة ليسدنا علي، ويؤيد هذا ما قدمناه من قول الحافظ ابن حجر في لسان الميزان [57] عند ترجمة والد الحلي الذي ألف ابن تيمية كتابه منهاج السنة النبوية في الرد عليه ما نصه: “وكم من مبالغة له لتوهين كلام الحلي أدت به أحيانًا إلى تنقيص علي رضي الله عنه” اهـ.
قال العلامة علوي بن طاهر الحداد في كتابه “القول الفصل فيما لبني هاشم من الفضل” في الجزء الثاني منه ما نصه: “وفي منهاجه من السب والذم الموجه المورد في قالب المعاريض ومقدمات الأدلة في أمير المؤمنين علي والزهراء البتول والحسنين وذريتهم ما تقشعر منه الجلود وترجف له القلوب، ولا سبب لعكوف النواصب والخوارج على كتابه المذكور إلا كونه يضرب على أوتارهم ويتردد على أطلالهم وءاثارهم، فكن منه ومنهم على حذر” اهـ.
ومما هو صريح في بغضه لعلي ما ذكره في منهاجه ونصه [58]: “فإن الناس متنازعون في أول من أسلم فقيل أبو بكر من أسلم فهو أسبق إسلامًا من علي، وقيل إن عليًّا أسلم قبله لكن علي كان صغيرًا وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء” اهـ.
ويقول في موضع ءاخر منه ما نصه [59]: “وعلي يثبت له حكم الكفر والإيمان وهو دون البلوغ، والصبي المولود بين أبوين كافرين يجري عليه حكم الكفر في الدنيا باتفاق المسلمين، وإذا أسلم قبل البلوغ على قولين للعلماء، بخلاف البالغ فإنه يصير مسلمًا باتفاق المسلمين، وكان إسلام الثلاثة مخرجًا لهم من الكفر باتفاق المسلمين، ومذهب الشافعي أن إسلام الصبي غير مخرج له من الكفر” اهـ.
ثم لإظهار حقده وبغضه لعلي يفتري على الصحابة والتابعين فيقول في المنهاج ما نصه [60]: “ولم يكن كذلك علي فإن كثيرًا من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه” اهـ، ويقول فيه أيضًا ما نصه [61]: “وقد علم قدح كثير من الصحابة في علي” اهـ.
ولم يكتف ابن تيمية بذلك بل ذكر في منهاجه ما نصه [62]: “وقد عتب –يعني النبي- على علي في غير موضع لما أبعد فإنه أراد أن يتزوج بنت أبي جهل واشتكته فاطمة لأبيها وقالت: إن الناس يقولون: إنك لا تغضب لبناتك، فقام خطيبًا وقال: إن بني المغيرة استأذنوني أن يزوجوا بنتهم علي بن أبي طالب وأني لا ءاذن ثم لا ءاذن ثم لا ءاذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم، فإنما فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما ءاذاها” اهـ، ثم ذكر بعد نهاية بحثه ما نصه [63]: “وعلي رضي الله عنه كان قصده أن يتزوج عليها فله في أذاها غرض” اهـ، نعوذ بالله من هذا الافتراء وسوء الظن بعلي بن أبي طالب.
وقال أيضًا في منهاجه ما نصه [64]: “وقد أنزل الله تعالى في علي: {يا أيُّها الذينَ ءامنوا لا تَقرَبوا الصلاةَ وأنتُم سُكارى حتى تَعلموا ما تقولون} [سورة النساء/43]، لما صلى فقرأ وخلط” اهـ.
والجواب: ما رواه الحاكم في المستدرك [65] بالإسناد عن علي رضي الله عنه قال: دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر، فحَضَرت صلاة المغرب فتقدم رجل فقرأ: {قل يا أيها الكافرون} فالتبس عليه فنزلت: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى حتى تعلموا ما تقولون} [سورة النساء/43] الآية.
قال الحاكم: “هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي هذا الحديث فائدة كثيرة وهي أن الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة إلى امير المؤمنين علي بن أبي طالب دون غيره، وقد برّأه الله منها فإنه راوي هذا الحديث” اهـ، ووافقه الذهبي على تصحيحه، فابن تيمية خارجيّ في هذا الطعن في علي.
فمن عرف ما ذكرنا من أمر ابن تيمية من سوء رأيه في سيدنا علي عرف أنه ينطبق عليه حديث مسلم أن عليًّا رضي الله عنه قال [66]: “والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إليّ: أن لا يحبّني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق”، فليعلم ذلك أنصار ابن تيمية.
تنبيه: سلك ابن تيمية عند كلامه على الأحاديث التي في فضائل علي رضي الله عنه مسلك التوسع في تضعيف هذه الأحاديث بل والحكم على أكثرها بالوضع وذلك ليصرفها عن إثبات فضائل لعلي رضي الله عنه، فحاله ما ذكر الحافظ ابن حجر [67] أنه رد في رده كثيرًا من الأحاديث الجياد، يعني الصحيح والحسن.
ذكر بعض العلماء والفقهاء والقضاة الذين ناظروا ابن تيمية أو ردوا عليه وذكروا معايبه ممن عاصروه أو جاءوا بعده
وختامًا نذكر أسماء بعض من ناظر ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ أو ردّ عليه من المعاصرين له والمتأخرين عنه من شافعية وحنفية ومالكية وحنابلة، ونذكر رسائلهم وكتبهم التي ردوا عليه فيها فمنهم:
1- القاضي المفسر بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي المتوفى سنة 733هـ.
2- القاضي محمد بن الحريري الأنصاري الحنفي.
3- القاضي محمد بن أبي بكر المالكي.
4- القاضي أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي.
وقد حبس بفتوى موقعة منهم سنة 726هـ. أنظر عيون التواريخ للكتبي، ونجم المهتدي لابن المعلم القرشي.
5- الشيخ صالح بن عبد الله البطائحي شيخ المنيبيع الرفاعي نزيل دمشق المتوفى سنة 707هـ.
أحد من قام على ابن تيمية ورد عليه، “أنظر روضة الناظرين وخلاصة مناقب الصالحين لأحمد الوتري”. وقد ترجمه الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة.
6- عصريّه الشيخ كمال الدين محمد بن أبي الحسن علي السراج الرفاعي القرشي الشافعي.
* تفاح الأرواح وفتاح الأرباح
7- قاضي القضاة بالديار المصرية أحمد بن إبراهيم السروجي الحنفي المتوفى سنة 710هـ.
* اعتراضات على ابن تيمية في علم الكلام.
8- قاضي قضاة المالكية علي بن مخلوف بمصر المتوفى سنة 718هـ. كان يقول: ابن تيمية يقول بالتجسيم وعندنا من اعتقد هذا الاعتقاد كفر ووجب قتله.
9- الشيخ الفقيه علي بن يعقوب البكري المتوفى سنة 724هـ، لما دخل ابن تيمية إلى مصر قام عليه وأنكر على ابن تيمية ما يقول.
10- الفقيه شمس الدين محمد بن عدلان الشافعي المتوفى سنة 749هـ. كان يقول: إن ابن تيمية يقول: إن الله فوق العرش فوقية حقيقية، وإن الله يتكلم بحرف وصوت.
11- الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي المتوفى سنة 756هـ.
* الاعتبار ببقاء الجنة والنار.
* الدرة المضية في الرد على ابن تيمية.
* شفاء السقام في زيارة خير الأنام.
* النظر المحقق في الحلف بالطلاق المعلق.
* نقد الاجتماع والافتراق في مسائل الأيمان والطلاق.
* التحقيق في مسألة التعليق.
* رفع الشقاق عن مسألة الطلاق.
12- ناظره المحدث المفسر الأصولي الفقيه محمد بن عمر بن مكي المعروف بابن المرحّل الشافعي المتوفى سنة 716هـ.
13- قدح فيه الحافظ أبو سعيد صلاح الدين العلائي المتوفى سنة 761هـ.
* أنظر ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر لابن طولون [ص/32-33].
* أحاديث زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
14- قاضي قضاة المدينة المنورة أبو عبد الله محمد بن مسلّم بن مالك الصالحي الحنبلي المتوفى سنة 726هـ.
15- معاصره الشيخ أحمد بن يحيى الكلابي الحلبي المعروف بابن جهل المتوفى سنة 733هـ.
* رسالة في نفي الجهة.
16- القاضي كمال الدين بن الزملكاني المتوفى سنة 727هـ.
* ناظره وردّ عليه برسالتين، واحدة في مسئلة الطلاق، والأخرى في مسئلة الزيارة.
17- ناظره القاضي صفي الدين الهندي المتوفى سنة 715هـ.
18- الفقيه المحدث علي بن محمد الباجي الشافعي المتوفى سنة 714هـ.
* ناظره في أربعة عشر موضعًا وأفحمه.
19- المؤرخ الفقيه المتكلم الفخر بن المعلم القرشي المتوفى سنة 725هـ.
* نجم المهتدي ورجم المعتدي.
20- الفقيه محمد بن علي بن علي المازني الدهان الدمشقي المتوفى سنة 721هـ.
* رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألة الطلاق.
* رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألة الزيارة.
21- الفقيه أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد الشيرازي المتوفى سنة 733هـ.
* رسالة في الرد على ابن تيمية.
22- رد عليه الفقيه المحدث جلال الدين محمد القزويني الشافعي المتوفى سنة 739هـ.
23- مرسوم السلطان ابن قلاوون المتوفى سنة 741هـ بحبسه.
24- معاصره الحافظ الذهبي المتوفى سنة 748هـ.
* بيان زغل العلم والطلب.
* النصيحة الذهبية.
25- المفسر أبو حيان الأندلسي المتوفى سنة 745هـ.
* تفسير النهر الماد من البحر المحيط.
26- الشيخ عفيف الدين عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني ثم المكي المتوفى سنة 768هـ.
27- الفقيه الرحالة ابن بطوطة المتوفى سنة 779هـ.
* رحلة ابن بطوطة.
28- الفقيه تاج الدين السبكي المتوفى سنة 771هـ.
* طبقات الشافعية الكبرى.
29- تلميذه المؤرخ ابن شاكر الكتبي المتوفى سنة 764هـ.
* عيون التواريخ.
30- الشيخ عمر بن أبي اليمن اللخمي الفاكهي المالكي المتوفى سنة 734هـ.
* التحفة المختارة في الرد على منكر الزيارة.
31- القاضي محمد السعدي المصري الأخنائي المتوفى سنة 750هـ.
* المقالة المرضية في الرد على من ينكر الزيارة المحمدية، طبعت ضمن “البراهين الساطعة” للعزامي.
32- الشيخ عيسى الزواوي المالكي المتوفى سنة 743هـ.
* رسالة في مسألة الطلاق.
33- الشيخ أحمد بن عثمان التركماني الجوزجاني الحنفي المتوفى سنة 744هـ.
* الأبحاث الجلية في الرد على ابن تيمية.
34- الحافظ عبد الرحمن بن أحمد المعروف بابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ.
* بيان مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة.
35- الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ.
* الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.
* لسان الميزان.
* فتح الباري شرح صحيح البخاري.
* الإشارة بطرق حديث الزيارة.
36- الحافظ ولي الدين العراقي المتوفى سنة 826هـ.
* الأجوبة المرضية في الرد على الأسئلة المكية.
37- الفقيه المؤرخ ابن قاضي شهبة الشافعي المتوفى سنة 851هـ.
* تاريخ ابن قاضي شهبة.
38- الفقيه أبو بكر الحصني المتوفى سنة 829هـ.
* دفع شبه من شبّه وتمرّد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد.
39- رد عليه شيخ إفريقيا أبو عبد الله بن عرفة التونسي المالكي المتوفى سنة 803هـ.
40- العلامة علاء الدين البخاري الحنفي المتوفى سنة 841هـ، كفّره وكفّر من سمّاه شيخ الإسلام أي من يقول عنه شيخ الإسلام مع علمه بمقالاته الكفرية، ذكر ذلك الحافظ السخاوي في الضوء اللامع.
41- الشيخ محمد بن أحمد حميد الدين الفرغاني الدمشقي الحنفي المتوفى سنة 867هـ.
* الرد على ابن تيمية في الاعتقادات.
42- رد عليه الشيخ أحمد زروق الفاسي المالكي المتوفى سنة 899هـ.
* شرح حزب البحر.
43- الحافظ السخاوي المتوفى سنة 902هـ.
* الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ.
44- أحمد بن محمد المعروف بابن عبد السلام المصري المتوفى سنة 931هـ.
* القول الناصر فر رد خباط علي بن ناصر.
45- ذمه العالم أحمد بن محمد الخوارزمي الدمشقي المعروف بابن قرا المتوفى سنة 968هـ.
46- القاضي البياضي الحنفي المتوفى سنة 1098هـ.
* إشارات المرام من عبارات الإمام.
47- الشيخ أحمد بن محمد الوتري المتوفى سنة 980هـ.
* روضة الناظرين وخلاصة مناقب الصالحين.
48- الشيخ ابن حجر الهيتمي المتوفى سنة 974هـ.
* الفتاوى الحديثية.
* الجوهر المنظم في زيارة القبر المعظّم.
* حاشية الإيضاح في المناسك.
49- الشيخ جلال الدين الدواني المتوفى سنة 928هـ.
* شرح العضدية.
50- الشيخ عبد النافع بن محمد بن علي بن عراق الدمشقي المتوفى سنة 962هـ.
* أنظر ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر لابن طولون [ص/32-33].
51- القاشي أبو عبد الله المقري.
* نظم اللآلي في سلوك الأمالي.
52- ملا علي القاري الحنفي المتوفى سنة 1014هـ.
* شرح الشفا للقاضي عياض.
53- الشيخ عبد الرءوف المناوي الشافعي المتوفى سنة 1031هـ.
* شرح الشمائل للترمذي.
54- المحدث محمد بن علي بن علان الصديقي المكي المتوفى سنة 1057هـ.
* المبرد المبكي في رد الصارم المنكي.
55- الشيخ أحمد الخفاجي المصري الحنفي المتوفى سنة 1069هـ.
* شرح الشفا للقاضي عياض.
56- المؤرخ أحمد أبو العباس المقري المتوفى سنة 1041هـ.
* أزهار الرياض.
57- الشيخ محمد الزرقاني المالكي المتوفى سنة 1122هـ.
* شرح المواهب اللدنية.
58- الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفى سنة 1143هـ.
* ذمه في أكثر من كتاب.
59- ذمه الفقيه الصوفي محمد مهدي بن علي الصيادي الشهير بالرواس المتوفى سنة 1287هـ.
60- السيد محمد أبو الهدى الصيادي المتوفى سنة 1328هـ.
* قلادة الجواهر.
61- المفتي مصطفى بن أحمد الشطي الحنبلي الدمشقي المتوفى سنة 1348هـ.
* النقول الشرعية.
62- محمود خطاب السبكي المتوفى سنة 1352هـ.
* الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق.
63- مفتي المدينة المنورة الشيخ المحدث محمد الخضر الشنقيطي المتوفى سنة 1353هـ.
* لزوم الطلاق الثلاث دفعه بما لا يستطيع العالم دفعه.
64- الشيخ سلامة العزامي الشافعي المتوفى سنة 1376هـ.
* البراهين الساطعة في ردّ بعض البدع الشائعة.
* مقالات في جريدة المسلم [المصرية].
65- مفتي الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعي المتوفى سنة 1354هـ.
* تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد.
66- وكيل المشيخة الإسلامية في دار الخلافة العثمانية الشيخ محمد زاهد الكوثري المتوفى سنة 1371هـ.
* كتاب مقالات الكوثري.
* التعقب الحثيث لما ينفيه ابن تيمية من الحديث.
* البحوث الوفية في مفردات ابن تيمية.
* الإشفاق على أحكام الطلاق.
67- إبراهيم بن عثمان السمنودي المصري، من أهل هذا العصر.
* نصرة الإمام السبكي برد الصارم المنكي.
68- عالم مكة محمد العربي التبّان المتوفى سنة 1390هـ.
* براءة الأشعريين من عقائد المخالفين.
69- الشيخ محمد يوسف البنوري الباكستاني.
* معارف السنن شرح سنن الترمذي.
70- الشيخ منصور محمد عويس، من أهل هذا العصر.
* ابن تيمية ليس سلفيًا.
71- الحافظ الشيخ أحمد بن الصديق الغماري المغربي المتوفى سنة 1380هـ.
* هداية الصغراء.
* القول الجلي.
72- الشيخ المحدث عبد الله الغماري المغربي المتوفى سنة 1413هـ.
* إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة.
* الصبح السافر في تحقيق صلاة المسافر.
* الرسائل الغمارية، وغيرها من الكتب.
73- الكسند أبو الأشبال سالم بن جندان الأندونيسي.
* الخلاصة الكافية في الأسانيد العالية.
74- حمد الله البراجوي عالم سهارنبور.
* البصائر لمنكري التوسل بأهل القبور.
75- وقد كفّره الشيخ مصطفى أبو سيف الحمامي في كتابه غوث العباد ببيان الرشاد:
وقرّظه له جماعة وهم الشيخ محمد سعيد العرفي، والشيخ يوسف الدجوي، والشيخ محمود أبو دقيقة، والشيخ محمد البحيري، والشيخ محمد عبد الفتاح عناتي، والشيخ حبيب الله الجنكي الشنقيطي، والشيخ دسوقي عبد الله العربي، والشيخ محمد حنفي بلال.
76- رد عليه أيضًا محمد بن عيسى بن بدران السعدي المصري.
77- السيد الشيخ الفقيه علوي بن طاهر الحداد الحضرمي.
78- مختار بن أحمد المؤيد العظمي المتوفى سنة 1340هـ.
* جلاء الأوهام عن مذاهب الأئمة العظام والتوسل بجاه خير الأنام عليه الصلاة والسلام، رد فيه على كتاب “رفع الملام” لابن تيمية.
79- الشيخ إسماعيل الأزهري.
* مراءة النجدية.
80- الشيخ سراج الدين عباس الأندونيسي المتوفى سنة 1403هـ.
فانظر أيها الطالب للحق وتمعن بعد ذلك، كيف يلتفت إلى رجل تكلم فيه كل هؤلاء العلماء ليبينوا حقيقته للناس ليحذروا منه، فهل يكون بيان الحق شيئًا يعترض عليه، سبحانك هذا بهتان عظيم.
ثم اعلم أنك إذا أردت مزيد الاطلاع على أفعال وأقوال ابن تيمية الشاذة فعليك بالعودة لكتاب العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري الحبشي المسمى “المقالات السُّنية فيكشف ضلالات أحمد بن تيمية” فإنه كتاب جامع نفيس جدًا.
الهوامش:
[1] أنظر ذخائر القصر، [ص/69]، مخطوط.
[2] أنظر الكتاب [1/66] مخطوط.
[3] أنظر الإعلان بالتوبيخ للسخاوي [ص/77].
[4] ما كان بين العاقفتين فهو من نسخة أخرى.
[5] أعيان العصر وأعوان النصر [1/71].
[6] إتحاف السادة المتقين [2/106].
[7] النهر الماد: تفسير ءاية الكرسي [1/254].
[8] أنظر الموافقة [2/75].
[9] أنظر الموافقة [1/245].
[10] محمد زاهد بن الحسن الكوثري [1296-1371هـ=1879-1952ر] فقيه حنفي، تفقّه في جامع الفاتح بالأستانة ودرس فيه، ثم جاء إلى الإسكندرية عام 1922ر. ثم استقر في القاهرة موظفًا في دار المحفوظات، له تآليف كثيرة منها: الاستبصار في التحدث عن الجبر والاختيار، وله نحو مائة مقالة جمعت في كتاب مقالات الكوثري.
[11] أنظر السيف الصقيل [ص/74].
[12] أنظر نقد مراتب الإجماع [ص/168].
[13] أنظر الكتاب [ص/197].
[14] أنظر تشنيف المسامع [ص/342]، مخطوط.
[15] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الخلق: باب ما جاء في قول الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده}.
[16] فتح الباري [13/410].
[17] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد: باب وكان عرشه على الماء.
[18] أنظر المنهاج [1/262].
[19] أنظر فتاويه [4/374].
[20] أنظر النهر الماد، تفسير ءاية الكرسي [1/254].
[21] أنظر السيف الصقيل [ص/85].
[22] أنظر إتحاف السادة المتقين لمرتضى الزبيدي [4/380].
[23] حادي الأرواح [ص/579 و582].
[24] الرد على من قال بفناء الجنة والنار [ص/67].
[25] الرد على من قال بفناء الجنة والنار [ص/71-72].
[26] الرد على من قال بفناء الجنة والنار [ص/52].
[27] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الرقاق: باب يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب.
[28] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الرقاق: باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء.
[29] فتح الباري [11/421].
[30] شرح حديث النزول [ص/80].
[31] أنظر الكتاب [1/62].
[32] أنظر الكتاب [1/148].
[33] أنظر الكتاب [1/197]، ونحوه [1/204].
[34] أنظر الكتاب [1/180].
[35] مجموع فتاوى [4/152].
[36] بيان تلبيس الجهمية [1/101].
[37] اعتقاد الإمام أحمد [ص/7-8]، مخطوط.
[38] التوسل والوسيلة [ص/24].
[39] التوسل والوسيلة [ص/150].
[40] أنظر شفاء السقام في زيارة خير الأنام [ص/160].
[41] أنظر حاشية ابن حجر على شرح الإيضاح [ص/489].
[42] أي بالجارحة والجزء.
[43] مجموع فتاوى [4/520].
[44] الفتاوى الكبرى [1/142].
[45] الرد على الأخنائي [ص/165].
[46] دفع شبه من شبه وتمرد [ص/94-95].
[47] أنظر الكتاب [ص/27-28].
[48] أنظر الكتاب [ص/129].
[49] لا معنى للتردد الذي في ضمن كلام القاري لأنّ أحدًا من المسلمين خواصهم وعوامهم لا يشك في كون زيارة قبر الرسول في السفر وفي غير السفر قربة إلى الله، فالصواب الجزم.
[50] الدرر الكامنة [1/153].
[51] أنظر الكتاب [1/114].
[52] أنظر المنهاج [2/203].
[53] أنظر المنهاج [2/214].
[54] أنظر المنهاج [3/156].
[55] أنظر المنهاج [2/204].
[56] لسان الميزان [6/319].
[57] لسان الميزان [6/319].
[58] أنظر المنهاج [4/42].
[59] أنظر المنهاج [4/218-219].
[60] أنظر منهاج السنة النبوية [4/38].
[61] أنظر منهاج السنة النبوية [4/40].
[62] أنظر منهاج السنة النبوية [2/168].
[63] أنظر منهاج السنة النبوية [2/171].
[64] أنظر منهاج السنة النبوية [4/65].
[65] المستدرك [2/307].
[66] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق.
[67] لسان الميزان [6/319[
البوطي يزعم أنه لا يكفر الكافر ويقول بتكفير أهل فلسطين
قال البوطي في شريط مسجل: “أنا الكافر لا أكفره”.
انظر أخي القارئ إلى هذا التناقض العجيب في كلام هذا الرجل الذي ينتسب إلى العلم، لقد قال إنه لا يكفر من سماه كافرًا، فكيف يسميه كافرًا ثم يقول أنا لا أكفّره، ما هذا الفهم الذي اتسم به. فلو قال: أنا لا أكفر من لا يكفر، أو قال أنا لا أكفر بشبهة، أو قال أنا لا أكفر من لم يثبت لدي كفره لما كنا اعترضنا عليه. فعلى قول البوطي إبليس ليس بكافر عنده، وكذا فرعون ليس بكافر عنه، وكذلك أبو لهب وأبو جهل وغيرهم ممن ثبتت بهم النصوص.
ثم العجيب فإن كنت لا تكفر الكافر فما بالك تكفر الفلسطينيين، أفلا يكفيهم ما حل بهم من المعاناة والتشريد والقتل، ألم يكفهم كل ذلك حتى تنزل عليهم جام غضبك وتكفرهم.
وقد جاء تكفير البوطي للفلسطينيين في جامع الرفاعي بتاريخ 18/12/92، فهو مسجل بشريط ثم نشرته مجلة “إلى الإمام” العدد رقم/2177 يقول: “ولكن أين هو الإيمان؟ لو كانت جذور هذا الإيمان راسخة في قلوب أولئك الناس لا والله لما طردوا من ديارهم” اهـ.
وقال: “إذا كانت هذه الجروح لم تصل بعد إلى درجة الموت الذي لا حراك به ولا حس فإن الجرح لا والله لا يضمده إلا الرجوع إلى دين الله إلا الرجوع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى” اهـ.
ويقول: “وهل بقيت لهم من كرامة بعد أن أعرضوا عن دين الله، وبعد أن عرفوا ماذا صنعوا حتى طردهم ذلك العدو من تلك الديار” اهـ.
البوطي يزعم أن الله يؤنب النبي صلى الله عليه وسلم
يقول البوطي في كتابه “هذه مشكلاتهم” [ص/176] ما نصه: “ثم إن القرءان يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحيان ناصحًا ومعاتبًا ومؤنبًا” اهـ.
الرد: قول البوطي: “ومؤنبًا” هذا لم يرد في كلام أهل العلم بل ولا في كلام عامة المفسرين، على أن النبي صلى الله عليه وسلم عاتبه الله عتابًا لطيفًا في ابن أم مكتوم وكان يقول عندما يراه: “مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي”.
فمن أين جاء البوطي بالتأنيب لماذا لا يلتزم بعبارات أهل العلم.
ثم إن هذه العبارة “ومؤنبًا” فيها إساءة أدبٍ كبيرة مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
البوطي يتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشك في نبوته ويجوّز الكبيرة بحقه صلى الله عليه وسلم
يقول في [ص/117] من كتابه “هذه مشكلاتهم”: “وانقطاع هذا الشخص عنه ستة أشهر أو يزيد حتى يظن محمد صلى الله عليه وسلم أنه ربما ارتكب إثمًا أغضب الله عليه فتحوّلت عنه النبوة التي بشره بها ورقة بسبب ذلك” اهـ.
ويقول في كتابه المسمى “من روائع القرءان” [ص/27]: “إن الوحي قد انقطع بعد ذلك مدة طويلة من الزمن، وأن الضيق والألم قد استبدا به صلى الله عليه وسلم من ذلك خوفًا من أن يكون قد أساء فتحول عنه الوحي لذلك” اهـ.
ويقول في كتابه “كبرى اليقينيات” [ص/192]: “وأن يستبد به القلق من أجل ذلك ثم يتحول القلق لديه إلى خوف في نفسه من أن يكون الله قد قلاه بعد أن تمّ تشريفه بالوحي والرسالة لسوءٍ قد صدر منه، حتى لقد ضاقت الدنيا عليه، وراحت تحدثه نفسه كلما وصل إلى ذروة جبل أن يلقي بنفسه منها” اهـ.
الرد: أولاً: يزعم البوطي أن النبي صلى الله عليه وسلم ظن أنه ارتكب إثمًا أغضب الله. وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم ارتكب كبيرة، لأن نص العلماء في تعريف الكبيرو: أنها ما ورد فيها نص بأنها من الكبائر أو الموبقات، أو هي فعل يستوجب الحد، أو ورد أن فاعلها يستوجب عذاب الله، أو أن فاعلها يستحق اللعن، أو أن فاعلها يدخل النار، أو ورد فيه وعيدٌ شديدٌ.
فكيف تزعم هذا يا دكتور وإنك في قوله تعالى: {وعصى ءادمُ ربَّهُ فغوى} تكلفت وتأوَّلت كل ذلك من أجل أن تقول إن سيدنا ءادم ما عصى الله تعالى، وها أنت الآن تنسب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى كبيرة من الكبائر وليس لك دليل حتى ولا شبهة دليل على ما تدعي.
ثانيًا: لم تقف عند ذلك الحد من الاتهام بل تماديت أكثر بكثير حيث اتهمت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه شك في نبوته، فنحن نعلم أن الشاك بنبوته صلى الله عليه وسلم كافر بالإجماع، فكيف يشك نبيّ بنبوته. فمرة قلت: تحول عنه الوحي، ومرة قلت: فتحولت عنه النبوة، فلو قلت: تأخر عنه الوحي لساغ لك ذلك، أما ادعاؤك هذا فيه نسبة الكفر والضلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: أما قولك: “ثم يتحول القلق لديه إلى خوف في نفسه من أن يكون الله قد قلاه”، فقولك: قلاه أي خشي سيدنا محمد أن يكون الله قد أبغضه ولا يخفى ما في هذه المقالة من شناعة وبشاعة.
قال الألوسي في تفسيره [1] ما نصه: “قال المفسرون: أبطأ جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: المشركون قد قلاه ربه وودعه، فأنزل الله تعالى ذلك. وأخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال: لما نزلت: {تَبَّتْ يدا أبي لهبٍ وتبْ} فقال للنبي صلى الله عليه وسلم فيما قالت: ما أرى صاحبك إلا قد ودعك وقلاك”، وقال الألوسي: “وفي بعض الروايات ما يدل على قائل ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، فعن الحسن أنه قال: أبطأ الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لخديجة: إن ربي ودعني وقلاني يشكو إليها… الحديث فنزلت”.
ثم قال الألوسي: “واستشكل بأنه لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم أن يظن أن الله تعالى ودعه وقلاه، وهل هو إلا نحو من العزل، وعزل النبوة عن النبي غير جائز في حكمته عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام أعلم بذلك ويعلم صلى الله عليه وسلم أن إبطاء الوحي وعكسه لا يخلو كل منهما عن مصلحة وحكمة”، ثم قال الألوسي: “وأنت تعلم أن هذه الرواية شاذة لا يعول عليه ولا يلتفت إليها فلا ينبغي إتعاب الذهن بتأوليها ونحوها”، إلى أن قال: “والمعول ما عليه الجمهور وصحت به الأخبار أن القائل هم المشركون” اهـ.
رابعًا: أما قول البوطي: “وراحت تحدثه نفسه كلما وصل إلى ذروة جبل أن يلقيَ بنفسه منها”.
فالجواب: هذا الكلام ورد معناه في البخاري [2]، فالجزء الأول من الحديث رواه الزهري عن السيدة عائشة رضي الله عنها. أما الجزء الثاني فهو من بلاغاته، فقال في الرواية: “وفتر الوحي فترةً حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل”.
قال الحافظ ابن حجر ما نصه [3]: “ثم إن القائل فيما بلغنا هو الزهري، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة وهو من بلاغات الزهري وليس موصولاً” اهـ.
أما معنى الحديث فلا يتوهمن متوهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد الانتحار، فالانتحار هو أكبر الكبائر بعد الكفر وهذا محال شرعًا على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بل إنما همّ بذلك لتخفيف شدة الشوق الذي أثّر فيه، والأنبياء وكثير من الأولياء الله أكرمهم بأن لا يؤثر فيهم الإلقاء في النار ولا من ذزوة الجبال، وقد حصل لسيدنا يونس عليه السلام أنه لم يقتله الغرق لما ألقى بنفسه في اليمّ، فلو كان يعتقد أنه يقتله ما كان ألقى بنفسه في اليم بل وافق صاحب السفينة حين عرض عليه أن لا يرميه لما توسَّم فيه من الخير فلم يلق بنفسه، ولو كان يعلم أنه يغرق فيموت ويهلك لما فعل ذلك البتة لأنها أكبر الكبائر بعد الكفر، وهذا لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن كان يعتقد أن الرسول هم أن يلقي بنفسه من ذورة الجبال وهو يراه جائزًا فقد نسب إلى الرسول استحلال أكبر الكبائر بعد الكفر وذلك كفر، لأن الرسول لا يستحل معصية كائنة ما كانت فكيف باستحلال أكبر الكبائر بعد الكفر.
وقد حصل من كثير من أصحاب الأحوال من الأولياء من هذه الأمة القفز من السطوح إلى الأرض والمشي على وجه الماء كما حصل لسيدنا عيسى، ومنهم من رمي من السفينة في لجة البحر فلم يحصل له ضرر، فإذا كان هذا يحصل لبعض أولياء أمم الأنبياء فمن باب أولى أن لا يؤثر مثل ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكيف يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه هم أن يرمي بنفسه من ذروة الجبال بعد أن قال له جبريل: “أنت رسول الله حقًا” كما هو مروي في الصحيح، وقد اتفق أهل السنة على أن النبي من الأنبياء معصوم من الكفر مطلقًا، فإذا كان حصل من الغلام الذي وردت قصته في مسلم وابن حبان ما حصل من غير أن يحصل له ضرر فكيف بالأنبياء وهذا سياق الحديث عند مسلم [4]:
“حدثنا هدّاب بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كان ملِك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إليّ غلامًا أعلمه السّحر فبعث إليه غلامًا يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه، فشكى ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمةٍ قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبّ إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل عليّ، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما ههنا لك اجمع إن أنت شفيتني فقال: إني لا أشفي لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله فإن أنت ءامنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس له الملك: من رد عليك بصرك قال: ربي، قال: ولك رب غيري قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهي فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقّه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بم شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بم شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما ءامرك به قال وما هو قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهمًا من كنانتي ثم ضع الشهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيدٍ واحدٍ وصلبه على جذع ثم أخذ سهمًا من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس ءامنا برب الغلام ءامنا برب الغلام ءامنا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد ءامن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدّت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فاحموه فيما أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبيّ لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق” فإذا ثبت أن هذا الغلام الذي هو شاب مسلم من الأمم الماضية من المتمسكين بشرع نبي من الأنبياء على تقوى وقوة يقين وليس من مشاهير الأولياء في تلك الأمم المسلمة لم يهلك بإلقائه من ذروة الجبل ولا بإلقائه في البحر فكيف يُظن بسيدنا محمد أنه همّ بأن يُلقي نفسه من ذروة الجبل ليقتل نفسه، فلا يجوز الشك في كفر من اعتقد أن الرسول همّ بذلك ليقتل نفسه لأنّ استحلال أكبر الكبائر بعد الكفر ردةٌ وكفرٌ، ومن ظنّ أن الرسول كان يعتبر هذا حلالاً فكفره أكبر وأشد. وذلك الراهب كان من الرهبان المسلمين الو\موحدين التابعين لشرع بعض الأنبياء قبل سيدنا محمد، فقد كان فيما مضى قبل سيدنا محمد من اتباع الأنبياء أناسٌ مسلمون زهّاد انقطعوا لعبادة الله عن الدنيا وشهواتها كما يوجد في هذه الأمة أناس زهدوا في الدنيا فلزمزا الخلوات وقطعوا أنفسهم عن زخارف الدنيا وشهواتها فظهرت لهم كرامات من عدم تأثير النار فيهم كما لم تؤثّر في نبي الله إبراهيم، وتذليل السباع والثعابين واستغناء بعضهم عن الأكل والشرب مدة طويلة كما حصل لعبد الرحمن بن أبي نُعُم رضي الله عنه وكان الحجاج بن يوسف أراد أن يقتله بالجوع فأمر بإدخاله بيتًا وإغلاق الباب عليه ورسلم أن لا يدخل عليه بطعام ولا شراب ثم بعد خمسة عشر يومًا أمر بفتح الباب فإذا هو قائم يصلي فخلّى الحجاج سبيله ولم يقتله لما رأى هذا العجب.
فلا التفات إلى من حمل هذا الحديث على هذا الوجه الفاسد من أن الرسول همّ بإلقاء نفسه من ذرى الجبال ليقتل نفسه كائنًا من كان كما حصل لبعض من شرح هذا الحديث، ولا يستبعد أن يكون بعض هؤلاء دُسَّ عليهم في مؤلفاتهم. وحرمة قتل النفس المؤمنة وحرمة قتل نفسه مما يعرفه العلماء والجهال معلوم من الدين بالضرورة، وقد اتفق الفقهاء على أن من استحلّ أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة حرمته مرتد، فالمعصوم من عصمه الله فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله.
الهوامش:
[1] تفسير الألوسي [30/200].
[2] صحيح البخاري: كتاب التعبير: باب أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة.
[3] فتح الباري [12/359].
[4] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الزهد والرقائق: باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام.
البوطي يتهم الإمام أحمد بالمعتقدات الفاسدة
يقول البوطي في “كبرى اليقينيات” [ص/126] ما نصه [1]: “وأما الكلام الذي هو اللفظ فاتفقوا على أنه مخلوق وعلى أنه غير قائم بذاته سبحانه باستثناء أحمد بن حنبل وبعض أتباعه فقد ذهبوا إلى أن هذه الحروف والأصوات أيضًا قديمة بذاتها وأنها هي المعني بصفات الكلام” اهـ، ثم يقول في الهامش: “نص على ذلك الإمام أحمد بن حنبل في رسالته الرد على الزنادقة وهي رسالة مطولة مطبوعة ضمن مجموعة من الرسائل الكبرى لابن تيمية” اهـ.
الرد: إن الإمام أحمد عقيدته في هذا الأمر كعقيدة سائر أهل السنة والجماعة، والقول بأن الإمام أحمد كان يعتقد أن الصوت والحروف قديمة بذاتها فهذا تضليل وتكفير للإمام والإمام منه براء، بل هذه العقيدة هي عقيدة الصوتيين من المجسمة التي تنتسب زورًا لمذهب أحمد كابن تيمية وغيره.
والذي عليه الإمام أن كلام الله الذاتي الأزلي الأبدي الذي ليس بحرف ولا صوت هو قديم أما الحروف والأصوات فهي مخلوقة، والكلام الذاتي الأزلي لا يمكن أن يتصف بحرف أو صوت لأن الله خالق الحرف والصوت، ولا يمكن أن يتصف الخالق بصفة المخلوق.
وأي عاقل يقول بأن هذه الحروف التي في بسم الله الرحمن الرحيم كل حرف منها قديم، أليس الباء تنتهي عندما ينطق بها، أليس تنقضي ثم تأتي السين ثم تنقضي ثم تأتي الميم ثم تنقضي، فأي عاقل يقول في هذه الحروف إنها أزلية؟! إنما المنقول عن بعض الحنابلة “أن الله تعالى متكلم بصوت قديم”، وفرق بين الصوت والحرف، إذ كل حرف صوت وليس كل صوت حرفًا. أما أنت فقد نسبت إلى الإمام أحمد أنه لا يفرق بين الصوت والحرف.
وأما كتاب الرد على الزنادقة فهو كتاب ليس للإمام أحمد إنما ألصقه المجسمة به ليدّعوا أن أحمد كان على دينهم الخسيس.
وقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء [2] في ترجمة الإمام أحمد أن الكتاب المسمى “الرد على الجهمية” موضوع على الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فهذا الرجل –أعني الإمام أحمد- كان تقيًَا ورعًا لا يتفوّه بمثل ذلك.
والرسالة التي ذكرها البوطي المنسوبة للإمام أحمد تسمى “الرد على الجهمية والزنادقة”.
الهوامش:
[1] سير الأعلام [1/286-287].
[2] راجع الكتاب [11/286-287].
البوطي يدعي أن الوهابية جاءت لمحاربة البدع والخرافات
يقول البوطي في كتابه المسمى “السلفية” [ص/235]: “في هذه الفترة كان المذهب الوهابي المنسوب إلى صاحبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب [1115-1206هـ – 1703-1792] منتشرًا في نجد وبعض أطراف الجزيرة العربية لعوامل معروفة ليس هنا مجال ذكرها وبيانها، وقد كان بين المذهب الوهابي هذا والدعوة التي حملها رجال [الاصلاح الديني] في مصر قاسم مشترك يتمثل في محاربة البدع والخرافات”.
الرد: أنت تدعي ان الوهابية جاءت لمحاربة البدع، ووالله ما أحدٌ ابتدع بتاريخ الإسلام كما ابتدعت الوهابية، ألم يكفهم من الخزي والبدع أنهم نسبوا الجهة والمكان والجلوس والجسم والحرف والحركة والسكون والارتفاع والانخفاض لله تعالى، وحرموا عمل المولد والسفر لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة على النبي بعد الأذان، وحرموا قراءة القرءان على الأموات.
وها هم اليوم وبعدما انفضحت الوهابية راحوا يتبرءون من هذا الاسم ويدّعون أنهم سلفية ولقد انخدع بهم كثير من الناس فراحوا يسمونهم باسم السلفية وإنما هم كالماسونية التي تتسمى بعدة أسماء.
ولقد وقع بين يدي كتاب نفيس جدًا من أنفس وأدق ما ألف في الوهابية وهو موثق بدقة وهنا اقتطف منه غيضًا من فيض، واسمه “الوهابية في العراء”.
قد يقول قائل إن مؤلف هذا الكتاب ومن أجل جملة قصيرة يتهم البوطي بالدفاع عن الوهابية وذلك ليجد المؤلف فرصة للانقضاض على الوهابية والبوطي في ءان واحد أقول: إن البوطي لا يوافق الوهابية في هذه المسألة فقط بل في عدة مسائل وهي:
– إن الوهابية جاءت لنسف الخُرافات والبدع [وهي مدار بحثنا].
– عدوان البوطي للصوفية مع أنه وافق غلاتهم في مسئلة الحلول.
– موافقته للوهابية في مسئلة البدعة –إذ لا يرى أن هناك بدعة حسنة-.
– موافقته لهم في مسئلة الاستغاثة.
– موافقته لهم في التجسيم.
– موافقته لهم في الدفاع عن ابن تيمية ويقول عنه شيخ، وإمام، ورحمه الله، وقدس الله سره، وينصح بقراءة مؤلفاته.
– موافقته لهم في نسبة القول بالحرف والصوت لله تعالى وينسبونه للإمام أحمد زورًا.
وبالعودة إلى كتاب “الوهابية في العراء” يقول المؤلف:
ملاحظة هامة جدًا:
ينكر الوهابية أن يكون هناك مذهب وهابي أو طائفة تسمى الوهابية لأنهم يعرفون أن تاريخهم حافل بالفساد والخراب والإرهاب ويتسرتون زورًا وبهتانًا وكذبًا باسم السلفية.
ومما يؤكذ لك أنهم وهابية وأن هذا الاسم ينطبق عليهم تمامًا وهذا هو الواقع حقًا ما جاء في كتاب لهم نشروه بعنوان الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإسلامية بقلم أحمد بن حجر ءال بوطامي ءال بن علي أحد كبار دعاتهم في قطر وقضاتهم قدّم له عبد العزيز بن عبد الله بن باز/الطبعة الثانية 1393هـ طبع شركة مطابع الجزيرة [ص/105] حيث يقول: “فلما التقى بالوهابيين في مكة”، ويقول: “استطاع هؤلاء المسلمون الوهابيون أن يقيموا الدولة الإسلامية على أساس من المبادئ الوهابية”، ويقول: “ولكن الدعوة الوهابية”، ويقول: “يدينون بالإسلام على المذهب الوهابي”.
ومما يؤكد أنهم هم الوهابية ما جاء في كتاب محمد بن جميل زينو المدرس الوهابي في مكة الذي أسماه “قطوف من الشمائل المحمدية” –طبع دار الصحابة- قام بتوزيعه ونشره في لبنان الجمعية الوهابية المسماة جمعية النور والإيمان الخيرية الإسلامية [ص/67] مفتخرًا باسم الوهابية ويقول على زعمه: “وهابي نسبة إلى الوهاب وهو اسم من أسماء الله”.
وقد كذب في هذا فإن الوهابي نسبة إلى المبتدع المجسم محمد بن عبد الوهاب، لكنه جهل أن العرب تنسب للمضاف إليه فتقول في المنسوب لعبد قيس قيسيّ.
ومما يؤكذ ذلك أيضًا اعترافهم بأن ما هم عليه هو الدين الوهابي وتسميتهم لذلك بالحركة الوهابية كما ترى ذلك واضحًا في تسمية كتاب أحد رؤوسهم وهو محمد خليل هراس حيث أسماه “الحركة الوهابية”، طبع دار الكتاب العربي الذي يدافع فيه عن الوهابية ويسميها الدعوة الوهابية أنظر [ص/37].
فقد ثبت لك بما أقروا به على أنفسهم وبأقلام رؤسائهم وكبارهم أنهم هم الحركة الوهابية، فكن على ذُكْرٍ من ذلك متنبهًا لتمويهاتهم بالأسماء الكثيرة والمتنوعة البراقة والرنانة التي يدخلون بها إلى بيوتات الناس، وكفى الله البلاد والعباد هذه الفتنة.
إذًا فالوهابية هم أعداء المؤمنين وأحباب وأعوان الكافرين.
من أقوال الوهابية الموافقة لعقيدة اليهود
ففي نسخة التوراة المحرفة التي هي أساس دين اليهود الذي يسمونه الكتاب المقدس سفر الملوك الإصحاح الأول الرقم “19-20” يقول اليهود لعنهم الله: “وقال فاسمع إذًا كلام الرب قد رأيت الرب جالسًا على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن شماله”. وإليك طائفة من أقوال من مراجع تعتمدها الوهابية بل تعتمد اللفظ عينه، والكفرُ قد جمع بينهما:
– في كتاب “مجموع الفتاوى” –المجلد الرابع- ص/374 لابن تيمية الحراني الذي يعتبره الوهابية أتباع محمد بن عبد الوهاب إمامهم يقول ما نصه: :إنّ محمدًا رسول الله يجلسه ربه على العرش معه” اهـ.
– وفي كتاب “مجموع الفتاوى” –المجلد الخامس ص/527، وكتاب شرح حديث النزول- طبع دار العاصمة ص/400 يقول ابن تيمية: “فما جاءت به الآثار عن النبي من لفظ القعود والجلوس في حق الله تعالى كحديث جعفر بن أبي طالب وحديث عمر أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد” اهـ.
وهذا الكتاب المسمى شرح حديث النزول فيه بيان شدة خبث وضلال ابن تيمية وبُعده عن الحق وهو كتاب مطبوع في الرياض سنة 1993 قام بطبعه دار العاصمة، وعلّق عليه محمد الخميس الذي يوافق ابن تيمية في التشبيه والتجسيم.
واعلم أن لفظة الجلوس لم يرد إطلاقها على الله لا في القرءان ولا الحديث إنما هي من بدع ابن تيمية الكفرية وأتباعه الوهابية المشبهة ومن وافقهم.
– وفي كتاب الدارمي [1] على بشر المريسي –طبع دار الكتب العلمية ص/74 بتعليق محمد حامد الفقي يقول المؤلف الدارمي: “وإن كرسيه وسع السموات والأرض، وإنه ايقعد عليه فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع، وإن له أطيطًا كأطيط الرحل الجديد إذا ركبه من يثقله”، وينسب هذا الكفر إلى النبي والعياذ بالله وهذا الكتاب يعتمده الوهابية.
وهذا الكتاب هو وكر ومخبأ لعقيدتهم الخبيثة حتى إنه لتشمئزُّ منه نفوس الذين ءامنوا من بشاعة الكفر الذي فيه. وما تمسكهم بهذا الكتاب مع ما فيه من ضلال إلا تعصب لزعيمهم ابن تيمية الذي مدح هذا الكتاب وحث على مطالعته ويدّعي كذبًا أنه يشتمل على عقيدة الصحابة والسلف.
وقد نقل هذا المدح عن ابن تيمية تلميذه ابن قيم الجوزية المولع باتباع مفاسده في كتابه “اجتماع الجيوش”.
– وفي كتاب “شرح القصيدة النونية” لاين قيم الجوزية تأليف محمد خليل هراس ص/256 يقول: “قال مجاهد: إن الله يُجلس رسوله معه على العرش” اهـ. وهذا كذب على مجاهد.
– وفي كتاب بدائع الفوائد طبعة دار الكتاب العربي 4/40 لابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية يقول:
“ولا تنكروا أنه قاعد *** ولا تنكروا أنه يقعده”
وقد كذب على الدارقطني في نسبة هذا البيت له.
– وفي كتاب “معارج القبول” تأليف حافظ حكمي علق عليه صلاح عويضة وأحمد القادري –الطبعة الأولى طبعة دار الكتب العلمية الجزء الأول ص/235- يقول:”قال النبي: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا وله في كل سماء كرسي، فإذا نزل إلى السماء الدنيا جلس على كرسيه ثم مد ساعديه، فإذا كان عند الصبح ارتفع فجلس على كرسيه”.
– وفي ص/236 يقول والعياذ بالله: “قال النبي: ثم ينظر –يعني الله- في السعة الثانية في جنة عدن وهي مسكنه الذي يسكن”.
– وفي ص 127 يقول هذا المشبّه: “قالت امرأة: يوم يجلس الملك على الكرسي فيؤخذ للمظلوم من الظالم”.
ويقول محمد زينو في كتابه المسمى مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع طبع دار الصميعي الرياض ص/21: “إن الله فوق العرش بذاته منفصل من خلقه”.
– وفي الكتاب المسمى “فتح المجيد شرح كتاب التوحيد” تأليف عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب طبعة دار الندوة الجديدة بيروت ص/356 يقول حفيد محمد بن عبد الوهاب موافقًا لعقيدة اليهود: “قال الذهبي: حدث وكيع عن إسرائيل بحديث: إذا جلس الرب على الكرسي”.
وقد قام كبير دعاتهم اليوم والممثل لهم عبد العزيز بن باز بمراجعة هذا الكتاب والموافقة على طبعه مع مراجعة الحواشي التي كتبها محمد حامد الفقي واستحسن ما فيه وأثنى عليه بعبارات كثيرة، وهذا يدل على أن ابن باز على تلك العقيدة الفاسدة.
الهوامش:
[1] هو عثمان بن سعيد الدارمي وهذا المشبّه توفي سنة 282هـ، وهو غير الإمام الحافظ السني أبي محمد عبد الله بن بهرام الدارمي رحمه الله صاحب كتاب السنن الذي توفي سنة 255هـ، فليتنبه لهذا.
خاتمة هذا الفصل
وفيما ذكرنا –وهو قليل من كثير- يتبين لك أيها القارئ الاتحاد والاتفاق بين عقيدة اليهود والوهابيين في نسبة الجلوس إلى الله.
وانظر بعين المطالع المنصف إلى استعمال الوهابية من رأسهم ابن تيمية إلى أتباعهم من أهل هذا العصر للعبارات الكفرية عينها التي وردت في كتب اليهود فيتبين لك صحة ما قيل من أن الواهبية طائفة موافقة لليهود في المعتقد، وهم مهما حاولوا أن ينفوا عن زعمائهم وصمة التشبيه فقد أشربوا في قلوبهم التجسيم كما أُشرب اليهود حب العجل فانطبع ذلك في قلوبهم.
الوهابية ينسبون الشكل والصورة لله
وكما تجرأ اليهود على وصف الله بالصورة والشكل فإن المرجع الأكبر للوهابية ابن تيمية اتبع أسياده اليهود في هذه الكفرية.
– ففي كتاب “عقيدة أهل الإيمان في خلق ءادم على صورة الرحمن” تأليف حمود بن عبد الله التويجري، وفيه تقريظ كبير لابن باز، طبعة دار اللواء الرياض –الطبعة الثانية يقول المؤلف ص/16: “قال ابن قتيبة: قرأت في التوراة: إن الله لما خلق السماء والأرض قال: نخلق بشرًا بصورتنا”.
– وفي ص/17 يقول: “وفي حديث ابن عباس: إن موسى ضرب الحجر لبني إسرائيل فتفجّر وقال: اشربوا يا حمير فأوحى الله إليه: عمدت إلى خلقٍ من خلقي خلقتهم على صورتي فشبهتهم بالحمير، فما برح حتى عوتب”.
والعياذ بالله من الكذب على الله وعلى أنبيائه.
– وفي ص/27 يقول المؤلف: “قال رسول الله: فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن”.
ومما يدل على أن الوهابية يعتقدون هذا الكفر البشع وإن أخفوه عن كثير من العوام، ومنهم من خلع ثوب الحياء ورمى إزار الخجل عن نفسه حتى بدت سوأته وظهر عَوَرُهُ وبان كفره واتضح شرُّه أنهم طبعوا كتابًا سموه: “للذي يسأل أين الله” –طبعة دار البشائر- بيروت تحت عنوان: ما هو شكل الله يقولون ص/100: “لا نعرف لله شكلاً وهو أمرٌ خارج عن نطاق البحث الفعلي”.
ينسبون الحرف والصوت لله
وفي عقيدة اليهود ما جاء في الكتاب المسمى “العهد القديم” سفر التثنية الإصحاح “5” الرقم “26”، يقول اليهود: “من جميع البشر الذي سمع صوت الله”.
– وفي حاشية الكتاب المسمى “كتاب التوحيد” لابن خزيمة طبع دار الدعوة السلفية يقول محمد خليل هراس المعلق على هذا الكتاب ص/138: “وإن كلامه حروف وأصوات يسمعها من يشاء من خلقه”.
– وفي ص؟146 يقول المعلّق أيضًا: “يسمعون صوته عز وجل بالوحي قويًّا له رنين وصلصلة ولكنهم لا يميزونه، فإذا سمعوه صعقوا من عظمة الصوت وشدته”.
– وفي كتاب “الأسماء والصفات” لابن تيمية الجزء الأول دراسة وتعليق مصطفى عبد القادر عطا طبع دار الكتب العلمية بيروت 1988 يقول ابن تيمية في معرض ردّه على الجهمية ص/73: “وحديث الزهري قال: فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له صف لنا كلام ربك، قال: سمعتم أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها؟ فكأنه مثله”.
– وفي كتاب “شرح نونية ابن القيم” لمحمد خليل هراس ص/545 يقول المؤلف: “ولكنه –أي القرءان- قول الله الذي تكلم به بحروفه وألفاظه بصوت نفسه”.
– وفي الكتاب المسمى “فتاوى العقيدة” لمحمد بن صالح العثيمين، طبع ما يسمى مكتبة السنة الطبعة الأولى 1992 بمصر يقول ص/72: “في هذا إثبات القول لله وأنه بحرف وصوت، لأن أصل القول لا بد أن يكون بصوت فإذا أطلق القول فلا بد أن يكون بصوت”.
– وفي كتاب “معارج القبول” تأليف حافظ حكمي الجزء الثاني –طبعة دار الكتب العلمية- بيروت ص/191 يقول: “فيضع الله كرسي حيث يشاء من أرضه ثم يهتف بصوته” وينسب هذا للنبي والعياذ بالله.
ومهما حاولوا أن يبرئوا ساحة زعيمهم ابن تيمية عن هذا الضلال المبين فها هي كتبهم ومؤلفاتهم طافحة بما سطرته أيديهم الأثيمة من كلام الدارمي إلى ابن تيمية وابن القيم إلى محمد بن عبد الوهاب وحفيده عبد الرحمن إلى ابن باز والعيثمين إلى محمد هراس وحافظ حكمي وأبي بكر الجزائري وعبد الرحمن دمشقية وعبد الله السبت وغيرهم من شراذم المشبهة المجسمة ممن يروّجون وينتصرون لعقيدتهم ويدافعون عنها كما ثبت لك أيها القارئ.
فائدة هامة: اعلم أن الحافظ البيهقي قال: “لم يصح من أحاديث الصوت شيء”، وألف الحافظ المقدسي جزءًا في إبطال أحاديث الصوت تتبعها حديثًا حديثًا وبيّن وجه ضعفها.
نسبتهم الفم واللسان إلى الله والعياذ بالله
ومن عقيدة اليهود ما جاء في الكتاب المسمى “العهد القديم” وهو نسخة التوراة المحرفة فيما يسمونه سفر أيوب الإصحاح “37” الرقم “2-6” يقول اليهود لعنهم الله تعالى: “اسمعوا سماعًا رعد صوته والرفدمة الخارجة من فيه تحت كل السموات”.
– ففي كتاب “الأسماء والصفات” لابن تيمية الجزء الأول ص/73 يقول ابن تيمية في معرض رده على الجهمية: “وحديث الزهري قال: لما سمع موسى كلام ربه قال: يا رب هذا الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى هو كلامي وإنما كلمتك بقوة عشرة ءالاف لسان”.
– وفي كتاب الأسماء والصفات لابن تيمية ص/91 يقول ابن تيمية: “فثبت بالسنة والإجماع أن الله يوصف بالسكوت لكن السكوت تارة يكون عن التكلم وتارة عن إظهار الكلام وإعلامه”.
نسبتهم الحركة والسكون والنزول الحسي إلى الله
وفي عقيدة اليهود ما جاء في الكتاب المسمى العهد القديم فيما يسمونه سفر التكوين الإصحاح “11” الرقم “5” يقول اليهود: “فنزل الرب لينظر للمدينة والبرج اللذين كان بنو ءادم يبنوهما”.
– أما الوهابية ففي الكتاب المسمى السُّنَّة طبع ونشر وتوزيع رئاسات البحوث والإفتاء والدعوة الوهابية ص/76 يقول المؤلف: “إن الله يقظان لا يسهو يتحرك ويتكلم”.
– وفي كتاب “الدارمي” ص/55 يقول المؤلف: “فالله الحي القيوم الباسط يتحرك إذا شاء”.
– ويقول الدارمي ص/55: “إن الله إذا نزل أو تحرك”.
– وفي ص/121 يقول المؤلف: “لا نسلّم أن مطلق المفعولات مخلوقة وقد أجمعنا واتفقنا على أن الحركة والنزول والمشي والهرولة والغضب والحب والمقت كلها أفعال في الذات للذات وهي قديمة”.
وهذه النقولات صريحة في بيان أن فظاعة الكفر التي عند اليهود انتقلت للوهابية فلم يبق إلا أن يصرحوا بأن معبودهم على صورة الإنسان بعدما وصفوا الله بالجسم والصورة والكيف والحركة والسكون والتكلم بالحرف والصوت والسكوت واليدين الجارحة والفم والرجل الجارحة، حتى لم يتركوا من صفات البشر إلا اللحية والفرج.
وإليك الآن ما يذهلك أيها المسلم فإن الوهابية تدّعي الإسلام ومع ذلك تقول بمقولة اليهود فنعوذ بالله من الجرأة على الله.
نسبتهم الرجل والعين على معنى الجارحة إلى الله والعياذ بالله
ففي عقيدة اليهود ما جاء في الكتاب الذي يسمونه سفر الخروج الإصحاح “15” الرقم “16” يقول اليهود لعنهم الله: “بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر”.
– وفي كتاب رد الدارمي على بشر المريسي السابق ذكره ص/26 يقول الدارمي المجسم: “فأكد الله لآدم الفضيلة التي كرّمه وشرّفه بها وءاثره على جميع عباده إذ كل عباده خلقهم بغير مسيس بيد وخلق ءادم بمسيس”.
– وفي ص/30 يقول هذا المشبه: “فلما قال خلقت ءادم بيديّ علمنا أن ذلك تأكيد ليديه وأنه خلقه بهما”.
– وفي حاشية الكتاب المسمى “كتاب التوحيد” لابن خزيمة يقول محمد خليل هراس المعلق على هذا الكتاب ص/63: “فإن القبض إنما يكون باليد الحقيقية لا بالنعمة، فإن قالوا إن الباء هنا للسببية أي بسبب إرادته الإنعام، قلنا لهم: بماذا قبض؟ فإن القبض محتاج إلى ءالة، فلا مناص لهم أو أنصفوا من أنفسهم إلا أن يعترفوا بثبوت ما صرّح به الكتاب والسنة”.
– وفي ص/64 يقول المعلق أيضًا: “هذه الآية صريحة في إثبات اليد فإن الله يخبر فيها أن يده تكون فوق أيدي المبايعين لرسوله ولا شك أن المبايعة إنما تكون بالأيدي لا بالنعم ولا بالقدر”.
– وفي الكتاب المسمى “عقيدة أهل السنة والجماعة” طبع مؤسسة قرطبة الأندلس ص/14-15 يقول ابن عثيمين المشبّه: “ونؤمن بأن لله عينين اثنتين حقيقيتين”، ويقول: “وأجمع أهل السنة على أن العينين اثنتان”.
– وفي كتاب “معارج القبول” –الجزء الأول تأليف حافظ حكمي ص/36، يقول: “ثم ينظر في الساعة الثانية في جنة عدن وهي مسكنه الذي يسكن” وينسب هذا الكفر للني والعياذ بالله.
– وفي كتاب “فتاوى العقيدة” الذي مرّ ذكره ص/88 يقول محمد بن صالح العثيمين: “لأن الله وسع كرسيه السموات والأرض والسموات والأرض كلها بالنسبة للكرشي موضع القدمين”.
– وفي الكتاب المسمى “تفسير ءاية الكرسي” لمحمد بن عثيمين ص/27 يقول ما نصه: “والكرسي هو موضع قدمي الله عز وجل”.
– وفي الكتاب المسمى “فتاوى العقيدة” لمحمد بن صالح العثيمين ص/112 يقول: “إن الله يأتي إتيانًا حقيقيًا”، ويقول في ص/114: “فإن ظاهره ثبوت إتيان الله هرولة وهذا الظاهر ليس ممتنعًا على الله فيثبت لله حقيقة”.
فمن أثبت لله الحدقة واليد الجارحة والصورة كيف يتورع على زعمه عن إثبات الرجل والعين بمعنى العضو والآلة. ثم ما هذا التناقض في دين الوهابية حيث إن أسلافهم لا ينسبون إلى الله اليد الشمال بل يكتفون بوصفه بأن له يدين جارحتين كلاهما يمين وهذا باطل أيضًا، أما وهابية هذا الزمان فلا يتحرّجون عن إثبات اليمين والشمال له تعالى، فبئس السلف وبئس الخلف.
نسبتهم المكان والجهة والحد والتحيز إلى الله والعياذ بالله
ومن عقيدة اليهود ما جاء في كتابهم المسمى سفر مزامير الإصحاح “2” الرقم “4” يقول اليهود لعنهم الله عن الله: “الساكن في السموات يضحك الرب”.
وهاكم الآن بعضًا من كفر الوهابية مما يتضمن وصف الله بالمكان والجهة والحد والتحيز تعالى الله عما يفتريه الكافرون:
– ففي كتاب رد الدارمي على بشر المريسي والذي هو مخبأ ووكر لعقائدهم الخبيثة وهو أحد مراجعهم ص/100 يقول والعياذ بالله: “رأس الجبل أقرب إلى الله من أسفله، ورأس المنارة أقرب إلى الله من أسفلها لأن كل ما كان إلى السماء أقرب كان إلى الله أقرب، فحملة العرش أقرب إليه من جميع الملائكة”.
– وفي كتاب “شرح نونية ابن القيم” لمحمد خليل هرّاس ص/249 يقول: “وهو صريح في فوقية الذات لأنه ذكر أن العرش فوق السموات وهي فوقية حسيّة بالمكان فتكون فوقية الله على العرش كذلك، ولا يصح أبدًا الفوقية هنا على فوقية القهر والغلبة”.
– وفي الكتاب المسمى “قرة عيون الموحدين” تأليف عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب الطبعة الأولى مكتبة المؤيد –الطائف سنة 1990 ص/263 ينقل ما نصه: “أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله مستوٍ على عرشه بذاته”، ثم قال: “استوى على عرشه بالحقيقة لا بالمجاز”.
وذكره أيضًا في كتابه المسمى فتح المجيد الذي علق عليه ابن باز موافقًا لهذا الاعتقاد المخالف للكتاب والسنة.
– وفي كتاب ابن باز المسمى “العقيدة الصحيحة وما يضادها” طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث والإفتاء والدعوة الوهابية ص/72 يقول ابن باز ما نصه: “إن الله بذاته فوق العرش” اهـ.
نقول: وهذا كلام فاسد مخالف للنقل والعقل. ثم أليس يقول ابن باز بمنع البدعة؟ أليس قوله إن الله بذاته فوق العرش بدعة؟ فإن زعم أنها ليست بدعة فنحن نتحداه أن يأتي بنص لما زعمه ولن يستطيع.
– وفي كتاب شرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل هراس ص/92 يقول: “وإن أريد بها جهة العلو فهي على حقيقتها”.
– وفي كتاب الرسالة التدمرية لابن تيمية ص/85 يقول هذا المجسّم مفتريًا على أهل السنة: “فلم ينطق أحد منهم في حق الله بالجسم لا نفيًا ولا إثباتًا، ولا بالجوهر والتحيز ونحو ذلك لأنها عبارات مجملة لا تحق حقًّا ولا تبطل باطلاً”.
– وفي كتابه “بيان تلبيس الجهمية” ص/427، وكتاب “منهاج السنة” ص/29-30 الجزء الثاني يقول ابن تيمية نقلاً عن المجسم عثمان بن سعيد الدارمي موافقًا له ما نصه: “وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين على أن الله في السماء وحدّوه بذلك”.
أقول: هذا كلام ابن تيمية بينما يقول سيدنا علي: “من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود”، فمع أي سلف أنتم على زعمكم يا وهابية.
– وفي كتاب “شرح حديث النزول” طبع دار العاصمةو ص/182 يقول ابن تيمية مفتريًا على الأشعري وأصحابه ما نصه: “إن الله فوق السموات بذاته”.
– وفي كتاب “تفسير ءاية الكرسي” لابن عثيمين ص/33 يقول هذا المشبه: “فأما علو الذات فهو أن الله عال بذاته فوق كل شئ، وكل الأشياء تحته والله عز وجل فوقها بذاته”.
فلا يخفى على ذي لبّ وفهمٍ أن عقيدة أهل السنة على خلاف ما عليه هؤلاء المدّعون الفارغون النجديون التيميّون حيث يجب بإجماع أهل الإسلام تنزيه الله عن المكان والجهة والتحيز. قال الإمام أبو جعفر الطحاوي الذي هو من السلف زمانًا وعقيدة حقيقة: “ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر”، أليس المكان من صفة البشر، أليس التحيز من صفة البشر، أليست الجهة من صفة البشر فأين عقولكم؟!
والآن بعد أن بيّنا لك أيها القارئ عقيدة الوهابية الموافقة لعقيدة اليهود تنقل إليك دفاع الوهابية عن اليهود وعدم تكفيرهم لهم، وكيف يكفّرونهم وهم الذين يعتبرونهم مؤمنين، وهذا ما ستراه في كتب زعمائهم ومراجعهم وكبار أئمة الضلال عندهم:
ابن تيمية واليهود:
ذكر الحافظ أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي فيما رواه الحافظ المحدث المؤرخ شمس الدين بن طولون في كتابه ذخائر القصر ص/96 وهو مخطوط عن ابن تيمية أنه قال:
“إن التوراة لم تبدّل ألفاظها بل هي باقية على ما أنزلت وإنما وقع التحريف في تأويلها”، وله في ذلك مصنّف أي لابن تيمية.
ويقول الشيخ محمد زاهد الكوثري في كتابه “الإشفاق على أحكام الطلاق” طبعة دار ابن زيدون ص/72: “ولو قلنا لم يُبْلَ الإسلام في الأدوار الأخيرة بمن هو أضرُّ من ابن تيمية في تفريق كلمة المسلمين لما كنا مبالغين في ذلك، وهو سهلٌ متسامحٌ مع اليهود يقول عن كتبهم إنها لم تحرّف تحريفًا لفظيًا”.
محمد ناصر الألباني واليهود
ومما قام به أحد أركان الوهابية المدعو محمد ناصر الدين الألباني رأس الوهابية في الأردن مما يرضي اليهود أسياده ويفرحهم، ولا شك أنهم استحسنوا ذلك منه، أنه دعا إلى تفريغ فلسطين من أهلها وأوجب عليهم الهجرة منها والخروج منها وزعم أن شهداء الانتفاضة منتحرون وأن شعب الانتفاضة خاسرون ويزعم أن هذه هي السنّة، أنظر جريدة “اللواء” اللبنانية بتاريخ 7/7/93 ص/16، وكتاب “فتاوى الألباني” جمع عكاشة عبد المنان –طبع مكتبة التراث- ص/18، وكذلك شريط مسجّل بصوت الألباني في بيته بتاريخ 22/4/93. وإليك أيها القارئ ما نشرته الصحف بتاريخ 1/9/93 ونصه:
لماذا قال الألباني: كل من بقي في فلسطين هو كافر؟
إن قضية فتوى المدعو محمد ناصر الدين الألباني التي قال فيها: “إن على الفلسطينيين أن يغادروا بلادهم ويخرجوا إلى بلاد أخرى، وإن كل من بقي في فلسطين منهم فهو كافر”، هذه الفتوى الغريبة العجيبة لا تزال تثير ردود أفعال عديدة، ولم يقتصر أثرها على الأردن حيث يعيش هذا الوهابي بل امتد إلى بقية أنحاء العالم العربي الأخرى.
فتوى غريبة بالطبع، لم تمرّ دون التصدي لها من عشرات الشخصيات الدينية ورجال الفكر. وممن ردّ على هذه الفتوى الدكتور صالح الخالدي حيث قال: إن الشيخ الألباني في فتواه خالف السنّة، وأنه قد يكون وصل إلى مرحلة الخوف، وطلب الدكتور الخالدي من أتباع الشيخ ومريديه ألا يسيروا وراءه دون تفكير.
وعلّق الدكتور علي الفقير عضو مجلس النواب الأردني على فتوى الشيخ الألباني قائلاً: “إن هذه الفتوى صادرة عن شيطان”، واستغرب الدكتور الفقير أن يطلب من سكان فلسطين ترك وطنهم بحجة أن اليهود يحتلونها.
وقد تصدت للمسألة قطعًا للجدل هيئة التدريس في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، وأصدرت بيانًا نددت فيه بفتوى الألباني، وبيّنت المغالطة التي وقع فيها في فتواه، ففلسطين من ديار الإسلام، والواجب يقضي بتضافر جميع الجهود لاستعادة الحق السليب لا ترك هذا الحق لمغتصبيه.
وقال الدكتور علي الفقير: “إن منطق هذا الشيخ منطق يهودي صرف”. والنتيجة نفسها توصّل إليها مراقبون سياسيون، ولم يبرئوا الفتوى من غاية مدسوسة قد يكون هذا الشيخ على دراية بها اهـ.
فقد اتضح جليًّا من أين تأخذ الوهابية عقيدتها ودينها، إنها تأخذها من كتب اليهود التي كتبوها بأيديهم ولعنوا بذلك، ولكن خسئ ابن تيمية وأتباعه الوهابية الذين ينكرون هذا ويعتبرون أن الرسول لم يعترض على كذبهم على الله ولم ينكر عليهم كفرهم وإشراكهم ونسبتهم الشكل والصورة الحقيقية إلى الله، وبذلك يكونون قد كفّروا الرسول ونسبوا إليه الضلال ليموهوا على الناس اعتقادهم الكفري مع نسبة ذلك إلى النبي، وبذلك يكونون قد أعظموا الفرية على الله وعلى رسوله، والله ورسوله والمؤمنون براء منهم ومن دينهم الكفري. وعقيدتهم أن الإسلام سمح بحرية العقيدة وأن الإسلام على زعمكم لم يكره أحدًا على اعتناقه بل ترك الحرية والاختيار لاتباع غيره من الأديان الباطلة، بل ورخص لهم بالبقاء على عقيدتهم على زعمكم فلمّ أُرسِلَ رسول الله محمد؟!! ولِمَ قاتل المشركين كافة؟! ولِمَ جاهد المنافقين وأظهر خبثم؟! ولمَ قاتل اليهود أسيادهم؟! ولمَ تكلف أتباعه من بعده من صحابةٍ وتابعين بنشر الإسلام في الأرض شرقًا وغربًا؟!!
إذن قد ظهر الحق وبان وانكشف وعرف الناس من يدافع عن اليهود ويحمي عقيدتهم وينشرها لهم بين المسلمين. وقد عرف الناس أيضًا من يوطد لليهود ليسيطروا على بلاد المسلمين والعرب فها هي أذنابهم تنشر الرعب بين الآمنين في بلاد المسلمين تقتيلاً وإرهابًا وتفجيرًا وتفخيخًا وبقرًا لبطون الحوامب وذبحًا للكبار والصغار والذكور والإناث والشباب والعُجّز، كل ذلك على زعمهم باسم الإسلام وإقامة دولة الإسلام، وما هو إلا خدمة واضحة للصهاينة أصحاب الفتن وأحبابهم. لقد ظهر للناس وبان من يتبع الإسلام ومن يتبع اليهودية وإن سمّوا أنفسهم وأحزابهم وجماعاتهم وتنظيماتهم ومؤسساتهم ومراكزهم بأسماء إسلامية فإن نور الحق ساطع لا يحجبه ظلام الباطل وسواده. فاعرفوا أيها الناس يهود الداخل الذين يمكّنون لإخوانهم وأسيادهم يهود الخارج.
الوهابية والقطبية يكفّرون الأمة الإسلامية
ومن مخازي الوهابية وجماعة سيد قطب أنهم يكفّرون المؤمنين ويستبيحون دماءهم وأموالهم ونساءهم وذراريهم وهم مع ذلك يمدحون أهل الشرك والكفر كاليهود ومشركي قريش الذين حاربوا رسول الله وتصدوا لدعوته كأبي لهب وأبي جهل فهما عند الوهابية من المؤمنين الموحدين وأنهما على زعمهم أكثر توحيدًا لله وأخلص إيمانًا به من المسلمين الذين يتوسلون بالأولياء والصالحين.
وقد تجرأوا على هذا القول الشنيع ولم يكتفوا بإضماره في قلوبهم بل خطّته أياديهم الأثيمة وطبعته في كتاب أسموه “كيف نفهم التوحيد” تأليف محمد أحمد باشميل، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث والإفتاء [الدعوة الوهابية التي يرأسها كبير قومهم عبد العزيز بن عبد الله بن باز] الرياض سنة 1987. وبمقابل ثنائهم وحبهم لليهود وأعوان اليهود وأشباه اليهود أنظر ماذا يقولون عن المسلمين قاطبة، ففي الكتاب المسمى “المجموع المفيد من عقيدة التوحيد” تأليف علي بن محمد سنان طبع مكتبة دار الكتب الإسلامي المدينة المنورة ص/55 يقولون: “إن هذه الطرق الصوفية المنتشرة في الناس للدَجل والدجالين هي المعول الذي هدم به اليهود والفرس صرح الإسلام وهي اليد الأثيمة التي مزقت الإسلام وأن شيوخ الطرق الصوفية هم الذين يمكّنون للمستعمرين في مراكش وتونس والجزائر والهند وفي السودان وفي مصر وفي كل مكان، أيها المسلمون لا ينفع إسلامكم إلا إذا أعلنتم الحرب الشعواء على هذه الطرق وقضيتم عليها فأخرجتموها من بين جنوبكم ومن قلوبكم ومجالسكم ومجامعكم ومساجدكم وزواياكم حاربوها قبل أن تحاربوا اليهود فإنها روح اليهودية والمجوس تغلغلت في جسم الإسلام فزلزلته وأوهنته”.
وزادوا على هذا الضلال أنهم كفّروا أهل المذاهب الأربعة ومقلديهم واعتبروا أن مشركي قريش أخف شركًا وأيسر كفرًا من أهل المذاهب الأربعة ذكروا ذلك في كتاب أسموه “الدين الخالص” تأليف محمد صديق حسن القنوجي الجزء الأول ص/140 طبع دار الكتب العلمية-بيروت.
فما أوقحهم وما أغباهم وهل أهل المذاهب الأربعة إلا جمهور هذه الأمة التي مدحها الله تعالى بقوله: {كُنتم خيرّ أمةٍ} [سورة ءال عمران/110]، وانظر إلى قولهم :”تقليد المذاهب من الشرك”، وفي كتابهم المسمى “الدين الخالص” ص/140، فهذا تصريح منهم بتكفير الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة وسائر أهل المذاهب المعتبرة.
بل زادوا ضلالاً وخبثًا لما اعتبروا أن البشر كلهم أولاد زنى حيث كفّروا السيدة حواء وجعلوها مشركة، انظر إلى قولهم في كتابهم الدين الخالص 1/160 حيث يقولون: “الصحيح أن الشرك إنما وقع من حواء فقد دون ءادم عليه السلام” فبربكم من يعتبر أم البشر السيدة حواء رضي الله عنها مشركة كافرة أفلا يكون مؤدّى قوله هذا أن ءادم عليه السلام تزوج من كافرة مشركة وأنه ولد منها أولادًا والوهابية تزعم أنهم من زنى. ومن كفّر السيدة حواء فقد زاد شره لما كفّر صحابة رسول الله محمد عليه السلام، فقد ذكر عبد العزيز بن باز في تعليقه على شرح البخاري الجزء الثاني [طبع دار المعرفة ص/95 بيروت] تكفيره للصحابي الجليل بلال بن الحارث المزني، واعتبر أن زيارته لقبر النبي وتوسله بالرسول عند القحط في زمن عمر رضي الله عنهما شرك، وليس هذا فقط بل شيخه أحمد بن تيمية الحراني المجسّم كفّر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الذي شهد له الرسول بالصلاح وكان معروفًا بالعلم والفهم والورع بعد أن نقل ابن تيمية في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم” طبع دار المعرفة بيروت ص/390 عن تتبع ابن عمر للأماكن التي صلى فيها رسول الله وتحراها لأجل الصلاة فيها يقول ابن تيمية: “وذلك ذريعة إلى الشرك بالله”.
وفي الكتاب المسمى “فتح المجيد شرح كتاب التوحي” تأليف عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب [راجعه وعلق عليه عبد العزيز بن باز طبع دار الندوة الجديدة – ص/190] يكفّر أهل السنة في بلاد الشام واليمن وفي الجزيرة العربية والحجاز والعراق ومصر ويزعم أن أهل الشام يعبدون ابن عربي وأن أهل مصر يعبدون البدوي وأن أهل العراق يعبدون الجيلاني وأن أهل الحجاز واليمن يعبدون الطواغيت والأحجار والأشجار والقبور.
فإذا كان أهل هذه النواحي والبلاد من المسلمين كفارًا عند الوهابية فأين المسلمون يا وهابية؟!!
أهل السنة
فمن يعتبر أهل الإسلام في هذه الأقطار مشركين كيف يُعتبر في عداد أهل الفرقة الناجية. إن أهل السنة اليوم إما أشاعرة أو ماتريدية فحيثما تجد مسلمًا سنيًّا تراه أشعريًا أو ماتريديًا على رغم أنف الوهابية التي تكفّر الأشاعرة والماتريدية كما تجد ذلك في كتابهم المسمى زورًا وبهتانًا “من مشاهير المجددين في الإسلام” –طبع الإدارة العامة للبحوث والدعوة الوهابية- الرياض ص/32 تأليف صالح بن فوزان حيث يعتبر الأشاعرة والماتريدية مخالفين للصحابة والتابعين والأئمة الأربعة ثم يقول: “فلم يستحقوا أن يلقبوا بأهل السنة والجماعة” اهـ بحروفه.
ولقد تجرأ محمد بن صالح العثيمين على تضليل الإمام النووي والحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى حيث يقول في كتابه لقاء الباب المفتوح ص/42 طبع دار الوطن الرياض: “ليسا من أهل السنة والجماعة”، وذلك تعصبًا منه لرأي ابن تيمية ولكلام محمد بن عبد الوهاب.
بعد هذه الفتاوى الجائرة في تضليل أهل السنة والجماعة واصلحابة حتى وصل بهم الأمر إلى تكفير السيدة حواء فها هي الفتاوى العلمية تصدر عنهم في إباحة دماء المسلمين وتنفذ فيهم الجرائم بالتقتيل والذبح وقطع الرءوس والتمثيل بالجثث والزنى بنسائهم والتهمة على زعمهم أنهم يعتقدون العقيدة الأشعرية، بل زاد ضلالهم بتكفيرهم للمسلمين الذاكرين لله كثيرًا حيث يقول حسام العقاد في كتابه “حلقات ممنوعة” طبع دار الصحابة بطنطا مصر ص/25 يقول: “ومن البدع أيضًا في هذه الحلقات أن يحدد الشيخ أرقامًا ليقولها الذاكر فيقول قل لا إله إلا الله ألف مرة مثلاً أو صلى الله عليه وسلم عشرة ءالاف مرة أو أكثر وكل هذا لم يرد في شرعنا وهو من ابتداع الجاهلين، لقد خرج هؤلاء عن الذكر الشرعي إلى ذكر يشرك بالله تعالى” اهـ.
أنظر إلى قوله: “في شرعنا” لأن الوهابية جاءت بدين جديد، وإلى قوله: “ذكر يشرك بالله تعالى” وهل الصلاة على النبي والإكثار منها يعتبر عندكم يا وهابية إشراكًا؟!!
وهب قول لا إله إلا الله يعتبر شركًا يا كفرة؟!! لعنة الله على الوهابية؟
فمن اعتبر الإكثار من الصلاة على النبي والتهليل بعدد محدود شركًا بالله لا يتورع عن تحريم ومنع الناس من قول أستغفر الله حيث اعتبر القطبية –جماعة سيد قطب- أن قول أستغفر الله هو كلام أقل ما يقال فيه إنه المكاء والتصدية راجع مجلة الأمان العدد 70 سنة 1980 ص/20، وانظروا إلى قول ناصر الدين الألباني هذا الوهابي العنيد في كتابه “تحذير الساجد” ص/69 حيث يعتبر وجود محراب صغير أسفل حائط القبر الشمالي ظاهرة وثنية ويأسف لوجوده وبقائه ووجود القبة الخضراء فوقه.
وليس الوهابية فقط من تجرأ على تكفير المسلمين بل حزب الإخوان إخوان لهم جماعة سيد قطب كفروا المسلمين قاطبة حتى وصل بهم الأمر إلى تكفير معاوية وعموم بني أمية الذين منهم الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ففي كتاب سيد قطب المسمى العدالة الاجتماعية في الإسلام طبع دار الكتاب العربي مصر ص/174 يقول سيد قطب: “فلا يأخذ أحد الإسلام بمعاوية أو بني أمية فهو منه ومنهم بريء”، ولم يكتف سيد قطب بتكفير معاوية وبني أمية بل تعدى الحدود وزاد في الشذوذ إلى تكفيره الأمة قاطبة الأحياء والأموات بل كفّر البشرية بأسرها حيث يقول في كتابه في ظلال القرءان المجلد الثاني الجزء السابع ص/1057: “فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وجور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله وإن ظل فريق منهم يردد على المآذن كلمات لا إله إلا الله دون أن يدرك مدلولها”.
وقد تجرأ أحد الوهابيين على تكفير الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري لأنه وضع وجهه على قبر النبي شوقًا لرسول الله وهو مدرس في مدرسة الليث بن سعد في الأردن فتصدى له أحد الأشاعرة منكرًا عليه كيف يكفّر هذا الصحابي الجليل فقال الوهابي: وإن كان محمد بن عبد الله [يقصد النبي صلى الله عليه وسلم] فعل ذلك فقد فعل شركًا، والعياذ بالله.
وقد طبعت الوهابية كتابًا حشوه افتراءً على أهل السنة وضمنوه تكفير أهل أبي ظبي ودبي وقالوا عنهم بأنهم ظلمة فسقة وأنهم كلاب جهنم. راجع كتابهم المسمى إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية –جمع وتخريج عبد العزيز بن عبد الله الزير ءال حمد طبع دار العاصمة- الرياض 1415 هجرية- الطبعة الأولى [ص/51-101-102-124-125].
وانظر تكفيرهم لأهل السنة والجماعة في مقدمة كتابهم المسمى كتاب التوحيد لابن خزيمة الجزء الأول –مكتبة الرشد- الرياض. وهذه المقجمة للكتاب بقلم صالح بن فوزان الفوزان حيث يقول عن الأشاعرة والماتريدية: إنهم تلاميذ الجهمية والمعتزلة وأفراخ المعطلة.
وفي كتابهم المسمى فتح المجيد شرح كتاب التوحيد وهو شرح لكتاب محمد بن عبد الوهاب والشارح هو حفيده وعلى عقيدته واسمه عبد الرحمن بن حسن ءال الشيخ –راجعه وصححه على زعمهم عبد العزيز بن باز كبيرهم اليوم- طبعة دار الندوة الجديدة- بيروت لبنان [ص/353] حيث جاء فيه: إن كثيرًا من أهل السنة والجماعة كفروا الأشاعرة. والعياذ بالله من هذا الكذب المفترى وهل مجموع أهل السنة والجماعة إلا الأشاعرة والماتريدية؟!!
وفي مجلة فرخهم في لبنان حسن قاطرجي المتخرج من مدرسة الوهابية المسماة “منبر الداعيات” العدد 27/ربيع الأول 1418 –تموز 1997 [ص/5] حيث اتبعوا في تكفير أهل السنة والجماعة أسيادهم الوهابية والقطبية بقولهم: واثنتان وعشرون دولة عربية بكل ما تملك من جنود وعتاد لا تشكل خطرًا على أمن الدولة العبرية، أدركنا بكل بساطة أن هذه الدول لا إيمان عندها؟!
أين أهل الإيمان إذًا يا وهابية إن كان أهل البلاد العربية ليسوا بمؤمنين عندكم؟!!
ومما يزيدك أيضًا بيانًا على أنهم يعاملون الأشاعرة والماتريدية على أنهم كفار حلال المال والدم والعِرض ما رواه وذكره عنهم تفصيلاً ومؤرخًا مفتي مكة المكرمة السيد أحمد بن زيني دحلان في كتابه أمراء البلد الحرام [ص/297] تحت عنوان: ذكر قصة أهل الطائف وما وقع لهم من الوهابية.
حيث يذكر ما فعله الوهابية لما هجموا على أهل الطائف وقتلوا الناس قتلاً عامًا واستوعبوا الكبير والصغير وذبحوا على صدر الأم الطفل الرضيع وقتلوا من وجدوه متواريًا في البيوت وخرجوا إلى الحوانيت والمساجد فقتلوا من فيها ولو كان راكعًا أو ساجدًا. وأنهم نهبوا أموالهم حتى صارت الأموال في مخيمهم كأمثال الجبال حتى الكتب الدينية والمصاحف ونسخ البخاري ومسلم وكتب الفقه وبقية العلوم لم تسلم من حقدهم فنشروها في الطرقات والأزقة ومكثوا أيامًا يطؤونها بأرجلهم وخربوا البيوت فلم تسلم منهم حتى بيوت الخلاء. ثم اقتسموا تلك الأموال كما تقسم غنائم الكفار. انتهى.
ومما يدل على اعتقادهم بأنهم وحدهم المسلمون على زعمهم وأن أهل السنة عندهم كافرون ما ذكره مفتي مكة السيد أحمد بن زيني دحلان في كتابه فتنة الوهابية طبع مطبعة حسين حلمي استانبولي استانبوا –تركيا سنة 1978 [ص/13] من قوله بأن الوهابية لما دخلوا مكة المكرمة وتملكوا المدينة المنورة بقوة السلاح [صاروا يكرهون الناس على الدخول في دينهم] وهذا صريح في أنهم لا يعتبرون أهل السنة ولو كانوا أهل الحرمين والمدينة وأهل الطائف إلا كفارًا والعياذ بالله من فتنة الوهابيين الذين اتبعوا في هذا زعيمهم محمد بن عبد الوهاب الذي كما يذكر مفتي مكة في كتابه هذا وعمه أن مراده بهذا المذهب الذي ابتدعه إخلاص التوحيد والتبري من الشرك وأن الناس كانوا على شرك منذ ستمائة سنة وأنه جدد للناس دينهم.
وما هذا إلا دليل على ما يعتقدونه من النقصان في دين سيدنا محمد ويزعمون أنهم جاءوا لإكماله وفي هذا تكفير لسيدنا محمد وصحابته وسلف الأمة وخلفها وتكذيب للقرءان وللسنة الثابتة فاعرفوا حقيقة الوهابية يا أهل الحق وأنهم شرذمة تخدم مآرب اليهود بنشر الفتن والشقاق بين المسلمين أينما حلُّوا. ويحرم ولا يجوز تسميتهم بالسلفية لمن عرف حقيقتهم وهذا الاسم استعملوه ستارًا لهم ودخلوا به إلى كثير من البلاد وخدعوا الناس ليخرجوهم من الهدى إلى الضلال ومن نور التوحيد إلى ظلمة الإشراك والتشبيه. حتى صار كثير ممن يدعون الدعوة والإرشاد والتعليم من هؤلاء الوهابية الذين عاثوا في الأرض فسادًا وما يحصل اليوم في بلاد المسلمين من قلاقل وفتن وإراقة للدماء في مصر والجزائر واليمن وأفغانستان والشيشان وغيرها من بلاد المسلمين إن هو إلا تطبيق لمنهج التكفير لأهل السنة الذي هم عليه حتى وصل بهم الأمر إلى ذبح 52 مسلمًا سنيًّا بالسكاكين لا لشيء إلا لتبنيهم العقيدة الأشعرية، راجع صحيفة الحياة فهم لا يتورعون عن قتل مخالفيهم وتكفيرهم حتى ولو كان رجلاً أعمى صلى على النبي محمد بعد الأذان فإنه يقتل بفتوى من محمد بن عبد الوهاب كما ذكر مفتى مكة في أواخر كتابه فتنة الوهابية.
وأما إن أردت أن تعرف حقيقة محمد بن عبد الوهاب وجماعته الوهابية فخذها من كلام أبيه وأخيه وأهل بلده والمعاصرين له من علماء أهل السنة والجماعة.
ففي كتاب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة للعلامة محمد بن عبد الله بن حميد النجدي الحنبلي المتوفى سنة 1295 للهجرة –الطبعة الأولى- مكتبة الإمام أحمد [ص/275-276] حيث يقول في ترجمة والد محمد بن عبد الوهاب: عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي وهو والد محمد صاحب الدعوة التي انتشر شررها في الآفاق لكن بينهما تباين مع أن محمدًا لم يتظاهر بالدعوة إلا بعد موت والده وأخبرني بعض من لقيه عن بعض أهل العلم عمّن عاصر الشيخ عبد الوهاب هذا أنه كان غاضبًا على ولده محمد لكونه لم يرض أن يشتغل بالفقه كأسلافه وأهل جهته ويتفرس فيه أنه يحدث منه أمر فكان يقول للناس: يا ما ترون من محمدٍ من الشر فقدّر الله أن صار ما صار وكذلك ابنه سليمان أخو محمد كان منافيًا له في دعوته ورد عليه ردًا جيدًا بالآيات والآثار وسمى الشيخ سليمان رده عليه فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب وسلمه الله من شره ومكره مع تلك الصولة الهائلة التي أرعبت الأباعد فإنه كان إذا باينه أحد ورد عليه ولم يقدر على قتله مجاهرة يرسل إليه من يغتاله في فراشه أو في السوق ليلاً لقوله بتكفير من خالفه واستحلال قتله”.
ففي هذا بيان لما كان عليه محمد بن عبد الوهاب وجماعته من التكفير بغير سبب واستحلال القتل بلا عذر سوى المجاهرة بالرد عليه حتى وصل به الأمر إلى أنه أمر بقتل أخيه الشيخ سليمان وأرسل له مجنونًا بسيف ليقتله. ثم سلمه الله وترك نجد إلى المدينة المنورة وألف في الرد عليه أكثر من كتاب ورسالة منها الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية وهو كتاب مطبوع بموجب موافقة وزارة الأعلام في الجمهورية العربية السورية سنة 1997 توزيع مكتبة حراء. حيث يبين فيه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى شدة التحامل على المسلمين التي عند أخيه محمد بن عبد الوهاب وتكفيره لهم ورميهم بالشرك. فيقول [ص/17] ردًَّا عليهم: ولكنكم أخذتم هذا بمفاهيمكم وفارقتم الإجماع وكفّرتم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلهم.
ويقول [ص/42] مخاطبًا الوهابية أتباع أخيه المارق: بل والله كفرتم من قال الحق الصرف حيث خالف أهواءكم.
وفي [ص/54] ينصحهم بقول: فيا عباد الله تنبهوا وارجعوا إلى الحق وامشوا حيث مشى السلف الصالح وقفوا حيث وقفوا لا يستفزكم الشيطان ويزيّن لكم تكفير أهل الإسلام وتجعلون ميزان كفر الناس مخالفتكم وميزان الإسلام موافقتكم.
وهذه العبارة صريحة في بيان مذهب الوهابية حينما يطلقون التكفير على كل من خالفهم ويسعون لقتله وذلك تنفيذًا للأوامر التي تلقاها محمد بن عبد الوهاب ربيب الاستعمار المحتل لبلاد المسلمين وتلميذ الجاسوس البريطاني همفر الذي لقنه ودربه ولم يجد مطية يركبها أسهل من محمد بن عبد الوهاب كما اعترف في كتابه المسمى مذكرات مستر همفر الجاسوس البريطاني في البلاد الإسلامية.
فإنه يذكر في [ص/77] أن أول بند من بنود العمالة والاتفاقية التي حصلت بينه وبين محمد بن عبد الوهاب هو: تكفير كل المسلمين وإباحة قتلهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم وبيعهم في أسواق النخاسة.
ثانيًا: هدم الكعبة باسم أنها ءاثار وثنية.
ثالثًا: السعي لخلع طاعة الخليفة ومحاربة أشراف الحجاز.
رابعًا: هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك فيها باسم أنها وثنية وشرك والاستهانة بشخصية النبي محمد وخلفائه ورجال الإسلام.
خامسًا: نشر الفوضى والإرهاب في البلاد.
هذا ما سعت إليه وزارة المستعمرات البريطانية عبر الجاسوس همفر ليتم تنفيذه على يد محمد بن عبد الوهاب وجماعته أصحاب الغلظة والعمالة وحق عليهم أن يصفهم العلامة ابن عابدين بالخوارج حينما يقول تحت عنوان: “مطلب في أتباع محمد بن عبد الوهاب الخوارج في زماننا”.
ثم يقول: “كما وقع في زماننا في أتباع ابن عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة لكنهم اعتقجوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم حتى كسر الله تعالى شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف”. راجع كتابه رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار المجلد الرابع [ص/262] طبع دار الفكر-لبنان 1992.
وهذا ما أكده الشيخ سليمان أخو محمد بن عبد الوهاب في رده عليه في كتابه الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية.
حيث قال مخاطبًا لهم وناصحًا وزاجرًا: “أما في هذا عبرة لكم تكفّرون عوام المسلمين وتستبيحون دماءهم وأموالهم وتجعلون بلادهم بلاد حرب”.
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإياه نسأل أن ينصر المسلمين على هذه الطائفة الشاذة ليستأصلوا شوكتهم ويُطفئوا نار حقدهم على المسلمين ويبددوا ظلام فتنتهم السوداء كما شتت اليهود من قبل إنه على ذلك قدير. ءامين.
ملاحظة: إن مما يؤكد لك أن الوهابية تسعى لنشر الفوضى وإشاعة القتل والرعب في بلاد المسلمين وبين الناس ما نشرته الصحف اليومية والمجلات وتناقلته وسائل الإعلام المختلفة من قيامهم باغتيال مفتي بلاد داغستان سعيد محمد أبو بكروف وأخيه رحمهما الله تعالى، بانفجار عبوة ناسفة لحظة ركوبهما السيارة لأنه كان شديد العداء لهم ووصفهم بالمخربين يراجع في ذلك جريدة الديار والحياة والنهار والسفير بتاريخ 22/8/98 ولو أردنا تتبع جرائمهم عبر السنين لطالت أخبارهم ولجاءت في مجلدات كثيرة وإن الوهابية هي اليد الأثيمة السوداء التي تمزق في بلاد المسلمين وتشيع الفوضى والخراب وتشتري كثيرًا من ضعفاء النفوس لتفتنهم عن دينهم واستمالتهم إليهم بالمال لأن دين الوهابية قائم اليوم على المال وهو منقطع عند محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية الحراني وإبليس وفرعون.
البوطي يرى أن الذي لا يذعن بعد لأحكام الإسلام وشرائعه لا يلاحق قضائيًا بفروع الأحكام
يقول البوطي في كتابه “المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني” [ص/62]: “غير أن الذي يشكل على هذا، أن في التكاليف السلوكية الإسلامية ما قد أنيطت به عقوبات عاجلة ومن شأن ذلك أن يفقد حرية التصرف حياله ولا يمكنه من القدرة على اتخاذ القرار الذي يريد. مثال ذلك القتل الذي يستوجب القصاص، والزنى الذي يستوجب حد الرجم أو الجلد والسرقة التي يترتب عليها قطع اليد والقذف الذي يستلزم الحد… إلخ.
والجواب أن عقوبات هذه المحرمات وأمثالها لا تتقرر إلا بعد أن يذعن مرتكبها لأحكام الشريعة الإسلامية ولا يكون ذلك بالضرورة إلا بعد إذعانه لحقائق الإيمان وأركانه. فأما الذي لم يذعن بعد لأحكام الإسلام وشرائعه فلا يلاحق قضائيًا –أي في دار الدنيا- بفروح الأحكام أي بالمستلزمات السلوكية للأصول الاعتقادية” انتهى كلام البوطي.
الرد: لقد كان أهل التصوف في الماضي يقولون للمريد “خل نفسك وتعال” وأما لسان حال كثير من المشايخ كأمثال البوطي يقول للمريد “خلِ عقلك وتعال” وإلا لو لم يكن هذا الحال فما معنى أن يترك في التمادي في محاضراته وكتبه ويسكت عليه، والحق يقال إنني أعلم أن كثيرًا من مشايخ الشام وحلب وغيرهم لم يسكتوا له بل حذروا من أغاليطه وأراجيفه من على المنابر جزاهم الله خيرًا.
أقول: كيف لا يلاحق الشخص قضائيًا إذا لم يذعن بعد لأحكام الإسلام وشرائعه.
فلنتصور الآن في بلد ما أن أشخاصًا قاموا وقالوا نحن لن ننساق إلى القانون لأننا لا نعتقد صوابيته أو نعتقده جائزًا، وأننا لن ندفع الضرائب ولن نتوقف عند إشارات السير ولن نذهب إلى التجنيد ولن ولن…
فأنت بقطعِ النظر إن كنت مع القانون أو ضده فهل تجيز أن يقوم أناس ضد الدولة فماذا سيكون موقف الدولة فهل ستسامحهم لأنهم لا يرون ولا يعتقدون ذلك.
أنت يا دكتور تشجع على مظاهر الفوضى وأنت توافق من حيق تشعر أو لا تشعر على مبدإ التكفير والهجرة الذي قام به أحد أجنحة ما يسمى بالإخوان المسلمين في مصر حيث كفروا المجتمع والدولة والحاكم والمحكوم، واعتبروا كل ما يصدر عن الدولة جور، وقاطعوا الدولة ومؤسساتها بكل أشكالها حتى إنهم حرموا دخول الأولاد إلى المدارس الحكومية.
هذا مثال ضربته على دولة القانون والآن أريد أن أضرب مثالاً على دولة الدين كالخلافة مثلاً.
ففي الماضي كان الإنسان بحسب مفاهيم الدولة في رعاياها وخارج رعاياها لا يخرج الإنسان عن كونه إما مسلم أو غير مسلم.
أما المسلم فهو ملتزم التزامًا تامًّا بحسب قناعته واعتقاده بكل ما يصدر عن الإسلام وإلا فإن ءامن بجزء وكفر بجزء فهذا ليس بمسلم، وأما غير المسلم فهو إما أن يكون معاهدًا أو ذميًّا أو مستأمنًا أو حربيًا أو مرتدًا.
أما المعاهد فهو الذي يوجد بينه وبين المسلمين عهود ومواثيق لا يجوز الإخلال بها.
وأما المستأمن فهو الذي أعطي الأمان.
وأما الذمي فهو الذي يعيش في كنف المسلمين وتحت حمايتهم ضمن الشروط المعتبرة في هذا الباب.
وهؤلاء الثلاثة أموالهم ودماؤهم وأعراضهم مصانة بحسب الأحكام الشرعية لهذا الموضوع.
وهؤلاء الأقسام الثلاثة لا يسمح لهم أن يهددوا أمن الدولة التي يعيشون في ظلها بحجة أنهم لا يعتقدون الحكم الفلاني أو لا يؤمنون بصوابيته. وأما المرتد: ألم تقل أنت إن المرتد إن أعلن الحرابة على المجتمع الإسلامي يقتل، وأي حرابة أكثر من أن يتعرض الشخص للأحكام الإسلامية ويرفضها “راجع هذا البحث في هذا الكتاب لمزيد من التفاصيل” فلنا رد على البوطي في هذا الموضوع.
وأما الحربي فهو في دولة أخرى لا تخضع لأحكام الإسلام والمسلمين.
وأما الآن فليقل لنا البوطي من هو الذي يستطيع أن يقتل ويزني ويقذف أعراض الناس ويسرق ثم بعد ذلك يقال له أنت لا تلاحق لأنك لا تذعن لأحكام الشريعة الإسلامية.
فلا أدري كيف ساغ لهذا الرجل التجرؤ على الشرع وأحكامه.
البوطي يأمر بمزاولة السحر
ورد في مجلة طبيبك عدد تموز 1998 هذا السؤال من القارئ ر.س. [سوريا]: “بينما كنت أبحث في يوم من الأيام بصندوق جدي المرحوم وأتأمل موجوداته القديمة عثرت على كتاب قديم اصفرت أوراقه وفيما أنا أتصحفه بحذر شديد مخافة أن تتمزق أوراقه إذ بي أقرأ فيه العجب العُجاب من تعاويذ السحر وما لفت نظري وصفة إذا قرئت عددًا من المرات تظهر جنية فائقة الحسن والجمال ومعها 40 وصيفة. وبدأت تلك الليلة أردد ما ورد في الوصفة وأشعلت البخور حتى ظهرت علي الجنية تمامًا وحولها وصيفاتها الجميلات فكان ما كان بيني وبينهن والمشكلة أن الجنية اشترطت علي قبل أن أمسها أن لا أقرب فتاة من فتيات الإنس ما حييت فوافقتها على ذلك. أنا الآن أعض أصابعي ندمًا لأنني نكثت بالوعد حسبما أبلغتني الجنية فقد أُصاب بالأمراض والعاهات والمنكبات التي لا تخطر على بال. أنا حاليًّا أرغب بالزواج من فتاة جميلة فهل من طريقة أتجنب فيها تلك الجنية”. انتهى السؤال.
فأجاب البوطي: “أعتقد أنك لست بحاجة بعد كل هذه المتعة التي تحققت لك إلى الزواج من أي فتاة إنسيّة لقد جاءك الجمال ومعه المتعة أشكالاً كما تقول دون أن تكلف بتقديم مهر ولا دار ولا شئ في مقابل ذلك كله. ردد طلاسمك كلما هاجت بك النفس واكتفِ بالزواج من جنيتك الجميلة هذه فذلك أمتع لك وأبعد عن مغارم الزواج بالإنسيات هذا إن كنت صادقًا فيما تصف وتخبر وأحسب أن الأمر ليس كذلك” اهـ.
الرد: هذه الإجابة لا تنم عن علم وورع، كيف تقول له ردد طلاسمك حيث من المعلوم أن السحر غالبًا ما يقوم على الكفر والعياذ بالله، فكيف تأمره بترديد العبارات التي يقوم عليها السحر. وقد يكون ظاهر جوابك أنك تزدري بالقارئ الذي ترجح أنه يكذب حتى لو كان الأمر كذلك عليك أن تترفق به وأن تشفق عليه وأن تدله للتي هي أقوم بالبعد عن السحر إن كان اشتغل به أو بالبعد عن الكذب إن كان كاذبًا.
وها أنت إما أن تكون تأمر بالسحر والكفر حقيقة وهذا ضلال وبيل وخطب جليل.
وإما أن تكون غضبت لنفسك ولم تغضب لله مع العلم أنك قلت الغضب لله بحسب زعمك لا يكون إلا على الشفقة على العاصي والكافر فمع اعتراضنا على هذا التعريف فهل غضبت لله مشفقًا على حال هذا الرجل الكاذب أو الساحر.
ثم ألا تعلم يا دكتور أن هذه المجلة يتناولها ءالاف القراء وفيهم المستويات المختلفة، ألست بهذه الإجابة تكون تدعو إلى العمل بالسحر والخزعبلات من حيث تدري أو لا تدري.
ومما يدل على أنك فتحت هذا الباب ما جاء في مجلة طبيبك عدد [485] أيلول 1998 –أي عقب مقالتك السابقة في المجلة المذكورة- [ص/79] ما نصه: “إلى الرجل الذي قال إنه تزوج جنية ويريد الزواج من فتاة عادية، يطلب منه أبو علي راتب المصري [لبنانب الجنسية] الاتصال به على رقم الهاتف 03/687483 لأمر خاص لم يفصح عنه”، فانظر إلى ما أدت إليه فتواك.
البوطي يعطي للملحدين الحق بإلحادهم ويحترم إلحادهم ويعذرهم
يقول البوطي في كتابه “هذه مشكلاتهم” [ص/115]: “إن لهم ولغيرهم أن يصدقوا أو لا يصدقوا شيئًا من أخبار الوحي الإلهي بل لهم أن لا يؤمنوا بحقيقة الوحي ذاته، غير أن عليهم أن يعلموا أن عدم فهمهم أو تصديقهم لذلك ليس هو برهان كونه أسطورة وهمية كاذبة”.
ويقول في [ص/146] في المصدر ذاته: “لو كان الذي كتبه سلمان رشدي وجهة نظر علمية أو فكرية عبّر عنها بما يدل على قناعة داخلية لديه بشأنها لكُنّا أول من يحترم عمله سواء أوافقناه على وجهة نظره أم لا”.
ويقول في [ص/10] من المصدر ذاته: “إن أبرز ما يتميز به مجتمعنا هذا أنه يتقبّل الاصغاء بجد واحترام إلى أي رأي واعتقاد دون أن يشعر صاحبه بأي قلق أو خوف… صحيح أن هذا المجتمع شغوف بالحوار والنقاش ولكن لم يكن يومًا ما من دأبه الصد والإسكات. وهذا لا يتنافى قط مع أصالة إيمانه بالخالق عز وجل وعراقة انتمائه الإسلامي العميق.
ويقول [ص/108] من المصدر نفسه: “بل من حقهم وهم يقفون في هذه المرحلة أن لا يشعروا بأي قدسية للإسلام الذي لم يتبين لهم جوهره بعد ولا لنبيّه الذي لم يقفوا على هويته بعد ولا للقرءان الذي لم يتوفروا على دراسته بعد”.
ويقول [ص/187] من المصدر ذاته حيث يتكلم عن أبي موسى الحريري الذي يقول إن الراهب بحيرة كان وراء النبي عليه الصلاة والسلام وأن القرءان ليس من عند الله. يقول البوطي بعد هذا الكلام: “ولكن أبي موسى عذر”.
ويقول في [ص/190] من المصدر ذاته: “فإن له أن يقول على الواقع وعلى محمد ما يشاء ما دام أن الواقع لا يتزحزح من مكانه ومحمد لا يأبه بكذبه وتدجيله”.
ويقول في “كبرى اليقينيات” [ص/192]: “نعم لك أن تقول إنني لا أضع في حسابي ثبوت هذا النص وأمثاله وإن كان ذلك مكابرة في تكذيب الخبر اليقيني”، ويقول في [ص/230] من المصدر نفسه: “أما إذا كنت لا تؤمن بوجود الله أصلاً فلك الحق كله في أن تنكر المعجزات ولا تتصور وقوعها”.
الرد: أن هذه المنهجية التي ابتدعها البوطي هي منهجية خطيرة تكررت وتقررت في كتبه ومحاضراته.
فقوله: “إن لهم ولغيرهم أن يصدقوا أو لا يصدقوا شيئًا من أخبار الوحي الإلهي” إلخ يعني بقوله: “إن لهم” أي لا ضير عليهم ولا مشلكة تعتريهم البتة، وقوله هذا تهوين للكفر على الواقع فيه، بل وفيه إذن صريح للكافر أن يبقى على حاله لأنه قال لهم ولغيرهم أن يصدقوا أو لا يصدقوا شيئًا من أخبار الوحي الإلهي.
أما مسئلة سلمان رشدي فهي واضحة بيّنة لا يقبل فيها تأويل ولا قصد، ولا أدري من أين أتى بهذا التقسيم في الإلحاد بين من يقول كفرًا عن قناعة وبين من يقوله من غير قناعة. فأين أنت يا محمد سعيد من قوله تعالى: {ولَئِن سألتَهُم لَيَقُولُنَّ إنَّما كُنَّا نخُوضُ ونلعبُ قُلْ أبِاللهِ وءاياتِهِ ورسولهِ كُنتُم تَستَهْزءون* لا تعتذِروا قد كفرتُم بعدَ إيمانِكم} [سورة التوبة/65-66].
فلو أن شخصًا يا دكتور تعرض لك في الطريق وشتمك ثم قال لك أنا لا أشتمك إلا عن قناعة تامة فهل تقول له أنا أحترم كلامك وشتائمك.
ألا تدري ما معنى أحترم في أصل اللغة، أليس معنى الاحترام هو كما قال صاحب المصباح في مادة “حرم”: “والحرمة بالضم ما لا يحل انتهاكه والحرمة المهابة وهذه اسم من الاحترام” اهـ.
قال تعالى: {ومَن يُعَظِّمْ شعائِرَ اللهِ فإنَّها مِن تقوى القلوب} [سورة الحج/32] والاحترام معناه التعظيم في اللغة ويؤخذ من هذه الآية تحريم تعظيم شعائر الكفر.
وقال شارح القاموس وقوله تعالى: {ذلكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ} [سورة الحج/30] قال الزجاج: أي ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه.
فأي حرمة لهذا الكلام الذي قاله رشدي سواء خرج عن قناعة أم لا. وهذه العبارة عبارة الاحترام للأعمال الفاسدة ذكرها البوطي للأسف أكثر من عشر مرات في مؤلفاته.
وهنا نريد أن نسأل البوطي هل الجهل عذر، فإن كان هؤلاء لهم الحق بأن لا يعرفوا فإذًا هم بزعمك غير مكلفين وغير محاسبين، ولو كان الأمر كما يقول لسان حالك إن الجهل عذر إذًا فإن الجهل أفضل من العلم على زعمك، فأين أنت حينئذٍ من قول الله تعالى: {قُلْ هل يستوي الذينَ يعلمونَ والذينَ لا يعلمون} [سورة الزمر/9]، وأين أنت من قوله صلى الله عليه وسلم: “أيها الناس تعلموا فإنما العلم بالتعلم” رواه الطبراني [1].
الهوامش:
[1] المعجم الكبير [19/395].
البوطي يأتي باجتهاد مزعوم جديد في مسئلة مغفرة الذنوب
يقول البوطي في كتابه “هذه مشكلاتهم” [ص/162]: “إنه لا يغفر الذنب إلا بشفاعة قُربة جليلة في عين الله تقرب بها هذا المذنب إليه وإن بدت في عينه ضئيلة وحقيرة، ولا يحبط الطاعة إلا بجريرة معصية شنيعة في نظر الله”.
الرد: من المجمع عليه ومن المسلَّمات به أن الذنوب ثلاثة أقسام أكبر الكبائر وهو الكفر ثم سائر الكبائر ثم الصغائر.
ومما لا خلاف فيه أن الكفر لا يغفر إلا بالشهادتين بنية الخلاص من الكفر الذي وقع به.
أما الكبائر والصغائر فالله يغفرها بالتوبة وهي الإقلاع عن الذنب والندم والعزم على عدم العودة. ويغفر الله ما شاء من الذنوب لم شاء من المسلمين إما بحسنة يعملها وإما بدون ذلك.
وقد يغفر الله الكبائر أيضًا ببعض القربات كما صح في الحديث أن الله غفر لامرأة مسلمة من بني إسرائيل وكانت زانية بسبب سقياها لكلب اشتد به العطش ونص الحديث: “بينما كلب يُطيفُ [1] بركيَّةٍ [2] قد كاد يقتله العطش إذ رأته بَغِيٌّ من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها [3] فاستقت له به فسقته فغُفر لها به”، رواه الشيخان [4] واللفظ لمسلم.
ويغفر الله لبعض المؤمنين يوم القيامة بشفاعة نبي أو ولي أو شهيد أو غيرهم ممن يشفعون، وهذه الشفاعة لعصاة المؤمنين ولا تكون للكفار لقوله تعالى: {ولا يَشفعونَ إلا لِمَنِ ارتضى} [سورة الأنبياء/28].
وكذلك الله يغفر لبعض العصاة من غير توبة ولا قربة ولا شفاعة لقوله تعالى: {يغفرُ لمن يشاءُ ويُعذِّبُ مَن يشاء} [سورة الفتح/14].
ومن الثابت الذي لا شك فيه أن المؤمن العاصي إن مات من غير توبة فهو تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
وأما إن كانت المعصية تتعلق بحقوق العباد فلا بد من التحلل منهم بإعادة الحق أو الاستسماح.
فمن أين أتى البوطي بهذا الادعاء الذي لا أساس له مطلقًا وهو ادعاء يصادم القرءان والسنة والإجماع ويبقى كلامًا بلا دليل.
وأما إحباط العمل فلا يحتاج لبيانه أيضًا إلى مثل هذا اللف والدوران والتَّفَيهقُ والتفلسف حيث من الثابت أن العمل يحبط بالكفر لقوله تعالى: {ومَن يكفرُ بالإيمانِ فقد حَبِطَ عملهُ} [سورة المائدة/5].
فطالما أن النصوص الشرعية واضحة وكلام أهل العلم بيّن كما الشمس في رابعة النهار فلماذا التنطع والتكلف والخلط بعد ذلك.
الهوامش:
[1] يطيف: يدور.
[2] ركيّة: البئر.
[3] المُوق: خف يلبس بالرجل.
[4] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب أحاديث الأنبياء: باب 54 [بعد باب حديث الغار]، ومسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب فضل ساقي البهائم.
البوطي الذي يزايد بدرء المفاسد وسد الذرائع يبيح للمرأة التي تعاني من برودة جنسية أن تشاهد الأفلام الإباحية الجنسية
يقول في مجلة طبيبك عدد حزيران 1998 ردًّا على السؤال التالي من المعذب م م م م [دمشق]: يقول في رسالته إن زوجته وهي [ابنة عمه] المطيعة له والمحبة والمخلصة باردة جنسيًا وأنه حاول مرارًا تقديم العون لها عند أطباء دون فائدة إلى درجة أنها دعته للزواج من أخرى ولكنه أبى ذلك، أخيرًا اهتدى إلى طريقة وهي إثارة زوجته عن طريق الأفلام الإباحية فتجاوبت مع الأمر إلى حد كبير الأمر الذي نجاه من أمور كثيرة كان يمكن أن يلجأ إليها فهل ما فعله يعد حرامًا”.
يقول البوطي في الجواب:”في الشريعة الإسلامية مبدأ يُعرف بـ”اتباع سلم الأولويات” أي أن الشريعة الإسلامية تصنف المصالح في درجات متفاوتة حسب الأهمية وتصنف المفاسد أيضًا في درجات حسب الأهمية أيضًا، ومن تطبيقات هذا المبدإ ما يتعلق بمشكلتك هذه. إن استمرار الحياة الزوجية على نحو سليم من المصالح التي ترقى إلى درجات الضروريات والابتعاد عن الأفلام المثيرة من المصالح التي تقف عند درجة الحاجيات فإن توقف استمرار الحياة الزوجية بينك وبين زوجتك بوجهها السليم على أن تستثيرها نحوك بالقدر الضروري من هذه الأفلام فإن الشريعة الإسلامية تجيز التضحية بالمصلحة الحاجية في سبيل الإبقاء على المصلحة الضرورية، ولكن فلتعلم أن من شروط ذلك أن لا يتسبب عن هذا الذي تقول أي انحراف منك أو منها إلى أي عمل محرم”.
الرد: يا للخزي كيف يسقط رجل مثل البوطي إلى مثل هذه الهاوية في الانحرافات حيث راح يفتح باب الحرام على مصراعيه هذا الذي لطالما نادى بقاعدة سد الذرائع ودرء المفاسد، ويا للعاء عندما يشترط أن لا يتسبب هذا الأمر بأي انحرافٍ أو أي عملٍ محرم، والعجيب أنه يحرم على المرأة كشف وجهها خوفًا من الفتنة وهنا يبيح للرجل وللمرأة مشاهدة الأفلام الخلاعية التي تصور رجلاً يجامع امرأة وهما في حالة عري تام مع ما يصاحب ذلك من تلذذ واستمتاع، وكأن البوطي أمن الفتنة هنا أما في وجه المرأة فالفتنة غير مأمونة عنده.
فهذا العمل الذي يقوم به هو وزوجته بحضور هذه الأفلام الخلاعية مع الاستمتاع واللذة أليس محرمًا، وأين وجه الضرورة في هذا الموضوع.
فالمرأة لا يخشى عليها من الزنى لأنها باردة جنسيًا كما تقول.
وأما الرجل فقد دعته زوجته لأن يتزوج وهذا باب مفتوح من أجل أن يحصن الشخص نفسه من طريق الحلال وليس من طريق الحرام.
اتقِ الله يا رجل وعد عن مثل هذه الترهات الفاسدة.
البوطي يدعو إلى التشدد والتطرف ويحذر من اتباع الرُّخص الشرعية
يقول في كتابه المسمى “فقه السيرة” [ص/232]: “وبعبارة موجزة نقول إن من شأن اتباع الرخص والتسهيلات الدينية أن تصبح منزلقًا تحت أقدام أصحابها إلى التحلل العام عن أصل الواجبات ما لم يوجد تيار اجتماعي ديني سليم يضبط تلك الرخص ضمن منهجٍ إسلامي عام ويحفظها عن أن تشتط وتتجاوز الحدود الشرعية”.
الرد: قال البوطي هذا الكلام بعد كلامه عن وجه المرأة وبين أن جمهور المسلمين على أن وجه المرأة ليس بعورة، وخلص إلى القول إنه يجب عليها تغطية الوجه درءً للمفاسد وسدًّا للذرائع، ثم دعا هنا إلى عدم تتبع الرخص.
أولاً: لقد رددت ردًّا كافيًا وشافيًا على مزاعمه من حيث مسئلة وجه المرأة فعد إلى ردنا هذا الكتاب.
ثانيًا: إن دعوة البوطي للتشدد في غير موضعه قال تعالى: {وما جعلَ عليكم في الدينِ مِنْ حرَجٍ} [سورة الحج/78].
إن مثل هذا التشدد هو الذي ينفّر الناس عن الالتزام بدين الله تعالى، فمن الناس من يتشددون في مسائل المرأة يزعمون أنه بدافع الحيطة والحذر ولإبعادها عن الفواحش فيتولد عن ذلك ردة فعل عكسية لديها فيدفعها عن غير طريق الاقناع إلى الفواحش دفعًا، ومنهم من يتشدد في إلزام الناس مذهبًا معينًا وهذا أمر غير مستساغ لأن المذاهب المعتبرة عند المسلمين معروفة، فلو اخذ الشخص من عدة مذاهب ولم يلتزم مذهبًا معينًا فهذا سائغ ولا غبار عليه، فبعض الناس يحرمون على الشخص أن يقلد مذهبًا ءاخر وكأنه ياخذ من دين ءاخر، وقد قيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: لمَ لا تحمل الناس على مذهب واحد؟ فقال: دعوهم وما هم عليه.
فإذا بالغت المرأة بالاحتياط والحذر وهي مقتنعة بذلك فهذا أمرٌ محمود لا غبار عليه، وإلا فلا تُكرَه على غير الفرض. وإن التزم شخص مذهبًا معينًا وأخذ بالأحوط فله ذلك شرط أن لا يُمنع من تقليد مذهب ءاخر وهكذا، وقد نص ابن الهمام في كتابه التحرير وهو كتاب في الأصول على أنه لا يمنع من الاخذ بالرخص لا شرعًا ولا عقلاً، كذلك قال ابن أبي هريرة الشافعي وغيرهما.
وأخيرًا:
أختم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن اللخ يحب أن تُؤتى رُخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه” رواه البيهقي [1]، وقد ثبت في الحديث الذي رواه أبو داود [2] عن عائشة رضي الله عنها: “ما خُير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما”.
ثم معلوم عند من تلقى العلم من أهل المعرفة أن المجتهدين في الصحابة أقل من عشرة، وقال بعض المحدثين نحو مائتين وأن سائر الصحابة كانوا يأخذون العلم من هؤلاء، ولم يحصل من واحد من مجتهديهم كأبي بكر وعمر وعثكان وعليّ أن قال للمستفتي لا تستفت غيري أو ليس لك أن تأخذ بما رءاه غيري، دلّ على أن مجتهدي الصحابة كانوا يرون جواز تقليد أي مجتهد منهم.
الهوامش:
[1] السنن الكبرى [3/140].
[2] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الأدب: باب في التجاوز في الأمر.
البوطي يرى أن ضرب الولد بقصد التأديب خروج عن مبدإ الإسلام وخطيئة كبرى
يقول البوطي في كتابه “تجربة التربية الإسلامية” [ص/141] عن ضرب الأستاذ بقصد التأديب: “إنني لا أشك في أن مثل هذه الخطيئة الكبرى إنما تعتبر قبل كل شئ خروجًا على مبدإ الإسلام نفسه”.
الرد: إن هذا الكلام لا يقوله مثقف يكتب في مجال التربية حتى ولا يتفوه به شخص يفهم في مصالح البلاد والعباد. لا شك أن الضرب في هذا الموضع سلاح ذو حدين، وأن استعمال الضرب في غير موضعه إنما هو حرام وظلم قلّ أم كثر برح أم لم يبرّح. أما ضرب التلميذ على وجه التأديب بسبب تقصيره ضربًا مناسبًا غير مبرّح فهذا من أصول التربية والتوجيه لأن التلاميذ أنواع منهم من يفهم بالكلمة ومنهم من لا يفهم ولا يرتدع إلا بالضرب. والشرع لحظ الضرب في مجال التأديب والتوجيه ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مروا صبيانكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين وفرقوا بينهم بالمضاجع” رواه أبو داود [1].
فالضرب لا شك وسيلة من وسائل التأديب للكبار والصغار، وهو لا يكون شرعًا إلا عند الحاجة التي أذن بها الشرع، والحاجة الشرعية تُقدّرُ بقدرِها.
أما لو اعترض البوطي على الوحشية التي يمارسها بعض الأساتذة على الطلاب لكنّا وافقنا على الاعتراض على أن يكون الاعتراض بالتعبير السليم وليس بالتعبير الذي قاله، إذ يظن أو يتوهم بعض القراء من خلال كلامه أن ضرب التلميذ مجرد ضرب التلميذ ظلمًا أو غير ظلم خروج من الدين وهذا كلام مردود.
الهوامش:
[1] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة: باب متى يؤمر الغلام بالصلاة.
البوطي يدعي الإجماع في مسئلة لم يقل بها أحدٌ على الإطلاق فضلاً عن بطلانها
يقول البوطي في كتابه “إلى كل فتاة تؤمن بالله” [ص/13]: “وقد تم الإجماع على أن المرأة لا تحرز رضى الله تعالى عنها بعملٍ من الأعمال الصالحة كما تحرزه بالسعي في سبيل يعين الرجل على الاستقامة الخلقية وضبط نوازعه الشهوانية، ولا تتسبب لغضب الله غليها بعمل من الأعمال المحرمة كما تتسبب إلى ذلك بالسعي في سبيل أن تثير في الرجل نوازعه الشهوانية وتقصيرٍ عن أسباب الاستقامة والعفة الخلقية”.
الرد: أقول لا أدري من أين يأتي البوطي بهذه الإجماعات وفي كل مرة يطالعنا بإجماعٍ لا أصل له.
وظاهر بطلان هذا الكلام وفساده لكل ذي عينين لأن أكبر عمل صالح يقوم به الرجل أو المرأة على الإطلاق هو الإيمان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضل الأعمال إيمان بالله ورسوله” رواه البخاري [1].
وإن أكبر ما يسبب غضب الله تعالى أن يقوم الشخص بأكبر الكبائر على الإطلاق وهو الكفر لقوله تعالى: {إنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أن يُشرَكَ بهِ ويغفرُ ما دونَ ذلكَ لمن يشاء} [سورة النساء/48]، ولقوله تعالى: {ومَن يكفُرْ بالإيمانِ فقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [سورة المائدة/5].
ولو حاول بعضٌ التأويل للبوطي أن البوطي يتكلم عن المرأة المسلمة نقول له: إنه لم يقيد ولكن ولو انه قيد بالمرأة المسلمة نقول حتى المرأة المسلمة هناك أشياء من الأعمال الصالحة أهم من هذا على ما زعم كالصلوات الخمس والصوم والزكاة. وأما الفرض عليها في ذلك الشأن فهو إن دعاها إلى الفراش تُلبّهِ ولو كانت على التنور كما ورد قي الحديث، وإن لم تُلبِ فهي عاصية ءاثمة إلا أن يكون لها عذر شرعي أو جسماني.
ولكن من قال إن هذا الأمر هو أكبر الكبائر كما يدعي حتى الزنى ذاته الذي هو من الكبائر لم يثبت في النص أنه أكبر الكبائر مطلقًا بل ثبت أن أكبر الكبائر بعد الكبر هو قتل النفس التي حرم الله قتلها.
وأخيرًا: لا شك أن المرأة إذا عملت على إعفاف زوجها لها ثوابٌ عظيم من الله تعالى، ولكن لا يُقال كما زعم البوطي: “تم الإجماع على أن المرأة لا تحرز رضى الله بعمل مثل هذا العمل”، وكذلك لا شك أن المرأة إن منعت الرجل حقه من الجماع بغير عذر تكون قد ارتكبت معصية كبيرة ولكن وليس أكبر الكبائر كما ادعى البوطي.
ملاحظة أخيرة: لا أدري ما هذا التناقض والتخبط العجيب عند هذا الرجل وهو هنا يطالبها بإعفاف الرجل ثم يبيح البوطي للمرأو أن تتصور أثناء مضاجعة زوجها أنها تضاجع غيره ولا حرج عليها.
ثم إن البوطي أيضًا أباح للرجل أن يحضر لزوجته التي تعاني برودة جنسية أفلامًا خلاعية وجنسية فقل بالله أيها القارئ من أين ستأتي العفة والبوطي يقوم بمثل هذه الفتاوى التي ما أنزل الله بها من سلطان.
الهوامش:
[1] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان: باب من قال إن الإيمان هو العمل.
البوطي يدعي أن الدين لا ينصح بالزواج من الأقارب
قال البوطي في مجلة طبيبك عدد كانون الثاني 1995 ردًّا على سؤال: “لا ينصح الدين ولا العلم بالزواج من الأقارب ذلك لأنه قد تكون داخل الأسرة الواحدة عوامل وراثية كامنة تظهر في وقت ما، فانحصار الزواج داخل دائرة تلك الأسرة أو القرابة يجعل تلك العوامل محصورة فيها وستظهر على الأغلب في بطن ما من بعد، أما إن تلاحقت الأسر المختلفة من بعضها فإن ذلك يصبح فرصة لتبدد تلك العوامب وتغلب كثير من النقائض عليها، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اغتربوا لا تضووا” أي ابحثوا عن الغرباء والغريبات في الزواج كي لا تعرضوا أنفسكم لهُزال أو مرض”.
الرد: إن كلام البوطي هنا لا يمُتُّ إلى الشرع بصلة لعدة اعتبارات منها:
أولاً: الحديث الذي استشهد به ضعيف جدًا ولا تنبني عليه أحكام.
ثانيًا: هل أحد من الأئمة المعتبرين قال بمثل هذا القول أم هو اجتهاد من عنده، فإذا كان الكلام نقلاً من أحد الأئمة فليبرزه، وإلا إن كان اجتهادًا فلا نسلم له بالاجتهاد أصلاً لأنه ليس أهلاً له.
ثالثًا: يستشهد بحديث ضعيف جدًا هذا المدعي للاجتهاد ويغيب عن باله أن النبي عليه الصلاة والسلام زوج ابنته فاطمة من ابن عمه علي، فهل يُستشهد بحديث ضعيف جدًّا أم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي تواتر كتواتر الشمس في جبين الصباح، نترك الجواب لمدعي علم الأصول والفصول.
رابعًا: أن زواج علي وفاطمة رضي الله عنهما جاءت ثمرته دوحة ءال بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الدوحة المباركة التي أورفت بغلالها وظلالها على الدنيا وأنجبت الأئمة والرجال الأبطال العظماء حيث لم يتسنَّ لعائلة أو قبيلة أن تنجب ما أنجبت وهذه العظمة كان من ثمرة زواج حصل بين أقارب.
والمعروف عند الفقهاء كراهة الزواج من ذات قربة قريبة كأن يتزوج الشخص من ابنة عمه مثلاً، أما الإطلاق فهذا قول لم يقل به أحد قط. وأما عبارتك فعامة، وترك التفصيل في مثل هذا المقام يضر ويكون مصادمًا لتزويج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة من علي، فعبارتك تشمل هذا وهي ضارة غير نافعة.
البوطي يعتبر أن الاستغاثة برسول الله سوء أدب مع الله
قال البوطي في كتابه “هذا والدي” [ص/163] يتكلم عن والده: “إذ التوسل خطاب لله ودعاء موجه إليه، أما الاستغاثة فالخطاب فيه موجه إلى رسول الله وصيغه الدعاء موجهة أيضًا إليه وفي ذلك شئ من سوء الأدب مع الله، وصورة تخالف وجوب السؤال من الله وحده. وهو –أي والده- لم يكن يحرم الاستغاثة ولكنه كان يفضل صيغة التوسل عليها” اهـ.
الرد: في كلامه هذا عدة شطحات:
الأولى: أنه يعتبر الاستغاثة بالرسول دعاء موجه إليه وهذا غلط.
الثانية: اعتبر أن الاستغاثة سوء أدب مع الله وهذا غلط.
الثالثة: اعتبر أنه من الواجب سؤال الله وحده وهذا غلط.
الرابعة: اعتبر سؤال غير الله مخالفة لسؤال الله وهذا غلط.
وأما قوله بوجوب السؤال من الله وحده وهذا غلط، وقوله إن والده لم يكن يحرم الاستغاثة فهذا صواب.
أقول: التوسل والاستغاثة مؤدّاها واحد كما قال الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين السبكي، أما البوطي فإنه يفرق بينهما كالوهابية، ثم إن الأدلة على جواز الاستغاثة برسول الله أو غيره من الأولياء كثيرة منها:
ما أخرجه البزار [1] من حديث عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن لله ملائكة سيّاحين في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فلينادِ: أعينوا عباد الله”.
قال الهيثمي [2]: “رواه الطبراني ورجاله ثقات”، وحسّنه الحافظ ابن حجر في اماليه مرفوعًا –أي أنه من قول الرسول- وأخرجه الحافظ البيهقي [3] موقوفًا على ابن عباس بلفظ: “إن لله عز وجل ملائكة سوى الحَفظة يكتبون ما سقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فلينادٍ: أعينوا عباد الله يرحمكم الله تعالى”. والرواية الأولى تقوي ما ورد بمعناها من بعض الروايات التي في إسنادها ضعف، وقد تقرر عند علماء الحديث أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال والدعوات والتفسير، كما ذكر الحافظ البيهقي في المدخل.
وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [4]: “وقد تقدم في كتاب الزكاة من طريق حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ: “إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد فيشفع ليقضى بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقامًا محمودًا يحمده أهل الجمع كلهم” اهـ.
وروى البيهقي [5] أيضًا بإسناد صحيح عن مالك الدار –وكان خازن عمر- قال: “أصاب الناس قحط في زمان عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسقِ لامتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: ءايت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له: عليك بالكيس الكيس، فأتى الرجل فأخبر عمر فقال: “يا ربّ ما ءالوا إلا ما عجزت” اهـ. وهذا الرجل هو بلال بن الحارث المزني الصحابي، فهذا الصحابي قد قصد قبر الرسول للتبرك فلم ينكر عليه عمر ولا غيره.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري [6] ما نصه: “وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمّان عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأُتي الرجل في المنام فقيل له: ائتِ عمر… الحديث. وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة” اهـ.
وقال ابن كثير [7] ما نصه: “وقد روينا أن ابن عمر عسَّ المدينة ذات ليلة عام الرمادة فلم يجد أحدًا يضحك، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة، ولم يرَ سائلاً يسأل، فسأل عن سبب ذلك فقيل له: يا أمير المؤمنين إنّ السُّؤَّال سألوا فلم يعطوا فقطعوا السؤال، والنّاس في همّ وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون. فكتب عمر إلى أبي موسى بالبصرة أن يا غوثاه لامّة محمد، وكتب إلى عمرو بن العاص بمصر أن يا غوثاه لأمة محمد، فبعث إليه كل واحد منهما بقافلة عظيمة تحمل البُرّ وسائر الأطعمات، ووصلت ميرة عمرة في البحر إلى جدة ومن جدة إلى مكة. وهذا الأثر جيّد الإسناد” اهـ. وهذا فيه الرد على ابن تيمية لقوله إنه لا يجوز التوسل إلا بالحي الحاضر، فهذا عمر بن الخطاب استغاث بأبي موسى وعمرو بن العاص وهما غائبان.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو نصر بن قتادة وأبو بكر الفارسي قالا: حدّثنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي، حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر بن الخطاب فجاء رجلٌ إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: “ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبرهم أنهم مُسقون وقل له: عليك بالكيس الكيس”، فاتى الرجل فأخبر عمر فقال: “يا رب ما ءالوا إلا ما عجزت عنه”. هذا إسناد صحيح” اهـ. وهذا إقرار بصحة هذا الحديث من الحافظ ابن كثير.
وفي فتاوى شمس الدين الرملي [8] ما نصه: “سئل عمّا يقع من العامّةى من قولهم عند الشدائد: يا شيخ فلان، يا رسول الله، ونحو ذلك من الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والعلماء والصالحين فهل ذلك جائز أم لا؟ وهل للرسل والأنبياء والأولياء والصالحين والمشايخ إغاثةٌ بعد موتهم؟ وماذا يرجّح ذلك؟
فأجاب: بأن الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والعلماء والصالحين جائزة، وللرسل والأنبياء والأولياء والصالحين إغاثة بعد موتهم، لان معجزة الأنبياء وكرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم، أما الأنبياء فلأنهم أحياء في قبروهم يصلون ويحجّون كما وردت به الأخبار، وتكون الإغاثة منهم معجزة لهم، وأما الأولياء فهي كرامة لهم فإن أهل الحق على أنه يقع من الأولياء بقصد وبغير قصد أمور خارقة للعادة يجريها الله تعالى بسببهم” اهـ.، قوله: “ويحجون” لم يثبت في السنة.
فإن قيل: أليس في حديث ابن عباس الذي رواه الترمذي [9]: “إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله” ما يدلّ على عدم جواز التوسل بغير الله؟
فالجواب: أن هذا ليس فيه معارضة ما ذكرنا إذ أن المتوسل يسأل الله، والحديث ليس معناه لا تسأل غير الله ولا تستعن بغير الله، إنما معناه أن الأولى بأن يُسأل ويُستعان به هو الله تعالى، ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقيّ” رواه ابن حبان [10]، فكما لا يفهم من هذا الحديث عدم جواز صحبة غير المؤمن وعدم جواز إطعام غير التقيّ وإنما يفهم منه أن الأولى بالصحبة المؤمن وبالإطعام التقي، كذلك حديث ابن عباس لا يفهم منه إلا الأولوية، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لا تسأل غير الله ولا تستعن بغير الله، أليس هناك فرق بين أن يُقال: لا تسأل غير الله وبين أن يُقال: إذا سألت فاسأل الله،؟ ويفهم من هذا الاستدلال فساد قول البوطي بوجوب أن لا تسأل غير الله مُطلقًا ذلك.
الهوامش:
[1] كشف الأستار عن زوائد البزار [4/34].
[2] مجمع الزوائد [10/132].
[3] شعب الإيمان [1/445].
[4] فتح الباري [11/438].
[5] أنظر البداية والنهاية [7/91-92].
[6] فتح الباري شرح صحيح البخاري [2/495-496].
[7] البداية والنهاية [7/90].
[8] فتاوى الرملي بهامش الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي [4/382].
[9] جامع الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقائق والورع: باب [59]. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[10] صحيح ابن حبان: كتاب البر والإحسان: باب الصحبة والمجالسة، أنظر الإحسان [1/383 و385].
فائدة في بيان جواز نداء النبي بعد وفاته
روى البخاري في كتابه الأدب المفرد جواز نداء النبي بعد موته بيا محمد وذلك خلاف معتقد الوهابية فإنه عندهم شرك، وأورده أيضًا ابن السني في كتابه عمل اليوم والليلة [1]، ونص البخاري في كتابه المذكور:
“باب ما يقول الرجل إذا خدرت رجله: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل: اذكر احب الناس إليك؟ فقال: يا محمد” اهـ. وأورده ابن تيمية في كتابه المشهور الكلم الطيب [2] ونص عبارته:
“فصل في الرجل إذا خدرت رجله
عن الهيثم بن حنش قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك، فقال: يا محمد فكأنما نشط من عقال” اهـ.
وذكره الحافظ شيخ القرّاء ابن الجزري في كتابيه: الحصن الحصين وعدة الحصن الحصين، وذكره الشوكاني أيضًا في كتابه “تحفة الذاكرين] [3] وهو غير مطعون به عندهم، ورواه أيضًا ابن الجعد [4].
وهذا الذي حصل من عبد الله بن عمر استغاثة برسول الله بلفظ يا محمد، وذلك عند الوهابية كفر أي الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم، فماذا تفعل الوهابية أيرجعون عن رأيهم من تكفير من ينادي يا محمد أم يتبرءون من ابن تيمية في هذه القضية وهو الملقب عندهم شيخ الإسلام، فيا لها من فضيحة عليهم وهو إمامهم الذي أخذ منه ابن عبد الوهاب بعض أفكاره التي خالف بها المسلمين، وهم في هذه المسئلة على موجب عقيدتهم يكونون كفّروا ابن تيمية لأنه استحسن ما هو شرك عندهم.
ولو قال أحدهم: ابن تيمية رواه من طريق راوٍ مختلف فيه، يقال لهم: مجرد إيراده لهذا في هذا الكتاب دليل على أنه استحسنه وذلك لأنه سمى كتابه “الكلم الطيب” معناه كل ما فيه كلام حسن. ثم إن الذي يورد أمرًا في كتابه ولا يحذّر منه فهو داعٍ إلى ذلك الشيء، ومحاولة الألباني لتضعيف هذا الأثر لا عبرة بها، لأن الألباني محروم من الحفظ الذي هو شرط التصحيح والتضعيف عند أهل الحديث وقد اعترف في بعض المجالس بأنه ليس محدّث حفظ بل قال: أما محدّث كتاب، وذلك بعد أن سأله محام سوري: يا أستاذ أنت محدث، فقال: نعم، فقال له: أتسرد لي عشرة أحاديث بأسانيدها، فأجابه الألباني: لا، أنا محدث كتاب، فأجابه المحامي: إذن أنا أستطيع أن أفعل ذلك. فخجّله، فليعلم هو ومقلدوه أن تصحيحهم وتضعيفهم لغو في قانون أهل الحديث ولا اعتبار له، فليتوبوا إلى الله، فإن كان الرياء ساقهم إلى ذلك فالرياء من الكبائر.
وأخيرًا: فهل تعتبر يا بوطي أن ابن عمر قد اساء بحق الله لما قال يا محمد…؟؟؟ أم أنك تريد مداهنة الوهابية؟
الهوامش:
[1] أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة [ص/72-73].
[2] الكلم الطيب [ص/73].
[3] تحفة الذاكرين [ص/267].
[4] مسند ابن الجعد [ص/369].
البوطي يزعم أن خروج الناس ودخولهم إلى مجالس العزاء وقهوة البن تدور أثناء قراءة القرءان استهانة بكتاب الله
يقول البوطي في مجلة طبيبك عدد 1995 أيلول [ص/111] عن مجالس العزاء: “أما شغل هذه المجالس بقراء القرءان والناس داخلون وخارجون والقهوة تدور فأعتقد أن في ذلك استهانة ملحوظة بكتاب الله”.
الرد: أقول: إن التعبير “بالاستهانة بكتاب الله” هو عبارة اصطلاحية عند الفقهاء وعلماء الأصول يستعملونها عادة في باب الردة فيعتبرون أن من قام بعمل فيه “استهانة بكتاب الله” فهذه ردة كرمي المصحف في القاذورات أو الدوس على المصحف عمدًا.
وأما هنا فأين الاستهانة بكتاب الله فهل مجرد خروج الناس ودخولهم إلى العزاء والقرءان يتلى يعتبر استهانة؟ أين وجه الاستهانة؟ وهذا أمر طبيعي في مجالس العزاء. لكي يتسنى لمن لم يعزِّ أن يدخل وإلا فإن بقي الناس ولم يخرجوا والذين هم في الخارج لم يدخلوا فكيف ينتظم أمر العزاء.
وأما مسئلة قهوة البن ففيها تكريم وضيافة للمعزين بل شرب قهوة البن عند كثير من الناس يجلب لهم صفاء ذهن وفكر للاستماع إلى القرءان الكريم.
وكل الناس يلاحظون أن القارئ يقرأ والناس داخلون وخارجون وتدار قهوة البن من غير تشويش والاستماع والانصات قائم.
ثم حتى لو حصل شيء من التشويش أو الضجيج أو الفوضى فهل يصل بك الحد أن تقول في هذا استهانة بكتاب الله، فأين حصلت الاستهانة في ذلك كله؟
فالفقهاء لم يعتبروا القصد في الاستهانة في موضوعين فقط واعتبروا مجرد الفعل ردة لأن الفعل يدل على قصد الاستهانة وذلك كنحو إلقاء المصحف في القاذورات وكنحو الدوس على اسم الله عامدًا.
وقال الفقهاء من وضع ريق فمه على أصبعه ثم فتح صحيفة من القرءان هذا إن قصد الاستخفاف كفر وإلا لا يكفر إلا أنه حرام، وأما قول صاحب كتاب الفقه على المذاهب الأربعة بأنه يكفر م\لقًا فهذا مردود.
البوطي يزعم أن الروح موصولة بالله
يقول في مجلة التقوى العدد 53 رمضان 1416 شباط 1996: “فالإنسان يعيش لرزقه ولطعامه وشرابه ويبحث عما يشبع رغباته وشهواته وأهوائه ولكن يتحرك تحت مظلة حكم الله عز وجل بقيادة من هذه الروح الموصولة بالله سبحانه وتعالى” اهـ.
الرد: إن هذا الكلام يدل دلالة واضحة على أن الرجل مجسم وحلولي وقد بيَّنا تجسيمه وقوله بالحلولية في بحث منفصل من هذا الكتاب.
إن ادعاء البوطي أن الروح موصولة بالله هذا تجرؤ على الله وقد انعقد اجماع الأمة على أن الله تعالى منزه عن الانفصال والاتصال وفي الصحيفة السجادية قال الإمام علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم: “يا من لا تحسّ ولا تجسّ”، وكل ذلك مأخوذ من قوله تعالى: {ليسَ كمثلهِ شيء} [سورة الشورى/11]، فبعد كل الآيات والأحاديث وأقوال العلماء التي صرحت بالتنزيه كيف يجرؤ كهذا على مثل هذه المقالات التي تنقض عرى الدين عروة بعد عروة.
البوطي ينتقد تكفير أبي زيد وإهراق دم رشدي
قال البوطي في جريدة السفير اللبنانية [ص/8] يوم الجمعة 15/11/96 وذلك بالخط العريض: “انتقدتُ تكفير أبي زيد وإهراق دم رشدي”.
ثم يقول: “أما انتقادي على تكفير المحكمة له فذلك لأنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية شيء اسمه الحكم الغيابي على إنسان بالردة”.
ثم يقول: “كذلك سلمان رشدي الذي صاغ هذه الرواية وهي بلا شك تجرّمه أخلاقيًا وليس فكريًا لأن كتابه الذي قرأته ليس كتاب فكر ولكن لا يجوز إطلاقًا أن نحكم عليه غيابيًّا أيضًا وأن نهدر دمه وهو في دار الكفر”.
الرد:
أولاً: قول البوطي “لا يوجد في الشريعة الإسلامية شئ اسمه حكم غيابي على إنسان بالردة” هذا غير صحيح مطلقًا حيث انعقد الإجماع على أن الردة تثبت فيما تثبت به بالشهود، فالجمهور اشترطوا اثنين من العدول وأما الحسن فقد اشترط أربعة، وقد عقدت ردًّا خاصًا على البوطي في هذا البحث فراجعه.
ثالنيًا: إن البوطي يعتبر أن قتل المرتد سببه الحرابة –أي مجاهرته بالحرب ضد المسلمين- أليس ما فعله سلمان رشدي هو أخطر حرب إعلامية ضد المسلمين في الربع الأخير من القرن العشرين حيث تجيشت معه كل قوى الإعلام الغربية بشتى ألوانها وأشكالها.
ثالثًا: من قال إن المرتد لا يقتل في دار الحرب؟ ألم تقل أنت إن الجهاد سببه الحرابة ثم قست الردة على الجهاد أي قست قتال المرتدين على قتال الحربيين، فعلى هذا القياس ألم يرسل النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة الأنصاري لقتل كعب بن الأشرف اليهودي وهو في دار الحرب وقتله إلا إذا كان القياس هناك نافذًا وهنا ممتنعًا على زعمك، فإذا كان الأمر كذلك فنقول: “حدثوا عن البوطي بلا حرج”.
مع العلم أننا لم نسلم بأصل المسئلة ولا بقياسك ورددنا في مكان ءاخر من هذا الكتاب لكن نحن هنا نحاكمك بمزاعمك وادعاءاتك.
رابعًا: ومن أعجب الهراء الذي سمعته في حياتي قول البوطي عن رواية رشدي: “تجرمه أخلاقيًا وليس فكريًا”، والعجيب كيف ثبت لديك أنه أخل أخلاقيًا ولم يخل فكريًا، وكيف ترجمه بالأولى ولم تجرمه بالاخرى.
خامسًا: كيف لا تجرمه فكريًا وقد اتهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالاتهامات الخطيرة بأنه عاهر وإن زوجاته عاهرات ثم لا تجرمه فكريًا بعد ذلك.
هذا وقد نقلت أنت في بعض كتبك نصوصًا من هذه الرواية محشوة بالكفر والافتراء وقد وصفتها أنت بأقذع الألفاظ.
سادسًا: كيف تجرمه أخلاقيًا غيابيًا طالما رفضت الحكم الغيابي أصلاً، وهذا دليل اتباعك للهوى.
مسائل متفرقة وهي مسائل لا تحتاج إلى تعليق كبير ليفرد لها بحثٌ خاصٌ
المسئلة الأولى: يُحرَّم الربا ويوجب أخذ الفائض يقول البوطي في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/68]: “وليكن واضحًا أننا لا نعني بتفنيد هذا الاستخلاص العابث العجيب أن الفوائد التي تسجلها المثارف الأجنبية لاصحاب الأموال المودعة فيها يجب أن تترك لتلك المصارف، فالقول بذلك استجرار لبلاء فوق بلاء، وترك هذه الفوائد مضافة إلى الملايين أو المليارات من أصولها أشبه بمن يعمد فيلقى ضغثًا على إبالة”.
الرد: إن كنت ترى أن الربا مع الحربيين غير جائز فالفائض حرام لقوله تعالى: {يا أيُّها الذينَ ءامنوا اتَّقوا اللهَ وذروا ما بَقِيَ منَ الربوا إن كُنتُم مؤمنينَ* فإن لَّمْ تفعلوا فَأْذَنوا بحربٍ من اللهِ ورسولهِ وإن تُبْتُمْ فلكُم رُءوسُ أموالِكُمْ لا تَظْلِمونَ ولا تُظْلَمونْ [سورة البقرة/278-279].
فمن أين ساغ لك أن تقول هي حرام عليهم حلال لنا وأين النص؟
المسئلة الثانية: يستعمل كلمة خلق في غير محلها في غير موضعها اللغوي والشرعي، فمثلاً يقول في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/65]: “لخلقنا بأيدينا تضخمًا نقديًا”.
ويقول في كتابه “تجربة نحو التربية الإسلامية” [ص/125]: “وهنا ينبغي أن نتساءل ما السبيل إلى خلق وحدة وطنية”.
الرد: لو كان البوطي عنده فهم في اللغة والشرع لما ساير أهل العصر في منزلقاتهم وقولهم في مثل هذه التعابير المخلة، فكلمة خلق لا يجوز استعمالها إلا في الموضع المناسب وكلمة خلق لها عدة معان:
1- الخلق بمعنى الإبراز من العدم إلى الوجود فلا خالق بهذا المعنى إلا الله.
2- أما قوله تعالى: {فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقينَ} [سورة المؤمنون/14] فمعناه أن الله أحسن المقدرين لأن تقديره لا يخطئ وتقدير غيره يجوز عليه الخطأ والتغيير، فيجوز بهذا المعنى أي التقدير إطلاق الخلق على غير الله كما قال الشاعر زهير في وصف ممدوحه هَرِم بن سنان:
ولأنت تفري ما خلقت *** وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
معناه أنت تقدر وتنفذ وبعض الناس يقدرون ولا ينفذون أي أنت لك مزية بذلك.
3- كما أن الخلق ياتي يمعنى التصوير كما قال تعالى في حق عيسى: {وإذ تخلُقُ من الطينِ كهيئةِ الطيرِ} [سورة المائدة/110].
4- وكما أنه يطلق على افتراء الكذب قال تعالى: {وتخلُقونَ إفكًا} [سورة العنكبوت/17] أي تفترون الكذب.
5- ويقال خلقت العود أي ملسْته.
فهل عند البوطي قسم سادس حتى يبرزه لنا إن في اللغة أو في الشرع، وفي ذلك يتبين لك فساد كلام البوطي في استعمال كلمة خلق في غير موضعها.
المسئلة الثالثة: يرى أن الأمير والأبوين لهم حق التحليل والتحريم يقول البوطي في كتابه المسمى “قضايا فقهية معاصرة” [ص/213]: “غير أنه مما هو ثابت بالنص أيضًا أن أمير المؤمنين أو رئيس الدولة إذا أمر بمباحٍ أصبح واجبًا في حق من توجه إليهم الأمر وإذا نهى عن مباح أثبح محرمًا في حق من توجه إليهم النهي، فالحرمة حينئذٍ تكون عارضة اقتضاها أمر الأمير أو أمر أحد الأبوين”.
الرد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا طاعة في المعصية إنما الطاعة في المعروف” رواه البخاري وغيره [1].
وأما كلامه فلا دليل عليه مطلقًا وهو غاية في الخطورة حيث جعل الأمير والوالدين مشرعين بدلاً عن الله تعالى فنعوذ بالله.
المسئلة الرابعة: ينسب حكمًا للإمام أحمد قال في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/83]: بل قد ذهب الإمام أحمد في تحديد هذا الاختصاص وتفسيره مذهبًا جعله من الإقدام [2] على الاستفادة بالنقل والكتابة عن مقال أو مؤلف عرف صاحبه إلا بعد الاستئذان منه.
فقد روى الغزالي أن الإمام أحمد سئل عمن سقطت منه ورقة كتب فيها أحاديث أو نحوها أيجوز لمن وجدها أن يكتب منها ثم يردها فقال: “لا بل يستأذن ثم يكتب” اهـ [الإحياء للغزالي 1/96].
الرد: أولاً: مذهب الإمام أحمد بحسب أصول المناهج الفقهية لا تؤخذ من غير كتب الحنابلة كمصدرٍ أساس، لذا فلا نأخذ فقد أحمد من إحياء علوم الدين.
ثانيًا: أحمد لم يقل ما قاله البوطي إنما البوطي استنتج حكمًا من قصةٍ حصلت لأحمد وذلك الحكم استنبطه البوطي من طريق التوهم.
ثالثًا: لا نص لهذا الحكم في كتاب الحنابلة.
رابعًا: إن أحمد لم يجز لشخصٍ أن ياخذ من ورقة شخصٍ ءاخر إلا بإذنه لأن الورقة ملك لذلك الشخص فلا بد من استسماحه.
خامسًا: هذه المسئلة التي أجاب عليها الإمام أحمد هي محل الإجماع ولا خلاف فيها وليست هي قول أحمد فقط، أما مدلول الفتوى الذي استنتجه البوطي فلم يقل به أحمد ولا غيره.
سادسًا: هنالك فرقٌ واضحٌ بين من يأخذ من كتاب غيره وبين من يأخذ من كتاب اشتراه فصار ملكًا له، لذا فقياس البوطي في غير محله.
المسئلة الخامسة: كرامة الإنسان.
يتناقض البوطي بوضوح في مسئلة “كرامة الإنسان” فيقول في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/117]: “إن الكرامة التي ميز الله الإنسام بها ليست نابعة من جوهر بشريته حتى تكون ملازمةً له في كل الحالات، وإنما هي وصف يلازمه ما كان متجاوبًا مع فطرة عبوديته لله عز وجل مستقيمًا على الانصياع لأمره وسلطانه” اهـ.
ثم في [ص/146] من المصدر نفسه ينسف هذا الكلام ويبطله فيقول: “إذن فقد كرّم الله جنس الإنسان من حيث هو ممثلاً في [بني ءادم] أي بهذا التعبير الشامل العام بقطع النظر عن اللون والمذهب والعرق وإنما عرفه الله بعد ذلك بالدين وأوصاه وأمره بالخضوع لسلطانه ليحمي به كرامته التي متعه الله بها وليكون غذاءً لها وحفاظًا عليها، أي فالدين الحق في حياة الإنسان حصن لكرامته وليس منبعًا لها أو سرًَا لوجودها”.
الرد: إن ما ورد في [ص/117] هو الصحيح وعليه المعوّل لكن للأسف عاد ونسف ذلك وناقضه في [ص/146] فلا أدري ما بدا له وكأنه نسي ما قد كتب سابقًا.
المسئلة السادسة: قوله رب الأسرة.
يقول في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/175]: “كما أننا لا نبحث في مسألة قوامة المنزل والشخص الذي ينبغي أن تكون إليه إدارته والذي يجدر أن يعطي من أجل ذلك لقب: رب الأسرة”.
الرد: كلمة رب الأسرة كلمة مستحدثة معاصرة وفيها مخالفة للشرع صريحة لأن الشخص الحر لا رب له إلا الله، أما لو قال رب البيت لاستقام المعنى لأن الرب معناها في اللغة المالك فهل يقال عنه رب الأسرة بمعنى مالكها، وهل يجوز أن يقول أنا رب زوجتي وأولادي.
ثم إن معنى الأسرة في اللغة غير ذلك المعنى الذي يذهب إليه الناس والبوطي من ورائهم وذلك من طريق التوهم والخطإ. فالأسرة معناها كما قال السيد مرتضى الزبيدي في شرح القاموس: “الأسرة من الرجل الرهط الأدنون وعشيرته لانه يتقوى بهم كما قاله الجوهري، وقال أبو جعفر النحاس: الأسرة بالضم أقارب الرجل من قِبَل أبيه” اهـ.
أما مفهوم الأسرة اليوم هي مجموع الرجل مع زوجته وأولاده وهذا المفهوم خطأ لغة فتأمل.
المسئلة السابعة: الرضى بالكفر.
يقول في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/204] عن الركون للنظام الكفري: “فإن الركون إليه إعلانٌ عن الرضا به والاقتناع بموافقة المخاصم والمعادي للإسلام، وهذا هنا بحد ذاته كبيرة من أخطر الكبائر في دين الله عز وجل هذا إن لم نقل إنه باب من أبواب الكفر”.
ثم كتب على الهامش: “قد يقول بعضهم: أليس هذا الرضا بالنظام المعادي للإسلام في جوهره كفرًا؟ والجواب: إنني اوثر التحفظ في إطلاق أحكام الكفر واتهاماته ما وسعني ذلك وفي مثل هذه المسألة التي قد تكتنفها الاحتمالات حسبي أن أقف عندما هو ثابت ومحقق بدون أي ريب في الحرمة التي قد تجر إلى إثم كبير. أما ما وراء ذلك من الكفر وعدمه فلنرجئه إلى محكمة الله عز وجل”.
الرد: لقد تردد البوطي في هذه المسئلة على الحكم بأن الرضى بالكفر كفر وهذه مسئلة هي محل إجماع، ولا أدري لماذا حكم في مسائل كثيرة بالكفر ولم يرجئها ليوم القيامة كما فعل هنا.
المسئلة الثامنة: يدعي البوطي أن سماع الموسيقى مباشرة حرام وإذا كانت من وراء جدار فهي حلال.
قال في مجلة طبيبك عدد ءاب 1991 في الموسيقى كلامًا عجيبًا من غير دليل: “إن مسألة الموسيقى عمومًا تدخل في باب “ما حرم من أجل غيره”. عندما حرمت الخمر تحريمًا كليًّا بنصوصها القاطعة كانت مجالس الخمرة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمعازف والقيان أي المغنيات من هنا فقد كان لا بد من القضاء على الأجواء التي تذكّر بالخمرة وتثير الحنين إليها ومن أبرزها وأهمها أجواء المعازف والموسيقى.
تلك هي باختصار علة تحريم الشارع للمعازف عزفًا عليها أو إصغاءً إليها أي فالعلة ليست ما قد تحدثه من طربٍ بل ما قد تجر إليه من مجالس الخمر والفسوق، ولذا كانت الآلات الموسيقية المحرمة كل ما كان منها من دأب الفساق وأهل المجون أما غير ذلك فلا، ومن مقتضيات هذه العلة للحكم ما قاله أكثر الفقهاء من أن المحرم إنما هو حضور هذه المجالس فإنها قلما تخلو من الفسوق وأسبابه، أما سماع هذه الآلات دون حضور مجالسها كمن يصغي إليها من وراء جدار أو كمن يسمعها من إذاعةٍ أو ءالة تسجيل فليس في الأمر ما يستدعي الحرمة”.
ثم في ءاخر الإجابة يجيل القارئ إلى باب السماع في كتاب إحياء علوم الدين للاستزادة من التفاصيل.
الرد: أولاً: وبالعودة إلى كتاب السماع لم نجد أثرًا لما ذكره البوطي عن إباحة السماع إلى الموسيقى. وقد رأينا في كتاب السماع من إحياء علوم الدين [2/296]: “فينبغي أن يقاس على صوت العندليب الاصوات الخارجة من سائر الأجسام باختيار الآدمي كالذي يخرج من حلقه أو من القضيب والطبل والدف وغيره. ولا يستثنى من هذه إلا الملاهي والأوتار والمزامير التي ورد الشرع بالمنع منها” اهـ.
ثم ذكر المعلق على قوله [بالمنع منها] قال: حديث المنع من الملاهي والأوتار والمزامير أخرجه البخاري من حديث أبي عامر او أبي مالك الأشعري: “ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الِحِرَ والحرير والمعازف”.
ثم قال الغزالي في الصحيفة نفسها: “فبهذه المعاني حرم المزمار العراقي والأوتار كلها كالعود والصنج والرباب والربط وغيرها، وما عدا ذلك فليس في معناها كشاهين الرعاة والحجيج وشاهين الطبالين وكالطبل والقضيب”.
وقال الغزالي أيضًا [2/307]: “العارض الثاني في الآلة بأن تكون من شعار أهل الترف أو المخنثين وهي المزامير والأوتار وطبل الكوبة فهذه الثلاثة أنواع ممنوعة وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف وإن كان فيه الجلاجل وكالطبل والشاهين والضرب بالقضيب وسائر الآلات”.
إذن الغزالي لم يقل مقالتك على الإطلاق.
وأما قولك عن أكثر الفقهاء من أن المحرم إنما هو حضور هذه المجالس فإنها قلما تخلو من الفسوق وأسبابه، وأما سماع هذه الآلات دون حضور مجالسها كمن يصغي إليها من وراء جدارٍ أو كمن يسمعها من إذاعة أو ءالة تسجيل فليس في الأمر ما يستدعي الحرمة، أي فقهاء يا بوطي قالوا هذا الكلام؟ وأين مصادرك أي التوثيق العلمي.
المسئلة التاسعة: تعبيرٌ قبيح.
يقول البوطي في المجلة المسماة بالتقوى عدد 53 شباط 96 [ص/18]: “لا دواء لذلك سوى أن أربط بين المخلوقات وخالقها”.
أقول: هذا تعبيرٌ قبيحٌ لا يليق بالله تعالى ولو ادعى أنه يقصد المجاز في ذلك فالمجاز له حدود ولا يتأتى من طريق الأهواء.
المسئلة العاشرة: ينسب أفعال الله للأقدار.
فيقول في كتاب “مَمُو زيْن” [ص/9]: “فالحل إذن أن أتفرغ لهذا الذي وجهتني الأقدار إليه” اهـ.
ويقول في “تجربة التربية الإسلامية” [ص/95]: “ولما شاءت الأقدار”.
وقال في كتابه “منهج الحضارة الإسلامية” [ص/205]: “أي فهم ليسوا في الحقيقة أكثر من سياط تجردها الأقدار الإلهية على ظهور أولئك”.
الرد: هذه التعابير العصرية الفاسدة فلا يقال شاء القدر وشاءت الاقدار بل يقال شاء الله وهذا ما عليه التعبير في القرءان والحديث وكلام السلف والخلف، وإن شاء فليرجع إلى نصوصهم.
المسئلة الحادية عشرة: تعابير قبيحة.
[1] يقول في كتابه “هذه مشكلاتهم” في الرد على من يقول ورقة بن نوفل وبحيرة الراهب كانا وراء تعليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول البوطي [ص/36]: “بناءً على هذه الحقيقة الصعبة إن اسم كلٍ من ورقة بن نوفل وبحيرة الراهب ليس إلا اسمًا مستعارًا لله عز وجل”.
أقول: هذا التعبير قبيحٌ جدًا، ولو قصد البوطي الاستهزاء بمن قال فأسلوب السخرية والاستهزاء لا يكون بسوء التعبير فبدلاً من أن تستهزئ بهم تصير محطًا للسخرية والاستهزاء.
[2] ثم يقول البوطي في [ص/198] من المصدر نفسه في الموضوع نفسه: “إن على أبي موسى إذا كان يرى أن هذا القرءان من سنع عثمان أن يحل هذه المشكلة بطريقةٍ ما، وليس ثمة إلا طريقة واحدة وهي أن يثبت لنا أن عثمان هذا إله وخالق لا بشر من الناس، كما قد استقر في أذهاننا عامة الناس، أما إن ترجح لديه أنه من صنع المعلم ورقة فما عليه إلا أن يثبت لنا أن ورقة هذا رب وإله للعالمين”.
أقول: وهذا التعبير أكثر قبحًا من سابقه ولو كان القصد التعجيز والسخرية فهذا لا يليق أدبًا ولا يقبل كرد على متهجمٍ على الإسلام.
[3] ويجعل الله مصدرًا بزعمه في كتابه “هذه مشكلاتهم” [ص/51] يقول: “إن مصدر كل من النظام التكويني والنظام التشريعي واحدٌ وهو الله عز وجل”.
أقول: هذا تعبيرٌ فاسدٌ.
[4] ومن تعابيره الفاسدة يقول في كتابه “من الفكر والقلب” [ص/19] عن بعض الملحدين: “وقد تحرروا من قيود الإسلام وجموده”.
هكذا ذكرها مطلقة وكان عليه أن يذكر القيد حتى يَسلم كأن يقول: وقد تحرروا من قيود الإسلام وجموده بزعمهم.
[5] ومن تعابيره الفاسدة ما ذكره في كتابه “منهج الحضارة الإنسانية” [ص/61]: “لذلك الإله المزيف الذي يحكم اليوم ربوع الغرب بأسرها إله المادة واللذة”.
أقول: لا يجوز استعمال عبارة الإله عن غير الله تعالى إلا بقيد احترازي يفهم من السخرية والاستهزاء أو بزعمك، وقد جاء في القرءان الكريم مع التقييد في قوله تعالى: {أفَرَءيتَ مَن اتَّخذَ إلهَهُ هواهُ} [سورة الجاثية/23] أي ما يعبده من دون الله بغير حق، قال الفيومي اللغوي في المصباح: “والإله المعبود وهو الله سبحانه وتعالى ثم استعاره المشركون لما عبدوه من دون الله تعالى”.
[6] ويقول في كتابه “الإسلام ملاذ كل المجتمعات الإنسانية” [ص/89]: “إن هذا الكلام لا يعني إلا أنهم اكتشفوا أن العلم هو من دون الله إله كل شيء وخالقه. فحريّ بالعالم إذن أن يتقمص هذه الألوهية وأن يمارس سلطان الربوبية في الكون”.
أقول: هذا الكلام خبيثٌ جدًا لأن فيه دعوة العالم إلى تقمص الالوهية كما زعم وأن يمارس سلطان الربوبية، والدعوة إلى الكفر كفر.
[7] ويقول في كتابه المسمى “الإنسان مسير أم مخير” [ص/31]: “بالطفل الذي ينشأ في أسرة غير معنية بوجود الله” اهـ.
أقول: وهل يوجد أسرة في الدنيا غير معنيةٍ بوجود الله، فالمعني أي المكلف هنا إلا إذا كان شخصٌ يعيش في بعض المجاهل ولم يبلغه أصل الدعوة فهذا ليس مكلفًا كأن لم يسمع أنه ظهر نبي يسمى محمدًا ولم يسمع بالإسلام ولا بالأذان ولا بالشهادتين”.
[8] ومن التعابير البشعة التي في كتابه “كبرى اليقينيات” [ص/51] ونص عبارته: “وجاز لهم أن يجعلوا منه عليه الصلاة والسلام أعظم كاذبٍ” اهـ.
قلت: فهذا التعبير سئ ولا يليق بمنصب النبوة، وكان عليه أن يقول حتى يَسلم: لزعموا أنه جاز لهم كذا وكذا.
[9] ومن أقبح ما ذكر البوطي في كتابه “من روائع القرءان” [ص/207] يقول: “فحلمتَ أنك تسمر في مجلس المتنبي مسيلمة الكذاب وعن يمينه النبيّة سجاح، وأخذت تسمع القرءان [3] كل منهما حتى استفزك الطرب وتملكتك النشوة من جمال ما تسمع فصحوت وقد انطبع قلاءانهما الكريم في خيالك”.
هكذا يترك البوطي الكلام على عواهنه من غير قيدٍ فيزل الزلة تلو الأخرى فيسمي سجّاح نبيّة والعياذ بالله. ثم يعود ويزل فيقول عما قالاه قرءان كريم وهذا خطرٌ كبير وشر مستطير.
[11] ومن تعبيراته السيئة يسمي الكائن المنوي بتسمية الحيوان المنوي وذلك في غير موضع منها كتابه “مسئلة تحديد النسل” [ص/38]، وكذلك في [ص/83] من المصدر نفسه يقول: “حيث تكون ءالاف الحيوانات المنوية”.
الجواب: ولا يخفى على البصير أن هذا التعبير فاسد ولا يجوز أن يوصف هذا الكائن بأنه حيوان لان الحيوان بالمفهوم الشرعي واللغوي هو كل ذي روح، فلو أن هذا الكائن كان ذا روح فما معنى أن يرسل إليه الملك بعد أربعة أشهرٍ من الحمل وينفخ فيه الروح، فهل تلتبس فيه روحان أم هي روح واحدة؟ ولا يغرنك ما تراه من حركة في المجهر لأن هذا تموج وليس حركة روح وإنما نموه في الرحم ليس نموًا حيوانيًا بادئ ذي بدئٍ بل هو نمو أشبه ما يكون بنمو النبات حتى ينفخ فيه الروح، لكن النبات لا روح فيه بالإجماع.
[11] ومن مساوئ التعبير عنده يقول في كتابه المسمى “الإنسان مسير أم مخيّر” [ص/154]: “يتدخل الله”.
قلت: وهذه عبارة فيها ما فيها مما لا يليق بالله لأن التدخل من صفات البشر.
[12] ومن تعبيراته الفاضحة والفادحة يقول في كتاب “كبرى اليقينيات” [ص/238]: “حوادث لا حدود لها”.
قلت: نحن نعلم أن الذي لا حد له هو الله قال تعالى: {وكلُّ شيءٍ عندهُ بمقدار} [سورة الرعد/8] معناه الله تعالى خلق كل شيء على مقدار معين. فمن أين أتى البوطي بهذا القول ولعله يقلد حبيبه ابن تيمية الذي قال بحوادث لا أول لها.
المسئلة الثانية عشرة: “يزعم البوطي أن الله ألزم نفسه بأشياء فيقول في كتابه “منهاج الحضارة الإنسانية” [ص/205]: “ثم إنه ألزم نفسه”، ويقول في مجلة طبيبك [ص/109]: “فإن الله عز وجل ألزم ذاته العلية المغفرة والعفو”.
أقول: هذا قلد فيه البوطي بعض أهل العصر، ويقال وعد ولا يقال ألزم، فهذا لا يليق بالخالق وهي كفرٌ، يقال وعد وعدًا ينجزه ولا يخلفه لأن الخالق يُلزِم ولا يُلزَم قال تعالى: {واللهُ غالِبٌ على أمره} [سورة يوسف/21].
المسئلة الثالثة عشرة: يزعم أن الصديقين أفضل من خواص الملائكة فيقول في كتابه “كبرى اليقينيات” [ص/246]: “جمهور أهل السنة والجماعة أن خواص البشر من الأنبياء والصديقين أفضل من خواص الملائكة”.
أقول: إن ما عليه أهل السنة والجماعة أن الأنبياء هم أفضل الخلق ثم خواص الملائكة ثم أولياء البشر.
المسئلة الرابعة عشرة: يتناقض البوطي مع نفسه فيقول في كتابه “المرأة” [ص/72]: “ومن المعلوم أن هذه البيعة عمل سياسي لا واجبٌ ديني”، ثم يقول في الصحيفة ذاتها: “إذن فبيعة أفراد الأمة أو الشعب لرئيس الدولة أداء لمهمةٍ سياسيةٍ يُلزم بها الدّين بدءًا من المبايعة التي تمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ومرورًا بمبايعة سائر الخلفاء والحكام من بعده إلى يومنا هذا”.
فأقول: أنظر إلى هذا لاتناقض، أولاً قال إن هذه البيعة عمل سياسي لا واجب ديني، ثم قال عنها أداء لمهمة سياسيةٍ يلزم بها الدين، فتأمل أيها القارئ يرحمك الله.
المسئلة الخامسة عشرة: مسئلة في الدعاء.
في كتابه “فقه السيرة” [ص/395]: “ومن ثم فإن الدعاء من المسلمين لا ينبغي أن يتجه إلى غيرهم إلا بالهداية والإصلاح”.
أقول: هذا الكلام بهذا التعبير غير سليم لأن قدوتنا في الامر هو النبي عليه الصلاة والسلام، ولو كان الأمر كذلك لامرنا لكن ورد في الحديث: “اللهم عليك بقريش” رواه البخاري [4]، وروى أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اللهم العن فلانًا” [5].
وورد “لعن الله كسرى” رواه أحمد [6]، وورد “لعن الله لحيانًا ورعلاً وذكوانًا” رواه أحمد [7]، وورد: “لعن الله الملوك الأربعة” رواه أحمد [8]، وورد “اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العم صفوان بن أمية” رواه الترمذي [9]، وورد “اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة” رواه أحمد [10]، وورد: “اللهم العن فلانًا وفلانًا وفلانًا” رواه البخاري [11].
وقد نقل ابن الجوزي أن الإمام أحمد أجاز لعن يزيد، واشتراط من اشترط في جواز لعن المسلم العاصي العلم بموته كافرًا غير سديد لحديث مسلم [12]: “أيما رجل مسلم سببته أو جلدته أو لعنته اللهم اجعل ذلك قربة له تقربه بها” ففيه التصريح بأن الرسول لعن بعض المسلمين، ويشهد لذلك أيضًا حديث: “أيما امرأة باتت وزوجها ساخط عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح” وهو من الصحاح المشاهير [13]. فقول بعض الشافعية: لا يجوز لعن المسلم اللعين لا يقوم عليه دليل. ومن الحفاظ المتأخرين من لعن من ينتسب إلى الإسلام بالتعيين وهو الحافظ السبكي في كتابه السيف الصقيل الذي رد فيهخ على ابن قيم الجوزية ولعنه في أكثر من موضع، وقد لعنه من غير أن يعلم موته على الكفر لأن ابن قيم الجوزية مجسم ويشنع على أهل التنزيه.
المسئلة السادسة عشرة: يُحرّم الحقد مطلقًا ويرى أن الغضب لله معناه الشفقة فيقول في كتابه “فقه السيرة” [ص/234]: “فالمسلم منهي عن أن يحقد على أحدٍ من الناس”، ويقول في [ص/235]: “والغضب لله ليس في حقيقته إلا نتيجة شفقةٍ على العاصي أو الكافر المستحق لذلك”.
الرد: أولاً: على قول البوطي يحرم علينا أن نحقد على العدو الصهيوني لأن البوطي يزعم أن المسلم منهيٌّ عن أن يحقد على أحدٍ من الناس، فلا أدري من أين جاء بهذا الحكم العجيب، وأين النص بالنهي على زعمك؟
ثانيًا: من قال إن الغضب لله ليس في حقيقته إلا نتيجة شفقة على العاصي أو الكافر المستحق لذلك؟
فهل يقول لنا البوطي لما غضب سيدنا موسى على قارون ألم يقل: “يا أرض خذيه” [14]، ألم يدعو عليه بالخسف، فأين الشفقة في غضبه لله، وكذلك دعاء سائر الأنبياء والاولياء على الكفار والأعداء فأين وجه الشفقة في كل ذلك؟
الهوامش:
[1] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب أخبار الآحاد: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق.
[2] لعل اصل عبارة البوطي: “جعله يحرم الإقدام”.
[3] لعل أصل عبارة البوطي: “قرءان”.
[4] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوضوء: باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر.
[5] مسند أحمد [2/93].
[6] مسند أحمد [2/513].
[7] مسند أحمد [4/57].
[8] مسند أحمد [4/387].
[9] سنن الترمذي: كتاب تفسير القرءان، باب تفسير سورة ءال عمران.
[10] مسند أحمد [6/260].
[11] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المغازي: باب {ليس كمثله شيء}.
[12] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة والآداب: باب من لعنه النبي أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة.
[13] أخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب إقامة الصلاة: باب من أمّ قومًا وهم له كارهون.
[14] أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس. أنظر فتح الباري [6/448-449].
البوطي يزعم أن انتماء المسلم إلى جنسية بلد أو دولة غير مسلمة مع الإقامة فيها محرّمة حرمةً ذاتية
يقول في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/208]: “والخلاصة أن انتماء المسلم إلى جنسية بلدٍ أو دولةٍ غير مسلمة مع الإقامة فيها محرمٌ حرمةً ذاتية، والحرمة الذاتية لا يعارضها ولا يغالبها أي من المبررات العارضة التي قد يسميها بعض الناس ضرورة وكما أن الماء لا يطهر النجس العيني كالدم ولحم الخنزير والميتة مهما غسل به ومهما سرى في أجزائه فكذلك عوارض المبررات المتصورة لا تقوى على إزالة الحرمة الذاتية السارية في جوهر هذا الانتماء وذاته”.
ويقول في [ص/203] من المصدر نفسه: “ومن الواضح أن تجنس الإنسان بجنسية دولة من دول الكفر مع مكثه في تلك الدولة من أبرز مظاهر هذه الموالاة التي شدد الله في التحذير منها كما قد رأيت، بل إن التجنس لا يزيد على الإقامة إلا الإعلان عن هذا الولاء فهو إذن من المحرمات المقطوع بحرمتها بدلالة هذه النصوص وأمثالها”.
الرد: من قال إن أخذ الجنسية مع الإقامة في بلدٍ غير مسلم كفرنسا مثلاً هو ولاء لهذا البلد.
صحيح أن من أقام في أي بلد يخضعه ذلك البلد لقوانينه ولكن من قال إن الخضوع للقانون من طريق الإلزام هو بمثابة إعلان الولاء لهذا البلد.
وأقول: إن بعض البلدان الإسلامية فيها قوانين أخطر من قوانين الغرب وتخضع رعاياها لهذه القوانين بالقوة فهل تطلب يا بوطي من ملايين المسلمين ءانئذ أن يتخلوا عن جنسيتهم ويتركوا بلدانهم وإلا فهم ءاثمون؟؟؟.
ومن الواضح أن البوطي تناقض تناقضًا صريحًا وتخبط فانظر إلى قوله: “إن انتماء المسلم إلى جنسية بلدٍ غير مسلمة مع الإقامة فيها محرم حرمة ذاتية والحرمة الذاتية لا يعارضها ولا يغالبها أي من المبررات العارضة التي قد يسميها بعض الناس ضرورة”.
ثم انظر إلى قوله في [ص/200] من المصدر نفسه: “وقد قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لحديث: “لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية” ما نصه: “وقال ابن العربي: الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وكانت فرضًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت بعده لمن خاف على نفسه والتي انقطعت أصلاً هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان”. وقال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم عند هذا الحديث أيضًا: “وقال أصحابنا وغيرهم من العلماء: الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة”. أقول: ولا بد من تقييد ذلك بما إذا خشي المرء على نفسه أو على أحدٍِ من أهله وخاصته كما قال ابن حجر، بل لقد صرح النووي بهذا القيد في كتابه الروضة فقال: “المسلم إن كان ضعيفًا في دار الكفر لا يقدر على إظهار الدين حرم عليه الإقامة هناك وتجب عليه الهجرة إلى دار الإسلام” انتهى كلام البوطي.
أقول: لو اكتفى البوطي بهذا القدر لكان صوابًا، ولكن عشقه للتصدر وادعاء الاجتهاد أوصله إلى ما قاله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
البوطي يعلن تحريم الزواج من الكتابيات الأجنبيات ويتخبط
قال في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/215]: “وقد رأينا مما ذكرناه عن بعض النتائج الضارة لزواج المسلم بالأجنبيات الكتابيات ما يدل دلالة واضحة على أن حكم هذا الزواج هو الحرمة وإن كان عقد النكاح صحيحًا”، ثم يقول: “من هنا، فإنني أجزم بناءً على ما أعرفه من القواعد الفقهية والأحوال الاجتهادية بأن حكم زواج المسلم بالكتابية يتلخص فيما يلي:
– هو زواج صحيح إن كانت الفتاة كتابية فعلاً، وكان عقد النكاح موفور الأركان والشروط.
– هو زواج جائز مع الكراهة التنزيهية إن تم العقد وقامت الصلة الزوجية في ظل مجتمع إسلامي يتقاضى الناس فيه إلى الحكم الإسلامي في هذه المسألة على أقل تقدير.
– وهو زواج محرم إن تم العقد في ظل مجتمع غير مسلم بحيث يكون التقاضي عند أي خلاف ينشب بين الزوجين إلى النظم والأحكام المجانفة للإسلام” اهـ.
الرد: أولاً: البوطي نصب نفسه مجتهدًا على رقاب الأمة وراح يحرم ويحلل من تلقاء نفسه من غير دليل ولا حجة، والظاهر أنه لا يعرف شروط الاجتهاد المقررة عند الأصوليين أو قرأها فنسيها أو تناساها وسولت له نفسه ادعاء الاجتهاد ظانًّا أن ليس يوجد من يعرفها فيفضحه.
وها هو اليوم يحرم الزواج بالأجنبيات الكتابيات بحجة ما ينتج عن هذا الزواج من ضرر محتمل –هو يراه يقينيًّا-.
أقول: إننا رأينا من تزوج بأجنبية كتابية ورأينا أن الزواج ناجح تمامًا ومنهن من يسلمن ويحسن إسلامهن.
ورأينا الكثير من المسلمين تزوجوا بمسلمات وفي ديار المسلمين وقد فشل هذا الزواج وقد أدى الأمر في نهاية المطاف إلى الطلاق أو إلى مشاكل أخطر.
ورأينا من سافر من بلاد المسلمين وهو ينتسب إلى الإسلام ولا يعرف عن الإسلام شيئًا وقد اقترن في بلاد الغرب بكتابية أجنبية فأعجبت بالإسلام فأسلمت والتزمت والتزم هو بسبب التزامها، ورأينا الحالات التي ذكرها وقد تسبب ذلك الزواج بضررٍ. أقول: إن الضرر ليس محتمًا كما يدعي وأنه إذا تحتم الضرر والشر في مسئلة من هذه المسائل نقول للشخص الذي سيتورط في هذ الموضوع حرام عليك لأن الضرر متحقق، كمن يضره أكل مباح ما من المباحات حيث إن الأطباء يمنعون بعض المرضى من تناول بعض الأطعمة المباحة إذا تحقق الضرر، والمنع ليس لأن هذا الطعام حرام لذاته بل لأنه يضر هذا الإنسان بعينه، وليس للبوطي أن يقول إن هذا الطعام حرام على كل الناس لأنه يضر من أصيب بالمرض الفلاني، فمن هنا تورط البوطي بمثل هذا القول.
ثم لاحظ أيها القارئ التقسيمات الثلاث للزواج عند البوطي حيث يقسم الزواج من الأجنبيات الكتابيات إلى ثلاثة أقسام: صحيح وجائز مع الكراهة ومحرم.
وهنا أريد منك أيها القارئ المنصف أن تحاول معي التأمل والاستغراق والإمعان في التفكير لتعرف الفرق بين الزواج الصحيح والزواج الجائز مع الكراهة اللذين حددهما البوطي.
البوطي يحل أكل ذبائح أهل الكتاب التي جُهلت كيفية ذبحها
قال البوطي في كتابه “قضايا معاصرة” [ص/217]: “الثانية: أن لا نعلم كيف ذبحت ذلك لأن الأصل في ذبائحهم إباحة أكلها لعموم دلالة قوله تعالى: {وطعامُ الذينَ أوتوا الكِتابَ حِلٌّ لَّكُمْ} [سورة المائدة/5]”.
الرد: إن ما قاله البوطي هنا فيه مخالفة صريحة للشرع ولا سيما ونحن الآن يأتينا من الغرب ما يعرف باللحوم المثلجة، وقد ثبت وبما لا يحتمل الشك أن المسالخ هناك لا تذبح غالبًا بل يصعقون الثور مثلاً بالتيار الكهربائي أو يطلقون عليه الرصاص فيقتل ثم يُسلخ ثم يكتبون على العُلب المجهزة “ذبح على الطريقة الإسلامية” وذلك للكذب والتمويه. وهناك بعض الدول الأوروبية تعتبر أن الذبح جريمة يعاقب عليها القانون لذلك فإن بعض المسلمين في سويسرا يدخلون إلى فرنسا ويذبحون ذبائحهم ثم يدخلونها إلى سويسرا لأن سويسرا تعتبر أن ذبح البهيمة جريمة يعاقب عليها القانون فأين الذبح الشرعي في كل هذا؟!.
وقول البوطي هذا فيه مخالفة للإجماع المنعقد على عدم جواز الأكل من اللحم الذي لم يُعرف كيف ذُبح وهو اللحم المشكوك فيه، ولمزيد من الفائدة إليك الرد التالي بالتفصيل:
اعلم أن الذكاة الشرعية بقطع مجرى الطعام والشراب ومجرى النفس بما له حدّ، بشرط أن يكون الذابح مسلمًا أو يهوديًا أو نصرانيًا. فإذا حصل هذا وكان المذبوح مأكولاً حلَّ الأمل منه لمن علم، وأما ما كان موته بما لا حدّ له، كأن مات بسبب التردّي أو الغرق أو شئ يزهق الروح بثقله لا بحدّه فلا يحلّ أكله. وأيضًا لا يحل أكل ما لم يعلم هل ذابحه هو ممن يصحّ تذكيته أم لا، لأن أمر اللحم في هذا أشدّ من أمر الجبن والحلوى ونحوهما، فإنه إذا شك شخص هي في الحلوى التي بين يديه أو الجبن الذي بين يديه نجاسة جاز له الأكل منه مع الشك، وأما اللحم فلا يجوز الشروع في أكله مع الشك في ذكاته كما نصّ على ذلك الفقهاء كابن حجر الهيتمي والسيوطي من الشافعية والقرافي من المالكية وغيرهم. بل تحريم اللحم الذي لا يعلم طريق حله بأن شُكّ في ذلك مجمع عليه.
ففي الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي [1] ما نصه: “وسئل نفع الله ببركاته عن شاة مذبوحة وجدت في محلة المسلمين ببلد كفّار وثنية وليس فيهم مجوسي ولا يهودي ولا نصراني، فهل يحلّ أكل تلك الشاة المذبوحة التي وجدت في تلك المحلة أم لا؟ فاجاب: بأنه حيث كان ببلد فيه مَن يحلّ ذبحه كمسلم أو يهودي أو نصراني، ومَن لا يحلّ ذبحه كمجوسي أو وثني أو مرتد، ورؤي بتلك البلد شياه مذبوحة مثلاً، وشكّ هل ذبحها مَن يحلّ ذبحه لم تحلّ للشك في الذبح المبيح والأصل عدمه” اهـ.
وفي الاشباه والنظائر للسيوطي [2] ما نصه: “الفائدة الثانية: قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني: الشك على ثلاثة أضرب شك طرأ على أصلٍ حرام، وشك طرأ على أصلٍ مباح، وشك لا يعرف أصله، فالأول مثل أن يجد شاة في بلد فيها مسلمون ومجوس فلا يحلّ حتى يعلم أنها ذكاة مسلم للأنها أصلها حرام وشككنا في الذكاة المبيحة” اهـ.
وفي كتاب التاج والإكليل لمختصر خليل [3] في باب الوضوء نقلاً عن شهاب الدين القرافي ما نصه: “الفرق الرابع والأربعون بين الشك في السبب والشك في الشرط، وقد أشكل على جمع من الفضلاء قال: شرع الشارع الأحكام وشرع لها أسبابًا وجعل من جملة ما شرعه من الأسباب الشك، وهو ثلاثة مجمع على اعتباره كمن شك في الشاة المذكّاة والميتة وكمَن شكّ في الأجنبية وأخته من الرضاعة” اهـ.
أي أنّ تحريم ما شُك فيه من اللحم مسئلة إجماعية، فلا التفات إلى ما يُخالف هذا الإجماع من قول بعض أهل العصر المتعالمين، وهؤلاء ضرّوا الناسَ برأيهم المخالف للإجماع في البلاد العربية وفي أوروبا وأمريكا، ومَوَّه بعضهم بإيراد حديث أخرجه البخاري [4] على غير وجهه، والحديث وردَ في ذبيحةِ أناس مسلمين قريبي عهد بكفر لحديث عائشة: “أن قومًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قومًا يأتوننا بلحمٍ لا ندري أذُكِرَ اسم الله عليه أم لا، فقال: “سمّوا عليه أنتم وكلوه”، قالت: وكانوا حديثي عهدٍ بالكفر”. ومعنى الحديث أن هذه اللحوم حلال لأنها مذكّاة بأيدي مسلمين ولو كانوا حديثي عهدٍ بكفر، ولا يضرّكم أنكم لن تعلموا هل سمّى أولئك عند ذبحها أم لا، وسمّوا أنتم عند أكلها أي ندبًا لا وجوبًا. لأن التسمية سنة عند الذبح فإن تركها الذابح حل الاكل من الذبيحة.
فمن أين موّهَ هؤلاء بإيراد هذا الحديث على غير وجهه، فكأن هؤلاء قالوا إنّ الرسول أحلَّ أكلَ ما لم يُعلم هل ذابحه مسلمٌ أم مجوسي أم بوذي أم غير ذلك بالاقتصار على التسمية عند الأكل، وهذا لم يقله عالمٌ مسلمٌ قط، فليتّقوا الله هؤلاء المتهورون، وليعلموا أنّ الإنسان يُسألُ يوم القيامة عن أقوالهِ وأفعاله وعقائده.
الهوامش:
[1] الفتاوى الكبرى [1/45 و46].
[2] الأشباه والنظائر [ص/74].
[3] التاج والإكليل لمختصر خليل بهامش كتاب مواهب الجليل شرح مختصر خليل [1/301].
[4] صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد والتسمية على الصيد: باب ذبيحة الأعراب.
البوطي الذي يزايد بدرء المفاسد وسد الذرائع قال في النساء ما لم يقله مالك في الخمر
وينقسم هذا البحث إلى عدة مسائل:
أولاً: ما يتعلق بزوجته المتوفاة وقد كان من اللائق بالخصوصيات أن لا يجعلها أمرًا متداولاً بين العامة والخاصة وذلك بسبب ما يشدد به هو في مسائل النساء ولا تراه إلا صارخًا يرفع عقيرته بسد الذرائع ودرء المفاسد. وما كنا لنتعرض لهذا الموضوع الخاص لولا أنه نشره وجعله في متناول الجميع فاسمع له بعد مقدمة طويلة من مناجاتها يقول في [ص/199-200] من كتابه “الفكر والقلب”: “وصفحة السماء في الليل لا تزال من بعدك كما هي، ولا تزال كواكبهما المنثورة التي لا تُحصى يخفق بياضها في سواد الليل الحالك كحبات ألماس التي كانت تخفق فوق خملة [فستانك] الخمري الجميل. والربيع… لقد عاد الربيع من بعدك دون أي اختلاف عن ربيع عامنا الفائت يوم كنا نتمرغ فوق سندسه تحت أزهار المشمش والخوخ في البستان الممتد أمام بيتنا الصغير”اهـ.
ثم ترى البوطي يطعن بأقاربها بكلام فيه تشهير حيث يقول في نفس الصحيفة: “حتى الأقربون من أهلك بكوا أو تباكوا لي حينًا من الوقت ثم ما كادت جعبة ذاكرتهم تفرغ من عبارات الحزن والآلام وما كادت ألسنتهم تلمّ من تكرارها حتى عادوا هم أيضًا [فيما بينهم] إلى لهوهم وأفراحهم وعادت لياليهم كما كانت عامرة بالمآكل الشهية والأسمار العابثة أما الحديث عنك فقد أصبح واحدًا من الأرقام في قائمة الأحاديث التي تمتع بها النفس ويُزجي بها الوقت” اهـ.
أقول: في هذا الكلام غيبة ويصل إلى حد البهتان إن كان الكلام غير صحيح، وكان جديرًُا بك إن كنت تحبها إلى هذا الحد أن تراعي مشاعر أهلها وهذا من العيب وغير اللائق أن تنشر مثل هذا الزيغ في صحائف الكتب، أم قلدت حبيبك سيد قطب في كتابه أشواك.
ثم قال البوطي في [ص/201] من المصدر نفسه: “فلا أرى في ذلك كله إلا ما يذكرني بربيع أيامي معك ويعيدني إلى عبير الدنيا في أنفاسك ويمرغني على شاطئ سندسي خلاب من دنيا عينيك الخضراوين”، ثم يقول في [2/202] من المصدر نفسه: “فساتينك التي تحكي قدك الرائع لم أعد أعلم شيئًا عنها ولم يعد لعيني من سبيل للاكتحال بها ولا لرئتيّ الظمآنتين من حيلة لاستنشاق عطرها والاستغراق في أريجها. شجرة الرمان التي طالما أظلتنا أغصانها في أيمنا الأولى وشجرة الياسمين التي طالما شربنا النشوة تحت ظلالها والورود الباسقة الحمراء التي كانت تقرأ تحيات الطبيعة إلينا وتترجم فرحة الدهر لنا لم أعد أعلم واحر قلباه عنها شيئًا” اهـ.
ثم يقول في [ص/203]: “يا حبيبتي الخالدة”.
الرد: وكأنه نسي أو تناسى قوله تعالى: {وما جعلنا لبشرٍ من قبلِكَ الخُلْدَ أفإيْن فَهُمُ الخالدون} [سورة الأنبياء/34].
وكذلك في [ص/226] من المصدر نفسه يقول: “والتي تجمعت أطرافها في صورة شفاهٍ عذبة تحكي قصة قبلات خالدة لا تنقضي ولا تزول فاقبلي يا حبيبتي رسالتي هذه إليك وإن جاءت متأخرة، وليكن شفيعي أن ما أنفقت في كتابتها من دموع تعدل ما استهلكته من مداد”.
الرد: البوطي استعمل هذه الجملة في مقدمة قصة “مموزين” ثم أعادها هنا، وهو يظن في هذه العبارات أنه يتفاصح وأنه ينقل إلى القارئ مشاعره المتيمة وهو لا يدري أن هذا التعبير يفضي إلى عكس ما قال تمامًا.
فأين كثرة المداد في رسالة قوامها لا يزيد على عشر صحائف معنى ذلك أنه لم يدمع على صاحبته إلا بضع دمعات لأن بضع قطرات الحبر تكفي لكتابة الرسالة، فهذا التماثل ورطه من حيث لا يدري وفضح عن حقيقة ما يكنه.
وها هو البوطي يبرر لفتاة خرجت مع عشيقها “خطيفة” فعلتها المشينة فيقول في المصدر نفسه [ص/228]: “أليس من حقها أن تستجيب لرغبة قلبها فتحقق له صبوته ما دام أنه لن يترتب على ذلك أي إضرار بالآخرين ولا يتسبب أي انحراف عن الفضيلة والخلق”.
الرد: حاول البوطي أن يموه بهذا الاحتراز بأنه يجوز طالما لا يترتب على ذلك إضرار بالآخرين وعدم تسببه بأي انحراف عن الفضيلة.
ألا يكفي أنها خرجت معه منفردة، ألم يترتب على ذلك خلوة بها وما يستتبع ذلك من المحرمات ألا يكفي ذلك، ثم ألا يضر ذلك بسمعة أهلها وأهله، ألا يترتب عليهما ضرر لمخالفة الشرع والقانون؟
فهل تشجيعك على هذا الموضوع بهذه العبارة الفاضحة والفادحة هل هذا من باب سد الذرائع ودرء المفاسد، فأنت بذلك تحاول الإطاحة بكل سد ودرءٍ وحصن وجدار… ونحن نحاسبك هنا على القواعد التي تصرح بها دومًا. فمعالجة مثل هذا الموضوع مهم ولكن ليس في سلم الأولويات عندنا ولكننا أحببنا أن نشهر في وجهك سيفك الذي طالما شهرته على الآخرين ظلمًا وعدوانًا.
ويقول البوطي في [ص/72-73] من كتاب مموزين: “يسرحْنَ النظر أولاً في شهرها… شعر كستناوي في نعومة الحرير قد تموج من سائر أطرافه في غزارة منسابًا إلى ما تحت المنكبين في بهاء وفتنة، وتمايلت من أعلاه خصل ملتوية فوق الجبين في دلالة ولطف بينما استدار سائره أمام الصدغين وحول الوجه في تجاعيد رائعة ذات سحر، وانتقلت أبصارهن إلى العينين عينين واسعتين تنظران بسهام الفتك تحت حاجبين ينطلق منهما ما ينطلق من كبد القوس، وأهداب ناعسة في سواد الليل تسترخي على تلك المحاجر استرخاء شاعريًا يفعل في الألباب ما تفعله الخمر، هذه الفتنة من الكًحَل الإلهي العجيب، وهذا البريق الساحر المنبعث من النظرات”، ثم قال: “ثم استدارت أنظارهن إلى قوم ميّاد أفرغ في أروع قالب من التناسق والجمال” إلى أن قال في وصف القوام: “يبعث بعضه الفتنة في بعض”.
ثم اسمع أيها القارئ إلى البوطي يقول في/78 من المصدر نفسه: “ها هي ذي كعبتك قد سعت نحوك، وها هو ذا مطافك قد تدانى إليك أيها العاشق السعيد قم لتطوف وتلتزم وتقبل وتستلم أيها العاشق الظمآن، ثم فالكأس مترعة وخمرتك في الانتظار”.
الرد: هنا أريد أن أكرر وأقرر قولاً قلته سابقًا ألا وهو لو أن كاتبًا علمانيًا وصف هذا الوصف فشبه العاشقة بالكعبة والطواف بها كالطواف بالكعبة والتزام العاشقة كالتزام الملتزم في الكعبة واستلامها كاستلام الحجر الأسود ثم نهاية المطاف يدعوه لكأس من خمر لذلك العاشق الظمآن، لو سمعه المشايخ لكانت خطب الجمعة بأسرها ضد هذا الكتاب العلماني المتهتك المتجرئ الكافر الملحد الخبيث إلى ما هناك من الأوصاف التي ستركبه ءانئذٍ، أما ما يقوله البوطي فهنالك شأن ءاخر لماذا لا ندري؟!.
لا شك أن البوطي يظن أن المشايخ لا يقرءون وإذا قرءوا لا يفهمون وإذا فهموا فعليه لا يتجرءون، ولكن هيهات فلسوف يرى ما يسوءه في الآخرة إن لم يتب من استمراره الادعاء بغير حق.
وفي [ص/79] يقول عن العاشقين: “غذاؤهما شهد الوصال وشرابهما كوثر الشفاه”.
وهذا ما ذكرناه نزر يسير وغيض من فيض.
خاتمة
من خلال اطلاعي الواسع على كتب البوطي وجدت له منهجية تتمثل فيما يلي:
– يدعي الاجتهاد مرة بالتلميح ومرة بالتصريح وذلك في أكثر من عشر مواضع في كتبه، ما عدا عشرات المسائل التي قال بها برأيه ولم يُسبق إليها البتة.
– كثيرًا ما ينقل الإجماع حيث لا اجماع وبعض الأحيان حيث لا يوجد قول واحد بالمسئلة وبعض الأحيان قد يكون الاجماع على العكس تمامًا.
– يحرف في النقل وقد عدت مرارًا إلى نقولاته فوجدت فيها تحريفًا ظاهرًا وبعضها لا أصل له في الإحالة. وقد أشرت إلى ذلك في مواضعه.
– وقد لفت نظري أخطاء في اللغة وقع فيها بعضها لا يقع فيها طالب العلم المبتدئ.
وقد بينت في المقدمة أنه متقلب، وكثيرًا ما تجد في كتبه من التناقض أشرت إليها في مواضعها وذلك لأنه يجنح باستمرار إلى القول بالرأي فينسى أنه قال ما قال –ومن هنا فإنني أنقل حرفيًا ما قاله البوطي في كتابه باطن الإثم- [ص/5]: “وأما احتمال الخطإ في بعض ما كتبت فقد أرهفت السمع له، ولعلي أتلقى تصويبًا لخطإ ارتكبته أو تذكيرًا بقيد نسيته أو تنبيهًا لحقيقة فاتني علمها، ولكنني لم أسمع شيئًا من ذلك كله”.
فالبوطي يظن أن المشايخ لا يثرءون وإذا قرءوا لا يفهمون وإذا فهموا فعليه لا يجرءون، ولكن هيهات فلقد رأينا كثيرًا من المشايخ في لبنان وسوريا يتأففون من ترهاته وأن البعض بدأ يحذر منه فيما بلغني على المنابر وهذه صحوة خير، قال تعالى: {فأمَّا الزَّبَدُ فيَذهبُ جُفاءً وأمَّا ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرضِ} [سورة الرعد/17].
الشيخ أسامة محمد السيد
الروضة في يوم الأحد 7 جمادى الآخرة 1419هـ=27أيلول 1998
وقد أجاد وأفاد الشيخ الشاعر الأديب الأريب الخطيب غانم جلول بقصيدة قالها لما اطلع على بعض أحوال وأهوال البوطي وقد اقتبسنا منها بعض الأبيات، فقال جزاه الله خيرًا:
يا أيها البوطيُّ قد تغيرتْ *** أحوالُكم والمالُ قيلَ يغيِّرُ
قد قُلتَ إنّ الله علةُ كوننا *** سببٌ بزعمِكَ مَنبعٌ أو مصدرُ
وإمامنا السُّغديُّ نصّ بأنه *** مَن قال ذلك في المهيمنِ يكفرُ
ونَسَبتَ زورًا للتقيّ معاصيًا *** والكفرُ من كل المعاصي أكبرُ
ورأيتَ بالوهمِ القذاةَ بعينهِ *** والجذعُ في عينيكَ كيفَ ستبصرُ
فالشيخُ في حالٍ وقال مُنْصِفٌ *** والحاسِدونَ تعوَّدوا أن يفتروا
يا مُطلقَ التحريم في عِطرِ النِسا *** لامُ العواقِبِ للمجازِ تُحرَّرُ
لكنها في الأصلِ تعليلٌ بلا *** تأويلِ لفظٍ للحقيقةِ يُسْطرُ
عبَثٌ بغيرِ دلائلٍ إخراجُها *** عن ظاهرٍ نحوَ التأوُّلِ يُحْظَرُ
وذَممتَ قولَ الشافعيةِ ظالمًا *** والحكمُ عندَهُمُ الكراهةَ قرروا
وروى أبو داودَ عن زوجِ الرسول *** قُبَيل إحرامِ الحجيجِ تَعَطّرُ
والمِسْكُ إنْ عَرَقَتْ يَبينُ بوجهها *** طهَ رءاهُ ولم يَقُلْ ذا مُنكرُ
وأباحَ طهَ كشفَ وجهٍ للنسا *** وكذا الأكُفّ وما سِواها يُسترُ
وعِياضُ قالَ بأنهُمْ قد أجمعوا *** أن الوجوهَ لدى النساءِ تَظْهَرُ
ولهُنَّ جازَ ولو تُخُوِّفَ فتنة *** وعلى الرجالِ الحُكْمُ أنْ لا تنظروا
لو لم يحِلَّ لهُنَّ حُكمًا لم يجب *** للحجِ كشفُ الوجه فيما أخبروا
إنْ كنتَ ذا عِرضٍ عفيفٍ صادقًا *** قل لي فأيهُما برأيكَ أخطرُ
فمُحَرَّمٌ كشفَ الوجوهِ على النِسا *** والعِطْرَ إنْ مرَّتْ عليهم تَخْطُرُ
يرضى لصاحبةٍ يجامعُها وهي *** معَهُ تكون وفي الفحولِ تفكِّرُ
يحتجُّ أنَّ حديثَ نفسٍ لم تَبُحْ *** باللفظِ أو بالفعلِ ذلك يُغفَرُ
أنسيتَ ما كتبَ الإلهُ منَ الزنى *** حظًّا على الإنسانِ ذاكَ مُقدَّرُ
ليدٍ وعينٍ ثم نفسٍ تَشْتهي *** والفرجُ يَصْدُقُ ذالِكُمْ أو يُنكرُ
ولقد روى الشيخان هذا موضحًا *** أنّ النفوسَ حديثَها قد يُحذَرُ
أثرٌ يُخصِّصُ مطلقًا قدَّمتَهُ *** والحقُّ تقديمُ المخصّصِ أجْدَرُ
يا من عَقَقْتَ أباكَ ليتَك لم تكن *** في زي أهلِ العلم قومَك تحضُرُ
لائحة بأسماء الكتب التي طالعناها للبوطي
اسم الكتاب*****الدار*****تاريخ الطبعة******الطبعة
1- من الفكر والقلب*** مكتبة الفارابي*** 1997****—
2- فقه السيرة*** دار الفكر*** 1980*** الطبعة الثامنة
3- كبرى اليقسنسات الكونية*** دار الفكر المعاصر –دار الفكر-*** الطبعة التاسعة
4- قضايا فقهية معاصرة*** الفارابي*** 1992*** الطبعة الرابعة
5- المرأة بين طغيان النظام الغربي..*** دار الفكر- دار الفكر المعاصر*** 1996*** الطبعة الأولى
6- هذه مشكلاتهم*** دار الفكر- دار الفكر المعاصر*** 1990*** الطبعة الأولى
7- الإسلام ملاذ كل المجتمعات *** دار الفكر- دار الفكر المعاصر*** 1984*** الطبعة الأولى
8- هكذا فلندع إلى الإسلام*** مؤسسة الرسالة- مكتبة الفارابي
9- إلى كل فتاة تؤمن بالله*** الفارابي*** الطبعة الثانية
10- هذا والدي*** دار الفكر المعاصر- دار الفكر*** الطبعة الثالثة
11- الجهاد*** دار الفكر المعاصر- دار الفكر- دمشق*** الطبعة الثانية
12- من روائع القرءان*** الفارابي*** 1975*** الطبعة الثانية
13- الإنسان مسير أم مخير*** دار الفكر المعاصر- دار الفكر*** الطبعة الأولى
14- تجربة التربية الإسلامية*** مكتبة الفارابي*** 1990
15- اللامذهبية*** مكتبة الفارابي*** الطبعة الثانية
16- السلفية*** دار الفكر*** 1988*** الطبعة الأولى
17- مسألة تحديد النسل*** مكتبة الفارابي*** 1988
18- نقد أوهام المادية الجدلية*** دار الفكر المعاصر- دار الفكر*** 1996
19- ضوابط المصلحة*** الدار المتحدة- مؤسسة الرسالة*** 1990
20- سيامند*** مكتبة الفارابي*** 1998
21- منهج الحضارة الإنسانية*** دار الفكر*** 1992
22- باطن الإثم*** مكتبة الفارابي
ملاحظة: ما تركناه فراغًا فمعنى ذلك أننا لم نجد رقم الطبعة أو تاريخها داخل الكتاب المذكور.
الفهرس
المقدمة
الباعث على نشر هذا الكتاب
نصيحة مهمة جدًا
* البوطي يدعي أن شهادة اثنين من العدول لا تقوم أمام القضاء لإثبات الردة على شخص
* البوطي يتخبط في مسئلة وجه المرأة
* البوطي يرى أن أي امرأة خرجت متعطرة قصدت التعرض للرجال أو لم تقصد فعليها إثم ووزر كبير
* البوطي يدعي أنه سوف يدخل الجنة يقينًا هو وزوجته
* البوطي يفتي بجواز الاتجاه إلى القبلة باتجاهين متناقضين لأهل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا
* البوطي يصرح بالحلول والتجسيم
* البوطي يؤيد المعتزلة في مسئلة القدر
تقدير الله لا يتغيّر
فصل
* البوطي ينكر وجود بدعة حسنة
* البوطي يزعم أن النبي ظن أن جبريل جني في غار حراء
* البوطي الذي يتغنى بدرء المفاسد وسد الذرائع يبيح صراحة للشخص أن يتخيل أنه يرتكب الزنى ولو وجد مع ذلك لذة. وابا للمراة التي يضاجعها زوجها ان تتصور أنها مع غيره
* البوطي يقدم ما يزعم أنه علم على القرءان
* البوطي يزعم أن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه
* البوطي يداهن فيتناقض إذ يرى أن خروج البغاة على عليّ تنفيذ لأمر الله، وأن هذا القتال كان باجتهادٍ وقصدٍ سليم، وأن هذا الخروج ليس مصادمًا لنص صريح في كتاب الله أو سنة رسول الله، وأن الذين خرجوا على علي لم يحركهم إلا الإسلام
* البوطي يرى أن المنافقين عاملهم النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم من المسلمين مع علمه بنفاقهم
* البوطي يزعم أن معصية ءادم لغوية
* البوطي يمتدح رأس التطرف في القرن العشرين سيد قطب ويمتدح تفسيره المسمى في ظلال القرءان، المحشو بالانحراف وينصح القراء بقراءة كتبه
* البوطي يرى أن المرتد لا يقتل إلا إذا أعلن الحرب على المسلمين ويتخبط في مسئلة سلمان رشدي
* البوطي يتخبط في مسئلة الشهادتين فتارة يشترط الاستغفار قبلهما وتارة يشترط لفظ أشهد لصحة الإسلام وتارة لا يشرط ذلك كله
* البوطي يمتدح ويدافع عن ابن تيمية رأس المتطرفين والمجسمين في عصرنا
قوله: بحوادث لا أوّل لها لم تزل مع الله
قوله بالجلوس في حق الله تعالى
قوله بفناء النار وانتهاء عذاب الكفار فيها
قوله بالجسمية
تحريمه التوسل بالانبياء والصالحين والتبرك بهم وءاثارهم
زعمه أن إنشاء الفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم معصيةٌ لا تقصر فيها الصلاة
بيان انحراف ابن تيمية عن الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم
إثبات بغض ابن تيمية لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه بالخصوص
ذكر بعض العلماء والفقهاء والقضاة الذين ناظروا ابن تيمية أو ردّوا عليه وذكروا معايبه ممن عاصروه أو جاءوا بعده
* البوطي يزعم أنه لا يكفر الكافر ويقول بتكفير أهل فلسطين
* البوطي يزعم أن الله يؤنب النبي صلى الله عليه وسلم
* البوطي يتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشك في نبوته ويجوّز الكبيرة بحقه صلى الله عليه وسلم
* البوطي يتهم الإمام أحمد بالمعتقدات الفاسدة
* البوطي يدعي أن الوهابية جاءت لمحاربة البدع والخرافات
من أقوال الوهابية الموافقة لعقيدة اليهود
خاتمة هذا الفصل
الوهابية ينسبون الشكل والصورة لله
ينسبون الحرف والصوت لله
نسبتهم الفم واللسان إلى الله والعياذ بالله
نسبتهم الحركة والسكون والنزول الحسي إلى الله
نسبتهم الرجل والعين على معنى الجارحة إلى الله والعياذ بالله
نسبتهم المكان والجهة والحد والتحيز إلى الله والعياذ بالله
ابن تيمية واليهود
محمد ناصر الألباني واليهود
لماذا قال الألباني: كل من بقي في فلسطين هو كافر؟
الوهابية والقطبية يكفّرون الأمة الإسلامية
أهل السنة
* البوطي يرى أن الذي لم يذعن بعد لأحكام الإسلام وشرائعه لا يلاحق قضائيًا بفروع الأحكام
* البوطي يأمر بمزاولة السحر
* البوطي يعطي للملحدين الحق بإلحادهم ويحترم إلحادهم ويعذرهم
* البوطي يأتي باجتهاد مزعوم جديد في مسئلة مغفرة الذنوب
* البوطي الذي يزايد بدرء المفاسد وسد الذرائع يبيح للمرأة التي تعاني من برودة جنسية أن تشاهد الافلام الإباحية الجنسية
* البوطي يدعو إلى التشدد والتطرف ويحذر من اتباع الرخص الشرعية
* البوطي يرى أن ضرب الولد بقصد التأديب خروج عن مبدإ الإسلام وخطيئة كبرى
* البوطي يدعي الإجماع في مسئلة لم يقل بها أحد على الإطلاق فضلاً عن بطلانها
* البوطي يدعي أن الدين لا ينصح بالزواج من الأقارب
* البوطي يعتبر أن الاستغاثة برسول الله سوء أدب مع الله
فائدة في بيان جواز نداء النبي بعد وفاته
“فصل في الرجل إذا خدرت”
* البوطي يزعم أن خروج الناس ودخولهم إلى مجالس العزاء وقهوة البن تدور أثناء قراءة القرءان استهانة ملحوظة بكتاب الله
* البوطي يزعم أن الروح موصولة بالله
* البوطي ينتقد تكفير أبي زيد وإهراق دم رشدي
* مسائل متفرقة وهي مسائل لا تحتاج إلى تعليق كبير ليفرد لها بحث خاص
* البوطي يزعم أن انتماء المسلم إلى جنسية بلد أو دولة غير مسلمة مع الإقامة فيها محرّمة حرمة ذاتية
* البوطي يعلن تحريم الزواج من الكتابيات الأجنبيات ويتخبط
* البوطي يحل أكل ذبائح أهل الكتاب التي جُهلت كيفية ذبحها
* البوطي الذي يزايد بدرء المفاسد وسد الذرائع قال في النساء ما لم يقله مالك في الخمر
خاتمة
لائحة بأسماء الكتب التي طالعناها للبوطي
الفهرس
الفهرس
المقدمة
الباعث على نشر هذا الكتاب
نصيحة مهمة جدًا
* البوطي يدعي أن شهادة اثنين من العدول لا تقوم أمام القضاء لإثبات الردة على شخص
* البوطي يتخبط في مسئلة وجه المرأة
* البوطي يرى أن أي امرأة خرجت متعطرة قصدت التعرض للرجال أو لم تقصد فعليها إثم ووزر كبير
* البوطي يدعي أنه سوف يدخل الجنة يقينًا هو وزوجته
* البوطي يفتي بجواز الاتجاه إلى القبلة باتجاهين متناقضين لأهل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا
* البوطي يصرح بالحلول والتجسيم
* البوطي يؤيد المعتزلة في مسئلة القدر
تقدير الله لا يتغيّر
فصل
* البوطي ينكر وجود بدعة حسنة
* البوطي يزعم أن النبي ظن أن جبريل جني في غار حراء
* البوطي الذي يتغنى بدرء المفاسد وسد الذرائع يبيح صراحة للشخص أن يتخيل أنه يرتكب الزنى ولو وجد مع ذلك لذة. وابا للمراة التي يضاجعها زوجها ان تتصور أنها مع غيره
* البوطي يقدم ما يزعم أنه علم على القرءان
* البوطي يزعم أن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه
* البوطي يداهن فيتناقض إذ يرى أن خروج البغاة على عليّ تنفيذ لأمر الله، وأن هذا القتال كان باجتهادٍ وقصدٍ سليم، وأن هذا الخروج ليس مصادمًا لنص صريح في كتاب الله أو سنة رسول الله، وأن الذين خرجوا على علي لم يحركهم إلا الإسلام
* البوطي يرى أن المنافقين عاملهم النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم من المسلمين مع علمه بنفاقهم
* البوطي يزعم أن معصية ءادم لغوية
* البوطي يمتدح رأس التطرف في القرن العشرين سيد قطب ويمتدح تفسيره المسمى في ظلال القرءان، المحشو بالانحراف وينصح القراء بقراءة كتبه
* البوطي يرى أن المرتد لا يقتل إلا إذا أعلن الحرب على المسلمين ويتخبط في مسئلة سلمان رشدي
* البوطي يتخبط في مسئلة الشهادتين فتارة يشترط الاستغفار قبلهما وتارة يشترط لفظ أشهد لصحة الإسلام وتارة لا يشرط ذلك كله
* البوطي يمتدح ويدافع عن ابن تيمية رأس المتطرفين والمجسمين في عصرنا
قوله: بحوادث لا أوّل لها لم تزل مع الله
قوله بالجلوس في حق الله تعالى
قوله بفناء النار وانتهاء عذاب الكفار فيها
قوله بالجسمية
تحريمه التوسل بالانبياء والصالحين والتبرك بهم وءاثارهم
زعمه أن إنشاء الفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم معصيةٌ لا تقصر فيها الصلاة
بيان انحراف ابن تيمية عن الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم
إثبات بغض ابن تيمية لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه بالخصوص
ذكر بعض العلماء والفقهاء والقضاة الذين ناظروا ابن تيمية أو ردّوا عليه وذكروا معايبه ممن عاصروه أو جاءوا بعده
* البوطي يزعم أنه لا يكفر الكافر ويقول بتكفير أهل فلسطين
* البوطي يزعم أن الله يؤنب النبي صلى الله عليه وسلم
* البوطي يتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشك في نبوته ويجوّز الكبيرة بحقه صلى الله عليه وسلم
* البوطي يتهم الإمام أحمد بالمعتقدات الفاسدة
* البوطي يدعي أن الوهابية جاءت لمحاربة البدع والخرافات
من أقوال الوهابية الموافقة لعقيدة اليهود
خاتمة هذا الفصل
الوهابية ينسبون الشكل والصورة لله
ينسبون الحرف والصوت لله
نسبتهم الفم واللسان إلى الله والعياذ بالله
نسبتهم الحركة والسكون والنزول الحسي إلى الله
نسبتهم الرجل والعين على معنى الجارحة إلى الله والعياذ بالله
نسبتهم المكان والجهة والحد والتحيز إلى الله والعياذ بالله
ابن تيمية واليهود
محمد ناصر الألباني واليهود
لماذا قال الألباني: كل من بقي في فلسطين هو كافر؟
الوهابية والقطبية يكفّرون الأمة الإسلامية
أهل السنة
* البوطي يرى أن الذي لم يذعن بعد لأحكام الإسلام وشرائعه لا يلاحق قضائيًا بفروع الأحكام
* البوطي يأمر بمزاولة السحر
* البوطي يعطي للملحدين الحق بإلحادهم ويحترم إلحادهم ويعذرهم
* البوطي يأتي باجتهاد مزعوم جديد في مسئلة مغفرة الذنوب
* البوطي الذي يزايد بدرء المفاسد وسد الذرائع يبيح للمرأة التي تعاني من برودة جنسية أن تشاهد الافلام الإباحية الجنسية
* البوطي يدعو إلى التشدد والتطرف ويحذر من اتباع الرخص الشرعية
* البوطي يرى أن ضرب الولد بقصد التأديب خروج عن مبدإ الإسلام وخطيئة كبرى
* البوطي يدعي الإجماع في مسئلة لم يقل بها أحد على الإطلاق فضلاً عن بطلانها
* البوطي يدعي أن الدين لا ينصح بالزواج من الأقارب
* البوطي يعتبر أن الاستغاثة برسول الله سوء أدب مع الله
فائدة في بيان جواز نداء النبي بعد وفاته
“فصل في الرجل إذا خدرت”
* البوطي يزعم أن خروج الناس ودخولهم إلى مجالس العزاء وقهوة البن تدور أثناء قراءة القرءان استهانة ملحوظة بكتاب الله
* البوطي يزعم أن الروح موصولة بالله
* البوطي ينتقد تكفير أبي زيد وإهراق دم رشدي
* مسائل متفرقة وهي مسائل لا تحتاج إلى تعليق كبير ليفرد لها بحث خاص
* البوطي يزعم أن انتماء المسلم إلى جنسية بلد أو دولة غير مسلمة مع الإقامة فيها محرّمة حرمة ذاتية
* البوطي يعلن تحريم الزواج من الكتابيات الأجنبيات ويتخبط
* البوطي يحل أكل ذبائح أهل الكتاب التي جُهلت كيفية ذبحها
* البوطي الذي يزايد بدرء المفاسد وسد الذرائع قال في النساء ما لم يقله مالك في الخمر
خاتمة
لائحة بأسماء الكتب التي طالعناها للبوطي
الفهرس
