مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الإِسْلامَ لا يَسْمَحُ بِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ كَمَا يَدَّعِي بَعْضُ الْجَهَلَةِ الرد على الشعراوي

لله تعالى

مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الإِسْلامَ لا يَسْمَحُ بِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ كَمَا يَدَّعِي بَعْضُ الْجَهَلَةِ.

اعْلَمْ أَنَّ الإِسْلامَ جَاءَ لِإِبْطَالِ كُلِّ دِينٍ سِوَاهُ وَلِكَفِّ النَّاسِ عَنِ الْفِكْرِ الَّذِي يُخَالِفُ الإِسْلامَ وَلا يَسْمَحُ بِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُوسُفَ ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَيِّنَةِ ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الإِسْرَاءِ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه﴾ أَيْ أَمَرَ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الذَّارِيَّاتِ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾ أَيْ خَلَقَهُمْ لِيَأْمُرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ ءَالِ عِمْرَان ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الزُّمَرِ ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾.
فَالدِّينُ الَّذِي رَضِيَهُ اللهُ لِعِبَادِهِ وَأَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِ هُوَ الإِسْلامُ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾.
ثُمَّ كَيْفَ يَقُولُ ذُو عَقْلٍ يَدَّعِي الإِسْلامَ إِنَّ الإِسْلامَ جَاءَ بِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ وَيَسْمَحُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَدِينَ بِأَىِّ دِينٍ يَرَاهُ وَيَرْتَضِيهِ ورَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَلَوْ كَانَ الإِسْلامُ يَسْمَحُ بِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ بِمَعْنَى أَنَّ الإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الإِسْلامَ أَوْ غَيْرَهُ كَمَا يَدَّعِى هَؤُلاءِ الْجَهَلَةُ مَا كَانَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَهَدَفُ هَؤُلاءِ إِلْغَاءُ نَشْرِ عَقِيدَةِ الإِسْلامِ. وَأَمَّا الآيَةُ ﴿لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾ فَمَعْنَاهَا أَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَ قُلُوبَ الْكُفَّارِ عَلَى الإِيمَانِ أَيْ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَهْدِيَ قُلُوبَهُمْ فَيُؤْمِنُوا وَلَيْسَ فِيهَا تَرْخِيصٌ لِلنَّاسِ أَنْ يَكْفُرُوا وَأَنْ يَعْبُدُوا غَيْرَ اللهِ. لَوْ كَانَتِ الآيَةُ لِإِبَاحَةِ الْكُفْرِ كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلاءِ فَلِأَيِّ شَىْءٍ تَوَعَّدَ اللهُ الْكَافِرِينَ بِجَهَنَّمَ، وَلَوْ كَانَ للنَّاسِ حُرِّيَةُ الدِّينِ وَالْفِكْرِ لَمَا بَعَثَ اللهُ الأَنْبِيَاءَ فَفِى بِعْثَةِ الأَنْبِيَاءِ مَصْلَحَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِلْعِبَادِ لِأَنَّهُمْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ مَا يُنْجِى فِى الآخِرَةِ وَمَا يُهْلِكُ فِي الآخِرَةِ. وَكَذَلِكَ الآيَةُ ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَلَيْسَ فِيهَا تَخْيِيرٌ لِلإِنْسَانِ بَيْنَ أَنْ يُؤْمِنَ أَوْ يَكْفُرَ وَسِيَاقُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْ مَنْ يُؤْمِنُ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ يَكْفُرُ فَلَهُ الْعَذَابُ الأَلِيمُ فِي جَهَنَّمَ. وَالظَّالِمُونَ فِي الآيَةِ هُمُ الْكَافِرُونَ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ أَنَّ جَهَنَّمَ لَهَا غِشَاوَةٌ لَهَا غِطَاءٌ لِيَزِيدَ حَرُّهَا وَالْكُفَّارُ فِي جَهَنَّمَ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ يَطْلُبُونَ الْمَاءَ فَيُسْقَوْنَ مِنْ مَاءٍ بَلَغَ الْغَايَةَ فِى الْحَرَارَةِ.

وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا يَقُولُ عَمْرُو خَالِد بِلُغَتِهِ الْعَامِيَّةِ بِأَنَّ الإِنْسَانَ يَعْبُد اللِّى هُوَّا عَايْزُه، فَهَذِهِ دَعْوَةٌ إِلَى الإِلْحَادِ وَالْكُفْرِ وَلَيْسَ كَمَا يَقُولُ الْوَهَّابِيُّ عَدْنَانُ الْعَرْعُور مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْبُدَ حَجَرًا فَلْيَعْبُدْ حَجَرًا نَحْنُ لا إِكْرَاهَ عِنْدَنَا فِي الدِّينِ، وَكَلامُهُ فِيهِ الرِّضَا بِكُفْرِ الْغَيْرِ وَمَنْ رَضِيَ بِكُفْرِ غَيْرِهِ كَفَرَ وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا يَقُولُ مُحَمَّد مُتْوَلِّى الشَّعْرَاوِي فِي كِتَابِهِ الْفَتَاوَى بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا حُرِّيَّةُ الْعَقِيدَةِ تَعْتَقِدُ مَا تَشَاءُ، وَيَقُولُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى أَسْئِلَةٌ حَرِجَةٌ وَأَجْوِبَةٌ صَرِيحَةٌ وَشَرَفُ الإِسْلامِ وَقُوَّتُهُ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ حَارَبَ مِنْ أَجْلِ حُرِّيَّةِ الرَّأْيِ وَحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ، وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا يَقُولُ عَدْنَان إِبْرَاهِيم بِأَنَّ اللهَ أَعْطَى النَّاسَ الْحُرِّيَّةَ فِي أَنْ يَخْتَارُوا دِينَهُمْ وَعَقِيدَتَهُمْ فَهَؤُلاءِ كَذَّبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ.