البوطي يتخبط في مسئلة الشهادتين فتارة يشترط الاستغفار قبلهما وتارة يشترط لفظ أشهد لصحة الإسلام وتارة لا يشترط ذلك كله

البوطي يتخبط في مسئلة الشهادتين فتارة يشترط الاستغفار قبلهما وتارة يشترط لفظ أشهد لصحة الإسلام وتارة لا يشترط ذلك كله

قال البوطي في مجلة طبيبك عدد تشرين الثاني 1995 [ص/109] ما نصه: “ويعود إلى الإسلام إذا استغفر ونطق بالشهادتين” اهـ.

ويقول في عدد نيسان من مجلة طبيبك 1992 [ص/109] ما نصه: “فإذا لم يبادر إلى الاستغفار ولم يجدد إسلامه ومات على هذه الحالة مات كافرًا” اهـ.

ثم من أعجب ما تفرد به البوطي من الأمور المستقبحة والمستهجنة قوله في كتاب كبرى اليقينات [ص/368] ما نصه: “لذا فإنا نحكم بردة كل من سخر بشيء من أركان الإسلام أو شعائره البارزة ونكل باطنه إلى الله عز وجل إلا إذا صرح بما يكنه باطنه من الإيمان والإسلام والعقيدة المنافية لظاهر ما دلت عليه سخريته أو عبر عنه فعله، فيكون تعبيره هذا بمثابة التوبة عن الردة التي تلبس بها، وتقبل منه علانيته هذه، ويترك باطن حاله إلى الله عز وجل” اهـ.

الجواب: أولاً: إن تقديم الاستغفار على الشهادتين أمر لم يقل له أحد من أئمة السلف أو الخلف، بل لا تقال أصلاً قبل الشهادتين لأن قائلها كأنه يقول يا رب اغفر لي وأنا على الكفر وهذا تكذيب لقوله تعالى: {إنَّ الله لا يغفرُ أن يُشركَ به ويغفرُ ما دونَ ذلك لمن يشاء}، ولقوله تعالى: {إنَّ الذينَ كفروا وظلموا لم يكن اللهُ ليغفرَ لهم} [سورة النساء/168].

وكلامك هذا دليل على أنك لم تفهم الاستغفار المذكور في قوله تعالى حكاية عن نوح: {فقُلتُ استغفروا ربكم} [سورة نوح/10] حيث إن نوحًا خاطب قومه عُبّاد الأوثان بقوله: “{استغفروا ربكم} ولا يعني إلا اطلبوا المغفرة بترك الكفر والدخول في الإسلام.

وأي معنى للاستغفار اللفظي بقول: “أستغفر الله أو رب اغفر لي” قبل أن ينطق الكافر بالشهادتين.

ثانيًا: إن ادعاءه بأن شخصًا أتى بكفر في سخرية ثم عبر بما يخالفه فادعى البوطي بأن هذا التعبير يعتبرونه، وهذا الأمر لم يقله أحد من المسلمين عوامّهم فضلاً عن علمائهم لا السابقين ولا اللاحقين، بل لا يدخل في الإسلام إلا بالشهادتين.

ثالثًا: ها هو في كتابه كبرى اليقينات في [ص/239] يقول ما نصه: “ولا يكتفى في النطق بالشهادتين إلا أن يعبر بكلمة أشهد” اهـ.

نقول: هذا الشرط اشترطه بعض الشافعية وليس الأمر محل إجماع، بل لو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله كفاه على الصحيح.

فائدة مهمة: يجب على من وقعت منه ردة أن يعود فورًا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين والإقلاع عما وقعت به الردة، ولا يكفي ببدخول في الإسلام قول أستغفر الله بدل الشهادتين، ويدل على ذلك ما رواه ابن حبان [1] عن عمران بن حصين قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا محمد، عبد المطلب خير لقومه منك كان يطعمهم الكبد والسنام وأنت تنحرهم، فقال له ما شاء الله، فلما أراد أن ينصرف قال: ما أقول قال: “قل اللهم قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري”، فانطلق الرجل ولم يكن أسلم، وقال لرسول الله: إني أتيتك فقلت: علمني فقلت: قل اللهم قني شرّ نفسي واعزم لي على أرشد أمري، فما أقول الآن حين أسلمت قال: “قل اللهم قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري، اللهمّ اغفر لي ما أسررت وما أعلنت وما أخطأت وما عمدت وما جهلت”. والدليل فيه أن الرسول لما جاءه هذا الرجل كافرًا لم يأمره بالاستغفار باللسان لأنه لا ينفعه وهو على كفره، ثم لما جاءه وقد أسلم أمره بالاستغفار. وروى هذا الحديث أيضًا النسائي وأحمد [2] وعند النسائي ذكر اسم الرجل وهو حصين.

فتبين بهذا صحة أن المرتد إذا قال أستغفر الله قبل أن يتشهد لا يزداد إلا ذنبًا، لأن معناه اللهم اغفر لي وأنا كافر بك، وذلك مراغمة للدين فيكون ذلك منه زيادة كفر. واستغفار إبراهيم لأبيه الذي كان كافرًا وهو على كفره معناه أنه يطلب له من الله المغفرة بالدخول في الإسلام لأن الإسلام كفارة الكفر، قال الله تعالى: {قُلْ للذينَ كفروا إن ينتَهوا يُغْفَرْ لهم ما قد سَلَفَ} [سورة الأنفال/38]، وعلى ذلك يحمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لأستغفرن لك ما لم أنْهَ عنك” [3] أي ما لم يوح الله إليّ أنك تموت كافرًا.

فهذه المسئلة من المهمات لأن كثيرًا من الناس يقعون في الردة بسب الله أو غير ذلك ثم يقولون استغفر الله استغفر الله من دون أن يقولوا الشهادتين، وهؤلاء لا ينفعهم قول أستغفر الله بل يزيدهم كفرًا وهذا كثير في بعض البلاد، فلينبهوا وليعلموا الصواب، وإلى الله المرجع والمآب.

الهوامش:

[1] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [2/128].

[2] أخرجه أحمد في مسنده [4/444]، والنسائي في عمل اليوم والليلة [ص/547-549].

[3] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان: باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع وهو الغرغرة… إلخ، وأحمد في مسنده [5/433]ٍ، والحاكم في المستدرك [2/336].