البوطي يدعي أنه سوف يدخل الجنة يقينًا هو وزوجته

البوطي يدعي أنه سوف يدخل الجنة يقينًا هو وزوجته

يقول في كتاب “من الفكر والقلب” [ص/207] ما نصه:”وإنني على يقين أن ما كنتِ تلمحينه من بارقات الأمل إنما هو المستقر الأبدي السعيد الذي هيأه الله لنا في أكناف رحمته وتحت ظل غفرانه ولطفه” اهـ، وقال في [ص/205] في المصدر نقسه: “وإنني على يقين أننا سنلتقي سأنفذ إليك من الباب الذي سبقتِني إليه ولسوف تعود قصة حبنا من جديد” اهـ.

أقول: هذا ادعاء بلا دليل إلا إذا كنت ممن يرى نفسه من العشرة المبشرين بالجنة، فنقول لك هيهات هيهات فمن أين ضمنت يا دكتور الجنة لك ولزوجتك وقد عهدنا أكابر الصحابة والسلف الصالح والأولياء أنهم شديدو الخوف من الله تعالى ويخشونه حتى اولئك العشرة المبشرون بالجنة، وكأنك لم تقرأ سير هؤلاء الرجال، فالمؤمن الصادق هو دائمًا بين الخوف والرجاء فلا يكون من القانطين اليائسين، ولا من أهل الكبر وادعاء الأمن من عذاب الله.

ومن أجل أن تتعظ إليك ما رواه البخاري في صحيحه [1] في باب مناقب عمر بن الخطاب قال: “لما طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عباس –وكأنه يجزعه-: يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راضٍ ثم صحبت صَحَبَتَهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم وهم عنك راضون. قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فإن ذاك مَنٌّ مِنَ الله تعالى مَنَّ به عليَّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك منٌّ منَ الله جل ذكره منَّ به عليّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبًا افتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه” اهـ، فهل حالك أعلى من حال عمر بن الخطاب الولي الملهم ثاني أفضل رجل في أولياء البشر بعد الأنبياء واحد العشرة المبشرين بالجنة؟…

الهوامش:

[1] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب عمر بن الخطاب.

البوطي يُفتي بجواز الاتجاه إلى القبلة باتجاهين

متناقضين لاهل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا

وتفصيل ذلك أن المسلمين في كندا وأمريكا كانوا يتوجهون في الأصل إلى الجنوب الشرقي في صلواتهم وهذا هو الصواب لكن منذ عشرين عامًا تقريبًا جاء إلى كندا مهندس باكستاني وقال إن اتجاه القبلة غير صحيح وادعى أن القبلة بالنسبة لهم الشمال الشرقي حيث يزعم أن هذه الجهة أقرب، وقد تأثر به قوم هنالك وأثيرت المشاكل والقلاقل حيث صار الناس يتوجهون إلى أكثر من جهة في تلك البلاد فأرسلت جمعيتنا –جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية- إلى كثير من المراجع الدينية في العالم الإسلامي يستقتونهم في هذه المسئلة وقد حصلنا على إجابات واضحة تؤيد ما كان عليه المسلمون من قبل أي أن القبلة في كندا وأميركا الشمالية إلى الجنوب الشرقي.

هذا ولقد أرسلنا حينها إلى الدكتور البوطي الذي كتب بخط يده فتوى ما قال بها أحد قبله وما أظن أن أحدًا بعده يقول هذا الكلام حيث إن هذا الرجل لا بد إلا وأنه يعاني من مشكلة وهي أنه يريد أن يدعي الاجتهاد ولكنه لا يستطيع.

فبعد أن نقل طائفة من أقوال المذاهب الأربعة المعتمدة التي لا غبار عليها حول الاجتهاد لمن تعذر عليه معرفة أدلة الاتجاه إلى القبلة قال: “إذن، فقد اتفق علماء المذاهب الأربعة على أن من لم يتمكن من التوجه إلى عين الكعبة وجب عليه أن يجتهد اعتمادًا على الأدلة والقرائن المتنوعة إن أمكنه ذلك، وليس لمن دله اجتهاده على وجود الكعبة فب جهة أن يترك اجتهاده ويتحول إلى اجتهاد مخالف” اهـ.

أقول: إلى هنا الكلام لا غبار عليه، لكن اسمع إلى ما يقول بعد ذلك مباشرة: “ولما كان التوجه إلى الكعبة أو إلى سمتها بالنسبة لسكان أمريكا بمختلف ولاياتها قائمًا على أدلة اجتهادية بالاتفاق، لم يجز لذوي اجتهاد معين أن يتحولوا عن اجتهادهم إلى أي اجتهاد ءاخر بل لا يجوز لمن دلهم اجتهاد على أن الكعبة موجودة في مكان أو جهة ما، أن يتحولوا عن تلك الجهة في صلاتهم إلا إلى مكان محدد استقر باليقين الذي لا اجتهاد فيه أن الكعبة فيه، وهذا لا يمكن تحققه في الاماكن البعيدة كأمريكا ونحوها، بل لا يمكن التحقق فيما دونها أيضًا. فكيف وقد علمنا أن الخلاف هناك يحوم حول أدلة اجتهادية تعود على ترجيح الاعتماد على خط دون ءاخر أو زاوية دون أخرى مع العلم بأن كلا الاتجاهين ناظر ومتجه إلى الكعبة مع فارق واحد وهو زيادة البعد في أحدهما على الآخر حيب تفاوت الانحاءات في الاتجاهين الاجتهاديين.

فإذا أضيف إلى هذا الذي أجمع عليه الفقهاء، ما هو مقطوع به من تسبب تصارع الاجتهادات وتنافسها على طريق التغالب في القضاء على البقية الباقية من التآلف والتآخي وواجب جمع الكلمة بين المسلمين، وفي إحلال التهارج المحرم محل الوحدة الواجبة علمنا أنه لا يجوز لأحد من المجتهدين في القبلة هناك أن يسفه اجتهادات إخوانه الآخرين وهذا حكم متفق عليه عند فقهاء المذاهب الأربعة. وعلى الإخوة الذين كانوا ولا يزالون يصلون إلى الجهة التي أدتهم إليها اجتهاداتهم أن يبقوا ويستمروا كما هم وليس لهم أن يهدروا اجتهادهم وينسخوه باجتهاد مماثل” انتهى كلام البوطي.

فانظر أخي القارئ إلى هذا الخلط وإليك الرد:

أولاً: لقد التبس على الدكتور أنه خلط بين مسئلتين أولاهما حالة فقدان الأدلة لمعرفة القبلة وحالة وجود الادلة.

نعم قرر الفقهاء أنه لو ضاع جماعة في مكان ما ولم تظهر لهم أدلة معرفة القبلة أي لم تتبين الجهات الأربعة ولا النجم القطبي ولا اتجاه الشمس ونحو ذلك فعند ذلك يجب عليهم أن يجتهدوا، ثم لو أنه أدى اجتهاد كل إلى جهة فصلى واحد إلى الشرق وثانٍ إلى الغرب وثالث إلى الجنوب ورابع إلى الشمال وكلٌ منهم يرى باجتهاده أن هذه الجهة هي جهة القبلة فاجتهادهم معتبر وصلاة كل منهم صحيحة.

أما أهل أمريكا فهم ليسوا في حالة ضياع عن الجهات ولا عن اتجاه الشمس ولا عن النجم القطبي فكلٌّ من هذه الأدلة واضحة هنالك، فما هو مبرر هذا الاجتهاد المزعوم الذي لا معنى له.

ثانيًا: بمقتضى فتوى البوطي هذه على الناس هناك أن يقيموا في تلك المساجد محرابين بل محاريب كل منها باتجاه، فتصور نفسك أنك في مسجد فيه جماعات كل منها تصلي باتجاه أو تنتظر إحداها الأخرى فتصلي باتجاه ءاخر غير الاتجاه الذي صلت إليه الأولى، مع العلم أننا لا نسمع في تاريخنا الإسلامي القديم ولا المعاصر حالة كهذه إلا عندما جاء ذلك الباكستاني الجاهل ورد المسلمين عن قبلتهم، والاعجب من ذلمك فتوى البوطي بأن يصلي كلٌّ إلى جهة في بلدٍ الجهاتُ فيها واضحة.

ثالثًا: نريد أن نسأل البوطي الذي يعتبر أن القُرب والبعد من الكعبة له اعتبار في الاتجاه إليها: من قال بذلك قبلك من الائمة والفقهاء، وهل قال أحد من الأئمة تتوجه إلى الطريق الاقرب بحسب خطوط الطول والعرض، وعلى قولك لو أن شخصًا يصلي باتجاه الكعبة تمامًا ويحول بينه وبين الكعبة جبل وعلى يسار الجبل أو على يمينه طريق هو أقرب إلى الكعبة من الاتجاه السليم فيما لو أراد الوصول إليها عن طريق الاتجاه السليم لكلفه ذلك صعودًا ونزولاً ومسافة أبعد إذن فعلى قولك وقول ذلك الباكستاني تتركون الاتجاه السليم وتلحقون الاتجاه الاقرب من حيث المسافة.

رابعًا: هل هذه الوحدة الإسلامية التي تدعو إليها تقتضي أن يتدابر المسلمون في صلاتهم أين مظهر الوحدة في ذلك؟! ثم إن القاعدة تقضي أن افتراق الناس على الحق خير من اجتماعهم على الباطل.

عد يا دكتور عن مثل هذه الفتاوى وإن كنت ترى في نفسك مظنة الاجتهاد فما هكذا المجتهدون فضلاً عن أنه ليس هذا الحال حال أقل المقلدين شأنًا فكيف بالمجتهدين، ثم إليك الآن الرد الشافي على هذه المسئلة في بيان كيفية استقبال القبلة في الصلاة عساك أن تهتدي إلى الصواب.

قال المحدث الفقيه الشيخ عبد الله الهرري ما نصه [1]: “ليعلم أن استقبال القبلة من شروط الصلاة، إما يقينًا لمن أمكنه علم القبلة بأن كان بحضرة البيت أو بمكة ولا حائل بينه وبين الكعبة مثلاً، وإلا أخذ بقول ثقة يخبر عن علمٍ أي مشاهدة، فإن فقد ذلك اجتهد بدليل من أدلة القبلة وهي كثيرة، ومنها القطب وهو نجم من بناتِ نعش الصغرى بين الفرقَدَين والجَدْي، ويختلف باختلاف الأقاليم، ففي العراق يجعله المُصلّي خلف أذنه اليمنى، وفي مصر خلف اليسرى، وفي الشام وراءه وقيل ينحرف بدمشق وما قاربها إلى الشرق قليلاً، فمن كان جنوب الكعبة جعله بين عينيه ومن كان في شمالها جعله خلف ظهره، ومن كان شرقي الكعبة فقبلته إلى الغرب، ومن كان غربيها فقبلته إلى الشرق. ولا يلتفت إلى ما يخالف هذا، فإن بعض الباحثين عن اتجاه القبلة تركوا هذا الأمر المقرر في كتب العلماء وتبعوا أهواءهم وادعوا أن أهل أمريكا الشمالية يتجهون إلى الشمال الشرقي، وهؤلاء موجودون في كندا والولايات المتحدة الاميركية فإن مكة تقع منهم بين الجنوب والشرق.

ويدل على أن قبلتهم إلى الجنوب الشرقي إجماع أهل الإسلام على أن أهل المغرب يتوجهون إلى المشرق وأهل المشرق يتوجهون إلى المغرب، وأهل الشمال يتوجهون إلى الجنوب، وأهل الجنوب يتوجهون إلى الشمال. وقد نقل ذلك الرافعي [2] عن أبي حنيفة وغيره.

وفي كتاب ابن عابدين الحنفي [3]: “ثم اعلم أنه ذكر في المعراج عن شيخه أم جهة الكعبة هي الجانب الذي إذا توجه إليه الإنسان يكون مسامتًا للكعبة، أو هوائها تحقيقًا أو تقريبًا، ومعنى التحقيق: أنه لو فرض خط من تلقاء وجهه على زاوية قائمة إلى الأفق يكون مارًّا على الكعبة أو هوائها، ومعنى التقريب: أن يكون متحرفًا عنها أو عن هوائها بما لا تزول به المقابلة بالكلية بأن يبقى شيء من سطح الوجه مسامتًا لها أو لهوائها. وبيانه أن المقابلة في مسافة قريبة تزول بانتقال قليل من اليمين أو الشمال مناسب لها، وفي البعيدة لا تزول إلا بانتقال كثير مناسب لها، فإنه لو قابل إنسان ءاخر في مسافة ذراع مثلاً تزول تلك المقابلة بانقال أحدهما يمينًا بذراع، وإذا وقعت بقدر ميل أو فرسخ لا تزول إلا بمائة ذراع أو نحوها، ولما بعدت مكة عن ديارنا بُعدًا مفرطًا تتحقق المقابلة إليها في مواضع كثيرة في مسافة بعيدة، فلو فرضنا خطًا من تلقاء وجه مستقبل الكعبة على التحقيق في هذه البلاد ثم فرضنا خطًا ءاخر يقطعه على زاويتين قائمتين من جانب يمبن المستقبل وشماله، لا تزول تلك المقابلة والتوجه بالانتقال إلى اليمين والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة، فلذا وضع العلماء القبلة في بلاد قريبة على سِمْت واحد اهـ.

ونقله في الفتح والبحر وغيرهما، وشروح المُنْيَة وغيرها، وذكره ابن الهمام في زاد الفقير وعبارة الدرر هكذا: وجهتنا أن يصل الخط الخارج من جبين المصلي إلى الخط المارّ بالكعبة على استقامة بحيث يحصل قائمتان، أو نقول هو أن تقع الكعبة فيما بين خطين يلتقيان في الدماغ فيخرجان إلى العينين كساقَي مثلث، كذا قال النحرير التفتازاني في شرح الكشاف. فيعلم منه أنه لو انحرف عن العين انحرافًا لا تزول منه المقابلة بالكلية جاز، ويؤيده ما قال في الظهيرية: إذا تيامن أو تياسر تجوز، لأن وجه الإنسان مقوس، لأن عند التيامن أو التياسر يكون أحد جوانبه إلى القبلة” انتهى كلام ابن عابدين.

وقوله في الدرر: على استقامة متعلق بقوله يصل، لأنه لو وصل إليه معوجًا لم تحصل قائمتان بل تكون إحداهما حادة والأخرى منفرجة كما بينَّا. ثم إن الطريقة التي في المعراج هي الطريقة الأولى التي في الدرر، إلا أنه في المعراج جعل الخط الثاني مارًّا على المصلي على ما هو المتبادرُ من عبارته، وفي الدرر جعله مارًّا على الكعبة” اهـ. وهذا لا يتم لأهل كندا والولايات المتحدة إلا إذا اتجهوا إلى الجنوب الشرقي. وعلى هذا شيخ الأزهر بمصر، فقد ورد إليه السؤال عن اتجاه القبلة في كندا من بعض ساكنيها المسلمين فقال ما نصه: “وبإعادة النظر فيما كتب في موضوع اتجاه القبلة في كندا، تقضي القواعد الشرعية بأن الاتجاه الصحيح للقبلة في هذا الموضوع هو اتجاه الجنوب الشرقي، فإنه الامتداد الصحيح لخط القبلة من الموقع الذي فيه المسجد، فأما قصر خط الشمال الشرقي فذلك يستخدم في السير إليها لا في اتخاذه قبلة” اهـ. فتوى شيخ الأزهر [4].

ومَن كان مستطيعًا للاجتهاد لا يقلّد، ومن عجز عن الاجتهاد فإنه يُقلّد ثقة عارفًا.

قال النووي [5] في كتابه منهاج الطالبين في بحث القبلة: “ومن أمكنه علم القبلة حَرُمَ عليه التقليد والاجتهاد، وإلا أخذ بقول ثقةٍ يخبرُ عن علم، فإن فقد وأمكن الاجتهاد حرُمَ التقليد”. ثم قال: “ومَن عجز عن الاجتهاد وتعلُّم الأدلة كأعمى قلّد ثقة عارفًا” اهـ.

فليتعلّم الشخص أدلة القبلة ثم يطبّق ما سبق ذكره من كلام النووي. وأما الأدوات المستحدثة للاستدلال بها على جهة القبلة، فإنها إن كانت مبنية على ما سبق وذكرنا، فإنه يجوز الاعتماد عليها وإلا فلا” انتهى كلام المحدث الهرري.

الهوامش:

[1] صريح البيان [ص/288-290]، الطبعة الثالثة.

[2] أنظر فتح العزيز شرح الوجيز [3/242].

[3] رد المحتار على الدر المختار [1/287].

[4] الفتوى صادرة من مكتب شيخ الأزهر بمصر بتاريخ [7/2/1994].

[5] منهاج الطالبين [ص/9].