البوطي يرى أن المرتد لا يقتل إلا إذا أعلن الحرب على المسلمين ويتخبط في مسئلة سلمان رشدي

البوطي يرى أن المرتد لا يقتل إلا إذا أعلن الحرب على المسلمين ويتخبط في مسئلة سلمان رشدي

يقول في كتابه المسمى “الجهاد في الإسلام” [ص/211]: “إن علة الحكم بقتل المرتد هي الحرابة أيضًا لا الكفر” اهـ، ويقول في [ص/212] في المصدر نفسه: “والجواب إن التبس المسلم بالردة حالتين بينه وبين نفسه ويمسك عن إعلانها والإشارة بين الناس فهذا يظل مكلوءًا في حرز حصين من مبدإ {لا إكراهَ في الدين} ذلك لأن حالته هذه لا تنم عن أي معنى من معاني الحرابة يواجه بها المسلمين ومن ثم فشأنه كشأن الكافر الأصلي. والثانية أن يستعلن بردته عن الإسلام وينافح عن أفكاره المناقضة لما كان عليه من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ويصر على ذلك إصراره، فشأن هذا الإنسان يختلف عن سابقه اختلافًا كبيرًا وعزم الحرابة في نفسه واضح إلى درجة القطع واليقين، وهل في أنواع الحرابة ما هو أشد وأخطر من الكيد للإسلام والمسلمين عن طريق بث عوامل الزيغ والسعي إلى تشكيك الناس بعقائدهم ومبادئهم الإسلامية” اهـ.

وفي إحدى المراسلات التي جرت بيننا وبينه كتب البوطي بخط يده يقول: “راجعنا فلم نجد من قال إن شهادة اثنين بكفر فلان من الناس يقوم في القضاء مقام سماع موجب الكفر منه مباشرة، ومن ثم تكفي تلك الشهادة للحكم عليه بالردة وملاحقته بتنفيذ الحكم الذي تستوجبه الردة… نعم إن شهادة واحد أو اثنين أمام القضاء تستوجب التحري والتحقيق المباشر، فمن هم الذين قالوا إن للقاضي أن يحكم بردة فلان من الناس اعتمادًا على شهادة رجلين دون استدعائه والسماع منه” اهـ.

الجواب: نأمل منك يا دكتور ألا تظن لحظة أنك إن لم تكن على اطلاع على مسئلة أنها لا توجد أو أنه لا أثر لها، ومن المعلوم عند العلماء أن عدم العلم ليس بدليل، ومن علم حجة على من لم يعلم، والأحكام الشرعية لا تبنى على النحو الذي ذهبت إليه من غير تحقيق وتدقيق. وإليك إن كنت لا تعلم فلتعلم الآن لئلا تعود إلى ما ذكرت:

وكنا قد أفردنا هذا البحث على حِدَة لمناسبة أخرى ونعيده هنا تتميمًا للفائدة.

قال الدردير المالكي صاحب الشرح الكبير ما نصه [1]: “تثبت الردة أمام القضاء بشهادة ردلين مسلمين عدلين وبهذا قال الحنابلة ومالك والأوزاعي والشافعي والحنفية، وقال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا خالف في هذا إلا الحسن قال لا يقبل في إثبات الردة إلا أربعة شهود قياسًا على الزنى، ولكن يرد على الحسن أن الشهادة على الردة شهادة في غير الزنى فتقبل من عدلين كالشهادة على السرقة” اهـ.

ثم لمزيد من التحري عن الدليل اعلم أن ابن قدامة قال في المغني ما نصه: “وتقبل الشهادة على الردة من عدلين في قول أكثر أهل العلم، وبه يقول مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، قال ابن المنذر ولا نعلم أحدًا خالفهم إلا الحسن قال لا يقبل في الردة إلا أربعة لأنها شهادة بما يوجب القتل فلم يقبل فيها إلا أربعة قياسًا على الزنى”، ثم قال ابن قدامة: “ولنا –أي الحنابلة- إنها شهادة في غير الزنى فقبلت من عدلين كالشهادة على السرقة، ولا يصح قياسه على الزنى فإنه لم يعتبر فيه الأربعة لعلة القتل بدليل اعتبار ذلك في الزنى البكر ولا قتل فيه، وإنما العلة كونه الزنى، ولم يوجد ذلك في الردة. ثم الفرق بينهما أن القذف بالزنى يوجب ثمانين جلدة بخلاف القذف بالردة” اهـ.

وأما قولك يا دكتور: إن علة الحكم بقتل المرتد الحرابة أيضًا لا الكفر.

فنقول: من أين لك هذا وما دليلك وما هي حجتك، وكلامك هذا ظاهر البطلان مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: “من بدل دينه فاقتلوه” رواه البخاري [2]. فالرسول علق الحكم بالقتل بردة المرتد، وإن كان المرتد فردًا أو كانوا جمعًا لم يفرق الشرع بين الفرد أو الجماعة، وحرب أبي بكر للمرتدين لم يكن مهاجمة من المرتدين للمسلمين بل هو جيّش إليهم الجيش في معاقلهم وقتل من قتل واستسلم بالرجوع إلى الإسلام فهذه محاولة منك لإبطال حكم الردة.

ثم ماذا تقول في الحديث الصحيح المتفق عليه الذي رواه البخاري وغيره [3]: “لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة” فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل كفر مع حرابة، ثم بيّنا لك أنه انعقد الإجماع على أن الردة تقبت عند القاضي بشهود وعليه يقتل المرتد حتى ولو لم يكن هذا المرتد يجاهر بردته كما تزعم فماذا تقول بهذا الإجماع. ثم الآن اسمع إلى أقوال المذاهب الأربعة في هذا الموضوع ففي المغني لابن قدامة الحنبلي ما نصه [4]: “وروي أن معاذًا قدم على أبي موسى فوجد عنده رجلاً موثقًا فقال: ما هذا؟ قال: رجل كان يهوديًا فأسلم ثم راجع دينه دين السوء فتهود فقال: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات، فأمر به فقتل، متفق عليه، وبم يذكر استتابته ولأنه يقتل لكفره” اهـ.

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [5]: “وقد وقع في حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له: “أيّما رجل ارتد عن الإسلام فادعُه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيُّما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها وإلا فاضرب عنقها”. وسنده حسن” اهـ.

ثم قال في الصحيفة التي قبلها [6] عازيًا إلى أبي طاهر المُخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري، عن أبيه قال: قيل لعلي: إن هنا قومًا على باب المسجد يدعون أنك ربهم، فدعاهم فقال لهم: ويلكم ما تقولون، قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا، فقال: ويلكم إنّما أنا عبد مثلكم ءاكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذّبني فاتقوا الله وارجعوا، فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال: أدخلهم، فقالوا كذلك، فلما كان الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة فأبوا إلا ذلك، فقال: يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخدّ لهم أخدودًا بين باب المسجد والقصر وقال: احفروا فابعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال:

إني إذا رأيتُ أمرًا منكرا *** أوقدت ناري ودعَوت قنبرا

وهذا دليل صريح على بطلان قول البوطي أن المرتد لا يُقتل إلا على وجه الحرابة لأن هؤلاء الذين قتلهم عليّ ما كانوا محاربين بل عبدوه من شدّة غلُوّهم وإطرائهم له في محبته.

ويؤيد ما ذكرنا ما رواه ابن حبان في صحيحه [7] عن عكرمة، أن عليًّا أتي بقوم قد ارتدوا عن الإسلام أو قال زنادقة معهم كتب فأمر بنارٍ فأُجّجت فألقاهم فيها بكتبهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال: أما أنا لو كنت لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تعذبوا بعذاب الله” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من بدّل دينه فاقتلوه”.

وموضع الشاهد قوله: “ولأنه يقتل لكفره” ولم يقل لحرابته.

ثم في المغني [8]: “[الفصل الرابع] إن لم يتب قُتل لما تقدم ذكره وهو قول عامة الفقهاء” اهـ.

ويقول النووي الشافعي في روضة الطالبين الباب الثاني في حكم الردة ما نصه [9]: “أحكامها كثير متفرقة في الأبواب المقصود هنا نفسه وولده وماله أما نفسه فمهددة فيجب قتله إن لم يتب” اهـ.

وقال صاحب جواهر الإكليل في شرح مختصر خليل المالكي ما نصه [10]: “واستتيب المرتد حرًّا أو عبدًا ذكرًا أو أنثى أي طلبت منه التوبة وجوبًا ثلاثة أيام متوالية لأن الله تعالى أخر قوم صالح صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام، وقال ابن القاسم: ثلاث مرات ولو في يوم بلا معاقبة بجوع ولا بعطش وبلا معاقبة بضرب ولا غيره وإن لم يتب، فإن تاب المرتد برجوعه للإسلام فلا يقتل وإلا أي إن لم يتب حتى تمَّت الأيام الثلاثة بغروب اليوم الثالث قتل” اهـ.

وقال ابن عابدين الحنفي في حاشيته المشهورة ما نصه [11]: “[ويحبس ثلاثة أيام إن استمهل، فإن أسلم وإلا قُتل] لحديث: “من بدل دينه فاقتلوه” [وإسلامه أن يتبرأ عن الأديان] سوى الإسلام [أو عما انتقل إليه] بعد النطق بالشهادتين، وتمامه في الفتح ولو أتى بهما على وجه العادة لم ينفعه ما لم يتبرأ [وكره] تنزيهًا لما مرّ [قتله قبل العرض بلا ضمان] لأن الكفر مبيح للدم” اهـ.

فبعد سرد هذه الأقوال من المذاهب الأربعة قل لنا يا دكتور أين كلمة الحرابة، فهذه الأقوال كلها مدعمة بالأدلة تثبت أن قتل المرتد بسبب الكفر وليس بسبب الحرابة المزعومة عندك. ومن أين لك أن تقسم المرتد إلى قسمين قسم يقتل وقسم لا يقتل بحسب أوهامك.

وإذا أردت أيها القارئ أن تأخذ نموذجًا مما انطوت عليه سريرة البوطي في هذا الشأن في ادعائه بعدم قتل المرتد إن لم يظهر حربًا على المسلمين فاسمع إليه حيث يقول في كتابه “هذه مشكلاتهم” [ص/146] حيث يدعو إلى احترام الكفر وإلى عدم قتل المرتد إذا لم يظهر حربًا على المسلمين ونص عبارته: “لو كان الذي كتبه سليمان رشدي وجهة نظر علمية أو فكرية عبّر عنها بما يدل قناعة داخلية لديه بشأنها لكنا أول من يحترم عمله سواء وافقناه وجهة نظره أم لا” اهـ.

ثم اسمع إليه يقول في [ص/147] من ذات المصدر ما نصه: “ولو كان الذي كتبه رشدي إعلانًا بأنه لم يستطع أن يصل إلى قناعة بالإسلام ومبادئه، ومن ثم فهو يريد أن يمارس حريته في الإعراض عنه إلى أي معتقد ءاخر يفضله لفسحنا أمامه الطريق عريضًا إلى كل ما يبتغيه خاضعين لقرار الله عز وجل: {لا إكراهَ في الدينِ وقد تبيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيّ} ولقوله تعالى: {وقُلِ الحقُّ من ربكم فمن شاءَ فليُؤمن ومن شاءَ فليكفر}، وكل ما يمكن أن نضيفه إلى ذلك هو فتح باب حوار معه بالحكمة والموعظة الحسنة من خلال الأدلة العلمية والبراهين المنطقية المجردة لا نزيد على ذلك شيئًا ما دام أن الرجل لا يبتغي أكثر من ممارسة حريته ولا يشتط وراء ذلك إلى رسم أي كيد أو عدوان” اهـ.

إذًا فما معنى قولك في جريدة السفير بتاريخ الجمعة 15/11/96 [ص/8]: “الحكم بالردة على نصر حامد أبو زيد باطل ومن ثم التفريق بينه وبين زوجته أيضًا باطل، كذلك سلمان رشدي الذي صاغ هذه الرواية لا يجوز إطلاقًا أن نحكم عليه غيابيًا أيضًا وأن نهدر دمه” اهـ.

نقول: أنت كفرته بعد أن سقت أقواله المفزعة بحث الرسول وأزواجه وبحق الله حتى قلت صراحة في [ص/151] من كتاب “هذه مشكلاتهم”: “إن العالم الإسلامي لم يثر على كفر سلمان رشدي”، ثم قلت: “وإنما ثار العالم الإسلامي على كرامته التي هي كرامة كل فرد مسلم”.

أنت يا دكتور هدرت دم سلمان رشدي بحسب ضوابط الردة التي وضعتها وهي إعلانه الحرابة على المسلمين فلماذا هذا التناقض؟ فأنت تريد أن تحمل على فتوى رشدي ومن جهة أخرى تحكم عليه بالقتل بحسب ضوابطك.

ألم تعلم أنه قد ثبت أن أسمامة بن زيد قتل رجلاً قال لا إله إلا الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “كيف تقتله وقد قال لا إله إلا الله” فقال: قالها خوفًا من السيف فقال: “أشققت على قلبه” الحديث… فالنبي لم يقل له هل أعلن عليك الحرب حتى تقتله.

ثم ماذا تقول في الآية الكريمة: {تُقَاتِلونَهُم أو يُسْلِمون} [سورة الفتح/16]، وفي وصية النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرَّ أميرًا بالجهاد: “قاتلوا من كفر بالله” رواه مسلم [12]. وفي دليل صريح على أن سبب مشروعية القتال كفرهم.

ثم ماذا تقول في قوله تعالى: {قاتِلوا الذينَ لا يُؤمنونَ بالله} [سورة التوبة/29] فهذه في هذه الآية أدنى إشارة إلى اشتراط ما اجعيته من أن الحرابة هي سبب الجهاد، وأنه لا جهاد إلا مع الحرابة، وأن المرتد لا يقتل إلا إذا حارب؟! وكذا ما ورد في الحديث أن عيسى عليه السلام حين ينزل يضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام فيه أيضًا دليل على أن الجهاد المقصود الأصلي به إدخال الناس في الإسلام.

واعلم يا بوطي أن الآية السابق ذكرها نزلت في حروب الردة وأول الآية: {قُل للمُخَلَّفينَ مِنَ الأعرابِ سَتُدْعَوْنَ إلى قومٍ أُولِي بأسٍ شديدٍ تُقاتِلونهم أو يُسلِِمون} فقد نقل القرطبي [13] عن الزهري ومقاتل أنهم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة.

وقال رافع بن خديج: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى: {ستُدعَونَ إلى قومٍ أولي بأسٍ شديد} فلا نعلم من هم حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم، وقال القرطبي [14] في قوله تعالى: {تُقاتلونهم أو يُسلِمون}: “هذا حكم من لا تؤخذ منهم الجزية وهو معطوف على تقاتلونهم أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة وإما الإسلام”.

وأما استدلال البوطي بقوله تعالى: {لا إكراهَ في الدين} زاعمًا أن هذا معناه للإنسان حرية أن يعتقد ما شاء كما أفاد كلامه فهذا تحريف، إذ الآية معناها لا تُكرهوا أهل الكتاب بالقتال إن دفعوا الجزية، وقال بعض المفسرين: المعنى أنكم لا تستطيعون أن تُكرهوا قلوب الكفار وعليهم إكراه الظاهر بالقتال. وقال الإمام أبو منصور الماتريدي في شرح التأويلات: هذه الآية منسوخة بآيات الجهاد كآية: {أُذِنَ للذينَ يُقاتلونَ بأنَّهُم ظُلِموا} الآية [سورة الحج/39]، وقوله تعالى: {وقاتِلوهم حتى لا تكونَ فتنةٌ ويكونَ الدينُ للهِ} [سورة البقرة/193] وما أصرح الحديث المتواتر في أن الآية لا تعطي حرية الكفر والاعتقاد كما زعم البوطي وغيره من أهل هذا العصر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله”، الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما [15].

وأما قوله تعالى: {فمن شاءَ فليؤمن ومن شاءَ فليكفر} [سورة الكهف/29] فهو تهديد وليس إذنًا للناس في حرية الكفر بدليل وهو {إنَّا أعتدنا للكافرينَ نارًا أحاطَ بهم سُرادِقُها} [سورة الكهف/29]، والمعنى من ءامن فقد أحسن ومن كفر فهو مستحق للعذاب المقيم في النار، يُفهم ذلك من قوله تعالى في الآية {ومَن شاءَ فليكفُر إنَّا أعتَدنا للظالمينَ نارًا أحاطَ بهم سُرادِقُها} [سورة الكهف/29] معناه من كفر يقيم في جهنم في العذاب المستمر، وأن أهل النار محفوفون بالنار من كل الجوانب، فأي معنى للجهاد على زعمك لو كان لكل إنسان حرية الكفر والمعتقد كما زعمت.

ومعلوم أن لفظ الأمر قد يكون للتهديد لا لطلب الفعل، وقد ذكر الأصولييون أن لفظ الأمر يأتي بمعنى الخبر ويأتي بمعنى التهديد، ومثال الأمر قوله تعالى: {من كان في الضلالةِ فليَمْدُدْ لهُ الرحمنُ مَدًّا} [سورة مريم/75]، والمعنى يمدّ له. قضيت عمرك ولم تعلم ذلك، أم علمت فتعمدت تحريف كتاب الله، نطالبك بأن تجيب عن قول الله تعالى: {تُقاتلونهم أو يُسلمون} [سورة الفتح/16] ولم يقل حتى يتركوا المحاربة، فإنَّا نتحداك تحديًّا علنيًا على أنك لا تستطيع الجواب عن هذا جوابًا علميًا صحيحًا.

ثم كيف بنيت ما توهمته على اعتبار لفظ {لا إكراه في الدين} أنّ “لا” فيه للنفي، بل “لا” فيه للنهي أي لا تُكرهوا حتى يأتي الإذن بالإكراه.

حدق النظر حتى تفهم لعلك تفهم إذا حدقت النظر في هذه الجملة، حدق النظر في قوله تعالى: {ويكونَ الدينُ لله}.

الهوامش:

[1] أنظر الكتاب [2/304].

[2] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم: باب حكم المرتد والمرتدة.

[3] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الديات: باب قول الله تعالى: {أنَّ النفسَ بالنفس}.

[4] المغني [10/76].

[5] فتح الباري [12/272].

[6] فتح الباري [12/270].

[7] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [7/449].

[8] المغني [10/78].

[9] روضة الطالبين [10/759].

[10] جواهر الإكليل في شرح مختصر خليل [2/278].

[11] حاشية ابن عابدين [3/286].

[12] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الجهاد: باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث.

[13] الجامع لأحكام القرءان [16/272].

[14] المصدر السابق [16/273].

[15] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان: باب: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله.