البوطي يزعم أن انتماء المسلم إلى جنسية بلد أو دولة غير مسلمة مع الإقامة فيها محرّمة حرمةً ذاتية

البوطي يزعم أن انتماء المسلم إلى جنسية بلد أو دولة غير مسلمة مع الإقامة فيها محرّمة حرمةً ذاتية

يقول في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/208]: “والخلاصة أن انتماء المسلم إلى جنسية بلدٍ أو دولةٍ غير مسلمة مع الإقامة فيها محرمٌ حرمةً ذاتية، والحرمة الذاتية لا يعارضها ولا يغالبها أي من المبررات العارضة التي قد يسميها بعض الناس ضرورة وكما أن الماء لا يطهر النجس العيني كالدم ولحم الخنزير والميتة مهما غسل به ومهما سرى في أجزائه فكذلك عوارض المبررات المتصورة لا تقوى على إزالة الحرمة الذاتية السارية في جوهر هذا الانتماء وذاته”.

ويقول في [ص/203] من المصدر نفسه: “ومن الواضح أن تجنس الإنسان بجنسية دولة من دول الكفر مع مكثه في تلك الدولة من أبرز مظاهر هذه الموالاة التي شدد الله في التحذير منها كما قد رأيت، بل إن التجنس لا يزيد على الإقامة إلا الإعلان عن هذا الولاء فهو إذن من المحرمات المقطوع بحرمتها بدلالة هذه النصوص وأمثالها”.

الرد: من قال إن أخذ الجنسية مع الإقامة في بلدٍ غير مسلم كفرنسا مثلاً هو ولاء لهذا البلد.

صحيح أن من أقام في أي بلد يخضعه ذلك البلد لقوانينه ولكن من قال إن الخضوع للقانون من طريق الإلزام هو بمثابة إعلان الولاء لهذا البلد.

وأقول: إن بعض البلدان الإسلامية فيها قوانين أخطر من قوانين الغرب وتخضع رعاياها لهذه القوانين بالقوة فهل تطلب يا بوطي من ملايين المسلمين ءانئذ أن يتخلوا عن جنسيتهم ويتركوا بلدانهم وإلا فهم ءاثمون؟؟؟.

ومن الواضح أن البوطي تناقض تناقضًا صريحًا وتخبط فانظر إلى قوله: “إن انتماء المسلم إلى جنسية بلدٍ غير مسلمة مع الإقامة فيها محرم حرمة ذاتية والحرمة الذاتية لا يعارضها ولا يغالبها أي من المبررات العارضة التي قد يسميها بعض الناس ضرورة”.

ثم انظر إلى قوله في [ص/200] من المصدر نفسه: “وقد قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لحديث: “لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية” ما نصه: “وقال ابن العربي: الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وكانت فرضًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت بعده لمن خاف على نفسه والتي انقطعت أصلاً هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان”. وقال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم عند هذا الحديث أيضًا: “وقال أصحابنا وغيرهم من العلماء: الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة”. أقول: ولا بد من تقييد ذلك بما إذا خشي المرء على نفسه أو على أحدٍِ من أهله وخاصته كما قال ابن حجر، بل لقد صرح النووي بهذا القيد في كتابه الروضة فقال: “المسلم إن كان ضعيفًا في دار الكفر لا يقدر على إظهار الدين حرم عليه الإقامة هناك وتجب عليه الهجرة إلى دار الإسلام” انتهى كلام البوطي.

أقول: لو اكتفى البوطي بهذا القدر لكان صوابًا، ولكن عشقه للتصدر وادعاء الاجتهاد أوصله إلى ما قاله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

البوطي يعلن تحريم الزواج من الكتابيات الأجنبيات ويتخبط

قال في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/215]: “وقد رأينا مما ذكرناه عن بعض النتائج الضارة لزواج المسلم بالأجنبيات الكتابيات ما يدل دلالة واضحة على أن حكم هذا الزواج هو الحرمة وإن كان عقد النكاح صحيحًا”، ثم يقول: “من هنا، فإنني أجزم بناءً على ما أعرفه من القواعد الفقهية والأحوال الاجتهادية بأن حكم زواج المسلم بالكتابية يتلخص فيما يلي:

– هو زواج صحيح إن كانت الفتاة كتابية فعلاً، وكان عقد النكاح موفور الأركان والشروط.

– هو زواج جائز مع الكراهة التنزيهية إن تم العقد وقامت الصلة الزوجية في ظل مجتمع إسلامي يتقاضى الناس فيه إلى الحكم الإسلامي في هذه المسألة على أقل تقدير.

– وهو زواج محرم إن تم العقد في ظل مجتمع غير مسلم بحيث يكون التقاضي عند أي خلاف ينشب بين الزوجين إلى النظم والأحكام المجانفة للإسلام” اهـ.

الرد: أولاً: البوطي نصب نفسه مجتهدًا على رقاب الأمة وراح يحرم ويحلل من تلقاء نفسه من غير دليل ولا حجة، والظاهر أنه لا يعرف شروط الاجتهاد المقررة عند الأصوليين أو قرأها فنسيها أو تناساها وسولت له نفسه ادعاء الاجتهاد ظانًّا أن ليس يوجد من يعرفها فيفضحه.

وها هو اليوم يحرم الزواج بالأجنبيات الكتابيات بحجة ما ينتج عن هذا الزواج من ضرر محتمل –هو يراه يقينيًّا-.

أقول: إننا رأينا من تزوج بأجنبية كتابية ورأينا أن الزواج ناجح تمامًا ومنهن من يسلمن ويحسن إسلامهن.

ورأينا الكثير من المسلمين تزوجوا بمسلمات وفي ديار المسلمين وقد فشل هذا الزواج وقد أدى الأمر في نهاية المطاف إلى الطلاق أو إلى مشاكل أخطر.

ورأينا من سافر من بلاد المسلمين وهو ينتسب إلى الإسلام ولا يعرف عن الإسلام شيئًا وقد اقترن في بلاد الغرب بكتابية أجنبية فأعجبت بالإسلام فأسلمت والتزمت والتزم هو بسبب التزامها، ورأينا الحالات التي ذكرها وقد تسبب ذلك الزواج بضررٍ. أقول: إن الضرر ليس محتمًا كما يدعي وأنه إذا تحتم الضرر والشر في مسئلة من هذه المسائل نقول للشخص الذي سيتورط في هذ الموضوع حرام عليك لأن الضرر متحقق، كمن يضره أكل مباح ما من المباحات حيث إن الأطباء يمنعون بعض المرضى من تناول بعض الأطعمة المباحة إذا تحقق الضرر، والمنع ليس لأن هذا الطعام حرام لذاته بل لأنه يضر هذا الإنسان بعينه، وليس للبوطي أن يقول إن هذا الطعام حرام على كل الناس لأنه يضر من أصيب بالمرض الفلاني، فمن هنا تورط البوطي بمثل هذا القول.

ثم لاحظ أيها القارئ التقسيمات الثلاث للزواج عند البوطي حيث يقسم الزواج من الأجنبيات الكتابيات إلى ثلاثة أقسام: صحيح وجائز مع الكراهة ومحرم.

وهنا أريد منك أيها القارئ المنصف أن تحاول معي التأمل والاستغراق والإمعان في التفكير لتعرف الفرق بين الزواج الصحيح والزواج الجائز مع الكراهة اللذين حددهما البوطي.

البوطي يحل أكل ذبائح أهل الكتاب التي جُهلت كيفية ذبحها

قال البوطي في كتابه “قضايا معاصرة” [ص/217]: “الثانية: أن لا نعلم كيف ذبحت ذلك لأن الأصل في ذبائحهم إباحة أكلها لعموم دلالة قوله تعالى: {وطعامُ الذينَ أوتوا الكِتابَ حِلٌّ لَّكُمْ} [سورة المائدة/5]”.

الرد: إن ما قاله البوطي هنا فيه مخالفة صريحة للشرع ولا سيما ونحن الآن يأتينا من الغرب ما يعرف باللحوم المثلجة، وقد ثبت وبما لا يحتمل الشك أن المسالخ هناك لا تذبح غالبًا بل يصعقون الثور مثلاً بالتيار الكهربائي أو يطلقون عليه الرصاص فيقتل ثم يُسلخ ثم يكتبون على العُلب المجهزة “ذبح على الطريقة الإسلامية” وذلك للكذب والتمويه. وهناك بعض الدول الأوروبية تعتبر أن الذبح جريمة يعاقب عليها القانون لذلك فإن بعض المسلمين في سويسرا يدخلون إلى فرنسا ويذبحون ذبائحهم ثم يدخلونها إلى سويسرا لأن سويسرا تعتبر أن ذبح البهيمة جريمة يعاقب عليها القانون فأين الذبح الشرعي في كل هذا؟!.

وقول البوطي هذا فيه مخالفة للإجماع المنعقد على عدم جواز الأكل من اللحم الذي لم يُعرف كيف ذُبح وهو اللحم المشكوك فيه، ولمزيد من الفائدة إليك الرد التالي بالتفصيل:

اعلم أن الذكاة الشرعية بقطع مجرى الطعام والشراب ومجرى النفس بما له حدّ، بشرط أن يكون الذابح مسلمًا أو يهوديًا أو نصرانيًا. فإذا حصل هذا وكان المذبوح مأكولاً حلَّ الأمل منه لمن علم، وأما ما كان موته بما لا حدّ له، كأن مات بسبب التردّي أو الغرق أو شئ يزهق الروح بثقله لا بحدّه فلا يحلّ أكله. وأيضًا لا يحل أكل ما لم يعلم هل ذابحه هو ممن يصحّ تذكيته أم لا، لأن أمر اللحم في هذا أشدّ من أمر الجبن والحلوى ونحوهما، فإنه إذا شك شخص هي في الحلوى التي بين يديه أو الجبن الذي بين يديه نجاسة جاز له الأكل منه مع الشك، وأما اللحم فلا يجوز الشروع في أكله مع الشك في ذكاته كما نصّ على ذلك الفقهاء كابن حجر الهيتمي والسيوطي من الشافعية والقرافي من المالكية وغيرهم. بل تحريم اللحم الذي لا يعلم طريق حله بأن شُكّ في ذلك مجمع عليه.

ففي الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي [1] ما نصه: “وسئل نفع الله ببركاته عن شاة مذبوحة وجدت في محلة المسلمين ببلد كفّار وثنية وليس فيهم مجوسي ولا يهودي ولا نصراني، فهل يحلّ أكل تلك الشاة المذبوحة التي وجدت في تلك المحلة أم لا؟ فاجاب: بأنه حيث كان ببلد فيه مَن يحلّ ذبحه كمسلم أو يهودي أو نصراني، ومَن لا يحلّ ذبحه كمجوسي أو وثني أو مرتد، ورؤي بتلك البلد شياه مذبوحة مثلاً، وشكّ هل ذبحها مَن يحلّ ذبحه لم تحلّ للشك في الذبح المبيح والأصل عدمه” اهـ.

وفي الاشباه والنظائر للسيوطي [2] ما نصه: “الفائدة الثانية: قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني: الشك على ثلاثة أضرب شك طرأ على أصلٍ حرام، وشك طرأ على أصلٍ مباح، وشك لا يعرف أصله، فالأول مثل أن يجد شاة في بلد فيها مسلمون ومجوس فلا يحلّ حتى يعلم أنها ذكاة مسلم للأنها أصلها حرام وشككنا في الذكاة المبيحة” اهـ.

وفي كتاب التاج والإكليل لمختصر خليل [3] في باب الوضوء نقلاً عن شهاب الدين القرافي ما نصه: “الفرق الرابع والأربعون بين الشك في السبب والشك في الشرط، وقد أشكل على جمع من الفضلاء قال: شرع الشارع الأحكام وشرع لها أسبابًا وجعل من جملة ما شرعه من الأسباب الشك، وهو ثلاثة مجمع على اعتباره كمن شك في الشاة المذكّاة والميتة وكمَن شكّ في الأجنبية وأخته من الرضاعة” اهـ.

أي أنّ تحريم ما شُك فيه من اللحم مسئلة إجماعية، فلا التفات إلى ما يُخالف هذا الإجماع من قول بعض أهل العصر المتعالمين، وهؤلاء ضرّوا الناسَ برأيهم المخالف للإجماع في البلاد العربية وفي أوروبا وأمريكا، ومَوَّه بعضهم بإيراد حديث أخرجه البخاري [4] على غير وجهه، والحديث وردَ في ذبيحةِ أناس مسلمين قريبي عهد بكفر لحديث عائشة: “أن قومًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قومًا يأتوننا بلحمٍ لا ندري أذُكِرَ اسم الله عليه أم لا، فقال: “سمّوا عليه أنتم وكلوه”، قالت: وكانوا حديثي عهدٍ بالكفر”. ومعنى الحديث أن هذه اللحوم حلال لأنها مذكّاة بأيدي مسلمين ولو كانوا حديثي عهدٍ بكفر، ولا يضرّكم أنكم لن تعلموا هل سمّى أولئك عند ذبحها أم لا، وسمّوا أنتم عند أكلها أي ندبًا لا وجوبًا. لأن التسمية سنة عند الذبح فإن تركها الذابح حل الاكل من الذبيحة.

فمن أين موّهَ هؤلاء بإيراد هذا الحديث على غير وجهه، فكأن هؤلاء قالوا إنّ الرسول أحلَّ أكلَ ما لم يُعلم هل ذابحه مسلمٌ أم مجوسي أم بوذي أم غير ذلك بالاقتصار على التسمية عند الأكل، وهذا لم يقله عالمٌ مسلمٌ قط، فليتّقوا الله هؤلاء المتهورون، وليعلموا أنّ الإنسان يُسألُ يوم القيامة عن أقوالهِ وأفعاله وعقائده.

الهوامش:

[1] الفتاوى الكبرى [1/45 و46].

[2] الأشباه والنظائر [ص/74].

[3] التاج والإكليل لمختصر خليل بهامش كتاب مواهب الجليل شرح مختصر خليل [1/301].

[4] صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد والتسمية على الصيد: باب ذبيحة الأعراب.