البوطي يزعم أن خروج الناس ودخولهم إلى مجالس العزاء وقهوة البن تدور أثناء قراءة القرءان استهانة بكتاب الله

البوطي يزعم أن خروج الناس ودخولهم إلى مجالس العزاء وقهوة البن تدور أثناء قراءة القرءان استهانة بكتاب الله

يقول البوطي في مجلة طبيبك عدد 1995 أيلول [ص/111] عن مجالس العزاء: “أما شغل هذه المجالس بقراء القرءان والناس داخلون وخارجون والقهوة تدور فأعتقد أن في ذلك استهانة ملحوظة بكتاب الله”.

الرد: أقول: إن التعبير “بالاستهانة بكتاب الله” هو عبارة اصطلاحية عند الفقهاء وعلماء الأصول يستعملونها عادة في باب الردة فيعتبرون أن من قام بعمل فيه “استهانة بكتاب الله” فهذه ردة كرمي المصحف في القاذورات أو الدوس على المصحف عمدًا.

وأما هنا فأين الاستهانة بكتاب الله فهل مجرد خروج الناس ودخولهم إلى العزاء والقرءان يتلى يعتبر استهانة؟ أين وجه الاستهانة؟ وهذا أمر طبيعي في مجالس العزاء. لكي يتسنى لمن لم يعزِّ أن يدخل وإلا فإن بقي الناس ولم يخرجوا والذين هم في الخارج لم يدخلوا فكيف ينتظم أمر العزاء.

وأما مسئلة قهوة البن ففيها تكريم وضيافة للمعزين بل شرب قهوة البن عند كثير من الناس يجلب لهم صفاء ذهن وفكر للاستماع إلى القرءان الكريم.

وكل الناس يلاحظون أن القارئ يقرأ والناس داخلون وخارجون وتدار قهوة البن من غير تشويش والاستماع والانصات قائم.

ثم حتى لو حصل شيء من التشويش أو الضجيج أو الفوضى فهل يصل بك الحد أن تقول في هذا استهانة بكتاب الله، فأين حصلت الاستهانة في ذلك كله؟

فالفقهاء لم يعتبروا القصد في الاستهانة في موضوعين فقط واعتبروا مجرد الفعل ردة لأن الفعل يدل على قصد الاستهانة وذلك كنحو إلقاء المصحف في القاذورات وكنحو الدوس على اسم الله عامدًا.

وقال الفقهاء من وضع ريق فمه على أصبعه ثم فتح صحيفة من القرءان هذا إن قصد الاستخفاف كفر وإلا لا يكفر إلا أنه حرام، وأما قول صاحب كتاب الفقه على المذاهب الأربعة بأنه يكفر م\لقًا فهذا مردود.

البوطي يزعم أن الروح موصولة بالله

يقول في مجلة التقوى العدد 53 رمضان 1416 شباط 1996: “فالإنسان يعيش لرزقه ولطعامه وشرابه ويبحث عما يشبع رغباته وشهواته وأهوائه ولكن يتحرك تحت مظلة حكم الله عز وجل بقيادة من هذه الروح الموصولة بالله سبحانه وتعالى” اهـ.

الرد: إن هذا الكلام يدل دلالة واضحة على أن الرجل مجسم وحلولي وقد بيَّنا تجسيمه وقوله بالحلولية في بحث منفصل من هذا الكتاب.

إن ادعاء البوطي أن الروح موصولة بالله هذا تجرؤ على الله وقد انعقد اجماع الأمة على أن الله تعالى منزه عن الانفصال والاتصال وفي الصحيفة السجادية قال الإمام علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم: “يا من لا تحسّ ولا تجسّ”، وكل ذلك مأخوذ من قوله تعالى: {ليسَ كمثلهِ شيء} [سورة الشورى/11]، فبعد كل الآيات والأحاديث وأقوال العلماء التي صرحت بالتنزيه كيف يجرؤ كهذا على مثل هذه المقالات التي تنقض عرى الدين عروة بعد عروة.

البوطي ينتقد تكفير أبي زيد وإهراق دم رشدي

قال البوطي في جريدة السفير اللبنانية [ص/8] يوم الجمعة 15/11/96 وذلك بالخط العريض: “انتقدتُ تكفير أبي زيد وإهراق دم رشدي”.

ثم يقول: “أما انتقادي على تكفير المحكمة له فذلك لأنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية شيء اسمه الحكم الغيابي على إنسان بالردة”.

ثم يقول: “كذلك سلمان رشدي الذي صاغ هذه الرواية وهي بلا شك تجرّمه أخلاقيًا وليس فكريًا لأن كتابه الذي قرأته ليس كتاب فكر ولكن لا يجوز إطلاقًا أن نحكم عليه غيابيًّا أيضًا وأن نهدر دمه وهو في دار الكفر”.

الرد:

أولاً: قول البوطي “لا يوجد في الشريعة الإسلامية شئ اسمه حكم غيابي على إنسان بالردة” هذا غير صحيح مطلقًا حيث انعقد الإجماع على أن الردة تثبت فيما تثبت به بالشهود، فالجمهور اشترطوا اثنين من العدول وأما الحسن فقد اشترط أربعة، وقد عقدت ردًّا خاصًا على البوطي في هذا البحث فراجعه.

ثالنيًا: إن البوطي يعتبر أن قتل المرتد سببه الحرابة –أي مجاهرته بالحرب ضد المسلمين- أليس ما فعله سلمان رشدي هو أخطر حرب إعلامية ضد المسلمين في الربع الأخير من القرن العشرين حيث تجيشت معه كل قوى الإعلام الغربية بشتى ألوانها وأشكالها.

ثالثًا: من قال إن المرتد لا يقتل في دار الحرب؟ ألم تقل أنت إن الجهاد سببه الحرابة ثم قست الردة على الجهاد أي قست قتال المرتدين على قتال الحربيين، فعلى هذا القياس ألم يرسل النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة الأنصاري لقتل كعب بن الأشرف اليهودي وهو في دار الحرب وقتله إلا إذا كان القياس هناك نافذًا وهنا ممتنعًا على زعمك، فإذا كان الأمر كذلك فنقول: “حدثوا عن البوطي بلا حرج”.

مع العلم أننا لم نسلم بأصل المسئلة ولا بقياسك ورددنا في مكان ءاخر من هذا الكتاب لكن نحن هنا نحاكمك بمزاعمك وادعاءاتك.

رابعًا: ومن أعجب الهراء الذي سمعته في حياتي قول البوطي عن رواية رشدي: “تجرمه أخلاقيًا وليس فكريًا”، والعجيب كيف ثبت لديك أنه أخل أخلاقيًا ولم يخل فكريًا، وكيف ترجمه بالأولى ولم تجرمه بالاخرى.

خامسًا: كيف لا تجرمه فكريًا وقد اتهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالاتهامات الخطيرة بأنه عاهر وإن زوجاته عاهرات ثم لا تجرمه فكريًا بعد ذلك.

هذا وقد نقلت أنت في بعض كتبك نصوصًا من هذه الرواية محشوة بالكفر والافتراء وقد وصفتها أنت بأقذع الألفاظ.

سادسًا: كيف تجرمه أخلاقيًا غيابيًا طالما رفضت الحكم الغيابي أصلاً، وهذا دليل اتباعك للهوى.

مسائل متفرقة وهي مسائل لا تحتاج إلى تعليق كبير ليفرد لها بحثٌ خاصٌ

المسئلة الأولى: يُحرَّم الربا ويوجب أخذ الفائض يقول البوطي في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/68]: “وليكن واضحًا أننا لا نعني بتفنيد هذا الاستخلاص العابث العجيب أن الفوائد التي تسجلها المثارف الأجنبية لاصحاب الأموال المودعة فيها يجب أن تترك لتلك المصارف، فالقول بذلك استجرار لبلاء فوق بلاء، وترك هذه الفوائد مضافة إلى الملايين أو المليارات من أصولها أشبه بمن يعمد فيلقى ضغثًا على إبالة”.

الرد: إن كنت ترى أن الربا مع الحربيين غير جائز فالفائض حرام لقوله تعالى: {يا أيُّها الذينَ ءامنوا اتَّقوا اللهَ وذروا ما بَقِيَ منَ الربوا إن كُنتُم مؤمنينَ* فإن لَّمْ تفعلوا فَأْذَنوا بحربٍ من اللهِ ورسولهِ وإن تُبْتُمْ فلكُم رُءوسُ أموالِكُمْ لا تَظْلِمونَ ولا تُظْلَمونْ [سورة البقرة/278-279].

فمن أين ساغ لك أن تقول هي حرام عليهم حلال لنا وأين النص؟

المسئلة الثانية: يستعمل كلمة خلق في غير محلها في غير موضعها اللغوي والشرعي، فمثلاً يقول في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/65]: “لخلقنا بأيدينا تضخمًا نقديًا”.

ويقول في كتابه “تجربة نحو التربية الإسلامية” [ص/125]: “وهنا ينبغي أن نتساءل ما السبيل إلى خلق وحدة وطنية”.

الرد: لو كان البوطي عنده فهم في اللغة والشرع لما ساير أهل العصر في منزلقاتهم وقولهم في مثل هذه التعابير المخلة، فكلمة خلق لا يجوز استعمالها إلا في الموضع المناسب وكلمة خلق لها عدة معان:

1- الخلق بمعنى الإبراز من العدم إلى الوجود فلا خالق بهذا المعنى إلا الله.

2- أما قوله تعالى: {فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقينَ} [سورة المؤمنون/14] فمعناه أن الله أحسن المقدرين لأن تقديره لا يخطئ وتقدير غيره يجوز عليه الخطأ والتغيير، فيجوز بهذا المعنى أي التقدير إطلاق الخلق على غير الله كما قال الشاعر زهير في وصف ممدوحه هَرِم بن سنان:

ولأنت تفري ما خلقت *** وبعض القوم يخلق ثم لا يفري

معناه أنت تقدر وتنفذ وبعض الناس يقدرون ولا ينفذون أي أنت لك مزية بذلك.

3- كما أن الخلق ياتي يمعنى التصوير كما قال تعالى في حق عيسى: {وإذ تخلُقُ من الطينِ كهيئةِ الطيرِ} [سورة المائدة/110].

4- وكما أنه يطلق على افتراء الكذب قال تعالى: {وتخلُقونَ إفكًا} [سورة العنكبوت/17] أي تفترون الكذب.

5- ويقال خلقت العود أي ملسْته.

فهل عند البوطي قسم سادس حتى يبرزه لنا إن في اللغة أو في الشرع، وفي ذلك يتبين لك فساد كلام البوطي في استعمال كلمة خلق في غير موضعها.

المسئلة الثالثة: يرى أن الأمير والأبوين لهم حق التحليل والتحريم يقول البوطي في كتابه المسمى “قضايا فقهية معاصرة” [ص/213]: “غير أنه مما هو ثابت بالنص أيضًا أن أمير المؤمنين أو رئيس الدولة إذا أمر بمباحٍ أصبح واجبًا في حق من توجه إليهم الأمر وإذا نهى عن مباح أثبح محرمًا في حق من توجه إليهم النهي، فالحرمة حينئذٍ تكون عارضة اقتضاها أمر الأمير أو أمر أحد الأبوين”.

الرد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا طاعة في المعصية إنما الطاعة في المعروف” رواه البخاري وغيره [1].

وأما كلامه فلا دليل عليه مطلقًا وهو غاية في الخطورة حيث جعل الأمير والوالدين مشرعين بدلاً عن الله تعالى فنعوذ بالله.

المسئلة الرابعة: ينسب حكمًا للإمام أحمد قال في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/83]: بل قد ذهب الإمام أحمد في تحديد هذا الاختصاص وتفسيره مذهبًا جعله من الإقدام [2] على الاستفادة بالنقل والكتابة عن مقال أو مؤلف عرف صاحبه إلا بعد الاستئذان منه.

فقد روى الغزالي أن الإمام أحمد سئل عمن سقطت منه ورقة كتب فيها أحاديث أو نحوها أيجوز لمن وجدها أن يكتب منها ثم يردها فقال: “لا بل يستأذن ثم يكتب” اهـ [الإحياء للغزالي 1/96].

الرد: أولاً: مذهب الإمام أحمد بحسب أصول المناهج الفقهية لا تؤخذ من غير كتب الحنابلة كمصدرٍ أساس، لذا فلا نأخذ فقد أحمد من إحياء علوم الدين.

ثانيًا: أحمد لم يقل ما قاله البوطي إنما البوطي استنتج حكمًا من قصةٍ حصلت لأحمد وذلك الحكم استنبطه البوطي من طريق التوهم.

ثالثًا: لا نص لهذا الحكم في كتاب الحنابلة.

رابعًا: إن أحمد لم يجز لشخصٍ أن ياخذ من ورقة شخصٍ ءاخر إلا بإذنه لأن الورقة ملك لذلك الشخص فلا بد من استسماحه.

خامسًا: هذه المسئلة التي أجاب عليها الإمام أحمد هي محل الإجماع ولا خلاف فيها وليست هي قول أحمد فقط، أما مدلول الفتوى الذي استنتجه البوطي فلم يقل به أحمد ولا غيره.

سادسًا: هنالك فرقٌ واضحٌ بين من يأخذ من كتاب غيره وبين من يأخذ من كتاب اشتراه فصار ملكًا له، لذا فقياس البوطي في غير محله.

المسئلة الخامسة: كرامة الإنسان.

يتناقض البوطي بوضوح في مسئلة “كرامة الإنسان” فيقول في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/117]: “إن الكرامة التي ميز الله الإنسام بها ليست نابعة من جوهر بشريته حتى تكون ملازمةً له في كل الحالات، وإنما هي وصف يلازمه ما كان متجاوبًا مع فطرة عبوديته لله عز وجل مستقيمًا على الانصياع لأمره وسلطانه” اهـ.

ثم في [ص/146] من المصدر نفسه ينسف هذا الكلام ويبطله فيقول: “إذن فقد كرّم الله جنس الإنسان من حيث هو ممثلاً في [بني ءادم] أي بهذا التعبير الشامل العام بقطع النظر عن اللون والمذهب والعرق وإنما عرفه الله بعد ذلك بالدين وأوصاه وأمره بالخضوع لسلطانه ليحمي به كرامته التي متعه الله بها وليكون غذاءً لها وحفاظًا عليها، أي فالدين الحق في حياة الإنسان حصن لكرامته وليس منبعًا لها أو سرًَا لوجودها”.

الرد: إن ما ورد في [ص/117] هو الصحيح وعليه المعوّل لكن للأسف عاد ونسف ذلك وناقضه في [ص/146] فلا أدري ما بدا له وكأنه نسي ما قد كتب سابقًا.

المسئلة السادسة: قوله رب الأسرة.

يقول في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/175]: “كما أننا لا نبحث في مسألة قوامة المنزل والشخص الذي ينبغي أن تكون إليه إدارته والذي يجدر أن يعطي من أجل ذلك لقب: رب الأسرة”.

الرد: كلمة رب الأسرة كلمة مستحدثة معاصرة وفيها مخالفة للشرع صريحة لأن الشخص الحر لا رب له إلا الله، أما لو قال رب البيت لاستقام المعنى لأن الرب معناها في اللغة المالك فهل يقال عنه رب الأسرة بمعنى مالكها، وهل يجوز أن يقول أنا رب زوجتي وأولادي.

ثم إن معنى الأسرة في اللغة غير ذلك المعنى الذي يذهب إليه الناس والبوطي من ورائهم وذلك من طريق التوهم والخطإ. فالأسرة معناها كما قال السيد مرتضى الزبيدي في شرح القاموس: “الأسرة من الرجل الرهط الأدنون وعشيرته لانه يتقوى بهم كما قاله الجوهري، وقال أبو جعفر النحاس: الأسرة بالضم أقارب الرجل من قِبَل أبيه” اهـ.

أما مفهوم الأسرة اليوم هي مجموع الرجل مع زوجته وأولاده وهذا المفهوم خطأ لغة فتأمل.

المسئلة السابعة: الرضى بالكفر.

يقول في كتابه “قضايا فقهية معاصرة” [ص/204] عن الركون للنظام الكفري: “فإن الركون إليه إعلانٌ عن الرضا به والاقتناع بموافقة المخاصم والمعادي للإسلام، وهذا هنا بحد ذاته كبيرة من أخطر الكبائر في دين الله عز وجل هذا إن لم نقل إنه باب من أبواب الكفر”.

ثم كتب على الهامش: “قد يقول بعضهم: أليس هذا الرضا بالنظام المعادي للإسلام في جوهره كفرًا؟ والجواب: إنني اوثر التحفظ في إطلاق أحكام الكفر واتهاماته ما وسعني ذلك وفي مثل هذه المسألة التي قد تكتنفها الاحتمالات حسبي أن أقف عندما هو ثابت ومحقق بدون أي ريب في الحرمة التي قد تجر إلى إثم كبير. أما ما وراء ذلك من الكفر وعدمه فلنرجئه إلى محكمة الله عز وجل”.

الرد: لقد تردد البوطي في هذه المسئلة على الحكم بأن الرضى بالكفر كفر وهذه مسئلة هي محل إجماع، ولا أدري لماذا حكم في مسائل كثيرة بالكفر ولم يرجئها ليوم القيامة كما فعل هنا.

المسئلة الثامنة: يدعي البوطي أن سماع الموسيقى مباشرة حرام وإذا كانت من وراء جدار فهي حلال.

قال في مجلة طبيبك عدد ءاب 1991 في الموسيقى كلامًا عجيبًا من غير دليل: “إن مسألة الموسيقى عمومًا تدخل في باب “ما حرم من أجل غيره”. عندما حرمت الخمر تحريمًا كليًّا بنصوصها القاطعة كانت مجالس الخمرة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمعازف والقيان أي المغنيات من هنا فقد كان لا بد من القضاء على الأجواء التي تذكّر بالخمرة وتثير الحنين إليها ومن أبرزها وأهمها أجواء المعازف والموسيقى.

تلك هي باختصار علة تحريم الشارع للمعازف عزفًا عليها أو إصغاءً إليها أي فالعلة ليست ما قد تحدثه من طربٍ بل ما قد تجر إليه من مجالس الخمر والفسوق، ولذا كانت الآلات الموسيقية المحرمة كل ما كان منها من دأب الفساق وأهل المجون أما غير ذلك فلا، ومن مقتضيات هذه العلة للحكم ما قاله أكثر الفقهاء من أن المحرم إنما هو حضور هذه المجالس فإنها قلما تخلو من الفسوق وأسبابه، أما سماع هذه الآلات دون حضور مجالسها كمن يصغي إليها من وراء جدار أو كمن يسمعها من إذاعةٍ أو ءالة تسجيل فليس في الأمر ما يستدعي الحرمة”.

ثم في ءاخر الإجابة يجيل القارئ إلى باب السماع في كتاب إحياء علوم الدين للاستزادة من التفاصيل.

الرد: أولاً: وبالعودة إلى كتاب السماع لم نجد أثرًا لما ذكره البوطي عن إباحة السماع إلى الموسيقى. وقد رأينا في كتاب السماع من إحياء علوم الدين [2/296]: “فينبغي أن يقاس على صوت العندليب الاصوات الخارجة من سائر الأجسام باختيار الآدمي كالذي يخرج من حلقه أو من القضيب والطبل والدف وغيره. ولا يستثنى من هذه إلا الملاهي والأوتار والمزامير التي ورد الشرع بالمنع منها” اهـ.

ثم ذكر المعلق على قوله [بالمنع منها] قال: حديث المنع من الملاهي والأوتار والمزامير أخرجه البخاري من حديث أبي عامر او أبي مالك الأشعري: “ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الِحِرَ والحرير والمعازف”.

ثم قال الغزالي في الصحيفة نفسها: “فبهذه المعاني حرم المزمار العراقي والأوتار كلها كالعود والصنج والرباب والربط وغيرها، وما عدا ذلك فليس في معناها كشاهين الرعاة والحجيج وشاهين الطبالين وكالطبل والقضيب”.

وقال الغزالي أيضًا [2/307]: “العارض الثاني في الآلة بأن تكون من شعار أهل الترف أو المخنثين وهي المزامير والأوتار وطبل الكوبة فهذه الثلاثة أنواع ممنوعة وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف وإن كان فيه الجلاجل وكالطبل والشاهين والضرب بالقضيب وسائر الآلات”.

إذن الغزالي لم يقل مقالتك على الإطلاق.

وأما قولك عن أكثر الفقهاء من أن المحرم إنما هو حضور هذه المجالس فإنها قلما تخلو من الفسوق وأسبابه، وأما سماع هذه الآلات دون حضور مجالسها كمن يصغي إليها من وراء جدارٍ أو كمن يسمعها من إذاعة أو ءالة تسجيل فليس في الأمر ما يستدعي الحرمة، أي فقهاء يا بوطي قالوا هذا الكلام؟ وأين مصادرك أي التوثيق العلمي.

المسئلة التاسعة: تعبيرٌ قبيح.

يقول البوطي في المجلة المسماة بالتقوى عدد 53 شباط 96 [ص/18]: “لا دواء لذلك سوى أن أربط بين المخلوقات وخالقها”.

أقول: هذا تعبيرٌ قبيحٌ لا يليق بالله تعالى ولو ادعى أنه يقصد المجاز في ذلك فالمجاز له حدود ولا يتأتى من طريق الأهواء.

المسئلة العاشرة: ينسب أفعال الله للأقدار.

فيقول في كتاب “مَمُو زيْن” [ص/9]: “فالحل إذن أن أتفرغ لهذا الذي وجهتني الأقدار إليه” اهـ.

ويقول في “تجربة التربية الإسلامية” [ص/95]: “ولما شاءت الأقدار”.

وقال في كتابه “منهج الحضارة الإسلامية” [ص/205]: “أي فهم ليسوا في الحقيقة أكثر من سياط تجردها الأقدار الإلهية على ظهور أولئك”.

الرد: هذه التعابير العصرية الفاسدة فلا يقال شاء القدر وشاءت الاقدار بل يقال شاء الله وهذا ما عليه التعبير في القرءان والحديث وكلام السلف والخلف، وإن شاء فليرجع إلى نصوصهم.

المسئلة الحادية عشرة: تعابير قبيحة.

[1] يقول في كتابه “هذه مشكلاتهم” في الرد على من يقول ورقة بن نوفل وبحيرة الراهب كانا وراء تعليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول البوطي [ص/36]: “بناءً على هذه الحقيقة الصعبة إن اسم كلٍ من ورقة بن نوفل وبحيرة الراهب ليس إلا اسمًا مستعارًا لله عز وجل”.

أقول: هذا التعبير قبيحٌ جدًا، ولو قصد البوطي الاستهزاء بمن قال فأسلوب السخرية والاستهزاء لا يكون بسوء التعبير فبدلاً من أن تستهزئ بهم تصير محطًا للسخرية والاستهزاء.

[2] ثم يقول البوطي في [ص/198] من المصدر نفسه في الموضوع نفسه: “إن على أبي موسى إذا كان يرى أن هذا القرءان من سنع عثمان أن يحل هذه المشكلة بطريقةٍ ما، وليس ثمة إلا طريقة واحدة وهي أن يثبت لنا أن عثمان هذا إله وخالق لا بشر من الناس، كما قد استقر في أذهاننا عامة الناس، أما إن ترجح لديه أنه من صنع المعلم ورقة فما عليه إلا أن يثبت لنا أن ورقة هذا رب وإله للعالمين”.

أقول: وهذا التعبير أكثر قبحًا من سابقه ولو كان القصد التعجيز والسخرية فهذا لا يليق أدبًا ولا يقبل كرد على متهجمٍ على الإسلام.

[3] ويجعل الله مصدرًا بزعمه في كتابه “هذه مشكلاتهم” [ص/51] يقول: “إن مصدر كل من النظام التكويني والنظام التشريعي واحدٌ وهو الله عز وجل”.

أقول: هذا تعبيرٌ فاسدٌ.

[4] ومن تعابيره الفاسدة يقول في كتابه “من الفكر والقلب” [ص/19] عن بعض الملحدين: “وقد تحرروا من قيود الإسلام وجموده”.

هكذا ذكرها مطلقة وكان عليه أن يذكر القيد حتى يَسلم كأن يقول: وقد تحرروا من قيود الإسلام وجموده بزعمهم.

[5] ومن تعابيره الفاسدة ما ذكره في كتابه “منهج الحضارة الإنسانية” [ص/61]: “لذلك الإله المزيف الذي يحكم اليوم ربوع الغرب بأسرها إله المادة واللذة”.

أقول: لا يجوز استعمال عبارة الإله عن غير الله تعالى إلا بقيد احترازي يفهم من السخرية والاستهزاء أو بزعمك، وقد جاء في القرءان الكريم مع التقييد في قوله تعالى: {أفَرَءيتَ مَن اتَّخذَ إلهَهُ هواهُ} [سورة الجاثية/23] أي ما يعبده من دون الله بغير حق، قال الفيومي اللغوي في المصباح: “والإله المعبود وهو الله سبحانه وتعالى ثم استعاره المشركون لما عبدوه من دون الله تعالى”.

[6] ويقول في كتابه “الإسلام ملاذ كل المجتمعات الإنسانية” [ص/89]: “إن هذا الكلام لا يعني إلا أنهم اكتشفوا أن العلم هو من دون الله إله كل شيء وخالقه. فحريّ بالعالم إذن أن يتقمص هذه الألوهية وأن يمارس سلطان الربوبية في الكون”.

أقول: هذا الكلام خبيثٌ جدًا لأن فيه دعوة العالم إلى تقمص الالوهية كما زعم وأن يمارس سلطان الربوبية، والدعوة إلى الكفر كفر.

[7] ويقول في كتابه المسمى “الإنسان مسير أم مخير” [ص/31]: “بالطفل الذي ينشأ في أسرة غير معنية بوجود الله” اهـ.

أقول: وهل يوجد أسرة في الدنيا غير معنيةٍ بوجود الله، فالمعني أي المكلف هنا إلا إذا كان شخصٌ يعيش في بعض المجاهل ولم يبلغه أصل الدعوة فهذا ليس مكلفًا كأن لم يسمع أنه ظهر نبي يسمى محمدًا ولم يسمع بالإسلام ولا بالأذان ولا بالشهادتين”.

[8] ومن التعابير البشعة التي في كتابه “كبرى اليقينيات” [ص/51] ونص عبارته: “وجاز لهم أن يجعلوا منه عليه الصلاة والسلام أعظم كاذبٍ” اهـ.

قلت: فهذا التعبير سئ ولا يليق بمنصب النبوة، وكان عليه أن يقول حتى يَسلم: لزعموا أنه جاز لهم كذا وكذا.

[9] ومن أقبح ما ذكر البوطي في كتابه “من روائع القرءان” [ص/207] يقول: “فحلمتَ أنك تسمر في مجلس المتنبي مسيلمة الكذاب وعن يمينه النبيّة سجاح، وأخذت تسمع القرءان [3] كل منهما حتى استفزك الطرب وتملكتك النشوة من جمال ما تسمع فصحوت وقد انطبع قلاءانهما الكريم في خيالك”.

هكذا يترك البوطي الكلام على عواهنه من غير قيدٍ فيزل الزلة تلو الأخرى فيسمي سجّاح نبيّة والعياذ بالله. ثم يعود ويزل فيقول عما قالاه قرءان كريم وهذا خطرٌ كبير وشر مستطير.

[11] ومن تعبيراته السيئة يسمي الكائن المنوي بتسمية الحيوان المنوي وذلك في غير موضع منها كتابه “مسئلة تحديد النسل” [ص/38]، وكذلك في [ص/83] من المصدر نفسه يقول: “حيث تكون ءالاف الحيوانات المنوية”.

الجواب: ولا يخفى على البصير أن هذا التعبير فاسد ولا يجوز أن يوصف هذا الكائن بأنه حيوان لان الحيوان بالمفهوم الشرعي واللغوي هو كل ذي روح، فلو أن هذا الكائن كان ذا روح فما معنى أن يرسل إليه الملك بعد أربعة أشهرٍ من الحمل وينفخ فيه الروح، فهل تلتبس فيه روحان أم هي روح واحدة؟ ولا يغرنك ما تراه من حركة في المجهر لأن هذا تموج وليس حركة روح وإنما نموه في الرحم ليس نموًا حيوانيًا بادئ ذي بدئٍ بل هو نمو أشبه ما يكون بنمو النبات حتى ينفخ فيه الروح، لكن النبات لا روح فيه بالإجماع.

[11] ومن مساوئ التعبير عنده يقول في كتابه المسمى “الإنسان مسير أم مخيّر” [ص/154]: “يتدخل الله”.

قلت: وهذه عبارة فيها ما فيها مما لا يليق بالله لأن التدخل من صفات البشر.

[12] ومن تعبيراته الفاضحة والفادحة يقول في كتاب “كبرى اليقينيات” [ص/238]: “حوادث لا حدود لها”.

قلت: نحن نعلم أن الذي لا حد له هو الله قال تعالى: {وكلُّ شيءٍ عندهُ بمقدار} [سورة الرعد/8] معناه الله تعالى خلق كل شيء على مقدار معين. فمن أين أتى البوطي بهذا القول ولعله يقلد حبيبه ابن تيمية الذي قال بحوادث لا أول لها.

المسئلة الثانية عشرة: “يزعم البوطي أن الله ألزم نفسه بأشياء فيقول في كتابه “منهاج الحضارة الإنسانية” [ص/205]: “ثم إنه ألزم نفسه”، ويقول في مجلة طبيبك [ص/109]: “فإن الله عز وجل ألزم ذاته العلية المغفرة والعفو”.

أقول: هذا قلد فيه البوطي بعض أهل العصر، ويقال وعد ولا يقال ألزم، فهذا لا يليق بالخالق وهي كفرٌ، يقال وعد وعدًا ينجزه ولا يخلفه لأن الخالق يُلزِم ولا يُلزَم قال تعالى: {واللهُ غالِبٌ على أمره} [سورة يوسف/21].

المسئلة الثالثة عشرة: يزعم أن الصديقين أفضل من خواص الملائكة فيقول في كتابه “كبرى اليقينيات” [ص/246]: “جمهور أهل السنة والجماعة أن خواص البشر من الأنبياء والصديقين أفضل من خواص الملائكة”.

أقول: إن ما عليه أهل السنة والجماعة أن الأنبياء هم أفضل الخلق ثم خواص الملائكة ثم أولياء البشر.

المسئلة الرابعة عشرة: يتناقض البوطي مع نفسه فيقول في كتابه “المرأة” [ص/72]: “ومن المعلوم أن هذه البيعة عمل سياسي لا واجبٌ ديني”، ثم يقول في الصحيفة ذاتها: “إذن فبيعة أفراد الأمة أو الشعب لرئيس الدولة أداء لمهمةٍ سياسيةٍ يُلزم بها الدّين بدءًا من المبايعة التي تمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ومرورًا بمبايعة سائر الخلفاء والحكام من بعده إلى يومنا هذا”.

فأقول: أنظر إلى هذا لاتناقض، أولاً قال إن هذه البيعة عمل سياسي لا واجب ديني، ثم قال عنها أداء لمهمة سياسيةٍ يلزم بها الدين، فتأمل أيها القارئ يرحمك الله.

المسئلة الخامسة عشرة: مسئلة في الدعاء.

في كتابه “فقه السيرة” [ص/395]: “ومن ثم فإن الدعاء من المسلمين لا ينبغي أن يتجه إلى غيرهم إلا بالهداية والإصلاح”.

أقول: هذا الكلام بهذا التعبير غير سليم لأن قدوتنا في الامر هو النبي عليه الصلاة والسلام، ولو كان الأمر كذلك لامرنا لكن ورد في الحديث: “اللهم عليك بقريش” رواه البخاري [4]، وروى أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اللهم العن فلانًا” [5].

وورد “لعن الله كسرى” رواه أحمد [6]، وورد “لعن الله لحيانًا ورعلاً وذكوانًا” رواه أحمد [7]، وورد: “لعن الله الملوك الأربعة” رواه أحمد [8]، وورد “اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العم صفوان بن أمية” رواه الترمذي [9]، وورد “اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة” رواه أحمد [10]، وورد: “اللهم العن فلانًا وفلانًا وفلانًا” رواه البخاري [11].

وقد نقل ابن الجوزي أن الإمام أحمد أجاز لعن يزيد، واشتراط من اشترط في جواز لعن المسلم العاصي العلم بموته كافرًا غير سديد لحديث مسلم [12]: “أيما رجل مسلم سببته أو جلدته أو لعنته اللهم اجعل ذلك قربة له تقربه بها” ففيه التصريح بأن الرسول لعن بعض المسلمين، ويشهد لذلك أيضًا حديث: “أيما امرأة باتت وزوجها ساخط عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح” وهو من الصحاح المشاهير [13]. فقول بعض الشافعية: لا يجوز لعن المسلم اللعين لا يقوم عليه دليل. ومن الحفاظ المتأخرين من لعن من ينتسب إلى الإسلام بالتعيين وهو الحافظ السبكي في كتابه السيف الصقيل الذي رد فيهخ على ابن قيم الجوزية ولعنه في أكثر من موضع، وقد لعنه من غير أن يعلم موته على الكفر لأن ابن قيم الجوزية مجسم ويشنع على أهل التنزيه.

المسئلة السادسة عشرة: يُحرّم الحقد مطلقًا ويرى أن الغضب لله معناه الشفقة فيقول في كتابه “فقه السيرة” [ص/234]: “فالمسلم منهي عن أن يحقد على أحدٍ من الناس”، ويقول في [ص/235]: “والغضب لله ليس في حقيقته إلا نتيجة شفقةٍ على العاصي أو الكافر المستحق لذلك”.

الرد: أولاً: على قول البوطي يحرم علينا أن نحقد على العدو الصهيوني لأن البوطي يزعم أن المسلم منهيٌّ عن أن يحقد على أحدٍ من الناس، فلا أدري من أين جاء بهذا الحكم العجيب، وأين النص بالنهي على زعمك؟‍

ثانيًا: من قال إن الغضب لله ليس في حقيقته إلا نتيجة شفقة على العاصي أو الكافر المستحق لذلك؟‍‍

فهل يقول لنا البوطي لما غضب سيدنا موسى على قارون ألم يقل: “يا أرض خذيه” [14]، ألم يدعو عليه بالخسف، فأين الشفقة في غضبه لله، وكذلك دعاء سائر الأنبياء والاولياء على الكفار والأعداء فأين وجه الشفقة في كل ذلك؟

الهوامش:

[1] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب أخبار الآحاد: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق.

[2] لعل اصل عبارة البوطي: “جعله يحرم الإقدام”.

[3] لعل أصل عبارة البوطي: “قرءان”.

[4] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوضوء: باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر.

[5] مسند أحمد [2/93].

[6] مسند أحمد [2/513].

[7] مسند أحمد [4/57].

[8] مسند أحمد [4/387].

[9] سنن الترمذي: كتاب تفسير القرءان، باب تفسير سورة ءال عمران.

[10] مسند أحمد [6/260].

[11] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المغازي: باب {ليس كمثله شيء}.

[12] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة والآداب: باب من لعنه النبي أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة.

[13] أخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب إقامة الصلاة: باب من أمّ قومًا وهم له كارهون.

[14] أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس. أنظر فتح الباري [6/448-449].