البوطي يقدم ما يزعم أنه علمٌ على القرءان

البوطي يقدم ما يزعم أنه علمٌ على القرءان

يقول البوطي في كتابه المسمى “الإسلام ملاذ كل المجتمعات الإنسانية” [ص/80]: “فالقرءان يقرر بوضوح أن على الإنسان أن لا يخضع ذاته لأي تبعية فكرية أو اعتقادية أيًّا كانت، إلا بعد أن يتأكذ من توقيع الحقيقة العلمية عليها، وبعد أن يتأمل فيتأكد أنه ليس توقيعًا مزيفًا ملصقًا بها، وانطلاقًا من هذا الحكم فإنه يرفض من الإنسان حتى اعتناق الإسلام نفسه إلا إذا أقيم على أساس متين من هذه البينة العلمية الحرة”. ويقول في كتابه “هذه مشكلاتهم” [ص/32]: “ولا نشك أيضًا في أن محمدًا رسول الله ولم يكذب على الله فيما أخبر أو نقل عرفنا ذلك بعد دراسات نقدية وعلمية تامة”.

ويقول في [ص/115] من كتابه المسمى “الإسلام ملاذ كل المجتمعات الإنسانية”: “وإنني لأقول إذا ثبا بالبرهان العلمي أن شيئًا من هذه المعلومات تتنافى مع قرار القرءان بأن الناس انحدروا من أي أعلى لهم اسمه ءادم وبأن الله شكّله بادئ ذي بدء من طين مشوي ثم نفخ فيه من روحه والله أعلم بكيفية كل ذلك ودقائق تفصيله، فإنني على استعداد للتخلي عن هذه النصوص ولسوف انقض منها كلاً من يدي وعقلي دون أن أخادع نفسي بمجاملتها عن طريق التغيير والتأويل” اهـ.

ويقول في [ص/122] من المصدر ذاته: “كيف لا وإن إيماننا بالقرءان ذاته لا يجوز أن ينهض إلا على البراهين العلمية القاطعة بل كيف لا وإن القرءان ذاته يهيب بنا أن لا نعتقد إلا ما صدقت عليه الحقيقة العلمية الثابتة”.

ويقول في مجلة الوهج حزيران 1995 [ص/36]: “عندما يتعارض نص قرءاني واضح مع قرار علمي واضح فأنا أقول: لا نؤول القرءان بل نترك القرءان ونأخذ بالقرار العلمي”.

ثم قال البوطي في المصدر نفسه: “إذا تعارض الدين والعلم فأنا أقول خذوا العلم واتركوا الدين”.

ويقول في [ص/29] من كتابه “هذه مشكلاتهم”: “وهل من إشكال أن يضع أحدنا القرءان تحت مجهر البحث والنقد العلميين”.

وقال في كتابه “الإسلام ملاذ كل المجتمعات الإنسانية” [ص/116]: “فأنا لم أستيقن شيئًا مما انطوى عليه صريح كتاب الله تعالى وسنة رسوله الصحيحة الثابتة إلا بعدما أن استوثقت من بصمات الحقائق العلمية الثابتة على كل ذلك، وإنني لعلى يقين بأن كل ما قد يتصف به الدين من القدسية والسمو إنما ينبثق من البراهين العلمية التي ينهض عليها، فإذا انكشف الواقع اليقيني عن خلاف ذلك فإن كل ما يقال عندئذ عم سموه وقدسيته لا يعدو أن يكون زيفًا وتمويهًا” اهـ.

وقال في مجلة طبيبك عدد تشرين الثاني 1991 ردًّا على سؤال: “أما إن فرضنا أن هذا الذي خرج من الفرج إنما هو مني فيجب الاغتسال منه إن برز كما قلنا إلى الخارج لصريح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان وقد جاءته امرأة تسأله هل على المرأة من غسل إن هي احتلمت: “نعم إذا رأت الماء”. ونلاحظ في قوله عليه الصلاة والسلام: “إن رأت الماء” توقفًا أو تحفظًا في احتمال إن رأت المرأة ماء كالرجل، ولعل المرجع في ذلك هو الطب والمتخصصون فيه، وقرار الأطباء إلى اليوم أن المرأة لا ترى في الاحتلام وغيره ماء كالذي يراه الرجل إن هو إلا رطوبة يفرزها المهبل” اهـ.

الرد: أقول: يحاول البوطي من خلال كلامه بالتلميح أن ينفي أن المرأة ترى الماء ثم يقول لعل المرجع في ذلك هو الطب لأنه يريد أن يساير ما يسميه علمًا وأنه مقدم عنده على القرءان والدين، ذلك لأن الذي يسميه علمًا ينكر أن المرأة ترى الماء وإنما عندهم الجنين ينعقد من ماء الرجل ومن بويضة المرأة ولا يعترفون بالنصوص القرءانية مطلقًا في هذا الموضوع. فهنا نريد أن نسأل البوطي هل أنت مع نص القرءان الكريم: {فلينظُرِ الإنسانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ من ماءٍ دافقٍ* يخرُجُ من بينِ الصُّلبِ والترائبِ} [سورة الطارق/5-6-7]، أم أنت مع ما تسميه بالحقائق العلمية التي تقول لا ماء لا من الترائب ولا من غيرها بل هي البويضة؟؟؟

وأنك لو تتبعت روايات الحديث يا دكتور لما قلت الذي قلته عن استبعاد رؤية المرأة للماء.

فقد روى الحميدي [1] عن أم سلمة مرفوعًا: “إذا رأت إحداكن الماء فلتغتسل”، ولمسلم [2] من رواية وكيف عن هشام فقالت لها: يا أم سُليم فضحت النساء، وكذا لأحمد من حديث أم سليم، قال الحافظ ابن حجر في الفتح [3]: “وهذا يدل على أن كتمان مثل ذلك من عادتهن لأنه يدل على شدة شهوتهن للرجال، وقال ابن بطال: فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن، وعكسه غيره فقال فيه دليل على أن بعض النساء لا يحتلمن، والظاهر أن مراد ابن بطال الجواز لا الوقوع أي فيهن قابلية ذلك” اهـ. وثم قال الحافظ: “قد روى أحمد من حديث أم سُليم في هذه القصة أن أم سلمة قالت: يا رسول الله وهل للمرأة ماء؟ فقال: “هم شقائق الرجال”، وروى عبد الرزاق في هذه القصة: “إذا رأت إحداكن الماء كما يراه الرجل”، وروى أحمد من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة: “ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل” انتهى كلام الحافظ.

فهل بعد هذه الروايات يقال لعل المرجع في هذا الطب.

ثم نقول للبوطي: ما هو مقصودك بالعلم الذي تلهج به دائمًا، فإن كان مقصودك العلم الشرعي فكلامك متناقض لأن هذا العلم أهم مصادره القرءان فهل ترد الأصل بالفرع، وإن كان مقصودك بالعلم هو هذا الذي يسمونه العلم العصري فهذا المسمى بالعلم العصري لا يعترف بطريقة خلق ءادم كما جاء بها القرءان، إذًا فمن تصدق؟ وقل لنا: هل يعترف هذا الذي يسمى العلم الذي تشد أزرك به بالجنة والنار والجن والملائكة والسموات السبع والأرضين السبع والعرش والكرسي واللوح والقلم والإسراء والمعراج والمعجزات إلخ…

ألا تخجل من قولك: “عندما يتعارض نصّ قرءاني واضح مع قرار علمي واضح فأنا أقول لا نؤول القرءان بل نترك القرءان ونأخذ بالقرار العلمي”، ألا تخجل من قولك: “إذا تعارض الدين والعلم فأنا أقول خذوا العلم واتركوا الدين”.

ماذا يضيرك لو أجبت: أن العلم الصحيح لا يتناقض مع القرءان؟ ماذا يؤثر عليك لو قلت إن البراهين العلمية الثابتة باليقين لا تتعارض مع الدين؟ إلى هذا الحد تخاف من الملحدين حتى أقحموك في مثل هذه المزالق.

ثب إلى رشدك وعد إلى الحق واتق الله وارجع قبل أن تنزل في القبر.

وأحب أخيرًا أن أنشر ردًّا على البوطي في هذه المسئلة حيث يقول علد الخالق عبد الله في مجلة الوهج [ص/36] عدد حزيران 1995 : “إنما المصيبة العظمى عندما ينطلق هذا الكلام من عالم وثقت الأمة به وبعلمه وارتمى الشباب في أحضانه واطمأنوا إلى أفكاره فإذا هو يطالع الأمة بما يفسد عليها عقيدتها ويبطل عليها اعتقادها بنبيها.

نعم طيلة الاسبوع بكامله وأنا أواجه بأسئلة ومناقشات حول تلك المحاضرة التي ألقاها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي على أجهزة الإعلام المرئية والمشاهدة على التلفزيون حيث يقول الدكتور البوطي بالحرف الواحد “عندما يتعارض نص قرءاني واضح مع قرار علمي واضح فأنا أقول لا نؤول القرءان بل نترك القرءان ونأخذ بالقرار العلمي، يعني عندما تتعارض ءاية قرءانية واضحة نزل بها الأمين جبريل عليه الصلاة والسلام على السيد الجليل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فتلقاها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحفظوها وركزوا دعائم الإسلام على وجه الارض وأخضعوا الأمبراطوريتين وكونوا المملكة الإسلامية العظيمة التي حكمت ثلاثة أرباع العالم، إذا تعارض مع قرار علمي ثابت يقول عن نفسه الدكتور: أنا أقول لا نؤول القرءان بل نترك القرءان ونأخذ بالقرار العلمي. ثم قال الدكتور أيضًا: “إذا تعارض الدين والعلم فأنا أقول خذوا العلم واتركوا الدين” يقولها وللا خجل بالحرف الواحد. ثم قال ولبئس ما قال: “لاحظوا عبارات التأنيب الموجهة إلى محمد” في تعليقه على سورة [عبسَ وتولَّى* أن جاءَهُ الأعمى* وما يُدريكَ لعلَّهُ يَزَّكَّى* أو يذَّكَّرُ فتنفعه الذكرى} [سورة عبس/1-2-3-4]، إن الطعن أيها الأخوة أصاب صميم القلب. هكذا بهذه السهولة إذا تعارض العلم والدين خذوا العلم واتركوا الدين أعادها ثلاث مرات. أبهذه البساطة، وبهذه السهولة يا دكتور؟ أن كثيرًا من الناس تركوا الدين من زمان قبل أن تصدر فتواك فزدت الطين بلة” اهـ.

ثم تابع كلامه رادًَّا على البوطي فقال: “محاضر فرنسي يقول للطلبة: لقد أثبت العلماء قبلي حقيقة علمية أن الجنين يتكون منه أولاً اللحم ثم تنبت العظام في اللحم إن هذا أمر باطل، قيل له: ولم ذاك وقد جرى عليه العمل عند جميع الأطباء قبلك؟ قال: لأنني توصلت بنفسي إلى حقيقة تضرب تلك الحقائق العلمية السابقة ذلك إن الجنين أول ما يتكون منه العظام ثم اللحم قيما بعد العظام وإذا بطالب مسلم يرفع يده ليقول: هذه الحقيقة العلمية أتانا بها القرءان العظيم منذ 14 قرنًا، فقال المحاضر: إن هذا مستحيل، وأخرج الطالب مصحفًا من جيبه وقرأ: {ولقد خلقنا الإنسانَ من سُلالةٍ من طيب* ثمَّ جعلناهُ نُطفةً في قرارٍ مكينٍ* ثمَّ خلقنا النُّطفةَ عَلَقَةً فخلقنا العلقةَ مُضغةً فخلقنا المضغة عِظامًا فكسَونا العظامَ لحمًا ثمَّ أنشأناهُ خلْقًا ءاخرَ فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقين} [سورة المؤمنون/12-13-14]، ألم تكن هذه الحقيقة ضربت الحقيقة التي قبلها. إذا تعارض العلم والدين يقول بالحرف: اتركوا الدين وخذوا العلم، أي علم هذا يضرب الدين في صميم قلبه وفؤاده، ثم يقول: ولا نتعب أنفسنا لأن هذا الافتراض لن يكون: إذًا فلم تفترض حتى تشوش على الشباب عقيدتهم، إذًا ولماذا تفرضها وتقولها ولماذا تنطق بها؟ فإذا افترضتها أيها الأستاذ الجليل فإننا نقول لك: إذا صح هذا الافتراض نترك العلم ونأخذ بالدين لا نشوش على الشباب عقديتهم وأفكارهم. ثم تقول إن ءايات التأنيب أنب الله نبيه إذا كان نبينا {وما ينطِقُ عن الهوى* إن هو إلا وحيٌ يوحى* علَّمهُ شديدُ القُوى* ذو مِرَّةٍ فاستوى} [سورة النجم/3-4-5-6] لقد أعدت هذا الكلام يا دكتور في عدة مؤلفات” اهـ.

وأخيرًا: نريد أن نسأل البوطي هذا السؤال لماذا لم يقل البوطي للملحد الذي سأله إذا تعارض القرءان والعلم فماذا نقدم؟

لماذا لم يقل له إن العلم والقرءان لا يتناقضان وهذا مستحيل، وهي إجابة مفحمة لا تحتاج إلى تعسف ولا تكلف. على أنه لا يجوز تسمية ما يخالف القرءان علمًا لأن في ذلك أن القرءان ليس علمًا.

نقول للبوطي: هذا هو الثابت في قلب كل مؤمن، ومَن ظن خلاف هذا فقال ما قاله محمد سعيد البوطي فهو كفر وعناد، فماذا بعد الحق إلا الضلال. كل مؤمن من الخواص أو العوام يعتقد أن القرءان هو الحق الثابت الذي لا يخالف الواقع، فما قاله محمد سعيد البوطي ردة وكفر يجب عليه الرجوع من هذه الكلمة كلمة الردة التي إذا صدرت من مسلم كان عليه أن يرجع إلى الإسلام بما يرجع به من ارتد وهو الرجوع عن ذلك والنطق بالشهادتين، ويجب على قائل تلك الكلمات أن ينصح الذين بلغهم كلامه هذا بأن لا يعتقدوا هذا، ومن اعتقد هذا يجب عليه الرجوع إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين.

هذه النصيحة التي يؤديها من لا يخاف في الله لومة لائم. نحن من هنا ما قلنا إنك قلت هذا إنما قلنا في كتابك هي مذكورة ومن قالها فهو مرتد يجب عليه الرجوع إلى الإسلام، وكيف يستجيز مسلم أن يقول عما خالف القرءان إنه حقيقة علمية، وأي حقيقة علمية تخالف القرءان بل القرءان هو الميزان الفاصل بين ما يوافق الوافع وبين ما لا يوافق.

الهوامش:

[1] أخرجه الحميدي في مسنده [1/143].

[2] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحيض: باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها.

[3] فتح الباري [1/389].