البوطي يمتدح رأس التطرف في القرن العشرين سيد قطب ويمتدح تفسيره المسمى في ظلال القرءان، المحشو بالانحراف وينصح القراء بقراءة كتبه

البوطي يمتدح رأس التطرف في القرن العشرين سيد قطب ويمتدح تفسيره المسمى في ظلال القرءان، المحشو بالانحراف وينصح القراء بقراءة كتبه

يقول البوطي في كتابه “من روائع القرءان” [ص/162]: “أما سيد قطب رجمه الله فقد عالج نواحي خاصة في إعجاز القرءان فأبدع فيها وأجاد، ومن خير ءاثاره في ذلك التصوير الفني في القرءان، ومشاهد يوم القيامة في القرءان، هذا إلى جانب تفسيره العظيم في ظلال القرءان”اهـ.

ويقول في [ص/170] من المصدر ذاته ممتدحًا سيد قطب: “ورأيت الكتاب والإنسان الكبير سيد قطب رحمه الله” اهـ.

وفي هذا الكتاب وفي أكثر من موضع يطلب البوطي من القراء مراجعة كتب سيد قطب.

الرد: إن البوطي مفتون برأس التطرف في القرن العشرين سيد قطب ولذلك هو متأثر ببعض عباراته حيث يسمي الله تعالى [بالريشة] اقتداءً بسيد قطب، لأنه لم يسبق سيد قطب أحدٌ في مثل هذه التعابير الفاسدة. ثم ألم يشاهد البوطي بذور التطرف التي بذرها سيد قطب وأتباعه في العالمَين العربي والإسلامي ولا سيما في سورية، فشلالات الدماء التي سالت في سورية من سببها أليس سيد قطب هو إمامهم بلا منازع وكتبه هي قوانينهم ونواميسهم وقواميسهم.

ثم اعلم أيها القارئ أنه اتفق السلف والخلف على أن العلم الديني لا يؤخذ بالمطالعة من الكتب، بل بالتعلم من عارف ثقة أخذ عن مثله إلى الصحابة، قال الحافظ أبو بكر البغدادي: “لا يؤخذ العلم إلا من أفواه العلماء”، وقال بعض السلف: الذي يأخذ الحديث من الكتب يسمى صحفيًا، والذي يأخذ القرءان من المصحف يسمى مصحفيًا ولا يسمى قارئًا، وهذا مأخوذ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين” رواه الطبراني [1].

ومن هؤلاء “سيد قطب” فإنه لم يسبق له أن جثا بين يدي العلماء للتعلم، ولا قرأ عليهم ولا شم رائحة العلم، فقد كان في أول أمره صحفيًا ماركسيًا، ثم انخرط بعد ذلك في حزب الإخوان فصدّروه، فأقدم على التأليف فزلّ وضلّ، ومن وقف على كتبه وكان من أهل الفهم والتمييز وجدها محشوة بالفتاوى التي ما أنزل الله بها من سلطان، وعلم أنها تنادي بجهله وهي كثيرة جدًا منها:

أنه يسمي الله بالريشة المعجزة، وبالريشة الخالقة والمبدعة وذلك في مواضع عدة من كتابه: “التصوير الفني في القرءان” وغيره، ويسمي الله بالعقل المدبر في تفسير سورة النبأ، وهذا مما لا يخفى أنه إلحاد قال تعالى: {وللهِ الأسماءُ الحُسنى فادعُوهُ بها وذَروا الذينَ يُلْحِدونَ في أسمائِهِ} [سورة الأعراف/180]، وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة: “ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر”.

ويعبّر سيد قطب في كثير من المواضع في كتابه المسمى “في ظلال القرءان” عن الآيات القرءانية بأنها قطعة موسيقية لها أداء وإيقاع، ولها موسيقى متموجة عريضة، ونحو ذلك.

ثم إنه يقرر في كتابه المسمى: “في ظلال القرءان” أنه لا وجود للمسلمين على الأرض طالما يحكم الحكام بغير الشرع ولو في مسائل صغيرة، يذكر ذلك في المجلد الأول الصحيفة [590] فيقول: “فليس هناك دين للناس إذا لم يتلقوا في شئون حياتهم كلها من الله وحده، وليس هناك إسلام إذا هم تلقوا في أي أمر من هذه الأمور جلّ أو حقر من مصدر ءاخر، إنما يكون الشرك أو الكفر وتكون الجاهلية التي جاء الإسلام ليقتلع جذورها من حياة الناس” اهـ. ثم يكفّر كل من حكم بغير الشرع على الإطلاق ولو في مسئلة صغيرة من غير تفصيل مفسرًا قوله تعالى: {ومَن لَّمْ يَحْكُم بما أنزلَ اللهُ فأولئكَ همُ الكافرون} [سورة المائدة/44] على ظاهره، جاهلاً أو مكابرًا أن السلف ومن بعدهم أوّلوا هذه الآية كما ثبت ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القراء، والبراء بن عازب رضي الله عنه، ذكر القرطبي في كتابه” “الجامع لأحكام القرءان” [2] في تفسير هذه الآية ما نصه: “نزلت كلها في الكفار، ثبت ذلك في صحيح مسلم [3] من حديث البراء، وعلى هذا المعظم، فأما المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة، وقيل: فيه إضمار، أي ومن لم يحكم بما أنزل الله ردًّا للقراءن وجحودًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر، قاله ابن عباس ومجاهد، فالآية عامة على هذا. قال ابن مسعود والحسن: هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار أي معتقدًا ذلك ومستحلاً له، فأما من فعل ذلم وهو معتقد أنه مرتكب محرَّم فهو من فساق المسلمين، وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، إلا أن الشعبي قال: هي في اليهود خاصة، واختاره النحاس، قال: ويدل على ذلك ثلاثة أشياء منها: أن اليهود قد ذُكروا قبل هذا في قوله: {للذين هادوا} [سورة المائدة/44] فعاد الضمير عليهم، ومنها/ أن سياق الكلام يدل على ذلك، ألا ترى أن بعد {وكتبنا عليهم} [سورة المائدة/45] فهذا الضمير لليهود بإجماع، وأيضًا فإنّ اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقصاص.

فإن قال قائل: “مَنْ” إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلا أن يقع دليل على تخصيصها، قيل له: “مَنْ” هنا بمعنى الذي مع ما ذكرناه مع الأدلة، والتقدير: واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، فهذا من أحسن ما قيل في هذا. ويروى أن حُذيفة سئل عن هذه الآيات أهي في بني إسرائيل؟ قال: نعم، هن فيهم. وقال طاووس وغيره: ليس بكفر ينقل عن الملة ولكنه كفر دون كفر، وهذا يختلف إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوًى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين، قال القُشيري: ومذهب الخوارج أن من ارتشى وحكم بغير حكم الله فهو كافر”. انتهى كلام القرطبي.

وذكر نحوه الخازن في تفسيره [4] وزاد عليه: “وقال مجاهد في هذه الآيات الثلاث: “من ترك الحكم بما أنزل الله ردًّا لكتاب الله فهو كافر، ظالم، فاسق. وقال عكرمة: ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به فقد كفر، ومن أقرَّ به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق. وهذا قول ابن عباس أيضًا. وقال طاووس: قلت لابن عباس: أكافر من لم يحكم بما أنزل الله؟ فقال: به كفر، وليس بكفر ينقل عن الملة كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ونحوُ هذا روي عن عطاء قال: هو كفر دون كفر” اهـ.

فقد حسم حبر الأمة عبد الله بن عباس الموضوع بتفسير موجز مفيد، فقد أخرج الحاكم وصححه [5] ووافقه الذهبي، واخرج البيهقي في سننه [6] وغيرهما عنه في الآيات الثلاث المذكورة أنه قال: “إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفرًا ينقل عن الملة، {ومَن لم يحكُمْ بما أنزلَ اللهُ فأولئكَ همُ الكافرون} كفر دون كفر” اهـ. ومعنى: “كفر دون كفر” أي ذنب كبير يشبه الكفر في الفظاعة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر” [7]، وقد وقع القتال بين المؤمنين منذ أيام علي رضي الله عنه ولا يزال يحدث إلى الآن قال تعالى: {وإن طائِفتانِ منَ المؤمنينَ اقتتلوا} [سورة الحجرات/9].

ثم إن كلام سيد قطب هو عين مذهب الخوارج القائلين بأن الظلم والفسق هو كفر يُخلد في النار، أيضًا إطلاق قوله بتكفير من حكم بغير الشرع من غير تفصيل فيه تكفير لكثير من الحكام الذين توالوا على الخلافة الإسلامية، سواء كانوا من بني أمية أو بني العباس أو بني عثمان، فإنهم حكموا بأن جعلوا الخلافة ملكًا يتوارثونه، وهذا يبطل دعوى سيد قطب في كتابه المسمى “في ظلال القرءان”، فهو أولاً يرد التأويل في هذه الآية وكأنه بلغ ما قج بلغه ترجمان القرءان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وغيره من الصحابة والتابعين، فهو لا يتردد في كتابه هذا عن إطلاق النكير على العلماء من السلف والخلف، فهو يقول في المجلد الثاني/898 منه ما نصه: “والتأويل والتأول في مثل هذا الحكم لا يعني إلا محاولة تحريف الكلم عن مواضعه”، فقد أداه جهله إلى هذا الاتهام الباطل لعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وسعيد بن جبير والحسن البصري وغيرهم من السلف والخلف، إلى أن جعلهم محرفين لكتاب الله كما فقعلت علماء اليهود.

والعجب أن هذا الكتاب يروج ويباع في البلاد الإسلامية وهو لم يدع فردًا من البشرية إلا وقد رماه بالردة حتى المؤذنين في المشارق والمغارب لأنهم لم يثروروا على رؤسائهم الذين يحكمون بغير الشرع فيقول في المجلد الثاني/1057 ما نصه: “فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم…”، ثم يقول: “إلا أن البشرية عادت إلى الجاعلية وارتدت عن لا إله إلا الله، فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية ولم تَعُدْ توحد الله، وتخلص له الولاء…”، ثم يتابع فيقول: “البشرية بجملتها بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله بلا مدلول ولا واقع، وهؤلاء أثقل إثمًا وأشد عذابًا يوم القيامة لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد”. اهـ.

ثم يذكر سيد قطب في المجلد الثاني/841 أن من حكم ولو في مسئلة جزئية بغير الشرع فهو خارج عن الدين، وبعدها في صحيفة/940 يذكر أن الذين يقولون إنهم مسلمون ولا يقيمون ما أُنزل إليهم من ربهم هم كأهل الكتاب هؤلاء ليسوا على شئ كذلك. ثم يكفّر من يحكم بغير الشرع إطلاقًا ولو في قضية واحدة في المجلد الثاني/972 فيقول: “والإسلام منهج للحياة كلها من اتبعه كله فهو مؤمن وفي دين الله، ومن اتبع غيره ولو في حكم واحد فقد رفض الإيمان واعتدى على ألوهية الله وخرج من دين الله مهما أعلن أنه يحترم العقيدة وأنه مسلم”، ويذكر نحو ذلك في المجلد الثاني/1018، وزاد في الجرأة إلى أن ذكر في المجلد الثالث/1198: “أن من أطاع بشرًا في شريعة من عند نفسه ولو في جزئية صغيرة فإنما هو مشرك وإن كان في الأصل مسلمًا، ثم فعلها فإنما خرج بها من الإسلام إلى الشرك أيضًا مهما بقي بعد ذلك يقول: أشهد أن لا إله إلا الله بلسانه” اهـ، ثم يطلق القول بعد ذلك في المجلد الثالث/1257 بأن: “الإسلام اليوم متوقف عن الوجود مجرد الوجود”، وقال في نفس الصحيفة بأننا في: “مجتمع جاهلي مشرك”. ويقرر في المجلد الرابع/1945 أن البشرية اليوم بجملتها مرتدة إلى جاهلية شاملة فيقول: “إن رؤية واقع البشرية على هذا النحو الواضح تؤكد لنا أن البشرية اليوم بجملتها قد ارتدت إلى جاهلية شاملة” اهـ.

والعجب من أن أتباعه والمنادين برأيه المكفرين لمن حكم بالقانون ولو في جزئية صغيرة، قسم منهم يشتغلون بالمحاماة، وقسم ءاخر يتعاملون بالقانون كمعاملات الباسبور والفيزا ونقل الكفالة وحجرهم مؤلفاتهم أو مطبوعاتهم على غيرهم أن يطبعوها إلا بإذنهم، ويعتقدون أن من فعل ذلك يحاكم قانونًا، وكفاهم هذا خزيًا وتهافتًا ومناقضة لانفسهم، فعلى مؤدى كلام زعيمهم كفروا وهم لا يشعرون، وهم على موجب نصه هذا قسم منهم عبّاد لبعض الحكومات وقسم منهم عباد لسائر الدول التي يعيشون فيها.

فمن حقق في أمر هذا الرجل عرف أنه ليس له سلف إلا طائفة من الخوارج يقال لهم البيهسية منفردين عن سائر فرق الخوارج بقولهم: إن الملك إذا حكم بغير الشرع صار كافرًا ورعاياه كفار من تابعه ومن لم يتابعه، وسيد قطب كأنه أعاد دعوة عقيدة تلك الفرقة الخارجية التي هي من أشدهم في تكفير المسلمين، وكفاه ذلك خزيًا وضلالاً، لأن الرسول قال في الخوارج: “يخرج قوم حدثاه الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية، يقرءون القرءان لا يجاوز حناجرهم، يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم”، قال عليه السلام: “لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد” رواه البخاري [8].

ويقرر سيد قطب أيضًا في المجلد الثالث/1449-1450 و1451 أن على المُسَمَّيْنَ “بالجماعة الإسلامية” انتزاع زمام الحكم من الحكام، والقضاء على نُظمهم، والثورة وإحداث الانقلابات في الدول.

ويقرر في المجلد الرابع/2012 أن الاشتغال بالفقه الآن بوصفه عملاً للإسلام فهو مضيعة للعمر والأجر أيضًا طالما الناس في جاهلية يعبدون حكامهم. ويذكر في المجلد الرابع/2122 أنه لا يوجد اليوم رئيس مسلم ولا رعية مسلمة ولا مجتمع مسلم، إنما هي على زعمه جاهلية شاملة فيقول: “إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي”، وكلامه هذا يؤدي إلى أن الدنيا كلها بما فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة ليست دار إسلام بل دار حرب. ثم يخالف جميع علماء الإسلام في تفسير قول الله تعالى: {وهو معكم أينَ ما كُنتم} [سورة الحديد/4] فيقول: “هي كلمة على الحقيقة لا على الكناية والمجاز، فالله سبحانه مع كل أحد، ومع كل شئ، في كل وقت وفي كل مكان” المجلد[6/3481]، جعل الله منتشرًا في العالم وهذا كفر، وقوله: “في كل مكان” هذا لم يقله أحد من السلف، إنما قاله جهم بن صفوان الذي قُتل على الزندقة في ءاخر أيام الأمويين، ثم تبعه جهلة المتصوفة من غير فهم للمعنى الذين كان يريده جهم [9]، فكل علماء الإسلام اتفقوا على أن معنى قوله تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم} إحاطة علمه تعالى بكل الخلق.

ويذكر سيد قطب في كتابه المسمى: “معالم في الطريق” [10] ص/5-6 أن وجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة، وفي ص/8 من الكتاب المذكور يقول: “إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية”، وفي ص/17-18 يقول: نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم”.

ثم لم يكتف بذلك بل أداه جهله ووقاحته إلى القدخ والذم بسيدنا موسى عليه السلام فقال في كتابه المسمى: “التصوير الفني في القرءان” ص/162 ما نصه: “لنأخذ موسى، إنه نموذج للزعيم المندفع العصبي المزاج”، ويقول في الصحيفة التالية: “فلندعه هنا لنلتقي به في فترة ثانية من حياته بعد عشر سنوات، فلعله قد هدأ وصار رجلاً هادئ الطبع حليم النفس، كلا…”، ويتهم سيدنا يوسف في الصحيفة 166 بأنه كاد يضعف أمام امرأة العزيز، ويرمي سيدنا إبراهيم عليه السلام بالشك فيقول في الصحيفة/133 ما نصه: “وإبراهيم تبدأ قصته فتى ينظر في السماء فيرى نجمًا فيظنه إلهه، فإذا أفل قال: لا أحب الآفلين، ثم ينظر مرة أخرى فيرى القمر فيظنه ربه ولكنه يأفل كذلك فيتركه ويمضي، ثم ينظر إلى الشمس فيعجبه كبرها ويظنها ولا شك إلهًا ولكنها تُخلِّفُ ظنه هي الأخرى”اهـ. فهذا الكلام مناقض لعقيدة الإسلام التي تنص على أن الأنبياء تجب لهم العصمة من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها، وقول إبراهيم عن الكوكب حين رءاه: {هذا ربي} هو على تقدير الاستفهام الإنكاري، فكأنه يقول: أهذا ربي كما تزعمون، ثم لما غاب قال: {لا أحب الآفلين} [سورة الأنعام/76]، أي لا يصلح أن يكون هذا ربًّا، فكيف تعتقدون ذلك؟ ولما لم يفهموا مقصوده بل بقوا على ما كانوا عليه قال حينما رأى القمر مثل ذلك، فلما لم يجد منهم بغيته أظهر لهم أنه برئ من عبادته وأنه لا يصلح للربوبية، ثم لما ظهرت الشمس قال مثل ذلك، فلم يرّ منهم بغيته فأيس منهم فأظهر براءته من ذلك، وأما هو في حد ذاته كان يعلم قبل ذلك أن الربوبية لا تكون إلا لله بدليل قوله تعالى: {ولقد ءاتينا إبراهيمَ رُشدهُ مِن قبل} [سورة الأنبياء/51].

فتخلص من هذا أنه طعن في مفسري علماء المسلمين سلفهم وخلفهم، وهذا فتح باب للمروق من الدين لا يعلم مبلغ خطره إلا الله، فليحذره المسلمون وليشفقوا على دينهم من هذا الخطر، فإنه صار قدوة للطعن في سلف الأمة وخلفها، ودعوة للخروج الذي خرجته الخوارج فإنها فهمت قول الله تعالى: {إنِ الحُكمُ إلا للهِ} [سورة الأنعام/57] على خلاف المراد به، فتجرأت على تكفير سيدنا علي ومَن والاه، حتى بلغت إلى تكفير كل من ارتكب معصيرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

والعجب من هذا الرجل كيف خفي عليه قوله تعالى: {وجاعِلُ الذين اتَّبَعُوكَ فوقَ الذينَ كفروا إلى يومِ القيامة} [سورة ءال عمران/55]، فإن هذه الآية دليل قرءاني على بقاء هذه الأمة المحمدية على دينها إلى يوم القيامة، لان أمة محمد هم الذين اتبعوا عيسى بعد انقراض من اتبعه على الحقيقة بالإيمان والإسلام والتوحيد، فكيف غفل هذا الرجل عن فهم هذه الآية واتبع توهمه الذي تخيله من أن الأمة المحمدية عاشت على الإسلام المائة الأولى، وأن ما بعد ذلك جاهلية؟ وكيف غفل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”؟ وكيف غفل عن قوله عليه السلام: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة”؟؟ الحديث الأول رواه أبو داود [11]، والثاني رواه الحاكم في المستدرك [12].

أما ءان لكم أيها المغترون به أن تُفيقوا من سُبات الغفلة إلى اليقظة، وأنتم يا أيها المتعصبون لهذا الرجل اتقوا الله وارجعوا عن منهجكم هذا حتى تكونوا مع جمهور الأمة، ومَنْ شذَّ شذَّ في النار، والله نسأل أن يعصمنا عن مثل هذا الزلل.

فبعد هذا البيان كيف تجرأت يا دكتور على وصف سيد قطب بالكاتب والإنسان الكبير وتمتدح تفسيره [13] بل وتترحم عليه.

الهوامش:

[1] المعجم الكبير [19/395].

[2] الجامع لأحكام القرءان [6/190-191].

[3] صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب رجم اليهود أهل الذمة…الخ.

[4] تفسير الخازن [1/467-468].

[5] المستدرك [2/313].

[6] سنن البيهقي [8/20].

[7] مسند أحمد [1/439].

[8] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأنبياء: باب قول الله تعالى: {وإلى عادٍ أخاهُمْ هودًا}.

[9] جهم كان يقول هذه العبارة، وكان يريد معناها الحقيقي وهو الانتشار، وجهلة المتصوفة يريدون السيطرة على كل مكان، وقد نسب هذا القول إلى جهلة الصوفية إسماعيل حقي النازلي في تفسيره “روح البيان” وهو من الصوفية، فليعلم هؤلاء في أيّ واد يعيشون.

[10] طبعة دار الشروق- بيروت.

[11] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الملاحم: باب ما يذكر في قرن المائة.

[12] المستدرك [4/449].

[13] اعتمدنا في نقلنا من الكتاب المسمى “في ظلال القرءان” على طبعة دار الشروق-بيروت.